موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

كعلمنا أن الجسم إنما كان جسما لتأليفه ، وأن العالم إنما كان عالما لوجود علمه ؛ فوجب القضاء بإثبات علم كل من وصف بأنه عالم ، وتأليف كل من وصف بأنه جسم أو مجتمع لأنّ الحكم العقلي المستحقّ لعلة لا يجوز أن يستحقّ مع عدمها ولا لوجود شيء يخالفها ؛ لأنّ ذلك يخرجها عن أن تكون علة للحكم. ومن ذلك أن يستدلّ بصحة الشيء على صحة مثله ، وما هو في معناه ، وباستحالته على استحالة مثله وما كان بمعناه ، كاستدلالنا على إثبات قدرة القديم ، سبحانه ، على خلق جوهر ولون مثل الذي خلقه ، وإحياء ميت مثل الذي أحياه ، وخلق الحياة فيه مرة أخرى بعد أن أماته ، وعلى استحالة خلق شيء من جنس السواد والحركات لا في مكان في الماضي كما استحال ذلك في جنسهما الموجود في وقتنا هذا. وقد يستدل بتوقيف أهل اللغة لنا على أنّه لا نار إلا حارة ملتهبة ، ولا إنسان إلا ما كانت له هذه البنية على أن كل من خبّرنا من الصادقين بأنّه رأى نارا أو إنسانا ، وهو من أهل لغتنا ، يقصد إلى إفهامنا أنّه ما شاهد إلّا مثل ما سمّي بحضرتنا نارا أو إنسانا ، لا نحمل بعض ذلك على بعض ، لكن بموجب الاسم ، وموضوع اللغة ، ووجوب استعمال الكلام على ما استعملوه ، ووضعه حيث وضعوه. وقد يستدلّ بالمعجزة على صدق من ظهرت على يده. لأنّها تجري مجرى الشهادة له ؛ ويستدل على صدق المخبر الذي أخبر عنه النبي ، صلى الله عليه ، أنّه لا يكذب ؛ وكذلك يستدل بخبر من خبّر عن صدقه صاحب المعجزة على صدق من أخبر عنه أنّه لا يكذب. وقد يستدل أيضا على بعض القضايا العقلية وعلى الأحكام الشرعية بالكتاب ، والسنّة وإجماع الأمة والقياس الشرعي المنتزع من الأصول المنطوق بها ، وما جرى مجرى القياس على العلّة من ضرب الاجتهاد الذي يسوغ الحكم بمثله من الشرع على مذهب القائسين (ب ، ت ، ٣٨ ، ٥)

ـ أمّا الاستدلال والنظر فهو تقسيم المستدل وفكره في المستدل عليه وتأمّله له ؛ وقد يسمى ذلك أيضا دليلا ودلالة ، مجازا واتساعا لما بينهما من التعلق. وقد تسمّى العبارة المسموعة التي تنبئ عن استدلال القلب ونظره وتأمّله نظرا واستدلالا ، مجازا واتساعا لدلالتها عليه (ب ، ت ، ٤٠ ، ١)

ـ أمّا سبيل العلم بكلام الذراع وتسبيح الحصى وحنين الجذع وجعل قليل الطعام كثيرا وأشباه ذلك من أعلامه ، عليه‌السلام فهو نظر واستدلال لا اضطرار (ب ، ت ، ١١٥ ، ١٠)

ـ إنّ الاستدلال هو : نظر القلب المطلوب به علم ما غاب عن الضرورة والحس (ب ، ن ، ١٥ ، ٦)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الاستدلال له معنيان ، أحدهما انتزاع الدلالة والثاني المطالبة بالدلالة. فأمّا إذا كان انتزاعا للدلالة واستنباطا لها فإنّه قد يصحّ من واحد ويكون ذلك حال المفكّر والناظر. وأمّا إذا كان الاستدلال بمعنى المطالبة بالدلالة فإنّه يكون مقتضيا لاثنين مطالب بالدلالة ومطالب بها. وكان يقول إنّ المستدلّ عليه هو المحكوم به وهو الحكم. وكان يقول إنّ الاستدلال هو النظر والفكرة من المفكّر والمتأمّل ، وهو الاستشهاد وطلب الشهادة من الشاهد على الغائب (أ ، م ، ٢٨٦ ، ١٣)

١٠١

ـ أمّا ما معه يصحّ الاستدلال فهو أن يمكن اعتقاد ما نستدلّ عليه ، وأن يكون من باب ما لا يعرفه المستدلّ إمّا ضرورة أو بدلالة ، وأن يجد إلى الدليل سبيلا لأنّه قد يجوز أن يمكن اعتقاده ولا يعرفه أصلا ، ولكن يتعذّر إيراد دلالة عليه من حيث يكون من الأمور المغنية عنّا ، فلا يوجد إلى الدليل الذي يدلّ عليه سبيل. فمتى اجتمعت الشروط الثلاثة أمكن الاستدلال وإن افتقر صحّة استدلاله ونظره حتى يحصل له العلم إلى ما هو مذكور في موضعه من شرائط النظر. ثم يكون النظر فيما سبيله ما قدّمناه هو على الوجهين اللذين ذكرناهما من طريقة النظر والدلالة (ق ، ت ١ ، ١٦٧ ، ١٧)

ـ إنّ الذي يجب أن يعتمد أنّا نعلم باضطرار مفارقة الفاعل للجماد ، في الوجه الذي نعلم من حاله باضطرار وهو صحّة قصده إلى تصرّفه ووقوعها بحسب قصده. فأمّا ما لا يعلم من حال الفاعل منّا إلّا بالاستدلال فهو أنّ العلم الضروريّ بأنّه مفارق فيه للجماد بحال محال ، لأنّ إثبات تلك الصفة للمريد منّا إذا لم يعلم إلّا باكتساب ، فكيف يعلم باضطرار انتفاءها عن غيره؟ (ق ، غ ٨ ، ٧ ، ٨)

ـ حكى عنه (أبو علي) أنّه (أبو الهذيل) قال : في المعرفة : إنّها الاستدلال ، لأنّ العارف لا بدّ من كونه مستدلّا. وأفسد ذلك ، بأنّه قد يتعذّر عليه الاستدلال ، وإن عرف وعلم ؛ وقد يستدلّ على الشيء ، وهو غير عارف به. وذكر ، أنّ الاستدلال هو الفكر والنظر ؛ فإذا لم يكونا من العلم بسبيل ، فكذلك الاستدلال. والاستدلال والفكر لا يصحّ إلّا وقد تقدّم علمه بالدليل ، وهو غير عالم بالمدلول ؛ وإن كان علما ، لم يصحّ ، لتقدّمه على الاستدلال ؛ وإن كان علما بالمدلول ، لم يصحّ ، لاستحالة كونه عالما في تلك الحال (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٢)

ـ اعلم ـ أنّ للاستدلال في العقل صورة ، وهو أن يعلم الحكم ويعرف أنّه لو لا غيره لما ثبت ، فيجعل ذلك طريقا لمعرفة ذلك الغير ، لا على الطريق المقايسة ؛ وعلى هذا الوجه قلنا : إنّ تصرّف الفاعل ، ووجوب وقوع أفعاله بحسب دواعيه وإرادته ، يدلّ على أنّه حدث من جهته ، وعلى أنّه قادر عليه ؛ ومثل هذه الصورة قد يحصل في الشرعيات ، فكما لا يمتنع التعبّد بالقياس لصحّته فيها ؛ فكذلك القول في الاستدلال. وقد يكون في العقليّات ما يعرف من طريق الاستدلال ، ويتعلّق بغالب الظنّ فغير ممتنع مثله في الشرعيّات ، وإن كان لا بدّ في الشرعيّات من أصول شرعيّة ، كما لا بدّ في العقليّات من أصول عقليّة (ق ، غ ١٧ ، ٢٨١ ، ١٣)

ـ إنّ الاستدلال هو ترتيب علوم يتوصّل به إلى علم آخر. فكل ما وقف وجوده على ترتيب علوم ، فهو مستدلّ عليه. والعلم الواقع بالتواتر ، هذه سبيله (ب ، م ، ٥٥٢ ، ١٢)

ـ إنّ من حق الاستدلال أن لا يسبق العلم بالمدلول قبل الدلالة (ن ، د ، ٥٤٨ ، ١٣)

ـ إنّا نعلم في الجملة ، أنّ القادر يصحّ منه الفعل على وجه الاضطرار ، فيصحّ في كيفيّته أن يعلم على وجه الاضطرار ، ولا يعلم ماله يصير الجبل ثقيلا ، وماله تصير الخردلة لها حظ من الثقل. فكلّ ذلك يعلم باستدلال ، ولهذا صحّ في كثير من المتكلّمين ، أن يقولوا في هذه الحركات أنها مبتدأة ، لا أنّها واجبة عن اعتماد في الجسم ، حتى جوّز شيخنا أبو علي فيما يتحرّك بالرياح الشديدة ، أنّه مبتدأ وليس

١٠٢

بمتولّد. وفي المتكلّمين عالم ينفون التولّد أصلا (ن ، م ، ٢٣١ ، ١٢)

ـ يقال في الاستدلال ، أنّه يرد إلى ما يتعلّق النظر به ، فيكون العلم بالمدلول مردودا إلى العلم بالدلالة (ن ، م ، ٣١٣ ، ١٦)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ ما يعلم باستدلال ، لا يجوز أن يعلم باضطرار ، وكذلك حال ما يعلم باضطرار ، في أنّه لا يجوز أن يعلم باستدلال. وذهب شيوخنا إلى أنّ كل ما يعلم باستدلال ، يجوز أن يعلم باضطرار ، ويجوز في بعض ما يعلم باضطرار أن يعلم باستدلال (ن ، م ، ٣٣٠ ، ١٤)

