موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

الحادث هو الموجود عن عدم. فأمّا ما يستمرّ به الوجود فهو باق. وبين الحادث والباقي تناف من جهة الوصف ، وإن كان صفة الوجود واحدة ، كما أنّ بين المحدث والقديم تنافيا ، وإن كان صفة الوجود لا تختلف (أ ، ت ، ١٥٠ ، ١٦)

ـ اعلم أنّه إذا صحّ لنا استمرار الوجود بالجوهر فتسميته بأنّه باق حقيقة هذا هو الذي اختاره أبو هاشم ، والاستعمال والاطراد مساعدان على ذلك ، لأنّ حقيقة الباقي هو الموجود الذي لم يتجدّد وجوده في حال الخبر عنه بأنّه موجود ، فصار الموجود بالحدوث له حالان : إحداهما أن يكون وجوده متجدّدا في حال الخبر عنه فهو الحادث ، والثاني أن لا يكون وجوده متجدّدا فهو باق ، وأجريت هذه التسمية عليه فرقا بين هاتين الحالتين (أ ، ت ، ١٥٣ ، ٢)

ـ قالوا (المعتزلة) : الحادث غير مقدور في حال حدوثه ، وإنّما تتعلّق القدرة به قبل الحدوث (ج ، ش ، ٩٦ ، ١٤)

ـ الحادث في حال حدوثه مقدور بالقدرة القديمة ، وإن كان متعلّقا للقدرة الحادثة فهو مقدور بها. وإذا بقي مقدور من مقدورات الباري تعالى ، وهو الجوهر ، لا يبقى غيره من الحوادث ، فلا يتّصف في حال بقائه واستمرار وجوده بكونه مقدورا إجماعا (ج ، ش ، ١٩٨ ، ٧)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الحادث في حال حدوثه ، يستحيل أن يكون مقدورا للقديم والحادث ، وهو بمثابة الباقي المستمرّ ، وإنّما تتعلّق القدرة بالمقدور في حالة عدمه. وقالوا على طرد ذلك : يجب تقديم الاستطاعة على المقدور ، ويجوز مقارنة ذات القدرة حدوث المقدور من غير أن تكون متعلّقة به حال وقوعه (ج ، ش ، ١٩٨ ، ١١)

ـ قالوا (المعتزلة) : الحادث واقع كائن ، والحاجة تمسّ إلى القدرة للإيقاع بها ؛ وإذا تحقّق وقوع الحادث بها انتفت الحاجة إلى القدرة ، وينزل الحادث منزلة الباقي المستمرّ (ج ، ش ، ١٩٩ ، ١٠)

ـ إنّ كل حادث فمخترع بقدرته ، وكل مخترع بالقدرة فمحتاج إلى الإرادة لتصرّف القدرة إلى المقدور ، وتخصّصها به. فكل مقدور مراد ، وكل حادث مقدور ، فكل حادث مراد ، والشرّ ، والكفر والمعصية ، حوادث ، فهي إذا لا محالة مرادة ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. فهذا مذهب السلف الصالحين (غ ، ق ، ١٠٧ ، ١٢)

ـ منهم (المعتزلة) من قال الشيء هو القديم ، وأمّا الحادث فيسمّى شيئا بالمجاز والتوسّع (ش ، ن ، ١٥١ ، ٩)

ـ اتّفقت الكراميّة على أنّ الباري ـ تعالى ـ محلّ للحوادث ، لكنّهم لم يجوّزوا قيام كل حادث بذاته ، بل ما يفتقر إليه من الإيجاد والخلق. ثم هؤلاء يختلفون في هذا الحادث ، فمنهم من قال قوله : كن. ومنهم من قال : هو الإرادة. وخلق الإرادة أو القول في ذاته يستند إلى القدرة القديمة لا أنّه حادث بإحداث ، وأمّا خلق سائر المخلوقات فإنّه مستند إلى الإرادة أو القول على نحو اختلافهم ، فالمخلوق القائم بذاته يعبّرون عنه بالحادث ، والمباين لذاته يعبّرون عنه بالمحدث. وقد أطبق هؤلاء على أنّ ما قام بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدّد له منها اسم ، ولا يعود إليه منها حكم ، حتى لا يقال ، إنّه قائل بقول : ولا مريد بإرادة ، بل قائل

٤٤١

بالقائليّة ، مريد بالمريديّة ، وهي المشيئة الأزليّة. فعلى هذا ما حدث وهو مباين لذاته يسمّى محدثا بإحداث. وما حدث في ذاته من الصفات تسمّى حادثة لا بإحداث ، بل بالمشيئة القديمة (م ، غ ، ١٨٠ ، ١٠)

ـ الحادث : ما يكون مسبوقا بالعدم ويسمّى حدوثا زمانيّا ، وقد يعبّر عن الحدوث بالحاجة إلى الغير ويسمّى حدوثا ذاتيّا (ج ، ت ، ١١٤ ، ٥)

حادث لعلة

ـ لا يصحّ إثبات قديم بأن يقال : إنّه علّة في حدوث الأشياء ، ولأنّ كونه علّة في حدوثها يوجب إبطال حدوثها وكونها قديمة. وبعد ، فإنّ ما خلقه وأحدثه لو كان حادثا لعلّة لنقض ذلك كونه حادثا بالفاعل ؛ لأنّ ما وجب وجوده للعلّة استغنى في وجوده عن القادر ؛ كما أنّ ما وجد من جهة أحد القادرين يستغني في وجوده من جهته عن القادر الثاني. وقد ثبت أنّه تعالى قادر فاعل مختار ، فيجب إبطال ما يؤدّي إلى نقض ذلك فيه (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٠)

حادثة لا بإحداث

ـ اتّفقت الكراميّة على أنّ الباري ـ تعالى ـ محلّ للحوادث ، لكنّهم لم يجوّزوا قيام كل حادث بذاته ، بل ما يفتقر إليه من الإيجاد والخلق. ثم هؤلاء يختلفون في هذا الحادث ، فمنهم من قال قوله : كن. ومنهم من قال : هو الإرادة. وخلق الإرادة أو القول في ذاته يستند إلى القدرة القديمة لا أنّه حادث بإحداث ، وأمّا خلق سائر المخلوقات فإنّه مستند إلى الإرادة أو القول على نحو اختلافهم ، فالمخلوق القائم بذاته يعبّرون عنه بالحادث ، والمباين لذاته يعبّرون عنه بالمحدث. وقد أطبق هؤلاء على أنّ ما قام بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدّد له منها اسم ، ولا يعود إليه منها حكم ، حتى لا يقال ، إنّه قائل بقول : ولا مريد بإرادة ، بل قائل بالقائليّة ، مريد بالمريديّة ، وهي المشيئة الأزليّة. فعلى هذا ما حدث وهو مباين لذاته يسمّى محدثا بإحداث. وما حدث في ذاته من الصفات تسمّى حادثة لا بإحداث ، بل بالمشيئة القديمة (م ، غ ، ١٨٠ ، ١٤)

حاسة

ـ الحاسّة في اصطلاح المحقّقين هي الجارحة التي يقوم ببعضها الإدراك (ج ، ش ، ١٦٢ ، ٧)

حاقة

ـ (الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١) الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها ، أو التي فيها حواق الأمور من الحساب والثواب والعقاب ، أو التي تحقّ فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا : أي لا أعرف حقيقته (ز ، ك ٤ ، ١٤٩ ، ٩)

حاكم

ـ إرادة الله سبحانه أن يقيم القيامة يعني أنّه حاكم بذلك مخبر به (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٦)

ـ زعم جماعة من" البغداديين" من المعتزلة أنّ الوصف لله بأنّه مريد قد يكون بمعنى أنّه كوّن الشيء ، والإرادة لتكوين الشيء هي الشيء ، وقد يكون الوصف لله بأنّه مريد للشيء بمعنى أنّه آمر بالشيء كنحو (؟) الوصف له بأنّه مريد بمعنى أنه حاكم بالشيء مخبر عنه وكنحو (؟)

٤٤٢

إرادته الساعة أن تقوم القيامة في وقتها ، ومعنى ذلك أنّه حاكم بذلك مخبر به ، وهذا قول" إبراهيم النظّام" (ش ، ق ، ٥٠٩ ، ١٥)

حال

ـ إذا كان تحوّل النطفة علقة ثم مضغة ثم لحما ودما وعظما أعظم في الأعجوبة كان أولى أن يدل على صانع صنع النطفة ونقلها من حال إلى حال (ش ، ل ، ٧ ، ٢)

ـ إنّ الجور والسفه قبيحان ، وأنّ العدل والحكمة حسنان في الجملة ، لكن شيئا واحدا قد يكون حكمة في حال ، سفا في حال ، جورا في حال ، عدلا في حال ، نحو ما ذكرت من شرب الأدوية ، ثم أكل الأشياء وشربها ، ثم إتلاف الأشياء وإبقاؤها من أنواع الجواهر ما للحاجات أو للمجازات أو لحقوق أو لنحو ذلك ، وإذ ثبت حسن الحكمة في الجملة والعدل ، وقبح السفه والجور ، ولزم وصف الله تعالى في كل فعل خلقه في أقل ما يوصف أنّه حكمة وعدل أو فضل وإحسان من حيث ثبت أنّه جواد كريم غني عليم ، وبطل أن يلحقه وصف الجور والسفه ؛ لما كان سببهما الجهل والحاجة (م ، ح ، ٢١٧ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ حال تعلّق الاستطاعة بالفعل هي حال حدوثها وحدوثه ، وهي الحالة التي يكون الخبر عن الفاعل فيها بأنّه" يفعل" على أحد معنييه وهو الموضوع له وهو الذي يسمّى الحال. وذلك أنّ قولك" فلان يفعل كذا" يخبر به تارة عن المستأنف وتارة عمّا هو فيه. ألا ترى أنّهم إذا أرادوا تخصيصه بالمستأنف زادوا فيه السين أو" سوف" فجعلوه مختصّا للمستقبل ، وإذا أرادوا أن يخبروا عن حاله التي هو فيها قالوا" هو يفعل"؟ ألا ترى أنّهم يقولون" رأيت فلانا آكلا" ينبئ عن مثل معنى" يأكل" ، وهو العبارة عن الحال؟ (أ ، م ، ١١٣ ، ١٢)

