موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

ومحامل معانيها كما سيأتي. واتّفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار ، ونفي التشبيه عنه من كل وجه : جهة ، ومكانا ، وصورة ، وجسما ، وتحيّزا ، وانتقالا ، وزوالا ، وتغيّرا ، وتأثّرا. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها. وسمّوا هذا النمط : توحيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٧)

ـ أما قوله (عليّ) وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، فهو تصريح بالتوحيد الذي تذهب إليه المعتزلة ، وهو نفي المعاني القديمة التي تثبتها الأشعريّة وغيرهم. قال عليه‌السلام لشهادة إنّ كل صفة غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، وهذا هو دليل المعتزلة بعينه (أ ، ش ١ ، ٢٤ ، ١٥)

ـ في هذا الفصل على خصره ثمانية مسائل من مسائل التوحيد ، الأولى أنّه لا ثاني له سبحانه في الإلهيّة ، والثانية أنّه قديم لا أوّل له. فإن قلت ليس يدلّ كلامه على القدم لأنّه قال الأوّل لا شيء قبله فيوهم كونه غير قديم بأن يكون محدثا ، وليس قبله شيء لأنّه محدث عن عدم والعدم ليس بشيء ، قلت إذا كان محدثا كان له محدث ، فكان ذلك المحدث قبله ، فثبت أنّه متى صدق أنّه ليس شيء قبله صدق كونه قديما. والثالثة أنّه أبدي لا انتهاء ولا انقضاء لذاته. والرابعة نفي الصفات عنه أعني المعاني. والخامسة نفي كونه مكيّفا لأنّ كيف إنّما يسأل بها عن ذوي الهيئات والأشكال وهو منزّه عنها. والسادسة أنّه غير متبعّض لأنّه ليس بجسم ولا عرض. والسابعة أنّه لا يرى ولا يدرك. والثامنة أنّ ماهيّته غير معلومة وهو مذهب الحكماء وكثير من المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم. وأدلّة هذه المسائل مشروحة في كتبنا الكلامية ، واعلم أنّ التوحيد والعدل والمباحث الشريفة الإلهية ما عرفت إلّا من كلام هذا الرجل وأنّ كلام غيره من أكابر الصحابة لم يتضمّن شيئا من ذلك أصلا ولا كانوا يتصوّرونه ، ولو تصوّروه لذكروه وهذه الفضيلة عندي أعظم فضائله عليه‌السلام (أ ، ش ٢ ، ١٢٠ ، ٢٣)

ـ قد سئل (علي) عن التوحيد والعدل فقال : التّوحيد أن لا تتوهّمه والعدل أن لا تتّهمه. هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لتفهيم المعاني القديمة التي يثبّتها الأشعري وأصحابه ، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح. ومعنى قوله أن لا تتوهّمه أي أن لا تتوهّمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم ، أو نورا من الأنوار وقوّة سارية في جميع العالم كم قاله قوم ، أو من جنس الأعراض التي تحلّ المحال أو محلّا الحل ، وليس بعرض كما قاله النصارى وغلاة الشيعة ، أو تحلّه المعاني والأعراض ، فمتى توهّم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد ، وذلك لأنّ كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل لحال مختصّ بجهة لا بدّ أن يكون منقسما في ذاته لا سيّما على من نفى الجزء مطلقا ، وكل منقسم فليس بواحد وقد ثبت أنّه واحد. وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة ونفي ثان في الإلهيّة ونفي الرؤية ونفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذّا أو آلما أو عالما بعلم محدث ، أو قادرا بقدرة محدثة أو حيّا بحياة محدثة أو نفي كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا على كل الأجناس ، وغير ذلك من مسائل الكلام

٤٠١

التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول وهو التوحيد (أ ، ش ٤ ، ٥٢٢ ، ٦)

ـ التوحيد في اللغة : الحكم بأنّ الشيء واحد والعلم بأنّه واحد ، وفي اصطلاح أهل الحقيقة تجريد الذات الإلهيّة عن كل ما يتصوّر في الأفهام ويتخيّل في الأوهام والأذهان (ج ، ت ، ٩٩ ، ٣)

ـ التوحيد : ثلاثة أشياء معرفة الله تعالى بالربوبيّة ، والإقرار بالوحدانيّة ، ونفي الأنداد عنه جملة (ج ، ت ، ٩٩ ، ٦)

ـ التوحيد : هو ، لغة ، الإفراد ، واصطلاحا : قال الوصيّ (عليه‌السلام) : التوحيد أن لا تتوهّمه (ق ، س ، ٦٤ ، ٢)

توسّع

ـ الفقهاء يقولون في لفظ الأمر : إنّه نهي وتهديد ، وهذا توسّع لأنّ الأمر لا يكون نهيا ، ولا لفظ النهي يكون لفظا للأمر ، وإنّما المراد بذلك أنّ الأمر يراد به بالنهي فيفيد فائدة النهي ، ويكون مستعملا في ذلك على طريقة التوسّع ، كما يذكر الشيء ويراد به غيره ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف : ٨٢) إلى غير ذلك ، لأنّه إذا جاز في اللفظ الموضوع لشيء أن يراد به غيره لم يمتنع أن يراد بالكلمة بعض ما تتناوله مع غيره على جهة المجاز ، وهذا موجود في اللغة ، على ما قدّمناه في باب العموم (ق ، غ ١٧ ، ٢٥ ، ١٦)

توفير الثواب

ـ قد تقرر أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ليصحّ توفير الثواب على من يستحقّه إذ لو اتّصل التكليف لامتنع إيصال هذا الحقّ على الوجه الذي يستحقّ ، لأنّ من شأن التكليف أن لا يخلو من مشقّة ومن شأن الثواب أن يخلص من كل ما يشوب. فلم يكن بدّ من أن ينقطع التكليف. ووجب أيضا أن يكون انقطاعه عن حال الثواب على حدّ تزول معه طريقة الإلجاء وما يجري مجراه. ولا يكون كذلك إلّا بتراخ بين الحالين بعيد ، لأنّه مهما اتّصل الثواب بالتكليف كان الذي يدعو المكلّف إلى فعل الطاعات ما يرجوه من النفع أو دفع الضرر فلا يكون فاعلا لها للوجه الذي له وجبت. فحصل من هذه الجملة أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ومن أن يكون الانقطاع على هذا الحدّ من التراخي والتطاول. وقد كان يصحّ أن ينقطع التكليف عن المكلّف بفناء حياته أو بزوال عقله أو بحصوله خلل في بعض شروط تكليفه ، لأنّ بكل ذلك يرتفع التكليف ويحصل الغرض الذي بيّناه. لكنّ الدلالة قد دلّت على أنّ التكليف آخرا ينقطع بفناء الأجسام جملة فأوجبناه لأجل ذلك. ثم حكمنا بعد الفناء بالإعادة على الحدّ الذي يصحّ توفير الثواب على المعاد (ق ، ت ٢ ، ٢٨٥ ، ٤)

ـ قد بيّنا من قبل أنّه لا يجوز أن يكون العبد مكلّفا مع الإلجاء ، وكشفنا القول فيه. فإذا ثبت ذلك فلو أنّه ـ تعالى ـ أثابه في حال التكليف لاقتضى ذلك كونه ملجأ إلى فعل الطاعة التي استحقّ بها ذلك الثواب ، وذلك يزيل التكليف. يبيّن ذلك أنّ من شاهد مثل نعيم أهل الجنّة ثم قيل له : إن أدمت الصلاة أعطيت ما شاهدت فلا بدّ من أن يصير ملجأ إلى فعل الصلاة ليجتلب بها هذه المنافع الحاضرة ، وذلك يؤدّي إلى ألّا يستحقّ ذلك الثواب بهذه الصلاة ، وهو الذي أردناه بقولنا : إنّ توفير الثواب يزيل التكليف (ق ، غ ١١ ، ٥٢٠ ، ٨)

٤٠٢

توفيق

ـ قال قائلون : التوفيق من الله سبحانه ثواب يفعله مع إيمان العبد ، ولا يقال للكافر موفّق وكذلك التسديد (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١١)

ـ قال قائلون : التوفيق هو الحكم من الله أنّ الإنسان موفّق وكذلك التسديد (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١٣)

ـ قال" جعفر بن حرب" : التوفيق والتسديد لطفان من ألطاف الله سبحانه لا يوجبان الطاعة في العبد ولا يضطرّانه إليها ، فإذا أتى الإنسان بالطاعة كان موفّقا مسدّدا (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١٥)

ـ قال" الجبّائي" : التوفيق هو اللطف الذي في معلوم الله سبحانه أنّه إذا فعله وفّق الإنسان للإيمان في الوقت ، فيكون ذلك اللطف توفيقا لأن يؤمن ، وأنّ الكافر إذا فعل به اللطف الذي يوفّق للإيمان في الوقت الثاني فهو موفّق لأن يؤمن في الثاني ، ولو كان في هذا الوقت كافرا ، وكذلك العصمة عنده لطف من ألطاف الله (ش ، ق ، ٢٦٣ ، ١)

ـ قال أهل الإثبات : التوفيق هو قوة الإيمان وكذلك العصمة (ش ، ق ، ٢٦٣ ، ٦)

ـ يقال لهم (المعتزلة) : أليست استطاعة الإيمان نعمة من الله عزوجل وفضلا وإحسانا؟ فإذا قالوا : نعم. قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون توفيقا وتسديدا فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. ويقال لهم : فإذا كان الكافرون قادرين على الإيمان فما أنكرتم أن يكونوا موفّقين للإيمان ، ولو كانوا موفّقين مسدّدين لكانوا ممدوحين ، وإذا لم يجز ذلك لم يجز أن يكونوا على الإيمان قادرين ، ووجب أن يكون الله عزوجل اختصّ بالقدرة على الإيمان المؤمنين (ش ، ب ، ١٣٦ ، ٨)

