موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

وعلى النفس دون الجسد (ح ، ف ٥ ، ٦٦ ، ٥)

ـ عنده (معمّر) الإنسان معنى أو جوهر غير الجسد ، وهو عالم ، قادر ، مختار ، حكيم ليس بمتحرّك ، ولا ساكن ، ولا متكوّن ، ولا متمكّن ، ولا يرى ، ولا يمس ، ولا يحس ، ولا يجس ، ولا يحل موضعا دون موضع ، ولا يحويه مكان ، ولا يحصره زمان ، لكنّه مدبّر للجسد. وعلاقته مع البدن علاقة التدبير والتصرّف (ش ، م ١ ، ٦٧ ، ١٥)

ـ الصحيح أنّ الإنسان ليس عبارة عن هذه الجثّة المحسوسة (ف ، أ ، ٨١ ، ٤)

ـ قال الشيخ الغزالي رحمه‌الله ليس الإنسان عبارة عن هذه البنية ، بل هو موجود ليس بجسم ولا بجسمانيّ ، ولا تعلّق له بهذا البدن إلّا على سبيل التدبير أو التصرّف ، فقوله عليه‌السلام إنّ الله خلق آدم على صورته أي ، إنّ نسبة ذات آدم عليه‌السلام إلى هذا البدن كنسبة الباري تعالى إلى العالم ، من حيث أنّ كل واحد منهما غير حال في هذا الجسم وإن كان مؤثّرا فيه بالتصرّف والتدبير (ف ، س ، ١٠٨ ، ٨)

ـ إنّ أكثر المتكلّمين ذهبوا إلى أنّ للإنسان الحيّ الفعّال أجزاء أصليّة في هذه البنية المشاهدة ، وهي أقلّ ما يمكن أن تأتلف منه البنية التي معها يصحّ كون الحيّ حيّا ، وجعلوا الخطاب متوجّها نحوها ، والتكليف واردا عليها ، وما عداها من الأجزاء فهي فاضلة ليست داخلة في حقيقة الإنسان (أ ، ش ٢ ، ١٣١ ، ٢٤)

ـ أكثر المعتزلة : والإنسان هو الجسد الظاهر الحيّ القادر لمعان تحلّه ولا يدخل في جملته إلّا ما حلّته الحياة (م ، ق ، ١٠٣ ، ١)

ـ أبو هاشم : ولا يسمّى إنسانا إلّا ما بني على الشكل المخصوص من لحم ودم. أبو علي : ولو من حجر. الحاكم : وهو خلاف لغوي (م ، ق ، ١٠٣ ، ٢٣)

إنسان فاعل واحد

ـ إنّ الإنسان فاعل واحد من حيث اختصّ بأنّه قادر واحد ومريد واحد. ولذلك يتصرّف بإرادة واحدة ، وبحسب علمه وإدراكه وآلاته. ولذلك يستحق الذمّ على قبيح فعله ، والمدح على واجبه دون كل جزء منه ؛ فصار من هذا الوجه بمنزلة الشيء الواحد. فلا يصحّ أن يقال في كل جزء منه أنّه فاعل ، بل كل جزء منه في أنّه لا حظّ له فيما يختصّ الجملة بمنزلة الأجزاء البانية منه. ولذلك يجوز أن يفعل في غيره ، كما يجوز أن يفعل في بعضه. وهذا يبطل الجهالة التي أصّلها السائل ورام بناء فعل من فاعلين عليها (ق ، غ ٨ ، ١٥٥ ، ١)

إنسان كلي

ـ إنّ قولنا الإنسان الكلّي يزيد النوع ، إنّما معناه أشخاص الناس فقط لا أشياء أخر (ح ، ف ٥ ، ٧٣ ، ١٠)

إنسانية

ـ إنّا نعلم بالضرورة أنّ أشخاص الناس مشتركة في مفهوم الإنسانيّة ومتباينة بخصوصياتها وتعيّناتها ، وما به المشاركة غير ما به الممايزة ، وهذا يقتضي أن يقال الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة مجرّد عن الشكل المعيّن ، فالإنسانيّة من حيث هي هي معقول مجرّد ، فقد أخرج البحث والتفتيش عن المحسوس ما هو معقول مجرّد (ف ، س ، ٨ ، ٦)

٢٤١

أنشأ

ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنه يضل ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)

ـ قال (علي) إنّه أنشأ الأشياء بغير رويّة ولا فكرة ولا غريزة أضمر عليها ، خلق ما خلق عليها ولا تجربة أفادها أي استفادها من حوادث مرّت عليه من قبل ، كما تكسب التجارب علوما لم تكن ، ولا بمساعدة شريك أعانه عليها ، فتمّ خلقه بأمره إشارة إلى قوله ، ولم تستصعب إذ أمر بالمضي ، فلمّا أثبت هناك كونها أمرت أعاد لفظ الأمر هاهنا ، والكل مجاز ومعناه نفوذ إرادته ، وأنّه إذا شاء أمرا استحال أن لا يقع ، وهذا المجاز هو المجاز المستعمل في قوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ، تعبيرا بهذا اللفظ عن سرعة مواتاة الأمور له وانقيادها تحت قدرته (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ١٧)

إنشاء

ـ جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع. فإن قلت : فإذا لا حياة إلّا حياة الإنشاء وحياة البعث. قلت : ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أنّ الثلث ليس عندك ، وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة : الإنشاء والإماتة والإعادة ، والمطويّ ذكرها من جنس الإعادة (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٦)

ـ دلّ بقوله (النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) (العنكبوت : ٢٠) على أنّهما نشأتان ، وأنّ كل واحدة منهما إنشاء : أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود لا تفاوت بينهما ، إلّا أنّ الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله ، والأولى ليست كذلك. وقرئ النشأة والنشاءة كالرأفة والرأفة. فإن قلت : ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) (العنكبوت : ٢٠) بعد إضماره في قوله (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت : ٢٠) وكان القياس أن يقال : كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة؟ قلت : الكلام معهم كان واقعا في الإعادة وفيها كانت تصطك الركب ، فلما قرّرهم في الإبداء بأنّه من الله احتجّ عليهم بأنّ الإعادة إنشاء مثل الإبداء ، فإذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لم يعجزه الإبداء فهو الذي وجب أن لا تعجزه الإعادة ، فكأنّه قال :

٢٤٢

ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة ، فللدلالة والتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ (ز ، ك ٣ ، ٢٠٢ ، ٩)

ـ الإعادة في نفسها عظيمة ولكنّها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق ، ومعناه أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء لأنّ تكوينه في حدّ الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقّل في أحوال ويتدرّج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ ، وقيل الأهون بمعنى الهيّن. ووجه آخر وهو أنّ الإنشاء من قبيل التفضّل الذي يتخيّر فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله لأنّها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب ، والإفعال إمّا محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن المقدور ، وإمّا ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة ، وإمّا تفضّل ، والتفضّل حالة بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله ، وإمّا واجب لا بدّ من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكأنّ الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول ، فلمّا كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع ، وإذا كانت أبعدها من الامتناع كانت أدخلها في التأتي والتسهّل ، فكانت أهون منها ، وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء (ز ، ك ٣ ، ٢٢٠ ، ٢١)

ـ أنشأناهنّ إنشاء : أي ابتدأنا خلقهن ابتداء جديدا من غير ولادة ، فإمّا أن يراد اللاتي ابتدئ إنشاؤهنّ أو اللاتي أعيد إنشاؤهنّ (ز ، ك ٤ ، ٥٤ ، ٢٦)

إنشار

ـ الإنشار ، لأنّه لا يستحق هذا الاسم إلّا القادر على كل مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات (ز ، ك ٢ ، ٥٦٧ ، ٦)

انفعال

ـ اتّصاف الشيء بتأثيره عن غيره وهو الانفعال (ف ، أ ، ٢٧ ، ٣)

انقطاع التكليف

ـ اعلم أنّ التكليف إذا كان الغرض به تعريض المكلّف للثواب ثم عرفنا أنّ اقتران الثواب بالتكليف لا يصحّ فلا بدّ من انقطاع التكليف عن المكلّف لينتهي حاله إلى حدّ يصحّ توفير الثواب عليه فيه. ثم الكلام فيما به يحصل هذا الانقطاع من الإماتة والإفناء (ق ، ت ٢ ، ٢٣٣ ، ٣)

ـ قد تقرر أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ليصحّ توفير الثواب على من يستحقّه إذ لو اتّصل التكليف لامتنع إيصال هذا الحقّ على الوجه الذي يستحقّ ، لأنّ من شأن التكليف أن لا يخلو من مشقّة ومن شأن الثواب أن يخلص من كل ما يشوب. فلم يكن بدّ من أن ينقطع التكليف. ووجب أيضا أن يكون انقطاعه عن حال الثواب على حدّ تزول معه طريقة الإلجاء وما يجري مجراه. ولا يكون كذلك إلّا بتراخ بين الحالين بعيد ، لأنّه مهما اتّصل الثواب بالتكليف كان الذي يدعو المكلّف إلى فعل الطاعات ما يرجوه من النفع أو دفع الضرر فلا يكون فاعلا لها للوجه الذي له وجبت. فحصل من هذه الجملة أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ومن أن يكون الانقطاع على هذا الحدّ من

