لطائف الإشارات - ج ١

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

لطائف الإشارات - ج ١

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: الدكتور إبراهيم بسيوني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٤٥

ربّ يسّر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرح قلوب أوليائه بعرفانه ، وأوضح نهج الحق بلائح برهانه ، لمن أراد طريقه ، وأتاح البصيرة لمن ابتغى تحقيقه ، وأنزل الفرقان هدى وتبيانا ، على صفيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله ـ معجزة وبيانا ، وأودع صدور العلماء معرفته وتأويله ، وأكرمهم بعلم قصصه ونزوله ، ورزقهم الإيمان بمحكمه ومتشابهه وناسخه ، ووعده ووعيده ، وأكرم الأصفياء من عباده بفهم ما أودعه من لطائف أسراره وأن (واره) لاستبصار ما ضمنّه من دقيق إشاراته ، وخفىّ رموزه ، بما لوّح لأسرارهم من مكنونات ، فوقفوا بما خصّوا به من أنوار الغيب على ما استتر عن أغيارهم ، ثم نطقوا على مراتبهم وأقدارهم ، والحق سبحانه وتعالى يلهمهم بما به يكرمهم ، فهم به عنه ناطقون وعن لطائفه مخبرون (١) وإليه يشيرون ، وعنه يفصحون ، والحكم إليه فى جميع ما يأتون به ويذرون.

قال الإمام جمال الإسلام أبو القاسم القشيري رحمه‌الله : وكتابنا هذا يأتى على ذكر طرف من إشارات القرآن (٢) على لسان أهل المعرفة ، إما من معانى مقولهم ، أو قضايا أصولهم ، سلكنا فيه طريق الإقلا (ل) خشية الملال ، مستمدين من الله تعالى عوائد المنّة ، متبرئين من الحول والمنّة (٣) مستعصمين من الخطأ والخلل ، مستوفقين لأصوب القول والعمل ، ملتمسين أن يصلى على سيدنا محمد صلّى الله عليه و (سلّم) ، ليختم لنا بالحسنى بمنّه وأفضاله. وتيسّر الأخذ

__________________

(١) وردت فى ص (مخيرون) والسياق لا يتطلبها.

(٢) ما تحته خط هو تكملة اعتمدنا فى إثباتها هنا على ما جاء فى (تذكرة النوادر) التي اقتبست بضع فقرات رجوعا إلى نسخة أخرى.

(٣) المنّة بضم الميم القوة.

٤١

فى ابتداء هذا الكتاب فى شهور سنة أربع وثلاثين وأربعمائة (١) ، وعلى الله إتمامه إن شاء الله تعالى عزوجل.

سورة فاتحة الكتاب

هذه السورة بدا (ية) الكتاب ، ومفاتحة الأحباب بالخطاب والكتاب منه أجلّ النّعمى ، وأكرم الحسنى إذ هى (...) (٢) وابتداء وفى معناه قيل.

أفديك بل أيام دهرى كلها

تفدين أياما (.....)

سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن

ما كان قلبى للصبابة معهدا (٣)

ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير مرتقب لهذا الشأن ، وما كان هذا الحديث منه على بال ، وحينما نزل عليه جبريل صلوات الله عليه وسلامه أخذ فى الفرار ، وآثر التباعد لهذا الأمر آوى (...) قائلا : دثرونى دثرونى ، زمّلونى زمّلونى ، وكان يتحنّث فى حراء ، ويخلو هنالك (....) فجأة ، وصادفته القصة بغتة كما قيل :

أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبى فارغا فتمكّنا (٤)

وكان صلوات الله عليه وسلم رضى بأن يقال له أجير خديجة ولكن (الحق سبحانه وتعالى أراده لأن) (٥) يكون سيد الأولين والآخرين حيث قال. (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) ، (رفعه إلى) أشرف المنازل وإن لم يسم إليه بطرف التأميل سنّة منه تعالى وتقدّس (...) إلا عند من تقاصرت الأوهام عن استحقاقه ، ولذلك ما قصّوا العجب من شأنه (...) يتيم أبى طالب

__________________

(١) اعتمدنا في استكمال رقمى الآحاد والعشرات من السنة على (تذكرة النوادر) حيث سقطا فى ص. وبهذا يبطل قول صاحب كشف الظنون (المجلد الثاني ص ١٥٥١) بأن القشيري ألف اللطائف قبل عام ٤١٠ ، ويبدو أن الأمر قد التبس على حاجى خليفة فظن تاريخ تأليف «التيسير فى التفسير» هو تاريخ تأليف «اللطائف».

(٢) ما بين الأقواس المفرغة ساقط فى ص ومن حسن الحظ أن السقوط الكثير على هذا النحو لا يتكرر بعد الورقتين الأولى والثانية من (ص).

(٣) اعتمدنا فى تكملة البيت على هذا النحو على وروده فى (م) كاملا عند تفسير سورة الحديد.

(٤) الشطر الثاني من البيت ناقص فى (ص) ومكمل فى (م) عند تفسير آية : علم القرآن من سورة الرحمن.

(٥) زيادة أضفناها ليستقيم المعنى.

٤٢

من بين البرية ، ولقد كان صلوات الله عليه وسلم فى سابق (علمه) سبحانه وتعالى مقدّما على الكافة من أشكاله وأضرابه ، وفى معناه قيل :

هذا (...) أطمار

وكان فى فقر من السيار

آثر عندى (بالإكبار)

من أخى (ومن) جارى

وصاحب الدرهم (والدينار)

فإن صاحب الأمر مع الإكثار (١)

ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل النبوة حميد الشأن ، (محمود) الذكر ، ممدوح الاسم ، أمينا لكل واحد. وكانوا يسمونه محمدا الأمين ، ولكن (الكافرين) (...) حالته ، بدّلوا اسمه ، وحرّفوا وصفه ، وهجّنوا ذكره ، فواحد كان يقول ساحر وآخر يقول (...) وثالث يقول كاذب ، ورابع يقول شاعر :

أشاعوا لنا فى الحي أشنع قصة

وكانوا لنا سلما فصاروا لنا حربا

وهكذا صفة المحبّ ، لا ينفك عن الملام ولكن كما قيل

أجد الملامة فى هواك لذيذة

حبا لذكرك فليلمنى اللّوم (٢)

وماذا عليه من قبيح قالة (من) يقول ، (والحق سبحانه يقول) : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي استمع إلى ما يقال فيك بحسن الثناء علينا.