ـ إنّ التوفيق للإيمان مخلوق ، وهو إنعام الله تعالى على المؤمنين بالإيمان وذلك هو قدرة الإيمان (أ ، م ، ١٢٣ ، ١٨)

ـ إنّ اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنّب القبيح ، أو ما يكون عنده أقرب إمّا إلى اختيار أو إلى ترك القبيح. والأسامي تختلف عليه فربما يسمّى توفيقا ، وربما يسمّى عصمة ، إلى غير ذلك (ق ، ش ، ٥١٩ ، ٣)

ـ أمّا التوفيق ، فهو اللطف الذي يوافق الملطوف فيه في الوقوع ، ومنه سمّي توفيقا. وهذا الاسم قد يقع على من ظاهره السداد ، وليس يجب أن يكون مأمون الغيب حتى يجري عليه ذلك (ق ، ش ، ٧٨٠ ، ٨)

ـ اعلم أنّ" التوفيق" هو اللطف إذا اتّفق عنده من العبد الطاعة والإيمان ويقال لفاعله عند ذلك ، إنّه قد وفقه ، وإن كان من قبل لا يوصف بذلك ، كما يوصف فعل زيد بأنّه موافقة إذا تقدّم فعل عمرو ، ولولاه لم يوصف بذلك ، فمتى وصفناه تعالى بأنّه وفق العبد فالمراد أنّه فعل لما يدعوه إلى اختيار الطاعة ، وأنّه اختاره ، فوافق وقوعه ما فعله تعالى ، واتّفقا في الوجود ، فصار تعالى موفّقا وصار هو موفّقا. فإذا صحّ ذلك فيجب أن يكون المراد بقوله : (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) (النساء : ٣٥) أنّه تعالى عند إرادتهما الإصلاح ، يفعل من الألطاف ما يدعو إلى قبولهما ، فمتى قبلا كان موفقا بينهما ، فكيف يصحّ تعلّق القوم بهذا الظاهر؟ (ق ، م ١ ، ١٨٤ ، ٧)

ـ اعلم أنّ اللطف إذا صادف وجوده اختيار المكلّف للطاعة ، وصف بأنّه توفيق ، لأنّها وافقته في الوجود والوقوع على وجه لولاه لم

٤٠٣

تحصل هذه الموافقة ، فلهذه العلّة يوصف بأنّه توفيق. وخصّ بذلك ما يقع لأجله الخير دون الشر ؛ لا من حيث اللغة ، ولكن للاصطلاح (ق ، م ٢ ، ٧٣٥ ، ١١)

ـ اعلم أنّه يفيد فيه موافقة الطاعة له ، بأن دخلت في الحدوث والوقوع. فمتى حصل للطف هذا الحكم ، وصف بأنّه توفيق ؛ ومتى لم يحصل له ذلك لم يوصف بهذه الصفة ، ولذلك لا نصف اللطف في حال حدوثه بأنّه توفيق لإفراده بحدوثه عن حدوث الطاعة ، حتى إذا حدثت الطاعة من بعد يوصف بذلك ، وكذلك لا نصف اللطف الذي لا تحدث الطاعة عنده البتّة بأنّه توفيق في حال من الأحوال نحو اللطف الذي لا يعلم من حاله أنّه ستختار الطاعة عنده لا محالة. لكنه إنّما يكون لطفا بأن يكون مقرّبا لفاعله ، ويكون أقرب إلى أن يختاره عنده. لكن المعلوم أنه يعدل عن اختياره لسوء تدبيره. وهذه اللفظة (التوفيق) في أنّها من جهة الاصطلاح أخصّ منها من جهة اللغة بمنزلة اللطف فيما قدّمناه ، لأنّ أهل اللغة لا يخصّون بذلك ما ذكرناه دون غيره. ولهذا استعمل شيوخنا رحمهم‌الله التوفيق فيما تختار عنده الطاعة ، ولم يستعملوه فيما يختار عنده القبيح أو المباح ، وإن كان لا فرق بين ذلك أجمع من حيث اللغة (ق ، غ ١٣ ، ١٢ ، ١٠)

ـ القوّة التي ترد من الله تعالى على العبد فيفعل بها الخير تسمّى بالإجماع توفيقا وعصمة وتأييدا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٢)

ـ التوفيق خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٢)

ـ صرف المعتزلة التوفيق إلى خلق لطف يعلم الرّب تعالى أنّ العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٣)

ـ قالت المعتزلة التوفيق من الله تعالى إظهار الآيات في خلقه الدالّة على وحدانيّته ، وإبداع العقل والسمع والبصر في الإنسان ، وإرسال الرسل وإنزال الكتب لطفا منه تعالى ، وتنبيها للعقلاء من غفلتهم وتقريبا للطرق إلى معرفته وبيانا للأحكام تمييزا بين الحلال والحرام ، وإذا فعل ذلك فقد وفّق وهدى وأوضح السبيل وبيّن المحجّة وألزم الحجّة (ش ، ن ، ٤١١ ، ١١)

ـ قالت الأشعريّة التوفيق والخذلان ينتسبان إلى الله تعالى نسبة واحدة على جهة واحدة ، فالتوفيق من الله تعالى خلق القدرة الخاصة على الطاعة والاستطاعة إذا كانت عنده مع الفعل ، وهي تتجدّد ساعة فساعة ، فلكل فعل قدرة خاصّة ، والقدرة على الطاعة صالحة لها دون ضدّها من المعصية ، فالتوفيق خلق تلك القدرة المتّفقة مع الفعل (ش ، ن ، ٤١٢ ، ٢)

ـ العدليّة : والتوفيق هو اللطف في الفعل ، والخذلان منع اللطف ممن لا يلتطف. الحاكم : عقوبة. قلت : فيه نظر. المجبرة : بل التوفيق خلق الطاعة ، والخذلان خلق المعصية. قلنا : على أصل فاسد (م ، ق ، ١٠٥ ، ١٠)

توكل

ـ إنّ الله إنّما أمر بالتوكّل عند انقطاع الحيل والتسليم للقضاء بعد الإعذار. بذلك أنزل كتابه وأمضى سنّته ، فقال (خُذُوا حِذْرَكُمْ) (النساء : ٧١) (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥). وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٠٤

وسلّم" اعقلها وتوكّل" (ج ، ر ، ١٨ ، ١٣)

ـ إنّ التوكّل على الله تعالى واجب ، وإنّه من صفات المؤمن ، وذلك يقتضي الرجوع إليه تعالى في طلب الرزق والمنافع ، ودفع المضارّ ، بالوجوه التي تحلّ ، لأنّ هذا هو التوكّل ، دون ما يقوله الجهال من أنه العدول عن طريق المكاسب وإهمال النفس (ق ، م ١ ، ٣١٣ ، ١٦)

ـ قوله تعالى : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال : ٢) يدلّ على أنّ العبد يفعل ، لأنّ توكله عليه إنّما هو بأن يطلب الشيء من جهته ولا يعدل عنه إلى غير وجهه ، ولو لم يكن فاعلا لما صحّ ذلك فيه ، كما لا يصحّ أن يتوكّل على الله في لونه وسائر ما اضطرّ إليه. ومن وجه آخر : وهو أنّه تعالى بيّن أنّ توكّل المؤمن على الله هو كالسبب في أنّ لا سلطان له عليه ، ولا يكون كذلك إلّا بأن يكون داعيا له إلى الطاعات ، ولو كان تصرّفه خلقا لله تعالى لما صحّ ذلك فيه (ق ، م ٢ ، ٤٥٤ ، ١٨)

ـ إنّ التوكّل ليس هو التكاسل ، وإنّما هو طلب الرزق من جهته وتوطين النفس على ترك الجزع من قوته لعلمه أنّه لا يتأخّر عنه إلّا لضرب من الصلاح. فأمّا القعود عن الطلب فليس يعدّ توكّلا. وعلى ذلك قال النبيّ صلى الله عليه : " لو توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا" فأثبتها متوكّلة مع الغدو والرواح (ق ، ت ٢ ، ٤٢٩ ، ١١)

ـ أمّا التوكّل فهو طلب الشيء من جهته تعالى بالوجه الذي أباح الطلب به ، وألا يجزع إذا لم يعط ، ولا يعدل في طلب المنافع عن جهة الحلال إلى الحرام. فمتى فعل ذلك كان متوكّلا عليه تعالى (ق ، غ ١١ ، ٤٥ ، ١)

ـ شرط في التوكّل الإسلام وهو أن يسلموا نفوسهم لله : أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها ، لأنّ التوكّل لا يكون مع التخليط ، ونظيره في الكلام : إن ضربك زيد فاضربه إن كانت بك قوة (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) (يونس : ٨٥) إنّما قالوا ذلك لأنّ القوم كانوا مخلصين لا جرم أنّ الله سبحانه قبل توكّلهم وأجاب دعاءهم ونجّاهم وأهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفاء في أرضه ، فمن أراد أن يصلح للتوكّل على ربّه والتفويض إليه فعليه برفض التخليط إلى الإخلاص (ز ، ك ٢ ، ٢٤٩ ، ١٣)

