موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

منها الكذب في الخبر الواحد. فعند ذلك يمكن أن يستدلّ بخبرها على صدقه وصحّته. وكل ذلك يعود إلى شرط واحد ، وهو : أن يعلم من حالها أنّها مخبرة ، ولا داعي لها إلى الكذب. وإذا علمناها مخبرة مع زوال الدواعي علمناها صادقة ، لأنّ ذلك لا يعلم إلّا بالوجوه التي ذكرناها (ق ، غ ١٦ ، ١٠ ، ٨)

خبر يقع العلم عنده

ـ إنّ العادة في الخبر الذي يقع العلم عنده ، يجب أن تتّفق ولا تختلف إذا اشترك المخبرون في القدر والصفة. يدلّ على ذلك أنّه لو لم يجب أن تتّفق العادة في ذلك ـ وجاز أن يقع العلم بخبر عدد واحد دون آخر ، (أن) يخبر عدد دون عدد منهم ، مع اشتراكهم في أنّهم مضطرّون إلى ما خبّروا عنه ـ لوجب أن يجوز ، فيمن سمع من الأخبار ما سمعنا وخالط كمخالطتنا ، ألّا يكون عالما لصحّة الأخبار التي علمنا ، نحن ، صحّتها. ولو جوّزنا نحن ذلك لجوّزنا فيمن خبرنا مع المخالطة ، أنّه لا يعرف أنّ في الدنيا مكّة ، وخراسان ، والصين ، أن يكون صادقا. وقد علمنا أنّا لا نجوّز ذلك ، وأنّا نعلم فيمن خبرنا بذلك عن نفسه ـ وحاله ما ذكرناه ـ أنّه كاذب. وهذا يبيّن أنّ العادة فيه متّفقة ؛ لأنّه ليس إلّا هذا القول ، أو القول بأنّها مختلفة ، واختلافها يؤدّي إلى ما ذكرناه (ق ، غ ١٥ ، ٣٦٨ ، ٢)

ختم

ـ أمّا قوله (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (البقرة : ٧) و (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (النساء : ١٥٥) فليس ذلك على أنّه منعهم مما أمرهم به ـ تعالى عن ذلك ـ ولكنّه على الاسم والحكم والشهادة. ألا تراه يقول" بكفرهم" وإنّما ختم على قلوبهم مما فيها من الكفر (خ ، ن ، ٨٩ ، ٢٠)

ـ القول في الختم والطبع. اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين : فزعم بعضهم أنّ الختم من الله سبحانه والطبع على قلوب الكفّار هو الشهادة والحكم أنّهم لا يؤمنون ، وليس ذلك بمانع لهم من الإيمان. وقال قائلون : الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف إذا صدئ من غير أن يكون ذلك مانعا لهم عمّا أمرهم به (ش ، ق ، ٢٥٩ ، ١)

ـ يقال لهم : أليس قد قال الله عزوجل : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (البقرة : ٧) وقال عزوجل : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الأنعام : ١٢٥) فخبّرونا عن الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، أتزعمون أنه هداهم وشرح للإسلام صدورهم وأضلهم؟ فإن قالوا : نعم ، تناقض قولهم ، وقيل لهم : كيف القفل الذي قال الله عزوجل : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (محمد : ٢٤) مع الشرح ، والضيق مع السعة ، والهدى مع الضلال؟ إن كان هذا ، جاز أن يجتمع التوحيد والإلحاد الذي هو ضد التوحيد ، والكفر والإيمان معا في قلب واحد ، وإن لم يجز هذا لم يجز ما قلتموه (ش ، ب ، ١٤٧ ، ٤)

ـ المعتزلة يقولون : إنّ قوله" ختم" ، و" طبع" يعلم علامة في قلبه أنّه لا يؤمن كإعلام الكتب والرسائل (م ، ت ، ٤٣ ، ٧)

ـ خلق الختم والطبع على قلبه (إذا فعل فعل

٥٤١

الكفر ؛ لأن) فعل الكفر من الكافر مخلوق عندنا ، فخلق ذلك الختم عليه. وهو كقوله (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) (الأنعام : ٢٥) أي خلق الأكنّة. وغيره من الآيات (م ، ت ، ٤٣ ، ١٠)

ـ إنّ الختم في اللغة لا يعقل منه القدرة على الكفر ، ولا الكفر ، وإنّما يستعمل في العلامة الحاصلة بنقش الخاتم وما شاكلها ، وإن كان قد يراد به انتهاء الشيء ، وقد يراد به الحكم عليه بأنّه لا ينتفع بما سمعه ، كما يقال فيمن نظر كثيرا وبيّن له طويلا : ختمت عليك أنّك لا تفهم .. إلى ما يشاكله ، وحقيقته ما ذكرناه أولا ... ويجب أن يحمل على أنّ المراد به أنّه علّم على قلوبهم بعلامة تعرف بها الملائكة أنّهم من أهل" الذمّ" ، كما كتب في قلوب المؤمنين الإيمان ؛ لكي تعلم الملائكة أنّهم من أهل المدح وعرّفنا أنّ ذلك لطف ، لأنّ أحدنا إذا علم مع عظم حال الملائكة عنده ، أنّه إن أقدم على المعاصي ذمّوه فيما بينهم وفضحوه بكثرة اللوم ، كان إلى أن ينصرف عن المعصية أقرب (ق ، م ١ ، ٥١ ، ١٤)

ـ على أنّ المراد : ما يقوله بعض شيوخنا رحمهم‌الله ، من أنّ المراد به (الختم) العقوبة ؛ لأنّه خصّهم بضرب من العقوبة ، من حيث كفروا ودانوا بالكفر فبيّن أنّه تعالى يعاقبهم على ذلك في الدنيا بالذمّ والتوبيخ وإظهار ذلك ، وسمّاه ختما ، ثم لهم في الآخرة عذاب عظيم (ق ، م ١ ، ٥٤ ، ٥)

ـ لو احتمل الختم أن يكون مفيدا" للمنع" ، ولما ذكرنا ، لوجب صرفه إلى ما قلناه من حيث ثبت بالعقل أنّه تعالى لا يجوز أن يأمر بالإيمان ويرغب فيه ويعد عليه ويزجر عن خلافه ، ويمنع مع ذلك منه ، ولا يجوز ذلك عليه وهو يقول : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (الانشقاق : ٢٠) (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) (الإسراء : ٩٤). وكل ذلك يوجب صحّة ما قلناه (ق ، م ١ ، ٥٤ ، ٦)

ـ الجبائي وابنه ... قالا : من كفر وسم الله قلبه سمة يعلمها الملائكة ، فإذا ختموا على القلوب تميّزت لهم قلوب الكفّار من أفئدة الأبرار. فهذا معنى الختم عندهما (ج ، ش ، ١٩٢ ، ١٤)

ـ الختم والكتم أخوان ، لأنّ في الاستيثاق من الشيء ضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئلا يتوصّل إليه ولا يطلع عليه ... فإن قلت : ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت : لا ختم ولا تغشية ، ثم على الحقيقة وإنّما هو من باب المجاز ، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الاستعارة والتمثيل. أمّا الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأنّ الحق لا ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه واستكبارهم عن قبوله واعتقاده ، وأسماعهم لأنّها تمجه وتنبو عن الإصغاء إليه وتعاف اسماعه كأنّها مستوثق منها بالختم ، وأبصارهم لأنّها لا تجتلي آيات الله المعروضة ودلائله المنصوبة كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين كأنّما غطّى عليها وحجبت وحيل بينها وبين الإدراك. وأمّا التمثيل فإن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التي كلّفوها وخلفوا من أجلها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية (ز ، ك ١ ، ١٥٥ ، ٥)

ـ الشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر ، إلّا أنّ الله سبحانه لمّا كان هو الذي أقدره ومكّنه أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى المسبب. ووجه رابع وهو أنّهم لمّا كانوا على القطع

٥٤٢

والبتّ ممن لا يؤمن ولا تغنى عنهم الآيات والنذر ولا تجدى عليهم الألطاف المحصلة ولا المقربة إن أعطوها لم يبق بعد استحكام العلم بأنّه لا طريق إلى أن يؤمنوا طوعا واختيارا طريق إلى إيمانهم إلّا القسر والإلجاء ، وإذا لم تبق طريق إلّا أن يقسرهم الله ويلجئهم ، ثم لم يقسرهم ولم يلجئهم لئلا ينتقض الغرض في التكليف عبّر عن ترك القسر والإلجاء بالختم إشعارا بأنّهم الذين ترامى أمرهم في التصميم على الكفر والإصرار عليه إلى حد لا يتناهون عنه إلّا بالقسر والإلجاء ، وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ واستشرائهم في الضلال والبغى (ز ، ك ١ ، ١٦٢ ، ٧)

ـ لكن نبيّا ، ختم النبيين. فإن قلت : كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت : معنى كونه آخر الأنبياء أنّه لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله ، وحين ينزل ينزل عاملا على شريعة محمّد مصليا إلى قبلته كأنه بعض أمّته (ز ، ك ٣ ، ٢٦٥ ، ٣)