[فصل] وتسمى هذه السورة أيضا أمّ الكتاب ، وأم الشيء أصله ، وإمام كل شىء مقدّمه. وهذه السورة لما تشتمل عليه من الأمر بالعبودية ، والثناء على الله بجمال الربوبية ، ثم (٣) كمالها من الفضائل ـ لا تصح الفرائض إلا بها. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخبرا عنه سبحانه وتعالى : «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين» يعنى قراءة هذه السورة ، فصارت أمّ الكتاب ، وأصلا لما تنبنى عليه من لطائف الكرامات وبدائع التقريب والإيجاب.

__________________

(١) أضاع البياض الذي فى المصورة كثيرا من ألفاظ هذه الأبيات فحاولنا إضافة بعض الألفاظ. وإن كان وزن الشعر ما زال غير سليم.

(٢) وردت خطأ فى (ص) : فليسلمنى اللؤم.

(٣) لا نستبعد أن تكون فى الأصل (تمّ) كمالها ...

٤٣

قوله جل ذكره : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الباء فى «بسم الله» حرف التضمين ؛ أي بالله ظهرت الحادثات ، وبه وجدت المخلوقات ، فما من حادث مخلوق ، وحاصل منسوق ، من عين وأثر وغبر ، وغير من حجر ومدر ، ونجم وشجر ، ورسم وطلل ، وحكم وعلل ـ إلا بالحق وجوده ، والحق ملكه ، ومن الحق بدؤه ، وإلى الحق عوده ، فبه وجد من وحّد ، وبه جحد من ألحد (١) ، وبه عرف من اعترف ، وبه تخلّف من اقترف.

وقال «بسم الله» ولم يقل بالله على وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم ، وللفرق بين هذا وبين القسم عند الآخرين ، ولأن الاسم هو المسمى عند العلماء ، ولاستصفاء القلوب من العلائق ولاستخلاص الأسرار عن العوائق عند أهل العرفان ، ليكون ورود قوله «الله» على قلب منقّى وسر مصفّى. وقوم عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء (بره) (٢) بأوليائه ومن السين سره مع أصفيائه ومن الميم منته على أهل ولايته ، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه ، وبمنته عليهم حفظوا أمره ، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره. وقوم عند سماع بسم الله تذكروا بالباء براءة الله سبحانه وتعالى من كل سوء ، وبالسين (٣) سلامته سبحانه عن كل عيب ، وبالميم مجده سبحانه بعز وصفه ، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه ، وعند السين سناءه ، وعند الميم ملكه ، فلما أعاد الله سبحانه وتعالى هذه الآية أعنى بسم الله الرحمن الرحيم فى كل سورة وثبت أنها منها أردنا أن نذكر فى كل سورة من إشارات هذه الآية (٤) كلمات غير مكررة (٥) ، وإشارات غير معادة ، فلذلك نستقصى القول هاهنا وبه الثقة.

__________________

(١) وردت فى ص (اللحد).

(٢) سقطت فى ص وأثبتناها لأن ما بعدها يدل عليها.

(٣) وردت فى ص (بالسنين).

(٤) من هنا ندرك أن القشيري يعتبر البسملة قرآنا خلافا لمن يعدونها من قبيل الاستفتاح والتبرك ، فتبدأ بها القراءة كما يفعل فى سائر الأفعال (أنظر المغني للقاضى عبد الجبار ج ١١ ط وزارة الثقافة سلسلة تراثنا ص ١٦١).

(٥) من هنا ومما نعلم من مذهب القشيري نراه لا يعتقد فى فكرة التكرار فى القرآن لأن التكرار أليق بالمخلوقين ولأسباب أخرى لا محل لها هنا.

٤٤

قوله جل ذكره : الْحَمْدُ لِلَّهِ

حقيقة الحمد الثناء على المحمود ، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة ، واللام هاهنا للجنس ، ومقتضاها الاستغراق ؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمّا وصفا وإمّا خلقا ، فله الحمد لظهور سلطانه ، وله الشكر لوفور إحسانه. والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله ، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله ، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحوله ، وحمد الخلق له على إنعامه وطوله ، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو ، واستيجابه لنعوت العز والسمو ، فله الوجود (قدرة) (١) القديم ، وله الجود الكريم ، وله الثبوت الأحدى ، والكون الصمدى ، والبقاء الأزلى ، والبهاء الأبدى ، والثناء الديمومى ، وله السمع والبصر ، والقضاء والقدر ، والكلام والقول ، والعزة والطول ، والرحمة والجود ، والعين والوجه والجمال ، والقدرة والجلال ، وهو الواحد المتعال ، كبرياؤه رداؤه ، وعلاؤه سناؤه ، ومجده عزه ، وكونه ذاته ، وأزله أبده ، وقدمه سرمده ، وحقه يقينه ، وثبوته عينه ، ودوامه بقاؤه ، وقدره قضاؤه ، وجلاله جماله ، ونهيه أمره ، وغضبه رحمته ، وإرادته مشيئته ، وهو الملك بجبروته ، والأحد فى ملكوته. تبارك الله سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه! [فصل] علم الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه ، وعجزهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حمد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله : «الحمد لله» فانتعشوا بعد الذّلة ، وعاشوا بعد الخمود ، واستقلت أسرارهم بكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق ، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال. وقالوا :

ولوجهها من وجهها قمر

ولعينها من عينها كحل

هذا خطيب الأولين والآخرين ، سيد الفصحاء ، وإمام البلغاء ، لمّا سمع حمده لنفسه ، ومدحه سبحانه لحقّه ، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به فى هذه الحالة فقال : «لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك».

داوود لو سمعت أذناه قالتها

لما ترنّم بالألحان داوود

غنت سعاد بصوتها فتخاذلت

ألحان داوود من الخجل

__________________

(١) هذه كلمة زائدة يمكن الاستغناء عنها ، ويرجح ذلك نظم الأسلوب وسياق المعنى ، أو ربما كانت (قدمه).

