موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

إثباتها فضلا عن غير ذلك (ق ، ت ٢ ، ١١٦ ، ٥)

أحوال

ـ الهويّة في الشاهد كناية عن الوجود ، وتأويله نفي العدم عنه ، والله تعالى لم يزل ولا يزال بلا تغيّر ولا زوال ولا انتقال من حال إلى حال ، ولا تحرّك ولا قرار ؛ إذ هو وصف إختلاف الأحوال ، ومن تختلف الأحوال عليه فهو غير مفارق لها ، ومن لا يفارق الأحوال ، وهنّ أحداث ، فيجب بها الوصف / بالإحداث ، وفي ذلك سقوط الوحدانيّة ، ثم القدم (م ، ح ، ١٠٥ ، ٣)

ـ إنّ كل معلوم لا بدّ أن يكون متميّزا عن غيره بصفة ، فلو كانت الصفات معلومة وجب أن تكون متميّزة عن غيرها بصفة أخرى ، والكلام في تلك الصفة كالكلام في هذه الصفة ، وهذا يتسلسل إلى ما لا نهاية له من الصفات ، وهذا محال. فليس إلّا أن يقال إنّ الأحوال ليس بمعلومة لا على الانفراد ولا مع الذات ، وإنّما نعلم الذات عليها (ن ، د ، ٥٨٦ ، ١٨)

ـ قالوا لأبي هاشم : هل تعلم الأحوال ، أو لا تعلمها؟. فقال : لا ، من قبل أنّه لو قال إنّها معلومة لزمه إثباتها أشياء ، إذ لا يعلم عنده إلّا ما يكون شيئا ، ثم إن لم يقل بأنّها أحوال متغايرة لأنّ التغاير إنّما يقع بين الأشياء والذوات ، ثم إنّه لا يقول في الأحوال إنّها موجودة ، ولا إنّها معدومة ، ولا إنّها قديمة ، ولا محدثة ، ولا معلومة ، ولا مجهولة ، ولا يقول إنّها مذكورة مع ذكره لها بقوله : إنّها غير مذكورة ، وهذا متناقض (ب ، ف ، ١٩٥ ، ١٩) ـ علم أبو هاشم ابن الجبائي فساد قول أبيه بأن جعل نفس الباري علّة لكونه عالما وقادرا ... فزعم أنّ الله عالم لكونه على حال ، قادر لكونه على حال ... وزعم أنّ له في كل معلوم حالا مخصوصا ، وفي كل مقدور حالا مخصوصا ، وزعم أنّ الأحوال لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا أشياء مع قوله أنّ المعدوم معلوم ، وزعم أيضا أنّها غير مذكورة وقد ذكرها بقوله أنّها غير مذكورة (ب ، أ ، ٩٢ ، ١١)

ـ لأبي هاشم عبد السلام ابن محمد بن عبد الوهاب الجبائي كبير المعتزلة وابن كبيرهم القطع بأنّ لله تعالى أحوالا مختصّة به ، وهذه عظيمة جدّا إذ جعله حاملا للأعراض (ح ، ف ٤ ، ٢٠٠ ، ٩)

ـ قال أبو محمد ، وأمّا الأحوال التي ادّعتها الأشعرية فإنّهم قالوا ، إنّ هاهنا أحوالا ليست حقّا ولا باطلا ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي مسلومة ولا هي مجهولة ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء (ح ، ف ٥ ، ٤٩ ، ٢)

ـ ثم نقول لهم (الأشعرية) أخبرونا إذا قلتم هذه أحوال ، أهي معان ومسمّيات مضبوطة محدودة متميّز بعضها من بعض ، أم ليست معاني أصلا ولا لها مسمّيات ولا هي مضبوطة ولا محدودة متميّز بعضها من بعض ، فإن قالوا ليست معاني ولا محدودة ولا مضبوطة ولا متميّزا بعضها من بعض ولا لتلك الأسماء مسمّيات أصلا ، قيل لهم فهذا هو معنى العدم حقّا ، فلم قلتم أنّها ليست معدومة ، ثم لم سمّيتموها أحوالا وهي معدومة ، ولا تكون التسمية إلّا شرعية أو لغوية ، وتسميتكم هذه المعاني أحوالا ليست تسمية شرعية ولا لغوية ولا مصطلحا عليها لبيان ما يقع عليه ، فهي باطل محض بيقين ، فإن

٤١

قالوا هي معان مضبوطة ولها مسمّيات محدودة متميّزة بعضها من بعض ، قيل لهم هذه صفة الموجود ولا بدّ ، فلم قلتم أنّها ليست موجودة ، وهذا ما لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٥ ، ٥١ ، ٨)

ـ يقال لهم (للأشعرية) أيضا هل الأحوال في اللغة وفي المعقول إلّا صفات لذي حال ، وهل الحال في اللغة إلّا بمعنى التحوّل من صفة إلى أخرى ، يقال هذا حال فلان اليوم ، وكيف كانت حالك بالأمس ، وكيف يكون الحال غدا ، فإذا الأمر هكذا ولا بدّ فهذه الأحوال موجودة حق مخلوقة ، ولا بدّ فظهر فساد قولهم وأنّه من أسخف الهذيان ، والمحال الممتنع الذي لا يرضى به عاقل (ح ، ف ٥ ، ٥١ ، ٢٠)

ـ من الأحوال ما يثبت للذوات معلّلا ، ومنها ما يثبت غير معلّل. فأمّا المعلّل منها ، فكم حكم ثابت للذات عن معنى قائم بها ؛ نحو كون الحيّ حيّا ، وكون القادر قادرا. وكل معنى قام بمحل ، فهو عندنا يوجب له حالا ، ولا يختصّ إيجاب الأحوال بالمعاني التي تشترط في ثبوتها الحياة. وأمّا الحال التي لا تعلّل ، فكلّ صفة إثبات لذات من غير علّة زائدة على الذات ، وذلك كتحيّز الجوهر فإنّه زائد على وجوده. وكل صفة لوجود لا تنفرد بالوجود ، ولا تعلّل بموجود ، فهي من هذا القسم ؛ ويندرج تحته كون الموجود عرضا ، لونا ، سوادا ، كونا ، علما ، إلى غير ذلك (ج ، ش ، ٩٢ ، ٤)

ـ عند أبي هاشم : هو عالم لذاته ، بمعنى أنّه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا ، وإنّما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها ، فأثبت أحوالا هي صفات لا موجودة ولا معدومة ، ولا معلومة ولا مجهولة ، أي هي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات (ش ، م ١ ، ٨٢ ، ٥)

ـ قال (أبو هاشم) : والعقل يدرك فرقا ضروريّا بين معرفة الشيء مطلقا ، وبين معرفته على صفة ، فليس من عرف الذات عرف كونه عالما. ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيّزا قابلا للعرض ، ولا شكّ أنّ الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية ، وافتراقها في قضية ، وبالضرورة يعلم أنّ ما اشتركت فيه غير ما افترقت به ، وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل ، وهي لا ترجع إلى الذات ، ولا إلى أعراض وراء الذات ، فإنّه يؤدّي إلى قيام العرض بالعرض فتعيّن بالضرورة أنّها أحوال ، فكون العالم عالما حال هي صفة وراء كونه ذاتا ، أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات ، وكذلك كونه قادرا ، حيّا ، ثم أثبت للباري تعالى حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال (ش ، م ١ ، ٨٢ ، ١٢)

ـ كل حكم لعلّة قامت بذات يشترط في ثبوتها الحياة عند أبي هاشم ، ككون الحي حيّا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا ، لأنّ كونه حيّا عالما يعلّل بالحياة والعلم في الشاهد ، فتقوم الحياة بمحل وتوجب كون المحل حيّا ، وكذلك العلم والقدرة والإرادة ، وكل ما يشترط في ثبوته الحياة وتسمّى هذه الأحكام أحوالا وهي صفات زائدة على المعاني التي أوجبتها (ش ، ن ، ١٣٢ ، ٩)

ـ الأحوال عند المثبتين ليست موجودة ولا معدومة ، ولا هي أشياء ولا توصف بصفة ما ، وعند ابن الجبائي ليست هي معلومة على حيالها وإنّما تعلم مع الذات (ش ، ن ، ١٣٣ ، ٤)

٤٢

ـ الوجوه العقليّة لذات واحدة هي بعينها الأحوال ، فإنّ تلك الوجوه ليست ألفاظا مجرّدة قائمة بالمتكلّم ، بل هي حقائق معلومة معقولة ، لا أنّها موجودة على حيالها ولا معلومة بانفرادها بل هي صفات توصف بها الذوات ، فما عبّرتم عنه بالوجوه عبّرنا عنه بالأحوال ، فإنّ المعلومين قد تمايزا وإن كانت الذات متّحدة ، وتمايز المعلومين يدلّ على تعدّد الوجهين والحالين ، وذلك معلومان محقّقان تعلّق بهما علمان متمايزان أحدهما ضروريّ والثاني مكتسب ، وليس ذلك كالنسب والإضافات فإنّها ترجع إلى ألفاظ مجرّدة ليس فيها علم محقّق متعلّق بمعلوم محقّق (ش ، ن ، ١٣٧ ، ١٥)