ـ (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) (الشورى : ٢٤) فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب ، فإنّه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلّا من كان في مثل حالهم ، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله ، وأنّه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا أن يخوّن بعض الأمناء فيقول : لعلّ الله خذلني ، لعلّ الله أعمى قلبي ، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب وإنّما يريد استبعاد أن يخوّن مثله والتنبيه على أنّه ركب من تخوينه أمر عظيم ، ثم قال : ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق (بكلماته) بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) (الأنبياء : ١٨) ، يعني لو كان مفتريا كما تزعمون لكشف الله افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه ، ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنّه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم. إنّ الله عليم بما في صدرك وصدورهم فيجري الأمر على حسب ذلك. وعن قتادة : يختم على قلبك ينسك القرآن ويقطع عنك الوحى : يعني لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك ، وقيل يختم على قلبك يربط عليه بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم (ز ، ك ٣ ، ٤٦٨ ، ١٣)

ـ العدليّة : والطبع على القلب والختم عليه لا يمنعان من الإيمان ، وإنّما هما علامة جعلها الله على قلب كل كافر ليتميّز للملائكة ، وفيه نوع لطف. مسألة المجبرة : بل يمنع. وفسّروه بخلق الكفر ، وقيل : القدرة الموجبة له. قلنا : فاسد لغة وعقلا ، وقوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء : ١٥٥) ، فجعل الطبع غير الكفر (م ، ق ، ١٠١ ، ٤)

ـ العدليّة : ولا يجوز أن يقال إنّ الله تعالى ختم على قلوب الكفّار وطبع بمعنى غطّى ، خلافا للمجبرة. قلنا : أمرهم ونهاهم عكس من لم يعقل نحو المجانين ، إذ خطاب من لم يعقل صفة نقص ، والله يتعالى عنها (ق ، س ، ١١٥ ، ١٨)

ختم وطبع

ـ كان (الأشعري) يذهب في تأويل الختم والطبع وجعل الأقفال والأكنّة على القلوب إلى أنّ جميع ذلك بمعنى خلق الكفر والجهل والجحد

٥٤٣

للحقّ والاستثقال له. وكان يقول : " إنّا لا ننكر أن يكون الختم والطبع علامة على قلب الكافر يميّز بها الملك الوليّ من العدوّ ، ولكنّه لا يكون إلّا لمن خلق في قلبه الجهل والكفر". وكان يقول إنّ من حمل الطبع على معنى الحكم بالكفر فقد أخطأ اللغة ، لأنّه لا يقال في اللغة" طبعت عليه أنّه لا يفلح" ، وإن كان يقال" ختمت عليه أنّه لا يفلح". فإذا كان كذلك فتأويلهم هذا مع الاستكراه له بعيد وغير ناف لما قلنا إنّه ضلال الضالّين وكفر الكافرين في قلوبهم ، ثم يجعل لهما علامات (أ ، م ، ١٠٥ ، ٥)

خذلان

ـ الخذلان هو ترك الله سبحانه أن يحدث من الألطاف والزيادات ما يفعله بالمؤمنين كنحو قوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (محمد : ١٧) فترك الله سبحانه أن يفعل هو الخذلان من الله للكافرين (ش ، ق ، ٢٦٤ ، ١٥)

ـ الخذلان من الله سبحانه هو تسميته إيّاهم والحكم بأنّهم مخذولون (ش ، ق ، ٢٦٥ ، ٢)

ـ الخذلان عقوبة من الله سبحانه وهو ما يفعله بهم من العقوبات (ش ، ق ، ٢٦٥ ، ٤)

ـ إنّ الخذلان يكون بمعنى الهلاك والعقوبة ، وقد يكون بمعنى وجود قدرة الكفر. وكان (الأشعري) لا يقول : كل قدرة على المعصية خذلان ، بل قدرة الكفر هي الخذلان دون غيرها من القدر (أ ، م ، ١٢٣ ، ٢٠)

ـ أمّا الخذلان : فهو كل فعل حرمه الظفر بما يتبعه وينفعه مما يؤثّر في قلب عدوّه. فقد يكون الكافر مخذولا بالحجّة ؛ لأنه لا حجّة له. وقد تكون معاصيه خذلانا ، من حيث يستحقّ بها الاستخفاف والنكار. وما يغلب عنده يوصف بذلك أيضا : من إلقاء الرعب في قلبه ، وإخطار الخوف بباله ، إلى ما شاكل ذلك (ق ، م ٢ ، ٧٢٦ ، ١٨)

ـ الأظهر في الخذلان : أنّه أجمع عقوبة (ق ، م ٢ ، ٧٢٧ ، ٣)

ـ أمّا الخذلان فالأقرب في جميعه أن يجري مجرى العقاب ، لأنّه لا يكون إلّا مضار واقعة بمن فسق وعصى ـ من ذمّ واستخفاف ، أو أمر بذلك ـ أو ترك للمعونة فيما يكون في باب الدين ، أو ظفر عليه في باب الجهاد ، إلى غير ذلك (ق ، غ ١٣ ، ١١٢ ، ١٠)

ـ القوّة التي ترد من الله تعالى فيفعل العبد بها الشرّ تسمّى بالإجماع خذلانا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٢)

ـ التوفيق خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٢)

ـ صرف المعتزلة التوفيق إلى خلق لطف يعلم الرّب تعالى أنّ العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٤)

ـ معنى الخذلان منع الألطاف ، وإنّما يمنعها من علم أنّها لا تنفع فيه وهو المصمّم على الكفر الذي لا تغني عنه الآيات والنذر ، ومجراه مجرى الكناية لأنّ منع الألطاف يردف التصميم والغرض بذكره التصميم نفسه ، فكأنّه قيل : صمّموا على الكفر حتى كانوا أئمة فيه دعاة إليه وإلى سوء عاقبته (ز ، ك ٣ ، ١٨١ ، ٥)

ـ التوفيق عنده (الأشعريّ) : خلق القدرة على الطاعة ، والخذلان عنده : خلق القدرة على المعصية. وعند بعض أصحابه : تيسير أسباب الخير هو التوفيق ، وبضدّه الخذلان (ش ، م ١ ، ١٠٢ ، ١٧)

٥٤٤

ـ الخذلان لا يتصوّر مضافا إلى الله تعالى بمعنى الإضلال والإغواء والصدّ عن الباب وإرسال الحجاب على الألباب ، إذ يبطل التكليف به ويكون العقاب ظلما (ش ، ن ، ٤١١ ، ١٧)

ـ الخذلان خلق قدرة المعصية (ش ، ن ، ٤١٢ ، ٦)

ـ العدليّة : والتوفيق هو اللطف في الفعل ، والخذلان منع اللطف ممن لا يلتطف. الحاكم : عقوبة. قلت : فيه نظر. المجبرة : بل التوفيق خلق الطاعة ، والخذلان خلق المعصية. قلنا : على أصل فاسد (م ، ق ، ١٠٥ ، ١٠)

ـ الخذلان : عدم تنوير القلب بزيادة في العقل الكافي ، مثل تنوير قلوب المؤمنين (ق ، س ، ١٣٣ ، ٩)

خشوع

ـ قال الحسن : الخشوع هو الخوف اللازم بالقلب (م ، ت ، ١٤٣ ، ٣)

خشية

ـ إنّ الخشية لا تكون إلّا بالمعرفة ، قال الله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (فاطر : ٢٨) أي العلماء به. وذكر الخشية لأنّها ملاك الأمر ، من خشى الله أتى منه كل خير ، ومن أمن اجترأ على كل شرّ ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام" من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل" (ز ، ك ٤ ، ٢١٣ ، ٢٢)

خصوص

ـ المعبّر بلفظة العموم لا يكون قوله عامّا إلّا بأن يقصد ما وضع له ، فبالقصد الذي ذكرناه ما يتعلّق بجميع ما وضع له ، لا لصيغته فقط ؛ يبيّن ذلك أنّه لو تكلّم به وهو لا يعرف المواضعة ولا قصد الطريقة التي وضعوا اللفظة لها لم يكن مفيدا ولا عامّا ، ويحل ذلك محل أن يتكلّم المتكلّم بذلك قبل وقوع المواضعة عليه. وقد علمنا أنّ الكلام لا يفيد ، ولمّا وقعت المواضعة فكذلك لا يفيد ممن لا يقصد طريقة المواضعة. يبيّن ذلك أنّ الموضوع للعموم قد علمنا أنّه يصحّ أن يفيد به الخصوص ، كما يصحّ أن يفيد به العموم ، والصفة واحدة ، فلو كان لصورته مع تقدّم المواضعة يكون عبارة عن جميع ما تناوله لوجب ذلك فيه وإن قصد بها الخصوص ، وبطلان ذلك يبيّن أنّه يصير عامّا فيما وضع له بالقصد دون الصيغة (ق ، غ ١٧ ، ١٤ ، ١١)

ـ معنى الخصوص الإفراد. وهو على وجهين أحدهما يتناول شيئا بعينه ، والآخر خصوص بالإضافة إلى ما هو أعمّ منه ، وإن كان عموما في نفسه كالحيوان خصوصا في الأجسام وعموم في أنواعه (ب ، أ ، ٢١٨ ، ٨)

خط

ـ إن اقتضى (العرض) قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد. وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ، أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٤)

خطأ

ـ إنّ الخطأ المعروف في الشاهد نوعان :

