لطائف الإشارات - ج ١

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

لطائف الإشارات - ج ١

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: الدكتور إبراهيم بسيوني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٤٥

ويقال يشكره لأنه يعلم ضعفه ، ويقال يشكره لأنه يعلم أنه لا يعصى وقصده مخالفة ربّه ولكنه يذنب لاستيلاء أحوال البشرية عليه من شهوات غالبة.

ويقال يشكره لأن العبد يعلم فى حالة ذنوبه أن له ربّا يغفر له.

قوله جل ذكره : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨))

قول المظلوم فى ظالمه ـ على وجه الإذن له ـ ليس بسوء فى الحقيقة ، لكنه يصح وقوع لفظة السوء عليه كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١) والجزاء ليس بسيئة.

ويقال من علم أن مولاه يسمع استحيا من النطق بكثير مما تدعو نفسه إليه.

ويقال الجهر بالسوء هو ما تسمعه نفسك منك فيما تحدّث فى نفسك من مساءة الخلق ؛ فإن الخواص يحاسبون على ما يتحدثون فى أنفسهم (٢) بما (يعد) (٣) لا يطالب به كثير من العوام فيما يسمع منهم الناس.

قوله : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) : قيل ولا من ظلم. وقيل معناه ولكن من ظلم فله أن يذكر ظالمه بالسوء (٤).

ويقال من لم يؤثر مدح الحقّ على القنح فى الخلق فهو المغبون فى الحال.

ويقال من طالع الخلق بعين الإضافة إلى الحق بأنهم عبيد الله لم ينبسط فيهم لسان اللوم ؛

__________________

(١) الآية ٤٠ سورة الشورى.

(٢) من ذلك ما يحكيه القشيري فى كتابه «التحبير فى التذكير» عن الشبلي حيث يقول : «قال بعضهم كنت مع الشبلي ـ رحمه‌الله ـ ففتح له بمنديل حسن فمر بكلب ميت فقال لى : كفن هذا الكلب بهذا المنديل. وعدت إليه فقال لى فعلت ما أمرتك به؟ فقلت : لا. فلم يقل لى شيئا فقلت له : ما سبب ذلك الذي أمرتنى به؟ فقال : عند ما مررت به استقذرته واستقبحته ، فنوديت في سرى : ألسنا نحن خلقناه؟ فأمرتك بذلك كفارة لما خطر لى».

(٣) ربما كانت هذه اللفظة (يعد) زائدة ، أو سقطت (لا) قبلها فيكون معنى (لا يعد) لا يحسب ولا يعتبر.

(٤) عن ابن عباس : إن الله لا يحب أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له. وعن الحسن البصري يكفى أن يقول المظلوم «اللهم أعنى عليه واستخرج حقى منه» وفى رواية عنه أنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدى عليه.

٣٨١

يقول الرجل لصاحبه : «أنا أحتمل من (....) (١) خدمتك حرمة لك ما لا أحتمله من ولدي» ، فإذا كان مثل هذا معهودا بين الخلق فالعبد بمراعاة هذا الأدب ـ بينه وبين مولاه ـ أولى.

ويقال لا يحب الله الجهر بالسوء من القول من العوام ، ولا يحب ذلك بخطوره (٢) من الخواص.

ويقال الجهر بالسوء من القول من العوام أن يقول فى صفة الله ما لم يرد به الإذن والتوفيق.

والجهر بالسوء من القول فى صفة الخلق أن تقول ما ورد الشرع بالمنع منه ، وتقول فى صفة الحق ما لا يتصف به فإنك تكون فيه كاذبا ، وفى صفة الخلق عن الخواص ما اتصفوا به من النقصان ـ وإن كنت فيه صادقا.

قوله (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) : سميعا لأقوالكم ، عليما بعيوبكم ، يعنى لا تقولوا للأغيار ما تعلمون أنكم بمثابتهم.

ويقال سميعا لأقوالكم عليما ببراءة ساحة من تقوّلتم عليه ، فيكون فيه تهديد للقائل ـ لبرىء الساحة ـ بما يتقوّل عليه.

ويقال سميعا : أيها الظالم ، عليما : أيها المظلوم ؛ تهديد لهؤلاء وتبشير لهؤلاء.

قوله جل ذكره : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩))

(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) تخلقا بآداب الشريعة ، وتخفوه تحققا بأحكام الحقيقة.

(أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) أخذا من الله ما ندبكم إليه من محاسن الخلق.

(فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) لعيوبكم (قَدِيراً) على تحصيل محبوبكم وتحقيق مطلوبكم.

ويقال إن تبدوا خيرا لتكونوا للناس قدوة فيما تسنّون وما تعينون غيركم على ما يهدون به من سلوك سنّتكم ، وإن تخفوه اكتفاء بعلمه ، وصيانة لنفوسكم عن آفات التصنّع ، وثقة

__________________

(١) مشتبهة.

(٢) أي (بأن يخطر عليهم خاطر) فعقوبة العوام على النطق والقول وعقوبة الخواص على (الخاطر)

٣٨٢

بأن (١) من تعملون (٢) له يرى ذلك ويعلمه منكم ، وإن تعفوا عن سوء أي تتركوا ما تدعوكم إليه نفوسكم (٣) فالله يجازيكم بعفوه على ما تفعلون ، وهو قادر على أن يبتليكم بما ابتلى به الظالم ، فيكون تحذيرا لهم من أن يغفلوا عن شهود المنّة ، وتنبيها على أن يستعيذوا أن يسلبوا العصمة ، وأن يخذلوا حتى يقعوا فى الفتنة والمحنة.

ويقال إن تبدوا خيرا فتحسنوا إلى الناس ، أو تخفوه بأن تدعوا لهم فى السرّ ، أو تعفوا عن سوء إن ظلمتم.

ويقال من أحسن إليك فأبد معه خيرا جهرا ، ومن كفاك شرّه فأخلص بالولاء والدعاء له سرّا ، ومن أساء إليك فاعف عنه كرما وفضلا ؛ تجد من الله عفوه عنك عما ارتكبت ، فإن ذنوبك أكثر ، وهو قادر على أن يعطيك من الفضل والإنعام ما لا تصل إليه بالانتصاف من خصمك ، وما تجده بالانتقام (٤).

قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١))

أخبر عنهم أنهم أضافوا إلى قبيح كفرهم ما عدّ من ذميم فعلهم ، ثم بيّن أنه

__________________

(١) أخطا الناسخ فكتبها (باب).

(٢) مستدركة في الهامش (تعلمون) لأنها فى المتن (تعلمون) والصواب ما جاء فى الهامش.

(٣) إشارة القشيري هنا فى حاجة منا إلى تدبر ، فهو يبدأ أولا بالنفس ، ثم ينتقل إلى الناس ، ذلك لأنه حسب ما نعرف عنه يعتبر صراعك مع نفسك هو الميدان الأول الذي ينبغى أن تحارب فيه أهواءك وأطماعك ودعواك ؛ هى أعدى أعدائك ، ثم تأتى من بعد ذلك علاقاتك خارج نفسك أي مع الناس.

(٤) واضح من هذا مقدار ما يتمتع به الصوفية من رحابة الصدر ولين الجانب وسماحة الطبع.

٣٨٣

ضاعف (١) من عذابهم ما كان جزاء جرمهم ، لتعلم أنه لأهل الفساد بالمرصاد.

قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢))

لما آمنوا بجميع الرسل ، وصدقوا فى جميع ما أمروا به استوجبوا القبول وحسن الجزاء. وتقاصر الإيمان عن بعض الأعيان كتقاصره عن بعض الأزمان ، فكما أنه لا يقبل إيمان من لم يستغرق إيمانه جميع (....) (٢) إلى آخر ما له ـ كذلك لا يقبل إيمان من لم يستغرق إيمانه جميع (من) (٣) أمر بالإيمان به ؛ إذ جعل ذلك شرط تحقيقه وكماله. فالإشارة فى هذا أن من لم يخرج عن عهدة الإلزام بالكلية فليس له من حقيقة الوصل شظية ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحجّ عرفة» (٤) فمن قطع المسافة ـ وإن كان من فج عميق ـ ثم بقي عن عرفات بأدنى بقية لم يدرك الحج.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (٥)

قوله جل ذكره : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا

__________________

(١) وردت (أضعف) وهى خطأ من الناسخ ، ولا بد أن تكون (ضاعف) العذاب لأن جزاء الكافرين عذاب مهين وهو الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروى.

(٢) مشتبهة.

(٣) نرجح أنها في الأصل (ما) أمر بالإيمان به منعا للبس ، ويمكن أن تقبل (من) على أنها مرتبطة بالرسل.

