موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

الدواعي مفقودة. فإذا صحّ ذلك قلنا : لو اختلف هذان القادران في الدواعي فأراد أحدهما إيجاد هذا الفعل وكره الآخر إيجاده لم يخل من أمرين. إمّا أن يوجد أو لا يوجد ، فإن وجد وجب أن يضاف إلى من له الداعي وإلى من له الصارف على سواء ، لوجود ما هو مقدور لهم. وإن كنا نعرف أنّ ما يوجد ونحن كارهون له ولنا عنه صارف لا تصحّ نسبته إلينا فتقتضي إضافته إلى من يجب نفيه عنه ، ومن حيث كان الذي وجد مقدوره تجب إضافته إليه فيقع بين طرفي نقيض. وإن قلنا : بل لا يوجد عند مخالفة إحداهما للآخر في الداعي انتقض ما عرفناه من حقيقة كون القادر قادرا ووجب استمرار عدم هذا الفعل وانتفاؤه مع حصول الوجه الذي يوجب وقوعه ، وهو قصد القاصد إلى إيجاد ما قدّر عليه مع سلامة الأحوال (ق ، ت ١ ، ٣٧٦ ، ٩)

أضداد

ـ اختلف المتكلمون في الأضداد : فقال" أبو الهذيل" : هو ما إذا لم يكن كان الشيء ، وإذا كان لم يكن الشيء ، وزعم أنّ الأجسام لا تتضادّ وأحال تضادّها (ش ، ق ، ٣٧٦ ، ١)

اضطرار

ـ العلوم كثيرة منها اضطرار وأنّه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل ، كنحو تفكّر الإنسان إذا شاهد الفيل أنّه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته ، فنظر في ذلك وفكّر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته ، فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغا ، ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمّل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه ضرورة ، فيكون بالغا كامل العقل مأمورا مكلّفا (ش ، ق ، ٤٨٠ ، ١٤)

ـ إنّا (الماتريدي) قد بيّنا حدث العالم لا من شيء ، وذلك نوع ما لا يبلغه إلا فعل من هو في غاية معنى الاختيار ، وما يكون بالطبع فحقه الاضطرار ، ومحال أن يكون من يبلغ شأنه إلى إنشاء الأشياء لا من شيء ، ثم يكون ذلك بالطبع ، مع ما كان وقوع الشيء بالطبع هو تحت قهر آخر ، وجعله بحيث يسقط عنه الإمكان ، وذلك آية الحدث وأمارة الضعف ، جلّ ربّنا عن ذلك / وتعالى (م ، ح ، ٤٥ ، ٢)

ـ إنّ شرط كل من فعله اختيار الإرادة ، وكل من فعله الاضطرار أنّه غير مريد لذلك ، فلو كان الله لفعل العبد غير مريد ليكون على ما كان ، يكون مضطرا ؛ ولذلك لا يجوز أن يكون لأحد في فعل غيره إرادة ؛ لما لا يحتمل خروجه على ما يريد ، وسموا ذلك تمنيا ، فعلى ذلك لو توهم كون شيء لم يرده الله كانت إرادته تخرج مخرج التمني (م ، ح ، ٢٩٣ ، ٤)

ـ إنّ الاضطرار في اللغة هو الحمل والإكراه ، وهو الإلجاء ، وكل هذه الألفاظ بمعنى واحد ؛ فلا فرق عندهم بين قول القائل : اضطره السلطان إلى تسليم ماله وبيع عقاره وبين قوله : أكرهه على ذلك وحمله عليه وألجأه إليه (ب ، ت ، ٣٥ ، ١٦)

ـ قد علم أنّ ظهور الخبر بمجيء القرآن من جهة النبي ، صلى الله عليه ، أعظم وحاله أشهر ؛ فوجب أن يكون ما تواتر الخبر عنه على هذه السبيل والعلم به اضطرارا لا يمكن جحده ولا

١٤١

الشك فيه ، ولا يحتاج في إثباته إلى استعمال الرّوية والنظر في الأدلة (ب ، ت ، ١١٥ ، ٧)

ـ اعلم أنّ هذه الجملة إنّما تنكشف بأن يبيّن معنى الاضطرار. وهذه اللفظة تستعمل على طريقة اللغة في معنى الإلجاء ، على ما قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) (المائدة : ٣). وأمّا على اصطلاح المتكلّمين فإنّما تستعمل فيما يوجد في الحي أو المحلّ من جهة الغير. وليس يفصل أبو علي بين محلّ ومحلّ لمّا لم يذهب في الاضطرار إلى أكثر من وجود فعل من جهة الغير في بعض المحالّ ، فيصف المفعول فيه بأنّه مضطرّ. وعلى ذلك لا فصل عنده بين الجماد وبين الحي في جواز هذه اللفظة فيهما ، ولا يفصل أيضا في الحي بين أن يخلق فيه من جنس ما يقدر عليه أو من غير جنس مقدوره. والصحيح ما يعتبره أبو هاشم من أنّه إنّما يذكر ذلك فيما يوجد في القادر منّا إذا كان من جنس مقدوره. فإذا فعل فيه أزيد مما يقدر عليه من ذلك الجنس حتى صار ممنوعا من إيجاد مقدوره قيل إنّه مضطرّ إليه ، كما نقوله في الحركات والعلوم وما شاكلهما. وهذا أشبه بطريقة اللغة ، لأنّه لا بدّ من أن يتصوّر في المضطرّ أنّه لو لا هذا الاضطرار لصحّ منه وجود ما قدر عليه ، كما يتصوّر في الاضطرار إذا كان إلجاء أنّه لولاه لجاز أن لا يفعل ما هو ملجأ إليه (ق ، ت ٢ ، ١٣٦ ، ٤)

ـ متى أريد بالاضطرار الإلجاء فالكلام أظهر ، لأنّ الملجأ قادر على ما هو ملجأ إليه فيصحّ اجتماع هذين الوصفين فيه (ق ، ت ٢ ، ١٣٦ ، ٢١)

ـ إن كان المراد بالاضطرار الإلجاء فقد يصحّ في حال كونه فاعلا أن يكون مضطرّا كما يصحّ أن يوصف بدلا من ذلك بالإلجاء. وإن كان الغرض أنّه يفعل فيه أزيد مما يقدر عليه فليس يصحّ أن يكون فاعلا مع وجود ما يمنعه من الفعل ، لأنّه يؤدّي إلى اجتماع المنع ، وما هو منع منه ، والتضادّ يمنع من ذلك (ق ، ت ٢ ، ١٣٧ ، ١)

ـ غير ممتنع أن يحصل لنا العلم بما ذكرنا من حال تعلّق تصرّف زيد به بالعادة والاختيار ، وإن كان لا يحصل العلم بذلك بالبديهة. ولهذا قال شيخانا رحمهما‌الله : إنّ من كلّفه الله من غير تجربة واختيار فلا بدّ من أن يضطرّه إلى ذلك ، وإلى مفارقة حال من يتعذّر الفعل عليه لمن يصحّ منه الفعل ، على ما حكيناه من قبل (ق ، غ ٨ ، ٦ ، ١٨)

ـ الاضطرار هو ما وجد فيه من فعل غيره ، لا من فعله (ق ، غ ٨ ، ١٢٣ ، ٧)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ في بعض الطبائع : إن الملجأ هو من دفع إلى ضررين يدفع أعظمهما بأدونهما. ومثّل ذلك بالملجإ إلى الهرب من السبع ، والملجأ إلى أكل الميتة إذا دفع به الجوع الشديد ، والملجأ إلى الهرب من العدوّ. وذكر أنّ الإلجاء والاضطرار في اللغة بمعنى واحد. وذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٧٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) وغير ذلك.

وبيّن أن المتكلّمين إنّما فرّقوا بين الضرورة والإلجاء من جهة الاصطلاح ، وإلّا فهما من جهة اللغة لا يختلفان. وذكر أن تحصيل الملجأ أن يفعل به ما يقتضي الهرب من ضرر آخر لو لم يهرب منه لنزل به (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ١٢)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ ما يعلم باستدلال ، لا

١٤٢

يجوز أن يعلم باضطرار ، وكذلك حال ما يعلم باضطرار ، في أنّه لا يجوز أن يعلم باستدلال. وذهب شيوخنا إلى أنّ كل ما يعلم باستدلال ، يجوز أن يعلم باضطرار ، ويجوز في بعض ما يعلم باضطرار أن يعلم باستدلال (ن ، م ، ٣٣٠ ، ١٥)

ـ أمّا من طريق اللغة فإنّ الإجبار والإكراه والاضطرار والغلبة أسماء مترادفة وكلها واقع على معنى واحد لا يختلف وقوع الفعل ممّن لا يؤثّره ولا يختاره ولا يتوهّم منه خلافه البتّة ، وأمّا من آثر ما يظهر منه من الحركات والاعتقاد ويختاره ويميل إليه هواه فلا يقع عليه اسم إجبار ولا اضطرار لكنّه مختار ، والفعل منه مراد متعمّد مقصود ونحو هذه العبارات عن هذا المعنى في اللغة العربية التي نتفاهم بها (ح ، ف ٣ ، ٢٤ ، ٣)

ـ أصحاب الأصلح ... قالوا : إنّ الاختيار هو ما يمكن فعله ويمكن تركه ، فلو كان الكفّار عند إتيان الله تعالى بتلك الألطاف يختارون الإيمان لأمكن أن يفعلوه وأن لا يفعلوه أيضا ، فعادت الحال إلى ما هي عليه ، إلّا أن يقولوا أنّهم كانوا يؤمنون ولا بدّ ، فهذا اضطرار من الله تعالى لهم إلى الإيمان لا اختيار (ح ، ف ٣ ، ١٦٥ ، ١٩)

ـ نسألهم فنقول لهم إذا قلتم إنّ الله تعالى لا يقدر على لطف لو أتى به الكفّار لآمنوا إيمانا يستحقّون معه الجنّة ، لكنّه قادر على أن لا يضطرّهم إلى الإيمان ، أخبرونا عن إيمانكم الذي تستحقّون به الثواب هل يشوبه عندكم شكّ ، أم يمكن بوجه من الوجوه أن يكون عندكم باطلا ، فإن قالوا نعم يشوبه شكّ ويمكن أن يكون باطلا أقرّوا على أنفسهم بالكفر وكفونا مئونتهم ، وإن قالوا لا يشوبه شكّ ولا يمكن البتّة أن يكون باطلا قلنا لهم هذا هو الاضطرار بعينه ، ليست الضرورة في العلم شيئا غير هذا ، إنّما هو معرفة لا يشوبها شكّ لا يمكن اختلاف ما عرف بها ، فهذا هو علم الضرورة نفسه ، وما عدا هذا فهو ظنّ وشكّ (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١١)