ـ إنّ كل حال وجبت للموصوف اختصّ بها. فإذا لم تكن بالفاعل ، ولا لمعنى على وجه ، فيجب أن تكون لذاته ، أو لما هو عليه في ذاته. فإذا صحّ أنّه قديم لذاته لما بيّناه ، وجب فيما شاركه في القدم أن يكون مثله (ق ، غ ٤ ، ٢٥٠ ، ١٥)

ـ من فضائحه (أبو هاشم) : قوله بالأحوال التي كفّره فيها مشاركوه في الاعتزال ، فضلا عن سائر الفرق ، والذي ألجأه إليها سؤال أصحابنا قدماء المعتزلة عن العالم منا : هل فارق الجاهل بما علمه لنفسه ، أو لعلّة؟ وأبطلوا مفارقته إيّاه لنفسه مع كونهما من جنس واحد ، وبطل أن تكون مفارقته إيّاه لنفسه مع كونهما من جنس واحد ، وبطل أن تكون مفارقته إيّاه لا لنفسه ولا لعلّة ، لأنّه لا يكون حينئذ بمفارقته له أولى من آخر سواه ، فثبت أنّه إنّما فارقه في كونه عالما لمعنى ما ، ووجب أيضا أن يكون الله تعالى في مفارقة الجاهل معنى أو صفة بها فارقه ، فزعم أنّه إنّما فارقه لحال كان عليها ، فأثبت الحال في ثلاثة مواضع ، أحدها : الموصوف الذي يكون موصوفا لنفسه فاستحقّ ذلك الوصف لحال كان عليها ، والثاني : الموصوف بالشيء لمعنى صار مختصّا بذلك المعنى لحال ، والثالث : ما يستحقّه لا لنفسه ولا لمعنى فيختصّ بذلك الوصف دون غيره عنده لحال ، وأحوجه إلى هذا سؤال معمّر في المعاني لمّا قال : إنّ علم زيد اختصّ به دون عمرو لنفسه ، أو لمعنى ، أو لا لنفسه ولا لمعنى؟ فإن كان لنفسه وجب أن

٤٤٣

يكون لجميع العلوم به اختصاص لكونها علوما ، وإن كان لمعنى صحّ قول معمّر في تعلّق كل معنى بمعنى لا إلى نهاية ، وإن كان لا لنفسه ولا لمعنى لم يكن اختصاصه به أولى من اختصاصه بغيره ، وقال أبو هاشم : إنّما اختصّ به لحال (ب ، ف ، ١٩٥ ، ٨)

ـ زعم (أبو هاشم) أيضا : إنّ العالم له في كل معلوم حال لا يقال فيها إنّها حاله مع المعلوم الآخر ، ولأجل هذا زعم أنّ أحوال الباري عزوجل في معلوماته لا نهاية لها ، وكذلك أحواله في مقدوراته لا نهاية لها ، كما أنّ مقدوراته لا نهاية لها (ب ، ف ، ١٩٦ ، ٤)

ـ علم أبو هاشم ابن الجبائي فساد قول أبيه بأن جعل نفس الباري علّة لكونه عالما وقادرا ... فزعم أنّ الله عالم لكونه على حال ، قادر لكونه على حال ... وزعم أنّ له في كل معلوم حالا مخصوصا ، وفي كل مقدور حالا مخصوصا ، وزعم أنّ الأحوال لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا أشياء مع قوله أنّ المعدوم معلوم ، وزعم أيضا أنّها غير مذكورة وقد ذكرها بقوله أنّها غير مذكورة (ب ، أ ، ٩٢ ، ٦)

ـ الحال صفة لموجود ، غير متّصفة بالوجود ولا بالعدم (ج ، ش ، ٩٢ ، ٣)

ـ حال الشيء تابعة لذاته ، فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٢١)

ـ الماضي والمستقبل كلاهما لا يصحّ أن يقعا حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٢١)

ـ إنّ القاضي الباقلاني من أصحاب الأشعري قد ردّد قوله في إثبات الحال ونفيها وتقرّر رأيه على الإثبات ، ومع ذلك أثبت الصفات معاني قائمة به لا أحوالا. وقال الحال الذي أثبته أبو هاشم هو الذي نسمّيه صفة خصوصا إذا أثبت حالة أوجبت تلك الصفات (ش ، م ١ ، ٩٥ ، ١١)

ـ قال القاضي الإنسان يحسّ من نفسه تفرقة ضروريّة بين حركتي الضروريّة والاختياريّة ، كحركة المرتعش وحركة المختار ، والتفرقة لم ترجع إلى نفس الحركتين من حيث الحركة لأنّهما حركتان متماثلتان ، بل إلى زائد على كونهما حركة وهو كون أحدهما مقدورة مرادة وكون الثانية غير مقدورة ولا مرادة. ثم لم يخل الأمر من أحد حالين إمّا أن يقال تعلّقت القدرة بإحداهما تعلّق العلم من غير تأثير أصلا ، فيؤدّي ذلك إلى نفي التفرقة ، فإنّ نفي التأثير كنفي التعلّق فيما يرجع إلى ذاتي الحركتين ، والإنسان لا يجد وجودهما. وإمّا أن يقال تعلّقت القدرة بإحداهما تعلّق تأثير لم يخل الحال من أحد أمرين ، إمّا أن يرجع التأثير إلى الوجود والحدوث وإمّا أن يرجع إلى صفة من صفات الوجود. والأوّل باطل بما ذكرناه أنّه لو أثّر في الوجود لأثّر في كل موجود ، فتعيّن أنّه يرجع التأثير إلى صفة أخرى وهي حال زائدة على الوجود. قال وعند الخصم قادريّة الباري سبحانه لم تؤثّر إلّا في حال هو الوجود لأنّه أثبت في العدم سائر صفات الأجناس من الشيئية والجوهريّة والعرضيّة والكونيّة واللونيّة إلى أخصّ الصفات من الحركات والسكون والسواديّة والبياضيّة ، فلم يبق سوى حالة واحدة هي الحدوث ، فليأخذ مني في قدرة العبد مثله (ش ، ن ، ٧٣ ، ١٥)

ـ أثبتنا وجوها واعتبارات عقليّة للفعل الواحد ، وأضفنا كل وجه إلى صفة أثّرت فيه ، مثل الوقوع فإنّه من آثار القدرة ، والتخصيص ببعض

٤٤٤

الجائزات فإنّه من آثار الإرادة ، والإحكام فإنّه من دلائل العلم. وعند الخصم كون الفعل واجبا أو ندبا أو حلالا أو حراما أو حسنا أو قبيحا صفات زائدة على وجوده بعضها ذاتيّة للفعل وبعضها من آثار الإرادة ، وكذلك الصفات التابعة للحدوث مثل كون الجوهر متحيّزا وقابلا للعرض ، فإذا جاز عنده إثبات صفات هي أحوال واعتبارات زائدة على الوجود لا تتعلّق بها القادريّة وهي معقولة ومفهومة ، فكيف يستبعد مني إثبات أثر للقدرة الحادثة معقولا ومفهوما ، ومن أراد تعيين ذلك الوجه الذي سمّاه حالا فطريقه أن يجعل حركة مثلا اسم جنس يشمل أنواعا وأصنافا ، أو اسم نوع يتمايز بالعوارض واللوازم ، فإنّ الحركات تنقسم إلى أقسام فمنها ما هو كتابة ومنها ما هو قول ومنها ما هو صناعة باليد ، وينقسم كل قسم إلى أصناف فكون حركة اليد كتابة وكونها صناعة متمايزان ، وهذا التمايز راجع إلى حال في إحدى الحركتين تتميّز بها عن الثانية مع اشتراكهما في كونهما حركة ، وكذلك الحركة الضروريّة والحركة الاختياريّة فتضاف تلك الحالة إلى العبد كسبا وفعلا ، ويشتقّ له منها اسم خاص مثل قام وقعد وقائم وقاعد وكتب وقال وكاتب وقائل ، ثم إذا اتّصل به أمر ووقع على وفاق الأمر سمّي عبادة وطاعة ، فإذا اتّصل به نهي ووقع على خلاف الأمر سمّي جريمة ومعصية ، ويكون ذلك الوجه هو المكلّف به وهو المقابل بالثواب أو العقاب (ش ، ن ، ٧٤ ، ١٥)

ـ اعلم أنّه ليس للحال حدّ حقيقي يذكر حتى نعرفها بحدّها وحقيقتها على وجه يشمل جميع الأحوال ، فإنّه يؤدّي إلى إثبات الحال للحال بل لها ضابط وحاصر بالقسمة وهي تنقسم إلى ما يعلّل وإلى ما لا يعلّل ، وما يعلّل فهي أحكام لمعان قائمة بذوات ، وما لا يعلّل فهو صفات ليس أحكاما للمعاني (ش ، ن ، ١٣١ ، ١٣)

ـ عند القاضي رحمه‌الله كل صفة لموجود لا تتّصف بالوجود فهي حال سواء كان المعنى الموجب مما يشترط في ثبوته الحياة أو لم يشترط ، ككون الحي حيّا وعالما وقادرا ، وكون المتحرّك متحرّكا والساكن ساكنا والأسود والأبيض إلى غير ذلك (ش ، ن ، ١٣٢ ، ١١)

ـ عند القاضي أبي بكر رحمه‌الله لا يوصف بالحال إلّا الجزء الذي قام به المعنى فقط (ش ، ن ، ١٣٢ ، ١٧)

ـ كل صفة إثبات لذات من غير علّة زائدة على الذات ، كتحيّز الجوهر وكونه موجودا وكون العرض عرضا ولونا وسوادا ، والضابط أنّ كل موجود له خاصّية يتميّز بها عن غيره فإنّما يتميّز بخاصيّة هي حال ، وما تتماثل المتماثلات به وتختلف المختلفات فيه فهو حال ، وهي التي تسمّى صفات الأجناس والأنواع (ش ، ن ، ١٣٣ ، ٢)

ـ إنّ إثبات الحال التي لا توصف بالوجود والعدم وتوصف بالثبوت دون الوجود ، حسم باب الحدّ والاستدلال ، فإنّ غاية الناظر أن يأتي في نظره بتقسيم دائر بين النفي والإثبات فينفي أحدهما حتى يتعيّن الثاني ، ومثبت الحال قد أتى بواسطة بين الوجود والعدم فلم يفد التقسيم والإبطال علما ، ولا يتضمّن النظر حصول معرفة أصلا (ش ، ن ، ١٣٥ ، ١٠)

ـ قال المثبتون نحن لم نثبت واسطة بين النفي والإثبات ، فإنّ الحال ثابتة عندنا ولو لا ذلك لما