ـ إنّ الإنسان يجد من نفسه تصوّر أشياء كلّية عامة مطلقة دون ملاحظة جانب الألفاظ ، ولا ملاحظة جانب الأعيان ، ويجد من نفسه اعتبارات عقلية لشيء واحد ... هي معان موجودة محقّقة في ذهن الإنسان ، والعقل الإنسانيّ هو المدرك لها ، ومن حيث هي كلّية عامة لا وجود لها في الأعيان ، فلا موجود مطلقا في الأعيان ولا عرض مطلقا ولا لون مطلقا ، بل هي الأعيان بحيث يتصوّر العقل منها معنى كلّيّا عامّا فتصاغ له عبارة تطابقه وتنصّ عليه ، ويعتبر العقل منها معنى ووجها فتصاغ له عبارة حتى لو طاحت العبارات أو تبدّلت لم تبطل المعنى المقدّر في الذهن المتصوّر في العقل ، فنفاة الأحوال أخطئوا من حيث ردّها إلى العبارات المجرّدة ، وأصابوا حيث قالوا ما ثبت وجوده معيّنا لا عموم فيه ولا اعتبار ، ومثبتو الأحوال أخطئوا من حيث ردّوها إلى صفات في الأعيان ، وأصابوا من حيث قالوا هي معان معقولة وراء العبارات ، وكان من حقّهم أن يقولوا هي موجودة متصوّرة في الأذهان ، بدل قولهم لا موجودة ولا معدومة ، وهذه المعاني مما لا ينكرها عاقل من نفسه ، غير أنّ بعضهم يعبّر عنها بالتصوّر في الأذهان ، وبعضهم يعبّر عنها بالتقدير في العقل ، وبعضهم يعبّر عنها بالحقائق والمعاني التي هي مدلولات العبارات والألفاظ ، وبعضهم يعبّر عنها بصفات الأجناس والأنواع (ش ، ن ، ١٤٨ ، ٩)

ـ (المعتزلة) تارة يعبّرون عن الحقائق الذاتيّة في الأجناس والأنواع بالأحوال وهي صفات وأسماء ثابتة للموجودات لا توصف بالوجود ولا بالعدم ، وتارة يعبّرون عنها بالأشياء وهي أسماء وأحوال ثابتة للمعدومات لا تخصّ بالأخصّ ولا تعمّ بالأعمّ (ش ، ن ، ١٥٩ ، ٢)

ـ العجب كل العجب من مثبتي الأحوال أنّهم جعلوا الأنواع مثل الجوهريّة والجسميّة والعرضيّة واللونيّة أشياء ثابتة في العدم لأنّ العلم قد تعلّق بها ، والمعلوم يجب أن يكون شيئا حتى يتوكّأ عليه العلم ، ثم هي بأعيانها أعني الجوهريّة والعرضيّة واللونيّة والسواديّة أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ، ولا موجودة بانفرادها ، فيا له من معلوم في العدم يتوكّأ عليه العلم ، وغير معلوم في الوجود (ش ، ن ، ١٦٢ ، ٣)

ـ إنّ أسباب الماهيّة غير ، وأسباب الوجود غير ، ولمّا سمعت المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين القسمين ظنّوا أنّ المتصوّرات في الأذهان هي اشياء ثابتة في الأعيان ، فقضوا بأنّ المعدوم شيء ، وظنّوا بأنّ وجود الأجناس والأنواع في الأذهان هي أحوال ثابتة في الأعيان ، فقضوا

٤٣

بأنّ المعدوم شيء ، وأنّ الحال ثابت (ش ، ن ، ١٦٣ ، ٣)

ـ اختلفت المعتزلة في أنّ أحكام الذات هل هي أحوال الذات أم وجوه واعتبارات ، فقال أكثرهم هي أسماء وأحكام للذات وليست أحوال وصفات كما في الشاهد من الصفات الذاتيّة للجوهر والصفات التابعة للحدوث. وقال أبو هاشم هي أحوال ثابتة للذات وأثبت حالة أخرى توجب هذه الأحوال (ش ، ن ، ١٨٠ ، ١٢)

ـ الأحوال من الصفات التي لا قوام لها بأنفسها ، دون ذوات تضاف إليها ، على ما عرف من مذهب القائل بالأحوال (م ، غ ، ٣٤ ، ١٤)

ـ لو كان ما به يقع الاتّفاق والافتراق بين الذوات حالا ، فلا محالة أنّ بين الأحوال اتّفاقا وافتراقا ؛ إذ ليس كلّها حالا واحدة. وعند ذلك فما يلزم في الذوات من الاتفاق والافتراق بعينه لازم في الأحوال ، وذلك يفضي إلى إثبات الحال للحال ، وذلك عندهم محال (م ، غ ، ٣٤ ، ١٨)

ـ الجنس هو ما تتماثل به الأنواع ويقال عليها قولا أوليّا في جواب ما هو ، وذلك كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والفرس. فعلى هذا إنّما لم يكن ما وقع به الاشتراك بين الجوهر والعرض من الوجود وغيره جنسا لهما من حيث إنّه لم يكن مقولا عليهما ، على النحو الذي ذكرناه. ولهذا يفهم كل منهما دونه. ولو كان الجنس هو ما تتماثل به الحقائق المختلفة في الجملة ، لقد قلنا إنّ ما اشترك فيه الجوهر والعرض جنس لهما ، لكن لم يكن الأمر هكذا. وهذا بخلاف الأحوال فإنّها إنّما كانت أحوالا من حيث إنّه وقع بها الاتفاق والافتراق ، وذلك بعينه متحقّق في الأحوال. وإن كان اسم الحال لا يطلق إلّا على ما به الاتّفاق والافتراق بين الذوات فهو نزاع في التسمية لا في المعنى (م ، غ ، ٣٦ ، ٥)

أحوال التائب

ـ ذكر اختلاف أحوال التائب فيما يلزمه من التوبة أعلم أنّه لا يجوز أن يكون مستحقّا للعقاب إلّا والتوبة له لازمة ، ومنه صحيحة ، لأنّا قلنا إنّه مكلّف ، وهذا حاله ، والتوبة لا تصحّ منه ، أوجب ذلك قبح تكليفه على ما تقدّم ذكره ، ولا يجوز أن تلزمه التوبة إلّا وهو على حال معها تصحّ منه ، وإلّا أوجب ذلك تكليف الفعل على وجه لا يصحّ وجوده عليه ، وذلك بمنزلة تكليف ما لا يطاق (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٨ ، ١٦)

أحوال الفاعلين

ـ اعلم أنّ القسمة التي نذكرها في اختلاف أحوال الفاعلين منّا في أفعالهم هي مثبتة على أنّ القدرة سابقة للفعل وليست موجبة له. فحينئذ تعتبر حال الفاعل بما تقترن به من الوجوه التي تغيّر أحكام الأفعال. وقد قال في الكتاب لا يخرج فعل العبد من وجوه ثلاثة : أحدها أن يقع مع الإكراه والحمل. والثاني يقع مؤثّرا له مختارا في فعله. والثالث أن يقع على وجه السهو. وقد كانت القسمة الصحيحة تقتضي أن يقال : إمّا أن يفعل وهو عالم به أو يفعله وليس بعالم. وإذا كان عالما فأمّا أن يكون هناك إلجاء أو لا يكون هناك إلجاء. فإمّا فعل الساهي فلا مدخل له في التكليف والأمر والنهي والذمّ والمدح. وقد اختلف" شيوخنا" في هل يصحّ وصفه بالقبيح والحسن أم لا على

٤٤

ما تقدّم القول فيه (ق ، ت ١ ، ٣٦٤ ، ٣)

أحوال القادر

ـ إنّ أحوال القادر تتفاوت فيما يتأتّى منه من زيادة الفعل ونقصانه وما هو عليه كما كان. فليس إلّا أنّه يعرض عليه في بعض الأحوال معان تزيد وتنقص ، فلزيادتها يكثر الفعل ولنقصانها يقلّ. وهذا يقتضي أنّ الذي به يقدر هو غيره (ق ، ت ٢ ، ٢٨ ، ١٠)

أحوال المكلّفين

ـ إنّ أحوال المكلّفين لا تخرج عن أقسام ثلاثة : إمّا أن يكون المعلوم من حالهم التمسّك بسائر ما كلّفوه عقلا من كل وجه ، تمسّكوا بشريعة أو لم يتمسّكوا بها ـ فمن هذا حاله لا تحسن بعثة الرسول إليه. أو يكون المعلوم من حالهم أنّهم لا يتمسّكون بما في عقولهم أو ببعضها ، وأنّ بعثة الرسول لا تؤثّر في حالهم البتّة ، حتى لو تمسّكوا بكل الشرائع لكان حالهم فيما يأتون من جهة العقول ويذرون لا يختلف ـ فمن هذا حاله أيضا لا تحسن بعثة الرسول إليه ، لأنّ في هذا الوجه ، والوجه الأول ، لا يكون ما يحملونه مصلحة لمن هذه حاله ؛ لأنّه ، إذا كان يطيع على كل حال أو يعصى على كل حال ، إمّا في الكل أو البعض فليس لهم فيما تحمله مصلحة ، والبعثة لا تحسن. أو يكون المعلوم من حال المكلّف أنّه ، إذا تمسّك ببعض الشرائع صلح في بعض ما كلّف عقلا ، واختار الواجب ، ولولاه كان لا يختاره ، أو انتقل أو انتهى عن القبيح على وجه لولاه كان لا ينتهي ، أو يكون (أقرب) إلى ذلك ، أو يسهل عليه القيام بذلك عنده ، ولولاه لصعب ، وكان أبعد من فعله على ما قدّمناه ـ فمن هذا حاله تحسن البعثة إليه ؛ بل تجب على ما تقدّم القول فيه (ق ، غ ١٥ ، ٩٧ ، ١٩)

أحوالنا

ـ إنّ تصرّفنا يحصل على أحكام ، وتلك الأحكام لا تحصل له إلّا عند أحوالنا من كوننا مريدين له أو كارهين له ، وعالمين ، فيجب أن يحتاج إلى أحوالنا ، فإذا احتاج إلى أحوالنا فقد احتاج إلينا (ن ، د ، ٣٠٠ ، ٦)

أحياز

ـ الأحياز والجهات أمور مختلفة بحقائقها متباينة بماهياتها (ف ، س ، ٣٧ ، ١٥)