٥٤٥

أحدهما خروج الفعل على تقدير يجهله ، والثاني وقوعه في غير الذي يريده ، فلو كان الله تعالى يريد بما أعطى غير الذي يكون به لكان يكون فعله خطأ ، على ما عرفنا الله تعالى من فعل الخطأ (م ، ح ، ٢٩٢ ، ١٩)

ـ قد قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في بعض الفصوص : إنّ الأصل في الخطأ هو أنّه لم يقع ما قصد إليه من الفعل على ما قصد إليه. كقولهم : أخطأ الهدف (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ١٨)

ـ يوصف القبيح بأنّه معصية ؛ وقد كان في الأصل في هذه اللفظة لا يقتضي قبحه ، وإنّما يوجب أنّ كارها كرهه ، لكن في التعارف استعمل فيما هو معصية لله ، وعلم أنّه لا يكره إلّا القبيح ، فصار بالإطلاق متعارفا فيه ، ويوصف بأنّه خطأ ، لا من جهة اللغة ، لأنهم لا يستعملون ذلك في طريقة القصد الذي هو يقتضي العمد ، لكن من جهة التعارف ، تشبيها بمن أخطأ قصده فقيل في القبيح إنّه خطأ ، على هذا الحدّ (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ١٠)

خطاب

ـ اعلم أنّ الخطاب على ضربين : أحدهما يدلّ على ما لو لا الخطاب لما صحّ أن يعلم بالعقل ، والآخر يدلّ على ما لولاه لأمكن أن يعرف بأدلّة العقول. ثم ينقسم ذلك ، ففيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بأدلّة العقول ، ويصحّ أن يعلم مع ذلك الخطاب ، فيكون كل واحد كصاحبه في أنّه يصحّ أن يعلم به الغرض. وفيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بالعقل ولا يمكن أن يعلم إلا به. فالأول هو الأحكام الشرعيّة ، فإنّها إنّما تعلم بالخطاب وما يتّصل به ، ولولاه لما صحّ أن يعلم بالعقل الصلوات الواجبة ولا شروطها ولا أوقاتها ، وكذلك سائر العبادات الشرعية. والثاني هو القول في أنّه عزوجل لا يرى ، لأنّه يصحّ أن يعلم سمعا وعقلا ، وكذلك كثير من مسائل الوعيد. والثالث بمنزلة التوحيد والعدل ؛ لأنّ قوله عزوجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف : ٤٩) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) لا يعلم به التوحيد ونفي التشبيه والقول بالعدل ، لأنّه متى لم يتقدّم للإنسان المعرفة بهذه الأمور ، لم يعلم أنّ خطابه تعالى حق ، فكيف يمكنه أن يحتجّ فيما إن لم تتقدّم معرفته به لم يعلم صحّته؟! (ق ، م ١ ، ٣٥ ، ١١)

ـ إنّ الأمر إنّما يكون خطابا لقوم بأن يتناول الفعل من كل واحد منهم ، فهو في كونه خطابا تابع به للمأمور به .. يبيّن ذلك : أنه لا يجوز أن يريد المأمور من عشرة ولا يكون مخاطبا لهم ، وقد يكون مخاطبا لهم بذلك على طريق الأداء ، لا على جهة التكليف وإن لم يرد الفعل منهم ، فصار كونه خطابا تابعا لإرادة الفعل منهم لا محالة ، فمتى أراد ذلك فقد أغنى عن قصد زائد في كونه خطابا لهم ، ومتى لم يرد الفعل منهم احتاج إلى قصد زائد يصير به خطابا لجماعتهم ، ثم ينظر في الوجه الذي قصد إليه ، وإن كان على طريقة الخبر كفى فيه قصد واحد ، وإن كان على طريقة التكليف فالحكم ما قدّمناه ، فصار كونه خطابا للمكلّفين لا يكون إلّا تابعا ، على ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٢٠ ، ١٧)

ـ كما أنّ المكلّم أخصّ من المتكلّم ، فالمخاطب أخصّ من المكلّم لأنّه يقتضي قصده بالكلام إلى من تصحّ فيه الإجابة. والخطاب هو الكلام الذي هذه حاله. وغير ممتنع في المسموع الآن

٥٤٦

من قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (المزمل : ٢٠) أن يجعل خطابا لنا لأنّه حادث في الحال وهو كلام الله تعالى بالعرف على تقدير أنّه لو كان حادثا من قبله تعالى ، لكان خطابا لنا ، والمخاطبة تقع بين اثنين لأنّها مفاعلة ، فتقتضي أنّ كل واحد منهما له فعل (أ ، ت ، ٤٠٨ ، ٤)

خطاب الله

ـ اعلم أنّ الخطاب على ضربين : أحدهما يستقلّ بنفسه في الإنباء عن المراد ، فهذا لا يحتاج إلى غيره في كونه حجّة ودلالة. والثاني لا يستقلّ بنفسه فيما يقتضيه ، بل يحتاج إلى غيره ، ثم ينقسم ذلك إلى قسمين : أحدهما : يعرف المراد به وبذلك الغير بمجموعهما ، والثاني يعرف المراد به بذلك الغير بانفراده ، ويكون هذا الخطاب لطفا وتأكيدا. ولا يخرج خطاب الله أجمع عن هذه الأقسام الثلاثة. والقرائن قد تكون متّصلة سمعا ، وقد تكون منفصلة سمعا وعقلا ، وقد بيّنا أنّ الدليل العقليّ وإن انفصل فهو كالمتّصل في أنّ الخطاب يترتّب عليه ، لأنّ قوله جلّ وعزّ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١) مع الدليل العقليّ الدالّ على أنّه لا يكلّف من لا عقل له ، آكد في بابه من أن يقول : يا أيّها العقلاء اتّقوا ربّكم (ق ، م ١ ، ٣٤ ، ٧)

ـ إنّ خطابه تعالى يتّفق في أنّه لا بدّ من أن يكون دليلا. وإنّما يكون كذلك بوجهين : أحدهما : أن يريد به ما يقتضيه ظاهره فيكون مجرّده دلالة على المراد. أو يريد به غير ذلك ، فلا بدّ من بيان مقترن به كاقتران بعض الكلام ببعض ، لأنّه إن كان ممّا يعرف بالسمع فلا بدّ من أن يتّصل به أهل الشرط والاستثناء ، وما يجري مجراهما ؛ وإن كان من أدلّة العقول فاقترانه به أوكد من ذلك ، ولا يجوز في خطابه تعالى أن يخلو من هذين الوجهين ، ولا بدّ في البيان من أن يكون بيانا في الوقت لسائر من تعلّق ذلك الخطاب به ، وحتى لا يجوز أن يكون بيانا لبعضهم دون بعض ، كما لا يجوز أن يتأخّر البيان. والأمر والنهي والخبر ، الذي يتضمّن الوعد والوعيد ، أو لا يتضمّنهما ، يتّفق في ذلك. ولا نجيز في خطابه التخصيص بلا دلالة ، ولا الاستثناء المضمر ، ولا الشرط الذي لا يظهر بنفسه ، أو بدليله (ق ، غ ١٧ ، ٣٧ ، ١٣)

خطوط مطلقة

ـ أمّا الخطوط المطلقة فإنّما تناهي جهة السطح وانقطاع تماديها (ح ، ف ٥ ، ٦٩ ، ٥)

خفيف

ـ إنّ الخفيف من شأنه العلو وإنّ الثقيل من شأنه الانحدار إلى أسفل ، إنّ الخفيف أن خلي وما طبعه الله عليه (علا ولحق بأعلى عالمنا هذا وإنّ الثقيل إن خلي وما طبعه الله عليه) نزل ولحق بأسفل عالمنا هذا ، لا أنّه يثبت في العلو وفي السفل عالمين سوى عالمنا هذا يلحق بهما الخفيف والثقيل إذا خلّيا وما طبعا عليه (خ ، ن ، ٣٦ ، ١٤)

ـ اختلفوا في الثقل والخفّة فأنكرهما أبو الحسن الأشعري وقال إنّ الثقيل إنّما يثقل على غيره بزيادة أجزائه والخفيف يكون أخفّ من غيره بقلّة أجزائه ، وأثبت القلانسي الثقل عرضا غير الثقيل وبه قال ابن الجبائي مع نفيه كون الخفّة معنى (ب ، أ ، ٤٦ ، ١)

٥٤٧

خلاء

ـ إنّ الجوهرين يجوز أن يكونا مفترقين ولا ثالث بينهما. ذهب شيوخنا إلى أنّ ذلك صحيح ، ولهذا جوّزوا أن يكون في العالم خلاء ؛ بل أوجبوا ذلك. وقال شيخنا أبو القاسم لا يجوز أن يكون الجوهران مفترقين ولا ثالث بينهما ، وأحال أن يكون في العالم خلاء. والذي يدلّ على صحّة ما قلناه وجوه : أحدها أنّ العالم لو لم تكن فيه مواضع خالية من الجواهر والأجسام ، لكان يتعذّر علينا التصرّف. فلمّا علمنا أنّه لا يتعذّر علينا ذلك ، علمنا أنّ فيه خلاء (ن ، م ، ٤٧ ، ٩)