ـ التوكّل : تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضرّه ، وقالوا : المتوكّل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله ، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة ثم سأله غيره خلاصه لم يخرج من حدّ التوكّل لأنّه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله. وفي مصاحف أهل المدينة والشام فتوكّل ، وبه قرأ نافع وابن عامر وله محملان في العطف أن يعطف على ، فقل أو فلا تدع (ز ، ك ٣ ، ١٣٢ ، ٤)

ـ أمره بالتوكّل على الله وقلّة المبالاة بأعداء الدين ، وعلّل التوكّل بأنّه على الحق الأبلج الذي لا يتعلّق به الشكّ والظنّ ، وفيه بيان أنّ صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته وأنّ مثله لا يخذل (ز ، ك ٣ ، ١٥٩ ، ١٣)

توكيد

ـ أمّا التوكيد فقد بيّنا أنّه لا يغيّر حال الكلام ، ولا يوجب أنّه مع التوكيد يدلّ بخلاف دلالته إذا تعرّى عنه (ق ، غ ١٧ ، ٤٣ ، ١٣)

٤٠٥

تولّد

ـ كان يزعم (ضرّار) أنّ كل ما تولّد عن فعله كالألم الحادث عن الضربة وذهاب الحجر الحادث عن الدفعة فعل لله سبحانه وللإنسان (ش ، ق ، ٢٨١ ، ١١)

ـ ما تولّد عن فعلنا كنحو الأحر (؟) الحادث من البياض ، والحمرة وطعم الفالوذج عند جمع النشأ والسكّر وإنضاجه ، وكنحو الرائحة الحادثة والألم الحادث عند الضرب ، واللّذة الحادثة عند أكل الشيء ، وخروج الروح الحادث عند الوجبة ، وخروج النطفة الحادث عند الحركة ، وذهاب الحجر عند الدفعة ، وذهاب السهم عند الإرسال ، والإدراك الحادث إذا فتحنا أبصارنا ، كل ذلك فعلنا حادث عن الأسباب الواقعة منّا ، وكذلك انكسار اليد والرجل الحادث عند السقوط فعل من أتى بسببه ، وكذلك صحّة اليد بالجبر وصحّة الرجل بالجبر فعل الإنسان (ش ، ق ، ٤٠١ ، ٥)

ـ قال" ثمامة" : لا فعل للإنسان إلّا الإرادة ، وأنّ ما سواه حدث لا من محدث ، كنحو ذهاب الحجر عند الدفعة وما أشبه ذلك ، وزعم أنّ ذلك يضاف إلى الإنسان على المجاز (ش ، ق ، ٤٠٧ ، ٩)

ـ قال" ضرّار" و" حفص الفرد" : ما تولّد من فعلهم مما يمكنهم الامتناع منه متى أرادوا فهو فعلهم ، وما سوى ذلك مما لا يقدرون على الامتناع منه متى أرادوا فليس بفعلهم ، ولا وجب لسبب وهو فعلهم (ش ، ق ، ٤٠٧ ، ١٤)

ـ كان" ضرّار بن عمرو" يزعم أنّ الإنسان يفعل في غير حيّزه وأنّ ما تولّد عن فعله في غيره من حركة أو سكون فهو كسب له خلق لله عزوجل ، وكل أهل الإثبات غير" ضرّار" يقولون : لا فعل للإنسان في غيره ويحيلون ذلك (ش ، ق ، ٤٠٨ ، ٥)

ـ إنّ ما يتولّد عن السبب فهو من فعل فاعل السبب ؛ وذلك يوجب كونه محدثا له ، وإن كان قد أحدثه بواسطة (ق ، غ ٥ ، ٧٦ ، ١٤)

ـ زعموا (القدريّة) أيضا أنّ فاعل السبب لو مات عقيب المسبّب ثم تولّد من ذلك السبب فعل بعد مائة سنة لصار ذلك الميّت فاعلا له بعد موته وافتراق أجزائه بمائة سنة (ب ، أ ، ١٣٨ ، ١)

ـ ما تولّد عن فعل فاعل ، فهو فعل الله عزوجل ، لمعنى أنّه خلقه ، وهو فعل ما ظهر منه بمعنى أنّه ظهر منه (ح ، ف ٥ ، ٦٠ ، ١٧)

ـ ما تولّد من فعل العبد فهو فعله ، غير اللون والطعم والرائحة وكل ما لا يعرف كيفيّته (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ٨)

تولّد

ـ ثم قال (ابن الروندي) : وجميع من وافقه (أبو الهذيل) من المعتزلة على تثبيت التولّد يزعمون أنّ الموتى يقتلون الأحياء الأصحاء الأشداء على الحقيقة دون المجاز ، وأنّ المعدومين يقتلون الموجودين ويخرجون أرواحهم من أجسادهم على التحقيق دون الاتساع والإطلاق. فنقول ـ والله الموفق للصواب ـ إن أراد بقوله : إنّ الموتى يقتلون الأصحاء ، وإنّ المعدومين يقتلون الموجودين ، أن الموتى يباشرون العمل بجوارحهم وسيوفهم فيضربون الأعناق ، فهذا محال وليس هذا قول أحد من المعتزلة ولا من غيرهم. وإن أراد أنّ الأحياء القادرين على الأفعال يفعلون في حال حياتهم

٤٠٦

وصحتهم وسلامتهم وقدرتهم أفعالا تتولّد عنها أفعال بعد موتهم فينسب ما يتولّد عن أفعالهم بعد موتهم إليهم ، إذ كانوا قد سنّوه في حياتهم وفعلوا ما أوجبه. وذلك كرجل أرسل حجرا من رأس جبل فهوى إلى الأرض ثم إنّ الله أمات المرسل للحجر قبل أن يصل الحجر إلى الأرض. فنقول : إنّ هويّ الحجر بعد موت المرسل متولّد عن إرساله إيّاه ، فهو منسوب إليه دون غيره. وكذلك نقول في رجل نزع (في) قوسه يريد الهدف فلمّا خرج السهم عن قوسه أمات الله الرامي ؛ فنقول : إنّ ذهاب السهم بعد الرامي متولّد عن رميته فهو منسوب إليه لا إلى غيره (خ ، ن ، ٦٠ ، ٩)

ـ إنّ ذهاب السهم منسوب إلى الرامي به دون غيره إذ كان هو المسبّب له. ثم إنّي أعلمك ـ علمك الله الخير ـ أنّ صاحب الكتاب (ابن الروندي) داخل في كل ما شنّع به على من أثبت التولّد من المعتزلة. وذاك أنّا نقول له : حدّثنا عن إنسان نزع في قوسه فلمّا فصل السهم من يده أماته الله أو أفناه وأعدمه ، ثم إنّ السهم بعد ذلك وصل إلى إنسان فقتله : حدّثنا من القاتل له؟ فمن قوله : " إنّ الرامي القاتل له وقتله إيّاه هو الإرادة لأن يرميه بالسهم غير أنّه لا يسمّى قاتلا ولا تسمّى تلك الإرادة قتلا حتى يصل السهم إلى المرمى وتخرج روحه من جسده". يقال له : فإذا كان السهم إنّما وصل إلى المرميّ وخرجت روحه بعد أن أمات الله الرامي أو أعدمه ، أفلست قد سمّيته قاتلا وهو ميت وهو قاتل للحي ، وأنّ المعدوم يسمّى قاتلا للموجود الحيّ القادر؟ وهذا ما أنكرته على أبي الهذيل وعلى من أثبت التولد من المعتزلة (خ ، ن ، ٦١ ، ١٣)

ـ قول أبي الهذيل وبشر بن المعتمر وهشام الفوطي ومن يثبت التولد أنّ الإنسان إذا شجّ رجلا أو جرحه أو قتله : الشجة موجودة في رأس المشجوج والجراحة موجودة في المجروح والقتل موجود في المقتول والقتل يغيّر من حلّه عما كان عليه ، والشيء لا يتغيّر إلّا بتغيّر حلّه دون غيره (خ ، ن ، ١٢٢ ، ٣)

ـ المعتزلة القائلين بالتولّد : إنني أعلم حدوث الألم وذهاب السهم والحجر متولّدين عن الرمي والدفع والاعتماد ؛ وكذلك الكسر والقطع وتأليف الأجسام عند حركات البنّائين واعتمادهم ؛ وإنني أشاهده وأحسّه ، اضطرارا (ب ، ت ، ٥٩ ، ٥)

ـ إنّ الفاعل في غيره على سبيل التولّد لا يفعل فيه إلا بأن يماسّه أو يماسّ ما ماسّه ؛ ومحال عند أصحاب التولد أن يخترع فيه الفعل اختراعا بغير مماسة له ولا مماسة لا ماسّه (ب ، ت ، ٦٧ ، ١١)

ـ من مذهبه (الأشعري) في باب التولّد أنّه كان ينكر أن يتولّد العرض عن العرض ، وأنّه كان يقول إنّ الحوادث كلّها مخترعة مختارة ابتداء لله تعالى من غير أن يكون فيها شيء مولّدا لشيء أو حادث موجبا لحادث أو مسبّب مقتضى عن سبب. وكان ينكر قول من ذهب إلى القول بالطبع والطبيعة وإنّهما يوجبان ويسبّبان ويولّدان ، ويجمع بين الطبائعيين والمعتزلة في الردّ عليهم وإنكار مذهبهم في باب التولّد والطبيعة ، ويقول إنّ أحد القولين مشتقّ من صاحبه وإنّ من أنكر منهم فعل الطبيعة وأجاز التولّد فقد ناقض (أ ، م ، ٢٨٢ ، ١٨)