أخبار

ـ إنّ من أخبار الله عند المعتزلة القرآن ، وهو حجتهم على من خالفهم في توحيد أو عدل أو وعد أو وعيد أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر (خ ، ن ، ٤٣ ، ١٢)

ـ أجمعت المعتزلة القائلون بالوعيد إنّ الأخبار إذا جاءت من عند الله ومخرجها عامّ كقوله : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار : ١٤) (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٧ ـ ٨) فليس بجائز إلّا أن تكون عامّة في جميع أهل الصنف الذي جاء فيهم الخبر من مستحلّيهم ومحرّميهم ، وزعموا جميعا أنّه لا يجوز أن يكون الخبر خاصّا أو مستثنى منه والخبر ظاهر الإخبار والاستثناء والخصوصية ليسا بظاهرين ، وليس يجوز عندهم أن يكون الخبر خاصّا وقد جاء مجيئا عامّا إلّا ومع الخبر ما يخصّصه أو

٤٥

تكون خصوصيته في العقل ، ولا يجوز أن يكون خاصّا ثم يجيء الخصوصية بعد الخبر (ش ، ق ، ٢٧٦ ، ٤)

ـ الأخبار نوعان : من أنكر جملته لحق بالفريق الأول ؛ لأنّه أنكر إنكاره ؛ إذ إنكاره خبر ، فيصير منكرا ـ عند إنكاره ـ إنكاره ، مع ما فيه جهل نسبه واسمه ومائيّته واسم جوهره واسم كل شيء ، فيجب به جهل محسوس وعجزه عن أن يخبر عن شيء عاينه إذا خبر به ، فكيف يبلغ هو إلى العلم بما يبلغ مما غاب عنه ، أو متى يعلم ما به معاشه / وغذاؤه ، وكل ذلك يصل إليه بالخبر ، مع ما فيه الكفران بعظيم نعم الله عليه ، وبأصل ما حمد هو به ، وبما فضّل به على البهائم من النطق ... بالسمع ، وذلك نهاية المكابرة (م ، ح ، ٧ ، ١٤)

ـ كان يقول (الأشعري) في الأخبار إنّها طريق تعلم بها الغائبات عن الحسّ بما لا يوصل إلى العلم بها بالنظر والاستدلال (أ ، م ، ١٨ ، ٧)

ـ رتّب شيوخنا الكلام في الأخبار. فقال" أبو علي" ، رحمه‌الله : إنّ من حقّه ألّا يكون طريقا للعلم إلّا بأن تكون آحاده تقوّي الظنّ ولا يزال الظنّ يقوى ، ثم يحصل العلم ؛ وبيّن ذلك بما نجده في الشاهد من الأخبار التي هي طريق العلم (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٠ ، ١٠)

ـ قلنا في الأخبار : إنّها من الأصول العظيمة في باب التكليف لتعلّق ما ذكرناه من الفوائد بها. وليس لهذه الفوائد قسمة رابعة ؛ لأنّ ما يحصل لسامع الخبر من الفائدة ليس هو بإدراك الخبر ؛ وإنّما يحصل بالأمر الراجع إلى معنى الخبر ومضمونه (ق ، غ ١٥ ، ٣٣١ ، ١٢)

ـ قالوا (أهل السنّة) : إنّ الأخبار التي يلزمنا العمل بها ثلاثة أنواع : تواتر ، وآحاد ، ومتوسّط بينهما مستفيض (ب ، ف ، ٣٢٥ ، ١٢)

ـ الأخبار عندنا على ثلاثة أقسام : تواتر وآحاد ومتوسّط بينهما مستفيض جار مجرى التواتر في بعض أحكامه (ب ، أ ، ١٢ ، ٩)

ـ الأخبار على قسمين : أحدهما الأخبار المجملة ولا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه أنّكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا ، فإن نصر جعل ذلك حجّة له عند أصحابه وسمّاها معجزة ، وإن لم ينصر قال لهم تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي ، فمنعكم الله نصره ونحو ذلك من القول. ولأنّه قد جرت العادة أنّ الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر والنصر ويمنونهم الدول ، فلا يدلّ وقوع ما يقع من ذلك على أخبار عن غيب يتضمّن إعجازا ، والقسم الثاني في الأخبار المفصّلة عن الغيوب (أ ، ش ١ ، ٤٢٥ ، ٢)

إخبار

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ أهل التواتر جميعا من المعتزلة ومن غيرهم لا يفصلون بين إخبار الكفار وبين إخبار غيرهم إلّا فيما جاء مجيء الشهادة على جهة حسن الظن بالمؤمن وتصديقه لحكم الدين. فأمّا في القطع على صحة الخبر وصدقه فإنّما هو المجيء الذي لا يكذب مثله وسواء كان ناقلوه مؤمنين أم كافرين (خ ، ن ، ٤٥ ، ٨)

ـ ما يدلّ على وجوب الأفعال الشرعية من ضروب الأدلّة : قد يدلّ على ذلك ما يجري مجرى الخبر ، وذلك نحو قوله جلّ وعزّ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (آل عمران : ٩٧). ونحو الإخبار بأنّه واجب ، أو فرض ، أو لازم ، إلى سائر العبادات (ق ، غ ١٧ ، ١٠٤ ، ٤)

٤٦

أخبار الآحاد

ـ أمّا أخبار الآحاد فمتى صحّ إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها ، دون العلم ، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم في أنّه يلزم الحكم بها في الظاهر ، وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة. وبهذا النوع من الخبر أثبت الفقهاء أكثر فروع الأحكام الشرعيّة في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الحلال والحرام ، وضلّلوا من أسقط وجوب العمل بأخبار الآحاد في الجملة ، من الرافضة والخوارج وسائر أهل الأهواء (ب ، ف ، ٣٢٥ ، ١٨)

ـ أخبار الآحاد متى صحّ إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم يلزمه الحكم بها في الظاهر وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة (ب ، أ ، ١٢ ، ١١)

ـ أمّا أخبار الآحاد الموجبة للعمل دون العلم فلوجوب العمل بها شروط : أحدها اتصال الإسناد في قول الشافعيّ وأصحابه لأنّهم لا يرون الاستدلال بالمرسل صحيحا ورأى مالك مراسيل الصحابة حجّة ، وأمّا أبو حنيفة رأى الاحتجاج بالمراسيل كلّها عن الثّقات صحيحا والشرط الثاني عدالة الرّواة ، فإن كان في رواته مبتدع في نحلته أو مجروح في فعله أو مدلّس في روايته فلا حجّة في روايته. والشرط الثالث أن يكون متن الخبر مما يجوز في العقل كونه (ب ، أ ، ٢٢ ، ١٣)

ـ أمّا أخبار الآحاد فلا يقبل فيه ولا نشتغل بتأويله عند من يميل إلى التأويل ، ولا بروايته عند من يقتصر على الرواية ، لأنّ ذلك حكم بالمظنون واعتماد عليه (غ ، أ ، ٦٢ ، ٢٦)

ـ إنّ أخبار الآحاد مظنونة فلم يجز التمسّك بها في معرفة الله تعالى وصفاته. وإنّما قلنا إنّها مظنونة وذلك لأنّا أجمعنا على أنّ الرواة ليسوا معصومين ، وكيف والروافض لما اتّفقوا على عصمة علي رضي الله عنه وحده فهؤلاء المحدّثون كفّروهم ، فإذا كان القول بعصمة علي كرّم الله وجهه يوجب عليهم تكفير القائلين بعصمة علي ، فكيف يمكنهم عصمة هؤلاء الرواة ، وإذا لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزا ، والكذب عليهم جائزا ، فحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا. فثبت أنّ خبر الواحد مظنون (ف ، س ، ٢٠٥ ، ٢)

أخبار الرسل

ـ ثم إذ قد لزم قبول الأخبار بضرورة العقل لزم قبول أخبار الرّسل ؛ إذ لا خبر أظهر صدقا من خبرهم بما معهم من الآيات الموضحة صدقهم ؛ إذ لا يوجد خبر يطمئن إليه القلب ـ ممّا بيّنا من المعارف التي يصير منكر ذلك متعنتا بضرورة العقل ـ أوضح صدقا من أخبار الرّسل صلوات الله عليهم ، فمن أنكر ذلك فهو أحقّ من يقضي عليه بالتعنّت والمكابرة (م ، ح ، ٨ ، ١٤)

أخبار الكفّار

ـ الخطأ من قول هشام وأبي الهذيل قولهما : أنّ أخبار الكفار لا توجب العلم ، لأنّ هذا لو كان هكذا لم نعلم ما بعد عنا من بلاد الكفر ولا ما مضى من أيام البشر ، إذ كان المخبرون بذلك كفارا. فأمّا قولهما : أنّ في الأرض جماعة صالحين أبرارا أتقياء باطنهم كظاهرهم لا نعرفهم بأعيانهم ، فغير مدفوع ولا منكر (خ ، ن ، ١١٧ ، ٤)

٤٧

أخبار متواترة

ـ فما غاب عنك ممّا قد رآه غيرك مما يدرك بالعيان ، فسبيل العلم به الأخبار المتواترة التي يحملها الوليّ والعدوّ والصالح والطالح المستفيضة في الناس ، فتلك لا كلفة على سامعها من العلم بتصديقها. فهذا الوجه يستوي فيه العالم والجاهل (ج ، ر ، ٢٤ ، ١١)