(٤) «الحج عرفه من جاء قبل طلوع الفجر من ليلة فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه (الامام أحمد فى مسنده وأبو عدى فى الكامل والحاكم فى مستدركه والبيهقي فى السنن) ٣٥٨ / ٢ منتخب كنز العمال.

(٥) «المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شىء».

مفتاح كنوز السنة (مادة العتق) للدكتور ا. فنسنك ط لجنة ترجمة دائرة المعارف الاسلامية ، ومراجعه سنن أبى داود كتاب ٢٨ باب ١ وسنن ابن ماجه كتاب ١٩ باب ٣ وموطأ مالك كتاب ٣٩ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٧٨ ، ١٨٤.

٣٨٤

اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣))

اشتملت الآية على جنسين من قبيح ما فعلوه : أحدهما سؤالهم الرؤية والثاني عبادة العجل بعد ما ظهرت لهم الآيات الباهرة.

فأمّا سؤالهم الرؤية فذمّوا عليه لأنهم اقترحوا عليه ذلك بعد ما قطع عذرهم بإقامة المعجزات ، ثم طلبوا الرؤية لا على وجه التعليم ، أو على موجب التصديق به ، أو على ما تحملهم عليه شدة الاشتياق ، وكل ذلك سوء أدب.

الإشارة فيه أيضا أن من يكتفى بأن يكون العجل معبوده ـ متى ـ يسلم له أن يكون الحقّ مشهوده؟

ويقال القوم لم يباشر العرفان أسرارهم فلذلك عكفوا بعقولهم (١) على ما يليق بهم من محدود جوّزوا أن يكون معبودهم.

قوله جل ذكره : (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً).

حجة ظاهرة ، بل تفردا صانه من التمثيل والتعطيل.

والسلطان المبين التحصيل والتنزيه المانع من التعطيل والتشبيه.

ويقال السلطان المبين القوة بسماع الخطاب من غير واسطة.

__________________

(١) هذا كلام له أهمية قصوى فى تحديد مدى تقدير القشيري لقيمة العقل.

فنحن نعرف من مذهبه فى المعرفة أن العقل يعول عليه فقط فى البداية ، يقول في رسالته ص ١٩٧ (تجب البداءة بتصحيح اعتقاد بين العبد وبين الله تعالى صاف عن الظنون والشبه خال من الضلال والبدع صادر عن البراهين والحجج) ولكن العقل بعدئذ غير جدير بمواصلة الصعود إلى ما هو أعلى من ذلك لأنه يصاب بآفات (التجويز والتحير والتوهم والتحدد) ويناط بغير العقل من الملكات الأخرى وهى القلب والروح والسر وعين السر أو سر السر أن تواصل القصود نحو الذرى العليا. فما أشبه الذين يريدون تطبيق الوسائل العقلية على الربوبية بمن عبدوا العجل! وعكفوا بعقولهم على المحدود!

٣٨٥

ويقال السلطان المبين لهذه الأمة غدا ، وهو بقاؤهم فى حال لقائهم ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تضامون فى رؤيته» (١) ـ فى خبر الرؤية.

قوله جل ذكره : (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤))

ما زادهم فى الظاهر آية إلا زادوا فى قلوبهم جحدا ونكرا ، فلم تنفعهم زيادة نصيب الإعلام ؛ لمّا لم تنفتح لشهودها بصائر قلوبهم ، قال تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٢).

قوله جل ذكره : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥))

معناه لارتكابهم هذه المناهي ، ولا تصافهم بهذه المخازي ، أحللناهم منازل الهوان ، وأنزلنا بهم من العقوبة فنون الألوان.

ويقال لحقهم شؤم المخالفات حالة بعد حالة ، لأن من عقوبات المعاصي الخذلان لغيرها من ارتكاب المناهي ؛ فبنقضهم الميثاق ، ثم لم يتوبوا ، جرّهم إلى كفرهم بالآيات ، ثم لشؤم كفرهم خذلوا حتى قتلوا أنبياءهم ـ عليهم‌السلام ـ بغير حق ، ثم لشؤم ذلك تجاسروا حتى ادّعوا شدة التفهّم ، وقالوا : قلوبنا أوعية العلوم ، فردّ الله عليهم وقال : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) فحجبهم عن محلّ العرفان ، فعمهوا فى ضلالتهم.