٢٤٣

التراخي والتطاول. وقد كان يصحّ أن ينقطع التكليف عن المكلّف بفناء حياته أو بزوال عقله أو بحصوله خلل في بعض شروط تكليفه ، لأنّ بكل ذلك يرتفع التكليف ويحصل الغرض الذي بيّناه. لكنّ الدلالة قد دلّت على أنّ التكليف آخرا ينقطع بفناء الأجسام جملة فأوجبناه لأجل ذلك. ثم حكمنا بعد الفناء بالإعادة على الحدّ الذي يصحّ توفير الثواب على المعاد (ق ، ت ٢ ، ٢٨٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الغرض بالتكليف تعريض المكلّف للمنزلة العالية التي لا تنال إلّا به ؛ على ما بيّناه من قبل. وذلك يقتضي انقطاعه ، لأنّه لو دام لم تؤل الحال بالإنسان إلى نيل المنزلة الملتمسة وذلك يوجب قبح التكليف (ق ، غ ١١ ، ٥١٦ ، ١٥)

ـ إنّا وإن أوجبنا انقطاع التكليف فإنّا لا نوقّت ذلك ، ولا يمتنع أن يجب الواجب على الجملة ، وكذلك فلا يمتنع أن يقبح القبيح على هذا الوجه. وقد بيّنا في بعض المسائل أنّه إذا جاز أن يقبح منه ـ تعالى ـ لو خلق حياتين في محلّ واحد (أو مع إحداهما) لا بعينها فغير ممتنع مثله في القبائح وغيرها. فإن صحّ أنّ إدامة التكليف في بعض الأوقات مفسدة قبحت إدامته في تلك الحال ، ولا نريد بذلك أنّ الباقي يقبح ، وإنّما نريد ما يحدث مما لا يتمّ التكليف إلّا به ومعه. فإذا لم يثبت ذلك في التكليف وجب في الجملة قطعه من غير تعيين بوقت.

والقديم ـ تعالى ـ هو العالم بما يتفضّل به في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٥١٧ ، ٨)

آنيّة

ـ الآنيّة : تحقّق الوجود العينيّ من حيث مرتبته الذاتيّة (ج ، ت ، ٦١ ، ٣)

إنيّة

ـ قال أبو محمد فالإنيّة في الله تعالى هي المائيّة (ح ، ف ٢ ، ١٧٥ ، ٥)

اهتداء

ـ هداية صفة الرب جلّت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ، ف ، ٢٢ ، ١٦)

أهل التواتر

ـ فإن قال قائل : هل يجب أن يكون لأهل التواتر صفات لا بدّ من كونهم عليها؟ قيل له : أجل ، فإن قال : وما هي؟ قيل له : منها أنّه يجب أن يكونوا عالمين بما ينقلونه علم ضرورة واقعا عن مشاهدة أو سماع أو مخترع في النفس من غير نظر واستدلال ، وإلّا لم يقع العلم بخبرهم ... ومن صفاتهم أن يكونوا عددا يزيدون على الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة وكلّ عدد أمرنا الله بالاستدلال على صدق المخبر به كالشاهد الواحد ومن أمرنا بالاجتهاد في عدالتهم وتأمّل أحوالهم ؛ ... من صفاتهم أن يكونوا عددا ، كلّ من خبر عن مشاهدة وكان في الكثرة والعدد كهم ، وقع العلم بخبرهم ضرورة. ومن صفاتهم ، إذا كانوا خلفاء لسلف ، ولسلفهم سلف ، أن يكون أول خبرهم كآخره ووسط ناقليه كطرفيه في أنهم قوم بهم يثبت التواتر ، ويقع العلم بصدقهم ، إذا نقلوا عن مشاهدة (ب ، ت ، ١٦٣ ، ٤)

أهل الجنة

ـ إنّا نقول في أهل الجنّة إنّه لا يجوز أن يكلّفهم تعالى ، لا لأنّه اضطرّهم إلى المعرفة ، لكن

٢٤٤

لثبوت الإلجاء من وجه آخر. وهو أنّه تعالى يعرفهم أنّهم لو حاولوا فعل القبيح لمنعوا منه ولحيل بينهم وبينه ، فيصيرون عند ذلك ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبائح ، ويزول التكليف عنهم. وهذا الوجه لا يوجب حصوله لو اضطرّهم تعالى في دار الدنيا إلى المعرفة ، وإذا لم يحصل ثبت الاضطرار وزال الإلجاء وصحّ التكليف (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٠ ، ٦)

أوامر

ـ إنّ الأوامر على ضربين ، فأمّا أمر الله تعالى فهو كلامه ولم يزل موجودا سابقا للمأمور به من غير حدّ وغاية ، وأمّا أمر المحدث فإنّه يكون أمرا به في حاله ويصحّ أن يتقدّمه (أ ، م ، ١١٢ ، ٢٠)

أوامر الله

ـ إنّ أوامر الله تعالى تنقسم إلى ما يكون أمرا على الإطلاق ، وإلى ما يكون أمرا بشرط. فالمأمور بالشيء على الإطلاق يلزمه ذلك الفعل في الحال ؛ فأمّا المأمور به بشرط فإنّ ذلك الفعل إنّما يلزمه إذا حصل ذلك الشرط ، والشرط في مثلنا أن يوجد ويحصل على صفة المكلّفين (ق ، ش ، ٤١٠ ، ١٣)

أوصاف

ـ قالت المعتزلة تختلف وجوه الاعتبارات في شيء واحد ولا يوجب ذلك تعدّد الصفة ، كما يقال الجوهر متحيّز وقائم بالنفس وقابل للعرض ، ويقال للعرض لون وسواد وقائم بالمحل ، فيوصف الجوهر والعرض بصفات هي صفات الأنفس التي لا يعقل الجوهر والعرض دونهما ، ثم هذه الأوصاف لا تشعر بتعدّد في الذات ولا بتعدّد صفات هي ذوات قائمة بالذات ، ولا بتعدّد أحوال ثابتة في الذات ، كذلك نقول في كون الباري تعالى عالما قادرا (ش ، ن ، ١٩٣ ، ١)

أوصاف نفسية

ـ المشهور من مذهب أبي الحسن أنّ الكلام صفة واحدة لها خاصّية واحدة ، ولخصوص وصفها حدّ خاص ، وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا خصائص أو لوازم تلك الصفة ، كما أنّ علمه تعالى صفة واحدة تختلف معلوماتها وهي غير مختلفة في أنفسها فيكون علما بالقديم والحادث والوجود والعدم وأجناس المحدثات ، وكما لا يجب تعدّد العلم بعدد المعلومات ، كذلك لا يجب تعدّد الكلام بعدد المتعلّقات ، وكون الكلام أمرا ونهيا أوصاف الكلام لا أقسام الكلام ، كما أنّ كون الجوهر قائما بذاته قابلا للعرض متحيّزا ذا مساحة وحجم أوصاف نفسيّة للجوهر وإن كانت معانيها مختلفة ، كذلك كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا أوصاف نفسيّة للكلام وإن كانت معانيها مختلفة ، وليس اشتمال معنى الكلام على هذه المعاني كانقسام العرض إلى أصنافه المختلفة وانقسام الحيوان إلى أنواعه المتمايزة ، فأقسام الشيء غير ، وأوصاف الشيء غير ، وكل ما في الشاهد للكلام من الأقسام ، فهو في الغائب للكلام أوصاف (ش ، ن ، ٢٩١ ، ١٦)

أوقات

ـ إنّ صلاح الخلق ونفعهم معلّق بأوقات تكون فيها وكما .... (الله) عزوجل فعلم أنّ إرسال

٢٤٥

الرسل (وإر) سال كل نبيّ في الوقت الذي أرسله فيه صلاح للخلق فأرسله في (ذاك) الوقت الذي علمه دون غيره من الأوقات. وكذلك ما أمر به من الشرائع وإنّما علم أنّ الأمر به صلاح في وقت كذا دون وقت كذا. ألا ترى أنّه أمر موسى عليه‌السلام بشرائع ثم نسخها على لسان عيسى وأمر بغيرها ثم نسخ أيضا شريعة عيسى عليه‌السلام على لسان محمد صلى الله عليه (وعليهم) أجمعين وأمر بغيرها ، ففعل من ذلك في كل وقت وزمان ما يعلم أنّه صلاح لخلقه ونفع لعباده سبحانه وتعالى (خ ، ن ، ٢٧ ، ٣)

ـ إنّ الأوقات هي حركات الفلك لأنّ الله عزوجل وقّتها للأشياء ، هذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٤٣ ، ٥)

أول

ـ إنّ جهما كان يزعم أنّ الله يفني الجنّة والنار وما فيهما ويبقى وحده كما كان وحده ويستدل على قوله هذا بقول الله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣) قال : فالأول هو الذي كان ولا شيء معه وكذا (زعم) الآخر هو الذي يبقى وحده لا شيء معه (خ ، ن ، ١٨ ، ١٦)

ـ قال من مال إلى أنّه لا شيء إلّا موجود : أنّ معنى الأوّل أنّه لم يزل كائنا ولا شيء سواه ، وأنّ الأشياء لو كانت تعلم أشياء غير كائنة لم يصحّ أن البارئ هو الأوّل ، إذ كان لا يصحّ الوصف له بأنّه موجود إلّا وهو عالم بأشياء غير كائنة (ش ، ق ، ٥٤٣ ، ٧)