٤٤٥

تكلّمنا فيها بالنفي والإثبات ، ولم نقل على الإطلاق إنّه شيء ثابت على حياله موجود ، فإنّ الموجود المحدث إمّا جوهر وإمّا عرض ، وهو ليس أحدهما بل هو صفة معقولة لهما ، فإنّ الجوهر قد يعلم بجوهريّته ولا يعلم بحيّزه ، وكونه قابلا للعرض ، والعرض يعلم بعرضيّته ولا يخطر بالبال كونه لونا أو كونا ، ثم يعرف كونه لونا بعد ذلك ولا يعرف كونه سوادا أو بياضا ، إلّا أن يعرف ، والمعلومان إذا تمايزا في الشيء الواحد رجع التمايز إلى الحال (ش ، ن ، ١٣٦ ، ٣)

ـ قال النافون (للأحوال) غاية تقريركم في إثبات الحال هو التمسّك بعمومات وخصوصات ووجوه عقليّة واعتبارات ، أمّا العموم والخصوص فمنتقض عليكم بنفس الحال ، فإنّ لفظ الحال يشمل جنس الأحوال ، وحال هي صفة لشيء تخصّ ذلك الشيء لا محالة ، فلا يخلو إمّا أن يرجع معناه إلى عبارة تعمّ وعبارة تخصّ ، فخذوا منا في سائر العبارات العامّة والخاصّة ، كذلك وإمّا أن ترجع إلى معنى آخر وراء العبارة فيؤدّي إلى إثبات الحال للحال وذلك محال (ش ، ن ، ١٣٩ ، ١٢)

ـ الحال قد يكون سببا لقوام المحلّ ، إمّا بأن يقتضي الحال وجود المحلّ ثم تصير نفسه حالّة فيه ، أو بأن يقتضي الأثر حلول مؤثّره فيه ، وعلى هذين التقديرين لا يلزم منه الدور ، فالمحل المتقوّم بنفسه المقوّم لما يحلّ فيه يسمّى بالموضوع وهو أخصّ من المحلّ ، فيكون عدمه أعمّ من عدم المحل (ف ، م ، ٦٩ ، ٢٥)

ـ مثبتو الحال منّا فقد زعموا أنّ عالميّة الله تعالى صفة معلّلة لمعنى قائم به وهو العلم ، وهو لا يتحقّق ، الخلاف بينهم وبين المعتزلة في المعنى ، وأمّا نحن فلا نقول ذلك ، لأنّ الدلالة ما دلّت إلّا على إثبات أمر زائد على الذات ، فأمّا على الأمر الثالث فلا دليل عليه البتّة لا في الشاهد ولا في الغائب (ف ، م ، ١٣٤ ، ١٩)

ـ الحال صفة إضافيّة (م ، غ ، ٢٨ ، ١٦)

ـ الحال عبارة عن صفة إثباتيّة لموجود غير متّصفة بالوجود ولا بالعدم ؛ فإنّ ما تخيّل كونه صفة زائدة على المرسوم ليس إلّا أمرا سلبيّا ، ومعنى عدميّا ، وهو سلب الوجود والعدم. وأمّا ما سوى ذلك فليس بزائد على نفس المرسوم ، ولا هو كالصفة له أصلا (م ، غ ، ٢٨ ، ١٨)

ـ الحدّ والبرهان ليس إلّا للأمور الكلّية دون الشخصيّة. وذلك لأنّ الحدّ والبرهان ليسا من الأمور الظنّية التخمينيّة ، بل من اليقينيّة القطعيّة ، والأمر الشخصيّ ما له من الصفات ليست يقينيّة ، بل هي على التغيّر والتبدّل على الدوام ، فلا يمكن أن يؤخذ منه ما هو في نفسه حقيقيّ يقينيّ ، وهذا بخلاف الأمور الكلّية. فعلى هذا قد بان أنّ من أراد بإطلاق الحال على ما يقع به الاشتراك ، النحو الذي أشرنا إليه ، كان محقّا. لكن لا ينبغي أن يقال : إنّها ليست موجودة ولا معدومة. بل الواجب أن يقال : إنّها موجودة في الأذهان ، معدومة في الأعيان. وأمّا من أراد به غير ما ذكرناه كان زائغا عن نهج السداد ، حائدا عن مسلك الرشاد (م ، غ ، ٣٣ ، ١٠)

ـ إنّ القائلين بأنّ المعدوم شيء يفرّقون بين الموجود والثّابت ، وبين المعدوم والمنفيّ ، ويقولون : كلّ موجود ثابت ، ولا ينعكس. ويثبتون واسطة بين الموجود والمعدوم ، ولا

٤٤٦

يجوّزون بين الثّابت والمنفيّ واسطة ، ولا يقولون للممتنع معدوم ، بل يقولون : إنّه منفيّ. ويقولون للذّوات التي لا تكون موجودة : شيء ثابت ، وللصفات التي لا تعقل إلّا مع الذّوات : حال لا موجود ولا معدوم ، بل هي وسائط بينهما (ط ، م ، ٧٦ ، ١٥)

ـ إنّ الموجود والمعدوم عندهم ليسا بمتناقضين ، فإنّ طرفي النقيض يجب أن يقتما للاحتمالات ، وعندهم الممتنع ليس بموجود ولا معدوم ، والحال ليس بموجود ولا معدوم (ط ، م ، ٨٦ ، ١٥)

ـ الحال ليس بذات ولا ذات ذات ، فلا يوصف بالتّماثل والاختلاف (ط ، م ، ٩٠ ، ١)

ـ إنّ الذات هي ما تدرك بالانفراد ، والحال لا تدرك بالانفراد (ط ، م ، ٩٠ ، ٣)

ـ لا يقولون (أبو هاشم وأتباعه) بأنّ الحال سلب محض ، بل يقولون إنّها وصف ليس بموجود ولا معدوم. والمستحيل عندهم ليس بموجود ولا معدوم ، مع أنّه ليس بحالّ. فإذن ، الحال يشتمل عندهم على معنى غير سلب الوجود ، والعدم يختصّ بتلك الأمور يسمّونها حالا ، وتشترك الأحوال فيه ؛ ولكونها غير مدركة بانفرادها لا يحكمون عليها بالتّماثل والاختلاف (ط ، م ، ٩٠ ، ١١)

ـ اتّفقوا على أنّ الحال إمّا معلّلة بمعنى قائم بالذات ، أو غير معلّلة ؛ وعلى أنّ لا اختلاف إلّا بها ، وهو باطل ، وإلّا لصحّ على الجوهر أن يكون عرضا ، وبالعكس ضرورة ، استواء المتماثلين في اللوازم ، وأيضا اختصاص ذات ما ببعضها إمّا لا لأمر ، فترجّح أحد طرفي الممكن لا لمرجّح ؛ أو لأمر ، ويعود البحث في اختصاصه بها ، إن كان صفة ، وبصفة المرجحيّة إن كانا ذاتا. أمّا الخصوصيّة بالذات والاشتراك في الصفة ، فلا يشكّل لجواز اشتراك المختلفات في لازم (خ ، ل ، ٥١ ، ١١)

ـ وله (الله) علم وقدرة وحياة ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة ، ويوجب العالميّة والقادريّة والحييّة ، عند مثبتي الحال منّا ؛ وهي نفسها عند نفاتها ، لأنّ الثالث لا دليل عليه. أبو علي الزائد ثابت معلوم ، وأبو هاشم حال لا نعلم ، ولا يسمّيانه إلّا علميّة (خ ، ل ، ١٠٤ ، ١٨)

ـ البهشميّة : والعلم بكونه عالما لا يتعلّق بذاته ، ولا بمعنى سوى ذاته ، بل بذاته على حال. البلخيّ : بل بذاته. قلنا : إذا للزم أن لا تفتقر إلى دليل غير دليل الذات (م ، ق ، ٨٦ ، ١٤)

حال التكليف

ـ إنّا في الشاهد لا يصحّ أن نعرّض لمنفعة دائمة ؛ من حيث كان الانتفاع الواصل من جهتنا لا يصحّح كونها دائمة ، ولأنّ المنفعة التي نعرّضها له إنّما تكون في هذه الدار المنقطعة ، فإذا صحّ ذلك لم يحسن أن نعرّضه لمنفعة ، مع علمنا بأنّه يستحقّ بتركه المضارّ الدائمة أو الزائدة على قدر المنفعة التي نعرّضه لها. وليس كذلك حال التكليف ؛ لأنّه تعالى يعرّض به لمنفعة دائمة ، فلا يمتنع أن يستحقّ بتركه وخلافه العقاب الدائم (ق ، غ ١١ ، ١٤٦ ، ١٠)

حال زائدة

ـ إنّ دلالة الفعل المحكم على كونه عالما تتفرّع على دلالة صحته على كونه قادرا. وكذلك فدلالة الخبر على كونه مريدا تتفرّع على دلالة

٤٤٧

صحته على كونه قادرا. ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ في الفعل المحكم أن يدلّ على كونه عالما ؛ لأنّ وجه دلالته صحته من قادر دون قادر. ولو كان الوجه ، الذي له دلّ ، ما يرجع إلى القادر ، لم ينفصل ، في ذلك ، حال قادر من قادر. وإنّما صحّ ذلك فيه لما قدّمناه ، من أن كونه محكما يقتضي تعلّق الفعل بالفاعل على وجه مخصوص ؛ وذلك لا يتمّ من حيث صحّ حدوثه فقط ، فوجب أن يدلّ على حال زائدة ، كما نقوله في دلالة كون الخبر خبرا على كونه مريدا ، إلى ما شاكل ذلك ؛ لأن الوجه الزائد على حدوثه قد اقتضى فيه مثل الذي قدّمناه في كون الفعل محكما (ق ، غ ١٥ ، ١٥٤ ، ٢١)