__________________

(١) «... إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر» البخاري كتاب ٩ باب ١٥ و ٢٦ وكتاب ٦٥ سورة ٤ مفتاح كنوز السنة ص ٥٧.

(٢) آية ١٠١ سورة يونس

٣٨٦

قوله جل ذكره : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨))

مجاوزة الحدّ ضلال ، كما أن النقصان والتقاصر عن الحقّ ضلال ، فقوم (١) تقوّلوا على مريم ورموها بالزنا ، وآخرون جاوزوا الحدّ فى تعظيمها فقالوا : ابنها ابن الله ، وكلا الطائفتين وقعوا فى الضلال.

ويقال مريم ـ رضى الله عنها ـ كانت وليّة الله ، فشقى بها فرقتان : أهل الإفراط وأهل التفريط. وكذلك كان أولياؤه ـ سبحانه ـ فمنكرهم يشقى بترك احترامهم ، والذين يعتقدون فيهم ما لا يستوجبونه يشقون بالزيادة فى إعظامهم ، وعلى هذه الجملة درج الأكثرون من الأكابر.

قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ) ... (يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ).

قوله تعالى : (وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) .... (عَزِيزاً حَكِيماً) قيل أوقع الله شبهه (٢) على الساعي به فقتل وصلب مكانه ، وقد قيل : من حفر بئرا لأخيه وقع فيها (٣)

__________________

(١) أخطأ الناسخ فكتبها (فقوموا).

(٢) وردت (شبهة) بالتاء المربوطة والصواب (شبهه).

(٣) اختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقى على جميع أصحابه ، وكانوا اثنى عشر رجلا (ذكر أسماءهم) ومنهم ليودس زكريا يوطا. ويقول ابن اسحق (نقلا عن رواية نصرانية) أن ليودس مقابل ثلاثين درهما هو الذي دل الأعداء على عيسى بأن قبّله ساعة دخولهم فأخذوه فصلبوه. انتهت الرواية.

تعليق : هذه الرواية التي اعتمد عليها ابن اسحق تتفق مع ما جاء فى الأناجيل الأربعة وليودس هذا هو يهوذا الاسخريوطى.

٣٨٧

وقيل إن عيسى عليه‌السلام قال : من رضى بأن يلقى عليه شبهى فيقتل دونى فله الجنة ، فرضى به بعض أصحابه (١) ، فيقال لمّا صبر على مقاساة التلف لم يعدم من الله الخلف (٢) ، قال الله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (٣).

ويقال لمّا صحّت صحبة الرجل مع عيسى ـ عليه‌السلام ـ بنفسه صحبه بروحه ، فلمّا رفع عيسى ـ عليه‌السلام ـ إلى محل الزلفة ، رفع روح هذا الذي فداه بنفسه إلى محل القربة (٤).

قوله جل ذكره : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩))

لما حكم بأن لا أمان لهم فى وقت اليأس لم ينفعهم الإيمان فى تلك الحالة ، فعلم أنّ العبرة بأمان الحقّ لا بإيمان العبد.

قال جل ذكره : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١))

__________________

(١) عن ابن اسحق عن رجل كان نصرانيا وأسلم أنه ذكر له أن عيسى حين جاءه من الله إنى رافعك قال يا معشر الحواريين : أيكم يحب أن يكون رفيقى في الجنة حتى يشبه للقوم فى صورتى فيقتلوه فى مكانى فقال أحدهم واسمه سرجس : أنا يا روح الله. قال : فاجلس فى مجلسى فجلس فيه ، ورفع عيسى (عم) فدخلوا على سرجس وصلبوه.

وفى رواية لسعيد بن جبير عن ابن عباس اتفاق كبير مع ذلك دون ذكر اسم (سرجس).

(٢) أخطأ الناسخ إذ نقلها (الخلق) بالقاف.

(٣) آية ٣٠ سورة الكهف.

(٤) فى تعبير القشيري ذكاء ، ففى حالة عيسى قال (رفع) دون أن يحدد كيفية الرفع ، أبا الجسد أم بالروح أم بهما معا ، وفى حالة الثاني قال (رفع روحه) ، ونفهم ـ من حيث المصطلح ـ أن الزلفة أقوى من القربة.

٣٨٨

يقال ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المباحات.

فمن ركب محظورا بظاهره حرم (١) ما كان يجده من الأحوال المباحة ، والألطاف الحاصلة فى سرائره.