ـ إنّ حقيقة الأوّل أنّه لم يزل موجودا ولا شيء سواه موجود ، وإن كانت الأشياء يعلمها أشياء غير كائنة (ش ، ق ، ٥٤٣ ، ١١)

ـ أمّا الوصف له تعالى بأنّه أوّل فصحيح ، وقد ورد الكتاب به في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣) والمراد بذلك أنّه الموجود قبل كلّ موجود (ق ، غ ٥ ، ٢٣٨ ، ١٨)

ـ إنّ القديم من صفات المخلوقين فلا يجوز أن يسمّى الله تعالى بذلك ، وإنّما يعرف القديم في اللغة من القدميّة الزمانية ، أي أنّ هذا الشيء أقدم من هذا بمدّة مخصورة ، وهذا منفيّ عن الله عزوجل ، وقد أغني الله عزوجل عن هذه التسمية بلفظة أوّل ، فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه تعالى فيه غيره ، وهو معنى أنّه لم يزل (ح ، ف ٢ ، ١٥٢ ، ٥)

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٠)

ـ إنّ معنى كونه أولا أنّه لم يزل موجودا ولا شيء من الأشياء موجود أصلا (أ ، ش ١ ، ٤٧١ ، ٢٧)

أول الأفعال

ـ لا يجوز أن تكون للإرادة إرادة لأنّها أوّل الأفعال (ش ، ق ، ٤١٩ ، ٦)

أول نعمة

ـ إنّ أوّل نعمة أنعم الله تعالى بها على الحي خلقه إيّاه حيّا لينفعه بذلك ، واعتبرنا خلقه إيّاه حيّا لينفعه لأنّه لو لم يخلقه لم يكن منعما عليه كما في المعدوم ، ولو خلقه غير حيّ لم يكن منعما عليه أيضا كما في الجمادات ، ولو خلقه حيّا لا لينفعه بل ليضرّه لم يكن منعما عليه أيضا كما في الكفّار والفسّاق ، إذا أعادهم للنار فإنّه لا

٢٤٦

يكون منعما عليهم ، وإن خلقهم أحياء ، لمّا لم يخلقهم لينفعهم بل ليضرّهم ، فلا بدّ من اعتبار هذه الوجوه الثلاثة : الخلق ، والحياة ، وأن يكون غرضه به نفعه (ق ، ش ، ٨٣ ، ٥)

ـ ليس لأحد أن يقول ، يجب أن يفعل تعالى إرادة خلق ذلك الحيّ لينفعه ، وإلّا لم يحسن منه خلقه. ويستشهد على ذلك بما نقوله : من أنّ أوّل النعمة هو خلقه تعالى العبد حيّا لكي ينفعه. وذلك لأنّه تعالى إذا خلق الخلق مع الأمر الذي يتنعّم به في الحال ، ومع الشهوة التي معها يلتذّ ، فقد حصل منعما بمجرّد ذلك ، ولا يحتاج إلى القصد الذي سأل عنه ، وإنّما يشرط ذلك في كون الحيّ يخلقه ويبقيه ، فيصحّ أن يضرّه في المستقبل كما يصحّ أن ينفعه. فأمّا إذا بنى القول على ما قدّمناه فلا وجه لهذا الشرط. ولذلك قلنا : إنّ من أوصل إلى غيره نفعا مخصوصا فهو محسن ، وإن لم يقصد ذلك ، بل لو كان ساهيا عن ذلك لم يخرج الفعل من أن يكون حسنا ؛ لأنّ وجه حسنه لا يتعلّق بالقصد ولا الإرادة تؤثّر فيه ، فإذا صحّ ذلك وجب القضاء بأنّ خلقه تعالى الحيّ مع الشهوة يكون حسنا وإن لم يرد ما سأل عنه السائل. وثبت أن إرادته لإيجاد ذلك إنّما يجب وجودها من حيث (ما) ذكرناه ، لا لأنّها لو عدمت لم يكن الفعل حسنا (ق ، غ ١١ ، ٧٣ ، ١٩)

أول الواجبات

ـ كان يقول (الأشعري) إنّ أوّل الواجبات من ذلك بالسمع النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تبارك وتعالى ، وإنّ طريق المعرفة بوجوب ذلك أيضا السمع ، وإنّه لا يجب على أحد شيء من جهة العقول ، وإنّ لا طريق لأحد إلى معرفة الواجبات من جهتها إلّا الواجب الذي يرجع إلى حكم الشيء بالوجوب له ممّا لا يتعلّق بالفعل والترك ، كقولنا إنّ الواجب في حكم الموجود أن يكون له أوّل أو لا أوّل له ، والواجب في حكم الجواهر أن تكون متقاربة أو متباعدة ، كل واحد منها إلى جانب صاحبه أو لا إلى جانبه ، وليس بينهما واسطة. وهذا وجوب ليس من جهة العقل وإنّما هو وجوب من طريق الحكم للشيء في نفسه على الوجه الذي يدلّ عليه العقل ويقتضي كونه كذلك (أ ، م ، ٣٢ ، ٩)

ـ إنّ أوّل الواجبات على البالغ العاقل النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى. وربّما قال إنّ أوّل الواجبات المعرفة بالله تعالى على شرط تقدّم النظر والاستدلال ، لأنّه لا يصحّ وقوع تلك المعرفة إلّا عن النظر والاستدلال (أ ، م ، ٢٥٠ ، ١)

ـ إنّ النظر في طريق معرفة الله تعالى أوّل الواجبات (ق ، ش ، ٦٩ ، ١٣)

ـ إنّ أوّل الواجبات على المكلّف النظر والاستدلال المؤدّي ... إلى المعرفة بالله تعالى وبصفاته وتوحيده وعدله وحكمته. ثم النظر والاستدلال المؤدّي ... إلى جواز إرسال الرسل منه وجواز تكليف العباد ما شاء. ثم النظر المؤدّي إلى وجوب الإرسال والتكليف منه. ثم النظر المؤدّي إلى تفصيل أركان الشريعة ثم العمل بما يلزمه منها على شروطه (ب ، أ ، ٢١٠ ، ١٠)

ـ اختلفوا في أوّل الواجبات. منهم من قال : هو المعرفة ، ومنهم من قال : هو النظر المفيد للمعرفة ، ومنهم من قال : هو القصد إلى هذا

٢٤٧

النظر وهذا خلاف لفظيّ ؛ لأنّه إن كان المراد منه أوّل الواجبات المقصودة بالقصد الأول ، فلا شكّ أنّه هو المعرفة عند من يجعلها مقدورة ، والنظر عند من لا يجعل العلم مقدورا ، وإن كان المراد أوّل الواجبات كيف كانت ، فلا شكّ أنّه القصد (ف ، م ، ٤٣ ، ١)

ـ قال عليه‌السلام أول الدين معرفته ، لأنّ التقليد باطل ، وأوّل الواجبات الدينيّة المعرفة ، ويمكن أن يقول قائل ألستم تقولون في علم الكلام أوّل الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى ، وتارة تقولون القصد إلى النظر ، فهل يمكن الجمع بين هذا وبين كلامه عليه‌السلام. وجوابه أنّ النظر والقصد إلى النظر إنّما وجبا بالعرض لا بالذات لأنّهما وصلة إلى المعرفة ، والمعرفة هي المقصودة بالوجوب ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام أراد أوّل واجب مقصود بذاته من الدين معرفة الباري سبحانه ، فلا تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلّمين (أ ، ش ١ ، ٢٣ ، ٢٨)

أول وآخر

ـ إن قيل : أليس التقدّم والتأخّر قد يستعمل في غير صفة الوجود ، فهلّا قلتم : إنّ المراد بالآية أنّه الأوّل والآخر في غير صفة الوجود؟ قيل له إنّ قولنا : أوّل وآخر إذا أطلق لا يعقل منه إلا أنّه موجود قبل وجود غيره أو بعد وجود غيره. وإنّما يعقل منه غير ذلك إذا قيّد ؛ كما أن قولنا : فوق وتحت إنّما يفيد الأماكن ، ومتى قيّد صحّ أن يستفاد به غيره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف : ٧٦) (ق ، غ ١١ ، ٤٣٨ ، ١٠)

أولوية

ـ الأولويّة لا توجب الوجوب ولا تنافيه ... وإنّما يجب تقديم الأعمّ في الحدود التامّة لا غير ، لأنّ الأعمّ فيها هو الجنس ، وهو يدلّ على شيء مبهم يحصّله الأخصّ الّذي هو الفصل. ومن تقديم الأخصّ على الأعمّ يختلّ الجزء الصّوريّ من الحدّ ، فلا يكون تامّا مشتملا على جميع الأجزاء. أمّا في غير الحدّ التامّ فتقديم الأعرف أولى وليس بواجب (ط ، م ، ١١ ، ٢٣)

إيثار

ـ قال قوم : الإيثار هو الاختيار والإرادة ، والمراد لا يكون إيثارا ولا اختيارا ، وقال قوم : الإيثار هو الإرادة ، والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مرادا (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١١)