ـ قالوا (المعتزلة) إنّ الاضطرار ما علم بالحواس أو بأوّل العقل ، وما عداه فهو ما عرف بالاستدلال (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١٤)

اضطرار إلى العلم بصفاته

ـ صحّ من الله جلّ وعزّ أن يضطرنا إلى العلم بصفاته إذا كان قد اضطرنا إلى العلم بذاته لكي لا يكون الفرع أقوى حالا من الأصل. وأمّا الترتيب في ذلك فهو أنّ كل صفة من صفاته جلّ وعزّ يصحّ الاضطرار إليها من دون غيرها ما لم يكن إحداهما حقيقة في الأخرى أو جارية هذا المجرى. فأمّا إذا كانت الصفتان كذلك فالضرورة إلى إحداهما تقتضي الضرورة إلى الأخرى. فالضرورة إلى أنّه موجود من دون العلم بأنّه قادر يصحّ. وكذلك فالعلم بأنّه حيّ من دون العلم بأنّه قادر يصحّ. ثم كذلك فيما يجري هذا المجرى. وبالعكس من ذلك لا يصحّ أن نضطرّه إلى العلم بأنّه يصحّ منه الفعل المحكم فيكون قد عرّفه عالما من دون العلم بأنّه قادر ، إذ من المحال أن يعرف صحّة الفعل المحكم منه ولا يكون عارفا بصحّة الفعل منه ، وهذا علم بأنّه قادر. وكذلك فلا يصحّ أن يضطرّه إلى العلم بأنّه حيّ من دون أن نعلم صحّة أن يقدر ويعلم ، أو يضطرّه إلى العلم بأنّه مدرك ولما عرفه حيّا ، لما كانت حقيقة في كونه حيّا (ق ، ت ١ ، ٩٨ ، ١٠)

١٤٣

إضلال

ـ قال أكثر المعتزلة : معنى الإضلال من الله يحتمل أن يكون التسمية لهم والحكم بأنهم ضالّون ، ويحتمل أن يكون لما ضلّوا عن أمر الله سبحانه أخبر أنّه أضلّهم أي أنّهم ضلّوا عن دينه ، ويحتمل أن يكون الإضلال هو ترك إحداث اللطف والتسديد والتأييد الذي يفعله الله بالمؤمنين فيكون ترك ذلك إضلالا ، ويكون الإضلال فعلا حادثا ، ويحتمل أن يكون لمّا وجدهم ضلّالا أخبر أنّه أضلّهم ، كما يقال اجبن فلان فلانا إذا وجده جبانا (ش ، ق ، ٢٦١ ، ١٠)

ـ قال بعضهم : إضلال الله الكافرين هو إهلاكه إيّاهم وهو عقوبة منه لهم (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١)

ـ قال أهل الإثبات أقاويل : قال بعضهم : الإضلال عن الدين قوّة على الكفر ، وقال بعضهم : الإضلال عن الدين هو الترك ، هذا قول" الكوساني" ، وقال بعضهم : معنى اضلّهم أي خلق ضلالهم (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ٥)

ـ هداية صفة الرب جلّت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)

ـ الإضلال من الله عزوجل لأهل الضلال على معنى خلق الضلالة عن الحق في قلوبهم (ب ، أ ، ١٤١ ، ٥)

ـ زعمت القدريّة أنّ الهداية من الله تعالى على معنى الإرشاد والدعاء وإبانة الحق ، وليس إليه من هداية القلوب شيء. وزعموا أنّ الإضلال منه على وجهين : أحدهما أن يقال إنّه أضلّ عبدا بمعنى أنّه سمّاه ضالا. والثاني على معنى أنّه جازاه على ضلالته (ب ، أ ، ١٤١ ، ١١)

ـ إنّ الإضلال معنى زائد أعطاه الله للكفّار والعصاة وهو ما ذكرنا من تضييق الصدور وتحريجها والختم على القلوب والطبع عليها وأكنانها عن أن يفقهوا الحق (ح ، ف ٣ ، ٤٨ ، ٢١)

ـ قال عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (الأعراف : ١٧٨). واعلم أنّ الهدى في هذه الآي لا يتّجه حمله إلّا على خلق الإيمان ، وكذلك لا يتّجه حمل الإضلال على غير خلق الضلال (ج ، ش ، ١٩٠ ، ٧)

ـ معنى الإضلال والهدى : أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضلّ الكافرين ويهدي المؤمنين : يعني يفعل فعلا حسنا مبينا على الحكمة والصواب ، فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له لاعتقادهم أنّ أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا ، وينكره الكافرون ويشكون فيه فيزيدهم كفرا وضلالا (ز ، ك ٤ ، ١٨٥ ، ١٨)

إطلاق

ـ ما ذكر من الإطلاق والتخلية فهو كلام يتوجه أوجها ثلاثة : رفع العسر والمنع أو الأمر به أو الإباحة ، وذلك كلّه في الخير مطلق وفي الشرّ لا إلّا مقيّدا ، إنه لم يعسر ولم يجبر (م ، ح ، ٢٨٣ ، ٢٣)

ـ إنّ التخلية والإطلاق والفعل هو نفس القدرة على الفعل (أ ، م ، ١١٦ ، ٢١)

ـ إنّ الإطلاق والتخلية إنّما يوصف به القادر إذا لم يكن ممنوعا ، ألا ترى أنّه لا يقال في الزمن أنّه مطلق مخلّى بينه وبين المشي ، وكذلك لا يقال في المقصوص الجناح أنّه مطلق مخلّى بينه وبين الطيران ، والكافر غير قادر على الإيمان

١٤٤

فكيف يوصف بالإطلاق والتخلية (ق ، ش ، ٤٠٤ ، ١٥)

إعادة

ـ الابتداء خلق الشيء أول مرّة ، والإعادة خلقه مرّة أخرى (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ٤)

ـ الإعادة هي المعاد ، وهي خلق الشيء بعد إعدامه (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٧)

ـ إنّ الله تعالى حكم في الشيء بحكم مثله وجعل سبيل النظير ومجراه مجرى نظيره وقد قال تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (الروم : ١١) وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم : ٢٧) يريد وهو هيّن عليه فجعل الابتداء كالإعادة (ش ، ل ، ٩ ، ٩)

ـ أمّا الإعادة فإنّها ابتداء ثان وهو نفس المعاد. وقد حكي في كتاب النوادر أنّ من أصحابنا من قال إنّ الإعادة معنى غير المعاد. والصحيح على مذهبه أنّ الإعادة هي نفس المعاد وأنّ معنى قولنا" إعادة" و" معاد" يرجع إلى حدوث بعد حدوث تخلّلهما عدم (أ ، م ، ٢٤٢ ، ١٩)

ـ إنّ العلماء لم يختلفوا في صحّة إعادة الأجسام وإنّما الخلاف فيما عدا ذلك. فالذي عندنا أن ما تصحّ إعادته يجب أن يكون باقيا ، وأن يكون من فعله تعالى دون فعل غيره ، وأن يكون مبتدأ. فما جمع هذه الشروط الثلاثة يصحّ إعادته ، سواء كان من جنس ما يقدر العباد عليه أو لم يكن من هذا الجنس بل كان القديم تعالى هو المخصوص بالقدرة عليه (ق ، ت ٢ ، ٣٠٥ ، ٤)

ـ ذهب أبو علي إلى أنّ الذي تصحّ إعادته هو ما يختص تعالى بالقدرة عليه. فأمّا ما كان جنسه داخلا تحت مقدور العباد نحو التأليف وما أشبهه فإعادته لا تصحّ عنده. وقد حكي عن قوم أنّهم أجازوا إعادة ما لا يبقى من مقدور الله تعالى. فأمّا المتولّد من أفعاله تعالى فلم يختلف مشايخنا في أنّه إذا كان حادثا عن سبب لا يبقى أنّ إعادته لا تصحّ. وإنّما اختلف كلام قاضي القضاة في أنّه إذا تولّد عن سبب باق هل تصحّ إعادته بإعادة سببه أم لا؟ فالذي قاله في" المغني" أنّه تصحّ إعادته بإعادة سببه الباقي ، ثم رجع عن ذلك وقال : لا تصحّ إعادة المتولّد بحال سواء كان سببه باقيا أو غير باق. فأمّا مقدورات العباد فعلى كل حال لا تصحّ عند مشايخنا إعادتها ، سواء كانت باقية أو غير باقية أو مبتدأة أو متولّدة. فهذه جملة القول في المذاهب. ونحن نبيّن الكلام على واحد منه ليسلم لنا القول بصحّة إعادة الجواهر. وأمّا إذا كان الشيء مما لا يصحّ البقاء عليه فإعادته ممتنعة لأجل أنّه إذا لم يصحّ البقاء عليه فوجوده مختصّ بوقت واحد وفي تجويز إعادته ما يقتضي صحّة وجوده في وقتين. ومتى صحّ وجوده في وقتين خرج عن أن يكون من باب ما لا يبقى ولحق بالباقيات (ق ، ت ٢ ، ٣٠٥ ، ٨)

ـ ألا ترى أنّ الإعادة هي ضرب من تأخير الإيجاد؟ ولو صحّ التقديم والتأخير على مقدور القدرة لبطل ما عرفناه من حكم القدرة وهو أن لا تتعدّى الجزء الواحد والجنس والمحل واحد ، لأنّه كان ينبغي أن يصحّ منه بهذه القدرة الواحدة تقديم المقدورات التي توجد بعد أوقات (ق ، ت ٢ ، ٣٠٦ ، ١٢)

ـ اعلم أنّه إذا كان الذي لأجله تجب الإعادة هو لكي يتوفّر على المستحقّ حقّه ، ولن يتمّ ذلك إلّا بالإعادة ، فيجب أن تراعى حال من له حق