ـ قد ذكر بعض من ينسب إلى البغداديين أنّ الاستدلال والاستنباط هو ضمّ معلوم إلى معلوم لتنتج البديهة منهما معلوما (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٢)

ـ إنّ الاستدلال هو النظر المؤدّي إلى المعرفة ، لأنّ هذا السبر يفيد الطلب في اللغة ، فيجب أن يكون المراد به ما ذكرناه (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٤)

ـ قالوا (المعتزلة) إنّ الاضطرار ما علم بالحواس أو بأوّل العقل ، وما عداه فهو ما عرف بالاستدلال (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١٥)

ـ الاستدلال : تقرير الدليل لإثبات المدلول سواء كان ذلك من الأثر إلى المؤثّر فيسمّى استدلالا إنّيا ، أو بالعكس ويسمّى استدلالا لمّيا ، أو من أحد الأثرين إلى الآخر (ج ، ت ، ٣٩ ، ٧)

ـ الاستدلال هنا : التعبير عمّا اقتفى أثره وتوصّل به إلى المطلوب. ويسمّى ذلك التعبير دليلا وحجّة إن طابق الواقع ما توصل به إليه ، وإلّا فشبهة ، ويعرف كونه شبهة بإبطاله بقاطع في القطعيّات والظنّيات معا ، أو ظنّي يستلزمه الخصم ، أو يدلّ على صحّة كونه دليلا ، قاطع في الظنّيات لا بغيرها (ق ، س ، ٥٧ ، ١٥)

استدلال بالتمانع

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الاستدلال على التوحيد بالتمانع في المراد إنّما يصحّ على أصولنا ، إذا قلنا إن أحدهما إذا لم يتمّ مراده كان عاجزا ، والعجز نقص ودليل للحدث. فأمّا المعتزلة فلا يصحّ لهم ذلك إذا أجازوا أن لا يتمّ مراده من عبده في طاعته له فلا يلحقه نقص بذلك على أصولهم (أ ، م ، ٧٥ ، ٢١)

استدلال بالدلالة

ـ نحن إنّما اعتبرنا تساوي الجملتين في سائر صفاتهما لنعلم أنّ صحّة الفعل لا تستند إلّا إلى كون من صحّ منه قادرا دون صفة أخرى. فإذا علمنا أنّ صحّة الفعل مستندة إلى هذه الصفة وأنّها إنّما ثبتت لأجل تلك الصفة ، حتى لولاهما لما ثبتت ، قلنا بعد ذلك في كل موضع وجد هذا الحكم وجب أن يكون هناك مثل تلك الصفة ، لأنّ طريق الاستدلال بالدلالة لا يختلف. ولو أمكننا أن نعلم هذا الحكم من دون اعتبار التساوي لما اعتبرنا التساوي ، ويمكن أن أحدنا يعلم ضرورة التفرقة بين الجماد وبين الحي ، فيجوز أن يعلم من حال جملتين أنّهما حيّان ، على معنى أنّهما مفارقان للجماد وإن لم يعلم اختصاصهما بحال من الأحوال ؛ فإذا علم أنّهما حيّان على سبيل الجملة فإنّه يمكن أن يعلم أيضا ضرورة افتراقهما في هذا الحكم وهو صحّة الفعل ، ويعلم أنّ ذلك الحكم الذي وقعت به المفارقة لا يجب أن يرجع به إلى ما علم من حالهما جملة وهو ما وقعت به المفارقة بينهما وبين الجماد ، فلا بدّ من أن يرجع به إلى أمر زائد على ذلك. قال الشيخ أبو رشيد : ويمكن أن

١٠٣

يقال إنّ هذا الحكم الذي هو صحّة الفعل معلّل ، وإنّه لا يكون معلّلا إلّا بكون الذات قادرا ، بأن قال : قد علمنا أنّ أحدنا محدث لتصرّفه ، وأنّ تصرّفه يحتاج إليه ، وإنّما يحتاج إليه في باب الحدوث. فكما وجب أن يكون احتياجه إليه في صفة من صفاته ، فكذلك وجب أن يكون الاحتياج إلى الواحد منا لكونه ذاتا ، لأنّ كونه ذاتا يبقى بعد كونه ميتا ترابا رميما ، ومع ذلك لا يحتاج الفعل إليه ـ فلا بدّ إذن من أن يكون احتياج الفعل إلى الواحد منا لصفة من صفاته ، ثم نقول إن تلك الصفة ليست إلّا كونه قادرا ، فإذا ذكرت هذه الدلالة على هذا الوجه لم تحتج إلى أن تتبيّن بأن هذه الجملة التي قد صحّ منها الفعل تساويها جملة أخرى في سائر الصفات إلّا في هذا الحكم (ن ، د ، ٤٧١ ، ٩)

استدلال بدليل الخطاب

ـ الاستدلال بدليل الخطاب ، وذلك مما لا يعتبر في فروع الفقه ، فكيف يعتبر في أصول الدين؟ يبيّن ذلك ، أنّ تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على أنّ ما عداه بخلافه ؛ ألا ترى أنّ قائلا لو قال : فلان لا يظلم ولا يكذب ، فإنّما يقتضي هذا الكلام أنّه لا يختار ما هو الظلم والكذب ، وليس فيه أنّما هو خارج عن هذين النوعين فإنّه هو الفاعل له ، كذلك في مسألتنا ، ليس يجب إذا نفى الله تعالى التفاوت عن خلقه أن يضاف إليه كل ما لا تفاوت فيه ، بل الواجب أن ينفى عنه جميع ما يتفاوت ، ويكون ما لا تفاوت فيه موقوفا على الدلالة ، فإن دلّ على أنّه هو الفاعل له قيل به ، فإن لم يدلّ ، بل دلّ على خلافه لم يقل به ، وفي مسألتنا قامت دلالة على أنّ هذه التصرّفات من الطاعات وغيرها متعلّقة بنا لوقوعها بحسب قصدنا وداعينا ، فيجب أن تكون فعلا لنا واقعا من جهتنا على ما قلناه (ق ، ش ، ٣٥٦ ، ٩)

استدلال بالشاهد على الغائب

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ ما ذكره بعض الناس من ضروب الاستدلال بالشاهد على الغائب في قوله : " يجوز أن يكون الشيء موصوفا في الشاهد بصفة من الصفات لعلّة من العلل فالواجب أن يقضى بذلك على الغائب إذا استوت العلّة لأنّ ذلك هو طرد العلّة في المعلول ، وذلك كالمتحرّك والعالم الذي إنّما كان عالما متحرّكا لوجود الحركة والعلم به فواجب أن يقضى بذلك على الغائب في كل عالم ومتحرّك". وكان يقول إنّ هذا النوع من الاستدلال قد يؤكّد بأن يقال : " إذا كان الشيء في الشاهد موصوفا بصفة من الصفات لعلّة من العلل ولم يقم دليل على موصوف بتلك الصفة في الغائب إلّا قام على وجود تلك العلّة ، فواجب أن يقضى على أنّ كل موصوف بتلك الصفة في الغائب فلأجل وجود تلك الصفة". وكان يقول إنّه أكّد ذلك بأن يقال : " كل موصوف في الشاهد بصفة من الصفات لعلّة من العلل وما دلّ على العلّة فهو الدالّ على حكمها ولم يدلّ على أنّ الموصوف بالصفة إلّا ما دلّ على تلك العلّة فالواجب أن يقضى بذلك على الغائب" (أ ، م ، ٢٨٨ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول في باب الاستدلال بالشاهد على الغائب إنّه ممّا يجب أن يعلم في ذلك أنّه ليس في الشاهد شيء يدلّ على وجود مثله في الغائب ، وإنّه لو وجب ذلك لوجب إذا شاهدنا نارا ووجدناها أن نقضي بأنّ في الغائب

١٠٤

عنّا نارا لا محالة. وكان يقول إنّ الذي يدلّ على وجود شيء في الغائب هو ما يخالفه ممّا يتعلّق به في البديهة ، كتعلّق المؤلّف بمؤلّف والمصوّر بمصوّر وتعلّق الحادث بمن أحدثه (أ ، م ، ٣١٠ ، ١٥)

ـ اعلم أنّ إثباته تعالى على هذه الصفات (قادر عالم حي مريد كاره مدرك قديم موجود) فرع على كونها في أنفسها معقولة ، لأنّ إيراد الدلالة على ما لا يعقل لا يصحّ وكونها معقولة هو من الشاهد ، فلهذا يعدّ الكلام في صفاته تعالى من باب الاستدلال بالشاهد على الغائب (ق ، ت ١ ، ١٦٤ ، ٤)

ـ إنّما يكون الاستدلال بالشاهد على الغائب في وجهين. أحدهما للاشتراك في الدلالة. والثاني للاشتراك في العلّة. وكان" أبو هاشم" يجعل ذلك استدلالا بالمعلوم على ما لا يعلم ، ولكن هذا الإطلاق يقتضي في كل استدلال أنّه استدلال بالشاهد على الغائب ، لأنّ الدليل أبدا معلوم والمدلول غير معلوم. ولا شبهة في أنّ العلماء قد خصّوا بذلك بعض ضروب الاستدلال دون بعض. وقد أشار في الكتاب في أثناء الكلام إلى أنّا نسمّي المعلوم شاهدا. وما ليس بمعلوم غائبا اصطلاحا منّا (ق ، ت ١ ، ١٦٥ ، ٦)