ـ أمّا الاختيار فتارة يستعمل في الفعل المراد متى وقع لا على طريق الإلجاء والحمل ، وتارة في نفس الإرادة ، فلا بدّ من أن تكون هي والفعل جميعا من قبل واحد وأن لا يثبت إلجاء وحمل. وقد يستعمل على طريق التجوّز في فعل الغير والحال في الإيثار يجري مجرى الحال في الاختيار في صحّة استعماله على الوجهين وفي صحّة التجوّز به في فعل الغير (ق ، ت ١ ، ٢٩٧ ، ٢٢)

ـ أمّا الإيثار فهو إرادة الشيء الذي يختاره على غيره ، وقد يقال إنّه آثر الشيء إذا فعله من غير منع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ٩)

ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٤)

٢٤٨

إيجاب

ـ مثال الإيجاب ، فهو كالهدايا ، فإنّه لما كان تعالى الموجب لذبحها استحقّت العوض عليه تعالى ، دوننا (ق ، ش ، ٥٠٢ ، ١٩)

ـ إنّ الإيجاب لا يتبع المعرفة بحال الفعل بل يتبع الشرط والقول ، وهذا بمنزلة ما نقوله : من أنّه تعالى إذا أباح الشيء فإنّما يعرّف المكلّف حسنه على وجه لو عرفه من دون إباحة القديم لكان مباحا له. وليس كذلك إباحة الواحد منّا غيره لدخول داره وأكل طعامه ؛ لأنّ الإباحة تتبع في ذلك القول وما يجري مجراه (ق ، غ ١١ ، ١٤٣ ، ١)

ـ إنّا لا نجوّز أن يكون الواجب واجبا لموجب أوجبه على وجه ، ويجوّزه على وجه آخر ؛ فكل واحد من هذين الوجهين معقول. فأمّا ما نأباه ، فهو القول بأنّه لا صفة للواجب تجب لأجله ، وأنّه إنّما يجب لأجل أمر أو اختيار مختار ، لأنّ هذا الوجه فاسد عندنا على ما بيّناه في أول باب العدل. والذي نجيزه في هذا الباب أن يكون واجبا بإيجابه تعالى من حيث أعلمنا وجوبه ووجه وجوبه ، أو نصب لنا الدلالة على ذلك من حاله. وجعلنا بحيث يجب علينا الواجب ويقبح منّا القبيح ، ونستحقّ فيهما المدح والذمّ والثواب والعقاب. وهذا معقول ، وإنّما صرفنا الإيجاب إلى هذا الوجه لأنّه الدلالة قد دلّت على أنّ الواجب لا يكون واجبا لعلّة هي الإيجاب ، فيضاف وجوبه إلى فاعل علّته ، كما نضيف تحرّك الجسم إلى فاعل الحركة. لأنّ ردّ الوديعة واجب لا لعلّة ، وكذلك شكر المنعم ، لكن لأنّهما ردّ للوديعة وشكر لمنعم ؛ وكذلك القول في سائر الواجبات (ق ، غ ١٢ ، ٤٨٩ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ إيجابه تعالى الفعل ، بأي كلام وقع ، فإنّه لا يكون إلّا لمعنى الخبر ؛ لأنّه إذا قال : أوجبت عليكم الحجّ ، فهو كقوله : الحجّ واجب ؛ لأنّه لا يقع إلّا هذا الموقع ؛ لأنّ الإيجاب لما ليس بواجب لا يصحّ. ولا يتعلّق ذلك بالاختيار. فأمّا الأمر والنهي فإنّهما يدلّان على الإرادة والكراهة ؛ ثم يقع لهما ، في الدلالة ، حكم الخبر. فأمّا نفس الأمر والنهي فإنه لا يقع موقع الخبر إلّا بواسطة (ق ، غ ١٥ ، ٦٠ ، ٩)

ـ الإباحة تتضمّن معنى الإرادة ، وإن لم يجب في الحقيقة ، فيما أباحه أن يكون مريدا ، لكنّه لا فرق بين أن يجب أن لا يكون كارها في أنه ينافي ما يقتضيه كونه كارها ، وبين أن يجب أن يكون مريدا ، في منافاته لكونه كارها ، فالحال واحدة ، في التناقض ؛ وكذلك القول في الإباحة والإيجاب ، لأن الحظر يتضمّن معنى الكراهة لتركه ، والإباحة بالضدّ من ذلك ، والإيجاب يتضمّن كونه مرادا ، والإباحة تتضمّن نفي ذلك (ق ، غ ١٦ ، ٥٨ ، ١٨)

ـ أمّا الإيجاب فإنّ جعل إيجاب علّة لمعلول لم يصحّ لأنّ تأثيرها هو في إيجاب الأحوال والأحكام للذوات لا في وجودها. لو لا ذلك للزم خروج الحوادث عن تعليقها بالقادر (أ ، ت ، ١٣٠ ، ١١)

إيجاب الأشياء على التخيير

ـ أمّا شروط إيجاب الأشياء على التخيير ، فضربان : أحدهما أن يتمكّن المكلّف من الفعلين بأن يقدر عليهما ، ويتميّزان له. والآخر أن يتساوى الفعلان في الصفة التي تناولها التعبّد ، نحو أن يكونا واجبين أو ندبين. لأنّه لو

٢٤٩

خيّر الله سبحانه بين قبيح ومباح ، لكان قد فسّح في فعل القبيح. تعالى الله عن ذلك! ولو خيّر بين ندب ومباح ، لكان قد جعل للمكلّف أن يفعله ، وأن لا يفعله ، من غير أن يترجّح فعله على تركه. وذلك يدخله في كونه مباحا. ولو خيّر بين واجب وندب ، لكان قد فسّح في ترك الواجب ، لأنّه قد أباحه تركه إلى غيره (ب ، م ، ٨٥ ، ٩)

إيجاب حكم الابتداء بالتفضّل

ـ أحد ما ذكروه أنّ التكليف لو حسن لكان إنّما يحسن ، لأنّه يؤدّي إلى استحقاق الثواب ، والثواب لا يستحقّ بأن يفعل الفاعل ما لزمه ووجب عليه ، كما لا يستحقّ الشكر بذلك ، وإنّما يستحقّه بالفعل الذي بمثله يستحقّ الشكر. ولو كلّفه تعالى لوجب أن يقرّر في عقله وجوب الواجبات ، ولا يصحّ أن يستحقّ بفعله الثواب. وفي هذا إبطال حكمة التكليف ، وإيجاب حكم الابتداء بالتفضّل. وهذا باطل ؛ لأنّ وجوب الواجب لو أثّر في استحقاق الثواب به لوجب أن يؤثّر في استحقاق المدح به. ولو كان من حيث لا يستحقّ به الشكر يجب ألّا يستحقّ به الثواب لوجب ألّا يستحقّ به المدح والتعظيم ؛ لهذه العلة ، وفساد ذلك يبيّن بطلان ما قاله (ق ، غ ١١ ، ١٤٠ ، ٦)

إيجاب الخلقة

ـ إيجاب الخلقة على معنى أنّ الله طبع الحجر على أن لا يقف في الهواء (ب ، أ ، ١٣٩ ، ٣)

ـ حكى الكعبي عنه (النظّام) أنّه قال : إنّ كل ما جاوز حدّ القدرة من الفعل فهو من فعل الله تعالى بإيجاب الخلقة : أي أنّ الله تعالى طبع الحجر طبعا ، وخلقه خلقة إذا دفعته اندفع ، وإذا بلغت قوة الدفع مبلغها عاد الحجر إلى مكانه طيّعا (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٥)

إيجاب السبب

ـ إن إيجاب السّبب لما يوجبه لا يختلف بالفاعلين : الغرض بذلك الكلام على" أبي علي" لأنّه منه في هذه الأسباب إذا وجدت من جهة الله تعالى أن تولّد ، وقال فيما يجعله متولّدا عنها أن الله تعالى يبتدئ بإيجاده. وقد وافقنا في أنّها إذا وجدت من قبلنا فإنّها تولّد. والدلالة على ما نقوله أنّ هذا السبب يولّد ما يولّد لما يرجع إليه لا لحال فاعله. ألا ترى أن الاعتماد يولّد من حيث اختصّ بجهة ، ولهذا يولّد الحركات وغيرها سواء كان فاعله مريدا أو كارها وعالما أو غافلا ساهيا. وكذلك ما يوجد من التفريق في بدن الحي يولّد الألم لا محالة ولا يختلف بالفاعلين. وكذلك الحال في المجاوزة والتأليف المتولّد عنها. وإذا كان إنّما يولّد للوجه الذي ذكرناه فيجب أن تستوي فيه أحوال الفاعلين حتى إذا ولّد من فعلنا ولّد من فعل غيرنا ، ولو لا صحّة هذه الطريقة لجاز أن يولّد من فعل زيد ولا يولّد من فعل عمرو أو يولّد من جهة من بالمشرق دون من بالمغرب ، أو يولّد من أهل الدنيا دون أهل الآخرة ، وقد عرفنا امتناع ذلك (ق ، ت ١ ، ٤١٥ ، ١)

إيجاب الشيء

ـ إنّ إيجاب الشيء يتضمّن وجوبه في نفسه فينبغي أن لا يحسن لمجرّد الثواب ، وإلّا لزم حسن إيجاب النوافل لما يستحقّ بها من ثواب. فإذا وجب أن يكون له وجه يجب لأجله ولم تمكن