١٤٥

فيقضى بوجوب إعادته. ولا يعدوا من له الحق من أن يكون حقّه ثوابا على طاعة أو اجتناب معصية ، أو أن يكون حقّه العوض الذي يستحقّه على ما ينزل به من الآلام والغموم وغيرهما إذا لم يكن قد توفّر عليه في الدنيا وبقي مستحقّا له. وكل من هذا حاله تجب إعادته ، مكلّفا كان أو غير مكلّف. وأمّا الثواب فلن يكون إلّا في المكلّفين (ق ، ت ٢ ، ٣١٠ ، ٢)

ـ لا خلاف بين شيخينا (أبو علي وأبو هاشم) في أنّ ما يختصّ ـ تعالى ـ بالقدرة عليه يجوز عليه الإعادة. فأمّا مقدوراته الباقية التي يقدر على جنسها فعند أبي عليّ لا يجوز أن تعاد ، وعند أبي هاشم يجوز أن تعاد. ولا يختلفان في أنّ ما لا يبقى لا يجوز أن يعاد البتّة لأنّه يختصّ في الوجود بوقت واحد في الوجود لا يصحّ أن يوجد إلّا في ذلك الوقت ؛ لأنّه متى تعدّى في صحّة وجوده الوقت الواحد صحّ وجوده في سائر الأوقات ما لم يوجد ما يحيل وجوده (ق ، غ ١١ ، ٤٥٩ ، ١٣)

ـ قال شيخنا أبو علي : إن ما يدخل جنسه تحت مقدور العباد فلو جاز عليه الإعادة إذا كان مقدورا لله سبحانه لجاز عليه الإعادة إذا كان مقدورا لنا ؛ لأنّ الجنس الواحد في الوجود وصحّته وما يتبع الوجود من الكيفيّات لا يختلف. ولذلك ثبت أنّ كل جنس يصحّ البقاء عليه من فعل بعض الفاعلين يجوز أن يبقى من فعل سائرهم : وقد ثبت فيما هذا حاله من الأحكام ألّا تختلف باختلاف ذواتهم (ق ، غ ١١ ، ٤٦٠ ، ٦)

ـ إنّ المقدور إن كان مقدورا لغيره فقد بيّنا أنّ الإعادة لا تصحّ فيه ؛ وإن كان مقدورا لله تعالى والبقاء لا يصحّ عليه فكمثل. وقد دللنا على صحّة ذلك بما تقدّم من النظر ، وأنّه لا يجوز أن يولّد علما إلّا ويصحّ وجوده على هذا الوجه دون غيره على المذهب الصحيح ، وأن وجوده إذا تعلّق بما لا يبقى (فهو) تعالى لا يفعله أصلا مع وجوبه. ولا يصحّ أن يقال : إنّه ـ تعالى ـ قبل الإفناء يوفّره عليه ، فلم يبق إلّا أنّه يجب أن يعيده لأنّ توفير الثواب عليه إذا لم يتمّ إلّا بالإعادة وجبت ، من حيث لا يتمّ فعل الواجب على جميع الوجوه إلّا بها (ق ، غ ١١ ، ٤٦٤ ، ٢)

ـ أمّا من يستحقّ العوض فإعادته غير واجبة ، إلّا على بعض الوجوه ؛ لأنّه قد ثبت أنّ العوض منقطع غير دائم ، ففارق الثواب من هذا الوجه ، وصحّ فيه أن يفعل في أوقات منقطعة. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع فيما يستحقّه الإنسان في حال حياته أن يوفّر عليه في هذه الأوقات من جهة العقل ، ثم يميته تعالى من غير أن يستحقّ العوض ؛ لأنّ العوض لا يستحقّ بالموت إذا حصل من غير ألم وغمّ ، والقديم ـ تعالى ـ قادر على ذلك ؛ فإذا فعله من غير ألم لم يستحقّ ذلك الحيّ عليه عوضا (ق ، غ ١١ ، ٤٦٥ ، ١٠)

ـ كان شيخنا أبو إسحاق ـ رحمه‌الله ـ يقول في باب الإعادة : إنّه يجوز أن يعاد الحيّ في باب الزيادة والنقصان على الحدّ الذي يجوز أن يتوالى عليه كونه في الثاني ؛ لأنّ أوقات الفناء لا معتبر بها لخروج المفنى من أن يصحّ فيه حلول الأعراض فتصير حال الإعادة متّصلة بحال الفناء ، كاتّصال إحدى حالتيه بالأخرى مع استمرار وجوده وبقائه (ق ، غ ١١ ، ٤٧٤ ، ٤)

ـ قال أبو الحسن إنّ الإعادة وجود الفاني بعد

١٤٦

عدمه مرّة ثانية ، وأجاز إعادة الأعراض كما يجوز إعادة الأجسام (ب ، أ ، ٤٥ ، ٨)

ـ قال شيخنا أبو الحسن الأشعري رحمه‌الله : كل ما عدم بعد وجوده صحّت إعادته جسما كان أو عرضا. وقال القلانسي من أصحابنا يصحّ إعادة الأجسام ولا يصحّ إعادة الأعراض. وبناه على أصله في أنّ المعاد يكون معادا لمعنى يقوم به ولا يصحّ قيام معنى بالعرض ، فلذلك أنكر إعادته. وذهب أبو الحسن إلى أنّ الإعادة ابتداء ثان ، فكما أنّ الابتداء الأوّل صحّ على الجسم والعرض من غير قيام معنى بالعرض ، فكذلك الابتداء الثاني صحيح عليه من غير قيام معنى به (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ٤)

ـ قال الجبّائي ، الأعراض نوعان : باق وغير باق. وما صحّ بقاؤه منها صحّت إعادته بعد الفناء ، وما لا يصحّ بقاؤه فلا تصحّ إعادته. وأجاز ابنه أبو هاشم إعادة جميع الأعراض إلّا ما يستحيل عليه البقاء عنده ، أو كان من مقدور العباد. ويصحّ عنده إعادة ما هو من جنس مقدور العباد إذا كان من فعل الله تعالى (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ١٠)

ـ قال أبو الهذيل كل ما أعرف كيفيّته من الأعراض فلا يجوز أن يعاد ، وكل ما لا أعرف كيفيّته فجائز أن يعاد (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ١٢)

ـ قالوا (المعتزلة) : القدرة الحادثة لا يتأتّى بها إعادة ما اخترع بها أولا ، ومعلوم أنّ الإعادة بمثابة النشأة الأولى. ولذلك استدلّ الإسلاميون على اقتدار الرّب على الإعادة باقتدار ، على ابتداء الفطرة (ج ، ش ، ١٧٨ ، ١)

ـ أمّا جواز الإعادة فالعقل يدلّ عليه ، ويدلّ عليه السمع أيضا ، كما ذكرنا في صدر السمعيّات. وكل حادث عدم ، فإعادته جائزة ، ولا فصل بين أن يكون جوهرا أو عرضا. وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ الأعراض لا تعاد ، بناء على أنّ المعاد معاد لمعنى ، فلو أعيد العرض لقام به معنى. وهذا لا أصل له عند المحقّقين ؛ فإنّ الإعادة بمثابة النشأة الأولى ، وليس المعاد معادا لمعنى (ج ، ش ، ٣١٣ ، ٥)

ـ جوّزت المعتزلة إعادة الجواهر إذا عدمت ، وقسّموا الأعراض إلى ما يبقى وإلى ما لا يبقى ، وقالوا : ما لا يبقى منها كالأصوات والإرادات فلا يجوز إعادتها ، وكل عرض يستحيل بقاؤه يختصّ عندهم بوقت لا يجوز تقدير تقدّمه عليه ، ولا تقدير استيخاره عنه. وأمّا الباقي من الأعراض ، فمنقسم إلى ما كان مقدورا للعبد ، وإلى ما لم يكن مقدورا له ؛ فأمّا ما كان مقدورا للعبد ، فلا يجوز من العبد إعادته ، ولا يصحّ من القديم أيضا إعادته عندهم ، وأمّا ما لم تتعلّق به قدرة العبد ، وهو باق من الأعراض ، فتجوز إعادته (ج ، ش ، ٣١٣ ، ١١)

ـ أمّا الحشر فيعنى به إعادة الخلق. وقد دلّت عليه القواطع الشرعية وهو ممكن بدليل الابتداء. فإنّ الإعادة خلق ثان. ولا فرق بينه ، وبين الابتداء وإنّما يسمّى إعادة بالإضافة إلى الابتداء السابق. والقادر على الإنشاء ، والابتداء قادر على الإعادة (غ ، ق ، ٢١٣ ، ٤)

ـ معنى الإعادة أن يبدّل بالوجود العدم الذي سبق له الوجود (غ ، ق ، ٢١٤ ، ١٢)

ـ معنى المثل أن يخترع الوجود لعدم لم يسبق له وجود. فهذا معنى الإعادة (غ ، ق ، ٢١٤ ، ١٣)

ـ إنّ الإبداء والإعادة متساويان في قدرة من هو قادر على الطرد والعكس من إخراج الميت من

١٤٧

الحيّ وإخراج الحيّ من الميت وإحياء الميت وإماتة الحيّ (ز ، ك ٣ ، ٢١٨ ، ٨)

ـ الإعادة في نفسها عظيمة ولكنّها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق ، ومعناه أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء لأنّ تكوينه في حدّ الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقّل في أحوال ويتدرّج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ ، وقيل الأهون بمعنى الهيّن. ووجه آخر وهو أنّ الإنشاء من قبيل التفضّل الذي يتخيّر فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله لأنّها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب ، والإفعال إمّا محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن المقدور ، وإمّا ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة ، وإمّا تفضّل ، والتفضّل حالة بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله ، وإمّا واجب لا بدّ من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكأنّ الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول ، فلمّا كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع ، وإذا كانت أبعدها من الامتناع كانت أدخلها في التأتي والتسهّل فكانت أهون منها ، وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء (ز ، ك ٣ ، ٢٢٠ ، ١٨)