ـ أنّا لو قدّرنا أربعة أجزاء كالخط ، ثم قدّرنا نقل الأجزاء التي في الوسط في حالة واحدة ، لكان يجب أن لا يخلو حال هذين الجزءين اللذين هما طرف الخط من أحد أمرين : إمّا أن يلتقيا أو لا يلتقيا. فإن التقيا أدّى إلى القول بالطفر ؛ وذلك لا يصحّ. وإن لم يلتقيا وبقيا مفترقين ولا جوهر بينهما ، فهو الذي نريده من القول بإثبات الخلاء (ن ، م ، ٥٠ ، ١٣)

ـ ما قولكم لو فنيت الأجسام التي بين السماء والأرض ، وبقيت السماء والأرض ، هل تتّصل إحداهما بالأخرى في حال ما تفنى الأجسام بينهما ، أو لا تتّصل إحداهما بالأخرى؟ فإن قالوا : لا تتّصل إحداهما بالأخرى ولا تلتقي ، فقد جوّزوا الخلاء. وإن قالوا تتّصل لا محالة إحداهما بالأخرى ، فقد قالوا بالطفر (ن ، م ، ٥١ ، ١١)

ـ اعلم أنّه كما يستحيل ما قدّمناه ذكره من اجتماع جوهرين في جهة واحدة أو وجود الجوهر الواحد في مكانين ، فغير مستحيل حصول جوهرين على وجه لا ثالث بينهما. وهذا هو القول بثبوت الخلاء في العالم (أ ، ت ، ١١٦ ، ١٨)

ـ المراد من الخلاء كون الجسمين بحيث لا يتماسّان ولا يكون بينهما ما يماسانه (ف ، م ، ١٠٠ ، ٣)

خلاف

ـ الضدّ هو الممانع المفاسد لغيره مثل الحلاوة والمرارة والحرّ والبرد والخلاف مثل الحلاوة والبرودة والحموضة والبرد (ش ، ق ، ٣٢٧ ، ٧)

ـ ليس كل خلاف ضدّا ، فالجوهر خلاف العرض من كل وجه حاشا الحدوث فقط وليس ضدّا له (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ٢٣)

ـ الحركة والسكون خلاف الجسم وليسا ضدّا له ، إذ ليسا معه تحت جنس واحد أصلا ، وإنّما يجمعها وإيّاه الحدوث فقط ، فلو كان كل خلاف ضدّا لكان الجسم فاعلا لضدّه وهو الحركة أو السكون ... فصحّ بالضرورة أنّه ليس كل خلاف ضدّا ، وصحّ أنّ الفاعل يفعل خلافه (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ٤)

ـ الحركة والسكون خلاف الجسم وليسا ضدّا له ، إذ ليسا معه تحت جنس واحد أصلا ، وإنّما يجمعها وإيّاه الحدوث فقط ، فلو كان كل خلاف ضدّا لكان الجسم فاعلا لضدّه وهو الحركة أو السكون ... فصحّ بالضرورة أنّه ليس كل خلاف ضدّا ، وصحّ أنّ الفاعل يفعل خلافه (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ٧)

خلافة

ـ فلا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمّة إلّا على المتولّي لأمور أهل الإسلام ، فإن قال قائل بأنّ اسم الإمارة واقع

٥٤٨

بلا خلاف على من ولى جهة من جهات المسلمين ، وقد سمّي بالأمارة كل من ولّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهة من الجهات أو سريّة أو جيشا وهؤلاء مؤمنون ، فما المانع من أن يوقع على كل واحد اسم أمير المؤمنين فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنّ الكذب محرّم بلا خلاف ، وكل ما ذكرنا فإنّما هو أمير لبعض المؤمنين لا لكلّهم ، فلو سمّي أمير المؤمنين لكان مسمّيه بذلك كاذبا لأنّ هذه اللفظة تقتضي عموم جميع المؤمنين وهو ليس كذلك ، وإنّما هو أمير بعض المؤمنين ، فصحّ أنّه ليس يجوز البتّة أن يوقع اسم الإمامة مطلقا ولا اسم أمير المؤمنين إلّا على القرشيّ المتولّي لجميع أمور المؤمنين كلّهم أو الواجب له ذلك ، وإن عصاه كثير من المؤمنين وخرجوا عن الواجب عليهم من طاعته والمفترض عليهم من بيعته فكانوا بذلك فئة باغية حلالا قتالهم وحربهم ، وكذلك اسم الخلافة بإطلاق ، لا يجوز أيضا إلّا لمن هذه صفته (ح ، ف ٤ ، ٩٠ ، ١٦)

خلاق

ـ (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إنّما شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) (إذا دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) (يس : ٨٢) أن يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث : أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٦)

خلف

ـ أمّا الخلف فهو أن يخبر أنّه يفعل فعلا في المستقبل ثم لا يفعله ، ثم أنّ الخلف ربما يكون كذبا بأن يخبر عن نفس الفعل ثم لا يفعله ، وربما لا يكون كذبا بأن يخبر عن عزمه على الفعل ثم لا يفعله. ولهذا فإنّه لمّا استحال العزم على الله تعالى ، لم يكن الخلف في حقّه إلّا كذبا تعالى الله عنه علوّا كبيرا (ق ، ش ، ١٣٥ ، ١٥)

خلق

ـ أصحاب" أبي موسى المردار" فيما حكى" أبو الهذيل" عن أبي موسى أنّه كان يزعم أنّ الله أراد معاصي العباد بمعنى أنّه خلّى بينهم وبينها ، وكان" أبو موسى" يقول : خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا بخلق (ش ، ق ، ١٩٠ ، ١٠)

ـ قال" أبو الهذيل" : خلق الشيء [الذي] هو تكوينه بعد أن لم يكن هو غيره وهو إرادته [له] وقوله له : كن ، والخلق مع المخلوق في حاله وليس بجائز أن يخلق الله سبحانه شيئا لا يريده ولا يقول له كن ، وثبت خلق العرض غيره وكذلك خلق الجوهر ، وزعم أنّ الخلق الذي هو إرادة وقول لا في مكان ، وزعم أنّ التأليف هو خلق الشيء مؤلّفا وأنّ الطول هو خلق الشيء طويلا ، وأنّ اللون خلقه له ملوّنا ، وابتداء الله الشيء بعد أن لم يكن هو خلقه له وهو غيره ، وإعادته له غيره وهو خلقه له بعد فنائه ، وإرادة الله سبحانه للشيء غيره ، وإرادته للإيمان غير أمره به (ش ، ق ، ٣٦٣ ، ١٠)

ـ حكي عن" هشام بن الحكم" إنّ خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ١٤)

ـ قال" بشر بن المعتمر" : خلق الشيء غيره ،

٥٤٩

والخلق قبل المخلوق ، وهو الإرادة من الله للشيء (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ١٦)

ـ قال" إبراهيم النظّام" : الخلق من الله سبحانه الذي هو تكوين ، هو المكوّن ، وهو الشيء المخلوق ، وكذلك الابتداء هو المبتدأ والإعادة هي المعاد ، والإرادة من الله سبحانه تكون إيجادا للشيء ، وهي الشيء وتكون أمرا ، وهي غير المراد ، كنحو إرادة الله للإيمان هي أمره به ، وتكون حكما وإخبارا ، وهي غير المحكوم والمخبر عنه (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ١)

ـ قال" الجبّائي" : الخلق هو المخلوق والإرادة من الله غير المراد ، وفعل الإنسان هو مفعوله ، وإرادته غير مراده ، وكان يزعم أنّ إرادة الله سبحانه للإيمان ، غير أمره به وغير الإيمان ، وإرادته لتكوين الشيء غيره (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٨)

ـ قال" أبو الهذيل" : الخلق الذي هو تأليف والذي هو لون والذي هو طول والذي هو كذا كل ذلك مخلوق في الحقيقة وهو واقع عن قول وإرادة ، والخلق الذي هو قول وإرادة ليس بمخلوق في الحقيقة وإنما يقال : مخلوق في المجاز (ش ، ق ، ٣٦٦ ، ١)

ـ " بشر بن المعتمر" يقول : خلق الشيء غيره ، ويجعل الإرادة خلقا له ، وينكر قول" أبي الهذيل" إنّ الخلق إرادة وقول ، وكان ينكر القول (ش ، ق ، ٥١٠ ، ١٢)

ـ إنّ الخلق الذي هو إرادة وقول لا يقال أنّه مخلوق إلّا على المجاز ، وخلق الله سبحانه للشيء مؤلّفا الذي هو تأليف ، وخلقه للشيء ملوّنا الذي هو لون ، وخلقه للشيء طويلا الذي هو طول ، مخلوق في الحقيقة (ش ، ق ، ٥١١ ، ١)

ـ خلق الشيء غيره وهو مخلوق لا بخلق (ش ، ق ، ٥١١ ، ٥)

ـ " بشر بن المعتمر" قال : خلق الشيء غيره وهو قبله ، وأنّ" معمّرا" قال : خلق الشيء غيره وهو قبله ، وللخلق خلق إلى ما لا نهاية له وهي كلها معا ، وأنّ" هشام بن الحكم" قال : خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره (ش ، ق ، ٥١١ ، ٧)

ـ قال" عبّاد" : خلق الشيء غير الشيء وهما معا وخطّأ من قال : الخلق غير المخلوق ومن قال : خلق الشيء غيره لأنّ القول مخلوق خبر عن شيء وخلق ، وإذا قلت خلق الشيء غيره أوهم هذا الكلام أنّه غير نفسه (ش ، ق ، ٥١١ ، ١٣)