٢٥٠

الإشارة في هذه الشرعيّات إلّا إلى كونها ألطافا أو تروكا للمفاسد والقبائح المنهى عنها ، فيجب أن تثبت هذه الشرعيّات بالصفة التي بيّناها وإن كان لا بدّ من أن يلتزم تعالى بهذا الإيجاب ثوابا يقع في مقابلة المشقّة التي أنزلها بالمكلّف (ق ، ت ٢ ، ٣٨٩ ، ٨)

إيجاب العلة الحكم لغيرها

ـ إنّ إيجاب العلّة الحكم لغيرها يجب أن يكون موقوفا على الدلالة. وكذلك كيفية اختصاصها بما هي علّة له ؛ لأنّ إثباتها علّة وإثبات أحكامها لا يعلم باضطرار. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع في بعضها ألّا يكون علّة إلّا إذا حصلت فيما هي علّة له ، وفي بعضها أن تكون علّة لما لا تحلّه بأن تحلّ في بعضه ، وفي بعضها أن تكون علّة وإن لم تحلّ في شيء أصلا ، وهذا كما نقوله للمجسّمة : إنّ إثبات الأشياء لا يجب أن يجري على حدّ واحد ، بل يجب أن يكون موقوفا على الدلالة. فإذا اقتضى الدليل إثبات قادر مخالف للأجسام وجب القول به ، فكذلك القول في العلّة : إنّ الدليل إذا اقتضى كون القدرة علّة في إيجاب كون الجملة قادرة فيجب القضاء بذلك فيها ، وإن لم تكن حالّة في كلّ الجملة. وقد بيّنا من قبل الوجه في ذلك ؛ لأنّه إذا ثبت أنّ الفعل يقع من الجملة بحسب قصدها ودواعيها وجب أن تكون هي المختصّة بالصفة التي لا يصحّ منها الفعل. فإذا ثبت كون تلك الصفة موجبة عن علّة لم يصحّ وجودها لا في محلّ لأنّه ليس بأن يوجب كونها قادرة بأولى من أن يوجب كون سائر الجمل قادرا ، ولا يجوز أن تكون موجودة في جسم منفصل منه لمثل هذه الدلالة ، ولأنّه يؤدّي إلى كونها قدرة لقادرين. فإذا بطل كل ذلك وجب كونها حالّة في بعضه ؛ لأنّ وجود الجزء الواحد من القدر في كل أجزائه مستحيل. وإذا صحّ ذلك فيها صارت أصلا في بابها ؛ كما أنّ الحركة أصل ، فكما لا يجوز إبطال كون الحركة علّة لكون محلّها متحرّكا فكذلك لا يجوز أن يبطل كون القدرة علّة في كون الجملة قادرة (ق ، غ ١١ ، ٣٥٠ ، ٢٠)

إيجاب الفعل

ـ إذا كان الخاطر من قبله تعالى ، فلا بدّ من وروده على وجه تقتضيه الحكمة ، لأنّه ميّزه عن فعل القبيح ، فلا بدّ من أن يفيد الوجه الذي له يجب النظر والمعرفة. لأنّه تعالى كما لا يجوز أن يوجب ما لا وجه له يقتضي وجوبه ، فكذلك لا يجوز أن يوجب الفعل لوجه لا يجب لأجله ؛ لأنّ ذلك أجمع بمنزلة إيجاب ما ليس بواجب من القبيح وغيره. فليس يخلو الخاطر من أن يرد بإيجابهما فقط أو يرد بذلك وبذكر الوجه الذي له يجبان ، لأنّه لا يجوز أن يرد بذكر وجه لا يجبان لأجله ، لما ذكرناه من قبح ذلك. وقد علمنا أنّ إيجاب الفعل من غير بيان وجه وجوبه ، إمّا بالتعريف وإمّا بنصب الدلالة ، يقبح في عقول العقلاء. لأنّ أحدنا لو أوجب على غيره القعود أو القيام من غير أن يبيّن الواجب في ذلك ، لقبح ذلك منه ، حتى إذا قرن بذلك الوجه الذي له يجب حسن ذلك منه. فلو قال له : يجب ألا تأكل الطعام الذي لا تملكه ، لقبح ذلك منه. وإن قرن إلى ذلك بأنّه مسموم أو أنّ هناك مضرّة توفي على النفع الذي فيه ، لحسن ذلك منه. فإذا ثبت ذلك ، فالواجب في الحكمة أن يخطر ببال المكلّف الوجه الذي له

٢٥١

يجب النظر والمعرفة ، وإلّا كان الإخطار قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٨ ، ١٨)

ـ إنّ إيجاب الفعل لا يحسن إلّا إذا اختصّ بوجه الوجوب ، فأمّا لأنّه حسن فإنّه لا يحسن إيجابه. ألا ترى أنّه لا يحسن منه تعالى أن يوجب المعرفة بأحوال الناس ، وإن كانت متى حصلت كانت حسنة ؛ لأنّ العلم بأنّ زيدا أكل وشرب أو أنّه طويل وأنّه من بني فلان ، حسن ؛ ومع ذلك لا يحسن منه تعالى أن يوجبه على كل حال ، وكذلك القول في المباحات والنوافل (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٥ ، ١٠)

إيجاب الفعل على غيره

ـ إنّ الواحد منّا لو تمكّن من إيجاب الفعل على غيره ، على الحدّ الذي يوجبه القديم ، لحسن منه ذلك وإن لم يحصل الرضا ، لكن ذلك متعذّر من جهات : منها أنّه غير قادر على أن يعرّف ويدلّ على الوجه الذي يفعله القديم تعالى. ومنها أنّه لا يتمكّن من إبانته على الوجه الذي يصحّ من القديم تعالى. ومنها أنّه لا يتمكّن من جعله على الصفات التي معها يستحقّ الثواب. ولذلك قلنا : إنّ الواحد منّا لو قدر من التعويض على الآلام على الحدّ الذي يقدر عليه القديم تعالى لحسن منه فعل ذلك بالبالغ ، وإن لم يرض به على ما نبيّنه من بعد (ق ، غ ١١ ، ١٤٣ ، ٦)

إيجاب قبيح

ـ قد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يكون الإيجاب قبيحا ، وإن كان الواجب يجب عنده. ألا ترى أنّ المهدّد غيره بالقتل إن لم يعطه ماله ، يلزمه عند ذلك دفع المال إذا خاف القتل وإن كان ماله وجب من التهدّد قبيح؟ فإذا صحّ ذلك ، وجب أن نبيّن الوجه في حسن الإيجاب ، وإن كنّا قد بيّنا من قبل الوجه في وجوب النظر والمعرفة. والمعتمد في حسن إيجابهما ، إذا ثبت حاجة المكلّف إليهما وأنّهما لا يحصلان على وجه الاضطرار والإلجاء ، أنّه قد ثبت أنّ ما عنده يكون المكلّف أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية. فلا بدّ من أن يفعله تعالى إن كان من فعله ، أو يوجبه على المكلّف إذا كان من فعل المكلّف. وقد ثبت أنّ العلم بأنّ في الفعل نفعا يدعوه إلى فعله ، وإن علم أنّه مسموم أو ظنّ ذلك عند أمارة ، دعاه إلى تركه (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٢ ، ٨)

إيجاب الموجب

ـ اعلم ، أنّ الحسن لا بدّ من أن يختصّ بوجه لأجله يحسن ، على ما قدّمناه في مواضعه ، وكذلك الواجب. وقد علمنا أنّ إيجاب الموجب كالمنفصل من وجوب الشيء في نفسه ؛ فما يدلّ على أنّ النظر والمعرفة واجبان ، لا يدلّ على حسن إيجاب الموجب لهما. لأنّا نرجع بالإيجاب إلى ما قدّمناه من الأعلام والأدلّة ، فلا بدّ من بيان الوجه الذي له يحسن منه تعالى إيجابهما (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٢ ، ٤)

إيجاب النظر

ـ إنّه تعالى إذا أراد النظر من المكلّف ، فلا بدّ من أن يريد المعرفة ؛ وإذا أمر بأحدهما ، فلا بدّ من أن يأمر بالآخر. فالحكمة تقتضي أن إيجاب النظر يتضمّن إيجاب المعرفة ، وأن إيجاب أحدهما غير إيجاب الآخر. لأن إعلام

٢٥٢

المكلّف حال أحدهما غير إعلامه حال الآخر ، وإرادة أحدهما غير إرادة الآخر. لكننا نعلم ، لما قدّمناه ، أنه تعالى لا بدّ من أن يوجب المعرفة ويريدها متى أوجب النظر وأراده (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٠ ، ١٠)

ـ في أنّ إيجاب النظر والمعرفة ، هل يجب عليه تعالى أم يحسن ولا يجب؟ اعلم ، أنّا قد بيّنا حسن إيجابه تعالى ، فأمّا وجوب ذلك عليه فيجب أن يقال : إنّه سبحانه متى جعل المكلّف على الصفة التي بيّنا ، أنّ مع كونه عليها لا بدّ من أن يكلّفه. فإيجاب النظر والمعرفة واجب عليه تعالى ، ومتى لم يجعله كذلك فهو غير واجب. ولذلك قلنا : إنّه من الباب الذي منى حسن وجب ، ومتى لم يجب قبح ؛ وفصلنا القول فيه من قبل (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٧ ، ٥)