حال صحة الفعل

ـ مرادنا بقولنا إنّها حالة لصحّة الفعل أنّها حالة لصحّة إيقاع الفعل من القادر في المستقبل على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه ، لا على أنّه نوجده في كل حال. فصار ذلك كوصفنا إيّاه بالقدرة على الضدّين لأنّه يقدر عليهما على أن يوجدا على الوجه الذي يصحّ وجودهما. ولهذا قد يحتاج الفعل إلى محلّ مخصوص مبنى أو يحتاج في وجوده إلى معنى آخر فيوصف القادر بأنّه يقدر على إيجاده على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه. وهذا مستمرّ فيما يصحّ تقديمه وتأخيره وفيما لا يصحّ ذلك فيه. فلهذا يوصف أحدنا اليوم بأنّه قادر على صوت يفعله غدا وإن استحال أن يفعل ذلك بعينه الآن. فإذا ثبتت هذه الجملة وجب أن يكون تعالى قادرا فيما لم يزل لحصول شرطه هذا لو أمكن أن نجعل صحّة وجود المقدور شرطا في كون القادر قادرا عليه. فكيف والمرجع بصحّة وجود المقدور هو إلى صحّة إيجاد القادر إيّاه ، لا أنّ له حكما سوى ذلك ، فكان من شرط كونه قادرا بصحّة وجود المقدور قد حصل الشيء شرطا في نفسه. وبهذا نفارق وجود المدرك لأنّه أمر منفصل عن كونه مدركا ، فثبت أنّه تعالى يجب كونه قادرا فيما لم يزل (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ٢)

حال غير معلّلة

ـ أمّا الحال الغير المعلّلة : فهي كل صفة ثبتت للذات غير معلّلة بصفة زائدة عليها ، كالوجود واللونيّة ونحوها (م ، غ ، ٣٠ ، ٥)

حال الفاعل

ـ إنّ كل صفة أو حكم يضاف إلى الفاعل فهو الذي يكون لأحواله فيه تأثير ، ولا بدّ من أن يكون من شرط ذلك الجواز وإن لم نجعل هذا جدّا له. فالحدوث لا بدّ من إضافته إلى القادر لأنّه بكونه قادرا يحصل ، وكونه محكما مرتّبا لا بدّ من أن يضاف إليه لأنّ كونه عالما أثّر فيه ، وكونه أمرا وخبرا ونهيا وتهديدا لا بدّ من أن يؤثّر فيه كونه مريدا وكارها ، وكون الاعتقاد علما يؤثّر فيه بعض أحوال الفاعل من كونه عالما بالمعتقد أو بطريقة النظر أو ما أشبههما من الوجوه. وهذا كله ظاهر من حيث حصل فيه الشرط الذي ذكرناه من تأثير حال الفاعل فيه ومن حصوله مع جواز أن لا يحصل (ق ، ت ١ ، ٣٦٩ ، ١٣)

ـ من قولنا إنّ الأفعال تقع على بعض الوجوه ، لكونه مريدا أو كارها أو عالما ، كالخبر والأمر والنهي والعقاب والثواب ، وعليه نعتمد في أنّه تعالى مريد ، وفي أنّ ما يفعله من الاعتقادات

٤٤٨

في قلوبنا علوم. لكنّه لا يجوز القول بأنّ لحال الفاعل تأثيرا في فعله ، إذا لم يكن له به تعلّق ، على ما اعتمدنا عليه في إبطال قولهم : إنّ لحال الفاعل تأثيرا في قبح الشيء وحسنه ، من غير أن يمكن بيان تأثيرها في هذه الأفعال (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩٣ ، ١٥)

ـ أمّا ما بدأت به : من أنّ حال الفاعل قد أثّر في الاعتقاد فصيّره علما ، فلأنّ لحاله ، وهو كونه عالما بالمعتقد أو ناظرا أو ذاكرا للدليل ، تأثيرا في الاعتقاد الذي حصل علما ، ولها به من الاختصاص ما ليس لها بغيره ، فلذلك صحّ فيه الحكم. وهذا الكلام صحيح سواء قلنا إنّ حاله قد أثّر في كون الاعتقاد واقعا على وجه مخصوص ، أو قلنا إنّ حاله قد أثّر في كون الاعتقاد علما من غير أن نثبت له حالا لكونه عليها صار علما. وإن كان الوجه الثاني هو الذي يدلّ عليه كلام الشيخين رحمهما‌الله ، والأوّل هو الذي ينصره شيخنا أبو عبد الله. ولهذا اختلفوا في أنّ العلم بأنّ العلم علم ، هو علم بالمعلوم أو به. وليس كذلك حال ما قالوه من تأثير حال الفاعل في قبح الفعل ، لأنّ كونه محدثا ليس له من التعلّق بقبح الفعل ما ليس له من التعلّق بحسنه. فلا يصحّ والحال هذه أن يكون مؤثّرا في كلا الأمرين. ويبيّن صحّة الفرق بين الأمرين : أنّا لما حكمنا بأن لحاله تأثيرا في كون الاعتقاد علما ، لم نجوّز حصول هذه الحال ، ولا يكون اعتقاده علما. وليس كذلك قولهم ، لأنّهم قد جوّزوا مع كونه محدثا مربوبا وقوع الحسن والقبيح منه على السواء ، وفي ذلك إسقاط ما سأل عنه أولا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩٤ ، ١٢)

ـ قد بيّنا في أول" التعديل والتجوير" أنّه لا يمتنع في كثير من أحكام الأفعال أن يكون واجبا فيها لشيء يرجع إلى حال الفاعل ، كقولنا إنّ الاعتقاد يكون علما لكون فاعله عالما بالمعتقد ، لكن ذلك متى ثبت وجبت المشاركة في الحكم عند مشاركة الفاعلين فيما يقتضيه من الصفة ، فكذلك تجب المشاركة في التوليد عند مشاركة السببين فيما أوجب التوليد (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ حال الفاعل يجوز أن يؤثّر في الفعل. ألا ترى أنّ كونه مريدا ، يؤثّر في الأخبار ويؤثّر في الأمر ، وكونه كارها ، يؤثّر في النهي. وإنّما عبنا على المجبرة لأنّهم قالوا إنّ كون الفاعل محدّدا يؤثّر في قبح فعله. ولم نقل أنّ حال الفاعل لا يؤثّر في الفعل أصلا ، فكما أنّ كونه مريدا يتعلّق بالمأمور به ومع ذلك فإنّه يؤثّر في كون الكلام أمرا ، وكذلك كونه كارها لا يتعلّق بنفس النهي بل بنفس المنهي عنه فيؤثّر كون الكلام نهيا ، فكذلك كون الفاعل عالما بالمعتقد يؤثّر في كون الاعتقاد علما وإن لم يتعلّق به (ن ، م ، ٢٩٧ ، ١٦)

حال الفعل

ـ إذا كان كذلك نظرنا في حال الفعل فقلنا : ما كان مبتدأ فلا بدّ عند وجوده من تقدّم كونه قادرا عليه قبل الفعل بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده في الثاني. وما كان متولّدا ينظر فيه : فإن كان المسبّب متّصلا بالسبب فحكمه حكم المبتدأ في وجوب قدرته عليهما قبل الفعل بوقت واحد. وما كان من باب المسبّب الذي يوجد في الثاني من حال سببه فيجب تقدّم كونه قادرا عليه بوقتين وعلى السبب بوقت واحد ثمّ ينظر. فإن كان هذا المسبّب سببا في نفسه يولّد غيره

٤٤٩

حتى يتّصل بعض ذلك ببعض ما لم يكن هناك منع ، فقد يجوز تقدّم القدرة على هذه المسبّبات المتراخية بأوقات كثيرة ، على ما نقوله في رمي السهم والحجر وما أشبه ذلك. فلا يجب إجراء الأفعال كلّها مجرى واحدا في هذا الحكم (ق ، ت ٢ ، ١٣٢ ، ٦)

حال القادر مع المقدور

ـ إنّ وجود المسبّب إذا تعلّق بالسبب وجب بعد وجوده أن يصير في حكم الواقع ، لأنّا لو قلنا إنّه في حكم المبتدأ لخرج من أن يكون له تعلّق بالسبب ، وأن يكون موجبا له ، ولا يمتنع مثل ذلك في المقدور لشيء يرجع إليه ، ألا ترى أنّ الواحد منّا يقدر على ما يوجد في العاشر من مقدوره أن يفعله في العاشر ولا يصحّ أن يفعله قبله لأمر يرجع إليه ، فإنّ القديم سبحانه قادر على ما يفعله قبل وجوده بأوقات كثيرة لاستحالة وجود مقدوره في تلك الأوقات ، فلا يجب أن يخرج حال القادر مع المقدور على وجه واحد في أن يكون متقدّما لوقت وجوده بحال واحدة ، ولو جاز أن يجعل ذلك واجبا حتى لا يجوز خلافه ، لوجب أن يكون تعالى يقدر حالا بعد حال بقدر متجدّدة (ق ، غ ٩ ، ٧٢ ، ٤)

حال الكافر

ـ قد علمنا أنّ القدرة لجنسها تتعلّق بالكفر والإيمان وسائر المتضادّات الداخلة تحت مقدور العباد. وثبت أنّ ذلك لا يجب فيها لاختيار مختار في الحال أو المستقبل ، وصحّ أنّ سائر وجوه التمكين كالقدرة ؛ لأنّ الحال في أنّ الآلة تصلح للأمرين أكشف من الحال في القدرة ، فصحّ أن كمال العقل لا تقف صحّته على أنّ العاقل يختار الطاعة دون المعصية ، وكذلك القول في الشهوة والنفور. فإذا ثبت ذلك وكان الحيّ منّا يحمل سائر ما ذكرناه من المعاني ، أطاع في المستقبل أو عصى ، فقد صحّ أنه تعالى يصحّ أن يجعل من يعلم أنّه يكفر بهذه الصفات ؛ كما يصحّ ذلك منه فيمن المعلوم أنّه يؤمن. وما نجد من حال الكافر وأنّه بهذه الصفة كالمؤمن يبيّن صحّة ذلك ؛ لأنّ العقلاء لم يختلفوا في أن الكافر قد وجد بهذه الصفة. وإنّما تنازعوا وجه الحكمة فيه ، واختلفوا في هل يحسن ذلك (ق ، غ ١١ ، ١٦٥ ، ٣)

حال معلّلة

ـ أمّا (الحال) المعلّلة منها فهي كل حكم يثبت للذات بسبب معنى قام بالذات ؛ ككون العالم عالما والقادر قادرا ونحوه. وقد زاد أبو هاشم ، ومن تابعه من المعتزلة في ذلك ، اشتراط الحياة. فعلى مذهبه إيجاب الأحوال المعلّلة ليس إلّا للصفات التي من شرطها الحياة ، كالعلم والقدرة ونحوه. وأمّا ما لا تشترط فيه الحياة من الصفات فلا ، وذلك كالسواد والبياض ونحوه. والمستند له في الفرق أنّ ما من شرطه الحياة ، كالعلم ونحوه ، إنّما يتوصّل إلى معرفته من معرفة كون ما قام به عالما ، ولا كذلك السواد والبياض ؛ فإنّه مشاهد مرئيّ ، فلا يفتقر إلى الاستدلال عليه ، بكون ما قام به أسود وأبيض ، فلهذا جعل علّة ثم ، ولم يجعل علّة هاهنا (م ، غ ، ٢٩ ، ٨)