ـ قد قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) (الواقعة : ٥٨ ـ ٥٩) فما استطاعوا أن يقولوا بحجّة أنهم يخلقون ما يمنون مع (تمنّيهم) الولد فلا يكون ومع كراهتهم له فيكون. وقد قال الله تعالى منبّها لخلقه على وحدانيّته (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات : ٢١) يبيّن لهم عجزهم وفقرهم إلى صانع صنعهم ومدبّر دبّرهم (ش ، ل ، ٧ ، ٤)

ـ الدليل من القياس على خلق أعمال الناس أنّا وجدنا الكفر قبيحا فاسدا باطلا متناقضا خلافا لما خالف ، ووجدنا الإيمان حسنا متعبا مؤلمّا. ووجدنا الكافر يقصد ويجهد نفسه إلى أن يكون الكفر حسنا حقّا فيكون بخلاف قصده. ووجدنا الإيمان لو شاء المؤمن أن لا يكون متعبا مؤلما ولا مرمضا ، لم يكن ذلك كائنا على حسب مشيئته وإرادته. وقد علمنا أن الفعل لا يحدث على حقيقته إلّا من محدث أحدثه عليها لأنّه لو جاز أن يحدث على حقيقته لا من محدث أحدثه على ما هو عليه لجاز أن

٥٥٠

يحدث الشيء فعلا لا من محدث أحدثه فعلا. فلمّا لم يجز ذلك صحّ أنّه لم يحدث على حقيقته إلّا من محدث أحدثه على ما هو عليه وهو قاصد إلى ذلك ، لأنّه لو جاز حدوث فعل على حقيقته لا من قاصد لم يؤمن أن تكون الأفعال كلّها كذلك ، كما أنّه لو جاز حدوث فعل لا من فاعل لم يؤمن أن تكون الأفعال كلها كذلك. وإذا كان هذا هكذا فقد وجب أن يكون للكفر محدث أحدثه كفرا باطلا قبيحا وهو قاصد إلى ذلك ، ولن يجوز أن يكون المحدث له هو الكافر الذي يريد أن يكون الكفر حسنا صوابا حقّا فيكون على خلاف ذلك. وكذلك للإيمان محدث أحدثه على حقيقته متعبا مؤلما مرمضا غير المؤمن الذي لو جهد أن يقع الإيمان خلاف ما وقع من إيلامه وإتعابه وإرماضه لم يكن له إلى ذلك سبيل. وإذا لم يجز أن يكون المحدث للكفر على حقيقته الكافر ولا المحدث للإيمان على حقيقته المؤمن فقد وجب ، أن يكون محدث ذلك هو الله تعالى رب العالمين القاصد إلى ذلك ، لأنّه لا يجوز أن يكون أحدث ذلك جسم من الأجسام ، لأنّ الأجسام لا يجوز أن تفعل في غيرها شيئا (ش ، ل ، ٣٨ ، ٩)

ـ من قضاء الله تعالى الذي هو خلق ما هو حقّ كالطاعات وما لم ينه عنه. ومن قضاء الله تعالى الذي هو خلق ما هو جور كالكفر والمعاصي لأنّ الخلق منه حق ومنه باطل. وأمّا القضاء الذي هو أمر والقضاء الذي هو إعلام وإخبار وكتاب ، فحق لأنّه غير المقضيّ (ش ، ل ، ٤٥ ، ١٨)

ـ ودانوا (المعتزلة) بخلق القرآن نظيرا لقول إخوانهم من المشركين الذين قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (المدثر : ٢٥) ، فزعموا أنّ القرآن كقول البشر (ش ، ب ، ١٢ ، ١)

ـ إن سأل سائل عن الدليل على أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق. قيل له : الدليل على ذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (الروم : ٢٥) وأمر الله هو كلامه ، وقوله فلمّا أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره ، وقال عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) فالخلق جميع ما خلق داخل فيه ، لأنّ الكلام إذا كان لفظه لفظا عاما فحقيقته أنّه عام ، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجّة ولا برهان. فلمّا قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) (الأعراف : ٥٤) كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال : (وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) ذكر أمرا غير جميع الخلق ، فدلّ ما وصفناه على أن أمر الله غير مخلوق (ش ، ب ، ٥١ ، ٩)

ـ إنّ الله تعالى خلق هذه الدار لمحنة أهلها ، وجعل لهم دارا يجزيهم فيها ، مما لو لا هي لكان يكون خلق هذه الدار بما فيها عبثا ؛ إذ يكون خلق الخلق للفناء بلا عواقب لهم ، وذلك عبث في العقول ؛ لأنّ كل شارع ـ فيما لا عاقبة له ـ عابث ، و ـ فيما لا يريد معنى يكون في العقل ـ هازل ؛ ولذلك قال (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون : ١١٥) (م ، ت ، ٦٠ ، ٩)

ـ إنّما خلق الخلق بعضهم لبعض عبرا وعظة ؛ فيكون في عقوبة العصاة ووعيدهم مزجر لغيرهم وموعظة ، ولغير ذلك من الوجوه (م ، ت ، ٩٠ ، ٥)

ـ ليس في خلق الله قبيح (م ، ت ، ١٨٥ ، ١١)

ـ لو لم يكن في خلق الله قبيح لم يكن لتحويل

٥٥١

صورتهم ـ من صورة الإنسان ، إلى أقبح صورة ـ معنى ؛ ليروا قبح أنفسهم ؛ عقوبة لهم بما عصوا أمر الله ، ودخلوا في نهيه (م ، ت ، ١٨٥ ، ١٢)

ـ مذهب المعتزلة أن شيئية الأشياء لم يكن بالله بل كان به وجودها ، فيكون على قولهم خلق الأشياء لا من شيء محال ، بل لم يخلق الأشياء لكنّه أوجد أعيانها عن العدم ، وهنّ في العدم أشياء (م ، ح ، ١٢٧ ، ١٨)

ـ لو جعل للعبد إيجاد وإخراج من العدم لكان في معنى / " خلق" ، فيلزم اسم" خالق" ، وذلك مما أباه الجميع ؛ حيث قالوا : لا خالق إلا الله (م ، ح ، ٢٢٥ ، ١٥)

ـ منهم من حقق الأفعال للخلق ، وبها صاروا عصاة تقاه ، وجعلوها لله خلقا اعتبارا بما سبق من الإضافة إلى الله جلّ ثناؤه مرّة وإلى العباد ثانيا ، والمذكور المضاف إلى العباد هو المضاف / إلى الله تعالى لا غير ، بمعنى يؤدي إلى اختلاف الجهة في العقل نحو الإضلال والإزاغة ، والهداية والعصمة ، ثم الإنعام والامتنان ، ثم الخذلان والمدّ ثم الزيادة من الوجهين ، ثم الطبع والتيسير ، ثم التشرح والتضييق ، ومحال وجود هذه الأحوال ، على وجود مضادات ما يوصف بها ، وإضافة الاهتداء والضلالة ، والرشد والغيّ ، والاستقامة والزيغ إلى الخلق ، وكان في وجود أحد الوجهين تحقيق الآخر ، إذ لا يضاف الذي أضيف إلى الله مطلقا ، مع إضافة أضداد الواقع عليه معانيها ، ثبت أنّ حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ، [و] لله من طريق الخلق (م ، ح ، ٢٢٨ ، ١٦)

ـ إنّ دلالة خلق فعل كل أحد عنده أعظم من دلالة خلق السماوات والأرض فيما أريد ، تعرف / حقيقة ذلك بالعقل أنّه لا أحد امتحن قوى جواهر العالم حتى يعلم خروج كل شيء عن ذلك [و] احتمال خلق مثله ، بل إنّما يعرف ذلك بخروجه عن إمكان مثله ، ومعلوم وجود أمور في غيره من الجواهر مما امتنع جوهره عن احتمال ذلك ، نحو الطيران وإخراق الأشياء والسباحة بالجوهر وغير ذلك بقوى فيها ، ويعلم كل أنّ ليس لأحد من الخلق تدبير في فعله ، فيعلم بالضرورة بما خرج عن مقصوده وقصر عن الحدّ الذي يحدّه ، وكان مقدّرا بما لا يحتمل وسعه التقدير به ، فيعلم به ضرورة أنّ الذي به قام هو الذي قدّره وأخرجه على ما أراد (م ، ح ، ٢٥٥ ، ٨)

ـ أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم قالوا الخلق فعل الله وهو إحداث الاستطاعة في العبد ، واستعمال الاستطاعة المحدثة فعل العبد حقيقة لا مجازا (م ، ف ، ١٠ ، ٨)

ـ حقيقة الخلق والإحداث هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وإذا كان الواحد منّا على زعمكم يقدر أن يخلق حركة معدومة حتى يخرجها من العدم إلى الوجود ، وأن يخلق شيئا زائدا فيخرجه من العدم إلى الوجود ، وأن يخلق له لونا غير لونه فيخرجه من العدم إلى الوجود ، وفي هذا القول الخبيث التسوية بين قدرة الله تعالى وقدرة العباد ، وأنّهم يقدرون على ما يقدر عليه. تعالى ربّنا عن ذلك علوّا كبيرا (ب ، ن ، ١٤٨ ، ١٩)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدث" و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل" و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع" و" مبدع"