استدلال بالمتولّد

ـ إنّ وقوع المسبّب بحسب السبب إذا لم يخرجه من أن يكون واقعا أيضا بحسب دواعيه ، فيجب ألّا يقدح في الدلالة ، كما أنّ وقوعه بحسب دواعيه لمّا لم يخرجه من أن يكون واقعا أيضا بحسب قصده ، لم يكن مؤثّرا في الاستدلال على أنّه فعله من حيث وقع بحسب قصده ، ولسنا ننكر أنّ الدواعي لو حصلت إلى وجوده على الوجه الذي لا يولّده السبب أنّه كان لا يقع بحسب دواعيه ، كما أنّ دواعيه في المباشر لو وقعت على خلاف ما يصحّ منه بالقدرة ، كان لا يقع بحسها ، ولم يقدح ذلك في صحّة الاستدلال بذلك في المباشر ، فكذلك لا يقدح ذلك في صحة الاستدلال بالمتولّد ، وكذلك وقوع المتولّد بحسب المحل حتى إن كان محتملا له وجد وإلّا لم يوجد لم يخرجه من أن يكون واقعا بحسب دواعيه أيضا ، وأنّه يدلّ على أن ذلك فعله من هذا الوجه (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٢٣)

استدلال على الأحكام

ـ اعلم أنّ الاستدلال على الأحكام ضربان :

استدلال بدليل شرعي ، كالخطاب ، والأفعال ، والقياس ؛ واستدلال بالبقاء على حكم العقل. وكلاهما يفتقران إلى المعرفة بحكمة المكلّف. ويفتقر الاستدلال بالخطاب إلى معرفة ما يفيده الخطاب (ب ، م ، ٩٠٧ ، ٦)

استدلال في الغائب والشاهد

ـ إنّ الكلام في الشاهد صحّ أنّه يدلّ بالمواضعة والقصد ، ولنا طريق إلى معرفة الكلام بالإدراك والمواضعة بالأخبار ، وما يجري مجراها ، والقصد بالاضطرار. فصحّ ، عند ذلك ، أن يعرف به الغرض ، ويصير كالدلالة في الشاهد. ولا يصحّ أن نعرف قصده تعالى باضطرار ، لتعذّر ذلك مع التكليف. فوجب أن نعرفه بالاستدلال. وطريق الاستدلال في ذلك ، أن نعلم أنّه تعالى لا يخاطب بالكلام ، الذي تقرّر فيه بيننا ضرب من المواضعة ، إلّا وذلك مراده.

١٠٥

فيصير علمنا المتقدّم بذلك بمنزلة الاضطرار إلى القصد ، ويصحّ ، عند ذلك ، أن نعرف به مراده. وذلك بمنزله ما نقول في أنّ تصرّف العبد يدلّ ، عندنا ، على كونه قادرا ، لعلمه بوقوعه بحسب أحواله. فإذا علمنا حادثا ، ولم نعلم تعلّقه بالواحد منّا ، وعلمنا أنّ ذلك لا يصحّ فيه ، حكمنا بتعلّقه بقادر مخالف لنا ، واستدللنا به على أنّه قادر. فالاستدلال في الغائب والشاهد يقع بالفعل على حدّ واحد ، وإن كانت طريقة العلم بالتعلّق تختلف (ق ، غ ١٥ ، ١٦٣ ، ٤)

استدلاليات

ـ ما يدرك بالعقل قد يكون بلا واسطة نظر ، كالضروريّات ، وقد يكون بواسطة نظر كالاستدلاليّات (ق ، س ، ٥٣ ، ١٦)

استصحاب الحال

ـ اعلم أنّ استصحاب الحال هو أن يكون حكم ثابت في حالة من الحالات ، ثم تتغيّر الحالة ، فيستصحب الإنسان ذلك الحكم بعينه مع الحالة المتغيّرة. ويقول : من ادّعى تغيّر الحكم ، فعليه إقامة الدليل. وقد ذهب قوم من أهل الظاهر وغيرهم إلى الاحتجاج بذلك. وقد يكون الحكم المستصحب عقليّا ، وقد يكون شرعيّا (ب ، م ، ٨٨٤ ، ٣)

استصلاح

ـ أمّا وصفه (اللطف) بأنّه استصلاح ، فإنّه يفيد أنّ غيره قصد بفعله صلاحه ؛ لأنّ كل ما هذا حاله يوصف بذلك ، وما خرج عنه لا يوصف به. وعلى هذا الوجه نصف القديم تعالى بأنّه قد استصلح المكلّف بالألطاف وغيرها. وإنما جاز إطلاق ذلك لأنّه يفيد فعل الصلاح به ، ولا يفيد أنّ المكلّف قد صلح بذلك (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ١٣)

استطاعة

ـ إنّ الاستطاعة قبل الفعل وأنّها باقية فيهم ما بقّاها الله تعالى (خ ، ن ، ٦١ ، ٢٤)

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١١)

ـ الفرقة السابعة من العجاردة وهي الثانية من الخازميّة ويدعون" المعلومية" والذي تفرّدوا به أنّهم قالوا : من لم يعلم الله بجميع أسمائه فهو جاهل به ، وأنّ أفعال العباد ليست مخلوقة وأنّ الاستطاعة مع الفعل ولا يكون إلّا ما شاء الله (ش ، ق ، ٩٦ ، ٩)

ـ الفرقة الثالثة من الإباضيّة أصحاب" لحرث الأباضي" قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الإباضيّة ، وزعموا أنّ الاستطاعة قبل الفعل (ش ، ق ، ١٠٤ ، ٧)

ـ قال بعضهم بل جلّهم (الإباضيّة من الخوارج) : الاستطاعة والتكليف مع الفعل وأنّ الاستطاعة

١٠٦

هي التخلية ، وقال كثير منهم : ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنى في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل ، وأنّ الاستطاعة لا تبقى وقتين ، وأنّ استطاعة كل شيء غير استطاعة ضدّه. وأنّ الله كلّف العباد ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه ، وأنّ قوّة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان ولطف ، وأنّ استطاعة الكفر ضلال وخذلان وطبع وبلاء وشرّ (ش ، ق ، ١٠٧ ، ١٣)

ـ اختلفت المعتزلة هل الاستطاعة هي الصّحة والسلامة أم غير الصّحة والسلامة على مقالتين : فقال" أبو الهذيل" و" معمّر" و" المردار" هي عرض وهي غير الصّحة والسلامة. وقال" بشر بن المعتمر" و" ثمامة بن أشرس" و" غيلان" إنّ الاستطاعة هي السلامة وصحّة الجوارح وتخلّيها من الآفات (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ١١)

ـ اختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة إنّها تبقى ، وهذا قول" أبي الهذيل" و" هشام" و" عبّاد" و" جعفر بن حرب" و" جعفر بن مبشّر" و" الاسكافي" وأكثر المعتزلة. وقال قائلون : لا تبقى وقتين وأنّه يستحيل بقاؤها وأنّ الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدّمة المعدومة ، ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة ، فيكون الفعل واقعا بالقدرة المتقدّمة ، وهذا قول" أبي القاسم البلخي" وغيره من المعتزلة. وهذا قولهم في الفعل المباشر ، فأمّا المتولّد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميّتا أو عاجزا (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ١)

ـ أجمعت المعتزلة على أنّ الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرة عليه وعلى ضدّه وهي غير موجبة للفعل ، وأنكروا بأجمعهم أن يكلّف الله عبدا ما لا يقدر عليه (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ١٢)

ـ قال" أبو الهذيل" : الاستطاعة يحتاج إليها قبل الفعل ، فإذا وجد الفعل لم يكن بالإنسان إليها حاجة بوجه من الوجوه ، وقد يجوز وقوع العجز في الوقت الثاني فيكون مجامعا للفعل ويكون عجزا عن فعل لأنّ العجز عنده لا يكون عجزا عن موجود ، فيكون الفعل واقعا بقدرة معدومة ، وجوّز وجود أقلّ قليل الكلام مع الخرس وجوّز الفعل مع الموت بالاستطاعة المتقدّمة ، ولم يجوّز وجود العلم مع الموت ولا وجود الإرادة مع الموت (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ١)

ـ قال أكثر المعتزلة : ليس يحتاج إلى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج إليها لأنّه محال وجود الفعل في جارحة ميّتة عاجزة ، وقال هؤلاء : محال وقوع الفعل المباشر بقوّة معدومة وأجازوا وقوع الأفعال المتولّدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجّة بقدرة معدومة ، وهذا قول" جعفر بن حرب" و" الاسكافي (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ٨)

ـ إنّ الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وأنّها بعض المستطيع (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٥)

ـ إنّ الاستطاعة لا يجوز أن تتقدّم الفعل ، وأنّ العون من الله سبحانه يحدث في حال الفعل مع الفعل وهو الاستطاعة ، وأنّ الاستطاعة الواحدة لا يفعل بها فعلان ، وأنّ لكل فعل استطاعة تحدث معه إذا حدث ، وأنّ الاستطاعة لا تبقى ، وأنّ في وجودها وجود الفعل وفي

١٠٧

عدمها عدم الفعل ، وأنّ استطاعة الإيمان توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان وهدى ، وأنّ استطاعة الكفر ضلال وخذلان وبلاء وشرّ (ش ، ق ، ٢٨٣ ، ٦)

ـ إنّ الاستطاعة توجب الاختيار (ش ، ق ، ٣٩٠ ، ١٣)