ـ ما يعلم صدقه اضطرارا فكالأخبار المتواترة ، نحو الخبر عن البلدان والملوك وما يجري هذا المجرى ، ونحو خبر من يخبرنا أنّ النبي صلى الله عليه كان يتديّن بالصلوات الخمس وإيتاء الزكاة والحجّ إلى بيت الله الحرام وغير ذلك ، فإنّ ما هذا سبيله يعلم اضطرارا. وأقلّ العدد الذين يحصل العلم بخبرهم خمسة ، حتى لا يجوز حصوله بخبر الأربعة. ولا يكفي خبر الخمسة على أي وجه أخبروا ، بل لا بدّ من أن يكون خبرهم مما عرفوه اضطرارا ، ولهذا لا يجوز أن يحصل لنا العلم الضروري بتوحيد الله وعدله بخبر من يخبرنا عن ذلك ، لمّا لم يعرفوه اضطرارا (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ٦)

إخبار واستخبار

ـ إنّ من طبع الإنسان محبّة الإخبار والاستخبار. وبهذه الجبلّة التي جبل عليها الناس نقلت الأخبار عن الماضين إلى الباقين (و) عن الغائب إلى الشاهد ، وأحبّ الناس أن ينقل عنهم ونقشوا خواطرهم في الصخور واحتالوا لنشر كلامهم بصنوف الحيل. وبذلك ثبتت حجّة الله على من لم يشاهد مخارج الأنبياء ولم يحضر آيات الرسول. وقام مجيء الأخبار عن غير تشاعر ولا تواطئ مقام العيان ، وعرفت البلدان والأقطار والأمم والتجارات والتدبيرات والعلامات ، وصار ما ينقله الناس بعضهم عن بعض ذريعة إلى قبول الأخبار عن الرسل وسلّما إلى التصديق وعونا على الرضا بالتقليد. ولو لا حلاوة الإخبار والاستخبار عند الناس لما انتقلت الأخبار وحلّت هذا المحلّ (ج ، ر ، ٤٠ ، ١٤)

أخبر

ـ قال ، مخبرا ومخيرا : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل : ٨٩ ـ ٩٠) ، فأخبر سبحانه ، أن يجزيهم بفعلهم في الحسنة والسيئة لا بفعله بهم وقضائه عليهم ، وأنّ ذلك منهم وفيهم ، ألا ترى كيف يقول : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل : ٩٠)؟ أي لم يظلمكم ولم يجزكم إلّا بعملكم لا بغيره ، توفيقا منه لهم وتبريا من الظلم إليهم ، فلو كان قضى ذلك عليهم لما كانت عليهم حجة ولا تبرأ ، سبحانه ، من فعله ونسبه إليهم (ي ، ر ، ٤٥ ، ١)

ـ لم يقل ، سبحانه : قدّرته ولا قضيته عليه ولا أمرته ولا رضيته منه ، بل برّأ نفسه من فعله وألزم المعصية أهلها وفاعلها ، ألا ترى إلى قوله (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (المائدة : ٣٠) أخبر أنّ ذلك الفعل من نفسه لا من غيرها (ي ، ر ، ٥١ ، ٤)

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ

٤٨

وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٠)

اختراع

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدوث" و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل" و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع" و" مبدع" و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين" و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا كما يقتضي المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٨)

ـ أمّا الاختراع ، فلا شكّ أنّ القادر بالقدرة لا يقدر عليه ، لأنّه إيجاد فعل متعدّ عنه من غير سبب ، وهذا لا يتأتى من القادرين بالقدرة ، إن لو صحّ ذلك لصحّ من أحدنا أن يمنع غيره من التصرّفات من غير أن يماسّه ، أو يماسّ ما ماسّه ، والمعلوم خلافه (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ٤)

ـ أمّا الاختراع فيتعذّر منه (الفاعل) لعلمنا بأنّه لا يقع على ما يدعوه الداعي إليه بدلالة أنّه لو أراد الفعل فيما بان منه لتعذّر إلّا بأن يكون هناك ضرب من الاتصال. ألا ترى أنّه لو أراد اختراع السكون في جسم الضعيف الذي يمشي على بعد منه لتعذّر ذلك عليه حتى إذا ماسّه تأتى منه؟ وهكذا لو أراد المريض أن يفعل الحركات في جوارحه مخترعة بقدر قلبه لتعذّر ذلك عليه فدلّ أنّ الاختراع متعذّر بالقدر. فإذا كان الاختراع هو الوجه الذي يصحّ حدوث الجسم عليه دون ما تقدّم من الوجوه بدلالة أنّا لو فعلناه ابتداء في محلّ القدرة أو بسبب نوجد مسبّبه في محلّ القدرة لأدّى إلى صحّة حلول الجسم في الجسم. وهذا يقتضي أنّ الأجسام لا تتعاظم بالانضمام ولا بالمجاوزة وذلك باطل. ولو فعلناه بسبب نوجد مسبّبه في غير محلّ القدرة لكان ذلك هو الاعتماد ، وهذا ممّا لا يولّد الجسم وإلّا كنّا لقدرتنا عليه وإن اختلفت أنواعه قادرين على الجسم. ومعلوم أنّه لا تتأتّى منّا الزيادة في الأجسام وإلّا كنّا إذا اعتمدنا في وعاء زمانا طويلا يمتلئ بالريح عند النفخ ليلا ، يقول قائل إنّه يتبدّد في الهواء وقد عرفنا فساد ذلك (ق ، ت ١ ، ٨١ ، ٥)

ـ أمّا الاختراع وهو ما يبتدئ به القادر من دون أن يكون في محلّ القدرة فلن يصحّ إلّا ممن هو قادر لنفسه دون من كان قادر بقدرة. فلهذا كان القديم مخصوصا به دوننا. وقد يجوز أن يفعل تعالى بسبب على ما يختاره. ولكنه يبتدئ السبب أيضا فنخترعه لا على الحدّ الذي نفعله (ق ، ت ١ ، ٣٦٨ ، ١)

ـ كل ما صحّت إضافته إلينا من بعض الوجوه تصحّ في كل فاعل ، ولا فاعل يصحّ منه إيقاع الفعل على وجه من هذه الوجوه ويتعذّر على من سواه إيقاعه على ذلك الحدّ. وإنّما الدلالة قد دلّت فيه تعالى على أنّه لا يختار القبيح لا أنّه يستحيل ذلك منه ، فصار كل قادر يصحّ منه

٤٩

إحداث الأفعال مجرّدة وعلى الوجوه الزائدة التي قدّمناها. وإنّما يختصّ القديم بالقدرة على أجناس مخصوصة وعلى إحداث ما يقدر عليه على طريقة الاختراع لأمر يرجع إلى أنّه قادر لنفسه (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ١٣)

ـ كان شيخنا أبو علي رحمه‌الله يذهب إلى أنّه تعالى لا يفعل بأسباب ، ولا يصحّ ذلك فيه كما لا يصحّ أن يفعل بالآلة ، ويقول : إنّ القول بذلك يوجب حاجته إلى السبب ، فإذا ثبت أنّه يتعالى عن الحاجة علم أنّ كل ما يفعله إنّما يفعله على جهة الاختراع والابتداء ، وإنّما يقال إنّه بسبب يوجب الفعل ، إنّما يفعل الفعل عنده لا أنّه يفعله به ويفارق حاله حالنا ، لأنّ الواحد منّا لا يمتنع من حيث كان قادرا بقدرة أن يحتاج إلى السبب كما يحتاج إلى الآلة وإلى استعمال محلّ القدرة (ق ، غ ٩ ، ٩٤ ، ٧)

ـ إنّ القدرة لا يمكن فعل الجسم بها ، وتحريره هو أن يقال إنّ القدرة لا يمكن الفعل بها إلّا مباشرا وإمّا متولّدا. وأمّا الاختراع فمحال بالقدرة ، ولا يمكن فعل الجسم على الوجهين جميعا (ن ، د ، ٣٩٠ ، ٧)

ـ إنّ القديم يتأتى منه اختراع الأجسام ، والواحد منا لا يتأتى منه ذلك. وما ذلك إلّا أنّ كون القديم تعالى قادرا لنفسه ، وكون أحدنا قادرا لصفة معنوية (ن ، د ، ٤٩٨ ، ٧)

ـ الخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ في أنّ الجسم يحدث بالاختراع : اعلم أنّه إذا ثبت حدوث الجسم ، فالوجه الذي يحدث عليه هو أن يقع مبتدأ على طريق الاختراع من قبل الله تعالى. والكلام في ذلك يدور على وجهين : أحدهما أن نبيّن أنّه غير مقدور للقادرين بقدر ، بل يختصّ تعالى بالقدرة عليه.

والثاني أنّه إنّما يفعله ابتداء فلا تدخله طريقة التوليد أصلا (أ ، ت ، ١٠٩ ، ١٣)

ـ (المعتزلة) يستدلّون في خلق الأعمال بقوله تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وزعموا أنّ ذلك يدلّ على اتّصاف العباد بالخلق والاختراع (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٤)

ـ أمّا قوله فاعل لا بمعنى الحركات والآلة فحق لأنّ فعله اختراع ، والحكماء يقولون إبداع ومعنى الكلمتين واحد وهو أنّه يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منا ، ولا يوجد شيئا من شيء (أ ، ش ١ ، ٢٦ ، ٦)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

اخترام

ـ إنّما تقول ما ذكرته في الفعل الذي يتعذّر على المكلّف لأمر يرد عليه من قبل المكلّف ولا يكون للعبد سبيل إلى إزالته ، كالاخترام والمنع إلى ما شاكل ذلك من الأمور المزيلة للتكليف. فأمّا إذا كان ما له يتعذّر الفعل يحصل من قبله ، وقد كان له سبيل إلى أن لا يفعل ذلك ، فيستمرّ