٥٥٢

و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين" و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا ، كما يقتضي المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٨)

ـ إنّ الخلق عبارة عن خلق واقع مقدّر نوعا من التقدير ، وهو أن يكون مطابقا للصلاح لا يزاد ولا ينقص عنه (ق ، ش ، ٣٧١ ، ١٥)

ـ إنّ الخلق ليس بأكثر من التقدير ، ولهذا يقال ، خلقت الأديم هل لحي منه مطهّرة أم لا. وقال زهير : ولأنت تفرى ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى. وقيل للحجّاج : إنّك إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت. وأظهر من هذا كله قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) (المائدة : ١١٠) وقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، فلولا أنّ هذا الاسم مما يجوز إجراؤه على غيره وإلّا لتنزل ذلك منزلة قوله : فتبارك الله أحسن الآلهة ، ومعلوم خلافه. وأمّا في الاصطلاح فإنّما لم يجز أن نجري هذا اللفظ على الواحد منّا ، لأنّه عبارة عمّن يكون فعله مطابقا للمصلحة وليس كذلك أفعالنا ، فإنّ فيها ما يوافق المصلحة وفيها ما يخالفها ، فلهذا لم يجز إجراء هذه اللفظة على الواحد منّا لا شيء آخر. وأمّا قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣) فليس فيه ما ظنّوه لأنّ فائدة الكلام معقودة بآخره ، وقد قال تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) (فاطر : ٣) ، ونحن لا نثبت خالقا غير الله يرزق ، وقوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) (الرعد : ١٦) الآية. فإنّها مما لا يصحّ التعلّق بظاهرها لأنّها نفي التساوي ، وما هذا سبيله من الآيات فهي مجملة لا يصحّ التعلّق بظاهرها ، إذ لا شيئين إلّا وهما متساويان في بعض الوجوه (ق ، ش ، ٣٨٠ ، ٢)

ـ إنّ خلق أحدنا لا يشبه خلق الله تعالى ، فإنّ خلقه جلّ وعزّ يشتمل على الأجسام والأعراض ، وليس كذلك خلقنا فإنّا لا نقدر إلّا على هذه التصرّفات التي هي القيام والقعود وما جرى مجراهما (ق ، ش ، ٣٨١ ، ٨)

ـ وبعد ، فإنّ الخلق في التعارف إنّما يجري على فعل وقع مطابقا للمصلحة ، ومعلوم أنّ أفعال العباد ليست كذلك فكيف تجعل مخلوقة (ق ، ش ، ٣٨٤ ، ٣)

ـ إنّ الخلق إنّما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدّر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ، لهذا نراهم يقولون : خلقت الأديم هل لحي منه مطهّرة أم لا ، وقال الحجاج : إنّي إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت ، وكذلك فقد قال زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. وكذلك فقد قال غيره : ولا يئط بأيدي الخالقين ولا أيدي الخوالق إلا جيد الأدم. وهذه الجملة كلّها دلالة على أنّ الخلق إنّما هو التقدير على ما نقوله ، وإذا كان هذا هكذا صحّ وصف القرآن بأنّه مخلوق على ما ذكرناه (ق ، ش ، ٥٤٦ ، ١٢)

٥٥٣

ـ ذهب شيخنا أبو علي إلى أنّ الخلق إنّما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدّر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه (ق ، ش ، ٥٤٨ ، ٨)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم ، وأبو عبد الله البصري ، فقد ذهبا إلى أنّ المخلوق مخلوق يخلق ، ثم اختلفا : فذهب أبو هاشم إلى أنّ الخلق إنّما هو الإرادة. وقال أبو عبد الله البصريّ : بل هو الفكر ، وقال : لو لا ورود السمع والأذن بإطلاق هذه اللفظة على الله تعالى ، وإلّا ما كنّا نجوّز إطلاقها عليه تعالى عقلا. وحجّته في هذا الباب قول زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. قالا : أثبت الخلق ونفى الفري ، فدلّ على أنّ الخلق معنى على ما نقوله (ق ، ش ، ٥٤٨ ، ١٣)

ـ وبعد ، فإنّ الخلق في اللغة غير المخلوق ، وإن كان في التعارف يوضع أحدهما موضع الآخر ، ولذلك جاز في اللغة أن يقال : هو خالق وليس بفاعل لما قدّر. قال الشاعر : ولأنت تفرى ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى فأثبت له الخلق ولم يقطع ما قدّره ، فإذا صحّ ذلك لم يمتنع أن يكون الأمر غير الخلق ، ويكون مع ذلك مخلوقا على ما قدّمناه (ق ، م ١ ، ٢٨٣ ، ١٠)

ـ وقوله تعالى من بعد : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، يدلّ على أنّ غير الله يصحّ منه الفعل والخلق ؛ ألا ترى إلى فساد القول بأنّه أحسن الآلهة ، لمّا لم يصحّ إثبات إله سواه ، وصحّة القول بأنّه أرحم الراحمين ، لما صحّ إثبات راحم سواه. فإن قال : فيجب أن يقال في غيره تعالى إنّه خالق بالإطلاق؟ قيل له : لا يجب ؛ لأنّ التعارف أوجب أن لا يطلق هذا الاسم إلّا في الله تعالى ، كما اقتضى أن لا يطلق اسم الربّ إلّا فيه ، ثم لم يمتنع أن يكون العبد ربا لدابته وداره ، فإن صحّ هذا المعنى فيه ، فكذلك يجب أن يصحّ فيه معنى الخلق والفعل ، وإن منع فيه الإطلاق للإيهام (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ١٦)

ـ إنّ ظاهر الخلق هو التقدير ، وإنّه لا يمتنع من حيث اللغة أن يكون الخالق خالقا لما لم يفعله في الحقيقة ، إذا دبّره وقدّره والفاعل غيره ، فكان يجب على هذا الوجه الذي ذكروه أن يقال إنّه تعالى أراد : والله دبّركم ودبّر أعمالكم ، ولا يجب كون عملنا خلقا له تعالى. وبعد ، فإنّ ظاهر الكلام يقتضي أن يكون المراد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦) أمرا مستأنفا ، لأنّ اللفظة تدلّ على الاستقبال وقد علمنا أنّ ما سيعملونه ، مما لم يوجد بعد ، محال أن يكون خلقا له تعالى ، لأنّ ذلك هو صفة الموجود على بعض الوجوه. ومتى قالوا : إنّ المراد بذلك ليس هو الاستقبال ، بل المراد به عملهم الذي تقضّى ، أو الكائن ، فقد زالوا عن الظاهر ونازعونا في التأويل ويصير الكلام متناقضا ـ لأنّه كأنّه قال : والله خلقكم وخلق المعدوم الذي لم يوجد ـ ويوجب أن لا يكون في القول فائدة ، وأن لا يتعلّق ذلك بما وبّخهم عليه ، وبكتهم به (ق ، م ٢ ، ٥٨٥ ، ١٣)

ـ أمّا الطريقة التي عليها ما يكون الفعل كسبا فقد يصحّ من القديم تعالى إيجاد الفعل عليها ، ولكن النفع أو دفع الضرر يرجع إلى غيره لا إليه لاستحالتهما عليه. يبيّن ذلك أنّه كما يصحّ من العبد أن يتقدّم إلى الطعام والشراب يصحّ من الله تعالى أن يقدّمهما إليه فيكون قد وجد ما هو

٥٥٤

بصورة الكسب ، ولكنّ النفع عائد إلى العبد لا إليه تعالى. ولهذا قال" أبو هاشم" : لو كان للفعل صفة بكونه كسبا لقدر تعالى عليه كقدرتنا. وأمّا كونه خلقا فاللغة لا تمتنع من هذه التسمية ، فمتى وجد المعنى صحّ أن يتبعه الاسم ، ولكن الشرع قد منع من الإطلاق في العباد على ما تقدّم ذكره (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ٢٢)

ـ أمّا تسميتها (الإرادة) خلقا عند شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله فلأنّها مجامعة للمراد ، أو في حكم المجامعة له. وإن كان شيخنا أبو علي رحمه‌الله لا يسمّيها خلقا ، ويجعل الخلق عبارة عن المخلوق ، كما يقولانه في الفعل والمفعول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٩ ، ٣)

ـ يقول (أبو هاشم) في الخلق : إنّه ليس مخلوقا ، لأنّه ليس بمراد ؛ لأنّ الإرادة لا يجب أن تراد ، فلا يؤدّي ذلك إلى ما لا نهاية له. وإنّما أجاب بذلك لأنّ عنده المخلوق مخلوق يخلق كما أنّه مقدّر بتقدير ، والخلق عنده هو التقدير ، فلذلك أجاب بما قدّمناه (ق ، غ ٧ ، ٢٢٠ ، ٩)