ـ ذهبت المعتزلة ـ على موجب أصلهم في انقسام الأعراض إلى باقية وغير باقية ـ إلى منع جواز إعادة الأعراض الغير الباقية كالحركات والأصوات ونحوها ، وزعموا أنّه لو تصوّر وجودها في وقتين يفصلهما عدم لجاز القول بوجودهما في وقتين متتاليين ، وذلك في الأعراض الغير الباقية محال. ومن الأصحاب من زاد على هؤلاء بحيث منع من جواز إعادة الأعراض مطلقا ، وزعم أنّ الإعادة لمعنى ، فلو جاز إعادة الأعراض للزم أن يقوم المعنى بالمعنى ، وهو ممتنع (م ، غ ، ٣٠٠ ، ٢)

ـ مذهب أهل الحق من الإسلاميين : أنّ إعادة كل ما عدم من الحادثات فجائز عقلا وواقع سمعا ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون جوهرا أو عرضا ؛ فإنّه لا إحالة في القول بقبوله للوجود وإلّا لما وجد ، بل ما قبل الوجود في وقت كان قابلا له في غير ذلك الوقت أيضا : ومن أنشأه في الأولى قادر على أن ينشئه في الأخرى (م ، غ ، ٣٠٠ ، ٧)

ـ القول بالإعادة لا يصحّ إلّا مع القول بأنّ المعدوم شيء ثابت حتّى يزول عنه العدم تارة والوجود أخرى. وقد تبيّن فيما مرّ أنّ الحكم بالوجوب والإمكان والامتناع أحكام عقليّة على متصوّرات ذهنيّة ، فإنّ الحكم بامتناع وجود شريك الإله ، ليس على شريك ثابت في الخارج (ط ، م ، ٣٩١ ، ٦)

إعادة أفعال العباد

ـ العدلية جميعا : ويستحيل إعادة أفعال العباد ، إذ لو جاز أن يعيد العبد مقدوره لزم أن يكون للقدرة مقدوران في وقت من جنس في محل واحد ، وهما المعاد ومقدور الوقت ، إذ للقدرة في كل وقت مقدور لا يتعدّاه ، وإلّا تعدّدت إلى ما لا نهاية له ، إذ لا حاصر فيمانع القديم ، وتصحّ إعادة مقدور القديم الباقي جنسه. قاضي القضاة : مما ليس متولّدا إذ لو أعيد ما لا يبقى لزم ألا يختصّ بوقت واحد ، واختصاصه به ذاتيّ (صقلت) ذاته ، ولو أعيد

١٤٨

المتولّد لزم أن يكون للسبب الواحد في الوقت الواحد مسبّبان ، وهو كالقدرة في كون له في كل وقت مسبّب لا يتعدّاه فيتعدّى ولا حاضر (م ، ق ، ١٠٤ ، ٤)

إعادة الحي

ـ اعلم أنّه لا بدّ في إعادة الحيّ المخصوص بأجزائه ؛ لأنّ الحيّ هو الجسم المبنيّ بنية مخصوصة ، وإنّما يوصف بأنّه حيّ إذا اختصّ لأجل وجود الحياة فيه بصفة مخصوصة يصحّ معها أن تدرك وتحسّ. فإذا صحّ ذلك فلا بدّ من أن تعتبر أجزاؤه في الإعادة ، كما لا بدّ من اعتبارها في البقاء ؛ لأنّه كما يجب في المعاد أن يكون زيدا بعينه ، فكذلك يجب فيه إذا بقي مدّة لا بدّ من أن يكون زيدا بعينه ، فكما لا يصحّ في زيد أن يبقى ويكون هو ذلك الحيّ مع تبدّل أجزائه ، فكذلك لا يصحّ أن يعاد ذلك الحيّ بعينه مع تبدّل الأجزاء (ق ، غ ١١ ، ٤٦٧ ، ١١)

إعادة الخلق

ـ إن قال قائل ما الدليل على جواز إعادة الخلق ، قيل له الدليل على ذلك أنّ الله سبحانه خلقه أولا لا على مثال سبق فإذا خلقه أولا لم يعيه أن يخلقه خلقا آخر وقد قال الله عزوجل : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس : ٧٨ ـ ٧٩) فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة لأنّها في معناها ثم قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (يس : ٨٠) فجعل ظهور النار على حرّها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته دليلا على جواز خلقه الحياة في الرّمة البالية والعظام النخرة وعلى قدرته على خلق مثله (ش ، ل ، ٨ ، ١٤)

اعتبار الغائب بالشاهد

ـ قالت الصفاتية ونحن نعتبر الغائب بالشاهد بجوامع أربعة وهي العلّة والشرط والدليل والحدّ (ش ، ن ، ١٨٢ ، ١٠)

ـ ألزمت الأشعريّة عليهم (للمعتزلة) إلزامات منها قولهم إذا أوجبتم على الله تعالى رعاية الصلاح والأصلح في أفعاله فيجب أن توجبوا علينا رعاية الصلاح والأصلح في أفعالنا ، حتى يصحّ اعتبار الغائب بالشاهد ، ولم يجب علينا رعايتهما بالاتفاق إلّا بقدر ما ، والتعرّض للنصب والتعب ، والنصب لو كان فاصلا بين الشاهد والغائب لكان فاصلا في أصل الصلاح (ش ، ن ، ٤٠٧ ، ١)

اعتبارات

ـ الإيجاد غير محسوس ولا يدرك بإحساس النفس ضرورة ، فقد وجدنا للتفرقة بين الحركتين (الاختياريّة والاضطراريّة) والحالتين مرجعا ومردّا غير الوجود ، أليس من أثبت المعدوم شيئا عندكم ما ردّ التفرقة إلى العرضيّة واللونيّة والحركيّة في أنّها بالقدرة الحادثة ، فإنّها صفات نفسيّة ثابتة في العدم ، ولا إلى الاحتياج إلى المحل ، فإنّها من الصفات التابعة للحدوث ، فلذلك نحن لا نردّها إلى الوجود فإنّها من آثار القدرة الأزلية ، ونردها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب والعقاب حتى ينطبق التكليف على المقدور ، والمقدور على الجزاء ، والدواعي والصوارف أيضا تتوجّه إلى تلك

١٤٩

الجهة ، فإنّ الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد داعية القيام والقعود والحركة والسكون والمدح والذمّ ، وهذه هيئات تحصل في الأفعال وراء الوجود تتميّز عن الوجود بالخصوص والعموم ، فإن شئت سمّيتها وجوها واعتبارات (ش ، ن ، ٨١ ، ١٥)

اعتبارات عقلية

ـ إنّ المعنى قد يكون واحدا في ذاته ويكون له أوصاف هي اعتبارات عقليّة ، ثم الاعتبارات العقليّة قد تكون من جهة النسب والإضافات ، وقد تكون من جهة الموانع واللواحق ، أليست الإرادة قد تسمّى رضى إذا كان فعل الغير واقعا على نهج الصواب ، وقد تسمّى هي بعينها سخطا إذا كان الفعل على غير الصواب ، كذلك يسمّى أمرا إذا تعلّق بالمأمور به ، ويسمّى نهيا إذا تعلّق بالمنهى عنه ، وهو في ذاته واحد وتختلف أساميه من جهة متعلّقاته حتى قيل إنّ الكلام بحقيقته خبر عن المعلوم ، وكل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه ضرورة ، فإن تعلّق بالشيء الذي وجب فعله سمّي أمرا ، وإذا تعلّق بالشيء الذي حرّم فعله سمّي نهيا ، وإن تعلّق بشيء ليس فيه اقتضاء وطلب سمّي خبرا واستخبارا ، فهذه أسامي الكلام من جهة متعلّقاته كأسامي الرب تعالى من جهة أفعاله (ش ، ن ، ٢٩٢ ، ٣)

اعتذار

ـ إنّ التوبة على الحدّ الذي ذكرناه تزيل العقاب ، لأنّ نظير التوبة من الشاهد إنّما هو الاعتذار ، ومعلوم أنّ أحدنا لو أساء إلى غيره ثم اعتذر إليه اعتذارا صحيحا فإنّه لا يستحقّ بعد ذلك الذم على الإساءة (ق ، ش ، ٣٣١ ، ١٧)

ـ الاعتذار : اسم لما يزيل الذمّ المستحقّ بالإساءة إلى من هو اعتذر إليه (ق ، غ ١٤ ، ٣١١ ، ٥)

ـ اعلم أنّه إنّما يلزم مما هو إساءة إلى المعتذر إليه ، دون ما عداه ، فكل ما دخل في ذلك ، فالاعتذار منه واجب ، وما خرج عنه ، فالاعتذار فيه غير واجب ، لأنّه بمنزلة إزالة الضرر ، فيمن لم يسيء إليه ، لم يوقع به مضرّة فيلزمه إزالتها (ق ، غ ١٤ ، ٣٢٥ ، ١٣)

اعتراض

ـ إنّ كل اعتراض لا يثبت إلّا بعد ثبوت المعترض به عليه ، فذلك الاعتراض في نفسه فاسد ، لأنّه إذا كان صحّته وثبوته متعلّقين بصحة المعترض به عليه وثبوته فصحّته تؤدّي إلى الجمع بين أمرين متنافيين ، وهو أن يكون المعترض به صحيحا وأن لا يكون صحيحا وأنّ الاعتراض يكون صحيحا وأن لا يكون صحيحا (ن ، د ، ٣٠٣ ، ١٢)

اعتزال

ـ قال القاضي عبد الجبّار وهو رئيس المعتزلة : كل ما ورد في القرآن من لفظ الاعتزال فإنّ المراد منه الاعتزال عن الباطل ، فعلم أنّ اسم الاعتزال مدح. وهذا فاسد لقوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (الدخان : ٢١). فإنّ المراد من هذا الاعتزال هو الكفر (ف ، غ ، ٣٩ ، ٨)

اعتقاد

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فلا يصحّ أن يتعلّق بحدوث الشيء إلّا ويجب أن يحدث ،

١٥٠

وإلّا انقلب جهلا. وليس كذلك حال الإرادة ؛ لأنّها تتناول حدوث الشيء ولا تتعلّق به على ما هو به. وهي في بابها بمنزلة الاعتقاد الذي قد يتعلّق بالشيء على ما هو به وعلى ما ليس به ؛ لأنّها لا تكون إرادة بأن تقع على وجه مخصوص ، فهي جنس الفعل كالاعتقاد فحملها عليه أولى من حملها على العلم (ق ، غ ١١ ، ١٥٩ ، ١٣)