ـ إن قال قائل فإذا أثبتّم له استطاعة هي غيره فلم زعمتم أنّه يستحيل تقدّمها للفعل ، قيل له زعمنا ذلك من قبل أن الفعل لا يخلو أن يكون حادثا مع الاستطاعة في حال حدوثها أو بعدها. فإن كان حادثا معها في حال حدوثها فقد صحّ أنّها مع الفعل للفعل. وإن كان حادثا بعدها وقد دلّت الدلالة على أنّها لا تبقى ، وجب حدوث الفعل بقدرة معدومة. ولو جاز ذلك لجاز أن يحدث العجز بعدها ، فيكون الفعل واقعا بقدرة معدومة ، ولو جاز أن يفعل في حال هو فيها عاجز بقدرة معدومة ، لجاز أن يفعل بعد مائة سنة من حال حدوث القدرة وإن كان عاجزا في المائة سنة كلها بقدرة عدمت من مائة سنة وهذا فاسد (ش ، ل ، ٥٤ ، ١٠)

ـ إنّ الفعل يحدث مع الاستطاعة في حال حدوثها (ش ، ل ، ٥٥ ، ٢)

ـ إنّ الاستطاعة مع الفعل للفعل ، إنّ من لم يخلق الله تعالى له استطاعة محال أن يكتسب شيئا. فلمّا استحال أن يكتسب الفعل إذا لم تكن استطاعة ، صحّ أنّ الكسب إنما يوجد لوجودها ، وفي ذلك إثبات وجودها مع الفعل للفعل (ش ، ل ، ٥٦ ، ١٧)

ـ مما يدل على أنّ الاستطاعة مع الفعل قول الخضر لموسى عليهما‌السلام (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (الكهف : ٦٧). فعلمنا أنّه لمّا لم يصبر لم يكن للصبر مستطيعا. وفي هذا بيان أنّ ما لم تكن استطاعة لم يكن الفعل ، وأنّها إذا كانت كان لا محالة (ش ، ل ، ٥٨ ، ٦)

ـ يقال لهم (المعتزلة) : أليست استطاعة الإيمان نعمة من الله عزوجل وفضلا وإحسانا؟ فإذا قالوا : نعم. قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون توفيقا وتسديدا فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك.

ويقال لهم : فإذا كان الكافرون قادرين على الإيمان فما أنكرتم أن يكونوا موفّقين للإيمان ، ولو كانوا موفّقين مسدّدين لكانوا ممدوحين ، وإذا لم يجز ذلك لم يجز أن يكونوا على الإيمان قادرين ، ووجب أن يكون الله عزوجل اختصّ بالقدرة على الإيمان المؤمنين (ش ، ب ، ١٣٦ ، ٥)

ـ الاستطاعة مع الفعل لا قبله ولا بعده ، لأنّ كل جزء من الاستطاعة مقرون بكل جزء من الفعل (م ، ف ، ٩ ، ٦)

ـ قالت القدرية الاستطاعة قبل الفعل وهي موجودة في العبد استعملها كيف شاء (م ، ف ، ٩ ، ٨)

ـ الأشعرية إنّها تقول أنّ الاستطاعة التي تصلح للشر لا تصلح للخير ، وهذا قريب من الجبر ، بل عين الجبر ، لأنّ استطاعة الشر إذا كانت لا تصلح للخير صار مجبورا في فعل الشر ، ومن هذا جوّز الأشعريّة تكليف ما لا يطاق (م ، ف ، ١٠ ، ١١)

ـ إنّ الاستطاعة للعبد تكون مع الفعل لا يجوز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه ، كعلم الخلق وإدراكهم ، لا يجوز تقديم العلم على المعلوم ، ولا الإدراك ، على المدرك (ب ، ن ، ٤٦ ، ١٠)

ـ لو كانت الاستطاعة قبل الفعل لم يكن للسؤال فيها معنى ، ولأنّ القدرة الحادثة لو تقدّمت على الفعل لوجد الفعل بغير قدرة ؛ لأنّها عرض ،

١٠٨

والعرض لا يبقى ، ولا يصح أن يوجد بعد الفعل. وأيضا : لأنّه يكون فاعلا من غير قدرة ، فلم يبق إلّا أنّها مع الفعل (ب ، ن ، ٤٧ ، ٧)

ـ اعلم أنّه كان يذهب إلى أنّ الاستطاعة هي القدرة وأنّه معنى حادث عرض لا يقوم بنفسه قائم بالجوهر الحيّ. وكذلك كان لا يفرّق بين القوّة والقدرة والأيد والعون والمعونة والنصر والنصرة واللطف والتأييد في أنّ جميع ذلك يرجع إلى القدرة (أ ، م ، ١٠٧ ، ١٩)

ـ إنّ حقيقة الاستطاعة في اللغة هي نفس القدرة (ق ، ت ٢ ، ١٦٠ ، ١١)

ـ ضرار بن عمرو الذي وافق أصحابنا في أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأكساب للعباد ، وفي إبطال القول بالتولّد ، ووافق المعتزلة في أنّ الاستطاعة قبل الفعل ، وزاد عليهم بقوله : إنّها قبل الفعل ومع الفعل ، وبعد الفعل ، وإنّها بعض المستطيع ، ووافق النجّار في دعواه أنّ الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الأعراض التي لا يخلو الجسم منها (ب ، ف ، ٢١٤ ، ٢)

ـ قد علمنا أنّ الطاقة والاستطاعة والقدرة والقوة في اللغة العربية ألفاظ مترادفة كلها واقع على معنى واحد ، وهذه صفة من يمكن عنه الفعل باختياره أو تركه باختياره (ح ، ف ٣ ، ٢٤ ، ١٤)

أمّا اللغة فإنّ الاستطاعة إنّما هي مصدر استطاع يستطيع استطاعة ، والمصدر هو فعل الفاعل وصفته كالضرب الذي هو فعل الضارب والحمرة التي هي صفة الأحمر والاحمرار الذي هو صفة المحمرّ وما أشبه هذا ، والصفة والفعل عرضان بلا شكّ في الفاعل منّا وفي الموصوف ، والمصادر هي إحداث المسمّين بالأسماء بإجماع من أهل كل لسان ، فإذا كانت الاستطاعة في اللغة التي بها نتكلّم نحن وهم إنّما هي صفة في المستطيع ، فبالضرورة نعلم أنّ الصفة هي غير الموصوف ، لأنّ الصفات تتعاقب عليه. فتمضي صفة وتأتي أخرى ، فلو كانت الصفة هي الموصوف لكان الماضي من هذه الصفات هو الموصوف الباقي ، ولا سبيل إلى غير هذا البتّة ، فإذا لا شكّ في أنّ الماضي هو غير الباقي ، فالصفات هي غير الموصوف بها وما عدا هذا فهو من المحال والتخليط (ح ، ف ٣ ، ٢٧ ، ٥)

ـ إنّ الاستطاعة عرض من الأعراض تقبل الأشدّ والأضعف ، فنقول استطاعة أشدّ من استطاعة ، واستطاعة أضعف من استطاعة ، وأيضا فإنّ الاستطاعة لها ضدّ وهو العجز ، والأضداد لا تكون إلّا أعراضا تقتسم طرفي البعد كالخضرة والبياض والعلم والجهل والذكر والنسيان وما أشبه هذا ، وهذا كلّه أمر يعرف بالمشاهدة ولا ينكره إلّا أعمى القلب والحواس ومعاند مكابر للضرورة (ح ، ف ٣ ، ٢٨ ، ٢)

ـ وجدنا بالضرورة الفعل لا يقع باختيار إلّا من صحيح الجوارح التي يكون بها ذلك الفعل ، فصحّ يقينا أنّ سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة ، ثم نظرنا سالم الجوارح لا يفعل مختارا إلّا حتى يستضيف إلى ذلك إرادة الفعل ، فعلمنا أنّ الإرادة أيضا محرّكة للاستطاعة ، ولا نقول أنّ الإرادة استطاعة ، لأنّ كل عاجز عن الحركة فهو مريد لها وهو غير مستطيع (ح ، ف ٣ ، ٢٩ ، ١٥)

ـ إنّ الاستطاعة صحّة الجوارح مع ارتفاع الموانع وهذان الوجهان قبل الفعل (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ٧)

ـ وافقنا جميع المعتزلة على أنّ الاستطاعة فعل

١٠٩

الله عزوجل ، وأنّه لا يفعل أحد خيرا ولا شرّا إلّا بقوة أعطاه الله تعالى إيّاها ، إلّا أنّهم قالوا يصلح بها الخير والشر معا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٨)

ـ أمّا الصحيح الجوارح المرتفع الموانع فقد يكون منه الفعل وقد لا يكون ، فهذه هي الاستطاعة الموجودة قبل الفعل (ح ، ف ٣ ، ٣١ ، ١)

ـ الاستطاعة كما قلنا شيئان : أحدهما قبل الفعل وهو سلامة الجوارح وارتفاع الموانع ، والثاني لا يكون إلّا مع الفعل وهو القوّة الواردة من الله تعالى بالعون والخذلان وهو خلق الله تعالى للفعل فيمن ظهر منه ، وسمّي من أجل ذلك فاعلا لما ظهر منه إذ لا سبيل إلى وجود معنى غير هذا البتّة ، فهذا هو حقيقة الكلام في الاستطاعة بما جاءت به نصوص القرآن والسنن والإجماع وضرورة الحسّ وبديهة العقل (ح ، ف ٣ ، ٣٢ ، ١٣)