ـ إن قيل : أليس الله جلّ وعزّ قد قال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) و (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩) ففرّق بين الخلق والتقدير ، فدلّ على أنّ الخلق هو الإنشاء والإبداع ، والتقدير ، وهو الانتهاء إلى المقدار الكافي؟. قيل له : لا يمتنع أن يكون الخلق والتقدير واحدا ، وإن ذكرهما كما قال سبحانه وتعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس : ٦٩) فكما وجب حملهما على أنّ المراد بهما أمر واحد ، فكذلك القول في الخلق والتقدير لما دللنا عليه (ق ، غ ٧ ، ٢٢١ ، ٣)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّما سمّي الخالق خالقا من حيث قصد بالفعل إلى بعض الأغراض. وقال : إنّ تسمية المخلوق توجد من معنى هو الخلق ؛ والخلق والتقدير هما إرادتان ، ولا يوصف الخلق بأنّه خلق إلّا والمخلوق موجود ، ومتى كان معدوما لم يسمّ خلقا ، والتقدير لا يسمّى خلقا إلّا بشرط وجود المقدور ، ولا مخلوق إلّا محدث ، وقد يكون محدثا ليس بمخلوق ، لأنّه يفيد صفة زائدة على حدوثه (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ١٠)

ـ إنّ الفاعل هو المحدث للشيء ، وإنّه متى استعمل على غير هذا الوجه كان مجازا. وكذلك الخلق هو إحداث الشيء مقدّرا (ق ، غ ٨ ، ٢٥٧ ، ١١)

ـ إنّ الله عزوجل خلق الأشياء وابتدعها مخترعا لها لا من شيء ولا على أصل متقدّم ، وإذ لا شكّ في هذا فليس شيء متوهّم أو مسئول يتعذّر من قدرة الخالق عزوجل ، إذ كل ما شاء كونه كوّنه ولا فرق بين خلقه عزوجل ، كل ذلك في هذه الدار وبين خلقه كذلك في الدار الآخرة (ح ، ف ٢ ، ١٠٧ ، ٣)

ـ خلق الله تعالى فعل له محدث له ، واختياره تعالى هو خلقه لا غيره ، وليس هذا من يسمع ويبصر ويرى ويدرك في شيء ، لأنّ معنى كل هذا ومعنى العلم سواء ، ولا يجوز أن يكون معنى يخلق ويختار معنى العلم (ح ، ف ٢ ، ١٤٤ ، ٢٢)

ـ الخلق هو الاختراع ، فالله مخترع أفعالنا كسائر الأعراض ، ولا فرق فإن نفوا خلق الله تعالى لجميع الأعراض ، لزمهم أن يقولوا أنّها أفعال لغير فاعل أو أنّها فعل لمن ظهرت منه من الأجرام الجمادية وغيرها ، فإن قالوا هي أفعال

٥٥٥

لغير فاعل فهذا قول أهل الدهر نصّا ، ويكلّمون حينئذ بما يكلّم به أهل الدهر ، وإن قالوا أنّها أفعال الأجرام ، كانوا قد جعلوا الجمادات فاعلة مخترعة وهذا باطل محال ، وهو أيضا غير قولهم فالطبيعة لا تفعل شيئا مخترعة له وإنّما الفاعل لما ظهر منها خالق الطبيعة ، والمظهر منها ما ظهر فهو خالق الكل ولا بدّ ولله الحمد ومنها قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) وهذا نص جليّ على أنّه تعالى خلق أعمالنا (ح ، ف ٣ ، ٥٧ ، ٤)

ـ الخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ أمّا الخلق الذي أوجبه الله تعالى فإنّما هو ظهور الفعل منهم فقط وانفرادهم به ، والله تعالى خالقه فيهم ، وبرهان ذلك أنّ العرب تسمّى الكذب اختلافا والقول الكاذب مختلفا ، وذلك القول بلا شكّ إنّما هو لفظ ومعنى ، واللفظ مركّب من حروف الهجاء ، وقد كان كل ذلك موجود النوع قبل وجود أشخاص هؤلاء المختلقين (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢٣)

ـ إنّ لفظة الخلق مشتركة تقع على معنيين : أحدهما لله تعالى لا لأحد دونه وهو الإبداع من عدم إلى وجود ، والثاني الكذب فيما لم يكن أو ظهور فعل لم يتقدّم لغيره ، أو نفاذ فيما حاول ، وهذا كله موجود من الحيوان ، والله تعالى خالق كل ذلك (ح ، ف ٣ ، ٦٥ ، ١٤)

ـ إنّ الخلق هو الإبداع والاختراع (ح ، ف ٣ ، ٨٢ ، ١٨)

ـ أما وصف الكلام وغيره من الأفعال بأنّه مخلوق فمعناه أنّه مفعول على حدّ يطابق الغرض ، لأنّ الخلق هو التقدير ، فكأنّه قد صار مقدّرا بالغرض والدّاعي. وسائر أفعال الله تعالى موصوفة بذلك لثبوت ذلك الوجه فيها ، وعلى هذا قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) لما كان مقدّرا. وقال أهل اللغة : خلقت الأديم : إذا قدّرته ، فصارت هذه موضوعة للتفرقة بين ما يقع على هذا الحدّ وبين غيره ، وهذا هو الصحيح وهو قول أبي علي (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ٨)

ـ أما الشيخان : أبو هاشم وأبو عبد الله ، فإنّهما أثبتا المخلوق مخلوقا بخلق ثم اختلفا : فقال أبو هاشم : إنّ الخلق هو الإرادة ، وقال في أفعال الله تعالى كلّها إنّها مخلوقة ، ما خلا الإرادة فإنّها لا توصف بذلك إلّا من حيث العرف. وقريب من هذا المذهب يحكى عن أبي الهذيل لأنّه يذهب في الخلق إلى أنّه قول أو إرادة. وقال الشيخ أبو عبد الله : بل الخلق هو فكر ، ولو كان ورود السمع بوصف أفعال الله تعالى بأنّها مخلوقة ، كنت لا أجري هذا الوصف عليها من حيث اللغة. وإنّما اخترنا المذهب الأول لأنّه إذا أمكن في فائدة الاسم أن يصرف إلى التفرقة بينه وبين غيره ، فلا معنى للقول بأنّه مشتقّ من معنى هو إرادة أو فكر. وعلى هذا يطرد استعماله في كل فعل وقع على ضرب من التقدير. كما أنّ الكسب هو الفعل الواقع على وجه هذا ، ولو كان مشتقّا لوجب تقدّم العلم بما يشتقّ منه من إرادة أو فكر ، لأنّ هذا سبيل الأسامي المشتقّة ، وقد عرفنا أنّهم يطلقون ذلك مع الجهل بهما (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ١٤)

ـ (المعتزلة) يستدلّون في خلق الأعمال بقوله

٥٥٦

تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وزعموا أنّ ذلك يدلّ على اتّصاف العباد بالخلق والاختراع (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٤)

ـ إنّ الخلق قد يراد به التقدير ، ومن ذلك سمّي الحذّاء خالقا لتقديره طاقة من النعل بطاقة ، ومنه قول القائل : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٥)

ـ الخلق إيجاد الشيء على تقدير واستواء ، يقال خلق النعل : إذا قدّرها وسوّاها بالمقياس (ز ، ك ١ ، ٢٢٨ ، ٤)

ـ إنّ الله عزوجل خلق عباده ليتعبّدهم بالتكليف ، وركّب فيهم العقول والشهوات ، وأزاح العلّة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ، ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجو منهم أن يتّقوا ليترجّح أمرهم ، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجّحت حال المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل (ز ، ك ١ ، ٢٣١ ، ١)

ـ " خلقه" أول مفعولي أعطى : أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما : أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار والأذن الشكل الذي هو يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علّق به من المنفعة غير ناب عنه ، أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة حيث جعل الحصان والحجر زوجين والبعير والناقة والرجل والمرأة ، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرئ خلقه صفة للمضاف أو للمضاف إليه : أي كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه (ز ، ك ٢ ، ٥٣٩ ، ١٤)

ـ نعيد أوّل الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء. فإن قلت : وما أوّل الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت : أوّله إيجاده عن العدم ، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت : ما بال خلق منكرا؟ قلت : هو كقولك هو أوّل رجل جاءني تريد أوّل الرجال ، ولكنّك وجدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا ، فكذلك معنى أوّل خلق أوّل الخلق ، بمعنى أوّل الخلائق لأنّ الخلق مصدر لا يجمع (ز ، ك ٢ ، ٥٨٥ ، ١٤)

ـ أراد بالخلق السموات كأنّه قال : خلقناها فوقهم (وَما كُنَّا) (المؤمنون : ١٧) عنها (غافِلِينَ) (المؤمنون : ١٧) عن حفظها وإمساكها أن تقع فوقهم بقدرتنا ؛ أو أراد به الناس وأنّه إنّما خلقها فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها وينفعهم بأنواع منافعها وما كان غافلا عنهم وما يصلحهم (بقدر) بتقدير يسلمون معه من المضرّة ويصلون إلى المنفعة ، أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٨)

ـ إن قلت : في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان

٥٥٧

وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير فقدّره لأمر ما ، ومصلحة مطابقا لما قدّر له غير متجاف عنه ، أو سمّي إحداث الله خلقا لأنّه لا يحدث شيئا لحكمته إلّا على وجه التقدير من غير تفاوت ، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنّه قيل وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه : فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ٩)

ـ الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله تعالى (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) والمعنى : أنّهم آثروا على عبادة الله سبحانه آلهة لا عجز أبين من عجزهم لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا من أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئا وهم يفتعلون ، لأنّ عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ١٦)