ـ إنّ العلم ، وإن كان يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فإنّه لا يصير علما على ما هو به ، فمكان العلم. كما لا يصير العلم علما ، لكون معلومه على ما هو به. وقد شرحنا ذلك من قبل ، فإذا لم يجب ذلك في العلم ، فبأن لا يجب ذلك في الاعتقاد أولى. وكان يجب ، على قولهم هذا ، إذا كان الإنسان قادرا على الاعتقادات المختلفة في الأمور ، أن يقدر أن يجعلها على الصفات التي يصحّ أن يعتقدها فيه ، فيجعل السواد مرّة سوادا ، ومرّة بياضا ، والجسم مرّة قديما ، ومرّة محدثا ، وقد علمنا أنّه إن كان قديما لم يجز أن يتغيّر حاله وإن كان محدثا فكمثل (ق ، غ ١٢ ، ٤٩ ، ٨)

ـ إنّ الاعتقاد الذي لا يأمن فاعله أن يكون جهلا ، إنّما يقبح متى لم يتعلّق وجوده بوجود غيره من الأسباب الموجبة. أو لم يختره من قد عرف طرائق العلم من قبل ، وفصل بينه وبين غيره؟ لأنّه إذا عرف ذلك ، وتذكّر نظره ، وما حصل عليه بعد النظر من سكون النفس إلى ما عرفه ، صار ما يختاره من الاعتقاد عنده في أنّه قد اختاره عند أمر يبعد كونه جهلا ويقرب كونه علما ، أبلغ مما يفعله عن النظر ، فوجب القضاء بحسنه (ق ، غ ١٢ ، ٢٥١ ، ١٦)

ـ إنّ من حقّ الاعتقاد أن لا يحسن من المكلّف أن يقدم عليه إلّا تابعا لغيره مما يخرج به من أن يكون في حكم المبخّت الجاهل. ومتى أقدم عليه ، لا على هذا الوجه كان مقدما على قبيح. كما أن الخبر لا يحسن منه الإقدام عليه ؛ إلّا مع العلم بحال المخبر ، وإلّا كان في حكم الكاذب. وإنّما يخرج الاعتقاد من أن يكون كذلك ، بأن يقع عن النظر في الأدلّة ، أو بأن يفعله مع تذكر الأدلّة. لأنّه متى كان كذلك أمن فيه أن يكون جهلا ، ومتى أقدم عليه لا على هذا الوجه لم يأمن كونه جهلا. وقد علمنا أنّه كما يقبح الجهل ، فكذلك يقبح الإقدام على ما لا يأمنه جهلا ؛ بل لو لم يقبح ذلك ، لم يقبح الجهل. وذلك لأنّ المكلّف قبل إقدامه على الاعتقادات لا يعرف أنّه جهل ، وإنّما يعرف ذلك من بعد. فلو لم يقبح الإقدام على ما لا يأمن فيه ذلك ، لم يقبح الجهل أيضا. فإذا صحّ ذلك بما ذكرناه وبما قدّمناه من قبل في هذا الكتاب ، فيجب أن لا يحسن من المكلّف أن يعتقد في الله ، تعالى ، وفي سائر ما يلزم من التوحيد والعدل ما هو عليه أو خلافه ، إلّا بأن ينظر في الأدلّة ، على ما قدّمناه ، وإلّا لم يأمن كونه جهلا. وهذا قبيح لا يجوز من الحكيم أن يكلّفه العبد ، كما لا يحسن أن يكلّفه الخبر الذي لا يأمن كونه كذبا (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٦ ، ١٦)

ـ أمّا الاعتقاد فقد يقبح لأمرين : أحدهما لأنّه جهل ، والآخر لأنّه لا يأمن أن يكون جهلا ، ويدخل في هذين كل ما يقبح من الاعتقاد ، وإنما يخرج عنهما ما يكون علما ، بأن يعلمه المكلّف أنّه يقع علما ، أو يعلم أنّه مما يختاره عن نظر قد حسن في عقله ، أو عند ذكر الأدلّة ، على ما تقدّم القول فيه في باب المعرفة ، لأنّه

١٥١

عند هذه الأمور يأمن ، على جملة أو تفصيل ، كونه جهلا وقبيحا (ق ، غ ١٤ ، ١٥٨ ، ١١)

ـ إنّ الاعتقاد إنّما يصير علما لوجوه مخصوصة ، لأنّه بجنسه لا يصير علما (ق ، غ ١٥ ، ٣٩٦ ، ٢٣)

ـ قد دلّ الدليل على أنّ الجهل لا يكون إلّا باطلا ؛ فكذلك الكذب ؛ فإن الذي هو حق لا يكون إلّا كالعلم ، ومتى قيل فيما تناوله المذهب : " إنّه حق" فالمراد بذلك أنّه مطابق ؛ لأنّ هذه الصفة لا تليق إلّا بالعلم. والاعتقاد من حيث لا يتغيّر الحال فيه دون تغيير المعتقد ؛ ولهذه الجملة قلنا : إنّ ما طريقه الاعتقاد ، والتديّن ، دون العمل لا يجوز أن يكون الحق إلّا في واحد منه ، للعلّة التي قدّمناها (ق ، غ ١٧ ، ٣٥٥ ، ١٥)

ـ إنّ الاعتقاد لا يصير علما بالفاعل ، بل إنّما يكون علما لوقوعه على وجه ، وهو أن يكون واقعا من الناظر أو صدر عن النظر. فإذا وقع على هذا الوجه وجب أن يكون علما ولا تأثير للفاعل فيه (ن ، د ، ٢٠٣ ، ١)

ـ إنّ الاعتقاد يوجب للمعتقد حالا ، وسكون النفس حكم ذلك الحال ، فيجوز أن نتوصّل بحكم الحال الموجب عن المعنى إلى حكم المعنى لما بينهما من التعلّق في باب الإيجاب (ن ، د ، ٣٢٠ ، ١)

ـ إنّ كون أحدنا عالما لو كان أمرا زائدا على كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه لكان يجب في نفس العلم أن يكون أمرا زائدا على الاعتقاد الذي يقتضي سكون النفس كما ذهب إليه أبو الهذيل. وقد أبطلنا ذلك حيث تكلّمنا على شيخنا أبي الهذيل. فثبت بهذا أنّ المرجع بكونه عالما إنّما هو إلى كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه. فإذا كان هذا مدلول الدلالة وجب أن لا نعرف الحال كان شاهدا أو غائبا ، لأنّ ما كان من مدلول الدلالة لا يعرف في الشاهد والغائب ، فكان يجب على هذا أن يكون القديم تعالى حاصلا على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه ، وإن لم يوصف بذلك (ن ، د ، ٤٩٤ ، ١٢)

ـ إن قيل : فما هذه الوجوه التي إذا وقع الاعتقاد على واحد منها كان علما؟ قيل له : قد قال الشيخان أنّ ذلك لا يخلو من وجوه ثلاثة : إما أن يكون وقوعه عن نظر ، أو عن تذكّر النظر ، أو من فعل العالم بالمعتقد (ن ، م ، ٢٨٨ ، ١٣)

ـ قال الشيخ أبو عبد الله في كتاب العلوم ، أنه قد يكون الاعتقاد علما لوجهين آخرين : ـ أحدهما ، أن يعلم أنّ الذات ، إذا كانت على صفة من الصفات ، فإنّها لا تخلو من أن تكون على صفة أخرى ، ثم يعلم أنّ ذاتا معيّنة على تلك الصفة ، فلا بدّ أن يختار عنده العلم بأنّه على صفة أخرى. وهذا نحو أن يعلم أنّ الظلم قبيح ، ونعلم أنّ هذا الشيء بعينه بصفة الظلم ، فعند ذلك نختار العلم بأنّه قبيح. ـ والوجه الثاني ، أنّه يحصل عند ذكر العلوم ، نحو أن يذكر أنّه كان عالما بأنّ زيدا في الدار ، ثم يفعل عند ذلك الاعتقاد لكونه في الدار في ذلك الوقت. فهذا الاعتقاد يكون علما ، لأنّه وقع عند تذكّر العلم. وقد خرج على مذهب أبي هاشم وجه ، وهو أن يقلّد غيره بأن زيدا في الدار ، ثم يبقى فيه الاعتقاد إلى أن يشاهده ، فيصير ذلك علما (ن ، م ، ٢٨٨ ، ١٦)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ الاعتقاد الذي هو تقليد ، يكون علما إذا كان معتقده على ما هو به (ن ، م ، ٣٠٢ ، ١٢)

١٥٢

ـ إنّ الاعتقاد الذي وقع على سبيل التقليد لا يقتضي سكون النفس ، فإذا لم يقتضي سكون النفس ، لم يجز أن يكون علما (ن ، م ، ٣٠٢ ، ١٤)

اعتقاد صحيح

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٣)

اعتقاد فاسد

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأول إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٢)

اعتقاد لصحة حدوث الشيء

ـ إنّ العلم بصحّة حدوث الشيء ، والاعتقاد لصحّة حدوثه ، والظنّ لذلك يجري مجرى واحدا في صحّة الإرادة. وكذلك العلم باستحالة حدوثه. والاعتقاد لذلك يتساوى في استحالة إرادته. فإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يقوم العلم مقام غلبة الظنّ فيما قدّمناه من صحّة إرادة ما نعلم أنّ القادر يصحّ أن يفعله. وإنّما اعتمدنا على غلبة الظنّ لأنّه لا سبيل لنا إلى العلم بالأمور المستقبلة التي تقع من العباد ؛ لأنّا نجوّز في كل واحد منهم أن يخترم دون الفعل ، وأن يعصى أمرنا ومرادنا ، كما نجوّز فيه أن يطيع ، فإذا ثبت ذلك لم يمكن أن نبيّن ذلك بالعلم ، وإن كان شيوخنا رحمهم‌الله قد بيّنوا ذلك بأنّه قد ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد من أبي لهب وغيره الإيمان ، وإن علم أنّه لا يؤمن بخبر الله تعالى ، ويصحّ منّا إرادة الإيمان من جماعة الكفّار ، وإن علمنا أنّهم لا يجتمعون على الهدى (ق ، غ ١١ ، ١٦١ ، ٧)