حال النائم

ـ إنّ المعلوم من حال النائم في كل وقت تنبّه ، أنّه يتحرّك على الوجه الذي يتحرّك المختار

٤٥٠

القادر. فكما أنّه يجب كونه حيّا في حال نومه ، فكذلك يجب كونه قادرا. لأنّه إذا انتبه عاد حاله في الفعل إلى ما كان ، كما تعود حاله في العلم إلى ما كان. ومما يكشف ذلك أنّ الرجل قد نام وهو ، مع ذلك ، يمشي على الحدّ الذي يمشي في حال علمه ؛ ويقع منه غيره من الأفعال ، على ذلك الحدّ ؛ فيجب كونه فاعلا قادرا (ق ، غ ٨ ، ٥٨ ، ١٠)

حال يفعل

ـ قوله (أبو الهذيل العلّاف) في الاستطاعة إنّها عرض من الأعراض غير السلامة والصحّة ، وفرّق أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فقال لا يصحّ وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة ، فالاستطاعة معها في حال الفعل. وجوّز ذلك في أفعال الجوارح وقال بتقدّمها فيفعل بها في الحال الأولى ، وإن لم يوجد الفعل إلّا في الحال الثانية ، قال" فحال يفعل" غير" حال فعل" (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ٧)

حالة خاصة

ـ أثبت القاضي (الباقلاني) تأثيرا للقدرة الحادثة وأثرها : هي الحالة الخاصّة ، وهي جهة من جهات الفعل حصلت من تعلّق القدرة الحادثة بالفعل. وتلك الجهة هي المتعيّنة لأن تكون مقابلة بالثواب والعقاب. فإنّ الوجود من حيث هو وجود لا يستحقّ عليه ثواب وعقاب ، خصوصا على أصل المعتزلة ، فإنّ جهة الحسن والقبح هي التي تقابل بالجزاء. والحسن والقبح صفتان ذاتيتان وراء الوجود. فالموجود من حيث هو موجود ليس بحسن ولا قبيح. قال : فإذا جاز لكم إثبات صفتين هما حالتان ، جاز لي إثبات حالة هي متعلّق القدرة الحادثة. ومن قال : هي حالة مجهولة ، فبيّنا بقدر الإمكان جهتها وعرفناها إيش هي ، ومثّلناها كيف هي (ش ، م ١ ، ٩٨ ، ٤)

حالية

ـ قال المثبتون (للأحوال) إلزام الحال علينا نقضا غير متوجّه ، فإنّ العموم والخصوص في الحال كالجنسيّة والنوعيّة في الأجناس والأنواع ، فإنّ الجنسية في الأجناس ليس جنسا حتى يستدعي كل جنس جنسا ويؤدّي إلى التسلسل ، وكذلك النوعيّة في الأنواع ليست نوعا حتى يستدعي كل نوع نوعا ، فكذلك الحاليّة للأحوال لا تستدعي حالا فيؤدّي إلى التسلسل ، وليس يلزم على من يقول الوجود عام أن يقول للعام عام ، وكذلك لو قال العرضيّة جنس فلا يلزمه أن يقول للجنس جنس ، وكذلك لو فرّق فارق بين حقيقة الجنس والنوع وفصل أحدهما عن الثاني بأخصّ وصف لم يلزمه أن يثبت اعتبارا عقليّا في الجنس هو كالجنس ، ووجها عقليّا هو كالنوع ، فلا يلزم الحال علينا بوجه لا من حيث العموم والخصوص ولا من حيث الاعتبار والوجه (ش ، ن ، ١٤١ ، ١٩)

حامل

ـ الخلق كله حامل ومحمول ، فكل حامل فهو منفصل من خالقه ومن غيره من الحاملين بمحموله من فصوله وأنواعه وجنسه وخواصه وأعراضه في مكانه وسائر كيفياته ، وكل محمول فهو منفصل من خالقه ومن غيره من المحمولات بحامله وبما هو عليه مما باين فيه سائر المحمولات من نوعه وجنسه وفصله ،

٤٥١

والباري تعالى غير موصوف بشيء من ذلك كلّه (ح ، ف ١ ، ٤٦ ، ١٤)

حجة

ـ إنّ الحجّة لا تجب بأخبار الفاسقين والكافرين ، وأنّه لا بدّ من معصومين لا يجوز عليهم الكذب والزلل في شيء من الأفعال تجب الحجّة بأخبارهم في كل زمان (خ ، ن ، ١١٦ ، ٦)

ـ أمّا قول أبي الهذيل وهشام الفوطي في الحجّة في الأخبار فهو أنّ الله جلّ ثناؤه لا يخلّي الأرض من جماعة مسلمين أتقياء أبرار صالحين يكون نقلهم إلى من يليهم حجّة عليهم. ثم لم يوجبا على الناس معرفتهم بأعيانهم ، وليس بمنكر ولا مدفوع أن يكون في الأمّة بشر كثير صالحون قد علم الله منهم أنّهم لا يبدّلون ولا يغيّرون إلى أن يفارقوا الدنيا على ما قاله أبو الهذيل وهشام (خ ، ن ، ١١٦ ، ٢٢)

ـ أمّا قولك : إنّ وجوب النظر في باب الدين يوجب القول بأنّ الداعي حجّة في وجوبه مع تجويز الكذب عليه ، فبعيد. وذلك أنّا قد نوجب عند قوله الفعل ، ولا يوجب ذلك أن نجعله حجّة. ألا ترى أنّ عند خبر المخبر بكون السبع في الطريق ، قد يلزم المرء ما لو لا خبره لم يكن يلزم ، ولا يوجب ذلك كونه حجّة؟ فلو أنّ سالك الطريق ضلّ عنه ، وورد عليه من تسكن نفسه إليه فهداه إلى الطريق ، للزمه العدول وإن لم تكن حجّة. ولو أن بعض من يثق به نبّهه على وديعة عنده للزمه ردّها على بعض الوجوه وإن لم تكن حجّة. وأكثر أمور الدنيا ، كنحو المعالجات التي نلتجئ فيها إلى الأطباء ، والفلاحات ، والتجارات ، وسائر ما يعتمد فيه أهل البصر بذلك ، يجري على هذا الحدّ. ولا يوجب ذلك كونهم حجّة ، بل عندنا أن التواتر الذي يعلم المخبر عنده ضرورة لا يقال فيه إنّه حجّة ، لأنّه لا واحد منهم إلّا ويجوز أن يكذب. فإذا صحّ ذلك ، لم يمكن الطعن بهذا الوجه فيما أورده ، وإن كان هذا الوجه من الطعن لو صحّ لوجب أن يبطل به وجوب النظر في الدين والدنيا جميعا ، على ما في ذلك من ارتكاب الجهالة (ق ، غ ١٢ ، ٣٧١ ، ١٦)

ـ قد أطلق شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، في نقض المعرفة أنّ الداعي لا يمتنع أن يقال إنّه حجّة ، فإنّما أراد بذلك أنّه يجب عند دعائه ما لولاه لم يجب ، وأنّه مبيّن مع ذلك لطريقة النظر ، فيصحّ أن يطلق هذا القول فيه. وليس الأمر كذلك ؛ بل الصحيح أنّه ليس بحجّة ، لأنّه يجوز عليه الخطأ ، ومع تجويزه ذلك يلزم النظر عند قوله.

وإنّما يقال في المخبر : إنّه حجّة ، متى علم أن ما يلزم بقوله ، إنّما يلزم لأنّه علم أنّ الخطأ لا يجوز عليه. وهذا هو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ، رحمه‌الله (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٢ ، ١٤)

ـ قوله (النظّام) في الإجماع إنّه ليس بحجّة في الشرع ، وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجّة ، وإنّما الحجّة في قول الإمام المعصوم (ش ، م ١ ، ٥٧ ، ٥)

حجج

ـ هذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتجّ بها المعبود على العباد ، وهي : * العقل ..* والكتاب ..* والرسول .. فجاءت حجّة العقل بمعرفة المعبود ، وجاءت حجّة الكتاب بمعرفة التعبد ، وجاءت حجّة الرسول بمعرفة العبادة. والعقل أصل الحجتين الأخيرتين ،

٤٥٢

لأنّهما عرفا به ، ولم يعرف بهما. فافهم ذلك. ثم للإجماع من بعد ذلك حجّة رابعة مشتملة على جميع الحجج الثلاث وعائدة إليها (ر ، أ ، ١٢٤ ، ١٥)

حجر

ـ إنّ الله تعالى عادل في كل أفعاله ، غير محجور عليه في شيء ، ما شاء فعل وما شاء ترك ، له الخلق والأمر لا يسأل عمّا يفعل. وقد حجرت القدرية عليه في قولها : إنّه ليس له خلق أعمال العباد ... وفي قولهم أنّه ليس له منع اللطف ولا له التكليف من غير تعويض للمنفعة وليس له إسقاط التكليف عن العقلاء في الدنيا (ب ، أ ، ٨٢ ، ٣)

حدّ

ـ أمّا الجسم فهو اسم لكل محدود ، والشيء إثبات لا غير ، وفي وجود العالم على ما عليه دليل الإثبات ؛ لذلك قيل بالشيء ، وفيه ـ إذ هو متناه لا من حيث الشيئية [بل من] حيث الحد ـ دليل نفي الحدّ عن الله جلّ ثناؤه. إلا أن يراد بالحدّ الوحدانيّة والربوبيّة ، فهو كذلك ، وحرف الحدّ ساقط لأنّه يغلب في الدلالة على نهاية الشيء من طريق العرض ونحو ذلك مما يتعالى عن ذلك ، وذلك معنى الجسم في الشاهد. وفيه أيضا إيجاب الجهات المحتمل كل جهة أن يكون أطول منها وأعرض وأقصر ، فلذلك بطل القول بذلك ، ولا قوة إلا بالله (م ، ح ، ١٠٤ ، ١٦)

ـ إنّ الحدّ ما يجمع نوع المحدود فقط ويمنع ما ليس منه أن يدخل فيه (أ ، م ، ١٠ ، ٢٣)