ـ إذا نفينا وجود الاستطاعة قبل الفعل فإنّما نعني بذلك الاستطاعة التي بها يقع الفعل ويوجد واجبا ولا بدّ ، وهي خلق الله تعالى للفعل في فاعله ، وإذا أثبتنا الاستطاعة قبل الفعل فإنّما نعني بها صحّة الجوارح وارتفاع الموانع التي يكون الفعل بها ممكنا متوهّما لا واجبا ولا ممتنعا ، وبها يكون المرء مخاطبا مكلّفا مأمورا منهيّا ، وبعد مهما يسقط عنه الخطاب والتكليف ويصير الفعل منه ممتنعا ويكون عاجزا عن الفعل (ح ، ف ٣ ، ٣٢ ، ٢٠)

ـ قوله (أبو الهذيل العلّاف) في الاستطاعة إنّها عرض من الأعراض غير السلامة والصحّة ، وفرّق أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فقال لا يصحّ وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة ، فالاستطاعة معها في حال الفعل. وجوّز ذلك في أفعال الجوارح ، وقال بتقدّمها فيفعل بها في الحال الأولى ، وإن لم يوجد الفعل إلّا في الحال الثانية ، قال" فحال يفعل" غير" حال فعل" (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ٤)

ـ إنّ الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل للقلب بأجزائه مداخلة المائيّة في الورد ، والدهنيّة في السمسم ، والسمنية في اللبن. وقال (النظّام) إنّ الروح هي التي لها قوة ، واستطاعة وحياة ومشيئة. وهي مستطيعة بنفسها ، والاستطاعة قبل الفعل (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٣)

ـ قوله (بشر) إنّ الاستطاعة هي سلامة البنية ، وصحّة الجوارح ، وتخليتها من الآفات. وقال : لا أقول : يفعل بها في الحالة الأولى ، ولا في الحالة الثانية ، لكنّي أقول : الإنسان يفعل ، والفعل لا يكون إلّا في الثانية (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ٨)

ـ قوله (ثمامة) : الاستطاعة هي السلامة وصحّة الجوارح وتخليتها من الآفات ، وهي قبل الفعل (ش ، م ١ ، ٧١ ، ٨)

ـ إنّ الاستطاعة قبل الفعل ، وهي قدرة زائدة على سلامة البنية وصحّة الجوارح ، وأثبتا (الجبائيان) البنية شرطا في قيام المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة (ش ، م ١ ، ٨١ ، ٧)

ـ إنّ المعلوميّة ... قالت : الاستطاعة مع الفعل ، والفعل مخلوق للعبد ، فبرئت منهم الحازميّة (ش ، م ١ ، ١٣٣ ، ٢٢)

ـ حكى الكعبي عنهم (الإباضيّة) : أنّ الاستطاعة عرض من الأعراض ، وهي قبل الفعل ، بها يحصل الفعل ، وأفعال العباد مخلوقة لله تعالى : إحداثا وإبداعا ، ومكتسبة للعبد

١١٠

حقيقة ، لا مجازا (ش ، م ١ ، ١٣٤ ، ١٧)

ـ قال (هشام بن الحكم) : الاستطاعة كل ما لا يكون الفعل إلّا به كالآلات ، والجوارح ، والوقت ، والمكان (ش ، م ١ ، ١٨٥ ، ١٠)

ـ إنّ القدرة التي هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنّها حاصلة قبل حصول الفعل ، إلّا أنّ هذه القدرة لا تكفي في حصول الفعل البتّة ، وإذا انضمّت الداعية الجازمة إليها صارت تلك القدرة مع هذه الداعية الجازمة سببا مقتضيا للفعل المعيّن. ثم أنّ ذلك الفعل يجب وقوعه مع حصول ذلك المجموع ، لأنّ المؤثّر التام لا يتخلّف عنه الأثر البتّة ، فنقول قول من يقول الاستطاعة قبل الفعل صحيح من حيث أنّ ذلك المزاج المعتدل سابق ، وقول من يقول الاستطاعة مع الفعل صحيح من حيث أنّ عند حصول مجموع القدرة والداعي الذي هو المؤثّر التام يجب حصول الفعل معه (ف ، أ ، ٦٤ ، ١٨)

ـ الاستطاعة : هي عرض يخلقه الله في الحيوان يفعل به الأفعال الاختياريّة (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٣)

استطاعة الأسباب والأحوال

ـ الدلالة على أنّ الاستطاعة استطاعة الأسباب والأحوال لا استطاعة الفعل وجوه : أحدها أن قوله : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) (المجادلة : ٤) وإنما هو صوم شهرين ، ولا أحد يعلم أنّ قدرة الفعل لا ترده تلك المدة ، ثبت أنّ المراد من ذلك استطاعة الوجود. ومثله أهل النفاق ، لم يكونوا يعلمون الاستطاعة التي لديها الأفعال ، وإنّما أرادوا بذلك المرض أو فقد المال على ما بيّن الله تعالى بقوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) (التوبة :

٩١) إلى قوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) (التوبة : ٩٣). ودليل آخر القول المعروف أن الاستطاعة الموجود منها لا يبقى إلى مدة شهرين ، ولا استطاعة فعل الجهاد تبقى من وقت كونهم بالمدينة إلى أن يلقوا عدوّا ، بل هي تتجدد وتحدث ، وقد لزمهم الخروج قبل العلم بأنّها تحدث أوّلا ، وكذبوا بقولهم : " لو استطعنا لخرجنا معكم" ، وحققوا في الأول نفي الاستطاعة ، فثبت أنّ المراد من ذلك استطاعة الأحوال والأسباب لا الأفعال (م ، ح ، ٢٥٧ ، ٣)

استطاعة بالإضافة

ـ إنّنا لم نستطع قط على فعل ما لم يعلم الله أنّنا سنفعله ، ولا على ترك ما علم أنّنا نفعله ، ولا على فسخ علم الله تعالى أصلا ، ولا على تكذيبه عزوجل في فعل ما أمر تعالى به ، وإن كنّا في ظاهر الأمر نطلق ما أطلق الله تعالى من الاستطاعة التي لا يكون بها إلّا ما علم الله تعالى أنّه يكون ، ولا مزيد ، وهي استطاعة بإضافة لا استطاعة على الإطلاق ، لكن نقول هو مستطيع بصحّة جوارحه ، أي أنّه متوهّم كون الفعل منه فقط (ح ، ف ٣ ، ٨٣ ، ٢٤)

استطاعة حقيقية

ـ الاستطاعة الحقيقيّة : هي القدرة التامّة التي يجب عندها صدور الفعل ، فهي لا تكون إلّا مقارنة للفعل (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٦)

استطاعة صحية

ـ الاستطاعة الصحيّة : هي أن ترتفع الموانع من المرض وغيره (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٨)

١١١

استعانة

ـ اعلم أنّ الفزع إليه عزوجل والاستعانة به يدلّ على قولنا في المخلوق ، وذلك لأنّ العبد لو لم يكن يفعل في الحقيقة لم يكن للاستعانة معنى ، لأنّه إنّما يستعين بغيره على فعل يفعله ، ولذلك لا يصحّ الاستعانة على الأمور الضروريّة ، كاللون والهيئة والصحّة ، والاعتماد على ذلك في أن العبد يفعل في الحقيقة هو أولى (ق ، م ١ ، ٤١ ، ٧)

ـ إنّ الاستعانة تقتضي التماس المعونة من قبله ، ولا تدلّ على تفصيل المعونة ، وما يفعله عزوجل من الأمور المعينة على الطاعة أشياء كثيرة ، فمن أين أنّ المراد به القدرة دون غيرها؟! نحو الصحّة والخواطر والدواعي والتنبيه! وبعد ، فإن المراد به لو كانت القدرة لكان إنّما يدلّ على أنّها تتجدّد ، ولا يدلّ على أنّها مع الفعل ، وهذا مذهب كثير من أهل العدل (ق ، م ١ ، ٤٢ ، ١٢)

استعمال

ـ اختلفت المعتزلة هل تستعمل القوّة في الفعل أم لا على مقالتين : فأنكر" الجبّائي" أن تكون تستعمل في الفعل لأنّ الاستعمال زعم يحلّ في الشيء المستعمل ، وكان مع هذا يزعم أنّ الفعل واقع بها. وأنكر" عبّاد" الاستعمال ، وقال كثير من المعتزلة أنّها تستعمل في الفعل بمعنى أنه يعمل بها الفعل (ش ، ق ، ٢٣٥ ، ١٣)

استفادة

ـ قال (أبو علي) : وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال ؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ الخالق لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ، ويدلّ على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ، ويطلب بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه اكتساب. ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١٢)

استفساد

ـ إن قيل : هلّا قلتم : إنّ كل أمر وجد عنده القبيح فهو استفساد فيه ، فلا يصحّ أن تقولوا في تكليف من يعلم أنّه يكفر. إنّه ليس باستفساد. قيل له : إنّه لا معتبر بالعبارات فيما يحسن له الشيء ويقبح ، ويجب الاعتماد فيه على المعاني. وقد بيّنا الفصل بين الأمرين من حيث المعنى ، فلا يقدح في ذلك الاشتراك بينهما في الاسم ، وإن كنّا قد بيّنا أن ما لأجله يسمّى الشيء مفسدة أنّ عنده يختار الفساد على وجه لولاه كان يختار الصلاح عليه ، وذلك يقتضي أنّه إنّما سمّي بذلك ؛ لأنّه كالداعي إلى ما يقدر عليه وعلى غيره ، فهو بمنزلة الإغراء بالقبيح والتزيين له ، والترغيب فيه ، وليس

