موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

وفعل ذلك بحسب قدرته ، لأنّه يعدو على حسب ما يقدر عليه في السرعة والإبطاء ، ويفعل السلوك بحسب علمه في قرب الطريق وبعده. فليس يخرجه الإلجاء أن يكون قادرا على ما يقع منه ، وإن صرفه من فعل إلى فعل ، كما قوي في نفسه من العلم بالمضرّة والخوف الشديد. فيجب ، إن سلك القوم في الطبع هذا المسلك ، أن يقولوا : إنّ قوة الدواعي إلى النظر ، تصرف القادر عن ترك النظر إلى النظر ، ولا يخرج هو من أن يكون واقعا باختياره وقدرته. وهذا قولنا ، فالإلجاء بأن يقوّي ما نقوله أولى. ولعلّ من تعلّق منهم به ، ظنّ أننا نوافقهم ، ونجعل الفعل عنده واقعا بالطبع ، فأراد أن يحمل ما يحصل عند الدواعي القوية عليه. وقد أخطأ في ذلك ، لأنا نسوّي بين الأمرين ، وإن جعلنا للإلجاء من الحكم ما لا نجعله من الدواعي القويّة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٧ ، ٦)

ـ إنّ الإلجاء يمنع من استحقاق الذمّ والمدح كما يمنع من استحقاق الثواب والعقاب (ق ، غ ١٣ ، ٤٢١ ، ١٢)

ـ أمّا الإلجاء في الآخرة فهو على وجه لا مضرّة فيه. فكذلك نقول إنّ الآخرة استمرار استحقاق العوض (ق ، غ ١٣ ، ٤٦٣ ، ١٧)

ـ إنّا لا نعتبر في باب الإلجاء إلّا بنفس السبب الذي به يثبت الإلجاء دون المقدّمات التي لا بدّ منها لكي يكون ذلك السبب ملجئا. وهذا كما نقوله في تعليق الأحكام بالعلل أنّ المعتبر هو ما به يثبت الحكم دون ما يتقدّم وإن كان لا بدّ منه ولولاه ما حصلت العلّة (ق ، غ ١٣ ، ٤٦٤ ، ٣)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّ الإلجاء آكد من الإيجاب ، لأنه دالّ أنّ الفعل معه لا يخرج عن صفة الواجب ، وهو مع ذلك لا بدّ من وقوعه (ق ، غ ١٤ ، ١٩ ، ١٤)

ـ وبعد ، فإنّ الفعل لا يجوز أن يقترن به الإلجاء ، إلّا في أن يفعل ، أو ألّا يفعل ، لأنّ ثبوت الإلجاء إلى الوجهين يستحيل ، فإن صار ملجأ إلى فعله ، فلو لم يفعله لا يستحقّ الذمّ ، كما يقوله في الهرب من السبع بالعدو على الشوك ، وإن كان ملجأ إلى ألّا يفعله ، فلو فعله لاستحقّ الذمّ أو المدح. وقد بيّنا أنّ الذي به ينفصل الواجب من غيره ، هو استحقاق الذمّ بألّا يفعل ، وأنّ استحقاق المدح على فعله قد يوافقه فيه المندوب ، فلا يدخل تحت الحدّ الواجب ، وذلك ثابت في العدو على الشوك تخلّصا من السبع ، فيجب القضاء بوجوبه ؛ فإن كان المعلوم من حال الملجأ أنّه سيفعله لا محالة ، فكأن الواجب إذا اقترن به الإلجاء ، أثّر في حكمه ، لا في وجه وجوبه ، كما أن القبيح إذا اقترن به الإلجاء أثر في ذلك ، وكما أن فقد العقل إذا اقترن بالقبيح أثّر في حكمه ، لا في قبحه (ق ، غ ١٤ ، ٢٠ ، ١٦)

ـ أمّا الفعل إذا أدّى إلى نفع ، وهو بنفسه يقع ، فهو داخل في الإلجاء (ق ، غ ١٤ ، ٢٦ ، ٦)

ـ إنّ الإلجاء في أنّه يصرف عن الفعل على كل حال ، أصل متقرّر في الشاهد ، ولذلك يحل محل المنع ، ألا ترى أنّ أحدنا إذا علم أنّه لو رام الإقدام على ملك بين يديه جيشه وحشمه ، لقطع دون ذلك ، بل كان يقتل قبل وصوله إلى ما رامه ، أنّه ينصرف بذلك عن هذا الفعل ، كانصراف من قد منع من القرب من الملك ، وحيل بينه وبينه ، بل قد عرفنا أنّ الظنّ في ذلك يقوم مقام العلم ، وإذا ثبت ذلك وصحّ أنّ

٢٠١

الإعلام منه تعالى آكد مما ذكرناه في الشاهد ، فيجب أن يحكم بأنّه يصرف العبد عن القبيح ، كما أن المنع يصرفه عنه ، وذلك يمنع من التكليف (ق ، غ ١٤ ، ١٣٥ ، ١٣)

ـ إنّ الإلجاء والحمل يسقط وجوب الواجب ، ويخرج فاعله من أن يستحقّ به المدح ، على ما قدّمناه في باب الإلجاء ، وإن كان قد يجوز أن يستغني عن هذه الشريطة ، من حيث يسقط وجوبه أصلا مع الإلجاء (ق ، غ ١٤ ، ١٧٨ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ الإلجاء لا يدخل فيما يفعل لحسنه ، أو لا يفعل لقبحه ، ولذلك لا يصحّ الإلجاء على القديم سبحانه ، مع علمنا بأنّه يفعل الفعل لحسنه ، ولا يفعل المقبّحات لقبحها ، فإذا انفرد المفعول والمتروك بما ذكرناه ، لم يتعلّق الإلجاء به. فأما إذا افترق بذلك المنافع والمضار ، فالإلجاء فيه مدخل عليها (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٣ ، ١٢)

ـ إنّ الداعي إذا قوي ، وبلغ حدّ الإلجاء ، فإنّما يخالف حاله حال ما لا يبلغ هذا المبلغ في أحكام : منها سقوط الذمّ والمدح ، فيصير الملجأ وإن فعل وترك بمنزلة الساهي والنائم. ومنها قبح التكليف ، وزوال الأمر والنهي ، لأنّ ذلك إنّما يحسن فيما يصحّ فيه الذمّ والمدح. ومنها أنّ فعل الملجأ كأنّه فعل الملجئ ، في أنّه لا يتعلّق به شكر ولا ذم ، إن كان من باب الإحسان والإساءة. ومنها أنّ فعله يصير كأنّه فعل الملجئ ، في باب العوض ، فيتعلّق ذلك بالملجئ دونه ، وكل ذلك مما بيّناه متفرّقا في الكتاب. ولهذه الجملة قلت : إن ما يتناوله التكليف من الفعل والترك ، لا بدّ من أن يقترن بنفعه الضرر ، وبضرره النفع. حتى تتردّد دواعيه بين الفعل والترك ، فيزول فيه الإلجاء ، ويصحّ أن يفعله على الوجه الذي كلّف أو لا أن يفعله ، وعلى الوجه الذي لزمه ألّا يفعله (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٣ ، ١٦)

ـ إنّ الإلجاء لا يصحّ في المنافع الغائبة المستدركة بالنظر ، وإنّما يصحّ في الحاضر ، أو فيما هو في حكم الحاضر. فإذا صحّ ذلك لم يجب أن يدخل الإلجاء في باب التكليف ، كما دخل في مصالح الدنيا. ولذلك قلنا : إنّ الإلجاء أوكد سببا من الإيجاب ؛ لأنّه ، إذا صار في الفعل دفع ضرر عظيم ، فقد زاد وجه فعله على القدر الذي يجب لأجله ، فحصل ملجأ إلى فعله. لكن الغرض بتكليف الشرائع ، وغيرها ، استحقاق الثواب على الحدّ الذي يستحقّ عليه المدح والتعظيم. وذلك لا يتأتى في الإلجاء. فلذلك لم يدخل تحت هذا التكليف (ق ، غ ١٥ ، ١٣٦ ، ١٤)

ـ إنّما المعنيّ بالإلجاء عندهم (المعتزلة) إظهار آيات هائلة يؤمن عندها الكفّار (ج ، ش ، ٢١٤ ، ١)

ـ لكل قوم هاد قادر على هدايتهم بالإلجاء وهو الله تعالى ، ولقد دلّ بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته أنّ إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره أمر مدبّر بالعلم النافذ مقدّر بالحكمة الربانيّة ، ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرا ومصلحة لأجابهم إليه (ز ، ك ٢ ، ٣٥٠ ، ٢٠)

إلجاء آكد من إيجاب

ـ إنّما يعني شيوخنا ، رحمهم‌الله بقولهم : إنّ الإلجاء آكد من الإيجاب ؛ أنّه أبلغ منه فيما لو يفعل ، وأنّه كهو في استحقاق الذمّ بأن لا

٢٠٢

يفعل ، لا أنّ معنى الوجوب في الحقيقة يصحّ فيه. وقد يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل الواجب ، وأحكامه أحكام القبيح ، فلا وجه لشرح القول فيه. وقد يستحقّ المدح بأن لا يفعل القبيح ، إذا كان له إلى فعله داع. والقول فيه ، كالقول في فعل الواجب. وإنّما تحصل هذه الأحكام ، لمن يصحّ أن يحدث الفعل. فمتى أحدثه على بعض الوجوه ، ولم يفعله مع التمكّن وزوال الأعذار ، تعلّقت هذه الأحكام به. ولهذا قلنا إنّ المجبرة لا يصحّ لها القول بشيء من هذه الأحكام في الشاهد ، لإضافتها هذه الأفعال إلى القديم ، جلّ وعزّ. وفي هذا إفساد طريق إثباته في الغائب (ق ، غ ٨ ، ١٧٦ ، ١٠)