ـ قد يذكر له حدود ولا يصحّ شيء منها. من جملتها ، قولهم : إنّ الظلم هو ما ليس لفاعله أن يفعله ، وهذا لا يصحّ ، لأنّ العلم بالحدّ ينبغي أن يكون علما بالمحدود ، لا أن يكون تابعا له ، وفي هذا الموضع ما لم يعلم ظلما ، لا يعلم أنّه ليس لفاعله فعله. وبهذه الطريقة عبنا على أبي علي تحديده الواجب بما به ترك قبيح ، فقلنا : إنّا ما لم نعلم وجوبه لا يمكننا أن نعلم قبح تركه ، فكيف حدّدت الواجب به ، وفيما ذكرت ترتّب العلم بالحدّ على العلم بالمحدود ، وذلك مما لا يصحّ (ق ، ش ، ٣٤٧ ، ١٢)

ـ فيما ذكره شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهما‌الله ، من أنّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به. إذا دفع على وجه ، وإن اختلفا في العبارة عن ذلك ، أن يكون هذا مقصدهما. لأنّهما قد بيّنا ، في غير موضع ، أنّ الحدّ يجب أن يتناول ما به يبيّن المحدود من غيره. لكنهما لما علما أنّ المقصد بالحدّ الكشف عن الغرض ، لم يمتنع عندهما في كثير من الحدود أن يكون الأولى فيه ذكر مقدّمات له. كما أنّه لا يمتنع في كثير منها أن يضم إليه غيره مما لو حذف لاستغنى عنه .... ولذلك قالا : إنّ حدّ العالم أن يصحّ الفعل المحكم منه ، إذا كان قادرا عليه مع السلامة. وقد علمنا أنّ كونه قادرا ، وما شاكله ، لا يحتاج إليه فيما به يبيّن العالم من غيره. لكن الذي جعلوه حدّا في العالم ، لما كان لا يمكن إلّا في القادر ، ذكروه (ق ، غ ١٢ ، ١٤ ، ٢)

ـ إنّ العلم بما يفيده الحدّ والمحدود واحد ، وإنّما يجري أحدهما مجرى التفسير للآخر ، لأنّ المعلوم يختلف أو يتغاير (ق ، غ ١٤ ، ١٨٥ ، ١٤)

٤٥٣

ـ أمّا قولنا : معدوم ، فذكر شيخنا أبو عبد الله البصري : هو المنتفي الذي ليس بكائن ولا ثابت ـ وهذا لا يصحّ ، لأنّ قولنا : معدوم ، أظهر من قولنا : منتف ؛ والحدّ يجب أن يكون أظهر من المحدود ، فإذا كان أشكل منه لا يجوز تحديده به ؛ فالأولى أن يقال : إنّه المعلوم الذي ليس له صفة الوجود. ولا يلزم على هذا أن يكون ثاني القديم تعالى معدوما ، لأنّه ليس بمعلوم (ن ، د ، ٥٧١ ، ١٨)

ـ الحدّ ما يحوي آحاد محدود ، والحرف الواحد قد يكون كلاما مفيدا ، فإنّك إذا أمرت من" وقى" و" وشى" قلت" ق" و" ش" ، وهذا كلام وليس بحروف وأصوات (ج ، ش ، ١٠٧ ، ١٢)

ـ الحدّ والحقيقة على أصل نفاة الأحوال عبارتان عن معبّر واحد ، فحدّ الشيء حقيقته ، وحقيقته ما اختصّ في ذاته عن سائر الأشياء ، ولكل شيء خاصيّة بها يتميّز عن غيره ، وخاصيّته تلزم ذاته ولا تفارقه ولا يشترك فيها بوجه ، وإلّا بطل الاختصاص (ش ، ن ، ١٣٥ ، ١٥)

ـ قال مثبتو الأحوال إنّ الحدّ قول الحادّ المبيّن عن الصفة التي تشترك فيها آحاد المحدود ، فإنّ المحدود عندهم يتميّز عن غيره بخاصيّة شاملة لجميع آحاد المحدود ، وتلك الخاصيّة حال ، ويعبّر عن تلك الحال بلفظ شامل دالّ عليه جامع مانع يجمع ما له من الخاصيّة ، ويمنع ما ليس له من خواص غيره ، ثم من الأشياء ما يحدّ ومنها ما لا يحدّ على أصلهم ، وأكثر حدود المتكلّمين راجع إلى تبديل لفظ بلفظ أعرف منه ، وربما يكون مثله في الخفاء والجلاء (ش ، ن ، ١٨٩ ، ٢)

ـ من شرائطه أنّه (الحدّ) يجب أن يكون أعرف من المحدود ولا يكون مثله ولا دونه في الخفاء والجلاء ، وأن لا يعرّف الشيء بما لا يعرّف إلّا به إلى غير ذلك فيما ذكر (ش ، ن ، ١٩٠ ، ١١)

ـ قال من حاول الجمع بين الغائب والشاهد بالحدّ ، والحقيقة حدّ العالم في الشاهد أنّه ذو العلم ، والقادر ذو القدرة ، والمريد ذو الإرادة ، فيجب طرد ذلك في الغائب ، والحقيقة لا تختلف شاهدا أو غائبا (ش ، ن ، ١٩٠ ، ١٥)

ـ الحدّ والبرهان ليس إلّا للأمور الكلّية دون الشخصيّة. وذلك لأنّ الحدّ والبرهان ليسا من الأمور الظنّية التخمينيّة ، بل من اليقينيّة القطعيّة ، والأمر الشخصيّ ما له من الصفات ليست يقينيّة ، بل هي على التغيّر والتبدّل على الدوام ، فلا يمكن أن يؤخذ منه ما هو في نفسه حقيقيّ يقينيّ ، وهذا بخلاف الأمور الكلّية. فعلى هذا قد بان أنّ من أراد بإطلاق الحال على ما يقع به الاشتراك ، النحو الذي أشرنا إليه ، كان محقّا. لكن لا ينبغي أن يقال : إنّها ليست موجودة ولا معدومة. بل الواجب أن يقال : إنّها موجودة في الأذهان ، معدومة في الأعيان. وأمّا من أراد به غير ما ذكرناه كان زائغا عن نهج السداد ، حائدا عن مسلك الرشاد (م ، غ ، ٣٣ ، ٦)

ـ الحدّ : قول دالّ على ماهيّة الشيء ، وعند أهل الله الفصل بينك وبين مولاك كتعبّدك وانحصارك في الزمان والمكان المحدودين (ج ، ت ، ١١٦ ، ١٤)

ـ الحدّ في اللغة : المنع ، وفي الاصطلاح : قول يشتمل على ما به الاشتراك ، وعلى ما به الامتياز (ج ، ت ، ١١٦ ، ١٦)

ـ أبو علي وأبو هاشم : والحدّ مصلحة للمحدود. أبو علي : في الدين. أبو هاشم : في الدنيا فقط

٤٥٤

إذ شرع للزجر ، والتارك لأجله لا يستحقّ ثوابا. قلت : إقامته على التائب زيادة في الزجر ، وله العوض (م ، ق ، ١٠٦ ، ٢٢)

ـ الحدّ ، لغة ، طرف الشيء ، وشفره ، نحو السيف والمنع. واصطلاحا : قول يشرح به اسم أو تتصوّر به ماهيّة. فالأوّل ، نحو قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) (مريم : ٦٥) ، أي هو ربّ جميع الأجناس التي هي السموات والأرض ، في جواب فرعون في قوله : وما ربّ العالمين؟ أي : أي جنس ربّ العالمين. والثاني نحو قولهم : الإنسان حيوان ناطق ، ويرادفه لفظ الحقيقة والماهيّة. فحدّ بعض المتكلّمين للذات ، ونحو موجود بالمعنى الثاني لا يصحّ ، لأنّ الله تعالى لا يصحّ تصوّره ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، فليس بجامع. وقولهم العالم من يمكنه إيجاد الفعل المحكم ، لا يصحّ بالمعنيين معا ، لما مرّ ، ودخول نحو النحلة لأنّه يمكنها إيجاد الفعل المحكم ، وهو تقدير ثبوت شمعها وترصيفها ، فليس بمانع. فإن قيل : فما شرحه؟ قلت : وبالله التوفيق : هو من يمكنه إحكام الأشياء المتباينة وتمييز كل منها بما يميّزه ، أو من إدراك الأشياء إدراك تمييز ، وإن لم يقدر على فعل محكم (ق ، س ، ٦٢ ، ١٥)

حدّ تام

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ ، أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٢)

ـ الحدّ التام : ما يتركّب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق (ج ، ت ، ١١٦ ، ٢٠)

حدّ حقيقي

ـ حدّ حقيقي هو تعريف لحقيقة الشيء وخاصيّته التي بها هو ما هو ، وإنّما هو ما هو بذاتيّات تعمّه وغيره ، وبذاتيّات تخصّه ، والجمع والمنع إن أريد بهما هذان المعنيان فهو صحيح فيما يجمعه من الذاتيّات العامّة والخاصّة ، وهو الجنس والفصل ، وما يمنع غيره فيقع من لوازم الجمع والطرد والعكس يقع أيضا من اللوازم (ش ، ن ، ١٩٠ ، ٦)

حدّ الخبر

ـ أما حدّ الخبر ، فقد قيل : إنّ أهل اللغة حدّوه بأنّه" كلام يدخله الصدق والكذب". فإن قيل : أليس قول القائل : " محمّد ومسيلمة صادقان" خبر؟ وليس بصدق ولا كذب! قيل : قد أجاب الشيخ أبو علي بأنّ هذا الخطاب يفيد صدق أحدهما في حال صدق الآخر. فكأنّه قال : " أحدهما صادق في حال صدق الآخر". ولو قال ذلك ، كان قوله كذبا. فكذلك إذا قال : " هما صادقان". ولقائل أن يقول : إنّه ليس ينبئ هذا الكلام عن أنّ صدق أحدهما حاصل في حال صدق الآخر ، ولا أنّه قبله ولا بعده. فلا يكون ذلك معنى الكلام! وأجاب الشيخ أبو هاشم بأنّ هذا الكلام يجري مجرى خبرين ، أحدهما خبر بصدق النبي صلى الله عليه ، والآخر خبر بصدق مسيلمة. فكما لا يجوز أن يقال في مجموع خبرين متميّزين : إنّهما" صدق" ، أو" كذب" ، فكذلك في هذا الكلام. ولقائل أن يقول بأنّ هذا الكلام لا