اعتقاد للتوحيد

ـ اختلفت المرجئة في الاعتقاد للتوحيد بغير نظر هل يكون علما وإيمانا أم لا وهم فرقتان : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ الاعتقاد للتوحيد بغير نظر لا يكون أيمانا ، والفرقة الثانية منهم يزعمون أنّ الاعتقاد للتوحيد بغير نظر إيمان (ش ، ق ، ١٤٤ ، ٣)

اعتقاد المعتقد

ـ إنّ اعتقاد المعتقد لا يؤثّر فيما عليه المعتقد لأنّه لو أثّر في ذلك ، لوجب أن يكون المعتقد على الصفة التي يختصّ بها لاعتقاد المعتقد ، ولوجب أن يكون اعتقاده موجبا لكونه كذلك. ولو كان كذلك ، لوجب أن يكون اعتقادا لسائر ما يعتقده في أنّه يوجب كونه على ما هو عليه يميّز له السبب في إيجابه حدوث المسبّب. وهذا يوجب ؛ أن يصحّ منّا وقوع الجسم والقدرة ، إذا اعتقدنا ذلك فيهما ؛ بل يوجب أن يكون تعالى موجودا ومختصّا بسائر ما هو عليه من جهتنا ، إذا اعتقدنا كونه كذلك ؛

١٥٣

بل يوجب إذا اعتقد المعتقد ، في الشيء ، جوهرا سوادا ، أن يحصل بهذه الصفة ؛ وقد بيّنا فساد ذلك ؛ بل يجب ، على هذا ، صحّة كون الشيء الواحد بياضا سوادا ، إذا اعتقد المعتقد أنّ ذلك فيه ، وقديما محدثا ، وموجودا معدوما. وقد بيّنا أنّ العلم باستحالة ذلك ، ضروريّ (ق ، غ ١٢ ، ٤٨ ، ٩)

اعتقاد واقع عن النظر

ـ الاعتقاد الواقع عن النظر ، ... حكمه يخالف حكم الاعتقاد الذي نبتدئه من حيث يوجد بوجود النظر. فحكمه في حسن الإقدام عليه ، حكم سببه. فإذا حسن منه النظر ، فالواجب أن يحسن ما يقع منه ويتولّد عنه. وقد بيّنا أن الخبر لو صحّ أن يتولّد عن سبب ، حاله فيه حال النظر ، لوجب فيه مثل ما قلناه في المعرفة ، لأنّه كان يصير بمنزلة سببه في الحسن ، وكان يفارق حاله حال الخبر الذي نبتدئه. لكن الأمر في الخبر بخلاف هذه الطريقة ، فلم يجب أن يختلف حاله في قبح الإقدام عليه ، إذا كان لا يعرفه صدقا. وقد بيّنا أنّ ما يفعله المنتبه من نومه من الاعتقاد ، لما تعلّق وجوده بتذكّر النظر ، حلّ محل الاعتقاد الواقع عن النظر في أنّه يحسن الإقدام عليه. وبيّنا أنّ المكلّف يعلم ، في الجملة ، أنّ النظر إن أوجب اعتقادا ، فمن حقّه أن لا يكون جهلا ؛ لعلمه بأنّ ما أوجب الجهل يجب أن يقبح. فإذا علم حسن النظر ، بطل عنده أن يولّد الجهل (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٤ ، ١٠)

اعتقاد يكون علما

ـ القول في سائر الوجوه التي يقع عندها الاعتقاد ويكون علما ، نحو أن يتقدّم له العلم بأن من حقّ المحدث أن يحتاج إلى محدث ، ثم يعلم محدثا بعينه. لأنّه عند ذلك تقوى دواعيه إلى اختيار العلم بأنّ له محدثا ، فيصير ذلك وجها لكون ذلك الاعتقاد علما (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٦ ، ١٩)

اعتقادات

ـ الذي قلتموه في الاعتقادات التي هي علوم ضروريّة ، أنّها إنّما تكون علما لأنّها من فعل العالم بالمعتقد لا يصحّ ، لأنّه بمنزلة ما يقوله المجبّرة أنّ حال الفاعل يؤثّر في حال الفعل. على أنّ كونه عالما بالمعتقد يتعلّق بغيره ، فكيف يجوز أن يؤثّر في حكم له (ن ، م ، ٢٩٠ ، ٢٣)

ـ تعريف الاعتقادات ... هي أمور يمكن أن يحكم فيها بنفي أو إثبات حتى يختصّ بها. وجعل الظنون والأوهام من قبيل الاعتقادات ليس ممّا يذهب إليه المتكلّمون ، لأنّهم يجعلون الاعتقادات نوعا والظنون نوعا (ط ، م ، ١٥٥ ، ٥)

اعتماد

ـ إنّ الاعتماد مماسّة مخصوصة ، وذلك أن يكون مماسّة لما تحته على وجوه مخصوصة. وكان ينكر قول من قال إنّ الاعتماد هو الثقل (أ ، م ، ٢٤٦ ، ١)

ـ إنّ القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلّا باعتماد ، والاعتماد مما لا حظ له في توليد الاعتقاد ، لأنّه لو كان كذلك لوجب إذا اعتمد أحدنا على صدر الغير أن يتغيّر حاله في الاعتقاد ، ومعلوم أنّه لا يتغيّر (ق ، ش ، ٩١ ، ٤)

١٥٤

ـ التوليد على ضربين ، أحدهما : أن يكون متعدّيا عن محلّ القدرة ، والآخر لا يكون متعدّيا. فإن لم يتعدّ عن محلّ القدرة لزم ما ذكرناه في المباشر ، وإن كان متعدّيا عن محلّ القدرة فالذي يتعدّى به الفعل عن محلّ القدرة ليس إلّا الاعتماد ، والاعتماد مما لا خطر له في توليد الجسم (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ١٤)

ـ إنّ الغير إنّما يعدّي الفعل عن محل القدرة بالاعتماد ، والاعتماد لا حظّ له في توليد الاعتقاد (ق ، ش ، ٣٤٣ ، ٤)

ـ واحد ما يدلّ على أنّ الاعتقاد لا يصحّ أن يولّد الجوهر ، أنّ من شرط الاعتماد في توليده لما يولّده في غير محلّه أن يكون هناك مماسّة واتّصال. وهذا الشرط هو شرط في التوليد لا في حدوث المسبّب ، بدلالة أنّ عند حدوثه قد يصحّ عدم السبب ، فبان بعدم الاتصال أحق. وإذا لم يكن بدّ من هذا الشرط وكان الجوهر يحدث باينا عن محال الاعتماد فلا بدّ من الاتّصال (ق ، ت ١ ، ٨١ ، ١٨)

ـ متى أرادوا بالطبع ما يحصل من إحراق النار فذلك هو الذي نثبته من الاعتمادات التي تولّد التفريق ، وكأنّهم سمّوا ما فيه طبعا وسمّيناه اعتمادا. وكذلك فيما في الماء من الثقل الذي يوجب النزول إلى ما شاكل ذلك بعد أن يجعل هذه الأمور معلّقة على فاعل مختار يصحّ منه أن يمنعها من التوليد والإيجاب (ق ، ت ١ ، ٩٢ ، ٢١)

ـ قال (أبو هاشم) فيه : والاعتماد يولّد الصّكة والوهى في الجسم ، ويولّد الوهى الألم ، وقال في موضع منه : والمماسة لا تولّد ، والتوليد إنّما يكون بالاعتماد وما يتولّد عنه كالوها وغيره ، وقال في الأبواب : لا يمتنع أن يكون الاعتماد مولّدا للألم والوهى جميعا ، وقال في موضع منه : والذي يولّد عندنا هو الاعتماد دون الكون لاختصاصه بالجهة ، وقال في نقض الطبائع : والاعتماد هو الذي يولّد دون الحركة إذا ارتفعت الموانع ، ويجوز أن يولّد بعد وجوده بزمان إذا كان باقيا ، وقال في الجامع : والأصوات تتولّد عن الاعتماد والمصاكّة التي إنّما تصحّ في الأجسام الصلبة وكذلك الكلام ، ثم قال : والذي يولّده هو اعتماد اللسان على نواحي فمه ، وقال في البغداديات : والاعتماد يولّد في الثاني ، كذلك قاله في نقض الإلهام ، وقال في الأبواب الصغيرة ما يدلّ على أنّ الحركة تولّد الاعتماد (ق ، غ ٩ ، ١٣٨ ، ١٠)

ـ اعلم إنّه إذا ثبت بما قدّمناه أنّ الأصوات والآلام والتأليف لا تحدث من فعلنا إلّا متولّدة ، فلا بدّ من سبب يولّدها من فعلنا ، لأنّ فاعل السبب يجب كونه فاعلا للمسبّب ، وكما ثبت ذلك في هذه الأجناس فقد صحّ أنّ ما يفعل من الكون في غير محلّ القدرة والاعتماد لا يقع إلّا متولّدا فلا بدّ فيه من سبب أيضا ، وإن كنّا قد نفعل ما هو من جنسهما ابتداء في محلّ القدرة لأنّ صحّة ذلك لا تخرجهما من أن يكونا متولّدين متى عدّيناهما عن محلّ القدرة من حيث ثبت بالدليل أنّه لا يصحّ من الواحد منّا أن يبتدئ مقدوره إلّا في محلّ القدرة بها ، فما أوجده على خلاف هذا الوجه يجب كونه متولّدا ، لأنّه لا يصحّ من القادر بقدرة إحداث الفعل إلّا على هذين الوجهين ، ولا شبهة فيما يتعدّى محل السبب أنّ المولّد له هو الاعتماد. وقد دلّ شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أنّ الاعتماد هو المختصّ بالجهة دون الحركة وغيرها ، فيجب أن يختصّ بتوليد الكون والاعتماد

١٥٥

وغيرهما (ق ، غ ٩ ، ١٤٠ ، ٥)

ـ إنّ الاعتماد كما يولّد الكون فإنّه يولّد الاعتماد ، فلو كان مولّدا لما يولّده في الحال ، لوجب أن يولّد ما لا يتناهى من الأكوان والاعتمادات ـ وقد علمنا خلافه (ن ، د ، ١٤٦ ، ١٣)