١١٢

كذلك حال التمكين ؛ لأنّه لولاه لاستحال منه الفساد والصلاح ، فكيف يقال : إنّ ما به يتمكّن من مصلحته ومفسدته يكون لطفا. ولو جاز فيما هذا حاله أن يقال : إنّه لطف واستفساد لجاز في نفس القدرة والآلة أن يقال فيهما ذلك ، وهذا يوجب التباس حال الألطاف والدواعي بأنواع التمكين ، والعقل قد فصل بين الأمرين (ق ، غ ١١ ، ٢٢٠ ، ١٧)

استقباح

ـ قلنا : العقل يقتضي به باستقباح الإضرار ولو صدر من غير المريد ضرره. بعض المجبرة : بل لأنّ الفاعل مربوب (ق ، س ، ١٠٢ ، ٥)

استقراء

ـ الدليل والمدلول إما أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا. إذا استدللنا بشيء على شيء فإمّا أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا يكون. والأوّل على قسمين ، لأنّه إمّا أن يستدلّ بالعامّ على الخاصّ وهو القياس في عرف المنطقيين أو بالعكس وهو الاستقراء. وأمّا الثاني فلا يمكن الاستدلال بأحدهما على الآخر إلّا إذا اندرجا تحت وصف مشترك بينهما ، فيستدلّ بثبوت الحكم في إحدى الصورتين على أنّ المناط هو المشترك ، ثم يستدلّ بذلك على ثبوته في الصورة الأخرى وهو القياس في عرف الفقهاء ، وهو في الحقيقة مركّب من القسمين الأولين (ف ، م ، ٤٥ ، ٢٢)

ـ يجب أن نقدّم قاعدة في تحقيق معنى الاستقراء ، وبيان الصادق منه والكاذب : أمّا الاستقراء فهو عبارة عن البحث والنظر في جزئيات كليّ ما عن مطلوب ما. وهو ـ لا محالة ـ ينقسم إلى ما يكون الاستقراء فيه تامّا ، أي قد أتى فيه على جميع الجزئيّات ، وذلك مثل معرفتنا بالاستقراء أنّ كل حادث فهو إمّا جماد أو نبات أو حيوان ، فحاصل هذا الاستقراء صادق يقينيّ. وإلى ما يكون الاستقراء فيه ناقصا ، أي قد أتى فيه على بعض الجزئيّات دون البعض ، وحاصل هذا الاستقراء كاذب غير يقينيّ ؛ إذ من الجائز أن يكون حكم ما استقرئ على خلاف ما لم يستقرّ ، وذلك كحكمنا أنّ كل حيوان يتحرّك فكّه الأسفل عند الأكل ، بناء على ما استقريناه في أكثر الحيوانات ، وقد يقع الأمر بخلافه ممّا لم يستقرّ ؛ وذلك كما في التمساح فإنّه إذا أكل تحرّك فكّه الأعلى ، فعلى هذا إن لم يكن الاستقراء في الشاهد تامّا فهو كاذب (م ، غ ، ٤٥ ، ١٨)

ـ أمّا الاستقراء فهو الحكم على كلّي بما ثبت لجزئيّاته ، فإن كانت الجزئيّات محصورة سمّي بالاستقراء التّام (ط ، م ، ٦٩ ، ١٧)

ـ الاستدلال بالعامّ على الخاصّ قياس ، في عرف المنطقيّين وبالعكس استقراء : وبأحد المندرجين تحت وصف على الآخر ، بعد تحقيق أنّه المناط قياس في عرف الفقهاء (خ ، ل ، ٤٧ ، ٢)

استقراء تام

ـ أمّا الاستقراء فهو الحكم على كلّي بما ثبت لجزئيّاته ، فإن كانت الجزئيّات محصورة سمّي بالاستقراء التّام (ط ، م ، ٦٩ ، ١٨)

استقراء في الشاهد

ـ إذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون

١١٣

حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا غائبا. ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا (أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى غير ذلك من الصفات ، والعلّة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ، غ ، ٤٥ ، ١٥)

استنباط

ـ قد ذكر بعض من ينسب إلى البغداديين أنّ الاستدلال والاستنباط هو ضمّ معلوم إلى معلوم لتنتج البديهة منهما معلوما (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٢)

استواء

ـ قال بعض الناس : الاستواء القعود والتمكّن (ش ، ق ، ٢١١ ، ١٥)

ـ إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء؟ قيل له : نقول إنّ الله عزوجل يستوي على عرشه كما قال : يليق به من غير طول الاستقرار ، كما قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) (ش ، ب ، ٨٥ ، ٣)

ـ قال قائلون ـ من المعتزلة والجهمية والحروريّة ـ إنّ قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) أنّه استولى وملك وقهر ، وأن الله عزوجل في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله عزوجل على عرشه ـ كما قال أهل الحق ـ وذهبوا في الاستواء إلى القدرة (ش ، ب ، ٨٦ ، ١٦)

ـ الاستواء قيل فيه بأوجه ثلاثة : أحدها الاستيلاء ، كما يقال : استوى فلان على كورة كذا بمعنى استولى عليها ، والثاني العلوّ والارتفاع كقوله : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) (المؤمنون : ٢٨) ، والثالث التمام كقوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (القصص : ١٤) ، وقد قيل بالقصد ، إلى ذلك وجّه بعض أهل الأدب قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (فصلت : ١١) بمعنى خلق على التمثيل بفعل الخلق فيما يتلو فعلهم أن يكون بالقصد ، وإن كان لا يقال : له قصد ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٧٢ ، ٥)

ـ معنى الاستواء استواء المملكة ، لأنّ كل شيء مقدور العرش ، والعرش مقدور الرب ، وهذا كما يقال فلان استوى على سريره ومدّ عليه رجليه ، يعنون بذلك استواء أمور الولاية له ، وانقطاع المنازعة في الإمارة عنه. وتأويل آخر وهو معنى الاستواء خلقه على عرشه كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) أي استوى فعل التخليق على عرشه (م ، ف ، ١٤ ، ١٧)

ـ فإن قيل أليس قد قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥). قلنا : بلى. قد قال ذلك ، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في

١١٤

الكتاب والسنّة ، لكن ننفي عنه أمارة الحدوث ، ونقول : استواؤه لا يشبه استواء الخلق ، ولا نقول إنّ العرش له قرار ، ولا مكان ، لأنّ الله تعالى كان ولا مكان ، فلمّا خلق المكان لم يتغير عمّا كان (ب ، ن ، ٤١ ، ٢١)

ـ إنّ الاستواء محتمل في اللغة ، وتختلف مواقعه بحسب ما يتّصل به من القول : فقد يراد به الاستيلاء والاقتدار ، وهو الذي عناه الشاعر بقوله : قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق ... وقد يراد بالاستواء تساوي الأجزاء المؤلّفة. وذلك نحو قولهم استوى الحائط ، واستوت الخشبة : إذا تألّفت على وجه مخصوص. وقد يستعمل ذلك بمعنى القصد فيقال : استويت على هذا الأمر واستقام لي ، بمعنى : قصدت إليه. وقد يقال : استوى حال فلان في نفسه وماله ، ويراد بذلك زوال الخلل والسقم. وقد يراد بذلك الانتصاب جالسا أو راكبا أو قائما ، كما يقال : استوى فلان على الكرسيّ ، وعلى دابته (ق ، م ١ ، ٧٣ ، ٢)

ـ إنّ المراد بالاستواء هو الاستيلاء والاقتدار (ق ، م ١ ، ٣٥١ ، ٦)

ـ اختلف أصحابه (ابن كرّام) في معنى الاستواء المذكور في قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥). فمنهم : من زعم أنّ كل العرش مكان له ، وأنّه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلّها مكانا له ؛ لأنّه أكبر منها كلّها ، وهذا القول يوجب عليهم أن يكون عرشه اليوم كبعضه في عرضه.

ومنهم : من قال : إنّه لا يزيد على عرشه في جهة المماسّة ، ولا يفضل منه شيء على العرش ، وهذا يقتضي أن يكون عرضه كعرض العرش (ب ، ف ، ٢١٦ ، ٢١)

ـ زعمت المشبّهة أنّ استوائه على العرش بمعنى كونه مماسا لعرشه من فوقه ، وأبدلت الكرّاميّة لفظ المماسّة بالملاقاة (ب ، أ ، ١١٢ ، ١٠)

ـ روي أنّ مالكا سئل عن الاستواء ، فقال الاستواء معقول وكيفيّته مجهولة ، والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب (ب ، أ ، ١١٣ ، ١)

ـ إنّ استواءه على العرش فعل أحدثه في العرش سمّاه استواء ، كما أحدث في بنيان قوم فعلا سمّاه إتيانا ، ولم يكن ذلك نزولا ولا حركة وهذا قول أبي الحسن الأشعري (ب ، أ ، ١١٣ ، ٣)

ـ الاستواء والاعوجاج منفيان عنه معا سبحانه وتعالى ، وتعالى الله عن ذلك لأنّ كل ذلك من صفات الأجسام ومن جملة الأعراض ، والله قد تعالى عن الأعراض (ح ، ف ٢ ، ١٢٤ ، ٨)

ـ الاستواء في اللغة يقع على الانتهاء ، قال الله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (القصص : ١٤) أي فلمّا انتهى إلى القوة والخير وقال تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصلت : ١١) أي أنّ خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتّب الأرض على ما هي عليه وبالله تعالى التوفيق وهذا هو الحق وبه نقول لصحّة البرهان به وبطلان ما عداه (ح ، ف ٢ ، ١٢٥ ، ١٠)