٥٠

على ما كلّف. فلا يجب ما ذكرته ، بل لا يخرج من أن يكون تعالى قد ألزمه الفعل الأوّل وما يليه من الأفعال ، وإن كان بأن لا يفعل الأوّل يحصل مضيّعا لما بعده من الواجبات. ومثال ذلك ، ما ذكرناه من أنّه تعالى لا يجوز أن يكلّف المرء إتمام صومه اليوم ، والمعلوم أنّه يخترمه قبل تقضّيه ؛ ويجوز أن يكلّفه صوم اليوم ، وإن كان المعلوم أنّه سيفرط في إتمامه من حيث لا يفعل الدخول فيه على وجه يصحّ منه الإتمام (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٦ ، ١٦)

اخترع

ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنّه يضلّ ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)

ـ إنّ الإنسان قد يخترع الألوان والطعوم والروائح والإدراكات (بشر) (ب ، ف ، ١٥٧ ، ٢١)

ـ إنّ من اخترع شيئا لم يكن قط لا على مثال سلف ولا عن ضرورة أوجبت عليه اختراعه ، لكن اختار أن يفعله ، فإنّه قادر على ترك اختراعه ، قادر على اختراع غيره مثله أو خلافه ، ولا فرق بين قدرته على بعض ذلك وبين قدرته على سائره (ح ، ف ٢ ، ١٨٢ ، ١٣)

اخترع الأعراض

ـ حال العبد إذا اخترع الأعراض ، لأنّ ذلك يصحّ بالقدر الدالّة على حدث المحل (ق ، غ ٨ ، ١٤٣ ، ١٩)

إختلاف

ـ الشيء الواحد لا يخالف نفسه ولا يكون غيرها. فوجب بذلك أنّ الاختلاف والتغاير إنّما وقع بين شيئين هما سواه وهما السكون والحركة. فلذلك قلنا : إنّ الجسم إنّما يتحرّك بحلول الحركة فيه ويسكن لحلول السكون فيه. والقديم جلّ ذكره عالم بالأشياء على ما هي عليه من حقائقها لم يزل ولا يزال كذلك ، وإنّما اختلفت العبارة عن علمه بالأشياء قبل أن يوجدها ، وفي حال وجودها لاتصال العبارة عن علمه بالأشياء بالعبارة عن الأشياء المتغايرة المختلفة الأحوال ، فاختلفت لاختلاف ما اتصلت به (خ ، ن ، ٨٤ ، ٢٠)

ـ التشابه والاختلاف أبدا تقع في الأغيار ، وجملة ذلك أنّا نجد فعل العبد من الوجه الذي عليه أمر العالم لله ، فثبت أنّ خالق العالم كلّه واحد ، وإنّما يجعل للعبد لا من ذلك الوجه (م ، ح ، ٢٥٠ ، ٦)

٥١

إختلاف بين الذوات

ـ إنّه لا بدّ في المختلفين من اختصاص أحدهما بصفة ليست للآخر أصلا ، أن نقول : الأصل في معرفة الاختلاف بين الذوات هو الإدراك ، وما عداه مرتّب عليه مشبه به. فنقول : لا بدّ في كل ذاتين مختلفتين من أن تثبتا على وجه لو تناولهما الإدراك لفرّقنا بينهما ولميّزنا إحداهما من الأخرى. ولا طريق للتمييز بينهما إذا قدرت الإدارك فيهما إلّا بأن يستبدّ أحدهما بصفة ليست للآخر ، وإلّا فلو وقع الاشتراك في صفتيها لبطل التمييز ، وبطلان أن التمييز بينهما مع الإدراك بطلان للخلاف أصلا (ق ، ت ١ ، ١٥٣ ، ٢)

إختلاف الذوات

ـ إنّ صفة الوجود صفة واحدة في الذوات الموجودة ... والدلالة على أنّ صفة الوجود واحدة في الذوات أنّ الذي به يعرف اختلاف الصفات في الذوات إذا لم يكن طريق العلم بها الضرورة ، هو أن تختلف أحكامها ، فيتوصّل باختلاف الأحكام إلى اختلافها في أنفسها ، كما أنّ الطريق إلى معرفة اختلاف الذوات اختلافها في الأحكام التي تصحّ أو يجب أن يستحيل. فصار المراد باختلاف الذوات أنّ بعضها لا يسدّ مسدّ بعض في الأحكام الواجبة أو الصحيحة أو المستحيلة. والغرض بتماثلها اتّفاقها في هذه الأحكام. والغرض بتماثل الصفات هو اتّفاقها في الأحكام التي تثبت لها. فإذا لم تفترق في هذه الأحكام عرفنا تماثلها ، وإن افترقت عرفنا اختلافها. فإذا صحّت هذه الجملة وكان حكم صفة الوجود ما ثبت من ظهور صفة الذات بها حتى يكون هو الذي يصحّ ذلك ، وقد عرفنا أن هذا غير مختلف في الذوات. فكل موجود لأجل وجوده تظهر صفته المقتضاة عن صفة الذات ، وبوجوده يعرف ما هو عليه في ذاته ، فوجب أن تكون الصفة واحدة وأن لا تختلف. ومتى وجدت بعض الذوات تتحيّز عند الوجود والبعض تظهر له هذه الهيبة عند الوجود فلا تظنّ أنّ ذلك هو لاختلاف هذه الصفة في نفسها ، ولكن قد اختلف هاهنا ما تأثيره آكد وأقوى من تأثير الشروط والأمور التي تصحّح ، وهو ما يؤثّر في الصفة بطريقة الإيجاب. فالجوهر لما هو عليه يؤثّر في تحيّزه عند الوجود. وكذلك السواد فاختلاف المقتضي لأجل ذلك لا لاختلاف الوجود في نفسه (ق ، ت ١ ، ١٣٥ ، ٢٦)

إختلاف في صفة الشيء

ـ إنّ الاختلاف في صفة الشيء لا يمنع من أن يكون العلم به ظاهرا ، لأنّ نفاة الأعراض وإن خالفوا في الأعراض المدركة فالعلم بها ظاهر. واختلاف الناس في الإرادة وأمثالها ، لم يمنع من أن يكون العلم بأنّه مريد واضح. فكذلك علم الخائف بأنّه خائف يحصل باضطرار ، وإن اختلفوا في ما نبّه الخوف ، لأنّه إذا كان نفي من نفى الخوف لا يخرجه من أن يفصل بين حاله خائفا وخلافها ، فكذلك مخالفة من يخالف في صفته لا تمنع من ذلك. على أنّ العلم بذلك قد صار في الوضوح بحيث يحصل فيمن لا عقل له إذ روّع بضرب أو غيره ؛ فكيف يدّعي فيه الالتباس؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٣ ، ١٦)

٥٢

اختيار

ـ اختلفوا (المعتزلة) في الإرادة هل هي مختارة أم اختيار ليست بمختارة على مقالتين : فقال قوم : هي مختارة كما أنّها اختيار ، ولم يجيزوا أن تكون مرادة كما أنّها مختارة ، وقال قائلون : هي اختيار وليست بمختارة (ش ، ق ، ٤١٩ ، ١٢)

ـ ما كان من أفعال الله له ترك كالأعراض فهو مختار ، وما لا ترك له كالأجسام فهو اختيار وليس بمختار (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ٧)

ـ قال قوم : الإيثار هو الاختيار والإرادة ، والمراد لا يكون إيثارا ولا اختيارا ، وقال قوم : الإيثار هو الإرادة ، والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مرادا (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١٢)

ـ أيضا أنّ الله تعالى إذا أنشأ شيء ثم أفناه ، وفيه أيضا ما قد أعاده نحو الليل والنهار ، ثبت أنّ فعله بالاختيار ؛ إذ تحقّق به صلاح ما قد أفسده ، وإعادة ما قد أفناه ، وإيجاد المعدوم وإعدام الموجود ، فثبت أنّ طريق ذلك الاختيار ؛ إذ من كان الذي منه يكون بالطّبع لا يجيء منه نفي ما يوجد ، وإيجاد ما يعدمه ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٤٤ ، ١٧)

ـ إنّا قد بيّنا حدث العالم لا من شيء ، وذلك نوع ما لا يبلغه إلا فعل من هو في غاية معنى الاختيار ، وما يكون بالطبع فحقّه الاضطرار ، ومحال أن يكون من يبلغ شأنه إلى إنشاء الأشياء لا من شيء ، ثم يكون ذلك بالطبع ، مع ما كان وقوع الشيء بالطبع هو تحت قهر آخر ، وجعله بحيث يسقط عنه الإمكان ، وذلك آية الحدث وأمارة الضعف ، جلّ ربّنا عن ذلك / وتعالى (م ، ح ، ٤٥ ، ٢)

ـ إنّ من لا قدرة له يخرج الذي يكون منه مضطربا فاسدا ، ولا يملك الشيء وضدّه ، فثبت أنّ ما كان منه بقدرة كان واختيار ، وذلك أمارات الفعل الحقيقية في الشاهد الذي هو أصل للعلم بالغائب (م ، ح ، ٤٥ ، ١٢)

ـ قال الكعبي : أفعال الله باختيار ؛ لأنّ المطبوع يكون فعله نوعا (م ، ح ، ٦٠ ، ٣)

ـ الدلالة عندنا على الاختيار خروج الخلق على تفاوت مائيّته ، على ما فيه من الحكمة ، والدلالة على وحدانية الله ، فدلّ ذلك على اختيار كون كل شيء على ما هو عليه (م ، ح ، ٦٠ ، ١٢)

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : الأصل عندنا في المسمّى باسم القدرة أنّها على قسمين : أحدهما سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدم الأفعال ، وحقيقتها ليست بمجعولة للأفعال ، وإن كانت الأفعال لا تقوم إلّا بها ، لكنها نعم من الله أكرم بها من شاء ثم يستأديهم شكرها عند احتمالهم درك النّعم وبلوغ عقولهم الوقوف عليها ... والثاني معنى لا يقدر على تبيّن حدّه بشيء يصار إليه سوى أنّه ليس إلّا للفعل ، لا يجوز وجوده بحال إلا ويقع به الفعل عند ما يقع معه. وعند قوم قبله ، أعني فعل الاختيار الذي بمثله يكون الثواب والعقاب ، وبه يسهل الفعل ويخفّ (م ، ح ، ٢٥٦ ، ١٨)