إلزام

ـ اعتمد مثبّتو الأحوال على الدلالة والإلزام : أمّا الدلالة فهو أنّهم قالوا : الذوات المختلفة كالسواد والبياض مثلا لا محالة أنّهما متّفقان في شيء وهو اللونيّة ، ومختلفان في شيء وهو السواديّة والبياضيّة ، وليس ما به وقع الاتّفاق ، هو ما به وقع الاختلاف ، وإلّا كانا شيئا واحدا ؛ فإذا هما غيران وهو المقصود. وأمّا ما اعتمدوه إلزاما ، فهو أنّهم قالوا : القول بإنكار الأحوال يفضي إلى إنكار القول الحدود والبراهين ، وأن لا يتوصّل أحد من معلوم إلى مجهول. ولا سيّما صفات الربّ تعالى ؛ إذ منشأ القول بها ليس إلّا قياس الغائب على الشاهد. وهذا كله محال (م ، غ ، ٣١ ، ٥)

ألطاف

ـ إنّما يفعل تعالى الألطاف لغيره لا لنفسه ، تعالى عن ذلك. وهذا الوجه يعود في التحقيق إلى ما تقدّم ؛ لأنّ أحدنا إنّما يجب عليه اللطف ليدفع به الضرر عن نفسه من حيث لو لم يفعله لاستحقّ العقاب ، من حيث كان يختار القبيح والإخلال بواجب ، فصار اللطف من حيث يقتضي ألّا يفعل ذلك في حكم ما يزيل به عن نفسه العقاب مع ما يستحقّ عليه من الثواب. وقد بيّنا أن هذا الوجه لا يصحّ عليه تعالى (ق ، غ ١١ ، ٨٩ ، ١١)

ـ الألطاف إنّما تجب ، لأنّها مصالح فيما كلّف وألزم (ق ، غ ١٤ ، ٥٤ ، ١٠)

ـ أمّا الشرائط الرّاجعة إلى الآمر ، فتختلف بحسب الآمرين. فإن كان الآمر هو الله عزوجل ، وجب أن يعلم من حال المكلّف والمأمور به والأمر ما ذكرناه ؛ وأن يكون غرضه تعريض المكلّف للثّواب ، وأن يكون عالما بأنّه سيشيبه إن أطاع ولم تحبط طاعته. وإن كان الآمر لا يعلم الغيب ، وجب أن يعلم حسن ما أمره به ، وثبوت غرض فيه إمّا له أو لغيره ؛ وأن يظنّ أنّ المكلّف سيتمكّن من الفعل التّمكّن الذي ذكرناه. والدّلالة على اشتراط ما ذكرناه ، هو أنّ الله سبحانه ، مع حكمته ، لا يجوز أن يلزمنا المشاق مع إمكان إلزامه إيّانا غير شاق ، إلّا ليجعل في مقابلته الثّواب. وإلّا جرى إلزامه الشّاق مجرى ابتداء المضارّ من غير نفع. ولا يكون غرضه ما ذكرناه إلّا وهو سيثيب المطيع. فإذا كان عالما بما يكون ، فهو عالم أنّه يفعل ذلك. ولا يكون غرضه ما ذكرناه ، إلّا وقد أزاح علل المكلّف بالتّمكّن ، وتردّد الدّواعي التي يزول معها الإلجاء. ويدخل في ذلك الألطاف ورفع المفاسد. فلذلك لم يرد الأمر منه تعالى على وجه المفسدة. ولأنّه إن لم يكن المكلّف متمكّنا من

٢٠٣

الأمور التي ذكرناها ، في الوقت الذي يحتاج إليه الفعل ، كان قد كلّفه ما لا يطيقه. وقد دخل في ذلك ما يجب أن يتقدّم من التّمكين والأدلّة والأمارات. وقد دخل تحت تمكّن المكلّف من الفعل أن يكون الفعل غير مستحيل في نفسه. لأنّه لا يجوز أن يتمكّن القادر من فعل ما يستحيل في نفسه. فقد دخلت الشّرائط المذكورة تحت ما ذكرناه (ب ، م ، ١٧٩ ، ٩)

ـ من لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له ، وهذا الكلام مجراه مجرى الكنايات ، لأنّ الألطاف إنّما تردف الإيمان والعمل أو كونهما مترقبين (ز ، ك ٣ ، ٧٠ ، ٩)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسّط الأنبياء عليهم‌السلام امتحانا واختبارا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٢٠)

ـ التكاليف كلها ألطاف ، وبعثة الأنبياء ، وشرع الشرائع ، وتمهيد الأحكام والتنبيه على الطريق الأصوب ، كلها ألطاف (ش ، م ١ ، ٨١ ، ٢٢)

ـ في الألطاف : القول بها فرع على القول بالعدل ، فلا نناظر المجبر فيهما ، إذ هي ما يحار المكلّف عنده الفعل والترك (م ، ق ، ١٠٤ ، ٢٢)

ألقاب

ـ الألقاب تجري مجرى الإشارة ، لأنّ اللقب لا يفيد فيه صفة مخصوصة ، ولا مجموع صفاته. ألا ترى أنّه ينقص بعض صفاته وأعضائه ، ويزيد له صفة أخرى من طول وسمن ، ولا يتغيّر اسمه. ويجوز أن تتغيّر الألقاب على الشخص ، مع أنّ اللغة باقية ، وإنّما جاز ذلك لأنّ تسمية هذا الشخص" زيدا" لم تكن توضع من واضعي اللغة ، حتى إذا سلبناه عنه كنا قد خالفنا لغتهم. وليس كذلك إذا سلبنا اسم الطويل عن الطويل ، وعوّضناه منه اسم القصير ، لأنّ ذلك تغيير لوضعهم. فلم يجز ذلك ، مع أنّنا متكلّمون بلغتهم (ب ، م ، ١٥ ، ٢٣)

الله

ـ أمّا قولنا الله فمعناه ما ذكرناه في قولنا إله ، لكن الصيغة غيّرت ، وإن كانت الفائدة واحدة ، فحذفت الهمزة استثقالا ؛ وعوّضوا الألف واللام منها ، واللام الأولى ساكنة ، فأدغمت في الثانية ، فصار الله. وقال شيخنا أبو علي : إنّ الهمزة خفّفت ، فلزم إدغام إحدى اللامين في الأخرى ، فوجب أن يقال إنّه الله (ق ، غ ٥ ، ٢١٢ ، ١)

ـ قال شيخنا أبو هاشم : إنّ أهل العربية يقولون إنّ تسمية الله جارية مجرى أسماء الأعلام ، ومرادهم بذلك أنّ استعمالهم له يجري مجرى استعمالهم لأسماء الأعلام دون الصفات ، وإن كان يتضمّن معنى وصفه بأنّه إله ، فلذلك قيل فيه سبحانه إنّه يسمّى بذلك فيما لم يزل ولا يزال كما قيل ذلك في إله (ق ، غ ٥ ، ٢١٢ ، ٦)

ـ أمّا" الله" ، فالصحيح أنّه بمثابة الاسم العلم للباري سبحانه ، ولا اشتقاق له. ثم قيل : أصله إله ، فزيدت اللام فيه تعظيما. وقيل : الإله ، ثم حذفوا الهمزة المتخلّلة ، وأدغموا اللام للتعظيم في التي تليها. وقيل : أصله لاه ، فزيدت فيه

٢٠٤

اللام تعظيما. وقال بعض أهل اللغة : هو من التألّه ، وهو التعبّد ، فالله معناه المقصود بالعبادة (ج ، ش ، ١٣٨ ، ٧)

ألم

ـ اعلم أنّ الملتذّ إنما يلتذّ بإدراك ما يشتهيه ، فمتى أدرك ما هذه حاله صار ملتذّا. وإنّما يصير ألما متى أدرك ما ينفر طبعه عنه ، فعند ذلك يوصف بأنه ألم (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٤)

ـ إنّ شيخنا أبا إسحاق بن عياش رحمه‌الله كان ينفي الألم أصلا ، ويقول إنّه ليس بمعنى وإنّما يألم الحيّ إذا بطلت صحّة جسمه وانتفت الحياة عنه عن ذلك الموضع فيألم عند ذلك كما يألم إذا أدرك المرارة (ق ، غ ٩ ، ٥٩ ، ٩)

ـ إنّ الألم لا يوجد من فعلنا إلّا متولّدا أو يسببه التفريق الذي تنتفي به الصحّة (ق ، غ ١٣ ، ٢٣٧ ، ١)

ـ إنّ الألم قد يحسن للنفع كما يحسن للاستحقاق ، وإن كان الوجهان يصحّ في القديم تعالى (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٧ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الألم لو قبح لذاته وجنسه لوجب أن تقبح اللذّة لأنّها قد تكون من جنس الألم على ما بيّناه من قبل. وذلك ينقض مذهب القوم. ولو قبح لجنسه وذاته ، لكان لا تعلّق لقبح الفعل بفاعله البتّة. وفي علمنا بأنّ في القبائح ما يتغيّر حاله بمقاصده دلالة على فساد هذا القول. وقد علمنا أن تناول المأكول بعد الشبع من جنس تناوله قبله ، فكان يجب إذا قبح أحدهما أن يقبح الآخر ؛ وكان يجب في كل قبيح ـ على هذه الطريقة ـ أن يقبح لذاته وجنسه ، حتى يقبح الصدق على كل وجه إذا كان جنس الكذب ، وحتى يقبح المشي إلى ما ينفع كما يقبح إلى ما يضرّ. وفي ذلك قلب العقول ونقض مذاهب القوم (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٨ ، ٩)

ـ اعلم أنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله ذكر في مسائله من غير قطع عليه أنّ الألم لا يمتنع أن يقبح لأنّه ضرر ، ودلّ عليه بأنّه متى علم ضررا ، أو جوّز كونه كذلك ، علم أنّه قبيح. وإنّما يعلم حسنه بخروجه من هذه الصفة (ق ، غ ١٣ ، ٢٩٣ ، ٣)

ـ إنّ الألم قد يحسن لدفع ضرر أعظم منه (ق ، غ ١٣ ، ٣٣٥ ، ٢)

ـ إنّ الألم إنّما يجوز على الحيّ منّا لكونه حيّا نافر الطبع عن المدرك ، لا لكونه عاقلا. وبيّنا أنّ الألم نفسه لا يحتاج إلى كمال العقل ولا النفور. وكذلك القول في الشهوة واللذّة ؛ إذا صحّ ذلك فيجب القضاء بأنّ غير العاقل كالعاقل في صحّة الآلام عليه. وإذا ثبت ذلك لم يمكن القطع على أنّ الطفل لا يألم (ق ، غ ١٣ ، ٣٨٣ ، ٣)