ـ قوله تعالى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن : ٢) أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم ؛ والمعنى : هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح وتكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين ، فما فعلتم مع تمكّنكم بل تشعّبتم شعبا وتفرّقتم أمما ، فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، وقدّم الكفر لأنّه الأغلب عليهم والأكثر فيهم. وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهريّة ومنكم مؤمن به (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ٦)

ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) (الغاشية : ١٧) نظر اعتبار (كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧) خلقا عجيبا دالّا على تقدير مقدّر شاهدا بتدبير مدبّر حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرّها إلى البلاد الشاحطة ، فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ثم تنهض بما حملت ، وسخّرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغيرا ، وبرّأها طوال الأعناق لتنوأ بالأوقار (ز ، ك ٤ ، ٢٤٧ ، ١٧)

ـ حكى الكعبي عنه (العلّاف) أنّه قال : إرادة الله غير المراد ، فإرادته لما خلق هي خلقه له ، وخلقه للشيء عنده غير الشيء ، بل الخلق قول لا في محل (ش ، م ١ ، ٥٣ ، ٤)

ـ يحكى عنه (معمّر) أيضا أنّه قال : الخلق غير المخلوق ، والإحداث غير المحدث (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ٦)

ـ إنّ إمام الحرمين أبا المعالي الجويني ... قال : ... لا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة ، لا على وجه الإحداث والخلق ، فإنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم ، والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار ، يحسّ من نفسه أيضا عدم الاستقلال ، فالفعل يستند وجوده إلى القدرة ، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة. وكذلك يستند سبب إلى سبب آخر حتى ينتهي إلى مسبّب الأسباب. فهو الخالق للأسباب ومسبّباتها ، المستغني على الإطلاق ، فإنّ كل سبب مهما استغنى من وجه محتاج من وجه ، والباري تعالى هو الغنيّ المطلق ، الذي لا حاجة له ولا فقر (ش ، م ١ ، ٩٩ ، ١)

ـ يفرّقون (الكراميّة) بين الخلق والمخلوق ، والإيجاد والموجود والموجد ، وكذلك بين الإعدام والمعدوم. فالمخلوق إنّما يقع بالخلق ، والخلق إنّما يقع في ذاته بالقدرة ،

٥٥٨

والمعدوم إنّما يصير معدوما بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٤)

ـ على قول الأكثرين منهم (الكراميّة) : الخلق عبارة عن القول والإرادة (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١٤)

ـ حقيقة الخلق هو وقوع الفعل بقدرته مع صحة انفراده به (ش ، ن ، ٧٨ ، ٢)

ـ قال الأستاذ أبو بكر إنّ الكسب هو أن تتعلّق القدرة به على وجه ما وإن لم تتعلّق به من جميع الوجوه ، والخلق هو إنشاء العين وإيجاد من العدم (ش ، ن ، ٧٨ ، ٥)

ـ نحن لا ننكر أنّ أفعال الله تعالى اشتملت على خير وتوجّهت إلى صلاح ، وأنّه لم يخلق الخلق لأجل الفساد ، ولكنّ الكلام إنّما وقع في أنّ الحامل له على الفعل ما كان صلاحا يرتقبه وخيرا يتوقّعه ، بل لا حامل له ، وفرّق بين لزوم الخير والصلاح لأوضاع الأفعال ، وبين حمل الخير والصلاح على وضع الأفعال ، كما يفرّق فرقا ضروريّا بين الكمال الذي يلزم وجود الشيء ، وبين الكمال الذي يستدعي وجود الشيء ، فإنّ الأوّل فضيلة هي كالصفة اللازمة ، والثاني فضيلة كالعلّة الحاملة (ش ، ن ، ٤٠٠ ، ٧)

ـ أمّا الخلق : فإنّه وإن أطلق باعتبارات مختلفة : كالتقدير ، والهمّ بالشيء والعزم عليه ، والإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه ، فالمراد بالخلق المضاف إلى القدرة القديمة إنّما هو عبارة عن : المقدور بالقدرة القديمة. وإن شئت قلت : هو المقدور القائم بغير محلّ القدرة عليه (م ، غ ، ٢٢٣ ، ٥)

ـ إنّ الخلق في الاصطلاح النظريّ على قسمين : أحدهما صورة تخلق في مادّة ، والثاني ما لا مادّة له بل يكون وجود الثاني من الأول فقط من غير توسّط المادّة ، فالأوّل يسمّى التكوين ، والثاني يسمّى الإبداع ، ومرتبة الإبداع أعلى من مرتبة التكوين (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٢٧)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

ـ إذا أراد الله تعالى خلق شيء من مقدوراته كان حصول ذلك الشيء واجبا فيه ، لا بمعنى أنّه كان واجبا أن يخلقه (ط ، م ، ٣١٣ ، ٧)

خلق

ـ إنّ الله خلق المقدور عليه لأنّ ما خلق الله القدرة فينا عليه ، فهو عليه أقدر ، كما أنّ (ما) خلق فينا العلم به فهو به أعلم ، وما خلق فينا السمع له فهو له أسمع. فإذا استوى ذلك في قدرة الله تعالى وجب إذا أقدرنا الله تعالى على حركة الاكتساب أن يكون هو الخالق لها فينا كسبا لنا ، لأنّ ما قدر عليه أن يفعله فينا ولم يفعله فينا كسبا فقد ترك أن يفعله فينا كسبا (ش ، ل ، ٤٣ ، ٩)

ـ إن قال قائل فما معنى قول الله تعالى (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (السجدة : ٧) قيل له معنى ذلك أنّه يحسن أن يخلق كما يقال فلان يحسن الصياغة أي يعلم كيف يصوغ. فأخبر الله تعالى أنّه يعلم

٥٥٩

كيف يخلق الأشياء (ش ، ل ، ٤٨ ، ١٧)

ـ إنّ كلام الله غير مخلوق ، وإنّه لم يخلق شيئا إلّا وقد قال له : كن فيكون ، كما قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) (ش ، ب ، ١٩ ، ١٠)

ـ قال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ١ ـ ٢ ـ ٣) ففرّق بين الإنسان وبين القرآن ، فقال : علّم ، خلق ، فجعل يعيدها ، علّم ، خلق ، أي فرّق بينهما (ش ، ب ، ٧٠ ، ٢)

ـ قالت" العدليّة" : خلق الله الخلق لطاعته ولم يخلقهم لمخالفته ، وأوضح الدلالة والرسل لصلاح الجماعة ، ولم يضل عن دينه وسبيله ، وكذا أخبر بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : ٥٦) (ع ، أ ، ٢٣ ، ١٥)

ـ إنّ الله تعالى خلق الظلم ظلما للظالم به : وخلق الجور جورا للجائر به ، وخلق الكذب كذبا للكاذب به ، كما أنّه خلق الظلمة ظلمة للمظلم بها (ب ، ن ، ١٥٦ ، ١٣)

ـ إنّه تعالى قال : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) (المائدة : ١١٠) فوصفه جلّ وعزّ بأنّه يخلق الطين من حيث كان يقدّره (ق ، غ ٧ ، ٢١١ ، ٩)

ـ قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) يدلّ أيضا على أنّ العبد يخلق أيضا (ق ، غ ٧ ، ٢١١ ، ١٧)

ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون : ١٢) يعني قدّرناه. وقال تعالى : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) (الحج : ٥) يعني قدّرناكم (ق ، غ ٧ ، ٢١٢ ، ١٧)

ـ بيّنا أنّ المخلوق لا يفيد أنّه مخترع ، ولا أنّه من فعل الله ، تعالى ، فلا طائل في إعادته. ودللنا على أنّ العبد في الحقيقة يوصف بأنّه يخلق بقوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠). وبيّنا أنّ التعلّق بقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣) ، وقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) لا يصحّ ؛ فهذا كلام من جهة العبارة. فأمّا من جهة المعنى ، فإنّما يجب أن نبيّن أنّ العبد يحدث الشيء ، وأنّه يصحّ أن يحدثه مقدورا ، وأن قول من قال : لا محدث إلّا الله ، حقّا. فهذا الموضع هو الذي يتناوله الدليل دون غيره (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ٦)

ـ الخلاف الثالث مع من قال من القدرية إنّ الله عزوجل إنّما خلق الأجسام دون الأعراض كما ذهب إليه معتمر (ب ، أ ، ٨٣ ، ١٧)

ـ قال أصحابنا للقدريّة إنّكم زعمتم أنّ أفعالنا كانت في حال عدمها قبل حدوثها أشياء وأعراضا ، وأنّ الإنسان المكتسب لها لم يجعلنا أشياء وأعراضا. ونحن نقول إنّ الله عزوجل هو الذي جعل أفعالنا أشياء وأعراضا. وهذا معنى قولنا إنّ الله عزوجل خلق أعمال عباده ، ومعناه أنّه هو الذي جعل أشياء وأعراضا. وقد سلمتم لنا أنّ الإنسان لم يجعلها كذلك ، فالذي نفيتموه عن الإنسان أضفناه إلى الله عزوجل (ب ، أ ، ١٣٣ ، ١٤)

ـ أمّا عباد بن سليمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أنّ الله تعالى لا يقدر على غير ما فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال أنّ الله خلق المؤمنين ولا أنّه خلق الكافرين ،

٥٦٠