٤٥

[فصل] وتتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم فى أحوالهم ؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعى صفة نفعه ودفعه ، وإزاحته وإتاحته ، وما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره : «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها» ، وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه ، وأودع سرائرهم من مكنونات بره ، وكاشف أسرارهم به من خفى غيبه ، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده. وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم ، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم ، وتأمل خصائص القسم ، و (فرق بين) (١) من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجود أفضاله ، كما قال قائلهم :

وما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا

ولكننا جئنا بلقياك نسعد

وقوم حمدوه مستهلكين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده ، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده ، فهم به منه يعبّرون ، ومنه إليه يشيرون ، يجرى عليهم أحكام التصريف ، وظواهرهم (٢) بنعت التفرقة مرعية ، وأسرارهم مأخوذة بحكم جمع (٣) الجمع ، كما قالوا :

بيان بيان الحق أنت بيانه

وكل معانى الغيب أنت لسانه

قوله جل ذكره : (رَبِّ الْعالَمِينَ)

الرب هو السيد ، والعالمون جميع المخلوقات ، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء والجمادات فهو مالك الأعيان ومنشيها ، وموجد الرسوم والديار بما فيها.

ويدل اسم الرب أيضا على تربية الخلق ، فهو مرب نفوس العابدين بالتأييد ومرب قلوب الطالبين بالتسديد ، ومرب أرواح العارفين بالتوحيد ، وهو مرب الأشباح بوجود النّعم ، ومرب الأرواح بشهود الكرم.

ويدل اسم الرب أيضا على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه ؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته ، ومصلح أمور العابدين بحسن كفايته ، ومصلح أمور الواجدين

__________________

(١) وردت (وفر ...) ثم بعدها بياض فأكملناها على هذا النحو ليتم المعنى.

(٢) وردت (وظاهرهم) ولكن السياق يقتضى ما أثبتناه.

(٣) وردت (جميع الجمع) ولكن الاصطلاح الصوفي هو جمع الجمع وهو درجة فوق الجمع وجمع الجمع هو الاستهلاك بالكلية وفناء الإحساس بما سوى الله (رسالة القشيري ط سنة ١٩٥٩ ص ٣٩).

٤٦

بقديم عنايته ، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه ، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه ، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه ، قال قائلهم :

مادام عزّك مسعودا طوالعه

فلا أبالى أعاش الناس أم فقدوا

قوله جلّ ذكره : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

اسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة صفة أزلية وهى إرادة النعمة وهما اسمان موضوعان للمبالغة ولا فضل بينهما عند أهل التحقيق.

وقيل الرحمن أشد مبالغة وأتم فى الإفادة ، وغير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق ، والرحيم ينعت به غيره ، وبرحمته عرف العبد أنه الرحمن ، ولو لا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن ، وإذا كانت الرحمة إرادة النعمة ، أو نفس النعمة كما هى (عند قوم فالنعم فى أنفسها مختلفة ، ومراتبها متفاوتة فنعمة هى) (١) نعمة الأشباح والظواهر ، ونعمة هى نعمة الأرواح والأسرار.

وعلى طريقة من فرّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى ، والرحيم عام الاسم خاص المعنى ؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم ، ولأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم ، فالرحمن بما روّح ، والرحيم بما لوّح ؛ فالترويح بالمبارّ ، والتلويح بالأنوار : والرحمن بكشف تجلّيه والرحيم بلطف تولّيه ، والرحمن بما أولى من الإيمان والرحيم بما أسدى (٢) من العرفان ، والرحمن بما أعطى من العرفان والرحيم بما تولّى من الغفران ، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران والرحيم بما يمنّ به من الرضوان ، بل الرحمن بما يكتم به والرحيم بما ينعم به من الرؤية والعيان ، بل الرحمن بما يوفق ، والرحيم بما تحقق ، والتوفيق للمعاملات ، والتحقيق للمواصلات ، فالمعاملات للقاصدين ، والمواصلات للواجدين ، والرحمن بما يصنع لهم والرحيم بما يدفع عنهم ؛ فالصنع بجميل الرعاية والدفع بحسن العناية.

قوله جل ذكره : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)

المالك من له الملك ، وملك الحق سبحانه وتعالى قدرته على الإبداع ، فالملك مبالغة من المالك وهو سبحانه الملك المالك ، وله الملك. وكما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو ، فهو بإلهيته متوحد ، وبملكه متفرد ، ملك نفوس العابدين فصرفها فى خدمته ، وملك قلوب العارفين فشرّفها بمعرفته ، وملك نفوس القاصدين

__________________

(١) تكملة فى الهامش استدرك بها الناسخ فأثبتناها فى موضعها.

(٢) وردت (أسرى) والأصح (أسدى).

٤٧

فتيّمها ، وملك قلوب الواجدين فهيّمها. ملك أشباح من عبده فلاطفها بنواله وأفضاله ، وملك أرواح من أحبهم (....) (١) فكاشفها بنعت جلاله ، ووصف جماله. ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء ووفّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء ، ولم يكلهم إليهم لحظة ، ولا ملّكهم من أمرهم سنّة ولا خطرة ، وكان لهم عنهم ، وأفناؤهم له منهم (٢).

[فصل] ملك قلوب العابدين إحسانه فطمعوا فى عطائه ، وملك قلوب الموحدين سلطانه فقنعوا ببقائه. عرّف أرباب التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم ، علموا أن العبد لا ملك له ، ومن لا ملك له لا حكم له ، ومن لا حكم له لا اختيار له ، فلا لهم عن طاعته إعراض ولا على حكمه اعتراض ، ولا فى اختياره معارضة ، ولا لمخالفته تعرّض ، «ويوم الدين». يوم الجزاء والنشر ، ويوم الحساب والحشر ـ الحق سبحانه وتعالى يجزى كلّا بما يريد ، فمن بين مقبول يوم الحشر بفضله سبحانه وتعالى لا بفعلهم ، ومن بين مردود بحكمه سبحانه وتعالى لا بجرمهم. فأمّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم وأمّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم :

قوم إذا ظفروا بنا

جادوا بعتق رقابنا

قوله جل ذكره : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

معناه نعبدك ونستعين بك. والابتداء بذكر المعبود أتمّ من الابتداء بذكر صفته ـ التي هى عبادته واستعانته ، وهذه الصيغة أجزل فى اللفظ ، وأعذب فى السمع. والعبادة الإتيان بغاية ما فى (بابها) (٣) من الخضوع ، ويكون ذلك بموافقة الأمر ، والوقوف حيثما وقف الشرع.