ـ زعم (أبو هاشم) أنّ الألم الذي يلحق الإنسان عند المصيبة ، والألم الذي يجده عند شرب الدواء الكريه ، ليس بمعنى أكثر من إدراك ما ينفر عنه الطبع ، والإدراك ليس بمعنى عنده ، ومثله إدراك جواهر أهل النار في النار ، وكذلك اللذّات عنده ليست بمعنى ولا هي أكثر من إدراك المشتهي ، والإدراك ليس بمعنى. وقال في الألم الذي يحدث عند الوباء : إنّه معنى كالألم عند الضرب ، واستدلّ على ذلك بأنه واقع تحت الحسّ ، وهذا من عجائبه (ب ، ف ، ١٩٦ ، ١٤)

ـ الألم هو معنى يحدث في الحيّ منّا عند التقطيع ، ويتعلّق به النفار ، وهو من

٢٠٥

المدركات. ولا يمكن المنع من ثبوت معنى مدرك ، وإنّما يقع الكلام في إثباته مفصّلا على الحدّ الذي نذكره. والحال في اللّذة يجري على هذا النحو. وإنّما يفترق الحال فيهما لافتراق ما يقترن بهما وإلّا فهما من نوع واحد (أ ، ت ، ٣٠٧ ، ٣)

ـ نفى الشيخ أبو إسحاق بن عيّاش أن يكون الألم معنى على الحدّ الذي نثبته. وقال : ليس هو إلّا خروج الجسم عن الاعتدال وجعل اللّذة حصول الاعتدال في الجسم وزوال أجزاء عنه كانت بمنزلة حمل الثقيل ، فأدّاه هذا القول إلى أن نفى النفار. ويلزمه نفي الشهوة إذا جعلناه لذّة على بعض الوجوه (أ ، ت ، ٣٠٧ ، ٧)

ـ الألم هو من الأجناس المقدورة لنا لوقوعه بحسب أحوالنا وبحسب ما نفعله من أجزاء الوهى ، ولكنّه ملحق بالأجناس التي لا يصحّ منّا أن نفعلها إلّا متولّدة كالصوت والتأليف ، فسبيله سبيلهما وهذا ظاهر ، لأنّه يتعذّر علينا الإيلام من دون تقطيع ويتعذّر إيجاد اللّذة من دون حكّ الجرب. ولو كان ذلك مقدورا له ابتداء لصحّ أن يفعله من دونه ، لأنّه يستضرّ بالحكّ. فثبت أنّا إنّما نقدر على فعله متولّدا. وهذا الحكم لا يجوز تعليله بعلّة لأنّا إن جعلنا العلّة كوننا قادرين بقدرة ، لم يصحّ لأنّا قد نوجد الكثير من الأجناس مبتدأ ، فكيف نجعل الحاجة إلى السبب لأجل القدرة. وهذا هو الواجب في غيره من الأجناس كي لا يصحّ فعله إلّا متولّدا (أ ، ت ، ٣٢٥ ، ٣)

ـ الألم نقصان ، ثم هو محوج إلى سبب ، هو ضرب ، والضرب مماسّة تجري بين الأجسام ، واللذّة ترجع إلى زوال الألم ، إذا حقّقت ؛ أو ترجع إلى درك ما هو محتاج إليه ، ومشتاق إليه (غ ، ق ، ١١٣ ، ٢)

إله

ـ إن قيل : أفيوصف تعالى بأنّه إله؟ قيل له : نعم! والمراد بذلك أنّه ممن تحقّ له العبادة وتليق به عند شيخينا أبي علي وأبي هاشم ، رحمهما‌الله ، وأبطلا قول من قال : إنّ الفائدة بذلك إنّه يوله إليه ، واستدلالا على ذلك بما ثبت عن أهل اللغة من وصفهم الأصنام أنّها آلهة من حيث اعتقدوا فيها أنّ العبادة تحقّ لها. وليس قولنا إن العبادة تحقّ له من قولنا إنّا يستحقّ العبادة بسبيل ، لأنّ معنى القول إنّه يستحقّ العبادة أنّ هناك مستحقّا عليه ، فلذلك لا يوصف به فيما لم يزل. وأما قولنا إن العبادة تحقّ له يراد بذلك أنه في ذاته ممن يصحّ أن ينعم الإنعام الذي به يستحقّ العبادة فتحقيقه يرجع إلى أنه قادر على خلق الأجسام وإحيائها والإنعام عليها النعمة العظيمة التي معها تصحّ العبادة ، فلذلك قلنا إنّه فيما لم يزل ممن تحقّ له العبادة من حيث كان قادرا لنفسه فيما لم يزل ، ولذلك خصّصناه بأنّه إله دون غيره من حيث اختصّ بكونه قادرا على القدر الذي يستحقّ به العبادة دون سائر القادرين (ق ، غ ٥ ، ٢١٠ ، ٩)

ـ إنّ الإله هو الذي تحقّ له العبادة وتليق به. ومعنى هذا الكلام أنّه القادر على أن يفعل من الإنعام ما يستحقّ به ذلك. فلمّا اختصّ بذلك دون غيره اختصّ بكونه إلها. وليس يستحقّ العبادة من حيث كان قادرا على فعل ما يستوجبها ، وإنّما يستحقّها من حيث فعل ذلك. ولذلك نصفه ـ تعالى ـ بأنّه إله الجماد ولا

٢٠٦

يستحقّ العبادة على الجماد ؛ وإن كان قادرا على أن يفعل به ما يستحقّ معه العبادة فهو غير فاعل به ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤١٨ ، ١٨)

ـ حلوليّة الرافضة فإنّهم وإن قالوا بأنّ الإله قديم فقد زعموا أنّ روح الإله انتقلت إلى الأئمة ، وزعموا أنّ الإمام بعد حلول روح الإله فيه يصير صانعا وإلها وهو حادث بنفسه (ب ، أ ، ٧٢ ، ٢)

ـ اختلف أصحابنا في معنى الإله : فمنهم من قال إنّه مشتقّ من الإلهيّة وهي قدرته على اختراع الأعيان ، وهو اختيار أبي الحسن الأشعري ، وعلى هذا القول يكون الإله مشتقّا من صفة. وقال القدماء من أصحابنا أنه يستحقّ هذا الوصف لذاته وهو اختيار الخليل بن أحمد المبرّد وبه نقول (ب ، أ ، ١٢٣ ، ٣)

إلهام

ـ (قال) (ابن الروندي) : ثم قال (يعني الجاحظ) : إنّهم (يعني الشيعة) جنوا على ولد رسول الله عليه‌السلام ومنعوهم من طلب العلوم ووهموهم أنّ الله يلهمهم إيّاها إلهاما. (قال) فإنّه لم يقصد به إلى خبر الشيعة ، لأنّه يعلم أنّه ليس كل الشيعة تقول بالإلهام ، وأنّ من قال منهم بالإلهام يزعم أنّ الناس جميعا لا يدركون العلوم إلّا بالإلهام ، وليس يخصّون بهذا ولد رسول الله صلى الله عليه دون غيرهم ، إلّا أنهم يفرّقون بين من يأتمّون به من ولد الرسول وبين غيرهم من سائر ولد الرسول ، وهم مع هذا يلتمسون العلوم ويطلبونها طلبا شديدا. فلو منعوا ولد الرسول منها لأنّها تقع إلهاما لامتنعوا هم أيضا منها لأنّها تقع لهم في عقدهم كذلك ؛ وما فيهم إلّا من يزعم أنّ ولد الرسول مأمورون بالتعلّم من سادة أهلهم وأعلامهم (خ ، ن ، ١١٠ ، ١٣)

إلهية

ـ إنّ الإلهيّة لمّا صحّت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة (ز ، ك ٢ ، ٥٦٧ ، ٧)

ـ قالت الصفاتية من الأشعرية والسلف إنّ الباري تعالى عالم بعلم قادر بقدرة حي بحياة سميع بسمع بصير ببصر مريد بإرادة متكلّم بكلام باق ببقاء ، وهذه الصفات زائدة على ذاته سبحانه ، وهي صفات موجودة أزليّة ومعان قائمة بذاته. وحقيقة الإلهية هي أن تكون ذات أزليّة موصوفة بتلك الصفات (ش ، ن ، ١٨١ ، ٥)

أم الكتاب

ـ أم الكتاب بالكسر وهو اللوح كقوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج : ٢١ ـ ٢٢) سمّي بأم الكتاب لأنّه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ (ز ، ك ٣ ، ٤٧٧ ، ١٥)

إماتة

ـ جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع. فإن قلت : فإذا لا حياة إلّا حياة الإنشاء وحياة البعث. قلت : ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أنّ الثلث ليس عندك ، وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة : الإنشاء والإماتة والإعادة ، والمطويّ ذكرها من جنس الإعادة (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٣)

٢٠٧

أمارات

ـ الأمارات تنقسم : فمنها ، ما يجب لا محالة. ومنها ما لا يجب ذلك فيه لعادات سابقة ولأمور معروفة عند العقلاء. وتنقسم من وجه آخر ؛ فربما وجب أن تكون حادثة ، وربما كانت مرتّبة في النفس لطرائق معروفة بالاختبار والعادة ، وربما ظهر الأمر فيها ، وربما غمض. فلذلك تختلف أحوال الخائفين ، وتختلف أحوال ما يعلمون وجوبه من نظر وتصرّف عند ورود الخوف عليهم. وتقصّي القول في الأمارات يطول (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ١٢)

ـ إنّ الخاطر هو كلام يفهمه من يرد عليه ، وسنبيّن ذلك من حاله. ولو كان ظنّا واعتقادا كما قاله شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، لكان لا يمتنع أيضا أن يقوم مقام دعاء الداعي. لأنّه يقتضي الخوف للأمارات المضامّة له ، لا بنفسه. فكيف لا يكون بمنزلة الخبر الواقع من الداعي؟ وقد قال شيخنا أبو هشام ، رحمه‌الله : إنّ الخاطر مع ما ينضاف إليه من الأمارات ، أقوى من الخبر بانفراده. فإذا كان الخبر يقتضي التخويف ، فبأن يقتضي الخاطر ذلك أولى. لكنّ دعاء الداعي مع ما ينبّه عليه من جهات الخوف ، التي يتبيّنها العاقل ، أقوى لا محالة من الخاطر مع ما يقترن به. لكن كل ذلك لا يقدح في تساويهما في باب التخويف الواقع ، ولا يمتنع أن تتفاوت أحوال الأمارات والأخبار وغيرهما فيما يحصل من الظنّ عندهما. لكنها أجمع لا تخرج من أن تكون أمارات تقتضي الظنّ وتتعلّق بها الأحكام (ق ، غ ١٢ ، ٣٩٦ ، ١)