ـ ليس شرط الاختيار أن يفعل ما شاء ، ولكن يختار الأولى به أن يفعل ، فإذا فعل ما لا يعرف لما ذا فعل ثبت أنّ لغيره في فعله تدبيرا ، على ذلك خرج فعله ، والله الموفق (م ، ح ، ٢٧٩ ، ١٣)

ـ كان (الأشعري) يثبت للمحدث اختيارا على الحقيقة بمعنى الإرادة ، كما يثبت له قدرة واستطاعة ، ويقول إنّ اختياره وقدرته عن

٥٣

اختيار الله تعالى وقدرته ، وإنّ الله تعالى جعل المختار مختارا والكاره كارها والمستطيع مستطيعا والعاجز عاجزا على معنى أنّه جعل هذه المعاني وخلقها له بعد ما لم تكن (أ ، م ، ٧٦ ، ١٢)

ـ الاختيار كالمختار في أنّه لا يمكن أن يقع إلّا بقدرة ، وتلك القدرة أيضا صالحة للضدّين فتحتاج إلى أمر آخر له ولمكانه يكون ذلك الاختيار بالوقوع أولى مما يضادّه ، والكلام في ذلك كالكلام في هذا فيتسلسل بما لا يتناهى من الاختيار ، واختيار الاختيار ، أو ينتهي إلى اختيار ضروريّ ؛ وذلك يوجب كون الواحد منّا في بعض الحالات مدفوعا إلى اختيار ضروريّ ، والمعلوم أنّه لا يوجد في شيء من الحالات كونه على هذا الوصف. وبعد ، فإنّ الساهي قد عدم منه الاختيار ، فيجب أن يوجد منه الضدّان وقد عرف فساده. وبعد ، فإنّ قدرة الاختيار منفصلة عن قدرة المختار ، فكان يجب أن يحصل أحدهما مع فقد الآخر ، وهذا يؤدّي إلى اجتماع الضدّين في بعض الحالات على ما ذكرناه (ق ، ش ، ٣٩٨ ، ١٧)

ـ أحد ما يدلّ على أنّه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي ، هو أنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون مختارا لها ، لأنّ الاختيار والإرادة واحد (ق ، ش ، ٤٦٤ ، ٤)

ـ إذا وقع الفعل لخلوص الدواعي فإنّ وقوعه لا يخرج عن حدّ الاختيار دون الوجوب. لأنّه قد بطل تعلّق هذا الفعل بعلّة موجبة (ق ، ت ١ ، ٤٤ ، ٦)

ـ أمّا الاختيار فتارة يستعمل في الفعل المراد متى وقع لا على طريق الإلجاء والحمل ، وتارة في نفس الإرادة ، فلا بدّ من أن تكون هي والفعل جميعا من قبل واحد وأن لا يثبت إلجاء وحمل. وقد يستعمل على طريق التجوّز في فعل الغير والحال في الإيثار يجري مجرى الحال في الاختيار في صحّة استعماله على الوجهين وفي صحّة التجوّز به في فعل الغير (ق ، ت ١ ، ٢٩٧ ، ١٩)

ـ في وجوه تعلّق القدرة بالمقدورات. اعلم أنّه صدّر الباب بوجوب تعلّق القدرة بما تتعلّق به ، والصحّة المذكورة في هذا الموضع لا ينفصل عن الوجوب. وإنّما كان كذلك لأنّ هذا التعلّق مستند إلى صفة تتجدّد للقدرة عند الوجود.

فلمّا كان اختصاصها بهذه الصفة يثبت هذا الحكم ، وصار هذا الحكم هو الطريق إلى تلك الصفة ، فوجب لذلك أن نقضي بأنّ تعلّقها بما تتعلّق به واجب. وكذلك نقول في القادر إنّ تعلّقه بالمقدور واجب وإنّما وقوعه يصحّ منه ويقف على دواعيه ، وإلّا فالحكم الذي له مع المقدور لا تدخله الصحّة بل لا بدّ من ثباته. ولا ينقض ذلك طريقة الاختيار لأنّها تدخل في الوقوع ، ولو لا وجوب تعلّقه بمقدوره لما صحّ أن يختار مقدورا على مقدور. فصار الاختيار تابعا لوجوب تعلّق القادر بهذا المقدور. ولهذه الجملة لا نعرف هذا التعلّق في القدرة ولا في القادر ابتداء ما لم يقع بعض المقدورات ، ثم نعلم استمرار هذا الحكم من بعد. فإذا تقرّرت هذه الجملة فيجب أن لا تفترق الحال في تعلّقها بين ابتداء وجودها وبين استمرار الوجود بها. فلهذا ما يجب إذا حكمنا ببقاء القدرة أن نحكم باستمرار تعلّقها بما تتعلّق به ، ولا يجوز أن يتجدّد لها في حال البقاء من التعلّق ما لم يكن من قبل ، لأنّ الذي اقتضى فيها هذا الحكم هو ما يرجع إلى ذاتها بشرط الوجود ،

٥٤

وهما قد حصلا في كلي الحالين (ق ، ت ٢ ، ٤٥ ، ٩)

ـ أمّا الاختيار فهو إرادة ، وإن كان إنّما يوصف بذلك إذا آثر به الفعل على غيره. ولو فعل فينا تعالى إرادة الشيء ، واضطرّنا إليها ، لم يسم اختيارا ؛ لأنّ معنى الإيثار بها لا يقع ، وإنّما يصحّ ذلك متى فعلها الفاعل لما له يفعل المراد. وقد شرط شيخنا أبو علي رحمه‌الله في ذلك أن لا يكون ملجأ إلى ما يفعله ، لأنّه إذا حصل بهذه الصفة ، لم يسم مختارا ، لأنّ الاختيار كالضدّ للإلجاء (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٦ ، ١١)

ـ قد يقال في نفس المختار إنّه اختيار على طريق التوسّع ، فيقال إنّ المشي اختياره ، والأكل اختياره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٧ ، ٧)

ـ أمّا الإرادة إذا تقدّمت الفعل ، وكان عزما لم تسمّ بذلك ، لأنّ معنى إيثار الشيء على ضدّه بها لم يقع. فأمّا إرادة المسبّب إذا قارن السبب أو إرادة جملة من الفعل تقتضي وقوعها على وجه ، فقد يسمّى اختيارا ، لأنّ المسبّب قد صار في حكم الواقع بوجود مسبّبه ، فما قارنه من إرادة المسبب نفسه ، وجملة الخبر قد صار فيما تؤثّر فيه الإرادة كالشيء الواحد ، فما قارن أوّله كأنّه مقارن لجميعه. وإنّما قلنا إنّه الإرادة لأنّه لا يكون مريدا للفعل في حال إلّا وهو مختار له ، ولا يكون مختارا له إلّا وهو مريد. فقد صحّ أنّ أحدهما هو الآخر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٧ ، ١٢)

ـ إنّ ما يريده على جهة الإلجاء هو الذي لا بدّ من وقوعه ، وما يريده على جهة الاختيار لا يجب ذلك فيه ، ولا يقتضي انتفاؤه ضعفا ولا نقصا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣١٧ ، ٣)

ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٤)

ـ إنّ المكلّف يجب أن يكون متمكّنا من سبب ما كلّفه ؛ لأنّه لا يجوز أن يكلّف المسبّب ولا يكلّف السبب. فمتى بيّنا وجوه كونه متمكّنا من فعل ما كلّف دخل فيه ذلك ، ودخل فيه أنه يجب كونه متمكّنا من الإرادة إذا كلّف الفعل الذي يقع على بعض الوجوه بالإرادة ؛ لأنّ من حقّ الإرادة ألّا تحصل جهة لفعله إلا إذا وقعت من قبله. ولم يكن مضطرّا إليها. وتفارق العلم في ذلك ؛ لأن العلم بالفعل المحكم قد يصحّ وإن كان مضطرّا إلى أن يفعله وألّا يفعله ؛ فلا يخرج من حيث كان مضطرّا إلى العلم من أن يكون الفعل واقعا من قبله على طريقة الاختيار. ولو اضطرّه الله ـ تعالى ـ إلى إرادة الخير لم يصحّ أن يفعل ذلك الفعل منه على خلاف ذلك الوجه. وإذا صحّ أنها إنما تؤثر في أفعاله إذا كانت من قبله ، دخل ذلك تحت ما بيّناه من التمكين ؛ لأنها كالسبب في هذا الوجه (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ١٠)

ـ إنّ الاختيار الذي هو فعل الله تعالى وهو منفى عن سواه ، هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به ، ووجدنا هذا أيضا حسّا لأنّ الاختيار الذي توحّد الله به هو أن يفعل ما شاء كيف شاء وإذا شاء ، وليست هذه صفة شيء من خلقه ، وأمّا الاختيار الذي أضافه الله تعالى إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى شيء ما والإيثار له على غيره فقط ، وهنا غاية البيان (ح ، ف ٣ ، ٢٥ ، ٧)

٥٥

ـ وجدنا بالضرورة الفعل لا يقع باختيار إلّا من صحيح الجوارح التي يكون بها ذلك الفعل ، فصحّ يقينا أنّ سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة ، ثم نظرنا سالم الجوارح لا يفعل مختارا إلّا حتى يستضيف إلى ذلك إرادة الفعل ، فعلمنا أنّ الإرادة أيضا محرّكة للاستطاعة ، ولا نقول أنّ الإرادة استطاعة ، لأنّ كل عاجز عن الحركة فهو مريد لها وهو غير مستطيع (ح ، ف ٣ ، ٢٩ ، ١٣)