والاستعانة طلب الإعانة من الحق.

والعبادة تشير إلى بذل الجهد والمنّة ، والاستعانة تخبر عن استجلاب الطول والمنّة ، فبالعبادة يظهر شرف العبد ، وبالاستعانة يحصل اللطف للعبد. فى العبادة وجود شرفه ، وبالاستعانة أمان تلفه. والعبادة ظاهرها تذلل ، وحقيقتها تعزّز وتحمّل :

وإذا تذللت الرقاب تقربا

منّا إليك ، فعزّها فى ذلّها

__________________

(١) مشتبهة فى ص ، وربما كانت (وأحبوه).

(٢) (له) هنا معناها لأجله اى أنه أفناهم من أنفسهم لأجله ليبقوا به ، وكان الأسلم أن تكون العبارة : وأفناؤهم منهم له ولكن حرص المصنّف على مراعاة الانسجام بين عنهم ومنهم.

(٣) وردت (بابه)

٤٨

وفى معناه :

حين أسلمتني لذال ولام

ألقيتنى فى عين وزاى (١)

[فصل] العبادة نزهة القاصدين (٢) ، ومستروح المريدين ، ومربع الأنس للمحبين ، ومرتع البهجة للعارفين. بها قرّة أعينهم ، وفيها مسرة قلوبهم ، ومنها راحة أرواحهم. وإليه (٣) أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : أرحنا بها يا بلال». ولقد قال مخلوق فى مخلوق :

يا قوم ثارى عند أسمائى

يعرفه السامع والرائي

لا تدعنى إلا بيا عبدها

فإنه أصدق أسمائى

والاستعانة إجلالك لنعوت كرمه ، ونزلك بساحة جوده ، وتسليمك إلى يد حكمه ، فتقصده بأمل فسيح ، وتخطو إليه بخطو وسيع ، وتأمل فيه برجاء قوى (٤) ، وتثق بكرم أزلى ، وتتكل على اختيار سابق ، وتعتصم بسبب جوده (غير ضعف) (٥).

قوله جل ذكره : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)

الهداية الإرشاد ، وأصلها الإمالة ، والمهدىّ من عرف الحق سبحانه ، وآثر رضاه ، وآمن به. والأمر فى هذه الآية مضمر ؛ فمعنا اهدنا بنا (٦) ـ والمؤمنون على الهداية فى الحال ـ فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة. والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد. ومعنى اهدنا أي مل بنا إليك ، وخذنا لك ، وكن علينا دليلنا ، ويسّر إليك سبيلنا ، وأقم لنا هممنا ، واجمع بك همومنا.

[فصل] اقطع أسرارنا عن شهود الأغيار ، ولوّح فى قلوبنا طوالع الأنوار ، وأفرد

__________________

(١) وردت و (زار)

(٢) وردت (القاصرين)

(٣) أي وإلى ذلك أشار

(٤) وردت (قومى) وهى غير مناسبة للمعنى.

(٥) إما أن تكون زائدة أو ينقصها حرف الجر في فتكون (فى غير ضعف) أو تكون (غير ضعف) (أساس البلاغة ص ٥٦٣) أي غير متكثر بالأسباب لجلب المال.

(٦) ويكون المعنى على هذا أقم فينا ما يجعلنا نهتدى به إليك ، ولكن نرجح أن يكون قد وقع خطأ من الناسخ وأن الأصل (اهدنا بك) لأن ذلك يتفق مع مذهب القشيري وغيره من الصوفية حيث يعتبرون كل شىء يقع من العبد مرده إلى الحق سبحانه ، فلا قدرة للعبد ـ وحده ـ على معرفة الله ، ولا على الاهتداء إليه ، وتدل الدلائل فيما بعد على ذلك مثل قوله (فنجدك بك). واما أن يكون الأصل (اهد بنا) أي ـ كما جاء فيما بعد ـ مل بنا.

٤٩

قصودنا إليك عن دنس الآثار ، ورقّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جمع ساحات القرب والوصال.

[فصل] حل بيننا وبين مساكنة (١) الأمثال والأشكال ، بما تلاطفنا به من وجود الوصال ، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال.

[فصل] أرشدنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال.

«اهدنا الصراط المستقيم» أي : أزل عنّا ظلمات أحوالنا لنستضىء (٢) بأنوار قدسك عن التفيؤ بظلال طلبنا ، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك ، فنجدك بك.

[فصل] اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه ، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها ، أو يصدنا عن الوصول تعريج فى أوطان التقليد ، أو يحول بيننا وبين الاستبصار ركون لى معتاد من التلقين ، وتستهوينا آفة من نشو أو هوادة ، وظن أو عادة ، وكلل أو ضعف إرادة ، وطمع مال أو استزادة.

[فصل] الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل ، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل. الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد ، ونبهت عليه شواهد التحقيق. الصراط المستقيم ما درج عليه سلف الأمة ، ونطقت بصوابه دلائل العبرة. الصراط المستقيم ما باين الحظوظ سالكه ، وفارق (٣) الحقوق قاصده. الصراط المستقيم ما يفضى بسالكه إلى ساحة التوحيد ، ويشهد صاحبه أثر العناية والجود ، لئلا يظنّه موجب (ببذل) (٤) المجهود.

__________________

(١) وردت (ساكنة) والأصح بالميم فقد جاءت كذلك فى مواضع كثيرة أخرى.

(٢) وردت خطأ (لنصتضىء).

(٣) وردت (وفارن) فى ص ، والأصح أن تكون بالقاف ؛ فالحظوط للعبد والحقوق للحق.

(٤) وردت (بذل) بدون باء والأقوى فى رأينا أن تكون بالباء وأن نقرأ موجب بفتح الجيم أي مستحق ، وبذلك يتضح موقف القشيري من قضية هامة وهى ؛ هل يجب على الله أن يثيب المطيع؟ ولا يرى القشيري هذا الوجوب لأنه يربط كل عمل للعبد بالعناية الإلهية لا بالمجهود الإنسانى. وقد صدق الرسول (ص) حين قال : «ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدنى الله برحمته».