أمارات

ـ زعمت" الدهرية" : أنّ الأجسام التي نشاهدها قديمة. وقالت" الموحّدة" : هي محدثة ، لأنّ الإمارات التي فيها من التحوّل والتنقل والتبدّل والاجتماع والافتراق أمارات الحدوث لا القدم (ع ، أ ، ١١ ، ٨)

أمارات ظنية

ـ إنّ الإمارات الظنيّة إذا تواترت أدّت إلى حكم العقل جزما بما توافقت عليه في إثباته ، وذلك كالتجربيّات المعدودة في الضروريّات (ط ، م ، ٣٥٣ ، ٩)

أمارة

ـ وجوب النظر في معرفة الله ، تعالى ، يتبع الخوف من تركه ، وذلك الخوف لا بدّ من أن يكون خوفا من مضارّ تتّصل بالدين كالعقاب والذمّ وما شاكلهما ، ولم يكن قد ترتّب في عقل العاقل هذا الباب من جهة العادة حتى نشأ عليه واختبره ومارسه كما نمارس الصناعات وتصرّف الناس ، فيعرف بذلك المقاصد وتترتّب عند ذلك في نفسه العلوم بالصناعات. فلا بدّ إذن من ورود أمارة عليه لكي يخاف عندها ، فيلزمه النظر. وتلك الأمارة هي تنبيه الداعي والخاطر ، لأنّهما يفيدانه ما يخاف عنده من العقاب بترك النظر ، ويدلّانه على ما ترتّب في عقله من الخوف الذي يجده فاعل القبيح والنقص الذي يختصّ به. فإنّه لا يأمن من مضرّة عظيمة تستحقّ به ، فيخاف عند ذلك. وسنرتّب كيفية الخاطر من بعض. فإذا ثبت ذلك ، صحّ أنّ علمه بوجوب النظر يتبع هذا الخوف. فإنّ هذا الخوف لا بدّ فيه من أمر حادث لفقد العادات فيه ، وأنّ ذلك الأمر الحادث هو الذي قلناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٧ ، ٦)

٢٠٨

ـ قد علمنا أنّه لا فائدة له بأن يكون المخبر على صفة أو ليس عليها ، وأنّ فائدته في ذلك إنّما تقع بأن نعلمه كذلك ، أو نعتقده على طريقة الظنّ. ولا حكم لما عدا هذين ؛ لأنّ ما خرج عنهما يصير كالتبخيت ، الذي وقوعه عقيب الخبر ، يحلّ محلّ وجوده ابتداء. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه ، فيما يقتضيه من العلم ، لا يخرج من قسمين : إمّا أن يقع ، عنده ، من فعل الله سبحانه ، فيكون علما ؛ أو ينظر فيه السامع فيكسب ، بنظره في أحوال الخبر ، علما. وما لا يمكن ذلك فيه فلا بدّ من أن تكون أمارة ، حتى تقع له به فائدة وغلبة الظنّ ، ثم يكون المظنون (فيما) تتعلّق عليه العبارة ، فيه ، بحسب قيام الدلالة ؛ فإن كان من باب العمل صحّ أن يلزم ، عند النظر ؛ وإن كان من باب العلم لم يصحّ أن يلزم عنده ، على ما نبيّنه من بعد (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٢ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الأمارة هي التي النظر الصحيح فيها يؤدّي إلى الظنّ. وبذلك نتميّز من الدلالة. والمتكلّمون يسمّون كل ما هذه سبيله" أمارة" ، عقليّا كان أو شرعيّا (ب ، م ، ٦٩٠ ، ٣)

ـ الأمارة هو الذي يلزم من العلم بها ظنّ وجود المدلول (ف ، م ، ٤٤ ، ٢٨)

ـ الأمارة : لغة العلامة ، واصطلاحا هي التي يلزم من العلم بها الظنّ بوجود المدلول كالغيم بالنسبة إلى المطر فإنّه يلزم من العلم به الظنّ بوجود المطر ، والفرق بين الأمارة والعلامة أنّ العلامة ما لا ينفكّ عن الشيء كوجود الألف واللام على الاسم ، والأمارة تنفكّ عن الشيء كالغيم بالنسبة للمطر (ج ، ت ، ٥٨ ، ١٠)

إمارة

ـ الإمارة هي التي يلزم من النّظر فيها الظنّ بالمدلول (ط ، م ، ٦٦ ، ١٩)

أمارة الشيء

ـ قد تسمّى أمارة الشيء ودلالته باسمه كما تسمّى دلائل العلم علما فيقال" في هذا الدفتر علم كثير" والمراد بذلك دلالات العلم. وكذلك يقال" كلام كثير" والمراد بذلك دلالاته. وقد يقال أيضا" رأيت الحبّ في وجه فلان" وإنّما رأى دلالته (أ ، م ، ١٥٢ ، ٢٣)

أمارة العجز

ـ إنّ الذي قالوا أمارة العجز ؛ إذ لا يقدر العبد على ما لا يتحقق مفعوله معه ، كما لا يقدر عليه دون استعمال نفسه بالتحريك والتّسكين (م ، ح ، ٤٨ ، ١٧)

إمام

ـ كان أبو بكر إماما بعقد المسلمين له الإمامة وإجماعهم على إمامته ، وكان عمر إماما بنصّ أبي بكر على إمامته ، وكان عثمان إماما باتفاق أهل الشورى عليه ، وكان عليّ إماما بعقد أهل العقد له بالمدينة (ش ، ق ، ٤٥٦ ، ٥)

ـ إنّما يصير الإمام إماما بعقد من يعقد له الإمامة من أفاضل المسلمين الذين هم من أهل الحلّ والعقد والمؤتمنين على هذا الشأن ؛ لأنّه ليس لها طريق إلّا النص أو الاختيار ؛ وفي فساد النص دليل على ثبوت الاختيار الذي نذهب إليه (ب ، ت ، ١٧٨ ، ٨)

ـ الإمام إنّما ينصب لدفع العدو وحماية البيضة وسد الخلل وإقامة الحدود واستخراج الحقوق (ب ، ت ، ١٨٤ ، ٦)

ـ إنّ الإمام إنما ينصب لإقامة الأحكام وحدود

٢٠٩

وأمور قد شرّعها الرسول ، صلى الله عليه ، وقد تقدّم علم الأمّة بها ، وهو في جميع ما يتولاه وكيل للأمّة ونائب عنها ؛ وهي من ورائه في تسديده وتقويمه وإذكاره وتنبيهه وأخذ الحق منه ، إذا وجب عليه ، وخلعه والاستبدال به ، متى اقترف ما يوجب خلعه ؛ فليس يحتاج مع ذلك إلى أن يكون معصوما (ب ، ت ، ١٨٤ ، ١٩)

ـ إنّ العصمة من شرط الرسالة وليس من شرط الإمامة ، لأنّ الرسول إنّما يخبر عن الغيب ويبتدئ الشرع ويوصل من جهته إلى ما لا يمكن الوصول إليه من جهة غيره. وليس كذلك الإمام ، لأنّه قد يشاركه غيره في العلم بحكم ما يمضيه وينفذه ، لأنّ مرجعه إلى الأصول التي هي مقدّرة معلومة ولغيره إلى ذلك طريق متى ما أراد الرجوع إليه أمكنه ، فلم يعتبر في أمره أكثر من عدالة الظاهر واستقامة طريقته فيه واستقلاله بما كلّف واضطلاعه بما يحمله ، مع فقد القطع على باطنه وسرّه لوجود مساواته لظاهره وعلانيته. فمتى أقام الأحكام وأنفذها في الظاهر على ما وردت به الآثار ودلّت عليه آي الكتاب وأقاويل الأمّة ، كان أمره في الإمامة منتظما ، ومتى ما زاغ عن ذلك عدل به إلى غيره وكانت الأمّة عيارا عليه (أ ، م ، ١٨١ ، ٢١)

ـ إنّ الإمام في أصل اللغة هو المقدّم ، سواء كان مستحقّا للتقديم أو لم يكن مستحقّا. وأمّا في الشرع فقد جعله اسما لمن له الولاية على الأمّة والتصرّف في أمورهم على وجه لا يكون فوق يده يد ، احترازا عن القاضي والمتولي. فإنّهما يتصرّفان في أمر الأمّة ولكن يد الإمام فوق أيديهم (ق ، ش ، ٧٥٠ ، ١١)

ـ اعلم أنّ الإمام إنّما يحتاج إليه لتنفيذ هذه الأحكام الشرعية ، نحو إقامة الحدّ وحفظ بيضة البلد وسدّ الثغور وتجييش الجيوش والغزو وتعديل الشهود وما يجري هذا المجرى (ق ، ش ، ٧٥٠ ، ١٧)

ـ ذهبت الإماميّة إلى أنّ الإمام إنّما يحتاج إليه لتعرف من جهته الشرائع (ق ، ش ، ٧٥١ ، ٥)

ـ قد علمنا من جهة العقل ، ما هو تمكين من الفعل ، كالقدرة ، والآلة وسائر ما يختصّ به القادر ، أو يرجع إلى حال الفعل ، فالإمام خارج عن ذلك كله ، فلا يصحّ أن يقال : إنّه تمكين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٩ ، ٨)

ـ إنّا نقول إنّ إقامة الإمام واجب ، ولسنا نقول : إنّ كون إمام في كل زمان واجبا لا بدّ منه (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٧٤ ، ١٣)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم فإنّه يقول فيما يأتيه الإمام ويقوم به إنّه من مصالح الدنيا ؛ لأنه ليس فيها إلّا اجتلاب نفع عاجل ، أو دفع ضرر عاجل ، دون الثواب والعقاب (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٧٧ ، ١١)