ـ إنّ العجز في اللغة إنّما يقع على الممنوع بآفة على الجوارح أو بمانع ظاهر إلى الحواس ، والمأمور بالفعل ليس في ظاهر أمره عاجزا إذ لا آفة في جوارحه ولا مانع له ظاهرا ، وهو في الحقيقة عاجز عن الجمع بين الفعل وضدّه وبين الفعل وتركه ، وعن فعل ما لم يؤته الله تعالى عونا عليه ، وعن تكذيب علم الله تعالى الذي لم يزل بأنّه لا يفعل إلّا ما سبق علمه تعالى فيه ، هذه حقيقة الجواب في هذا الباب والحمد لله ربّ العالمين ، فإن قيل فهو مختار لما يفعل ، قلنا نعم اختيارا صحيحا لا مجازا لأنّه مريد لكونه منه ، محب له مؤثّر على تركه. وهذا معنى لفظة الاختيار على الحقيقة ، وليس مضطرّا ولا مجبرا ولا مكروها لأنّ هذه ألفاظ في اللغة لا تقع إلّا على الكاره لما يكون منه في هذه الحال (ح ، ف ٣ ، ٥٣ ، ١١)

ـ أصحاب الأصلح ... قالوا : إنّ الاختيار هو ما يمكن فعله ويمكن تركه ، فلو كان الكفّار عند إتيان الله تعالى بتلك الألطاف يختارون الإيمان لأمكن أن يفعلوه وأن لا يفعلوه أيضا ، فعادت الحال إلى ما هي عليه ، إلّا أن يقولوا أنّهم كانوا يؤمنون ولا بدّ ، فهذا اضطرار من الله تعالى لهم إلى الإيمان لا اختيار (ح ، ف ٣ ، ١٦٥ ، ١٦)

ـ أمّا الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه (ح ، ف ٥ ، ١١٣ ، ١٩)

ـ إذا خرج أحدنا من الاختيار زالت أحكام أفعاله عنه (أ ، ت ، ١٤٩ ، ١)

ـ الخيرة من التخيّر كالطيرة من التطيّر تستعمل بمعنى المصدر وهو التخيّر ، وبمعنى المتخيّر كقولهم محمد خيرة الله من خلقه (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (القصص : ٦٨) بيان لقوله ويختار لأنّ معناه : ويختار ما يشاء ، ولهذا لم يدخل العاطف ، والمعنى : أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلى بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. قيل السبب فيه قول الوليد بن المغيرة ـ لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظم ـ يعني لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم. وقيل معناه : ويختار الذي لهم فيه الخيرة : أي يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم من قولهم في الأمرين ليس فيهما خيرة لمختار (ز ، ك ٣ ، ١٨٨ ، ٢٦)

ـ قال (النظّام) : لا بدّ من خاطرين ، أحدهما يأمر بالإقدام ، والآخر بالكفّ ليصحّ الاختيار (ش ، م ١ ، ٥٨ ، ٦)

ـ قال (معمّر) : إنّ الله تعالى لم يخلق شيئا غير الأجسام ، فأمّا الأعراض فإنّها من اختراعات الأجسام ، إمّا طبعا كالنار التي تحدث الإحراق ، والشمس التي تحدث الحرارة والقمر الذي يحدث التلوين. وإمّا اختيارا كالحيوان يحدث الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق (ش ، م ١ ، ٦٦ ، ٥)

ـ الاختيار عند المعتزلة هو صحّة صدور الفعل أو تركه من القادر تبعا لداعيه أو عدم داعيه ، وهو

٥٦

متساوي النسبة إلى الطرفين عند عدم اعتبار الدّاعي ، وغير متساويها عند اعتبار أحدهما. ومتقدّموهم جوّزوا صدور أحد الطرفين من المختار من غير ترجّح أحدهما على الآخر ، وأوردوا أمثلة الجائع والعطشان والهارب إذا حضرهم رغيفان متساويان ، وقدحان متساويان ، وطريقان متساويان ، فإنّهم يختارون أحدهما من غير ترجّح. والذين لا يجوّزون ذلك يقولون : الرجحان شيء ، والعلم بالرجحان شيء ، ولعلّه يختار أحدهما لوجود الرجحان ، وإن لم يفطن بالرجحان. ومتأخّروهم قالوا بوجوب الرجحان. وقال بعضهم بأنّ الطرف الراجح يكون أولى ولا ينتهي إلى حدّ الوجوب ، وهو اختيار محمود الملاحميّ. وأنكر بعضهم كون الأولويّة كافية ، لمثل ما مرّ في خواص الممكن. وأبو الحسين وأصحابه قالوا : عند الداعي يجب الفعل ، وعند عدمه يمتنع. وذلك لا ينافي الاختيار ، فإنّ تفسير الاختيار هو أن يكون الفعل والترك بالقياس إلى القدرة متساويين ، وبالقياس إلى الداعي وعدمه إمّا واجبا أو ممتنعا. ومن عدم التمييز بين الأمرين في هذه المسألة يحدث الاختلاف الجاري بين القائلين بالإيجاب والاختيار (ط ، م ، ١٦٤ ، ١٢)

ـ الاختيار عند أبي الحسن هو الإرادة. واختار له : أي فعل به خيرا. والمشيّة هي الإرادة (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٦)

ـ استناد الكلّ إلى قضاء الله تعالى وقدره ، إمّا أن يكون بلا توسّط في إيجاد الشيء ، أو يكون بتوسّط. والأوّل لا يقتضيه انتهاء الإرادات إلى إرادته ، والثاني لا يناقض القول بالاختيار ، فإنّ الاختيار هو الإيجاد بتوسّط قدرة وإرادة ، سواء كانت تلك القدرة والإرادة من فعل الله بلا توسّط شيء آخر. فإذن ، من قضاء الله تعالى وقدره وقوع بعض الأفعال ، تابعا لاختيار فاعله ، ولا يندفع هذا إلّا بإقامة البرهان على أنّه لا مؤثّر إلّا الله تعالى (ط ، م ، ١٧٠ ، ٨)

ـ إنّ معنى الاختيار هو استواء الطرفين بالقياس إلى القدرة وحدها ووقوع الطرف الذي يتعلّق به الداعي (ط ، م ، ٢٧٥ ، ١٩)

ـ إذا فرضنا وقوع الفعل من المختار كان وجوب الفعل من جهة فرض الوقوع لا ينافي الاختيار (ط ، م ، ٢٧٥ ، ٢١)

ـ إنّهم يقولون (المعتزلة) : معنى الاختيار هو استواء الطرفين بالنسبة إلى القدرة وحدها ووجوب وقوع أحدهما بحسب الإرادة. فمتى حصل المرجّح وهو الإرادة وجب الفعل ، ومتى لم يحصل امتنع. وذلك غير مناف لاستواء الطرفين بالقياس إلى القدرة وحدها (ط ، م ، ٣٢٦ ، ١٠)

ـ إنّه حال الفعل إن امتنع الترك ، فلا اختيار ؛ وإلّا ، فلا بدّ من مرجّح ، وليس من فعله ، وإلّا عاد البحث ؛ فإن وجب معه فذاك ، وإلّا افتقر إلى مخصّص وقت الفعل (خ ، ل ، ١١١ ، ٢)

اختيار الإرادة

ـ أيضا أنّ شرط كل من فعله اختيار الإرادة ، وكل من فعله الاضطرار أنّه غير مريد لذلك ، فلو كان الله لفعل العبد غير مريد ليكون على ما كان ، يكون مضطرا ؛ ولذلك لا يجوز أن يكون لأحد في فعل غيره إرادة ؛ لما لا يحتمل خروجه على ما يريد ، وسموا ذلك تمنيا ، فعلى ذلك لو توهّم كون شيء لم يرده الله كانت إرادته تخرج مخرج التمني (م ، ح ، ٢٩٣ ، ٤)

٥٧

اختيار الأفعال

ـ قال (أبو الهذيل) : فأهل الجنّة في الجنّة يتنعمون فيها ويلذون ، والله تعالى المتولي لفعل ذلك النعيم الذي يصل إليهم وهم غير فاعلين له. (قال) ولو كانوا في الجنّة مع صحة عقولهم وأبدانهم يجوز منهم اختيار الأفعال ووقوعها منهم لكانوا مأمورين منهيين. ولو كانوا كذلك لوقعت منهم الطاعة والمعصية ، ولكانت الجنة دار محنة وأمر ونهي ولم تكن دار ثواب وكان سبيلها سبيل الدنيا. وقد جاء الإجماع بأنّ الدنيا دار عمل وأمر ونهي والآخرة دار جزاء وليست بدار أمر ولا نهي ، وهذا الإجماع يوجب ما قلت. فهذه حجة أبي الهذيل في نفيه أن يكون أهل الجنة يفعلون في الحقيقة (خ ، ن ، ٥٦ ، ١٧)

أخذ وترك

ـ أبو هاشم : ويجوز خلوّ العبد من الأخذ والترك. أبو علي والبلخيّ : لا. قلنا : فيلزم في الباري إذ صحّة الفعل ترجع إلى القادريّة لا إلى القدرة ، إذ المستلقي الساكن خال عنهما (م ، ق ، ١١٠ ، ٢٢)

آخر

ـ إنّ جهما كان يزعم أنّ الله يفنى الجنّة والنار وما فيهما ويبقى وحده كما كان وحده ، ويستدل على قوله هذا بقول الله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣) قال : فالأول هو الذي كان ولا شيء معه وكذا (زعم) الآخر هو الذي يبقى وحده لا شيء معه (خ ، ن ، ١٨ ، ١٦)

ـ إنّ الآخر معناه أن يكون بعد فناء الدنيا ، وأنّ الله بعد الخلق (ش ، ق ، ٥٤٢ ، ١١)