٥٠

قوله جل ذكره : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)

يعنى طريق من أنعمت عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم ، وهم الأولياء والأصفياء. ويقال طريق من (أفنيتهم) (١) عنهم ، وأقمتهم بك لك ، حتى لم يقفوا فى الطريق ، ولم تصدهم عنك خفايا المكر. ويقال صراط من أنعمت عليهم بالقيام بحقوقك دون التعريج على استجلاب حظوظهم.

ويقال صراط من (طهرتهم) (٢) عن آثارهم حتى وصلوا إليك بك.

ويقال صراط من أنعمت عليهم حتى تحرروا من مكائد الشيطان ، ومغاليط (٣) النفوس ومخاييل الظنون ، وحسبانات الوصول قبل خمود آثار البشر (ية).

ويقال صراط من أنعمت عليهم بالنظر والاستعانة بك ، والتبري من الحول والقوة ، وشهود ما سبق لهم من السعادة فى سابق الاختيار ، والعلم بتوحيدك فيما تمضيه من المسار والمضار.

ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بحفظ الأدب فى أوقات الخدمة ، واستشعار نعت الهيبة.

ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بأن حفظت عليهم آداب الشريعة وأحكامها عند غلبات (بواده) (٤) الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم ، ولم يخلّوا بشىء من أحكام الشريعة. ويقال صراط الذين أنعمت عليهم حتى لم تطفئ شموس معارفهم أنوار ورعهم ولم يضيّعوا شيئا من أحكام الشرع (٥).

ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.

قوله جلّ ذكره : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

__________________

(١) وردت (أقنتهم) فى ص.

(٢) وردت (ظهرتهم) فى ص.

(٣) وردت (مغاليظ) فى ص.

(٤) وردت (بواد).

(٥) نلاحظ أن القشيري يلح كثيرا على التزام آداب الشريعة مهما غلبت على العبد سطوة الانمحاء ، واستلبه سلطان الفناء ، ويحسن هنا أن نشير إلى اصطلاح فى مذهب القشيري وهو الفرق الثاني وهى حالة عزيزة يرد عندها العبد إلى الصحو لكى يؤدى ما يجب عليه من الفرائض فى أوقاتها ، ويكون رجوعه لله بالله (انظر الرسالة القشيرية ص ٣٩).

٥١

المغضوب عليهم الذين صدمتهم هواجم الخذلان (١) ، وأدركتهم مصائب الحرمان ، وركبتهم سطوة الرد ، وغلبتهم بواده الصد والطرد.

ويقال هم الذين لحقهم ذل الهوان ، وأصابهم (٢) سوء الخسران ، فشغلوا فى الحال باجتلاب الحظوظ ـ وهو فى التحقيق (شقاء) ؛ إذ يحسبون أنهم على شىء ، وللحق فى شقائهم سر.

ويقال هم الذين أنسوا بنفحات التقريب زمانا ثم أظهر الحق سبحانه فى بابهم شانا ؛ بدّلوا بالوصول بعادا ، وطمعوا فى القرب فلم يجدوا مرادا ، أولئك الذين ضلّ سعيهم ، وخاب ظنهم.

ويقال غير المغضوب عليهم بنسيان التوفيق ، والتعامي عن رؤية التأييد. ولا الضالين عن شهود سابق الاختيار ، وجريان التصاريف والأقدار.

ويقال غير المغضوب عليهم بتضييعهم آداب الخدمة ، وتقصيرهم فى أداء شروط الطاعة.

ويقال غير المغضوب عليهم هم الذين تقطعوا فى مفاوز الغيبة ، وتفرّقت بهم الهموم في أودية وجوه الحسبان.

[فصل] ويقول العبد عند قراءة هذه السورة آمين ، والتأمين سنّة ، ومعناه يا رب افعل واستجب ، وكأنه يستدعى بهذه القالة التوفيق للأعمال ، والتحقيق للآمال ، وتحط رجله بساحات الافتقار ، ويناجى حضرة الكرم بلسان الابتهال ، ويتوسل (بتبريه) (٣) عن الحول والطاقة والمنّة والاستطاعة إلى حضرة الجود. وإن أقوى وسيلة للفقير تعلقه بدوام الاستعانة لتحققه بصدق الاستغاثة.

السورة التي تذكر فيها البقرة قوله تعالى :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الاسم مشتق من السمو والسّمة ، فسبيل من يذكر هذا الاسم أن يتسم بظاهره بأنواع المجاهدات ، ويسمو بهمته إلى محالّ المشاهدات. فمن عدم سمة المعاملات على ظاهرة ، وفقد

__________________

(١) يقول القشيري في الرسالة (ومنهم من تغيرهم البواده وتصرفه الهواجم ، ومنهم من يكون فوق ما يفجؤه حالا ووقتا .. أولئك هم سادات الوقت) ص ٤٤.

(٢) وردت (أحبابهم).

(٣) وردت (ببريته) والصواب (بتبريه).

٥٢

سموّ الهمّة للمواصلات بسرائره لم يجد لطائف الذكر عند قالته ، ولا كرائم القرب فى صفاء حالته.

[فصل] معنى الله : الذي له الإلهية ، والإلهية استحقاق نعوت الجلال. فمعنى بسم الله : باسم من تفرّد بالقوة والقدرة. الرحمن الرحيم من توحّد فى ابتداء الفضل والنصرة. فسماع الإلهية يوجب الهيبة والاصطلام ، وسماع الرحمة يوجب القربة والإكرام. وكلّ من لاطفه الحق سبحانه عند سماع هذه الآية ردّه بين صحو ومحو ، وبقاء وفناء ، فإذا كاشفه بنعت الإلهية أشهده جلاله ، فحاله محو. وإذا كاشفه بنعت الرحمة أشهده جماله فحاله صحو :

أغيب إذا شهدتك ثم أحيا

فكم أحيا لديك وكم أبيد

قوله جل ذكره : (الم (١))

هذه الحروف المقطعة فى أوائل السورة من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ـ عند قوم ، ويقولون لكل كتاب سر ، وسر الله فى القرآن هذه الحروف المقطعة. وعند قوم إنها مفاتح أسمائه ، فالألف من اسم «الله» ، واللام يدل على اسمه «اللطيف» ، والميم يدل على اسمه «المجيد» و «الملك».

وقيل أقسم الله بهذه الحروف لشرفها لأنها بسائط أسمائه وخطابه.

وقيل إنها أسماء السور.