ـ من فضائح بشر : إفراطه بالقول في التولّد ،

٤٠٧

حتى زعم أنّه يصحّ من الإنسان أن يفعل الألوان والطعوم والروائح والرؤية والسمع وسائر الإدراكات على سبيل التولّد إذا فعل أسبابها ، وكذلك قوله في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة (ب ، ف ، ١٥٧ ، ١٧)

ـ بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد وكان يوافق النّظّام في دعواه أنّ الإنسان هو الروح دون الجسد الذي فيه الروح ، ويوافق أصحابنا في إبطال القول بالتولّة ، وفي أن الله تعالى هو مخترع الألم عند الضرب ، وأجاز وقوع الضرب من غير حدوث ألم ، وكذا القطع كما أجاز ذلك أصحابنا (ب ، ف ، ٢١٢ ، ١٥)

ـ زعم أكثر القدريّة أنّ الإنسان قد يفعل في نفسه فعلا يتولّد منه فعل في غيره ويكون هو الفاعل لما تولّد ، كما أنّه هو الفاعل لسببه في نفسه (ب ، أ ، ١٣٧ ، ١٢)

ـ زعم معمّر أنّ الأعراض كلّها من فعل الأجسام إمّا طباعا وإمّا اختيارا. وأجاز بشر بن المعتمر أنّ الواحد منّا يصحّ أن يفعل اللون منّا فعل الألوان والطعوم والروائح والإدراكات على سبيل التولّد (ب ، أ ، ١٣٩ ، ١٨)

ـ المعلوم عندنا من عبارة التولّد أن يخرج جسم من جوف جسم ، كما يخرج الجنين من بطن الأم ، والنبات من الأرض ، وهذا محال في الأعراض. إذ ليس لحركة اليد جوف حتى تخرج منه حركة الخاتم ، ولا هو شيء حاو لأشياء حتى يترشّح منه بعض ما فيه ، فحركة الخاتم ، إذا لم تكن كامنة في ذات حركة اليد ، فما معنى تولّدها منه فلا بدّ من تفهيمه (غ ، ق ، ٩٦ ، ٥)

ـ قول (المردار) في التولّد مثل قول أستاذه ، وزاد عليه بأن جوّز وقوع فعل واحد من فاعلين على سبيل التولّد (ش ، م ١ ، ٦٩ ، ٦)

ـ إذا حرّكنا جسما فعند المعتزلة حركة يدنا أوجبت حركة ذلك الجسم ، وهو عندنا باطل. وهذه هي المسألة المشهورة بالتولّد (ف ، م ، ١٥١ ، ٢٧)

ـ إن أرادوا بالتولّد هاهنا أنّ الحركة التي للخاتم كامنة في حركة اليد ، وهي تظهر عند حركة اليد منها ، كما يظهر الجنين في بطن أمّه ، وكما في ما يتوالد. فهو المفهوم من لفظ التوالد (م ، غ ، ٨٦ ، ٣)

ـ أمّا المعتزلة ، فلمّا أثبتوا لبعض الحوادث مؤثّرا غير الله تعالى ، قالوا بأنّ كلّ فعل يصدر عن فاعله بلا توسّط شيء آخر ، كالاعتماد من الحيوان ، يقولون إنّه حصل منه بالمباشرة ؛ وكلّ ما يصدر عنه بتوسّط شيء آخر ، كالحركة التي تصدر عنه بواسطة الاعتماد ، يقولون : إنّه حصل منه بالتولّد (ط ، م ، ٦٠ ، ١٨)

ـ أبا هاشم من المعتزلة قال بأنّ التذكّر السّانح للذّهن من غير قصد لا يولّد العلم التّابع له ؛ لأنّ ذلك إنّما يكون من فعل الله ، والذي يفعله العبد بقصده واختياره فهو تولّد ، لأنّ ذلك العلم يحصل للعبد بسبب ما هو من فعله (ط ، م ، ٦٢ ، ٣)

ـ مذهب المعتزلة أنّ الفاعل يفعل الاعتماد ، ويتولّد من الاعتماد الحركة ، فالفاعل يوجب الحركة بالتولّد فيما هو مباين له ، والاعتماد بالمباشرة ، واحتجاجهم بحسن الأمر والنهي بالفعل (ط ، م ، ٣٣٦ ، ٢)

ـ التولّد باطل ، خلافا للمعتزلة. ـ لنا : إذا دفع زيد جسما وجذبه عمرو ، فإمّا أن تقع حركة بهما ، أو بأحدهما ويبطل بما مرّ (خ ، ل ، ١١٢ ، ١٦)

٤٠٨

ـ التولّد : أن يصير الحيوان بلا أب وأم مثل الحيوان المتولّد من الماء الراكد في الصيف (ج ، ت ، ٩٨ ، ٨)

تولية

ـ إنّا نقول : صار إماما بعقدهم له ، فأمّا القول بأنّهم ولّوه ، فموهم ، لأنّ هذه الكلمة إنّما تطلق على من يختصّ بصفة يولّى معها ، فلذلك يقال في الإمام : إنّه يولّي الأمراء أو القضاة ولا يقال في المسلمين إنّهم يولّون الأئمة ، وهذا كلام في عبارة ، وإنّما يحلّ فعلهم في كونه إماما محل أن يقول الإمام لجماعة من الناس : ولّوا عني أميرا ، فمتى ولّوه صار أميرا. والأقرب أن يقال : إن تولّيته من فعل الإمام لا من قبلهم ، ولذلك إنّما يصير إماما بأمر الله وأمر رسوله ، وإن كان من بايع له قد صار إماما ببيعته على ما تقدّم القول فيه ، وبهذا الوجه جوّزنا أن يقال في أبي بكر : خليفة رسول الله ، وشرّعت الصحابة إطلاقه ، لمّا كانت التولية كأنّها من قبله عليه‌السلام (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٧٥ ، ٢)

توليد

ـ التوليد على ضربين ، أحدهما : أن يكون متعدّيا عن محلّ القدرة ، والآخر لا يكون متعدّيا. فإن لم يتعدّ عن محلّ القدرة لزم ما ذكرناه في المباشر ، وإن كان متعدّيا عن محلّ القدرة فالذي يتعدّى به الفعل عن محلّ القدرة ليس إلّا الاعتماد ، والاعتماد مما لا خطر له في توليد الجسم (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ١١)

ـ قد بيّنا من قبل أنّه لا بدّ من إثبات مباشر وإلّا لم يصحّ القول بالتوليد ، لأنّ إثبات جميعه متولّدا يوجب إثبات ما لا نهاية له ، وإثبات جميعه مباشرا يوجب ألا يقع المتولّد بحسب أحواله فوجب إثباتهما جميعا ، ولا يجب أن تثبت كل الأجناس متولّدا ولا كلها مباشرا ، بل يجب كونه موقوفا على الدلالة (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ١٦)

ـ إنّ من حق التوليد أو يكون المسبّب فيه بحسب السبب ، وألّا يجوز في الأسباب أن تكون مولّدة لمسبّب واحد. وليس كذلك حال الدليل ؛ لأنّ جملة من الفعل قد تدلّ ، ولا يدلّ البعض منه ، كما نقوله في دلالة الفعل المحكم (ق ، غ ١٥ ، ٣٧٣ ، ١٠)

ـ من شروط توليد الشيء غيره أن يعلم حدوث ما هو سبب وحدوث غيره بحسبه على وجه لو لا حدوثه لما حدث المسبّب (أ ، ت ، ١١٢ ، ١٢)

ـ التوليد : هو أن يحصل الفعل عن فاعله بتوسّط فعل آخر كحركة المفتاح بحركة اليد (ج ، ت ، ٩٨ ، ٦)

توليد السبب

ـ ليس يمكن أن نجعل توليد السبب من جهتنا لأجل أنّا قادرون بقدر ، لأنّ عند وجود السبب قد تعدم القدرة ، وقد يطرأ العجز عليها ، ولا يخرج ـ مع ذلك ـ السبب عن التوليد ، فكيف نجعل توليدها لأجلها؟!! وعلى مثل هذه الطريقة بيّنا أنّ عند وجود المجاورة لا بدّ من وجود التأليف ، وأنّه لا وجه لوجوب ذلك إلّا أنّها سببه ومولّدة له ، لأنّ سائر وجوه التعلّق مفقودة ، فإذا وجدت من أي فاعل كان ، فيجب وجود التأليف. يبيّن ذلك أنّه إذا كان أحد المتجاورين رطبا والآخر يابسا ، فلا بدّ من حصول الالتزاق بينهما وهو تأليف على وجه (أ ، ت ، ٥٨٤ ، ٨)

٤٠٩

توليد العلم

ـ أمّا النظر فإنّه يولّد العلم متى تعلّق بالدليل ، وكان الناظر عالما به على الوجه الذي يدلّ على المدلول ونظر فيه على هذا الوجه ، ومتى لم يكن الناظر بهذه الصفة ولا كان النظر متعلّقا على هذا الوجه لم يولّد العلم (ق ، غ ٩ ، ١٦١ ، ٤)

توهّم

ـ أمّا التوهّم : فالمرجع به إلى ظنّ مخصوص. والظنّ ، فهو المعنى الذي إذا وجد في أحدنا أوجب كونه ظانّا ، والواحد منّا يفصل بين كونه ظانّا وبين غيره من الصفات ، نحو كونه مريدا أو كارها أو ما يجري مجراهما. وقد اختلف الشيخان في ذلك ؛ فعند شيخنا أبي علي أنّه جنس برأسه سوى الاعتقاد وهو الصحيح ، وعند الشيخ أبي هاشم المرجع به إلى اعتقاد مخصوص. والذي يدلّ على فساد مذهبه ، أنّه لو كان من قبيل الاعتقاد لكان لا يحسن من الله تعالى أن يتعبدنا بشيء من الظنون ، ومعلوم أنّه قد تعبدنا بكثير من الظنون نحو الاجتهادات في جهة القبلة وغير ذلك. وإنّما قلنا هذا هكذا ، لأنّه ما من اعتقاد يفعله الواحد منّا إلّا ويجوز أن يكون معتقده على ما هو به ويجوز خلافه ، والتكليف بما هذا حاله قبيح (ق ، ش ، ٣٩٥ ، ٧)