ـ إنّ الإمام إذا أخطأ فخطؤه لا يوجب فسادا في الدين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٠٩ ، ٥)

ـ لا نطلق في الرسول عليه‌السلام أنّه إمام ، على ما نقوله في إمام الزمان ، وإنّما نطلق ذلك بمعنى الاتساع ؛ لأنّ الإمام عبارة عن أمور مخصوصة لا زيادة فيها ولا نقصان ولا تجب ، وإن كان النبي عليه‌السلام يقوم بما يقوم به الإمام فلا يوصف بذلك على الوجه الذي ذكرناه ، كما لا يوصف بأنّه أمير وساعي وحاكم وإن كان يقوم به جميعهم. وليس يمتنع في اللفظ أن يفيد معنى من المعاني إذا انفرد. فإذا كان داخلا في غيره لم يقع الاسم عليه ، وهذا كثير في الأسماء (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٥٠ ، ١٣)

٢١٠

ـ ما بيّناه من حال الصحابة وأنّهم لم يقتصروا في إثبات الإمام على صلاحه لذلك ، بل جعلوه إماما بالعقد (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥٠ ، ٨)

ـ الكلام فيما به يصير الإمام إماما وما يتّصل بذلك. جملة ما يحصل في ذلك أنّه لا بدّ للعقد من صفة ، وللعاقدين من صفة. فأمّا صفة العقد : فأن يقع ممن يصلح للإمامة ولا يكون إماما ولا ذا عهد من إمام وأن لا يقارن هذا العقد عقدا لمثله ممن يصلح للإمامة. لأنّ على هذه الوجوه الثلاثة لا يصير بهذا العقد إماما ، كما لو لم يصلح للإمامة لم يصر بها إماما (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥١ ، ١)

ـ اختلف الناس فيما قدّمنا ، فمنهم من يقول : إنه يصير إماما بأن يخرج ويتصرّف فيما يتّصل بالإمام. ومنهم من يقول : يصير إماما بالعقد والرضا ، ومنهم من يقول : يصير إماما باثنين كالشهادة. واختلف شيخانا في هل يصير إماما لعقد الإمام وعهده وتفويضه الأمر إليه؟ أم لا؟ فعند شيخنا أبي هاشم يصير إماما بهذا الوجه. وعند أبي علي لا يصير إماما بذلك إلّا إذا اقترن به رضا الجماعة أقلّهم على ما تقدّم القول به (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥٣ ، ١)

ـ إنّ الإمام يجب أن يختصّ بالفضل والعلم والرأي والنسب (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٣ ، ٤)

ـ بيّنا أنّ إمامته (عمر) صحّت بتفويض أبي بكر الأمر إليه ، وبيّنا أنّ ذلك أحد الوجوه التي بها يصير الإمام إماما ، وأنّه إن لم يزد في القوة على اختيار الخمسة لم ينقص عنه (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٥ ، ٤)

ـ إنّ الذي هو شرط في الإمام أن يكون أفضل أو كالأفضل في الظاهر دون القطع ، ومن جهة العقل لا يجب أن نعلم ذلك ، كما يجب أن نعلم تمييز الشيء من غيره ، لأنّا قد بيّنا ما لأجله يجب معرفة ذلك ، وأنّه غير موجود في الفضل والأفضل ، وإنّما نجيز القول في ذلك لمّا اختلف فيه الاختلاف الشديد (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١١٢ ، ٤)

ـ إنّ الأمّة إذا اجتمعت كلمتها وتركت الظلم والفساد احتاجت إلى إمام يسوسها ، وإذا عصت وفجرت وقتلت إمامها لم تعقد الإمامة لأحد في تلك الحال (الفوطي) (ب ، ف ، ١٦٣ ، ١٧)

ـ أجازت الروافض غيبته عن جميع الناس وأوجبوا انتظاره ولم يجيزوا نصب إمام في حال انتظارهم من ينتظرونه (ب ، أ ، ٢٧٣ ، ٥)

ـ كل قرشي بالغ عاقل بادر إثر موت الإمام الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعدا ، فهو الإمام الواجب طاعته (ح ، ف ٤ ، ١٠٢ ، ١٦)

ـ أجمعت النجدات على أنّه لا حاجة للناس إلى إمام قط. وإنّما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم. فإن هم رأوا أنّ ذلك لا يتمّ إلّا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز (ش ، م ١ ، ١٢٤ ، ١٧)

ـ مالت جماعة من أهل السنّة إلى ذلك حتى جوّزوا أن يكون الإمام غير مجتهد ، ولا خبير بمواقع الاجتهاد ، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد فيراجعه في الأحكام ، ويستفتي منه في الحلال والحرام. ويجب أن يكون في الجملة ذا رأي متين ، وبصر في الحوادث نافذ (ش ، م ١ ، ١٦٠ ، ١٧)

ـ القائلون بإمامة عليّ رضيّ الله عند بعد النبيّ عليه الصلاة والسلام ، نصا ظاهرا ، وتعيينا صادقا ، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. قالوا : وما كان في الدين والإسلام أمر أهمّ من تعيين الإمام ، حتى تكون مفارقته الدنيا

٢١١

على فراغ قلب من أمر الأمّة ، فإنّه إنّما بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق ، فلا يجوز أن يفارق الأمّة ويتركهم هملا يرى كل واحد منهم رأيا ، ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه في ذلك غيره ، بل يجب أن يعيّن شخصا هو المرجوع إليه ، وينصّ على واحد هو الموثوق به والمعوّل عليه. وقد عيّن عليّا رضي الله عنه في مواضع تعريضا ، وفي مواضع تصريحا (ش ، م ١ ، ١٦٢ ، ١٥)

ـ إنّ نصب الإمام يتضمّن دفع الضرر عن النفس فيكون واجبا ، أمّا الأول فلأنّا نعلم إذا كان الخلق لهم رئيس قاهر يخافون بطشه ويرجون ثوابه كان احترازهم عن المفاسد أتمّ ، مما إذا لم يكن لهم هذا الرئيس ، وأمّا إنّ دفع الضرر عن النفس واجب فبالإجماع عند من يقول بالوجوب العقليّ ، وبضرورة العقل عند من يقول به (ف ، م ، ١٨٤ ، ٦)

ـ مذهب أهل الحق من الإسلاميين أنّ إقامة الإمام واتّباعه فرض على المسلمين شرعا لا عقلا ، وذهب أكثر طوائف الشيعة إلى وجوب ذلك عقلا لا شرعا ، وذهب بعض القدريّة والخوارج إلى أنّ ذلك ليس واجبا لا عقلا ولا شرعا (م ، غ ، ٣٦٤ ، ٢)

ـ أمّا نحن فعندنا إنّه (علي) إمام واجب الطاعة بالاختيار ، فلا يعذر أحد من المكلّفين في الجهل بوجوب طاعته. وأمّا على مذهب الشيعة فلأنّه إمام واجب الطاعة بالنص فلا يعذر أحد من المتكلّفين في جهالة إمامته. وعندهم أنّ معرفة إمامته تجري مجرى معرفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومجرى معرفة الباري سبحانه ، ويقولون لا تصحّ لأحد صلاة ولا صوم ولا عبادة إلّا بمعرفة الله والنبيّ والإمام. وعلى التحقيق فلا فرق بيننا وبينهم في هذا المعنى لأنّ من جهل إمامة علي عليه‌السلام وأنكر صحّتها ولزومها فهو عند أصحابنا مخلّد في النار لا ينفعه صوم ولا صلاة ، لأنّ المعرفة بذلك من الأصول الكلّية التي هي أركان الدين. ولكنّا لا نسمّي منكر إمامته كافرا بل نسمّيه فاسقا وخارجيّا ومارقا ، ونحو ذلك ، والشيعة تسمّيه كافرا ، فهذا هو الفرق بيننا وبينهم وهو في اللفظ لا في المعنى (أ ، ش ٤ ، ٣١٩ ، ٨)

ـ نصب الإمام يتضمّن دفع الضرر ، لأنّ الخلق ما لم يكن لهم رئيس قاهر يخافونه ويرجونه لا يحترزون عن المفاسد ، ودفعه واجب إمّا عقلا ، عند قائليه ، أو إجماعا عندنا (خ ، ل ، ١٣٠ ، ٣)

ـ الإمام : هو الذي له الرئاسة العامّة في الدّين والدنيا جميعا (ج ، ت ، ٥٨ ، ٩)

إمام ظاهر

ـ قال أصحابنا بوجوب نصب الإمام في كل حال لا يكون فيها إمام ظاهر ووجوب طاعته إن كان ظاهرا ، ولم يجيزوا أن يأتي على الناس زمان فيه إمام واجب الطاعة وهو غائب غير ظاهر (ب ، أ ، ٢٧٣ ، ٣)

إمام معصوم

ـ عمدة ما احتجّت به الإماميّة إن قالوا لا بدّ من أن يكون إمام معصوم عنده جميع علم الشريعة ترجع الناس إليه في أحكام الدين ليكونوا مما تعبّدوا به على يقين (ح ، ف ٤ ، ٩٥ ، ٤)

ـ إنّ الإمام المعصوم لا يعرف أنّه معصوم إلّا بمعجزة ظاهرة عليه ، أو بنص تنقله العلماء عن

٢١٢

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل إمام بعينه واسمه ونسبه ، وإلّا فهي دعوى لا يعجز عن مثلها أحد لنفسه ، أو لمن شاء (ح ، ف ٤ ، ٩٦ ، ٦)

إمامة

ـ اختلفوا (المعتزلة) في الإمامة هل هي بنصّ أم قد تكون بغير نصّ. فقال قائلون : لا تكون إلّا بنصّ من الله سبحانه وتوقيف وكذلك كل إمام ينصّ على إمام بعده فهو بنصّ من الله سبحانه على ذلك وتوقيف عليه. وقال قائلون : قد تكون بغير نص ولا توقيف بل بعقد أهل العقد (ش ، ق ، ٤٥٩ ، ٥)

ـ إذا وجبت إمامة أبي بكر بالدلالات التي ذكرناها بظاهر القرآن وبإجماع المسلمين في وقته عليها ، فسد قول من قال أنّ النبيّ صلى الله عليه نصّ على إمامة غيره ، لأنّه لا تجوز إمامة من نصّ الرسول على إمامة غيره. وهذا يقضي على بطلان قول من قال إنّ النبي صلى الله عليه نصب عليّا بعده إماما (ش ، ل ، ٨٣ ، ١٠)