٤٥٥

يجري مجرى خبرين إلّا من حيث أفاد حكما لشخصين. وذلك لا يمنع من وصفه بالصدق والكذب. ألا ترى أنّ قول القائل : " كل شيء قديم" كذب؟ وإن أفاد حكما لذوات كثيرة! وأجاب قاضي القضاة رحمه‌الله بأنّ مرادنا بقولنا : " ما دخله الصدق والكذب" ، هو ما إذا قيل للمتكلّم به : " صدقت" ، أو" كذبت" ، لم يحظره اللغة. وهذه صورة هذا الكلام. فكان داخلا في حدّ الخبر. وأجاب الشيخ أبو عبد الله بأنّ هذا الكلام كذب. فإنّه يفيد الإخبار عن شيء على خلاف ما هو به لأنّه يفيد إضافة الصدق إليهما ؛ وليس هو مضافا إليهما ، وإن كان مضافا إلى أحدهما. كما أنّ قول القائل" كل إنسان أسود" كذب ، لأنّه يفيد إضافة السواد إلى جميعهم ؛ وليس هو مضافا إلى جميعهم (ب ، م ، ٥٤٢ ، ٨)

حدّ رسمي

ـ حدّ رسمي وهو تعريف الشيء بعوارضه ولوازمه ، كمن يقول حدّ الجوهر القابل للعرض ، وحدّ الجسم هو المتناهي في الجهات القابل للحركات ، وقد يفيد هذا القول نوع وقوف على الحقيقة من جهة اللوازم وقد لا يفيد (ش ، ن ، ١٩٠ ، ٢)

حدّ الشيء

ـ قال نفاة الأحوال حدّ الشيء وحقيقته وذاته وعينه عبارات عن معبّر واحد (ش ، ن ، ١٨٨ ، ١٩)

حدّ لفظي

ـ نقول في تحديد الحدّ وشرائطه ، إنّ الحدّ ينقسم إلى ثلاثة معان ، حدّ لفظي هو شرح الاسم المحض كمن يقول حدّ الشيء هو الموجود ، والحركة هي النقلة ، والعلم هو المعرفة ، وليس يفيد ذلك إلّا تبديل لفظ بما هو أوضح منه عند السائل ، على شرط أن يكون مطابقا له طردا وعكسا (ش ، ن ، ١٨٩ ، ١٥)

حدّ المخلوق

ـ اعلم أنّا قد بيّنا ، من قبل ، حدّ المخلوق ، ودللنا على أنّ هذه الصفة تستعمل في غير الله ، تعالى ، وأنّها تفيد كون المحدث مقدورا ، فصلا بينه وبين الفعل الواقع على جهة السهو والتبخيت. وبيّنا أنّ هذا أولى مما سواه من الحدود (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ٤)

حدّ مشترك

ـ الحدّ المشترك : جزء وضع بين المقدارين يكون منتهى لأحدهما ، ومبتدأ للآخر ، ولا بدّ أن يكون مخالفا لهما (ج ، ت ، ١١٦ ، ١٨)

حدّ ناقص

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ ، أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٢)

ـ الحدّ الناقص : ما يكون بالفصل القريب وحده ، أو به ، وبالجنس البعيد كتعريف الإنسان بالناطق أو بالجسم الناطق (ج ، ت ، ١١٦ ، ٢٢)

حدث

ـ أمّا جمع من سوى الله بين النار والماء والتراب والهواء فذلك دليل أيضا على حدثها ، غير أنّ محدثها ليس هو الإنسان الذي جمعهما ، لأنّ

٤٥٦

الإنسان يجري عليه من القهر ما يجري عليهما. فمخترع هذه الأشياء ومخترع الإنسان المشبه لها هو الله الذي لا يشبهه شيء و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (خ ، ن ، ٤١ ، ٣)

ـ إنّ الجسم لمّا لم يسبق المحدثات وجب حدوثه بدخوله في معنى الحدث ، وليس يجب إذا دخل في الحدث بمشاركة المحدثات في معنى الحدث ، إذا كان من المحدثات ما هو حركة أن يكون الجسم حركة ، وإذا كان منها ما هو جسم (لا) يجب أن تكون الحركة جسما ، إذ لم يكونا يستويان في معنى جسم وحركة واستويا في معنى الحدوث (ش ، ل ، ٤٢ ، ٩)

ـ إنّ العالم لا يخلو من أن يكون قديما على ما عليه أحواله من اجتماع وتفرّق ، وحركة وسكون ، وخبيث وطيب ، وحسن وقبيح ، وزيادة ونقصان ، وهنّ حوادث بالحس والعقل ؛ إذ لا يجوز اجتماع الضدّين ، فثبت التعاقب ، وفيه الحدث (م ، ح ، ١٣ ، ٦)

ـ إن معنى الحدث هو الكون بعد أن لم يكن (م ، ح ، ١٣ ، ٢٢)

حدث الأعيان

ـ الدليل على حدث الأعيان هو شهادة الوجوه الثلاثة التي ذكرنا من سبل العلم بالأشياء. فأمّا الخبر فما ثبت عن الله تعالى من وجه يعجز البشر عن دليل مثله لأحد : إنّه أخبر أنّه خالق كل شيء ، وبديع السماوات والأرض ، وأنّ له ملك ما فيهن. وقد بيّنا لزوم القول بالخبر ... وعلم الحسّ ، وهو أنّ كل عين من الأعيان يحسّ محاطا بالضرورة مبنيا بالحاجة ، والقدم هو شرط الغنى ؛ لأنه يستغني بقدمه عن غيره ، والضرورة والحاجة يحوجانه إلى غيره ، فلزم به حدثه ... وعلى ذلك طريق علم الاستدلال ، مع ما أنّه لا يخلو الجسم من حركة أو سكون ، وليس لها الاجتماع ، فيزول من جملة أوقاته نصف الحركة ونصف السكون ، وكل ذي نصف متناه ، على أنّهم إذ لا يجتمعان في القدم لزم حدث أحد الوجهين ، ويبطلانه أن / يكون محدثا في الأزل لزم في الآخر ، وفي ذلك حدث ما لا يخلو عنه (م ، ح ، ١١ ، ٦)

حدث الآية

ـ قوله عزوجل (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦) فجوّز النسخ على الآية وهو الإبدال والإزالة وجوّز النسيان عليهما ، وكل ذلك يدلّ على حدث الآية ؛ لأنّها لو كانت قديمة لم يصحّ فيها ذلك. وأن يأتي بخير منها يدلّ على أنّها محدثة ، لأنّ القديم لا يوصف بأنّ القادر يأتي بخير منه (ق ، م ١ ، ١٠٣ ، ١٧)

حدث الفاعل

ـ حدّثنا عن الإيمان والكفر ، هل يخلوان من أن يكونا شيئين عرضين وحركتين دليلين على حدث الفاعل ، وحجتين على حكمة الرجل وسفهه ، ومظهري علمه وجهله؟ لا بد من بلى ؛ لما فيهما هذه الوجوه كلها. فيقال : هل الأمر والنهي بالفعل موجبا الأمر والنهي بهذه الوجوه التي في فعله ذلك؟ فإن قال : نعم ، أحال ؛ لما في كفره دليل سفهه ، وهو من حيث الدلالة صدق ، ومحال النهي عنه من ذلك الوجه ، ولأنّ كثيرا منهم لا يعرفون تلك الصفات له لم يجز الأمر لذلك من ذلك الوجه ولا النهي (م ، ح ، ٢٣٧ ، ٨)

٤٥٧

حدوث

ـ قالت" الموحدة" : إنّه لا يحول ولا يزول ، لأنّ ما يحول ويزول ويحتجب وينتقل لا يكون أزليا ولا قديما ، فهذه علامات الحدوث (ع ، أ ، ١٥ ، ١١)

ـ الدليل على حدوث هذه الأفلاك علمنا بأنّ الشمس تكون في برج الحمل ، ثم تنتقل إلى برج الثور ، ثم إلى غيرهما من البروج ؛ وقد علمنا أنّها لا تجوز أن تكون كائنة في برج الحمل ومتحرّكة إليه لعينها ونفسها ؛ لأنّ ذلك لو كان كذلك ، لم تعلم نفسها إلّا وهي كائنة في برج الحمل ، ولوجب أن تكون لم تزل كائنة فيه لعينها ، ولا تزال كذلك وأن يستحيل خروجها عنه وانتقالها منه ، إذ كانت كائنة فيه لعينها (ب ، ت ، ٦١ ، ١٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الحدوث أحد وصفي الموجود ، وذلك أن يكون وجودا عن عدم. فأمّا القدم فهو وجود على شرط التقدّم ، ولم يكن يراعي في ذلك تقدّم الأزل بلا غاية دون تقدّم بغاية ، بل كان يقول إنّ المحدث يوصف بأنّه قديم على الحقيقة إذ أريد به تقدّمه على ما حدث بعده ، كقوله (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس : ٣٩) ، وإنّ العرجون كان قديما على الحقيقة على معنى أنّه تقدّم العراجين التي حدثت بعده (أ ، م ، ٢٧ ، ١٩)

ـ إنّ تصرفاتنا في الشاهد محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا ، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها ، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل (ق ، ش ، ٩٤ ، ٦)

ـ لا نعني بالحدوث أكثر من تجدّد الوجود (ق ، ش ، ١١٠ ، ١٠)

ـ إنّما نعني بالاحتياج أنّ لحالة من أحوالنا فيه تأثير ، والذي يدلّ على ذلك ، هو أنّها (تصرفاتنا) تقع بحسب قصودنا ودواعينا ، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال محقّقا وإمّا مقدّرا ، فلولا أنّها محتاجة إلينا متعلّقة بنا وإلّا كان لا يجب فيها هذه القضية ، كما في تصرّف الغير ، وكما في اللون. وأمّا الذي يدلّ على أنّها إنّما احتاجت إلينا لحدوثها ، فهو أنّ حدوثها هو الذي يقف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا. وبعد فإنّه لا يخلو ؛ إمّا أن تكون محتاجة لاستمرار وجودها ، أو لاستمرار عدمها ، أو لتجدّد وجودها. لا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار عدمها لأنّها قد كانت مستمرّة العدم ولم تكن ، ولا أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار وجودها لأنّها تبقى مستمرّة الوجود وإن خرجنا عن كوننا أحياء فضلا عن كوننا قادرين ، فلم يبق إلّا أن تكون محتاجة إلينا لتجدّد وجودها وهو الحدوث ، فصحّ القياس (ق ، ش ، ١١٩ ، ٧)