ـ زعم" الجهم بن صفوان" إنّ معنى الآخر أنّه لا يزال كائنا موجودا ، ولا شيء سواه ، ولا موجود غيره ، وأن الجنّة والنار تفنيان ويبيد من فيهما ويفنى (ش ، ق ، ٥٤٢ ، ١٤)

ـ زعم بعض المعتزلة أنّ معنى أنّ الله هو الآخر أنّه الباقي (ش ، ق ، ٥٤٣ ، ٦)

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٠)

ـ معنى كونه آخرا أنّه باق ولا يزال وكل شيء من الأشياء يعدم عدما محضا حسب عدمه فيما مضى (أ ، ش ١ ، ٤٧٢ ، ١)

آخرة

ـ إنّ أبا الهذيل كان يزعم أنّ الدنيا دار عمل وأمر ونهي ومحنة واختبار ، والآخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا دار أمر ولا نهي ولا محنة ولا اختبار (خ ، ن ، ٥٦ ، ١٤)

ـ أمّا الإلجاء في الآخرة فهو على وجه لا مضرّة فيه. فكذلك نقول إنّ الآخرة استمرار استحقاق العوض (ق ، غ ١٣ ، ٤٦٣ ، ١٨)

ـ اعتذر الخيّاط عن أبي الهذيل في بدعته هذه بأن قال : إنّ الآخرة دار جزاء ، وليست بدار تكليف ، فلو كان أهل الآخرة مكتسبين لأعمالهم لكانوا مكلّفين ، ولوقع ثوابهم وعقابهم في دار سواها (ب ، ف ، ١٢٥ ، ٥)

ـ زعم (ثمامة) أنّ الآخرة إنّما هي دار ثواب أو عقاب ، وليس فيها لمن مات طفلا ولا لمن لا يعرف الله تعالى بالضرورة طاعة يستحقّون بها ثوابا ، ولا معصية يستحقّون عليها عقابا ؛ فيصيرون حينئذ ترابا ؛ إذ لم يكن لهم حظ في ثواب ولا عقاب (ب ، ف ، ١٧٢ ، ١١)

٥٨

أخص

ـ الأولويّة لا توجب الوجوب ولا تنافيه ... وإنّما يجب تقديم الأعمّ في الحدود التامّة لا غير ، لأنّ الأعمّ فيها هو الجنس ، وهو يدلّ على شيء مبهم يحصّله الأخصّ الّذي هو الفصل. ومن تقديم الأخصّ على الأعمّ يختلّ الجزء الصّوريّ من الحدّ ، فلا يكون تامّا مشتملا على جميع الأجزاء. أمّا في غير الحدّ التامّ فتقديم الأعرف أولى وليس بواجب (ط ، م ، ١٢ ، ٢)

إخلال بالواجب

ـ إنّ الواجب متى أخلّ بفعله مع السلامة ، فلا بدّ من أن يستحقّ العقاب ؛ كما يستحقّه على العقاب ، فلو ثبت ما قاله لم يخرج المكلّف من أن يكون بمنزلة الممكّن من القبيح في صحّة كونه مستحقّا للعقاب ، وقد صحّ بالدلالة التي نذكرها من بعد أنّ من أخلّ بالواجب يستحقّ الذمّ بالعقاب ، وإن لم يكن فاعلا لتركه. فيجب على قولنا ألّا يخلو المكلّف من صحّة استحقاق العقاب كما لا يخلو من ذلك على قول من يحيل كونه مخلّا بالواجب إلّا بأن يكون فاعلا لتركه (ق ، غ ١١ ، ١٧٠ ، ٥)

أخيار

ـ إنّ كل شيء فعله نوع جعلوه طباعا ، ومن كان فعلين جعلوه أخيارا عن قدرة (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١٤)

آداب

ـ واعلم أنّ الآداب إنّما هي آلات تصلح أن تستعمل في الدين وتستعمل في الدنيا ، وإنّما وضعت الآداب على أصول الطبائع ، وإنّما أصول أمور التدبير في الدين والدنيا واحدة. فما فسدت فيه المعاملة في الدين فسدت فيه المعاملة في الدنيا ، وكل أمر لم يصحّ في معاملات الدنيا لم يصحّ في الدين (ج ، ر ، ٨ ، ١٢)

إدامة التكليف

ـ إنّ اللطف هو الأمر الذي عنده يختار المكلّف ما لولاه لم يكن يختاره ، فلا يصحّ إلّا في المنتظر من الأفعال دون الواقع. فلا يصحّ أن يقال : إنّ إدامة تكليفه لطف فيما تقدّم ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه لطف في نفس التوبة ؛ لأنّ الكلام في هل يجب أن يكلّفه التوبة أم لا. فلا يصحّ أن يجعل العلّة في ذلك أنّها لطف ؛ لأنّ كونها لطفا في نفسها لا يصحّ (ق ، غ ١١ ، ٢٥٨ ، ٩)

ـ إنّا وإن أوجبنا انقطاع التكليف فإنّا لا نوقّت ذلك ، ولا يمتنع أن يجب الواجب على الجملة ، وكذلك فلا يمتنع أن يقبح القبيح على هذا الوجه. وقد بيّنا في بعض المسائل أنّه إذا جاز أن يقبح منه ـ تعالى ـ لو خلق حياتين في محلّ واحد (أو مع إحداهما) لا بعينها فغير ممتنع مثله في القبائح وغيرها. فإن صحّ أنّ إدامة التكليف في بعض الأوقات مفسدة قبحت إدامته في تلك الحال ، ولا نريد بذلك أنّ الباقي يقبح ، وإنّما نريد ما يحدث مما لا يتمّ التكليف إلّا به ومعه. فإذا لم يثبت ذلك في التكليف وجب في الجملة قطعه من غير تعيين بوقت. والقديم ـ تعالى ـ هو العالم بما يتفضّل به في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٥١٧ ، ١٢)

٥٩

إدراك

ـ قول أصحاب الطبائع أنّ الإدراك فعل لمحلّه الذي هو قائم به ، وهم أصحاب" معمّر" (ش ، ق ، ٣٨٢ ، ١٣)

ـ (الإدراك) هو لله دون غيره بإيجاب خلقه للحواسّ ، وليس يجوز منه فعل إلّا كذلك ، وهذا قول" إبراهيم النظّام" (ش ، ق ، ٣٨٢ ، ١٥)

ـ (الإدراك) هو لله لطبيعة يحدثها في الحاسّة مولّدة له ، وهذا قول" محمد بن حرب الصيرفي" وكثير من أهل الإثبات (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ١)

ـ (الإدراك) هو لله يبتدئه ابتداء ويخترعه اختراعا ، إن شاء أن يرفعه والبصر صحيح والفتح واقع والشخص محاذ والضياء متوسّط ، وإن شاء أن يخلقه في الموات فعل ، وهذا قول" صالح قبّة" (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ٣)

ـ الإدراك فعل الله يخترعه ولا يجوز أن يفعله الإنسان ولا يجوز أن يكون البصر صحيحا والضياء متّصلا ولا يفعل الله سبحانه الإدراك ، ولا يجوز أن يجعل الله سبحانه الإدراك مع العمى ولا يجوز أن يفعله مع الموت (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ٦)

ـ قال" ضرّار" : الإدراك كسب للعبد خلق لله (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ١٠)

ـ قال بعض البغداديين : الإدراك فعل للعبد ومحال أن يكون فعلا لله عزوجل (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ١١)

ـ إن قيل : فالإدراك الإحاطة. قيل : هذا فاسد في اللسان ، لأنّ العرب لا تفرّق بين قول الرجل : أدركته ببصري ورأيته ببصري ، ولو كان الإدراك الإحاطة لقيل في الحائط إنّه مدرك لأنّه بالدار محيط (ع ، أ ، ١٦ ، ١٠)

ـ الإدراك في الحقيقة شيء غير اللمس واتصال سائر الحواس بالمحسوسات وأماكنها وغيره من ضروب الاتصال (ب ، ت ، ٣٨ ، ٢)

ـ إنّ الإدراك معنى زائد على العلم وعنه يحدث العلم (أ ، م ، ١٨ ، ١)

ـ إنّ الإدراك يختصّ الموجود دون المعدوم (أ ، م ، ١٨ ، ٦)

ـ إنّ الرؤية إدراك للمرئيّ على ما هو به ، كما أنّ العلم تبيّن للمعلوم على ما هو به ، وليس يحصل المعلوم على تلك الصفة لأجل العلم كما ليس يحصل المدرك على تلك الصفة لأجل الإدراك. فإذا كان ما يرى ممّا يستحيل كونه في مكان كان الإدراك له إدراكا له على ما هو به ، لا أنّه يصير بالإدراك أو عنده في مكان. فعلى هذا حكم القديم والمحدث سواء في هذا الباب. وإنّما يحدث الله الإدراك على مجرى العادة عند حدوث معان ومقابلة أشياء لا لأجل تلك المعاني ولا لأجل المقابلة. وليس بمنكر عنده أن يحدث الله تعالى إدراكا لما أحدث سبب موجب ، بل يجري مجرى ما أجرى الله تعالى به العادة من إنبات الزرع عند البذر والولد عند الوطء (أ ، م ، ٨٨ ، ١٧)

ـ كان (الأشعري) يقول في الإدراك إنّ الله تعالى هو المخترع له في الأبصار عند وجود الضياء والمقابلة ، ولو أراد أن يخلقه مع عدم الضياء والمقابلة كان على ذلك قادرا وكان كونه صحيحا. وكان يقول إنّ ذلك نظير إحداثه الإنسان عن النطفة عقيب الوطء والزرع عند البذر عقيب الحرث ، وإنّه قادر أن يبتدئ ذلك ابتداء من غير تقدّم بذر ولا حرث (أ ، م ، ١٣٣ ، ١١)

٦٠