قوله جل ذكره : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))

الراسخ فى العلم هو ألا يكون فى الدليل مقلّدا ، كما لا يكون فى الحكم مقلدا ، بل يضع النظر موضعه إلى أن ينتهى إلى حد لا يكون للشكّ فى عقله مساغ.

ويقال الراسخ فى العلم من يرتقى عن حد تأمل البرهان (٢) ويصل إلى حقائق البيان.

ويقال الراسخ فى العلم أن يكون بعلمه عاملا حتى يفيد عمله علم ما خفى على غيره ، ففى الخبر : «من عمل بما علمه ورّثه الله علم ما لم يعلم» (٣).

وخصّ (الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) فى الإعراب فنصب اللفظ بإضمار أعنى على المدح لما للصلاة من التخصيص من بين العبادات لأنها تالية الإيمان فى أكثر المواضع فى القرآن ، ولأن الله

__________________

(١) أخطأ الناسخ حين كتبها (جرم) بالجيم والصواب أن تكون بالحاء لارتباطها بتحريم المباحات فيما سبق.

(٢) أي ينبغى ألا يعكف الإنسان على العقل وحده بل عليه أن يرتقى عن هذا الحد.

(راجع الهامش الذي يتناول هذه القضية من هذا الكتاب)

(٣) أورده أبو نعيم فى حلية الأولياء عن أنس بن مالك.

ويرى أبو نصر السراج أن هذا العلم الموروث هو علم الاشارة ، فيكشف الله سبحانه لقلوب أصفيائه المعاني المذخورة ، واللطائف والأسرار المخزونة وغرائب العلوم وطرائف الحكم فى معانى القرآن ... اللمع ص ١٤٧ (كتاب المستنبطات).

٣٨٩

ـ سبحانه ـ أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (بها) (١) ليلة المعراج بغير واسطة جبريل عليه‌السلام ... وغير هذا من الوجوه.

قوله تعالى (أَجْراً عَظِيماً) : الأجر العظيم هو الذي يزيد على قدر الاستحقاق بالعمل.

قال جلّ ذكره : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣))

إفراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنبياء بالإيمان لإفرادهم بالتخصيص والفضيلة ؛ فأفرد نوحا على ما استحقه من المقام وأفرد رسولنا عليه‌السلام على ما استحقه هو ، فاشتركا فى الإفراد لكنهما تباينا فى الفضيلة على حسب المقام ، فتفرّد واحد من بين أشكاله بغير فضائل ، وتفرّد آخر من بين أضرابه (٢) بألف فضيلة.

قوله جل ذكره : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤))

سنّة الله فى أوليائه ستر قوم ، وشهر قوم ، وبذلك جرت سنّته أيضا فى الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ أظهر أسماء قوم وأجمل تفصيل آخرين. والإيمان واجب بجميع الأنبياء جملة وتفصيلا ، كما أن الاحترام واجب لجميع الأولياء جملة وتفصيلا ، وكذلك أحوال العباد ستر عليهم بعضا وأظهر لهم بعضها ، فما أظهرها لهم ـ طالبهم بالإخلاص فيها ، وما سترها

__________________

(١) إضافة وضعناها ليتماسك المعنى.

(٢) وردت (أخرابه) بالخاء وهى خطأ فى النسخ والصواب (أضرابه) أي (أشكاله) التي سبقت ، والفقرة كلها غير واضحة ، وقد أثبتناها كما هى.

٣٩٠

عليهم ـ فلأنه غار (١) على قلوبهم من ملاحظة أحوالهم تأهيلا لهم للاختصاص بحقائق أفردهم بمعانيها.

(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) : إخبار عن تخصيصه إياه باستماع كلامه بلا واسطة.

قوله جل ذكره : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)

وقف الخلق عند مقاديرهم ؛ وبيّن أنه أرسل إليهم الرسل فتفردوا عليهم إلى اجتباء ثوابهم ، واجتناب ما فيه استحقاق عذابهم ، وأنه ليس للخلق سبيل إلى راحة يطلبونها ولا إلى آفة يجتنبونها إما فى الحال أو فى المآل.

قوله جل ذكره : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً).

أنّى يكون لمن له إلى الله حاجة على الله حجّة؟! ولكنّ الله خاطبهم على حسب عقولهم.

قوله جل ذكره : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦))

سلّاه الله عن تكذيب الخلق إياه بما ذكره من علم الله بصدقه ، ولذلك قال : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).

قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩))

__________________

(١) عن أبى هريرة قال : قال رسول الله (ص) : إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي العبد المؤمن ما حرّم الله تعالى عليه ، الرسالة ص ١٢٦ وقال القشيري : إذا وصف الحق سبحانه بالغيرة فمعناه أنه لا يرضى بمشاركة الغير معه فيما هو حق له من طاعة عبده. (الرسالة نفس الصفحة).

٣٩١

جعل صدّهم المؤمنين (من) (١) اتباع الحقّ نظير كفرهم بالله ، والله تعالى عظّم حقوق أوليائه كتعظيم حقّ نفسه ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) جعل ظلمهم سبيل كفرهم ، فعلّق استحقاق العقوبة المؤبّدة عليها جميعا. والظلم ـ وإن لم يكن كالكفر فى استحقاق وعيد الأبد ـ فلشؤم الظلم لا يبعد أن يخذله الله حتى يوافى ربّه على الكفر.

قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))

(يا أَهْلَ الْكِتابِ) : أخبر أنه سبحانه غنى عنهم ، فإن آمنوا فحظوظ أنفسهم اكتسبوها وإن كفروا (٢) فبلاياهم لأنفسهم اجتلبوها. والحقّ ـ تعالى ـ منزّه الوصف عن (الجهل) (٣) لوفاق أحد ، والنقص لخلاف أحد.

قوله : (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى إن خرجوا عن استعمال العبودية ـ فعلا ، لم يخرجوا عن حقيقة كونهم عبيده ـ خلقا ، قال تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٤).

قوله جل ذكره : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ

__________________

(١) ربما كانت (عن) فهكذا فى الآية الكريمة.

(٢) فى النسخة (وإن لم تكفروا) ولكنها مصححة باستدراك فى الهامش (وإن كفروا) وهو الأصوب.

(٣) نظن أن الناسخ قد أخطأ فى نقل هذه الكلمة فان من عادة القشيري فى مثل هذا السياق أن يذكر أن طاعة المطيع ليست زينا للحق ؛ ومعصية العاصي ليست شينا له ، لأجل هذا نرجح أن العبارة هنا تستقيم لو كانت (والحق تعالى منزه الوصف عن الكمال لوفاق أحد وعن النقص لخلاف أحد).

(٤) آية ٩٣ سورة مريم.

٣٩٢

فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١))

غلوّهم فى دينهم جريهم على مقتضى حسبانهم ؛ حيث وصفوا ـ بمشابهة الخلق ـ معبودهم ، ثم مناقضتهم ؛ حيث قالوا الواحد ثلاثة والثلاثة واحد (١) ، والتمادي فى الباطل لا يزيد غير الباطل.

قوله جل ذكره : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢))

كيف يستنكف عن عبوديته وبالعبودية شرفه ، وكيف يستكبر عن التذلّل وفى استكباره تلفه ، ولهذا الشأن نطق المسيح أول ما نطق بقوله : إنى عبد الله ، وتجمّل العبيد فى التذلل للسّادة ، هذا معلوم لا تدخله ريبة (٢).

وقوله : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) لا يدل على أنهم أفضل من المسيح ، لأنه إنما خاطبهم على حسب عقائدهم ، والقوم اعتقدوا تفضيل الملائكة على بنى آدم.

__________________

(١) الثلاثة إما أن يكون مقصودا منها : الله والمسيح ومريم ، وإما ـ كما ورد فى الأناجيل ـ الأب والابن والروح القدس ، وسواء انصرفت إلى هؤلاء أم إلى أولئك فانه شرك محض تولى القرآن الكريم تفنيده فى مواضع شتى.

(٢) وردت (رتبة) ولا نحسب أن لها معنى هنا ، ونرجح أنها فى الأصل (ريبة) أي هذا معلوم لا شك فيه.

٣٩٣

قوله جل ذكره : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣))

العذاب الأليم ألا يصلوا إليه (١) أبدا بعد ما عرفوا جلاله ، فإذا صارت معارفهم ضرورية (٢) فإنهم يعرفون أنهم عنه بقوا (٣) ، فحسراتهم حينئذ على ما فاتهم أشدّ عقوبة لهم.

قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤))

البرهان مالاح فى سرائرهم من شواهد الحق.

قوله جل ذكره : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً).

وهو خطابه الذي فى تأملهم معانيه حصول استبصارهم.