ـ إنّ الإمامة لا تصلح إلّا لمن تجتمع فيه شرائط. منها : أن يكون قرشيا ؛ لقوله عليه‌السلام : " الأئمة من قريش". والثاني : أن يكون مجتهدا من أهل الفتوى ؛ لأنّ القاضي الذي يكون من قبله يفتقر إلى ذلك ، فالإمام أولى. والثالث : أن يكون ذا نجدة وكفاية وتهد لسياسة الأمور ، ويكون حرا ورعا في دينه (ب ، ن ، ٦٩ ، ١٣)

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الإمامة شريعة من شرائع الدين ، يعلم وجوبها وفرضها سمعا. وكذلك كان يقول في الرسالة التي هي أصل الإمامة إنّها غير واجبة عقلا ، وإرسال الرسل من مجوّزات العقول دون موجباتها فيه ، وإنّ الله تعالى يتعبّد عباده بما أراد من أنواع العبادات لأجل أنّهم خلقه وملكه وفي قبضته وسلطانه ، وله أن لا يتعبّدهم ، فإن تعبّدهم على لسان الرسل بالعبادات فهو في ذلك حكيم ، وإن ترك ذلك لم يكن سفيها ولا جائرا (أ ، م ، ١٨٠ ، ١٧)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإمامة هي خلافة الرسول في باب القيام مقامه من حيث إنفاذ الأحكام وإقامة الحدود وجباية الخراج وحفظ البيضة ونصرة المظلوم والقبض على أيدي الظالمين ، من غير أن يكون إليه ابتداء شرائع وتغيير شرع. وإنّما يكون في ذلك كواحد من الأمّة يقيم الحقوق على حسب ما دلّت عليه آي الكتاب والسنن وحصل عليه اتّفاق الأمّة وما دلّت عليه العقول بالقياس والاستنباط من هذه الأصول (أ ، م ، ١٨١ ، ١١)

ـ إنّ الإمامة لا تثبت إلّا بالأخبار لأنّه لا طريق لها سواها (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ١)

ـ أنّ الإمامة ليست بنص ؛ بل تقع باختيار ، وأنّها ليست بواجبة عقلا ؛ وإنّما تجب شرعا ، وأنّ الواجب ، في معرفة شروطها ، الرجوع إلى السمع ، وأنّ السمع قد دلّ على أنّه لا يجب أن يكون معصوما (ق ، غ ١٥ ، ٢٥٦ ، ٣)

ـ إنّ الإمامة غير واجبة من جهة العقل (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٧ ، ٢)

ـ ليس للإمامة تعلّق بالتمكين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٨ ، ١٤)

ـ وأحد ما يدلّ على أنّ الإمامة لا تجب من جهة العقل أنّ الإمام إنّما يراد لأمور سمعيّة ، كإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام وما شاكلهما. وإذا كان ما يراد له الإمام لا مدخل للعقل فيه ، فبأن

٢١٣

لا يكون له مدخل في إثبات الإمام أولى. يبيّن ذلك أنّ الأمراء والحكّام إنّما يجب إثباتهم بمثل هذه الطريقة ، فلمّا لم يثبت ما له يرادون بالسمع لم يجب بالعقل إثبات أمير أو حاكم. فكذلك القول في الإمام (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٣٩ ، ٤)

ـ إنّ الإمامة لا يجب أن يكون طريقها النص من جهة العقل (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٩٩ ، ٢)

ـ إنّ النص على الإمام غير واجب ؛ ولا ثابت من جهة السمع (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١١٢ ، ٢)

ـ أمّا ما يدعون من ألفاظ منقولة ، نحو ادّعائهم أنّه عليه‌السلام قال في أمير المؤمنين وقد أشار إليه : " هذا إمامكم من بعدي". إلى ما شاكله ، فغير مسلّم ، ولا نقل فيه ، فضلا عن أن يدعى فيه التواتر ، وإنّما الذي يصحّ فيه النقل الأخبار التي يذكرونها كخبر غدير خمّ وغيره مما نورده من بعد. ولا عليهم أن يدّعوا نصّا غير محتمل من غير جهة الاضطرار ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه اضطرار يعلم معه قصد النبي عليه‌السلام فوجه الاستدلال به كوجه الاستدلال بالقرآن والسنّة على الأحكام ، وهذه حالة يصحّ فيها طريقة التأوّل وصرف الظاهر عن غيره بدليل ؛ لأنّه لا يكون في الألفاظ التي تذكر في ذلك أوكد من أن يقول عليه‌السلام : " هذا إمامكم من بعدي". فمن لم يعلم مراده عليه‌السلام باضطرار أمكن أن يقال : إن هذا القول لا يعمّ الإمامة ؛ لأنّه لا يمتنع أن يريد : إمامكم في الصلاة. أو الإمامة في العلم الذي هو أصل الإمامة التي تتضمّن الولاية. وأمكن أن يقال فيه : إنّ هذا القول لا يعمّ الإمامة ؛ لأنّ قوله : هذا إمامكم ، بمنزلة قوله : هذا رئيسكم وقائدكم ، إلى غير ذلك مما يقتضي صفة لا تستوعب ولا يمكن ادّعاء العموم فيها. فلا بدّ من بيان إذا لم يكن تمّ تعارف يحمل الكلام عليه ، ولا يمكن أن يدعى في لفظ الإمامة التعارف من جهة اللغة ؛ لأنّه لا يعقل في اللغة أنّها تفيد القيام بالأمور التي تختصّ الإمام ، ولا يمكن ادّعاء العرف الشرعي فيه ، فالذي حصل فيه من التعارف إنّما حصل باصطلاح أرباب المذاهب. وما حلّ هذا المحل لا يجب حمل الخطاب عليه ، ولذلك لم يرو عن الصحابة ذكر الإمامة ، وإنّما كانوا يذكرون الأمير والخليفة ؛ ولذلك قالوا ، يوم السقيفة : منّا أمير ومنكم أمير. وقالوا لأبي بكر : خليفة رسول الله ، ولعليّ : أمير المؤمنين. ولم يصفوا أحدا منهم بالإمام ، وإنّما روى في هذا الباب" الأئمة من قريش". ووجب حمل ذلك على ما ذكرناه من حيث عقل الكل منه هذا المراد لا بظاهره (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٢٨ ، ٢١)

ـ إنّ إثبات الإمامة شرعي ، فلا بدّ في أوصافها من أن تكون شرعيّة وتحلّ في ذلك محل الصلاة وسائر الشرعيات التي لمّا كانت شرعيّة كانت صفاتها وشرائطها كمثل ، فلا بدّ من الرجوع في هذه الصفات إلى الشرع ، فما ثبت بالشرع قضى به ، وما لم يثبت لم يجعل شرطا. فإن كان لا يمتنع أن يرجع في بعض ذلك إلى طريقة العقل لأنه قد ثبت بالعقل أو الشرع لا بدّ من نصب إمام للقيام بأمر ، ولا يصلح للقيام بذلك. فما حلّ هذا المحل من الشرائط لا بدّ من أن يكون معلوما بالعقل ، وما عداه لا بدّ من أن يرجع فيه إلى الشرع (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٩٨ ، ٣)

ـ إنّ الإمامة طريقها الدين ، فيجب أن تقف على السمع ، فلم يثبت أنّه من باب ما تجوز الوصيّة

٢١٤

به نصّا (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٣١٩ ، ٤)

ـ لا نصّ في الإمامة يتبع ، وأنّ الواجب فيها الاختيار على ما تقدّم ، وأنّ طريق الاختيار يختلف (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٣ ، ١٣)

ـ بيّنا أنّ الفعل المحتمل في وقوعه حسنا أو قبيحا ، وفي كونه كبيرا أو صغيرا ؛ إن كان قبيحا لا يجوز أن يزيل الولاية ولا أحكامها ؛ فمن كان ثابت الإمامة بالوجه الصحيح لم يجز عند وقوع أمر من الأمور أن يزول عمّا وجب له إذا كان ذلك الأمر بالمنزلة التي وصفناها ، وقد تقصّينا القول في هذه الطريقة من قبل فإذا ثبت ذلك لم يجز أن يطعن في إمامة أمير المؤمنين بما كان منه من الرضا بالتحكيم ، لأنّ حال التحكيم لا يخرج عمّا وصفناه (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٩٥ ، ٦)

ـ سليمان بن جرير الزيدي الذي قال : إنّ الإمامة شورى ، وإنّها تنعقد بعقد رجلين من خيار الأمّة ، وأجاز إمامة المفضول (ب ، ف ، ٣٢ ، ٦)

ـ إنّ ابن كرّام خاض في باب الإمامة ، فأجاز كون إمامين في وقت واحد ، مع وقوع الجدال وتعاطي القتال ، ومع الاختلاف في الأحكام (ب ، ف ، ٢٢٣ ، ٤)

ـ إنّ الإمامة فرض واجب على الأمّة لأجل إقامة الإمام ، ينصب لهم القضاة والأمناء ويضبط ثغورهم ، ويغزي جيوشهم ، ويقسم الفيء بينهم ، وينتصف لمظلومهم من ظالمهم. وقالوا : إنّ طريق عقد الإمامة للإمام في هذه الأمّة الاختيار بالاجتهاد (ب ، ف ، ٣٤٩ ، ٢)

ـ قال أبو الحسن : إنّ الإمامة شريعة من الشرائع يعلم جواز ورود التعبّد ... بها بالعقل ويعلم وجوبها بالسمع (ب ، أ ، ٢٧٢ ، ٣)

ـ قال أصحابنا إنّ الذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون فيه أربعة أوصاف : أحدها العلم وأقلّ ما يكفيه منه أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال والحرام وفي سائر الأحكام. والثاني العدالة والورع وأقلّ ما يجب له من هذه الخصلة أن يكون ممّن يجوز قبول شهادته تحمّلا وأداء. والثالث الاهتداء إلى وجوه السياسة وحسن التدبير بأن يعرف مراتب الناس فيحفظهم عليها ولا يستعين على الأعمال الكبار بالعمّال الصغار ويكون عارفا بتدبير الحروب. والرابع النسب من قريش ، وزادت الشيعة في هذه الشروط العصمة من الذنوب (ب ، أ ، ٢٧٧ ، ٨)