ـ لنرجع إلى معنى الاستواء والنزول ، أمّا الاستواء : فهو نسبة العرش إليه لا محالة ، ولا يمكن أن يكون للعرش إليه نسبة إلّا بكونه معلوما أو مرادا أو مقدورا عليه أو محلا مثل محلّ العرض أو مكانا مثل مستقرّ الجسم ؛ ولكن بعض هذه النسب تستحيل عقلا وبعضها لا يصلح اللفظ للاستعارة له. فإن كان في

١١٥

جملة هذه النسب مع أنّه لا نسبة سواها نسبة لا يحيلها العقل ولا ينبو عنها اللفظ ، فليعلم أنّها المراد أمّا كونه مكانا أو محلّا كما كان للجوهر والعرض فاللفظ يصلح له ؛ ولكن العقل يحيله كما سبق. وأمّا كونه معلوما ومرادا فالعقل لا يحيله ولكنّ اللفظ لا يصلح له. وأمّا كونه مقدورا عليه وواقعا في قبضة القدرة ومسخّرا له مع كونه أعظم المخلوقات ويصلح الاستيلاء عليه لأن يتمدّح به وينبّهه به على غيره الذي هو دونه في العظم. فهذا مما لا يحيله العقل ويصلح له اللفظ. فاخلق بأن يكون هو المراد قطعا (غ ، ق ، ٥٥ ، ٨)

ـ الاستواء : الاعتدال والاستقامة ، يقال استوى العود وغيره : إذا قام واعتدل ، ثم قيل استوى إليه كالسهم المرسل : إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوى على شيء ، ومنه استعير قوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (البقرة : ٢٩) أي قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر (ز ، ك ١ ، ٢٧٠ ، ١٦)

ـ أما آية" الاستواء" فإنّه يحتمل أن يكون المراد التسخير ، والوقوع في قبضة القدرة ، ولهذا تقول العرب : استوى الأمير على مملكته ، عند دخول العباد تحت طوعه في مراداته ، وتسخيرهم في مأموراته ومنهيّاته (م ، غ ، ١٤١ ، ١١)

استوى

ـ قالت المعتزلة إنّ الله استوى على عرشه بمعنى استولى (ش ، ق ، ٢١١ ، ١٤)

ـ اختلفوا في تأويل قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) ، فزعمت المعتزلة أنّه بمعنى استولى كقول الشاعر : قد استوى بشر على العراق أي استولى (ب ، أ ، ١١٢ ، ٨)

ـ استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتّة ، وقالوه أيضا لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤداه وإن كان أشرح وأبسط وأدلّ على صورة الأمر (ز ، ك ٢ ، ٥٣٠ ، ٧)

ـ (فَاسْتَوى) (النجم : ٦) فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثّل بها كلّما هبط بالوحي ، وكان ينزل في صورة دحية ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحبّ أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له في الأفق الأعلى ، وهو أفق الشمس فملأ الأفق. وقيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّتين ، مرّة في الأرض ومرّة في السماء (ز ، ك ٤ ، ٢٨ ، ١٧)

استيلاء

ـ إنّ مرادنا بالاستيلاء القدرة التامة الخالية عن المنازع والمعارض والمدافع (ف ، س ، ١٩٢ ، ١٤)

إسلام

ـ إن الإسلام أوسع من الإيمان ، وليس كل إسلام إيمان (ش ، ب ، ٢٢ ، ١٠)

ـ قيل : الإسلام هو الخضوع. وقيل : الإسلام هو الإخلاص بالأفعال ، وهو أن يسلم نفسه لله ، أو يسلم دينه ، لا يشركه فيه (م ، ت ، ٢٥٨ ، ١٢)

ـ تكلم الناس في الإسلام أنّه اسم الإيمان في التحقيق أو غيره. فأمّا من يقول بأنّ الإيمان

١١٦

اسم لجميع الخيرات فقد اختلفوا في ذلك خلافا يشبه أهل القول به ، وإلّا فلا معنى لاختلافهم ؛ / إذ احتجوا بقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران : ٨٥) ، وصيّروا لكل شيء يقبل إسلاما ، وكل خير إيمان ، وكل مقبول خير ، وكل خير مقبول ، فيكونان في الحقيقة واحدا. لكنهم فرّقوا بينهما استدلالا بتفريق الكتاب بقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) ، فأذن لهم بالخبر عن الإسلام ولم يأذن لهم بالإخبار عن الإيمان (م ، ح ، ٣٩٣ ، ٤)

ـ روى في قصة جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد أن لا إله إلّا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في الأول : فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح ، ٣٩٣ ، ١٢)

ـ الإسلام هو إسلام المرء نفسه بكلّيتها ، وكذا كل شيء لله تعالى بالعبودية لله لا شريك فيه (م ، ح ، ٣٩٤ ، ١٨)

ـ قال قوم : الإسلام في اللغة الإخلاص (م ، ح ، ٣٩٥ ، ١)

ـ الإسلام هو الخضوع لله تعالى والاستسلام له بالاختيار على ما هم عليه لله بالخلقة والجوهر ، والإيمان لا يتوجه إلى هذا الوجه (م ، ح ، ٣٩٥ ، ٩)

ـ إنّ الإسلام معرفة الله تعالى بلا كيف ، ومحلّه الصدور مصادقة لقوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (الزمر : ٢٢) (م ، ف ، ٦ ، ١٠)

ـ ما الإسلام؟ فقال عليه‌السلام شهادة أن لا إله إلّا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا (م ، ف ، ٧ ، ١٦)

ـ إنّ كل إيمان إسلام ، وليس كلّ إسلام إيمانا ، لأنّ معنى الإسلام الانقياد ، ومعنى الإيمان التصديق ، ويستحيل أن يكون مصدّق غير منقاد ، ولا يستحيل أن يكون منقاد غير مصدّق ؛ وهذا كما يقال : كل نبيّ صالح ، وليس كل صالح نبيّا (ب ، ن ، ٥٩ ، ١)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإسلام هو الاستسلام والانقياد للحكم والمتابعة في الأمر ، وإن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا إذا لم يكن استسلامه بالتصديق والإيمان (أ ، م ، ١٥٥ ، ٢)

ـ بعض الناس ، فرّق بين المؤمن والمسلم ، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) فالله تعالى فصل بين الإيمان والإسلام ، فلو كانا جميعا بمعنى واحد لم يكن للفصل بينهما وجه (ق ، ش ، ٧٠٧ ، ٨)

ـ إنّ الإسلام أصله في اللغة التبرّؤ ، تقول أسلمت أمر كذا إلى فلان إذا تبرّأت منه إليه ، فسمّي المسلم مسلما لأنّه تبرّأ من كل شيء إلى الله عزوجل ، ثم نقل الله تعالى اسم الإسلام أيضا إلى جميع الطاعات ، وأيضا فإن التبرّؤ إلى الله من كل شيء هو معنى التصديق لأنّه لا يبرأ إلى الله تعالى من كل شيء حتى يصدق به ، فإذا أريد بالإسلام المعنى الذي هو خلاف الكفر وخلاف الفسق فهو والإيمان شيء

١١٧

واحد ، كما قال تعالى : (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (الحجرات : ١٧) وقد يكون الإسلام أيضا بمعنى الاستسلام ، أي أنّه استسلم للملّة خوف القتل ، وهو غير معتقد لها ، فإذا أريد بالإسلام هذا المعنى فهو غير الإيمان ، وهو الذي أراد الله تعالى بقوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات : ١٤) وبهذا تتألّف النصوص المذكورة من القرآن والسنن (ح ، ف ٣ ، ٢٢٦ ، ٧)

ـ إنّ الإسلام لفظة مشتركة كما ذكرنا ، ومن البرهان على أنّها لفظة منقولة عن موضوعها في اللغة أنّ الإسلام في اللغة هي التبرّؤ ، فأي شيء تبرّأ منه المرء فقد أسلم من ذلك الشيء وهو مسلم ، كما أنّ من صدق بشيء فقد آمن به وهو مؤمن به وبيقين لا شكّ فيه ، يدري كل واحد أنّ كل كافر على وجه الأرض فإنّه مصدّق بأشياء كثيرة من أمور دنياه ، ومتبرّئ من أشياء كثيرة ، ولا يختلف اثنين من أهل الإسلام في أنّه لا يحلّ لأحد أن يطلق على الكافر من أجل ذلك أنّه مؤمن ولا أنّه مسلم ، فصحّ يقينا أنّ لفظة الإسلام والإيمان منقولة عن موضوعها في اللغة إلى معان محدودة معروفة لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله عزوجل بها الوحي على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّه من أتى بها استحقّ اسم الإيمان والإسلام وسمّي مؤمنا مسلما ، ومن لم يأت بها لم يسمّ مؤمنا ولا مسلما وإن صدق بكل شيء غيرها ، أو تبرّأ من كل شيء حاشى ما أوجبت الشريعة التبرّؤ منه (ح ، ف ٣ ، ٢٢٦ ، ٢٠)

ـ فرّق في التفسير بين الإسلام والإيمان. والإسلام قد يرد بمعنى الاستسلام ظاهرا ، ويشترك فيه المؤمن والمنافق. قال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) ففرّق التنزيل بينهما. فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهرا موقع الاشتراك ، فهو المبدأ. ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدّق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويقرّ عقدا بأنّ القدر خيره وشرّه من الله تعالى ؛ بمعنى أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ؛ كان مؤمنا حقّا. ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق ، وقرن المجاهدة بالمشاهدة ، وصار غيبه شهادة ؛ فهو الكمال. فكان الإسلام مبدأ ، والإيمان وسطا ، والإحسان كمالا ، وعلى هذا شمل لفظ المسلمين : الناجي والهالك (ش ، م ١ ، ٤٠ ، ١٤)