وقيل الألف تدل على اسم «الله» واللام تدل على اسم «جبريل» والميم تدل على اسم «محمد» صلى عليه وسلم ، فهذا الكتاب نزل من الله على لسان جبريل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والألف من بين سائر الحروف انفردت عن أشكالها بأنها لا تتصل بحرف فى الخط وسائر الحروف يتصل بها إلا حروف يسيرة ، فينتبه العبد عند تأمل هذه الصفة إلى احتياج الخلق بجملتهم إليه ، واستغنائه عن الجميع.

ويقال يتذكر العبد المخلص (١) من حالة الألف تقدّس الحق سبحانه وتعالى عن التخصص

__________________

(١) وردت في ص (المخلض) وهى خطأ من الناسخ.

٥٣

بالمكان ؛ فإن سائر الحروف لها محل من الحلق أو الشفة (١) أو اللسان إلى غيره من المدارج (٢) غير الألف فإنها هويته ، لا تضاف إلى محل.

ويقال الإشارة منها إلى انفراد العبد لله سبحانه وتعالى فيكون كالألف لا يتصل بحرف ، ولا يزول عن حالة الاستقامة والانتصاب بين يديه.

ويقال يطالب العبد فى سره عند مخاطبته بالألف بانفراد القلب إلى الله تعالى ، وعند مخاطبته باللام بلين جانبه فى (مراعاة) حقه ، وعند سماع الميم بموافقة أمره فيما يكلفه.

ويقال اختص كل حرف بصيغة مخصوصة وانفردت الألف باستواء القامة ، والتميز عن الاتصال بشىء من أضرابها من الحروف ، فجعل لها صدر الكتاب إشارة إلى أن من تجرّد عن الاتصال بالأمثال والأشغال حظى بالرتبة العليا ، وفاز بالدرجة القصوى ، وصلح للتخاطب بالحروف المنفردة التي هى غير مركبة ، على سنة الأحباب فى ستر الحال ، وإخفاء الأمر على الأجنبى من القصة ـ قال شاعرهم :

قلت لها قفى لنا قالت قاف

لا تحسبى أنّا نسينا لا يخاف

ولم يقل وقفت سترا على الرقيب ولم يقل لا أقف مراعاة لقلب الحبيب بل : «قالت قاف».

ويقال تكثر العبارات (٣) للعموم والرموز والإشارات للخصوص ، أسمع موسى كلامه فى ألف موطن ، وقال لنبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألف ... وقال عليه‌السلام : أوتيت جوامع الكلم (٤) فاختصر لى الكلام اختصارا» وقال بعضهم : قال لى مولاى : ما هذا الدنف؟

قلت : تهوانى؟ قال : لام الف

قوله جل ذكره : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)

__________________

(١) وردت فى ص (الشفق) وهى خطأ من الناسخ.

(٢) معناها المخارج ـ كما جاء فى الهامش.

(٣) وردت فى ص (العبادات) والأصح بالراء لأن القشيري فى مواضع كثيرة يقابل بين العبارة والإشارة.

(٤) وردت فى ص (القلم) وهى خطأ من الناسخ. وسيأتى تخريج الحديث فى هامش قريب.

٥٤

قيل ذلك الكتاب أي هذا الكتاب ، وقيل إشارة إلى ما تقدم إنزاله من الخطاب ، وقيل ذلك الكتاب الذي وعدتك إنزاله عليك يوم الميثاق.

لا ريب فيه ، فهذا وقت إنزاله. وقيل ذلك الكتاب الذي كتبت فيه الرحمة على نفسى لامتك ـ لا شك فيه ، فتحقق بقولي.

وقيل الكتاب الذي هو سابق حكمى ، وقديم قضائى لمن حكمت له بالسعادة ، أو ختمت عليه بالشقاوة لا شك فيه.

وقيل (حكمى الذي أخبرت أن رحمتى سبقت على غضبى لا شك فيه (١)).

وقيل إشارة إلى ما كتب فى قلوب أوليائه من الإيمان والعرفان ، والمحبة والإحسان ، وإن كتاب الأحباب عزيز على الأحباب ، لا سيما عند فقد اللقاء ، وبكتاب الأحباب سلوتهم وأنسهم ، وفيه شفاؤهم وروحهم ، وفى معناه أنشدوا :

وكتبك حولى لا تفارق مضجعى

وفيها شفاء للذى أنا كاتم

وأنشدوا :

ورد الكتاب بما أقرّ عيوننا

وشفى القلوب فنلن غايات المنى

وتقاسم الناس المسرة بينهم

قسما وكان أجلهم حظّا أنا (٢)

قوله جل ذكره : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)

أي بيانا وحجة ، وضياء ومحجة ، لمن وقاه الحق سبحانه وتعالى من ظلمات الجهل ، وبصّره بأنوار العقل ، واستخلصه بحقائق الوصل. وهذا الكتاب للأولياء شفاء ، وعلى الأعداء عمّى وبلاء. المتّقى من اتقى رؤية تقاه ، ولم يستند إلى تقواه ، ولم ير نجاته إلا بفضل مولاه.

قوله جل ذكره : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)

__________________

(١) ما بين القوسين تكملة استدرك بها الناسخ فأثبتها فى هامش الصفحة.

(٢) لم يكن الناسخ يظهر اهتماما بأبيات الشعر فوصلتنا رديئة الخط كثيرة الأخطاء فقمنا بتصحيحها بقدر الإمكان حتى تبدو ذات معنى ، وذلك استنادا إلى حالة لها اكثر ضبطا إما في مواضع أخرى من هذا الكتاب أو من كتب القشيري الأخرى.

٥٥

حقيقة الإيمان التصديق ثم التحقيق ، وموجب الأمرين التوفيق. والتصديق بالعقل والتحقيق ببذل الجهد ، فى حفظ العهد ، ومراعاة الحد. فالمؤمنون هم الذين صدّقوا باعتقادهم ثم الذين صدقوا فى اجتهادهم.

وأمّا الغيب فما يعلمه (١) العبد مما خرج عن حد الاضطرار ؛ فكل أمر دينى أدركه العبد بضرب استدلال ، ونوع فكر واستشهاد فالإيمان به غيبيّ. فالرب سبحانه وتعالى غيب. وما أخبر الحق عنه من الحشر والنشر ، والثواب والمآب ، والحساب والعذاب ـ غيب.