ـ إن قيل : قد بيّنتم أنّ هذه التصرّفات متعلّقة بنا ومحتاجة إلينا ، فبيّنوا أنّ جهة الحاجة إنّما هو الحدوث ليتمّ لكم ما ذكرتموه ، قلنا : الذي يدلّ عليه أنّ الذي يقف كونه على أحوالنا نفيا وإثباتا إنّما هو الحدوث ، فيجب أن تكون جهة الحاجة إنّما هو الحدوث على ما ذكرناه. وبعد ، فإنّ حاجتها إلينا لا تخلو ؛ إمّا أن تكون لاستمرار القدم ، أو لاستمرار الوجود ، أو لتجدّد الوجود. لا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار العدم ، لأنّها كانت مستمرّة العدم وإن لم تكن ؛ ولا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار الوجود ، لأنّا نخرج عن كوننا قادرين وهي مستمرّة الوجود ؛ فلم يبق إلّا أن تكون

٤٥٨

محتاجة إلينا لتجدّد الوجود على ما نقوله (ق ، ش ، ٣٤٣ ، ٩)

ـ إنّ وقوع الشيء على وجه هو تابع لحدوثه ، فإذا بقي خرج عن الحدوث ، فخرج عن صحّة التصرّف فيه على هذه الوجوه ، بدلالة أنّه في حال عدمه لما لم يكن حادثا لم يصح إيقاعه على وجوه وقد شاركت حال البقاء حال العدم في أنهما ليستا بحال حدوث ، فيجب أن يتعذّر إيقاعه على هذه الوجوه الزائدة على الحدوث. فلما صحّ ذلك في الجسم عرفنا أنّ الذي تعلّق بالقادر هو إحداث معنى من المعاني يوجب هذه الصفة للجسم ، وإلّا فذات الجسم وهو باق كيف يصح التصرّف فيه؟ (ق ، ت ١ ، ٤٠ ، ١٥)

ـ إنّ كل صفة أو حكم يضاف إلى الفاعل فهو الذي يكون لأحواله فيه تأثير ، ولا بدّ من أن يكون من شرط ذلك الجواز وإن لم نجعل هذا جدّا له. فالحدوث لا بدّ من إضافته إلى القادر لأنّه بكونه قادرا يحصل ، وكونه محكما مرتّبا لا بدّ من أن يضاف إليه لأنّ كونه عالما أثّر فيه ، وكونه أمرا وخبرا ونهيا وتهديدا لا بدّ من أن يؤثّر فيه كونه مريدا وكارها ، وكون الاعتقاد علما يؤثّر فيه بعض أحوال الفاعل من كونه عالما بالمعتقد أو بطريقة النظر أو ما أشبههما من الوجوه. وهذا كله ظاهر من حيث حصل فيه الشرط الذي ذكرناه من تأثير حال الفاعل فيه ومن حصوله مع جواز أن لا يحصل (ق ، ت ١ ، ٣٦٩ ، ٨)

ـ إنّ حدوث الشيء من وجهين من جهة قادر واحد لا يصحّ ، وإذا لم يصحّ ذلك من جهة قادر واحد لم يصحّ من جهة قادرين ، لأنّه لو صحّ حدوث الشيء من وجهين من وجهتهما ، لوجب كونهما قادرين عليه بقدرتين ؛ لأنّ ما يختصّ به أحدهما من القدر لا يجوز أن يختصّ الآخر به ، فكان لا يمتنع وجود القدرتين في قادر واحد. فإذا صحّ فساد ذلك في القادر الواحد ، وجب مثله في القادرين (ق ، غ ٤ ، ٢٥٧ ، ١٣)

ـ القادر إنّما يقدر على الصفة التي متى صحّت على الفعل ، صحّ كونه مقدورا ؛ ومتى استحالت ، استحال كونه مقدورا ، وهي الحدوث (ق ، غ ٨ ، ٦٩ ، ٢)

ـ إنّ الصفة إنّما يقال إنّ الفعل يحصل عليها بالفاعل ، متى ثبتت للفعل وعقل كونه عليها. لأنّ تعليل الصفة بالفاعل وتعليقها به ، كتعليل الصفة بالمعنى ، والعلّة في أنّه فرع على كونها معقولة. وليس للمعدوم ، بكونه معدوما ، حالة ؛ حتى يقال : إنّها بالفاعل. وإنّما صحّ في الحدوث أن يقال : إنّه بالفاعل لمّا عقل له حال ؛ ولو لم يعقل ذلك له ، لم يصحّ أن يقال : إنّه بالفاعل (ق ، غ ٨ ، ٧٤ ، ٨)

ـ لم لا يجوز أن يكون (الجوهر) متحيّزا لحدوثه؟ قيل له : لا يخلو المراد بالحدوث : إمّا أن يريدوا به الوجود فقط ـ فقد بيّنا أنّه لا يجوز أن يكون متحيّزا لوجوده ؛ وإن أرادوا به تجدّد الوجود فيجب أن لا تثبت هذه الصفة في حالة البقاء لفقد التجدّد في تلك الحالة ، ولأنّ من علّل كونه متحيّزا بحدوثه فقد أقرّ بحدوث الجسم وكفانا مئونة الكلام. ولا يجوز أن يكون متحيّزا لحدوثه على وجه ، إذ ليس هاهنا وجه معقول ، فيقال : إنه يكون متحيّزا لوقوعه على ذلك الوجه ، وفارق الحال في ذلك الحال في كون الكلام خبرا وأمرا ، لأنّه إنّما يكون كذلك لوقوعه على وجه (ن ، د ، ٦٧ ، ٢)

٤٥٩

ـ قيل : أليس أنّ الإرادة تتعلّق وتؤثّر في حدوث الشيء على وجه ، وحدوثه على وجه غير الحدوث ؛ فقد تعدّى عن وجه إلى وجه آخر ، ومع ذلك لا يجب أن يكون متعديا إلى كل وجه تحصل الذات عليه (ن ، د ، ٧٩ ، ٥)

ـ إنّ حدوث الشيء على وجه مما يتبع الحدوث ، وليس بمنفصل عن الحدوث ، وهو كالطريقة في ذلك. فكأنّ القدرة إنّما أثّرت في الحقيقة في وجه واحد (ن ، د ، ٧٩ ، ٨)

ـ العدم ليس بأمر حادث ، حتى يقال أنّ لأحوالنا فيه تأثيرا ، وإنّما هو أمر مستمرّ ، وإن كان معدوما ، قبل أن وجدنا وحصلنا على ما لنا من الأحوال. وليس كذلك الحدوث ، لأنّه أمر متجدّد ، فيجب أن يستند تجدّده إلى حال من أحوالنا (ن ، د ، ٣٠١ ، ١)

ـ إن قيل : هب أنّا سلمنا أن الفعل يحتاج إلينا ويتعلّق بنا ، فلم قلتم إنه يحتاج إلينا في الحدوث؟ قيل له : في ذلك وجهان اثنان : أحدهما أنه إذا ثبت أنه يحتاج إلينا (الفعل) فلا بدّ من أن يكون احتياجه إلينا لوجه من الوجوه ، لأنّه لو قيل إنّه يحتاج إلينا ، ثم لم يشر باحتياجه إلينا إلى وجه من الوجوه لعاد الأمر بالنقض على أنه يحتاج إلينا في استمرار الوجود أو في تجدّد الوجود الذي هو الحدوث (ن ، د ، ٣١٧ ، ٧)

ـ إنّ هذه الأحكام التي هي الوجوب والقبح والحسن والندب فإنّها أحكام موجبة عن أحوال الفعل وأحكامها وهي أحكام أحوالها ، فصارت هذه الأحكام مع أحكام الفعل كالعلل مع المعلول ، فلا بدّ إذن من أن تضاف هذه الأفعال إلى الفاعل من وجه يكون له في ذلك تأثير ، وليس ذلك إلّا الحدوث (ن ، د ، ٣١٨ ، ٨)

ـ إنّ المكتسب ليس له بكونه مكتسبا حال ، لأنّه لو كان معقولا لما زاد حاله على الحدوث ـ وقد علمنا أنّ الحدوث لا يوجب للمحدث حالا ، فالكسب إن كان معقولا أولى بذلك ، وهو دون الحدوث (ن ، د ، ٣٢٠ ، ٩)

ـ قد علمنا أنّ الذي وقف في التصرّف على أحوالنا من وجوهه إنّما هو الحدوث ، فيجب أن يكون هو الوجه وهو العلّة في الاحتياج ، لأنّه بوقوفه على أحوال الواحد منا نفيا وإثباتا يثبت الاحتياج في التصرّف. وإذا لم يكن كذلك لم يثبت الاحتياج فيه ، فكان يجب أن يكون هو علّة الاحتياج (ن ، د ، ٣٢٠ ، ١٩)

ـ ما نقول في احتياج التصرّف إلى الواحد منّا ، فإنّ هذا الاحتياج معلوم ضرورة ، وإن لم يقع إلى أي صفة تحتاج إلينا. ثم إنّ الاحتياج الذي هو تأثير أحوالنا فيه تعليله بالحدوث ، فنقول : إنّ الحدوث هو الذي يثبت فيه تأثير أحوالنا. وهذا التعليل ليس لإثبات الحكم في هذا الموضع ، فإنّ الحدوث معلوم لدلالة ، والاحتياج معلوم ضرورة. ولكن غرضنا بهذا التعليل قياس الغائب عليه بعلّة الحدوث ، بأن نقول إذا ثبت في تصرّفنا أنّه يحتاج إلينا لحدوثه ، وثبت الحدوث في الأجسام ، وجب أن يثبت فيها الاحتياج محدث. وإن كان إثبات المحدث للأجسام الذي يتقاضى العقل إثباته لا يتمّ إلّا بهذا التعليل صار ذلك ملجئا إلى التعليل أو دليلا دالا إلى تعليله (ن ، د ، ٤٨٤ ، ١٨)

ـ إنّ المحكم له بكونه محكما حكم زائد على حدوثه. فإذا كان له حكم زائد على حدوثه فلا يقع على ذلك الحكم إلّا بوجه يؤثّر فيه ، فما يؤثّر فيه من الوجوه لا بدّ أن يقارنه ، كما نقول

٤٦٠