ـ من جملة ما يفرّقون به بين الكافر والعاجز قولهم إنّ الكافر متوهّم منه الإيمان وليس كذلك العاجز. وهذا في الفساد كالأوّل ، وذلك لأنّه يقال لهم : أيتوهّم منه الإيمان وحالته هذه أو بأن تتغيّر حاله؟ فإن قالوا : يتوهّم منه وحالته هذه ، فقد توهّموا المستحيل الممتنع لأنّ مع عدم القدرة لو جاز أن يتوهّم منه الإيمان لجاز أن يتوهّم من العاجز. وإن قالوا : بأن تتغيّر حاله ، قلنا : فقد زال الفرق بينه وبين العاجز لأنّ العاجز أيضا لو تغيّرت حاله لصحّ منه الإيمان. وبعد فإنّ التوهّم ظنّ ولهذا لا يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم أن النبيّ صلّى الله عليه يدخل الجنّة ، لمّا كان ذلك مقطوعا به. وكذلك فلا نتوهّم أن فرعون يدخل النار لمّا كان مقطوعا به. فإذا ثبت أن التوهّم ظنّ فكيف يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم الإيمان من الكافر ، مع القطع على أنّه لا يقع منه الإيمان وحاله على ما هو عليه؟ وأيضا فإذا كان التوهّم ظنّا فمعلوم أنّه لا يقع منه الإيمان بهذا الظنّ ولو توهّم متوهّم في العاجز أنّه يصحّ منه الإيمان لم يصر كذلك بتوهّمه ، فصار إنّما يصحّ وقوع الإيمان منه لقدرة قد عدمها لا لتوهّم الذي يتوهّم ذلك. وقد عدم الكافر هذه القدرة. فبطل ما راموه من الفرق (ق ، ت ٢ ، ٦٠ ، ٧)

ـ إنّ التصوّر والتوهّم يرجع بهما إلى الظنّ (ق ، ت ٢ ، ٨٠ ، ٣)

ـ الظنّ والتوهّم الذي لا يقطع بحقيقته إلّا مجنون (ح ، ف ٥ ، ١٧ ، ١٥)

تيسّر

ـ إنّا (أصحاب الشهرستاني) وإن لم نثبت إيجادا وإبداعا في الشاهد ، إلّا أنّا نحسّ في أنفسنا تيسّرا وتأتّيا وتمكّنا من الفعل ، وبذلك الوجه امتازت حركة المرتعش عن حركة المختار ، وهذا أمر ضروريّ (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٦)

٤١٠

ث

ثبوت الشيء

ـ إنّ ثبوت الشيء دالّ على انتفاء ضدّه ، ووجوب الشيء دالّ على استحالة ضدّه. وهذا أصل متقرّر ، فإذا صحّ ذلك وكنّا قد عرفنا وجوب هذه الصفات لله جلّ وعزّ فيجب أن تستحيل عليه أضدادها ، لا سيّما إذا كان وجوبها لأمر يستحيل خروج الذات عنه وهو ما تقدّم من أنّها للذات تستحقّ. وإذا كانت كذلك جرت في امتناع خروج الباري تعالى عنها مجرى استحالة خروج السواد عن كونه سوادا حيث استحقّه للنفس (ق ، ت ١ ، ١٩١ ، ١٠)

ثقل

ـ الثقل هو الثقيل وكذلك الخفّة هو الخفيف وإنّما يكون الشيء أثقل بزيادة الأجزاء ، وهذا قول جمهور المعتزلة وهو قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١٥)

ـ إنّ الثقل هو الثقيل نفسه ، وإنّه لا يصحّ كون جزء أثقل من جزء ولا خفيف أخفّ من خفيف إلّا بالإضافة إلى ما هو أثقل منه أو أخفّ (أ ، م ، ٢٤٦ ، ٣)

ثقيل

ـ إنّ الخفيف من شأنه العلو وإنّ الثقيل من شأنه الانحدار إلى أسفل ، إنّ الخفيف أن خلي وما طبعه الله عليه (علا ولحق بأعلى عالمنا هذا وإنّ الثقيل إن خلي وما طبعه الله عليه) نزل ولحق بأسفل عالمنا هذا ، لا أنّه يثبت في العلو وفي السفل عالمين سوى عالمنا هذا يلحق بهما الخفيف والثقيل إذا خلّيا وما طبعا عليه (خ ، ن ، ٣٦ ، ١٥)

ـ اختلفوا في الثقل والخفّة فأنكرهما أبو الحسن الأشعري وقال إنّ الثقيل إنّما يثقل على غيره بزيادة أجزائه والخفيف يكون أخفّ من غيره بقلّة أجزائه ، وأثبت القلانسي الثقل عرضا غير الثقيل وبه قال ابن الجبائي مع نفيه كون الخفّة معنى (ب ، أ ، ٤٥ ، ١٨)

ثمن

ـ إنّ السعر شيء والثمن شيء آخر غيره ، فالسعر هو ما تقع عليه المبايعة بين الناس ، والثمن هو الشيء الذي يستحقّ في مقابله المبيع. ثم إنّ السعر يوصف بالغلاء مرّة وبالرخص أخرى ، فالرخص هو بيع الشيء بأقل مما اعتيد بيعه في ذلك الوقت وفي ذلك البلد ، والغلاء بالعكس من ذلك. ولا بدّ من اعتبار البلد والوقت فتأثيرهما مما لا يخفى (ق ، ش ، ٧٨٨ ، ٥)

ـ الثمن هو الذي يؤخذ عوضا عمّا يخرجه أحد المتعاقدين (ق ، ت ٢ ، ٤٣٥ ، ٤)

ثنوية

ـ مذهب الثنوية حيث زعموا أنّ القادر على الخير يقع ذلك منه طباعا ولا يقدر على خلافه وكذلك القادر على الشرّ (ق ، ت ٢ ، ٧٣ ، ٣)

ثنيا

ـ إنّ الإرجاء هو الوقف في الجواب والإمهال للنظر ، ثم لا يقطعون في أنفسهم القول بالإيمان بل يستثنون ، والثنيا إرجاء (م ، ح ، ٣٨٥ ، ٤)

٤١١

ثواب

ـ قال" إبراهيم النظّام" لا يكون الثواب إلّا في الآخرة وإن ما يفعله الله سبحانه بالمؤمنين في الدنيا من المحبّة والولاية ليس بثواب لأنّه إنّما يفعله بهم ليزدادوا إيمانا وليمتحنهم بالشكر عليه (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ٧)

ـ قال سائر المعتزلة إن الثّواب قد يكون في الدنيا وأنّ ما يفعله الله سبحانه من الولاية والرضى على المؤمنين فهو ثواب (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٠)

ـ إنّ الطاعة ليست بعلّة الثواب ، ولا المعصية علّة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله (ب ، ن ، ٤٨ ، ١٩)

ـ إننا لا نقول أنّ المدح والثواب ، ولا الذمّ والعقاب يحصل بفعل الفاعل منّا ؛ حتى يوجب ذلك كونه خلقا له واختراعا ، بل نقول : إنّ ذلك يحصل بحكم الله تعالى ، ويجب ويستحق بحكمه لا [بأن] يوجب الواجب عليه خلق [فعل] أوجبه عليه (ب ، ن ، ١٥٥ ، ٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الثواب والعقاب المتعلّقين على الأكساب خيرها وشرّها وإيمانها وكفرها ممّا تعلّق بها خبرا لا عقلا. وكان يقول إنّهما غير واجبين من جهة العقول بل إنّما قلنا إنّه يعاقب من مات على الكفر لا محالة عقابا دائما مؤبّدا خبرا مقرونا بالإجماع المضطرّ إلى عمومه ، ومن مات على الإيمان مجتنبا للكبائر فإنّه يثاب ثوابا دائما لا محالة أيضا من جهة الخبر. وقد قامت الدلالة على أنّ الكذب في خيره محال فآمنّا خلافه وقطعنا بكونهما على الوجه الذي تعلّق بهما الخبر (أ ، م ، ٩٩ ، ٦)

ـ إنّ الثواب من الله تعالى ابتداء فضل غير مستحقّ للمؤمن عليه بعمله ، بل عمل المؤمن بالطاعة له ابتداء فضل منه وتوفيق له ، وإنّه لا يصحّ أن يستحقّ أحد على الله تعالى حقّا بعمله ومن قبله بوجه إلّا ما أوجب الله تعالى للمؤمنين بفضله ابتداء ، لا لسبب متقدّم. وعلى ذلك كان يجوز أن يتفضّل على من لم يعمل ولم يطع فيبلغ به ثواب المطيع ويزيده أيضا ، وأن يتفضّل على أحدهما بأكثر ممّا يتفضّل على غيره (أ ، م ، ١٦٣ ، ٨)

ـ إنّ المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٠)