إيجاب النوافل

ـ لا يحسن منه تعالى إيجاب النوافل ، وإن حسن منه إيجاب الألطاف (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٤ ، ٣)

إيجاد

ـ إذ الوجود بعد أن لم يكن هو دليل الإيجاد والإحداث الذي به يعلم الموجود المحدث (م ، ح ، ١٢٩ ، ٢٤)

ـ إنّ كون القادر قادرا لا يتعلّق بالشيء إلّا على وجه الإيجاد ، لأنّه لو تعدّى في التعلّق به عن هذا الوجه ، إلى وجه آخر ولا حاصر ، لوجب أن يتعلّق بكل وجه تحصل عليه الذات ، ويجري مجرى الاعتقاد في أنّه يصحّ أن يتعلّق بالذات على كل وجه يصحّ أن يحصل عليه ، لأنّ الاعتقاد إنّما صحّت هذه القضية فيه ، لأنّه تعدّى عن وجه ولا حاصر (ن ، م ، ٨٣ ، ١٣)

ـ إنّ الإيجاد هو الخلق نفسه والله تعالى موجود لكل ما يوجد في كل وقت أبدا وإن لم يفنه قبل ذلك ، والله تعالى خالق لكل مخلوق في كل وقت وإن لم يفنه قبل ذلك (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٨)

ـ الإيجاد والإعدام هو القول والإرادة وذلك قوله (كن) للشيء الذي يريد كونه ، وإرادته لوجود ذلك الشيء ، وقوله للشيء كن : صورتان (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٨)

ـ فسّر محمد بن الهيصم الإيجاد والإعدام : بالإرادة والإيثار. قال : وذلك مشروط بالقول شرعا ، إذ ورد في التنزيل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) وقوله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١١)

ـ الإيجاد غير محسوس ولا يدرك بإحساس النفس ضرورة ، فقد وجدنا للتفرقة بين الحركتين (الاختياريّة والاضطراريّة) والحالتين مرجعا ومردّا غير الوجود ، أليس من أثبت المعدوم شيئا عندكم ما ردّ التفرقة إلى العرضيّة واللونيّة والحركيّة في أنّها بالقدرة الحادثة ، فإنّها صفات نفسيّة ثابتة في العدم ، ولا إلى الاحتياج إلى المحل ، فإنّها من الصفات التابعة للحدوث ، فلذلك نحن لا نردّها إلى الوجود فإنّها من آثار القدرة الأزليّة ، ونردّها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب والعقاب حتى ينطبق التكليف على المقدور ، والمقدور على الجزاء. والدواعي والصوارف أيضا تتوجّه إلى تلك الجهة ، فإنّ الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد داعية القيام والقعود والحركة والسكون والمدح والذمّ ، وهذه هيئات تحصل في الأفعال وراء الوجود تتميّز عن الوجود بالخصوص والعموم ، فإن شئت سمّيتها وجوها واعتبارات (ش ، ن ، ٨١ ، ٥)

٢٥٣

ـ إنّ الفعل كان مقدورا للباري سبحانه وتعالى قبل تعلّق القدرة الحادثة ، أي هي على حقيقة الإمكان صلاحية ، والقدرة على حقيقة الإيجاد صلاحية ، ونفس تعلّق القدرة الحادثة لم تخرج الصلاحيتين عن حقيقتهما ، فيجب أن تبقى على ما كانت عليه من قبل ، ثم يضاف إلى كل واحد من المتعلّقين ما هو لائق (ش ، ن ، ٨٢ ، ٦)

ـ في إثبات الفعل للعبد إيجادا قولهم (المعتزلة) التكليف متوجّه على العبد بافعل ولا تفعل ، فلم تخل الحال من أحد أمرين ، إمّا أن لا يتحقّق من العبد فعل أصلا فيكون التكليف سفها من المكلّف ، ومع كونه سفها يكون متناقضا ، فإنّ تقديره افعل يا من لا يفعل. وأيضا فإنّ التكليف طلب ، والطلب يستدعي مطلوبا ممكنا من المطلوب منه ، وإذا لم يتصوّر منه فعل بطل الطلب. وأيضا فإنّ الوعد والوعيد مقرون بالتكليف ، والجزاء مقدّر على الفعل والترك ، فلو لم يحصل من العبد فعل ولم يتصوّر ذلك بطل الوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب ، فيكون التقدير افعل وأنت لا تفعل ، ثم إن فعلت ولن تفعل ، فيكون الثواب والعقاب على ما لم يفعل. وهذا خروج عن قضايا الحسّ فضلا عن قضايا المعقول ، حتى لا يبقى فرق بين خطاب الإنسان العاقل وبين الجماد ، ولا فصل بين أمر التسخير والتعجيز وبين أمر التكليف والطلب (ش ، ن ، ٨٣ ، ١٢)

ـ عند الخصم (المعتزلة) القدرة صالحة للأضداد والأمثال وهي متشابهة في القادرين ، فالعبد مستقل بالإيجاد والاختراع ، وليس إلى الباري سبحانه وتعالى من هذه الأفعال إلّا خلق القدرة فحسب واشتراط البنية (ش ، ن ، ٨٩ ، ١٠)

ـ القدماء منهم (المعتزلة) قالوا إنّ الإرادة الحادثة توجب المراد ، وخصّصوا الإيجاب بالقصد إلى إنشاء الفعل لنفسه ، أمّا العزم في حقّنا وإرادة فعل الغير فإنّها لا توجب ، ولم يريدوا بالإيجاد إيجاب العلّة المعلول ولا إيجاب التولّد ، والإرادة عندهم لا تولد ، فإنّ القدرة عندهم توجب المقدور بواسطة السبب ، فلو كانت الإرادة مولّدة بواسطة السبب ، استند المراد إلى سببين ولزم حصول مقدورني قادرين (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ١٦)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

ـ نفس الإيجاد لا يقتضي علم الموجد بالموجد ، وإلّا لكان له أن يدفع قول القائلين بأنّ النار محرقة والشمس مضيئة ، فعدم علمهما بأثريهما وتجويز الإيجاد من غير العالم لا يبطل إثبات عالميّة الله تعالى ؛ لأنّ مثبتي العالميّة لا يستدلّون بالإيجاد على العالميّة ، بل إنّما يستدلّون بإحكام الفعل واتقانه على العالميّة (ط ، م ، ٣٢٧ ، ١)

إيقاع الفعل

ـ اعلم أنّه ذكر في الباب ما يحتاج إليه في إيقاع الفعل مجرّدا وما يحتاج إليه في إيقاعه على وجه مخصوص. والأصل في ذلك أنّ الفعل قد يعرّى عن أن تكون له صفة زائدة على صفة

٢٥٤

جنسه وحدوثه وقد يختصّ بحكم زائد على ذلك. فما كان من الباب الأوّل فعلى ضربين. أحدهما يكفي فيه كون فاعله قادرا إذا كان هناك محلّ وزالت الموانع عن القادر وصحّ منه إيقاعه في محلّ القدرة. والضرب الثاني لا يكفي كونه قادرا مع ما ذكرناه من الشروط. وذلك كالإرادة والنظر ، لأنّهما وإن كانا معدودين في أجناس الأفعال فلا بدّ من أن يختصّ الفاعل باعتقاد صحّة حدوث المراد وأن لا يكون ساهيا عمّا يريده وعمّا ينظر فيه. فيفارق ذلك نوع الكون والاعتماد وما أشبههما من أفعال الجوارح أو جنس الاعتقاد وإن كان من أفعال القلوب. وكذلك الظنّ فهذا هو في أجناس الأفعال التي لا تقع على وجه زائد على ما يختصّ به في الحدوث وفي صفة جنسه. فأمّا ما يقع على وجه مخصوص فقد ثبتت الحاجة فيه إلى أمور ، نحو العلم والآلة. فإنّ الكتابة وإن كان المرجع بها إلى التأليف فوقوعه على هذا الحدّ المخصوص لا بدّ من كونه فاعله عالما ولا بدّ له أيضا من آلة مخصوصة ، فتجري الحاجة إلى ذلك مجرى الحاجة إلى القدرة (ق ، ت ٢ ، ١٥١ ، ٣)

إيلام أطفال المشركين

ـ وقف كثير من الإباضيّة في إيلام أطفال المشركين في الآخرة يجوّزوا أن يؤلمهم الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام ، وجوّزوا أن يدخلهم الجنّة تفضّلا ، ومنهم من قال إن الله سبحانه يؤلمهم على طريق الإيجاب لا على طريق التجويز (ش ، ق ، ١١١ ، ١)

ـ اختلفت المعتزلة في إيلام الأطفال على ثلاثة أقاويل : فقال قائلون : الله يؤلمهم لا لعلّة ولم يقولوا أنّه يعوّضهم من إيلامه إيّاهم ، وأنكروا ذلك وأنكروا أن يعذّبهم في الآخرة. وقال أكثر المعتزلة إنّ الله سبحانه يؤلمهم عبرة للبالغين ثم يعوّضهم ، ولو لا أنّه يعوّضهم لكان إيلامه إيّاهم ظلما. وقال أصحاب اللطف أنّه آلمهم ليعوّضهم ، وقد يجوز أن يكون إعطاؤه إيّاهم ذلك العوض من غير ألم أصلح ، وليس عليه أن يفعل الأصلح (ش ، ق ، ٢٥٣ ، ٦)