وقيل إنما يؤمن بالغيب من كان معه سراج الغيب ، وأن من أيّدوا ببرهان العقول آمنوا بدلالة العلم وإشارة اليقين ، فأوردهم صدق الاستدلال ساحات الاستبصار ، وأوصلهم صائب الاستشهاد إلى مراتب السكون ؛ فإيمانهم بالغيب بمزاحمة علومهم دواعى الريب. ومن كوشف بأنواع التعريف أسبل عليهم سجوف الأنوار ، فأغناهم بلوائح البيان عن كل فكر وروية ، وطلب بخواطر ذكية ، وردّ وردع لدواع ردية ، فطلعت شموس أسرارهم فاستغنوا عن مصابيح استدلالهم ، وفى معناه أنشدوا :

ليلى من وجهك شمس الضحى

وظلامه فى الناس سارى

والناس فى سدف الظلا

م ونحن فى ضوء النهار

وأنشدوا :

طلعت شمس من أحبّك ليلا

فاستضاءت ومالها من غروب

إن شمس النهار تغرب بالليل

وشمس القلوب ليست تغيب (٢)

ومن آمن بالغيب بشهود الغيب غاب فى شهود الغيب فصار غيبا يغيب.

وأمّا إقامة الصلاة فالقيام بأركانها وسننها ثم الغيبة (٣) عن شهودها برؤية من يصلّى له (٤)

__________________

(١) وردت (يعمله) والأرجح أن تكون (يعلمه) حتى تتلاءم مع طبيعة الغيب.

(٢) وردت (مما لها) ، (وتغيب بالليل) ، (ليت تغيب) وقد صححنا ذلك بما يتلاءم مع الوزن والمعنى

(٣) وردت (ثم الغيت) وهى خطأ من الناسخ والأصح (الغيبة) كما سنجد فى الهامش التالي.

(٤) القشيري هنا متأثر بفكرة الواسطي حينما دخل نيسابور وسأل أصحاب أبى عثمان : بماذا كان يأمركم شيخكم؟ فقالوا : كان يأمرنا بالتزام الطاعات ورؤية التقصير فيها. فقال «.... هلا أمركم بالغيبة عنها برؤية منشئها ومجريها» الرسالة ص ٣٤.

٥٦

فيحفظ عليه أحكام الأمر بما يجرى عليه منه ، وهو عن ملاحظتها محو ، فنفوسهم مستقبلة القبلة ، وقلوبهم مستغرقة فى حقائق الوصلة :

أرانى إذا صلّيت يمّمت نحوها

بوجهي وإن كان المصلّى ورائيا

أصلى فلا أدرى إذا ما قضيتها

أثنتين صليت الضحى أم ثمانيا؟

وإن أصحاب العموم يجتهدون عند افتتاح الصلاة ليردوا قلوبهم إلى معرفة ما يؤدون من الفرض ، ولكن عن أودية الغفلة ما يرجعون. أما أهل الخصوص فيردون قلوبهم إلى معرفة ما يؤدون ولكن عن حقائق الوصلة ما يرجعون ؛ فشتّان بين غائب يحضر أحكام الشرع ولكن عند أوطان الغفلة ، وبين غائب يرجع إلى أحكام الشرع ولكن عند حقائق الوصلة.

قوله جل ذكره : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)

الرزق ما تمكّن الإنسان من الانتفاع به ، وعلى لسان التفسير أنهم ينفقون أموالهم إمّا نفلا وإما فرضا على موجب تفصيل (١) العلم. وبيان الإشارة أنهم لا يدخرون عن الله سبحانه وتعالى شيئا من ميسورهم ؛ فينفقون نفوسهم فى آداب العبودية ، وينفقون قلوبهم على دوام مشاهدة الربوبية. فإنفاق أصحاب الشريعة من حيث الأموال ، وإنفاق أرباب الحقيقة من حيث الأحوال ، فهؤلاء يكتفى منهم عشرين بنصف ومن المائتين بخمس (٢) ، وعلى هذا السّنن جميع الأموال يعتبر فيه النّصاب. وأمّا أهل الحقائق فلو جعلوا من جميع أحوالهم ـ لأنفسهم ولحظوظهم ـ لحظة قامت عليهم القيامة.

[فصل] الزاهدون أنفقوا فى طريقة متابعة هواهم ، فآثروا رضاء الله على مناهم ، والعابدون أنفقوا فى سبيل الله وسعهم وقواهم ، فلازموا سرا وعلنا نفوسهم. والمريدون أنفقوا فى سبيله ما يشغلهم عن ذكر مولاهم فلم يلتفتوا إلى شىء من دنياهم وعقباهم. والعارفون أنفقوا فى سبيل الله ما هو سوى مولاهم فقرّبهم الحق سبحانه وأجزاهم ، وبحكم الإفراد به لقّاهم.

__________________

(١) وردت (تفضيل) ولا يرجحها السياق فالمقصود ما يفصله العلم من مقادير زكاة المال.

(٢) إشارة إلى ان زكاة الأموال مقدارها ربع العشر.

٥٧

[فصل] الأغنياء أنفقوا من نعمهم على عاقبتهم. والفقراء أنفقوا من هممهم على منابتهم (١) ويقال العبد بقلبه وببدنه وبماله ، فبإيمانهم بالغيب قاموا بقلوبهم ، وبصلاتهم قاموا بنفوسهم ، وبإنفاقهم قاموا بأموالهم ، فاستحقوا خصائص القربة من معبودهم ، وحين قاموا لحقّه بالكلية استوجبوا كمال الخصوصية.

قوله جلّ ذكره : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)

إيمانهم بالغيب اقتضى إيمانهم بالقرآن ، وبما أنزل الله من الكتب قبل القرآن ، ولكنه أعاد ذكر الإيمان هاهنا على جهة التخصيص والتأكيد ، وتصديق الواسطة صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى بعض ما أخبر يوجب تصديقه فى جميع ما أخبر ، فإن دلالة صدقه تشهد على الإطلاق دون التخصيص ، وإنما أيقنوا بالآخرة لأنهم شهدوا على الغيب فإن حارثة لما قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف أصبحت؟ قال : أصبحت مؤمنا بالله حقا ، وكأنى بأهل الجنة يتزاورون وكأنى بأهل النار يتعاوون (٢) وكأنى بعرش ربى بارزا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصبت فالزم.