ـ إنّ المنافع الواصلة إلى الغير إمّا أن تكون مستحقّة أو لا ، فإن لم تكن مستحقّة فهو التفضّل ، وإلّا إن كانت مستحقّة فلا يخلو ؛ إمّا أن تكون مستحقّة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض ، وإن كانت مستحقّة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأما التفضّل فما من حيّ خلقه الله تعالى إلّا وقد تفضّل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان ، والعوض يوصله الله تعالى إلى المكلّف وغير المكلّف ، وأما الثواب فمما لاحظ فيه لغير المكلّف ، والمكلّف مختصّ باستحقاقه (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٦)

ـ أمّا الثواب ، فهو كل نفع مستحقّ على طريق التعظيم والإجلال ، ولا بدّ من اعتبار هذه الشرائط ، ولو لم يكن منفعة وكان مضرّة لم

٤١٢

يكن ثوابا ، ولو لم يكن مستحقّا لم ينفصل عن التفضّل ، وكذلك فلو لم يكن مستحقّا على سبيل التعظيم والإجلال لم ينفصل عن العوض ، وإذا حصل هذه الشرائط كلها فهو ثواب (ق ، ش ، ٧٠٠ ، ٤)

ـ أمّا الثواب والعوض ففي" أصحابنا" من كان يقول إنّه تعالى يريدهما في حال التكليف والإيلام على ما يحكى عن" الإخشيديّة" ظنّا منهم أنّه لا يصير التكليف حسنا من دون هذه الإرادة وكذلك الإيلام. وقد ذكرنا أنّه إذا قدّم الإرادة فقد صار عبثا ، ولأجل ذلك منعنا من جواز العزوم عليه تعالى ، وقد يحسن إذا أراد تغريض المكلّف للثواب. وتغريض المؤلم للعوض بما يفعله من الألم والتكليف ، فكيف تجب إرادته للأمرين قبل وقوعهما؟ (ق ، ت ١ ، ٢٩٦ ، ٨)

ـ أمّا الثواب فلا بدّ من أن يراد به التعظيم والتبجيل ليكون ثوابا ، لأنّه بذلك ينفصل من التفضّل وغيره ، فلا بدّ من أن يراد إحداثه على الوجه الذي استحقّ عليه النفع عن المستحقّ ، ولا يكون تفضّلا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٩ ، ٣)

ـ أمّا الثواب فإنّما يحسن منه لأنّه نفع في الحقيقة فيخلقه لينفع به غيره ، وإن كان من حيث كان مستحقّا يصير واجبا (ق ، غ ١١ ، ٨٥ ، ١٢)

ـ نقول في التكليف : إنّه يكون تفضّلا ، وفي الثواب : إنّه واجب ، وإن كان القديم متفضّلا به ، من حيث تفضّل بسببه على وجه مخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢١٨ ، ٢١)

ـ إنّ الثواب إنّما يستحقّ على الفعل ، متى اختصّ في نفسه بما يقتضي كونه واجبا أو ندبا ، وعلم العاقل من حاله ذلك ، وفعله لم حسن ووجب في عقله. ولا يعتبر في ذلك سوى ما بيّناه ، إذا كان الفعل شاقّا. وإنّما يرجع فيما عدا هذا الوجه إلى السمع ؛ فربما ورد بأنّه إذا أدّى الفعل على جهة الطاعة والتقرّب ، استحقّ به الثواب إذا كان ذلك جهة لوجوبه ولكونه مصلحة وربما ورد السمع بأن ما يستحقّ به من الثواب يزداد إذا أدّاه على هذا الوجه. فأمّا أن نجعل ذلك شرطا في استحقاق الثواب بالعقل ، فمحال. ولو صحّ ذلك ، لوجب أن يجعل شرطا في استحقاق المدح به. وإذا لم يثبت ذلك في المدح ، فكذلك في الثواب لأن شرائطهما تتّفق ولا تختلف إذا كان تعلّقهما بالفعل على وجه واحد. وإنّما يختصّ استحقاق الثواب بالمشقّة ، لأنّ لها من الحكم معه ما ليس لها مع المدح (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٩ ، ٦)

ـ الثواب إنّما يجب لكونه جرّأ على فعل ما كلّف وألزم (ق ، غ ١٤ ، ٥٤ ، ١١)

ـ أمّا الثواب فإنّه يستحقّ بالواجب ، لما ذكرناه من الشروط ، لأنّ فاعله يشقّ عليه فعله ، أو يصير في حكم الشاق ، فلذلك يستحقّ القديم تعالى المدح ، ولا يجوز أن يستحقّ الثواب ، لمّا لم يجب عليه الواجب بإيجاب من جعله شاقّا ، بل يستحيل عليه الشاقّ (ق ، غ ١٤ ، ١٧٩ ، ٧)

ـ إنّ الثواب إنّما يكون على الطاعة والطاعة موافقة الأمر ، والعقاب إنّما يكون على المعصية والمعصية موافقة النهي ومخالفة الأمر (ب ، أ ، ٢٥ ، ٢)

ـ الثواب عند أهل الحق ليس بحق محتوم ، ولا جزاء مجزوم ، وإنّما هو فضل من الله تعالى (ج ، ش ، ٣٢١ ، ٤)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الثواب حتم على الله

٤١٣

تعالى ، والعقاب واجب على مقترف الكبيرة إذا لم يتب عنها. ولا يجب العقاب عند الأكثرين وجوب الثواب ؛ لأنّ الثواب لا يجوز حبطه والعقاب يجوز إسقاطه عند البصريين وطوائف من البغداديين ؛ ولكن المعنى بكونه مستحقا عندهم أن يحسن لوقوعه مستحقّا ، ولو لم يكن كذلك لما حسن العقاب على التأبيد ، فهذا حقيقة أصلهم (ج ، ش ، ٣٢١ ، ٨)

ـ الثواب هو الجزاء على الأعمال الحسنة ، والعوض هو البدل عن الفائت كالسلامة التي هي بدل الألم (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٧)

ـ وجوب النظر سمعيّ ، خلافا للمعتزلة وبعض الفقهاء من الشافعيّة والحنفيّة. لنا قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥) ، ولأنّ فائدة الوجوب الثواب والعقاب ، ولا يقبح من الله تعالى شيء من أفعال ، فلا يمكن القطع بالثواب والعقاب من جهة العقل ، فلا يمكن القطع بالوجوب (ف ، م ، ٤٢ ، ١٥)

ـ الثواب أمر أخصّ من المنافع والنعيم لأنّه منافع يقترن بها التعظيم والتبجيل ، وهذا الأمر الأخصّ لا يحسن إيصاله إلّا إلى أرباب العمل (أ ، ش ٢ ، ١٢١ ، ٢٢)

ـ مذهب أصحابنا أنّ الله تعالى لمّا كلّف العباد التكاليف الشاقّة وقد كان يمكنه أن يجعلها غير شاقّة عليهم بأن يزيد في قدرهم ، وجب أن يكون في مقابلة تلك التكاليف ثواب ، لأنّ إلزام الشاقّ كإنزال المشاق ، فكما يتضمّن ذلك عوضا وجب أن يتضمّن هذا ثوابا ، ولا بدّ أن يكون في مقابلة فعل القبيح عقاب ، وإلّا كان سبحانه ممكنا الإنسان من القبيح مغريا له بفعله ، إذ الطبع البشري يهوى العاجل ولا يحفل بالذمّ ، ولا يكون القبيح قبيحا حينئذ في العقل ، فلا بدّ من العقاب ليقع الانزجار (أ ، ش ٤ ، ٤٠٨ ، ٢٤)

ـ البصريّة : والثواب واجب على الله لاستحقاقه عقلا وسمعا. البلخيّ : لا بل وجوب جود. قلنا : يستلزم قبح التكليف الشاق (م ، ق ، ١٢١ ، ٦)

ـ الثواب والعقاب مستحقّان. الكراميّة وابن الراونديّ : سمعا فقط. قلنا : خلق الحكيم شهوة القبيح يستلزم حسن المعاقبة عليه وإلّا كان مغريا به ، ثم إنّ الإيجاب لمجرّد الإثابة لا يحسن إذ لا يجب طلب النفع ، فلا بدّ من وجه للإيجاب وهو التحرّز من المضار. قلت : إلّا أنّ هذا مركّب من العقل والسمع. قاضي القضاة : استحقاق العقاب يعلم عقلا والشرع مؤكّد. أبو رشيد : ويجوز دلالة الشرع عليه. لنا : إنّما وجبت المعرفة ليحصل بها اجتناب المعاصي ، وثمرته التحرّز من العقاب ، فمهما لم يعلم استحقاقه لم يصحّ ذلك (م ، ق ، ١٢١ ، ٩)

ثواب التوبة

ـ إنّ الإنسان إذا وقع منه القبيح ثم ساءه ذلك وندم عليه وتاب حقيقة التوبة ، كفّرت توبته معصيته ، فسقط ما كان يستحقّه من العقاب وحصل له ثواب التوبة. وأمّا من فعل واجبا واستحقّ به ثوابا ثم خامره الإعجاب بنفسه ، والإدلال على الله تعالى بعلمه ، والتيه على الناس بعبادته واجتهاده ، فإنّه يكون قد أحبط ثواب عبادته بما شفعها من القبيح الذي أتاه ، وهو العجب والتيه والإدلال على الله تعالى ، فيعود لا مثابا ولا معاقبا لأنّه يتكافأ الاستحقاقان ، ولا ريب أنّ من حصل له

٤١٤

ثواب التوبة وسقط عنه عقاب المعصية خير ممّن خرج من الأمرين كفافا لا عليه ولا له (أ ، ش ٤ ، ٢٦٤ ، ١٨)