إيمان

ـ جمهور" الإباضيّة" قالوا إنّ كل طاعة إيمان ودين ، وأنّ مرتكبي الكبائر موحّدون وليسوا بمؤمنين (ش ، ق ، ١٠٥ ، ٣)

ـ الفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، فلا إيمان بالله إلا المعرفة به ولا كفر بالله إلا الجهل به (ش ، ق ، ١٣٢ ، ١٣)

ـ الفرقة الثالثة منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبّة له ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن ، وزعموا أنّ إبليس كان عارفا بالله غير أنّه كفر باستكباره على الله (ش ، ق ، ١٣٣ ، ٩)

ـ الفرقة الرابعة منهم (المرجئة) وهم أصحاب" أبي شمر" و" يونس" يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبّة له بالقلب والإقرار به أنّه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجّة الأنبياء وإن كانت قامت عليه حجّة الأنبياء ، فالإيمان [الإقرار بهم] والتصديق لهم ، والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الإيمان (ش ، ق ، ١٣٤ ، ٢)

ـ الفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب" أبي

٢٥٥

ثوبان" يزعمون أنّ الإيمان هو الإقرار بالله وبرسله ، وما كان لا يجوز في العقل إلّا أن يفعله وما كان جائزا في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان (ش ، ق ، ١٣٥ ، ٦)

ـ الفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك ، والإقرار باللسان ، فمن جهل شيئا من ذلك فقامت به عليه حجّة أو عرفه ولم يقرّ به كفر (ش ، ق ، ١٣٥ ، ٨)

ـ الفرقة السابعة من المرجئة" الغيلانية" أصحاب" غيلان" يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله الثانية ، والمحبّة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الإيمان (ش ، ق ، ١٣٦ ، ٥)

ـ الفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب" محمد بن شبب" يزعمون أنّ الإيمان الإقرار بالله والمعرفة بأنّه واحد ليس كمثله شيء ، والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نصّ عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصلاة والصيام وأشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع (ش ، ق ، ١٣٧ ، ٧)

ـ الفرقة التاسعة من المرجئة" أبو حنيفة وأصحابه" يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير (ش ، ق ، ١٣٨ ، ١٢)

ـ الفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب" أبي معاذ التومني" يزعمون أنّ الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرا (ش ، ق ، ١٣٩ ، ١٢)

ـ الفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب" بشر المريسي" يقولون أنّ الإيمان هو التصديق لأنّ الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ، ويزعم أنّ التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعا وإلى هذا القول كان يذهب" ابن الراوندي" (ش ، ق ، ١٤٠ ، ١٤)

ـ الفرقة الثانية عشرة من المرجئة" الكرّامية" أصحاب" محمد بن كرّام" يزعمون أنّ الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيمانا (ش ، ق ، ١٤١ ، ٦)

ـ الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٣)

ـ أبو الهذيل ، حكي عنه أنّ الصغائر تغفر لمن اجتنب الكبائر على طريق التفضّل لا على طريق الاستحقاق ، وزعم أنّ الإيمان كله إيمان بالله ، منه ما تركه كفر ومنه ما تركه فسق ليس بكفر ، كالصلاة وصيام شهر رمضان ، ومنه ما تركه صغير ليس بفسق ولا كفر ، ومنه ما تركه ليس بكفر ولا بعصيان كالنوافل (ش ، ق ، ٢٦٧ ، ١٤)

ـ قال" هشام الفوطي" : الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها والإيمان على ضربين : إيمان بالله وإيمان لله ، ولا يقال إنّ إيمان بالله ، فالإيمان بالله ما كان تركه كفرا بالله ، والإيمان لله يكون تركه كفرا ويكون تركه فسقا ليس بكفر نحو الصلاة والزكاة ، فذلك إيمان لله فمن تركه على الاستحلال كفر ومن تركه على التحريم كان تركه فسقا ليس بكفر ، ومما هو إيمان لله عند هشام ما يكون تركه صغيرا ليس بفسق

٢٥٦

(ش ، ق ، ٢٦٨ ، ١)

ـ قال" عبّاد بن سليمان" : الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغّب فيه من النفل ، والإيمان على وجهين : إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافرا كالملّة والتوحيد ، والإيمان لله إذا ترك تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه ضلالا وفسقا ومنه ما يكون تركه صغيرا ، وكل أفعال الجاهل بالله عنده كفر بالله (ش ، ق ، ٢٦٨ ، ٨)

ـ قال" إبراهيم النظّام" الإيمان اجتناب الكبائر ، والكبائر ما جاء فيه الوعيد ، وقد يجوز أن يكون فيما لم يجيء فيه الوعيد كبير عند الله ، ويجوز أن لا يكون فيه كبير (ش ، ق ، ٢٦٨ ، ١٣)

ـ " محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" يزعم أنّ الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه على عباده ، وأنّ النوافل ليس بإيمان ، وأنّ كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله ، وهي أيضا إيمان بالله (ش ، ق ، ٢٦٩ ، ٦)

ـ الذي تفرّد به" جهم" القول بأنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان ، وأنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط (ش ، ق ، ٢٧٩ ، ٣)

ـ إن قال قائل ما الإيمان عندكم بالله تعالى ، قيل له هو التصديق بالله وعلى ذلك إجماع أهل اللغة التي نزل بها القرآن (ش ، ل ، ٧٥ ، ٣)

ـ إنّ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ش ، ب ، ٢٤ ، ٣)

ـ الإيمان إنّما يكون بالغيب لأنّه تصديق (م ، ت ، ٣٩ ، ٨)

ـ قال قوم : الإيمان هو الإقرار باللسان خاصّة وليس في / القلب شيء (م ، ح ، ٣٧٣ ، ٨)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : ونحن نقول وبالله التوفيق : أحق ما يكون به الإيمان القلوب ، بالسمع والعقل جميعا (م ، ح ، ٣٧٣ ، ١٠)

ـ الإيمان في اللغة هو التصديق (م ، ح ، ٣٧٥ ، ٧)

ـ إنّ القلب هو موضع الإيمان (م ، ح ، ٣٧٥ ، ١٦)

ـ إنّ الخطاب بالإيمان يلزم بالعقول ، ويعرف حقيقة ما به الإيمان بالكفر والنظر ، وذلك عمل القلوب ، فمثله الإيمان (م ، ح ، ٣٧٨ ، ٤)

ـ إنّ الإيمان اسم للخاص من العبادات لا للكل (م ، ح ، ٣٧٩ ، ١٣)

ـ الإيمان معرفة إنّما هو التصديق / عند المعرفة ، هي التي تبعث عليه ، فسمّي بها ، نحو ما وصف الإيمان بهبة الله ونعمته ورحمته ، ونحو ذلك بما يظفر به ، لا أنه في الحقيقة فعل الله ، لكن لا يخلو حقيقته عن ذلك ، فنسب إليه ، فمثله أمر الإضافة إلى العلم والمعرفة (م ، ح ، ٣٨٠ ، ١١)

ـ روى في قصة جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد أن لا إله إلّا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في الأوّل : فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح ، ٣٩٣ ، ١١)

ـ إنّ الإيمان هو اسم لشهادة العقول والآثار بالتصديق على وحدانيّة الله تعالى ، وأنّ له

٢٥٧

الخلق ، والأمر في الخلق ، لا شريك له في ذلك (م ، ح ، ٣٩٤ ، ١٧)

ـ إنّ الإيمان محلّه القلب والمعاصي محلّه الأعضاء وهما في محلّين مختلفين فلا يتنافيان (م ، ف ، ٣ ، ١٤)

ـ الإيمان معرفة الله تعالى بالألوهيّة ، ومحلّه القلب لقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات : ٧) والقلب داخل الصدر (م ، ف ، ٦ ، ١٢)

ـ ما الإيمان؟ فقال النبي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم والآخر ، والقدر خيره وشره من الله (م ، ف ، ٧ ، ١٤)

ـ إنّ الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان ، فإذا صدقه بقلبه وأقرّ به بلسانه فإنّه مؤمن ، وإذا صدقه بقلبه ولم يقرّ بلسانه وهو في الإمكان من الإقرار فإنّه لا يصير مؤمنا كما لو أقرّ بلسانه ولم يصدق بجنانه (م ، ف ، ٧ ، ٢٢)

ـ إنّ الإيمان بالتقليد صحيح وإن لم يهتد إلى الإسلام خلافا للمعتزلة والأشعرية إنّهما لا يصححان الإيمان بالتقليد ويقولان بكفر العامة ، وهذا قبيح لأنّه يؤدي إلى تفويت حكمة الله تعالى في الرسالة والنبوة (م ، ف ، ٨ ، ٩)

ـ إنّ الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان ، والعمل بالشرائع لا من الإيمان (م ، ف ، ٨ ، ١٨)

ـ قالت الشكاكيّة ، العمل من الإيمان وعن هذا قالت بزيادة الإيمان ونقصانه ، واحتجت بقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) (التوبة : ١٢٤) (م ، ف ، ٨ ، ٢٠)