وهذا عامر بن عبد القيس يقول : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا». وحقيقة اليقين التخلص عن تردد التخمين ، والتقصي عن مجوزات الظنون.

قوله جلّ ذكره : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)) يعنى على بيان

__________________

(١) من (أناب) وعند القشيري : التوبة بداية والأوبة نهاية والإنابة واسطتهما ، فكل من تاب لخوف عقوبة فهو صاحب توبة ؛ ومن تاب طمعا فى الثواب فهو صاحب إنابة ، ومن تاب مراعاة للأمر لا لرغبة في الثواب ، او رهبة من العقاب فهو صاحب اوبة (الرسالة ص ٥٠).

(٢) وردت (وكانى بأهل النار تعاويون) ووردت فى موضع آخر من الكتاب عند تفسير الآية ٤٩ من سورة البقرة (يتعادون). وبالرجوع إلى مصادر الحديث وجدناه على النحو التالي : «سأل النبي (ص) حارثة فقال : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ فقال : عزفت نفسى عن الدنيا ، فأسهرت ليلى ، واظمأت نهارى ، وكأنى انظر إلى عرش ربى بارزا ، وكأنى انظر إلى اهل الجنة يتزاورون ، وإلى اهل النار فى النار كيف يتعاوون. فقال له النبي (ص) : عرفت فالزم.».

البزاز بسند ضعيف عن انس ، والطبراني فى الكبير من حديث الحارث بن مالك ، وسنده ضعيف ايضا

٥٨

من ربهم ويقين وكشف وتحقيق ، وذلك أنه تجلّى لقلوبهم أولا بآياته ثم تجلّى لها بصفاته ثم تجلى لها بحقه وذاته.

وقوم (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) بدلائل العقول ؛ وضعوها فى موضعهما فوصلوا إلى حقائق العلوم ، وقوم على بصيرة ملاطفات التقريب فبمشاهدة الرحمة والكرم وصلوا إلى بيان اليقين ، وآخرون ظهرت الحقيقة لأسرارهم فشهدوا بالغيب حقيقة الصمدية ، فوصلوا بحكم العرفان إلى عين الاستبصار.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفلاح الظفر بالبغية (١) ، والفوز بالطلبة ، ولقد نال القوم البقاء فى مشهد اللقاء فظفروا بقهر الأعداء ، وهى غانمة (٢) النفوس من هواجسها ، ثم زلات القلوب من خواطرها (٣) ، فوقفوا بالحق للحق بلا واسطة من عقل ، أو رجوع إلى ذكر وفكر.

قوله جلّ ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

من كان فى غطاء وصفه محجوبا عن شهود حقه فالإشارة لنعته أنه سيان عنده قول من دلّه على الحق ، وقول من أعانه على استجلاب الحظ ، بل هو إلى دواعى الغفلة أميل ، وفى الإصغاء إليها أرغب. كيف لا؟ وهو بكىّ الفرقة موسوم ، وفى سجن الغيبة محبوس ، وعن محل القربة ممنوع ، لا يحصل منهم إيمان ، لأنه ليس لهم من الحق أمان ؛ فلمّا لم يؤمنوا لم يؤمنوا. حكم سبق من الله حتم ، وقول له فصل ، وإن القدرة لا تعارض ، ومن زاحم الحق فى القضية (٤) كبسته سطوات العزة ، وقصمته بواده (٥) الحكم.

ويقال إن الكافر لا يرعوى عن ضلالته لما سبق من شقاوته ، وكذلك المربوط بأغلال نفسه محجوب عن شهود غيبه وحقه ، فهو لا يبصر رشده ، ولا يسلك قصده. ويقال إن

__________________

(١) وردت فى ص (بالبغتة) وهى خطأ من الناسخ.

(٢) الغاغة مرعى البهائم.

(٣) يقول القشيري فى رسالته : إن الهاجس خاص بالنفس والخاطر خاص بالقلب ص ٤٦ ، ٤٧.

(٤) القضية هنا معناها القضاء.

(٥) البواده ما يفجأ القلب من الغيب على سبيل الوهلة (الرسالة ص ٤٤).

٥٩

الذي بقي فى ظلمات رعونته سواء عنده نصح المرشدين وتسويلات المبطلين ، لأن الله سبحانه وتعالى نزع عن أحواله بركات الإنصاف ، فلا يدرك بسمع القبول ، ولا يصغى إلى داعى الرشاد ، كما قيل :

وعلى النصوح نصيحتى

وعلىّ عصيان النصوح

ويقال من ضلّ عن شهود المنّة عليه فى سابق القسمة توهّم أن الأمر من حركاته وسكناته فاتّكل على أعماله ، وتعامى عن شهود أفضاله.

قوله جلّ ذكره : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

الختم على الشيء يمنع ما ليس فيه أن يدخله وما فيه أن يخرج منه ، وكذلك حكم الحقّ سبحانه بألا يفارق قلوب أعدائه ما فيها من الجهالة والضلالة ، ولا يدخلها شىء من البصيرة والهداية. على أسماع قلوبهم غطاء الخذلان ، سدّت تلك المسامع عن إدراك خطاب الحق من حيث الإيمان ، فوساوس الشيطان وهواجس النفوس شغلتها عن استماع خواطر الحق. وأمّا الخواص فخواطر العلوم وجولان تحقيقات المسائل فى قلوبهم شغلت قلوبهم عن ورود أسرار الحق عليهم بلا واسطة ، وإنما ذلك لخاص الخاص ، لذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد كان فى الأمم محدّثون فإن يكن فى أمتى فعمر» (١) فهذا المحدّث مخصوص من الخواص كما أن صاحب العلوم مخصوص من بين العوام. وعلى بصائر الأجانب غشاوة فلا يشهدون لا ببصر العلوم ولا ببصيرة الحقائق ، ولهم عذاب عظيم لحسبانهم أنهم على شىء ، وغفلتهم عما منوا من المحنة (و ...) (٢) فى الحال والمال (٣) ، فى العاجل فرقته ، وفى الآجل حرقته.

قوله جلّ ذكره : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)

__________________

(١) للحديث صورة أخرى «إن من أمتى مكلّمين ومحدّثين وإن عمر منهم».

(٢) مشتبهة فى ص.

(٣) والأرجح أنها (فى الحال والمآل) حتى تنسجم مع العاجل والآجل.

٦٠