ثواب على فعل وعدمه

ـ هل استحقّ الثواب والعقاب على الفعل وعدمه : فعند أبي علي ، أنّ الثواب والعقاب لا يستحقّ إلّا على الفعل ، فأمّا على أنّه لا يفعل فلأنّنا على قوله إنّ القادر بالقدرة لا يخلو من الأخذ والترك. وأمّا عند أبي هاشم ، فإن لا يفعل كالفعل في أنّه جهة الاستحقاق وهو الصحيح من المذهب (ق ، ش ، ٦٣٨ ، ٦)

٤١٥

ج

جائز

ـ الجائز ما لا ضروريّ في وجوده ولا عدمه (ش ، ن ، ١٥ ، ٥)

جارحة

ـ إن قالوا أليس في عدم الجارحة عدم الفعل ، قيل لهم في عدم الجارحة عدم القدرة ، وفي عدم القدرة عدم الاكتساب ، لأنّها إذا عدمت عدمت القدرة ، فلعدم القدرة ما استحال الكسب إذا عدمت الجارحة ، لا لعدم الجارحة ، ولو عدمت الجارحة ووجدت القدرة لكان الاكتساب واقعا ، ولو كان إنّما استحال الاكتساب لعدم الجارحة ، لكان إذا وجدت وجد الكسب. فلمّا كانت توجد ويقارنها العجز وتعدم القدرة فلا يكون كسب ، علم أنّ الاكتساب إنّما لم يقع لعدم الاستطاعة لا لعدم الجارحة (ش ، ل ، ٥٧ ، ١)

ـ اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلّا جارحة (ش ، ب ، ١٠٣ ، ٨)

ـ زعمت" المشبّهة" : أنّ لله يدين على معنى الجارحة ، وأثبتت له وجها على معنى العضو (ع ، أ ، ١٣ ، ١٧)

ـ الكلابيّة : ويوصف بأنّ له يدين ووجها وجنبا وعينا ، لا بمعنى الجارحة ، بل صفات. قلنا : لا يعقل إلّا بمعنى الجارحة ، كلو قيل : يتحرّك على وجه يعقل (م ، ق ، ٩٠ ، ٣)

جاري مجرى الضد

ـ الجاري مجرى الضدّ هو مثل ما نقول في التأليف مع التفريق ، فإنّ التفريق جار مجرى ضدّ التأليف من حيث ينافي ما يحتاج التأليف في الوجود إليه ، وكذلك الحياة مع التفريق ؛ فإنّ الحياة تحتاج في وجودها إلى بنية وهي تبطل بالتفريق (ن ، د ، ٤٠٩ ، ١٥)

جاعل

ـ إنّا لمّا اعترفنا بأنّ الفعل واجب الحصول عند مجموع القدرة والداعي ، فقد اعترفنا بكون العبد فاعلا وجاعلا فلا يلزمنا مخالفة ظاهر القرآن وسائر كتب الله تعالى (ف ، أ ، ٦٢ ، ١١)

جاهل

ـ الكلام موضوع للفائدة. ولا وجه لاختلاف العبارات مع اتّفاقها ؛ لأنّ الفروق إذا عقلت صحّت التفرقة بين العبارات. فأمّا إذا كان لا فرق البتّة فلا وجه في ذلك ، سيّما إذا لم يقترن بذلك ما يتّصل بدواعي التكليف. فإذا ثبت ذلك ، وعلمنا أنّ بين أن تسكن نفس المعتقد إلى معتقده ، وبين ألا تسكن نفسه إليه ، فرقا ، صحّ أن نصف الأول بأنّه عالم ، والثاني بأنّه معتقد وليس بعالم. ثم وجدنا من لم تسكن نفسه إلى ما اعتقد يكون معتقده على ما هو به ، وعلى ما ليس هو به ؛ والحكم في ذلك مختلف ، كما أنّ الحقيقة مختلفة. فوصفنا الأول بأنّه مقلّد أو مبخّت ، والثاني بأنّه جاهل ، ووصفنا المعاني بحسب ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٨ ، ١)

٤١٦

جبر

ـ ذكر شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، أنّ أوّل من قال بالجبر وأظهره معاوية ، وأنّه أظهر أنّ ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ، ليجعله عذرا فيما يأتيه ، ويوهم أنّه مصيب فيه ، وأنّ الله جعله إماما وولّاه الأمر ؛ وفشى ذلك في ملوك بني أميّة. وعلى هذا القول قتل هشام بن عبد الملك غيلان رحمه‌الله. ثم نشأ بعدهم يوسف السمتي فوضع لهم القول بتكليف ما لا يطاق ، وأخذ هذا القول عن ضرير كان بواسط زنديقا نبويا (ق ، غ ٨ ، ٤ ، ٣)

ـ أمّا الجبر ، فإنّما يستعمل في الضرورة. ولذلك لا يقال فيمن يختار فعله إنّه مجبور (ق ، غ ٨ ، ١٦٨ ، ٣)

ـ جبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٢)

جبري

ـ المعتزلة يسمّون من لم يثبت للقدرة الحادثة أثرا في الإبداع والإحداث استقلالا جبريّا. ويلزمهم أن يسمّوا من قال من أصحابهم بأنّ المتولّدات أفعال لا فاعل لها جبريّا (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٧)

جبري الآخرة

ـ قوله (أبو الهذيل العلّاف) في القدر مثل ما قاله أصحابه ، إلّا أنّه قدريّ الأولى جبريّ الآخرة فإنّ مذهبه في حركات أهل الخلدين في الآخرة أنّها كلها ضروريّة لا قدرة للعباد عليها. وكلّها مخلوقة للباري تعالى ؛ إذ لو كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلّفين بها (ش ، م ١ ، ٥١ ، ٦)

جبرية

ـ الجبرية المعروفة عندنا هم الذين يلقبوا بالجبر ، وأحالوا القدرة على ما في الفعل جعل الله كذبا ، وأرجعوا جميع الأفعال إلى الله ، ولم يثبتوا للعباد في التحقيق فعلا (م ، ح ، ٣١٩ ، ١٨)

ـ إنّ القدرية تحقق قدر أفعال الخلق للخلق ، لا تجعل لله فيها مشيئة ولا تدبيرا ، والجبرية أرجأها إلى الله تعالى ، / لم تجعل للخلق فيها حقيقة البتة ، فحملت الجبرية كل قبيح وذميم (م ، ح ، ٣٨٤ ، ١٥)

ـ الجبرية أصناف. فالجبرية الخالصة : هي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا. والجبرية المتوسّطة : هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلا (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٢)

ـ إن قيل المقدور هو وجود الفعل ، إلّا أنّه يلزمه ذلك الوجه المكلّف به لا مقصودا بالخطاب. قيل لا يغنيكم هذا الجواب ، فإنّ التكليف لو كان مشعرا بتأثير القدرة في الوجود ، كان المكلّف به هو الوجود من حيث هو وجود لا غير ، ولكن تقدير الخطاب أوجد الحركة التي إذا وجدت يتبعها كونها حسنة ، وعبادة وصلاة وقربة ، فما هو مقصود بالخطاب غير موجود بإيجاده ، فيعود الإلزام عكسا عليكم افعل يا من لا يفعل فليت شعري أي فرق. بين مكلّف به لا يندرج تحت قدرة المكلّف ولا يندرج تحت قدرة غيره ، وبين مكلّف به اندرج تحت قدرة المكلّف من جهة ما كلّف به واندرج تحت قدرة غيره من جهة ما لم يكلّف به ، أليس القضيتان لو عرضتا على محكّ العقل كانت الأولى أشبه بالجبر ، فهم قدريّة من حيث أضافوا الحدوث والوجود إلى قدرة العبد إحداثا وإيجادا وخلقا ،

٤١٧

وهم جبريّة من حيث لم يضيفوا الجهة التي كلّف بها العبد إلى قدرته كسبا وفعلا (ش ، ن ، ٨٦ ، ٦)

جبلة

ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للجارود إذ أخبره أنّ فيه الحلم والأناة ، فقال له الجارود الله جبلني عليهما يا رسول الله أم هما كسب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل الله جبلك عليهما ومثل هذا كثير ، وكل هذه الألفاظ أسماء مترادفة بمعنى واحد عندهم وهو قوّة في الشيء يوجد بها على ما هو عليه ، فاضطرب ولجأ إلى أن قال ، أقول بهذا في الناس خاصة ، فقلت له وأنّي لك بالتخصيص ، وهذا موجود بالحسّ وببديهة العقل في كل مخلوق في العالم فلم يكن عنده تمويه (ح ، ف ٥ ، ١٥ ، ١٧)

جزء

ـ إنّ الجزء محتمل لجميع أجناس الأعراض (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٧)

ـ قال" النظّام" : لا جزء إلّا وله جزء ولا بعض إلّا وله بعض ولا نصف إلّا وله نصف ، وإنّ الجزء جائز تجزئته أبدا ولا غاية له من باب التجزّؤ (ش ، ق ، ٣١٨ ، ٦)

ـ ذهب شيخنا أبو هاشم إلى أنّ لكل جزء قسطا من المساحة. وقال أبو القاسم إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ لا يجوز أن يقال أنّ له قسطا من المساحة (ن ، م ، ٥٨ ، ٦)

ـ معنى الجزء إنّما هو أبعاض الشيء ، ومعنى الكل إنّما هو جملة تلك الأبعاض ، فالكل والجزء واقعان في كل ذي أبعاض ، والعالم ذو أبعاض ، هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها ، فالعالم كل لأبعاضه وأبعاضه أجزاء له ، والنهاية كما قدّمنا لازمة لكل ذي كل وذي أجزاء (ح ، ف ١ ، ١٧ ، ١٠)