ـ إنّ الاعتماد إنّما يباين ما ليس باعتماد بطريقة التوليد وتوليده إنّما يكون في جهة دون جهة. فلو كان هاهنا سبب آخر يشارك الاعتماد في توليده وجب أن يشاركه في حقيقته وما يبين به عن غيره ، وهو أن يكون توليده في جهة. فإذا شاركه في هذا الحكم كان اعتمادا. فإذا كان المولّد هو الاعتماد ، ونحن قادرون على الاعتماد ، فيجب أن نقدر على الجوهر ـ وقد علمنا خلافه (ن ، د ، ٣٩٩ ، ٦)

ـ إنّ المماسّة معتبرة ، ومعلوم أنّ اعتبارها لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الاعتماد ، لأنّا نعلم أنّ الجوهر والكون في حصولهما لا يحتاجان إليه ، فإذا كان راجعا إليه فلا يخلو : إما أن يكون راجعا إليه في توليده ، أو راجعا إليه في وجوده. ومعلوم أنه لا يجوز أن يرجع إلى التوليد ، لأنّ التوليد إنّما يكون في الثاني ؛ وفي تلك الحال لا يحتاج إلى الاعتماد ، فضلا من أن يقال إنّه يحتاج إلى الشرط ، فلهذا أنّه يجوز أن يكون الاعتماد معدوما حال ما يتولّد عنه ما يتولّد. ولم يبق إلّا أن يكون راجعا إلى حدوثه على وجه يتولّد عنه ما يتولّد. فإذا ثبت أنّ الشرط في توليد الاعتماد لما يولّده هو أن يكون محلّه مماسا لمحل ما يتولّد فيه الكون من الكون ـ ومماسة المعدوم محال (ن ، د ، ٤٤٣ ، ١٥)

ـ دليل آخر على أنّ الاعتماد لا يجوز أن يكون مولّدا للجوهر ما قد ثبت أنّ جهاته التي تكون في سمت واحد هي بمنزلة المحال ، فكما أنّه يجوز من الاعتماد أن يولّد أكوانا في محال كثيرة في وقت واحد ، كما نقول في الرمح ، فكذلك يجب أن يكون كذلك في الجهات الكثيرة ـ وقد علمنا خلاف ذلك (ن ، د ، ٤٤٤ ، ١)

ـ إنّ السبب الذي يقوّى به الشيء عن محل القدرة ليس إلّا الاعتماد ، فكان يجب أن يقال في الاعتماد أنّه كما يولّد الحرارة يولّد البرودة. ولو كان كذلك لكان يجب أن يولّد الحرارة والبرودة في حالة واحدة ، وذلك محال (ن ، م ، ٥٧ ، ٤)

ـ إنّ من شأن الاعتماد أن يولّد في غير محلّه الحركة ، إذا لم يكن ممنوعا من توليدها ، وإذا منع منها ، فحينئذ ولد السكون. والقديم تعالى يصحّ منه أن يخترع الفعل اختراعا فلا يمتنع أن يسكّن الحجر في الجو (ن ، م ، ١٩٥ ، ٢٢)

ـ إنّ الاعتماد لاختصاصه بالجهة ، يصير في الحكم كأنّه موجود في الجسم الذي يضرب عليه محلّه ، فلذلك صحّ أن يكون مشروطا في التوليد بمعنى يوجد في ذلك المحل. وليس كذلك الكون ، لأنّه لا يصير في الحكم ، كأنّه موجود في المحلّ الآخر ، حتى يقال إنّه مشروط في التوليد بالمعنى ، الذي يوجد في المحل الآخر (ن ، م ، ٢٢٤ ، ٢٥)

ـ الأقرب أنّ أبا القاسم يشير بالاعتماد إلى أنّه سكون أو حركة (ن ، م ، ٢٢٩ ، ٢)

ـ إنّا نعدّي بالفعل عن محلّ القدرة ، وذلك لا يصحّ إلّا بما يختصّ بجهة ، بما قد دلّلنا عليه ، وليس ذلك إلّا الاعتماد (ن ، م ، ٢٢٩ ، ١٦)

ـ إنّ الجسم الثقيل يجب هويه إذا لم يمنعه مانع. فلا بدّ من أن يكون لمعنى أوجب ذلك ، وذلك

١٥٦

هو الاعتماد سفلا ، لأنّ نفس الجوهر محال أن يوجب الحركة (ن ، م ، ٢٢٩ ، ١٨)

ـ كيف يمكن أن يقال في الاعتماد أنّه حركة أو سكون ، ويكون معتمدا لا متحركا ولا ساكنا ولا مماسا؟ على أنّ الحركة والسكون يولّدان في محلّهما ، والمماسات لا حظ لها في التوليد أصلا ، فالاعتماد يولد في غير محله. على أنّ أجناس الأكوان لا حصر لها. والاعتمادات منحصرة بحسب انحصار الجهات ، والتأليف جنس واحد ، والاعتماد مختلف ومتماثل ولا تضادّ فيه ، وفي الأكوان متضادّ. فكل هذا يدلّ على أنّ الاعتماد معنى سوى الحركة والسكون والمماسة (ن ، م ، ٢٣٠ ، ٧)

ـ إنّ أحدنا لا يصحّ أن يفعل في غيره ، إلّا بسبب يفعله في محلّ قدرته. والسبب الذي يعدّى به الشيء عن محلّ القدرة ، يجب أن يختصّ بجهة ، بما قد بيّناه من قبل. والذي يختصّ بجهة هو الاعتماد. وقد عرفنا أنّ الاعتماد لا يصحّ أن يولّد العلم ، لأنّ أحدنا قد يعتمد على صدر غيره ، في أي جهة كانت ، ومع هذا فإنّ حال ذلك الغير في اعتقاده لا يتغيّر. فثبت بذلك أنه لا يجوز أن يفعل العلم في غيره (ن ، م ، ٣٠٨ ، ٢٤)

ـ الاعتماد معنى يوجب كون محلّه مدافعا لما يماسّه إذا زالت الموانع. وظاهر كلام أبي القاسم يقتضي نفي هذا المعنى. والطريق إلى إثباته الدليل ، وهو ما نجده من الفصل بين الجسم إذا ماسّنا وحصلت عنه مدافعة ، وبين ما ليس هذا سبيله. وهذه التفرقة لا بدّ لها من أمر ، فإذا لم يجز أن يكون لشيء من صفات الجسم ، ولا صحّ أن يكون بالفاعل لمثل ما قد مضى في باب الأكوان ، فلا بدّ من معنى موجود. وإنّما يشتبه بالحركة والسكون أو التأليف ، الذي هو مماسّة بين الجسمين ، أو الرطوبة لأنّ الغالب في الاعتماد أن لا يحصل إلّا مع أحد هذه الأمور (أ ، ت ، ٥٣٠ ، ١١)

ـ ذهب أبو هاشم إلى أنّ الاعتماد مدرك لمسا ، فلا نحتاج في إثباته إلى دلالة ، والأدلّة التي تقدّمت على ثبوت التغاير ، فإنّ المدركات قد تشتبه بأغيار لها ، فتورد الدلالة على تفصيل حالها. وقد منع أبو علي من ذلك ، وهو الصحيح. ولا تكاد تقع الشبهة في إدراكه بطريق آخر. فإنّ أحدنا يرى الجسم فيظنّه ثقيلا ، فإذا عالجه وجده خفيفا ، فالرؤية إذا لا مدخل لها في الاعتماد. وأمّا الحواس الأخر فأبعد من أن يشتبه الحال فيها ، وقد نعلم الثقيل ثقيلا بالعادة لا لأجل الإدراك (أ ، ت ، ٥٣٢ ، ١٢)

ـ إنّ الاعتماد المتولّد مقدور لنا (أ ، ت ، ٥٥٠ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ لا ضدّ للاعتماد من غير نوعه كما لا ضدّ له من نوعه لفقد الإشارة إلى معنى يمتنع وجوده معه ، بل يصحّ وجوده مع سائر المعاني. وأمّا إثبات معنى يكون ضدّا لقبيل الاعتماد فأبعد ، فإنّه اشتمل على المختلف والمتماثل ، فكيف يصحّ في المعنى الواحد أن يضادّ الكل على اختلافه وزوال التضادّ عنه (أ ، ت ، ٥٦١ ، ٩)

ـ الاعتماد أحد الأسباب وجملة ما يولّده الاعتماد المماثل له والاعتماد المخالف له ، وليس في الأسباب ما يولّد مثله غيره ويولّد الأكوان ويولّد الأصوات ، فقد اختصّ بتوليد هذه الأنواع الثلاثة. وإنّما أوجبنا توليده لمثله لأنّ الذي نفعله في الحجر إذا رميناه من

١٥٧

الاعتماد ، لو لم يولّد مثله في كل حال ، لكان يجب أن لا ينفذ إلّا في أقرب الجهات من يد الرامي أولا أنّه يحصل عن اعتماده اعتماد آخر ، والبعض يولّد البعض فيبلغ المدى لأنّ ما يفعله قد ثبت أنّ البقاء عليه غير جائز (أ ، ت ، ٥٦٣ ، ٣)

ـ اعلم أنّ الاعتماد وغيره من الأسباب لا يختلف حاله في توليد ما يتولّد عنه بحسب اختلاف أحوال الفاعلين ، فلهذا إذا وجد من جهة الله تعالى أحد هذه الأسباب وزالت الموانع وحصل المحل محتملا ، فإنّ المسبّب يوجد من جهة كما يوجد إذا كان السبب فعلا لنا. فصار يصحّ من الله تعالى الفعل على الوجهين جميعا وإن كان لا شيء يفعله متولّدا إلّا ويصحّ منه أن يفعل مثله في الغرض المقصود إليه مبتدأ. فإذا فعله بسبب فلصلاح زائد. وإلّا كان عابثا. وقد منع أبو علي من صحّة أن يفعل الله بسبب (أ ، ت ، ٥٨٣ ، ١٣)