ـ قد يرد الإسلام وقرينه الإحسان ، قال الله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (البقرة : ١١٢) (ش ، م ١ ، ٤١ ، ٧)

ـ إنّ الإسلام والإيمان عبارتان عن معنى واحد ، وأنّ العمل داخل في مفهوم هذه اللفظة ، ألا تراه جعل كل واحد من اللفظات قائمة مقام الأخرى في إفادة المفهوم ، كما نقول الليث هو الأسد والأسد هو السبع والسبع هو أبو الحارث ، فلا شبهة أنّ الليث يكون أبا الحارث أي أنّ الأسماء مترادفة. فإذا كان أوّل اللفظات الإسلام وآخرها العمل دلّ على أنّ العمل هو الإسلام ، وهكذا تقول أصحابنا إن ترك الواجب لا يسمّى مسلما. فإن قلت هب أنّ كلامه عليه‌السلام يدلّ على ما قلت كيف يدلّ على أنّ الإسلام هو الإيمان ، قلت لأنّه إذا دلّ على أنّ العمل هو الإسلام وجب أن يكون

١١٨

الإيمان هو الإسلام ، لأنّ كل من قال أنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام ، قال إنّ الإسلام هو الإيمان ، فالقول بأنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام وليس الإسلام هو الإيمان قول لم يقل به أحد ، فيكون الإجماع واقعا على بطلانه. فإن قلت أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقل كما تقوله المعتزلة ، لأنّ المعتزلة تقول الإسلام اسم واقع على العمل وغيره من الاعتقاد والنطق باللسان ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام جعل الإسلام هو العمل فقط ، فكيف ادّعيت أنّ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام يطابق مذهبهم. قلت لا يجوز أن يريد غيره لأنّ لفظ العمل يشمل الاعتقاد والنطق باللسان وحركات الأركان بالعبادات ، إذ كل ذلك عمل وفعل ، وإن كان بعضه من أفعال القلوب وبعضه من أفعال الجوارح ، ولو لم يرد أمير المؤمنين عليه‌السلام ما شرحناه لكان قد قال الإسلام هو العمل بالأركان خاصة ، ولم يعتبر فيه الاعتقاد القلبيّ ولا النطق اللفظيّ ، وذلك ممّا لا يقوله أحد (أ ، ش ٤ ، ٣٠٢ ، ١٤)

ـ الإسلام : هو الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الكشّاف أنّ كل ما يكون الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام ، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان. أقول : هذا مذهب الشافعيّ ، وأمّا مذهب أبي حنيفة فلا فرق بينهما (ج ، ت ، ٤٥ ، ٩)

ـ المعتزلة : والإيمان والإسلام والدين سواء. بعض الإماميّة : الإسلام غير الإيمان. قلنا : اشتركت في كونها للمدح بمعنى واحد (م ، ق ، ١٣٢ ، ١٤)

ـ الإسلام لغة : الانقياد. أئمتنا ، عليهم‌السلام ، والجمهور ، ودينا : مشترك الإيمان وكل على أصله والاعتراف بالله ورسوله وما عرف من ضرورة الدين والإقرار بذلك مع عدم ارتكاب معصية الكفر. ففاعل الكبيرة غير معصية الكفر مسلم فاسق. بعض الإماميّة : بل الانقياد فقط (ق ، س ، ١٨٦ ، ٤)

اسم

ـ الاسم بلا معنى لغو كالظرف الخالي ، والاسم في معنى الأبدان والمعاني في معنى الأرواح (ج ، ر ، ٨٥ ، ٧)

ـ لا يكون اللفظ اسما إلّا وهو مضمّن بمعنى ، وقد يكون المعنى ولا اسم له ولا يكون اسم إلّا وله معنى. في قوله جلّ ذكره : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (البقرة : ٣١) ، إخبار أنّه قد علّمه المعاني كلّها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطعوم والأراييح وتضاعيف الأعداد التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار المصلحة ونهاية الوهم اسم ، إلّا أن تدخله في باب العلم فتقول شيء (ج ، ر ، ٨٥ ، ١٢)

ـ إنّ الاسم هو المسمّى بعينه وذاته ، والتسمية الدالّة عليه تسمّى اسما على سبيل المجاز (ب ، ن ، ٦٠ ، ١٧)

ـ أمّا المعروف من مذهبه (الأشعري) في معنى الاسم والذي نصّ عليه في كثير من كتبه منها النقض على الجبّائي والبلخي ، أنّ الاسم ليس هو المسمّى ، على خلاف ما ذهب إليه المتقدّمون من أصحاب الصفات. فمن ذلك ما قال في كتاب نقض أصول الجبّائي إنّ أسماء الله تعالى صفاته ، ولا يقال لصفاته هي هو ولا غيره. وليس هذا المذهب من مذهب المعتزلة

١١٩

القائلين بأنّ الاسم هو التسمية فقط في شيء ، لأنّ التسمية عنده اسم للمسمّى وما عداها أيضا اسم له ، كنحو ما ذكر من العلم والقدرة. ونقض في كتاب التفسير على الجبّائي إنكاره على من ذهب من قدماء أصحاب الصفات إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وقال في عقب ذلك : " إنّي لم أنكر عليه ذلك لأجل أنّي أذهب إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وإنّما أنكرت ذلك لأنّه قصد أن يفسد ذلك بما لا يصحّ على مذهبه ولا يطّرد على قواعده". فعلى هذا الأصل تحقيق مذهبه أنّ كل تسمية اسم وليس كل اسم تسمية (أ ، م ، ٣٨ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ الاسم إنّما يصير اسما للمسمّى بالقصد ، ولو لا ذلك لم يكن بأن يكون اسما له أولى من غيره. وهذا معلوم من حال من يريد أن يسمّى الشيء باسم ، لأنّه إنّما يجعله اسما له بضرب من القصد. يبيّن ذلك أنّ حقيقة الحروف لا تتعلّق بالمسمّى لشيء يرجع إليه كتعلّق العلم والقدرة بما يتعلّقان به ، فلا بدّ من أمر آخر يوجب تعلّقه بالمسمّى ، وليس هناك ما يوجب ذلك فيه سوى القصد والإرادة. يؤيّد ذلك أنّ الاسم الواحد قد يختلف مسمّاه بحسب اللغات لمّا اختلفت المقاصد فيه. فلولا أنّه يتعلّق بالمسمّى بحسب القصد ، لم يصحّ ذلك فيه ، ولذلك يصحّ تبديل الأسماء من مسمّى إلى سواه بحسب القصد (ق ، غ ٥ ، ١٦٠ ، ٥)

ـ قد ثبت أنّ الاسم في تعلّقه بالمسمّى بمنزلة الخبر عن الشيء ، والعلم به ، والدلالة عليه ، بل هو في ذلك دون مرتبته. فإذا كان العلم والدلالة والخبر لا تؤثّر فيما يتعلّق به فالاسم بأن لا يؤثّر فيه أولى. وكذلك لا يصحّ استعماله على وجه يفيد إلّا بعد تقدّم العلم بالمعنى أو الاعتقاد له ؛ فإذا صحّ ذلك لم يمنع تغيّر الأسماء واختلافها على المسمّى ، وإن لم يتغيّر حاله. يبيّن ذلك جواز اختلاف اللغات ، وإن كان المسمّى بها واحدا ؛ ولذلك قد تتّفق حروف الاسمين في اللغتين وإن كان المراد بهما يختلف ، نحو ما قال شيخنا أبو هاشم : إن مردا قد يكون من كلام العرب مصدر مرده مردا يعني ليّنه ؛ ومن ذلك سمّي الأمرد أمرد ، ومن كلام العجم هو اسم الرجل ؛ وذلك يكثر إذا تتبّع. ولذلك يصحّ أن تتغيّر اللغات بحسب الدواعي والأغراض ، وإن كان اللقب واحدا (ق ، غ ٥ ، ١٧٢ ، ٣)

ـ إنّ من حق الاسم ، إذا أفاد في اللغة بعض الأمور ، أن يطّرد فيه ولا يقع فيه اختصاص ، وإلّا انتقض قصدهم بالمواضعة ، وذلك يوجب ، متى علم أنّه يصحّ منه الفعل ، أن يوصف بأنّه قادر ، ومتى علم عالما حيّا ، أن يوصف بذلك ، ومتى فعل الإحسان ، أن يوصف بأنّه محسن ، ولا ينتظر في ذلك أجمع ورود الإذن والسمع (ق ، غ ٥ ، ١٨٠ ، ١٣)

ـ إنّ الاسم والصفة لا يختلف فيهما شاهد ولا غائب إذا اتّفقا في فائدتهما (ق ، غ ٥ ، ١٨٣ ، ٢)

ـ إنّ الاسم يجب أن يتبع فائدته في الشاهد والغائب (ق ، غ ٥ ، ١٨٤ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ المواضعة إنّما تقع على المشاهدات وما جرى مجراها ؛ لأنّ الأصل فيها الإشارة .... فإذا ثبت ذلك ، فيجب ، متى أردنا التكلّم بلغة مخصوصة ، أن نعقل معاني الأوصاف والأسماء فيها في الشاهد ، ثم

١٢٠