ـ الكلّ هو جزءان. والجزء هو أحدهما ولا يحتاج في أنّ الشّيء مع غيره أكثر منه وحده إلى أن يعرف أنّ لأحد الجزءين أثرا أو لا (ط ، م ، ٢٨ ، ١٧)

جزء لا يتجزّأ

ـ إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ جسم يحتمل الأعراض (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٥)

ـ إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ إذا جامع جزءا آخر لا يتجزّأ فكل واحد منهما جسم في حال الاجتماع لأنه مؤتلف بالآخر ، فإذا افترقا لم يكونا ولا واحد منهما جسما ، وهذا قول بعض البغداديين (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ٢)

ـ إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق ، وأنّه قد يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره وأنّ الخردلة يجوز أن تتجزّأ نصفين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزّأ ، وأجاز أبو الهذيل على الجزء الذي لا يتجزّأ الحركة والسكون والانفراد وأن يماسّ ستة أمثاله بنفسه ، وأن يجامع غيره ويفارق غيره ، وأن يفرده [الله] فتراه العيون ، ويخلق فينا رؤية له وإدراكا له ، ولم يجز عليه اللون والطعم والرائحة والحياة والقدرة والعلم ، وقال لا يجوز ذلك إلّا للجسم ، وأجاز عليه من الأعراض ما وصفنا (ش ، ق ، ٣١٤ ، ١٣)

ـ الجزء الذي لا يتجزّأ : جوهر ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا لا بحسب الخارج ولا بحسب

٤١٨

الوهم أو الفرض العقليّ. تتألّف الأجسام من أفراده بانضمام بعضها إلى بعض كما هو مذهب المتكلّمين (ج ، ت ، ١٠٧ ، ١٢)

جزءان لا يتجزّءان

ـ زعم بعض المتكلمين أنّ الجزءين اللذين لا يتجزّءان يحلّهما جميعا التأليف ، وأنّ التأليف الواحد يكون في مكانين ، وهذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ٧)

جسم

ـ قول" الشحّام" : .. إنّ الجسم في حال كونه موجود مخلوق (ش ، ق ، ١٦٢ ، ١٦)

ـ إنّ الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومجسّة وغير ذلك ، وأنّ الأعراض قد يجوز أن تنقلب أجساما (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٦)

ـ الجسم هو ما احتمل الأعراض كالحركات والسكون وما أشبه ذلك (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٣)

ـ الجسم إنّما كان جسما للتأليف والاجتماع (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ١)

ـ معنى الجسم أنّه مؤتلف وأقلّ الأجسام جزءان (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ٥)

ـ قال" أبو الهذيل" الجسم هو ما له يمين وشمال وظهر وبطن وأعلى وأسفل ، وأقلّ ما يكون الجسم ستة أجزاء أحدهما يمين والآخر شمال وأحدهما ظهر والآخر بطن وأحدهما أعلى والآخر أسفل (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ١٦)

ـ قال" معمّر" : (الجسم) هو الطويل العريض العميق ، وأقلّ الأجسام ثمانية أجزاء ، فإذا اجتمعت الأجزاء وجبت الأعراض ، وهي تفعلها بإيجاب الطبع ، وأنّ كل جزء يفعل في نفسه ما يحلّه من الأعراض (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ٩)

ـ قال" هشام بن عمرو الفوطي" أنّ الجسم ستة وثلثون جزءا لا يتجزّأ وذلك أنّه جعله ستة أركان ، وجعل كل ركن منه ستة أجزاء ، فالذي قال أبو الهذيل أنّه جزء جعله هشام ركنا (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١)

ـ قال قائلون : الجسم الذي سمّاه أهل اللغة جسما هو ما كان طويلا عريضا عميقا ولم يحدّوا في ذلك عددا من الأجزاء ، وإن كان لأجزاء الجسم عدد معلوم (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ٨)

ـ قال" هشام بن الحكم" : معنى الجسم أنّه موجود ، وكان يقول إنّما أريد بقولي جسم أنّه موجود وأنّه شيء وأنّه قائم بنفسه (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١٠)

ـ قال" النظّام" : الجسم هو الطويل العريض العميق ، وليس لأجزائه عدد يوقف عليه ، وأن لا نصف إلا وله نصف ، ولا جزء إلّا وله جزء (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١٣)

ـ الجسم هو الجوهر والأعراض التي لا ينفكّ منها ... يقول : الجسم هو المكان ويعتلّ في البارئ تعالى أنّه ليس بجسم بأنّه لو كان جسما لكان مكانا ، ويعتلّ أيضا بأنّه لو كان جسما لكان له نصف (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١٦)

ـ قال" ضرّار بن عمرو" : الجسم أعراض ألّفت وجمعت فقامت وثبتت فصارت جسما يحتمل الأعراض إذا حلّ (؟) والتغيير من حال إلى حال (ش ، ق ، ٣٠٥ ، ٥)

ـ الجسم إنّما هو اخلاط كنحو الطعم واللون والرائحة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذا وكذا (ش ، ق ، ٥٦٧ ، ٩)

ـ إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله تعالى

٤١٩

جسما ، قيل له أنكرنا ذلك لأنّه لا يخلو أن يكون القائل لذلك أراد ما أنكرتم أن يكون طويلا عريضا مجتمعا أو أن يكون أراد تسميته جسما وإن لم يكن طويلا عريضا مجتمعا عميقا (ش ، ق ، ١٠ ، ١)

ـ إنّ الجسم لمّا لم يسبق المحدثات وجب حدوثه بدخوله في معنى الحدث ، وليس يجب إذا دخل في الحدث بمشاركة المحدثات في معنى الحدث ، إذا كان من المحدثات ما هو حركة أن يكون الجسم حركة ، وإذا كان منها ما هو جسم (لا) يجب أن تكون الحركة جسما ، إذ لم يكونا يستويان في معنى جسم وحركة واستويا في معنى الحدوث (ش ، ل ، ٤٢ ، ٨)

ـ الجسم في الشّاهد أنّه اسم ذي الجهات ، أو اسم محتمل النهايات ، أو اسم ذي الأبعاد الثلاثة (م ، ح ، ٣٨ ، ٤)

ـ أمّا الجسم فهو اسم لكل محدود ، والشيء إثبات لا غير ، وفي وجود العالم على ما عليه دليل الإثبات ؛ لذلك قيل بالشيء ، وفيه ـ إذ هو متناه لا من حيث الشيئية [بل من] حيث الحد ـ دليل نفي الحدّ عن الله جلّ ثناؤه. إلا أن يراد بالحدّ الوحدانيّة والربوبيّة ، فهو كذلك ، وحرف الحدّ ساقط لأنّه يغلب في الدلالة على نهاية الشيء من طريق العرض ونحو ذلك مما يتعالى عن ذلك ، وذلك معنى الجسم في الشاهد. وفيه أيضا إيجاب الجهات المحتمل كل جهة أن يكون أطول منها وأعرض وأقصر ، فلذلك بطل القول بذلك ، ولا قوة إلا بالله (م ، ح ، ١٠٤ ، ١٣)

ـ إنّ حقيقة الجسم أنّه مؤلّف مجتمع بدليل قولهم : رجل جسيم ، وزيد أجسم من عمرو ، وعلما بأنّهم يقصرون هذه المبالغة على ضرب من ضروب التأليف في جهة العرض والطول ، ولا يوقعونها بزيادة شيء من صفات الجسم سوى التأليف ؛ فلمّا لم يجز أن يكون القديم مجتمعا مؤتلفا ، وكان شيئا واحدا ، ثبت أنّه تعالى ليس بجسم (ب ، ت ، ١٤٨ ، ٢٢)

ـ الجسم في اللغة هو : المؤلّف المركّب. يدل على ذلك قولهم : رجل جسيم وزيد أجسم من عمرو ، وهذا اللفظ من أبنية المبالغة ، وقد اتفقوا على أنّ معنى المبالغة في الاسم مأخوذ من معنى الاسم ؛ يبيّن ذلك أنّ قولهم : " أضرب" إذا أفاد كثرة الضرب كان قولهم : ضارب مفيدا للضرب ، وكذلك إذا كان قولهم : المؤلّف المركّب مفيدا كثرة الاجتماع والتأليف ، وجب أن يكون قولهم جسم ، مفيدا كذلك (ب ، ن ، ١٦ ، ١٤)

ـ زعم البلخي أنّ معنى أنّ الجسم جسم أنّه طويل عريض عميق محتمل للتأليف والتغيير والزيادة والنقصان وأنّه ذاهب في الجهات (أ ، م ، ٣١٥ ، ١)

ـ إنّ الجسم لا بدّ من أن يكون متحيّزا عند الوجود ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ولا يكون كائنا إلّا بكون (ق ، ش ، ١١٢ ، ٧)

ـ إنّ الجسم ، هو ما يكون طويلا عريضا عميقا ، ولا يحصل فيه الطول والعرض والعمق إلّا إذا تركّب من ثمانية أجزاء ، بأن يحصل جزءان في قبالة الناظر ويسمّى طولا وخطّا ، ويحصل جزءان آخران عن يمينه ويساره منضمّان إليهما ، فيحصل العرض ويسمّى سطحا أو صفحة ، ثم يحصل فوقها أربعة أجزاء مثلها فيحصل العمق ، وتسمّى الثمانية أجزاء المركّبة على هذا الوجه جسما. هذا هو حقيقة الجسم في اللغة. والذي يدلّ عليه ، أنّ أهل اللغة متى

٤٢٠