ـ اختلفوا (المتكلمون) في حصول الجوهر بالحيّز أنّ ذلك الحصول هل هو معلّل بمعنى آخر ، والحق عدمه ، لأنّ المعنى الذي يوجب حصوله في ذلك الحيّز ، إمّا أن يصحّ وجوده قبل حصوله في ذلك الحيّز أو لا يصحّ ، فإن صحّ فإمّا أن يقتضي اندفاع ذلك الجوهر إلى ذلك الحيّز أو لا يقتضي ، فإن كان الأوّل كان ذلك هو الاعتماد ولا نزاع فيه : وإن كان الثاني لم يكن بأن يحصل بسبب ذلك المعنى في حيّز أولى من حصوله في حيّز آخر اللهمّ إلّا بسبب منفصل ، ثم يعود البحث الأوّل فيه ، وأمّا أن لا يصحّ وجوده إلّا بعد حصول الجوهر في ذلك الحيّز كان وجوده متوقّفا على حصول الجوهر فيه ، فلو كان حصول الجوهر محتاجا إلى ذلك المعنى لزم الدور (ف ، م ، ٧٦ ، ١٠)

ـ أمّا المعتزلة ، فلمّا أثبتوا لبعض الحوادث مؤثّرا غير الله تعالى ، قالوا بأنّ كلّ فعل يصدر عن فاعله بلا توسّط شيء آخر ، كالاعتماد من الحيوان ، يقولون إنّه حصل منه بالمباشرة ؛ وكلّ ما يصدر عنه بتوسّط شيء آخر ، كالحركة التي تصدر عنه بواسطة الاعتماد ، يقولون : إنّه حصل منه بالتولّد (ط ، م ، ٦٠ ، ١٦)

ـ مذهب المعتزلة أنّ الفاعل يفعل الاعتماد ، ويتولّد من الاعتماد الحركة ، فالفاعل يوجب الحركة بالتولّد فيما هو مباين له ، والاعتماد بالمباشرة ، واحتجاجهم بحسن الأمر والنهي بالفعل (ط ، م ، ٣٣٦ ، ٢)

اعتمادات

ـ إنّ الاعتمادات والأكوان هي الحركات ، وأنّ الحركات على ضربين : حركة اعتماد في المكان وحركة نقلة عن المكان ، وزعم (النظّام) أنّ الحركات كلها جنس واحد وأنّه محال أن يفعل الذات فعلين مختلفين (ش ، ق ، ٣٤٦ ، ١٥)

إعجاز

ـ فإن قالوا : كيف يكون القرآن معجزا وهو غير خارج عن حروف المعجم التي يتكلّم بها الخلق من أهل الفصاحة والعي واللّكنة؟ قيل لهم : ليس الإعجاز في نفس الحروف وإنّما هو في نظمها وإحكام رصفها وكونها على وزن ما أتى به النبي ، صلى الله عليه ، وليس نظمها أكثر من وجودها متقدمة ومتأخرة ومترتبة في الوجود ، وليس لها نظم سواها ؛ وهو كتتابع الحركات إلى السماء ووجود بعضها قبل بعض

١٥٨

ووجود بعضها بعد بعض (ب ، ت ، ١٢٥ ، ٢٢)

ـ وجهان آخران من وجوه الإعجاز : أحدهما ما انطوى عليه من أخبار الغيوب التي يعلم كل عاقل عجز الخلق عن معرفتها والتوصل إلى إدراكها نحو قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) (الفتح : ٢٧) ؛ فدخلوه كما وعدهم وأخبرهم ، ومن ذلك قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر : ٤٥) ؛ فكان ذلك كما أخبر ، وقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة : ٣٣) ؛ وقد أظهره الله وأعلى دعوته وأذل الملوك المحاولة لإبطاله التي كانت حول صاحب الدعوة إليه ، وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور : ٥٥) ... والوجه الآخر ما انطوى عليه القرآن من قصص الأولين وسير الماضين وأحاديث المتقدّمين وذكر ما شجر بينهم وكان في أعصارهم مما لا يجوز حصول علمه إلّا لمن كثر لقاؤه لأهل السّير ودرسه لها وعنايته بها ومجالسته لأهلها وكان ممن يتلو الكتب ويستخرجها ، مع العلم بأن النبي ، صلى الله عليه ، لم يكن يتلو كتابا ولا يخطّه بيمينه ، وأنه لم يكن ممن يعرف بدراسة الكتب ومجالسة أهل السير والأخذ عنهم ، ولا لقي إلّا من لقوه ولا عرف إلّا من عرفوه ، وأنهم يعرفون دأبه وديدنه ومنشأه وتصرّفه في حال إقامته بينهم وظعنه عنهم ؛ فدلّ ذلك على أن المخبر له عن هذه الأمور هو الله سبحانه علّام الغيوب. فهذا وجه الإعجاز في القرآن (ب ، ت ، ١٢٩ ، ٢٢)

ـ قالت طائفة وجه إعجازه (القرآن) كونه في أعلى مراتب البلاغة ، وقالت طوائف إنّما وجه إعجازه أنّ الله منع الخلق من القدرة على معارضته فقط (ح ، ف ٣ ، ١٧ ، ٦)

إعجاز القرآن

ـ قوله (النظّام) في إعجاز القرآن إنّه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية ، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة ، ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا ، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ١٦)

إعدام

ـ إنّ القادر لا بدّ من أن يؤثّر في تحصيل صفة لم تكن ، وهذا إنّما يتأتّى في الإحداث. فأمّا الإعدام فلا يصحّ ذلك فيه إذ ليس للمعدوم بكونه معدوما صفة. وعلى هذا الأصل قلنا للمجبرة : إذا لم يصحّ أن تكون للفعل صفة يرجع بها إلى كونه كسبا فيجب أن لا يصحّ تعليقه بالفاعل (ق ، ت ٢ ، ٢٩٥ ، ١٢)

ـ الإيجاد والإعدام هو القول والإرادة وذلك قوله (كن) للشيء الذي يريد كونه ، وإرادته لوجود ذلك الشيء ، وقوله للشيء كن : صورتان (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٨)

ـ فسّر محمد بن الهيصم الإيجاد والإعدام : بالإرادة والإيثار. قال : وذلك مشروط بالقول شرعا ، إذ ورد في التنزيل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) وقوله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١١)

ـ المؤثّر هو كلّ موجود يحصل منه موجود هو

١٥٩

أثره. ولهذا ذهبت المعتزلة إلى أنّ الإعدام يكون بإيجاد ضدّ الموجود ، حتّى مشايخهم قالوا : إنّ الله تعالى قبل القيامة يخلق عرضا هو الفناء لا في محلّ ، وهو ضدّ جميع ما سوى الله تعالى ، فيفنى بوجوده ما سوى الله تعالى وهو لا يبقى زمانين فينتفي ، ولا يبقى غير وجه الله ذي الجلال والإكرام. وذهب النظّام إلى أنّ جميع الأجسام والأعراض غير باق زمانين ، بل يحدثها الله حالا فحالا. وذهبت الأشاعرة إلى مثل هذا القول في الأعراض (ط ، م ، ٤٠ ، ٥)

ـ قال جميع من لا يجوّز إعادة المعدوم بأنّ الأجسام لا تفنى ، ولكن تفنى التأليفات الّتي بين أجزائها ، فيكون لأجل ذلك هالكا. فإعدام زيد الأوّل ليس بممكن عند أكثر المسلمين ، وما لا يمكن لا يكون مقدورا للفاعل المختار (ط ، م ، ٤٠ ، ١٢)

إعدام الشيء

ـ إنّ كل صفة تناولتها قدرة القادر لنفسه ، صحّ أن تتناولها قدر القادر منّا ، وإنّما يقع الاختصاص في أجناس المقدور. فكان يجب ، لو صحّ أن يقدر قادر ما على إعدام الشيء ، أن نقدر نحن أيضا عليه. فكان يجب أن يصحّ أيضا منّا إعدام الشيء بلا واسطة ، كما يصحّ منّا إيجاده بلا واسطة. وفي فساد ذلك ، دلالة على إبطال هذا القول (ق ، غ ٨ ، ٧٩ ، ٦)

ـ ليس لأحد أن يقول : إنّما نقدر على إعدام الشيء بسبب ، وإن قدر تعالى على إعدامه ابتداء ؛ كما نقدر على الصوت بسبب ، وإن قدر تعالى على إيجاده ابتداء. وذلك أنّ السبب هو الذي بوجوده يوجد غيره ، ويصحّ مع وجوده المنع من مسبّبه. ووجود الضدّ ليس له هذا الحكم مع الضدّ الذي يعدم به ، فكيف يقال : إنّه سبب في عدمه؟ ولو كان سببا في عدم ما يضادّه ، لوجب أن يكون عدمه بحسبه. فكان لا يصحّ أن تنتفي بالجزء الواحد الأجزاء الكثيرة مما تضادّه. وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الواحد منّا يقدر على إعدام الشيء ، ويستحيل في شيء من الأجناس أن تعدمه ابتداء. وإنّما صحّ القول : بأنّه قادر على إيجاد الأشياء ، لمّا صحّ في بعض الأجناس أن نوجده ابتداء ، فبنينا عليه ما يوجد بالسبب. ولو كان كل موجود يجب وجوده منّا عند إعدام فعل ، لم يصحّ القول بأنّا نقدر على إيجاده. فكذلك يجب أن لا يصحّ ذلك في إعدام الأشياء ، إذا تعذّر منّا إعدامها إلّا بوجود ما نوجده من الضدّ. فلا فرق بين من قال : إنّ إعدام الشيء بنا ، وإن كان تابعا لما نوجده من ضدّه ؛ وبين من قال : إنّ كون المتحرّك متحرّكا بنا ، وإن كان يجب عند وجود الحركة. وكذلك القول في سائر معلول العلل. وفساد ذلك واضح (ق ، غ ٨ ، ٨٠ ، ٢)

ـ إنّ القدرة لا تتعلّق بإعدام الشيء على وجه (ق ، غ ٨ ، ٨٢ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ إعدام الشيء لا تتناوله القدرة ، وإنّما يقدر القادر على ما إذا وجد وجب عدم الشيء عنده. فمتى قلنا : إنّه تعالى قادر على إفناء فعل زيد ، فالمراد به أنّه قادر على إيجاد ضدّه ، فلا يجب كونه قادرا على إيجاد فعله من حيث قدر على إيجاد ضدّه (ق ، غ ٨ ، ١٥٨ ، ١٧)

أعراض

ـ إنّ هشاما كان يزعم أنّ الأدلة على الله لا بد أن يعرف وجودها باضطرار. (قال) والأعراض إنما يعرف وجودها باستدلال ونظر (خ ، ن ، ٤٩ ، ٥)

١٦٠