ـ زعمت الإماميّة والجاروديّة من الزيدية والرّاوندية من العباسيّة ، أنّ الإمامة طريقها النص من الله تعالى على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإمام ، ثم نصّ الإمام على الإمام بعده (ب ، أ ، ٢٧٩ ، ١٧)

ـ قال قوم إنّ اسم الإمامة قد يقع على الفقيه العالم وعلى متولّي الصلاة بأهل مسجد ما ، قلنا نعم لا يقع على هؤلاء إلّا بالإضافة لا بالإطلاق ، فيقال فلان إمام في الدين وإمام بني فلان (ح ، ف ٤ ، ٩٠ ، ٤)

ـ لا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمّة إلّا على المتولّي لأمور أهل الإسلام ، فإن قال قائل بأنّ اسم الإمارة واقع بلا خلاف على من ولى جهة من جهات المسلمين ، وقد سمّي بالأمارة كل من ولّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهة من الجهات أو سرّية أو جيشا وهؤلاء مؤمنون ، فما المانع من أن يوقع على كل واحد اسم أمير المؤمنين ، فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنّ

٢١٥

الكذب محرّم بلا خلاف ، وكل ما ذكرنا فإنّما هو أمير لبعض المؤمنين لا لكلّهم ، فلو سمّي أمير المؤمنين لكان مسمّيه بذلك كاذبا لأنّ هذه اللفظة تقتضي عموم جميع المؤمنين وهو ليس كذلك ، وإنّما هو أمير بعض المؤمنين ، فصحّ أنّه ليس يجوز البتّة أن يوقع اسم الإمامة مطلقا ولا اسم أمير المؤمنين إلّا على القرشيّ المتولّي لجميع أمور المؤمنين كلّهم أو الواجب له ذلك ، وإن عصاه كثير من المؤمنين وخرجوا عن الواجب عليهم من طاعته والمفترض عليهم من بيعته فكانوا بذلك فئة باغية حلالا قتالهم وحربهم ، وكذلك اسم الخلافة بإطلاق ، لا يجوز أيضا إلّا لمن هذه صفته (ح ، ف ٤ ، ٩٠ ، ٦)

ـ قالت الروافض : الإمامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين (ح ، ف ٤ ، ٩٣ ، ٧)

ـ ذهب قوم إلى أنّ الإمامة لا تصحّ إلّا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد ، وذهب آخرون إلى أنّ الإمامة إنّما تصحّ بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار الأئمة ، وذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أنّ الإمامة لا تصحّ بأقل من عقد خمس رجال ، ولم يختلفوا في أنّ عقد الإمامة تصحّ بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمّة عند موته ولم يقصد بذلك هوى ، وقد ذكر في فساد قول الروافض وقول الكيسانية ومن ادّعى إمامة رجل بعينه (ح ، ف ٤ ، ١٦٧ ، ١٥)

ـ عقد الإمامة يصحّ بوجوه أوّلها وأفضلها وأصحّها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماما بعد موته ، وسواء فعل ذلك في صحّته أو في مرضه وعند موته ، إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه (ح ، ف ٤ ، ١٦٩ ، ١٦)

ـ قال (النظّام) : أولا : لا إمامة إلّا بالنصّ والتعيين ظاهرا مكشوفا. وقد نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عليّ رضي الله عنه في مواضع ، وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة. إلّا أنّ عمر كتم ذلك ، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة (ش ، م ١ ، ٥٧ ، ٦)

ـ من بدعه (هشام الفوطي) في الإمامة قوله إنّها لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس ، وإنّما يجوز عقدها في حال الاتّفاق والسلامة ، وكذلك أبو بكر الأصمّ من أصحابه كان يقول الإمامة لا تنعقد إلّا بإجماع الأمّة عن بكرة أبيهم (ش ، م ١ ، ٧٢ ، ١٥)

ـ الجبائي وأبو هاشم قد وافقا أهل السنّة في الإمامة ، وأنّها بالاختيار ، وأنّ الصحابة مترتّبون في الفضل ترتّبهم في الإمامة ، غير أنّهم ينكرون الكرامات أصلا للأولياء من الصحابة وغيرهم (ش ، م ١ ، ٨٤ ، ٢١)

ـ زعم ضرّار أيضا أنّ الإمامة تصلح في غير قريش ، حتى إذا اجتمع قرشيّ ونبطيّ قدّمنا النبطيّ ، إذ هو أقلّ عددا ، وأضعف وسيلة فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعة (ش ، م ١ ، ٩١ ، ١١)

ـ الإمامة تثبت بالاتّفاق والاختيار دون النص والتعيين ؛ إذ لو كان ثمّ نص لما خفي ، والدواعي تتوفّر على نقله. واتّفقوا في سقيفة بني ساعدة على أبي بكر رضي الله عنه. ثم اتّفقوا بعد تعيين أبي بكر على عمر رضي الله عنه. واتّفقوا بعد الشورى على عثمان رضي الله عنه. واتّفقوا بعده على عليّ رضي الله عنه.

٢١٦

وهم مترتّبون في الفضل ترتّبهم في الإمامة (ش ، م ١ ، ١٠٣ ، ٧)

ـ الشيعة هم الذين شايعوا عليّا رضي الله عنه على الخصوص. وقالوا بإمامته وخلافته نصّا ووصية ، إمّا جليّا ، وإمّا خفيّا ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقيّة من عنده. وقالوا : ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم ، بل هي قضية أصولية ، وهي ركن الدين ، لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله (ش ، م ١ ، ١٤٦ ، ١٦)

ـ سليمان بن جرير. وكان يقول إنّ الإمامة شورى فيما بين الخلق. ويصحّ أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وإنّها تصحّ في المفضول ، مع وجود الأفضل (ش ، م ١ ، ١٥٩ ، ١٧)

ـ جعفر ابن مبشر ، وجعفر بن حرب ، وكثير النوى وهو من أصحاب الحديث. قالوا : الإمامة من مصالح الدين ، ليس يحتاج إليها لمعرفة الله تعالى وتوحيده. فإنّ ذلك حاصل بالعقل ، لكنّها يحتاج إليها لإقامة الحدود ، والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامى ، وحفظ البيضة ، وإعلاء الكلمة ، ونصب القتال مع أعداء الدين ، وحتى يكون للمسلمين جماعة ، ولا يكون الأمر فوضى بين العامة. فلا يشترط فيها أن يكون الإمام أفضل الأمّة علما ، وأقدمهم عهدا ، وأسدّهم رأيا وحكمة ، إذا الحاجة تنسد بقيام المفضول مع وجود الفاضل والأفضل (ش ، م ١ ، ١٦٠ ، ١٠)

ـ أصحاب أبي كامل ، أكفر جميع الصحابة بتركها بيعة علي رضي الله عنه ، وطعن في علي أيضا بتركه طلب حقّه ، ولم يعذره في القعود ، قال : وكان عليه أن يخرج ويظهر الحق ، على أنّه غلا في حقه وكان يقول : الإمامة نور يتناسخ من شخص إلى شخص ، وذلك النور في شخص يكون نبوّة ، وفي شخص يكون إمامة ، وربما تتناسخ الإمامة فتصير نبوّة ، وقال بتناسخ الأرواح وقت الموت (ش ، م ١ ، ١٧٤ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ الإمامة ليست من أصول الاعتقاد بحيث يفضي النظر فيها إلى قطع ويقين بالتعيّن ، ولكنّ الخطر على من يخطي فيها يزيد على الخطر على من يجهل أصلها ، والتعسّف الصادر عن الأهواء المضلّة مانع من الإنصاف فيها (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ١)

ـ قال جمهور أصحاب الحديث من الأشعرية والفقهاء وجماعة الشيعة والمعتزلة وأكثر الخوارج بوجوبها (الإمامة) فرضا من الله تعالى ، ثم جماعة أهل السنّة قالوا هو فرض واجب على المسلمين إقامته واتّباع المنصوب ، فرض واجب عليهم (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ٦)

ـ الدليل الساطع على وجوب الإمامة سمعا اتّفاق الأمّة بأسرهم من الصدر الأول إلى زماننا أنّ الأرض لا يجوز أن تخلو عن إمام قائم بالأمر (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ١٩)

ـ قالت النجدات من الخوارج وجماعة من القدرية مثل أبي بكر الأصم وهشام الفوطي إنّ الإمامة غير واجبة في الشرع وجوبا لو امتنعت الأمّة عن ذلك استحقّوا اللوم والعقاب ، بل هي مبنية على معاملات الناس ، فإن تعادلوا وتعاونوا وتناصروا على البر والتّقوى واشتغل كل واحد من المكلّفين

٢١٧

بواجبه وتكليفه استغنوا عن الإمام ومتابعته (ش ، ن ، ٤٨١ ، ١٥)

ـ قالت الشيعة : الإمامة واجبة في الدين عقلا وشرعا ، كما أنّ النبوّة واجبة في الفطرة عقلا وسمعا (ش ، ن ، ٤٨٤ ، ١٠)

ـ قالت الاثنا عشريّة والشيعة وجوب العصمة شرط لصحّة الإمامة ، وقال الباقون ليس كذلك (ف ، أ ، ١٠٢ ، ٢٠)

ـ أجمعت الأمّة على أنّه يجوز إثبات الإمامة بالنص ، وهل يجوز بالاختيار أم لا. قال أهل السنّة والمعتزلة يجوز ، وقالت الاثنا عشريّة لا يجوز إلّا بالنص ، وقالت الزيديّة يجوز بالنص ويجوز أيضا بسبب الدعوة والخروج مع حصول الأهليّة (ف ، أ ، ١٠٣ ، ٢)

ـ الإمامة واجبة ، وقد اختلف الناس في هذه المسألة : فقال المتكلّمون كأنّه الإمامة واجبة إلّا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء أصحابنا أنّها غير واجبة إذا تناصفت الأمّة ولم تتظالم. وقال المتأخّرون من أصحابنا أنّ هذا القول منه غير مخالف لما عليه الأمّة ، لأنّه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم ، فقد قال بوجوب الرئاسة على كل حال ، اللهم إلّا أن يقول أنّه يجوز أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس وهذا بعيد أن يقوله (أ ، ش ١ ، ٢١٥ ، ٦)