ـ إنّ الإيمان لا يرتفع بالكبيرة (م ، ف ، ١٦ ، ١٦)

ـ إنّ الإيمان بالله عزوجل هو : التصديق بالقلب ، بأنّه الله الواحد ، الفرد ، الصمد ، القديم ، الخالق ، العليم ، الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ب ، ن ، ٢٢ ، ١٣)

ـ اتفق أهل اللغة قبل نزول القرآن وبعث الرسول عليه‌السلام على أنّ الإيمان في اللغة هو التصديق دون سائر أفعال الجوارح والقلوب (ب ، ن ، ٢٢ ، ٢٢)

ـ اعلم أنّ حقيقة الإيمان هو : التصديق. والدليل عليه قوله تعلى إخبارا عن إخوة يوسف عليه‌السلام : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (يوسف : ١٧) ، أي بمصدّق لنا وأيضا : أنّ الرسول عليه‌السلام لما أخبر عن كلام البقرة والذئب ، فقال : " أنا أو من به وأبو بكر وعمر" يريد أصدّق. وأيضا : قول أهل اللغة : فلان يؤمن بالبعث والجنّة والنّار ؛ أي يصدّق به. وفلان لا يؤمن بعذاب الآخرة ، أي لا يصدّق به (ب ، ن ، ٥٥ ، ٩)

ـ إنّ كل إيمان إسلام ، وليس كل إسلام إيمانا ، لأنّ معنى الإسلام الانقياد ، ومعنى الإيمان التصديق ، ويستحيل أن يكون مصدّق غير منقاد ، ولا يستحيل أن يكون منقاد غير مصدّق ؛ وهذا كما يقال : كل نبيّ صالح ، وليس كل صالح نبيّا (ب ، ن ، ٥٩ ، ١)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإيمان والكفر أمارتان للثواب والعقاب وليسا بعلّتين موجبتين لهما. وربّما اعتلّ في ذلك بأنّهما لو كانا موجبين للثواب والعقاب وكانا علّة لهما لم يجز أن يتأخّر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب ، لأنّ العلّة لا يجوز أن تتقدّم المعلول ولا أن تتأخّر عنه ، كالعلم الذي هو علّة في كون العالم عالما لا يصحّ أن يوجد العلم ولا

٢٥٨

يكون العالم به عالما ، كما لا يصحّ أن يعدم ويكون العالم عالما (أ ، م ، ٩٩ ، ٢١)

ـ إنّ الإيمان هو تصديق القلب ، وهو اعتقاد المعتقد صدق من يؤمن به. وكان لا يجعل إقرار اللسان مع إنكار القلب إيمانا على الحقيقة. وكان لا يسمّي المنافق مؤمنا على الحقيقة ، بل كان يقول إنّه كافر لاعتقاده وغير مؤمن لإقراره (أ ، م ، ١٥٠ ، ١٦)

ـ بعض الناس ، فرّق بين المؤمن والمسلم ، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) فالله تعالى فصل بين الإيمان والإسلام ، فلو كانا جميعا بمعنى واحد لم يكن للفصل بينهما وجه (ق ، ش ، ٧٠٧ ، ٨)

ـ إنّ الإيمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات الفرائض دون النوافل واجتناب المقبحات ، وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبحات ، وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة (ق ، ش ، ٧٠٧ ، ١٦)

ـ عند النجارية وجهم ، أنّ الإيمان هو المعرفة بالقلب (ق ، ش ، ٧٠٨ ، ١٧)

ـ عند الكراميّة أنّ الإيمان إنّما هو الإقرار باللسان (ق ، ش ، ٧٠٩ ، ٤)

ـ ذهبت الأشعرية إلى أنّ الإيمان هو التصديق بالقلب (ق ، ش ، ٧٠٩ ، ٧)

ـ إنّ الإيمان عبارة عن الواجبات والطاعات ، ولا يختصّ القلب فقط (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ١٩)

ـ قال شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، إنّ الإيمان منه ما يقع على طريق الإلجاء والإكراه ، ولا يستحقّ به فاعله ثوابا ، وذلك نحو ما أراده الله سبحانه بقوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) (الأنعام : ١٥٨) فبيّن تعالى أنّهم عند مجيء الآيات يؤمنون على جهة الإلجاء ، ولا يستحقّون به ثوابا ولا نفعا. وقال تعالى مخبرا عن فرعون لما أدركه الغرق : (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) (يونس : ٩٠ ـ ٩١) فبيّن أنّه لا يدفع إيمانه عند معاينة سبب الموت ، وإن كان ما فعله منه إيمانا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦٤ ، ٧)

ـ الإيمان إنّه اجتناب الكبيرة فحسب (النظّام) (ب ، ف ، ١٤٤ ، ١٩)

ـ أتباع يونس بن عون الذي زعم أنّ الإيمان في القلب واللسان ، وأنّه هو المعرفة بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له بالقلب ، والإقرار باللسان أنّه واحد ليس كمثله شيء ، ما لم تقم حجّة الرسل عليهم‌السلام ، فإن قامت عليهم حجّتهم لزمهم التصديق لهم ، ومعرفة ما جاء من عندهم في الجملة من الإيمان ، وليست معرفة تفصيل ما جاء من عندهم إيمانا ولا من جملته. وزعم هؤلاء أنّ كل خصلة من خصال الإيمان ليست بإيمان ولا بعض إيمان ، ومجموعها إيمان (ب ، ف ، ٢٠٢ ، ١٨)

ـ أتباع غسّان المرجئ الذي زعم أنّ الإيمان هو الإقرار أو المحبة لله تعالى وتعظيمه وترك الاستكبار عليه (ب ، ف ، ٢٠٣ ، ٧)

ـ أتباع أبي معاذ التّومني الذي زعم أنّ الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال من تركها أو ترك خصلة منها كفر ، ومجموع تلك الخصال إيمان ، ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض إيمان (ب ، ف ، ٢٠٣ ، ١٥)

٢٥٩

ـ أتباع أبي ثوبان المرجئ الذي زعم أنّ الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسله وبكل ما يجب في العقل فعله ، وما جاز في العقل أن لا يفعل فليست المعرفة به من الإيمان (ب ، ف ، ٢٠٤ ، ٨)

ـ كان يقول (بشر المريسي) في الإيمان : إنّه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا (ب ، ف ، ٢٠٥ ، ٥)

ـ قال أبو شمر : الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه الأمّة ، كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ ، وتحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، ووطء المحارم ونحو ذلك ، وما عرف بالعقل من عدل الإيمان وتوحيده ونفي التشبيه عنه ، وأراد بالعقل قوله بالقدر ، وأراد بالتوحيد نفيه عن الله صفاته الأزلية. قال : كل ذلك إيمان ، والشاك فيه كافر ، والشاك في الشاك أيضا كافر ، ثم كذلك أبدا. وزعم أنّ هذه المعرفة لا تكون إيمانا إلّا مع الإقرار (ب ، ف ، ٢٠٦ ، ١)

ـ كان غيلان القدري يجمع بين القدر والإرجاء ، ويزعم أنّ الإيمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى ، والمحبة ، والخضوع ، والإقرار بما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبما جاء من الله تعالى. وزعم أن المعرفة الأولى اضطرار ، وليس بإيمان. وحكى زرقان في مقالاته عن غيلان أنّ الإيمان هو الإقرار باللسان ، وأنّ المعرفة بالله تعالى ضروريّة فعل الله تعالى وليست من الإيمان. وزعم غيلان أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتفاضل الناس فيه (ب ، ف ، ٢٠٦ ، ١٦)

ـ زعم محمد بن شبيب أنّ الإيمان هو الإقرار بالله ، والمعرفة برسله وبجميع ما جاء من عند الله تعالى مما نصّ عليه المسلمون : من الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ ، وكل ما لم يختلفوا فيه. وقال : إنّ الإيمان يتبعّض ، ويتفاصل الناس فيه ، والخصلة الواحدة من الإيمان قد تكون بعض الإيمان ، وتاركها يكفر بترك بعض الإيمان ، ولا يكون مؤمنا بإصابة كلّه (ب ، ف ، ٢٠٧ ، ٢)

ـ زعم الصالحي أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، والكفر هو الجهل به فقط (ب ، ف ، ٢٠٧ ، ٨)

ـ الذي يجمع النجّارية في الإيمان قولهم بأنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى ، وبرسله ، وفرائضه التي أجمع عليها المسلمون ، والخضوع له ، والإقرار باللسان ؛ فمن جهل شيئا من ذلك بعد قيام الحجّة به عليه أو عرفه ولم يقرّ به فقد كفر. وقالوا : كل خصلة من خصال الإيمان طاعة ، وليست بإيمان ، ومجموعها إيمان ، وليست خصلة منها عند الانفراد إيمانا ولا طاعة (ب ، ف ، ٢٠٨ ، ١٠)

ـ الجهميّة : أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات كلها ، وزعم أنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضا أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، وأنّ الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى ، وإنّما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ، كما يقال : زالت الشّمس ، ودارت الرّحى ، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لم وصفتا به. وزعم أيضا أنّ علم الله تعالى حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنّه شيء أو حيّ أو عالم أو مريد ، وقال : لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيء ،

٢٦٠