ـ الإمامة : البصريّة : لا تجب عقلا. الإماميّة : تجب لكونها لطفا. قلنا : لا طريق إلى اللطف الخاص إلّا السمع ، والعام كالمعرفة لا بدّ له من وجه يقتضي اللطيفة. ولا وجه هنا. البلخيّ : تجب لدفع الضرر عن الخلق. قلنا : لا ، إذ لا تجب إلّا عن النفس. الأكثر : وتجب شرعا. الأصمّ وبعض الحشوية : لا. لنا : إجماع الصحابة إنّ الحدّ إلى الإمام ، فالتكليف به مستمرّ (م ، ق ، ١٤١ ، ١)

ـ الإمامة هي ، لغة ، التقديم ، وشرعا : رئاسة عامّة باستحقاق شرعيّ لرجل لا يكون فوق يده مخلوق. بعض أئمتنا (عليهم‌السلام) والبلخيّ وأبو الحسين البصريّ : وهي واجبة عقلا وسمعا. بعض أئمتنا (عليهم‌السلام) والجمهور : بل سمعا فقط. وقيل : لا تجب ، لما يأتي لهم إن شاء الله تعالى. قلنا : التظالم واقع ، ولا يتمّ دفعه إلّا برئيس ، ودفع التظالم واجب عقلا ، فوجب إقامة رئيس لذلك (ق ، س ، ١٥٩ ، ١)

ـ شروط صاحبها (الإمامة) البلوغ والعقل ، للإجماع على أنّ لا ولاية للصبيّ والمجنون والذكورة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : " ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". والحريّة لأنّ العبد مملوك الرقبة والتصرّف. العترة ، عليهم‌السلام ، والجمهور : والنسب ، خلافا للنظّام ونشوان والخوارج وبعض الحشويّة : مطلقا. ولأبي علي : إن عدم القرشيّ. قلنا : لا دليل على ثبوتها لمن عداه. العترة ، عليهم‌السلام ، وشيعتهم : وهو الوصيّ والحسنان وذريّتهما. وقيل : بل الوصيّ وذريّته جميعا. قلنا : لا دليل على ثبوتها لمن عدا من ذكرنا وهي مما تعمّ بها البلوى ، فلو كان لظهر كدليل الحجج (ق ، س ، ١٦٠ ، ١٧)

إمامة المفضول

ـ اختلفوا في إمامة المفضول على مقالتين : فقالت" الزيدية" وكثير من" المعتزلة" : جائز أن يكون في رعيّة الإمام من هو أفضل منه ، وجوّزوا أن يكون الإمام مفضولا كما يكون

٢١٨

الأمير مفضولا في رعيّته من هو خير منه ، وقال قائلون : لا يكون الإمام إلّا أفضل الناس (ش ، ق ، ٤٦١ ، ٦)

ـ اختلفوا في جواز إمامة المفضول بعد أن يكون صالحا لها لو لم يكن الأفضل منه موجودا؟. فقال أبو الحسن الأشعري يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه في شروط الإمامة ولا ينعقد الإمامة لأحد مع وجود من هو أفضل منه فيها. فإن عقدها قوم للمفضول كان المعقود له من الملوك دون الأئمة (ب ، أ ، ٢٩٣ ، ٥)

ـ زيد بن علي ... كان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل. فقال : كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الصحابة ، إلّا أنّ الخلافة فوّضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها ، وقاعدة دينية راعوها ، من تسكين نائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة. فإنّ عهد الحروب التي جرت في أيام النبوّة كان قريبا ، وسيف أمير المؤمنين عليّ عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجفّ بعد ، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي. فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد. فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين ، والتؤدة ، والتقدّم بالسن ، والسبق في الإسلام ، والقرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ش ، م ١ ، ١٥٥ ، ١٠)

إمامية

ـ حكى شيخنا أبو القاسم البلخي ، أنّ الإماميّة تختصّ بأن تزعم أنّه صلّى الله عليه نصّ على علي عليه‌السلام باسمه وأظهر ذلك وأعلنه ، وأنّ أكثر الصحابة بل كلّها ارتدّوا إلّا ستّة أنفس ، وتزعم أنّ الإمامة قرابة ، وأنّ الإمامة يعلم ما تحتاج إليه الأمّة من دينها ، ولو حلف بالله أو الطلاق أو بالعتاق إنّه ليس بإمام ، كان له في حال التقيّة ولكان مع ذلك مفروض الطاعة ، وليس يرى الخروج مع أئمة الجور إلّا في وقت مخصوص ، وتبطل الاجتهاد في الأحكام. وتمنع أن يكون الإمام إلّا الأفضل ، وإلّا بنص الرسول ، أو بنص الإمام الأوّل عن الثاني ، وتنفي عن أمير المؤمنين أن يكون قد أخطأ في شيء إلّا الكامليّة ، أصحاب أبي كامل (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١٧٦ ، ٣)

أمة الإسلام

ـ زعم أبو القاسم الكعبي في مقالاته أنّ قول القائل" أمّة الإسلام" تقع على كل مقرّ بنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنّ كل ما جاء به حقّ ، كائنا قوله بعد ذلك ما كان (ب ، ف ، ١٢ ، ٦)

ـ زعم قوم أنّ" أمّة الإسلام" كلّ من يرى وجوب الصلاة إلى جهة الكعبة (ب ، ف ، ١٢ ، ٩)

ـ زعمت الكراميّة مجسّمة خراسان أنّ" أمّة الإسلام" جامعة لكل من أقرّ بشهادتي الإسلام لفظا ، وقالوا : كل من قال" لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله" فهو مؤمن حقّا ، وهو من أهل ملّة الإسلام ، سواء كان مخلصا فيه أو منافقا مضمرا للكفر فيه والزندقة ، ولهذا زعموا أن المنافقين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا مؤمنين حقّا ، وكان إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل والأنبياء والملائكة مع اعتقادهم النفاق وإظهار الشهادتين (ب ، ف ، ١٢ ، ١٠)

٢١٩

ـ الصحيح عندنا أنّ أمّة الإسلام تجمع المقرّين بحدوث العالم ، وتوحيد صانعه وقدمه ، وصفاته ، وعدله ، وحكمته ، ونفي التشبيه عنه ، وبنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورسالته إلى الكافة ، وبتأبيد شريعته ، وبأن كل ما جاء به حق ، وبأنّ القرآن منبع أحكام الشريعة ، وأنّ الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة إليها ، فكل من أقرّ بذلك كلّه ولم يشبه ببدعة تؤدّي إلى الكفر فهو السنيّ الموحّد (ب ، ف ، ١٣ ، ١٤)

ـ زعمت الكرّاميّة أنّ اسم أمّة الإسلام واقع على كل من قال لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، سواء أخلص في ذلك أو اعتقد خلافه (ب ، ف ، ٢٣١ ، ١)

ـ قال بعض الفقهاء أهل الحديث : اسم أمّة الإسلام واقع على كل من اعتقد وجوب الصلوات الخمس إلى الكعبة (ب ، ف ، ٢٣١ ، ٦)

امتثال

ـ قوله ابتدع الخلق على غير مثال امتثله يحتمل وجهين : أحدهما أن يريد بامتثاله مثله كما تقول صنعت واصطنعت بمعنى ، فيكون التقدير أنّه لم يمثّل لنفسه مثالا قبل شروعه في خلق العالم ، ثم احتذى ذلك المثال وركّب العالم على حسب ترتيبه ، كالصانع الذي يصوغ حلقة من رصاص مثالا ثم يصوغ حلقة من ذهب عليها ، وكالبنّاء يقدّر ويفرض رسوما وتقديرات في الأرض وخطوطا ثم يبني بحسبها ، والوجه الثاني أنّه يريد بامتثله احتذاه وتقبّله واتّبعه ، والأصل فيه امتثال الأمر في القول ، فنقل إلى احتذاء الترتيب العقليّ ، فيكون التقدير أنّه لم يمثّل له فاعل آخر قبله مثالا اتّبعه واحتذاه وفعل نظيره كما يفعل التلميذ في الصباغة والنجارة شيئا قد مثّل له أستاذه صورته وهيئته (أ ، ش ٢ ، ١٤٣ ، ٢٦)

امتناع

ـ صانع العالم حيّ لأنّا قد دللنا على أنّه قادر عالم ، ولا معنى للحيّ إلّا الذي يصحّ أن يقدر ويعلم. وهذه الصحة معناها نفي الامتناع ، ومعلوم أنّ الامتناع صفة عدميّة ، فنفيها يكون نفيا للنفي ، فيكون ثبوتا ، فكونه تعالى حيّا صفة ثابتة (ف ، أ ، ٤٤ ، ١١)

ـ الامتناع اعتبار عقليّ (ط ، م ، ٣٦ ، ١٢)

ـ الامتناع نسبة مقبولة بين متصوّر ووجوده الخارجي في التصوّر ، فليس نفيا محضا ولا شيئا ثابتا في الخارج ، وليس في الخارج شيء موصوف بالامتناع لو لا عقل ، وليس الامتناع فرض شيء في الخارج (حتّى يكون جهلا لو لم يطابق الخارج ، والمطابق للوجود عدم ذلك المتصوّر في الخارج) عدما ضروريّا لذات ذلك المتصوّر فليس الامتناع من حيث هو موجود في العقل بممتنع ، إنّما هو صفة ثابتة في العقل لمتصوّر ذهنيّ مقيس إلى وجوده الخارجيّ. ولا يلزم من ذلك القول بالواسطة (ط ، م ، ٣٧ ، ٣)

ـ الحقّ أنّ الوجوب والإمكان والامتناع أمور معقولة تحصل في العقل من إسناد المتصوّرات إلى الوجود الخارجيّ ، وهي في أنفسها معلولات للعقل بشرط الإسناد المذكور ، وليست بموجودات في الخارج حتّى تكون علّة للأمور التي يسند إليها أو معلولا لها (ط ، م ، ٩٤ ، ٨)

٢٢٠