قوله جل ذكره : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥))

(٤) (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) : والسين للاستقبال أي يحفظ عليهم إيمانهم فى المآل (٥) عند التوفى ، كما أكرمهم بالعرفان والإيمان فى الحال.

قوله جل ذكره : (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً).

__________________

(١) أي يقطع بينهم وبين رؤيته سبحانه ، وفى هذا يقول ذو النون (خوف النار إذا قيس إلى خوف القطع عن المحبوب كقطرة الماء تقذف فى أعظم المحيطات.

ويقول بعضهم : إلهى إذا شئت أن تعذبنى فألق بي إلى النار ولا تعذبنى بذل الحجاب.

(٢) قلنا من قبل فى هامش سابق ـ نقلا عن مذهب القشيري : إن المعرفة فى البداية كسبية وفى الانتهاء ضرورية ، ومعنى الكلام هنا أنهم يحرمون من أعظم الأشياء متعة بعد ما لاحت لهم بعض المعارف ... وذلك غاية فى التعذيب.

(٣) (عنه بقوا) البقاء عن الله سبحانه أشد أنواع العقاب.

(٤) سقطت (بالله) من الناسخ فأثبتناها فى موضعها.

(٥) وردت (المال) ويلزم وضع المد على الألف لتكون (المآل) وقد تكرر هذا فى مواضع كثيرة فيما سبق.

٣٩٤

هذه الهداية هى إكرامهم بأن عرفوا أن هذه الهداية من الله لهم فضل لا لأنهم استوجبوها بطلبهم وجهدهم ، ولا بتعبهم وكدّهم (١).

قوله جل ذكره : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦))

قطع الخصومة بينهم فى قسمة (٢) الميراث فيما أظهر لهم من النصّ على الحكم ، فإن المال محبّب إلى الإنسان ، وجبلت النفوس على الشحّ ؛ فلو لم ينص على مقادير الاستحقاق (لقابلة الأشباه) (٣) فى الاجتهاد ، فكان يؤدى ذلك إلى التجاذب والتواثب ؛ فحسم تلك الجملة بما نصّ على المقادير فى الميراث قطعا للخصام. ولتوريثه للنسوان ـ وإن لم يوجد منهن الذبّ عن العشيرة ـ دلالة على النظر لضعفهن. وفى تفضيل الذكور عليهن لما عليهم من حمل (٤) المؤن وكذا السعى فى تحصيل المال ، والقيام عليهن.

__________________

(١) يهدف القشيري دائما إلى أن يعود بكل شىء إلى فضل الله ، وأن يشعر العبد دائما بأن عمله ليس وحده كافيا للنجاة ، فاذا طالع العبد نفسه فى شىء ما ففى ذلك وبال عليه.

(٢) وردت (بالصاد) والصواب أن تكون بالسين ، وربما كانت (قضية) فى الأصل.

(٣) هكذا فى النسخة (ص) ونرجح أنها فى الأصل (لقابله الاشتباه) فى الاجتهاد اى ان النص على المواريث أزال كل اشتباه ينجم عن الاجتهاد.

(٤) وردت (يحمل) ونرجح أنها فى الأصل : (حمل) فقبلها جار.

(حاشية) لم يتعرض القشيري لمعنى (الكلالة) ولقد كنا نود لو أوضح الرأى فيها ، خصوصا وأن موضوعها منبهم ، وتسمى هذه الآية الأخيرة من سورة النساء بآية الصيف ، قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم حدثنا مالك يعنى ابن مغول يقول سمعت الفضل بن عمرو عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الكلالة فقال : «يكفيك آية الصيف» فقال لأن أكون سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنها أحب إلى من ان يكون لى حمر النعم.

٣٩٥

السورة التي تذكر فيها المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم

سماع اسم الله يوجب الهيبة ، (والهيبة) (١) تتضمن الفناء والغيبة ، وسماع الرحمن الرحيم يوجب الحضور والأوبة ، والحضور يتضمن البقاء والقربة.

فمن أسمعه (بِسْمِ اللهِ) أدهشه فى كشف جلاله ، ومن أسمعه (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) عيّشه بلطف أفضاله.

قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

«يا» حرف نداء ، و «أي» اسم منادى ، «ها» تنبيه ، و (الَّذِينَ آمَنُوا) صلة المنادى. ناداهم قبل أن بداهم ، وسمّاهم قبل أن براهم ، وأهّلهم فى آزاله لما أوصلهم إليه فى آباده.

شرّفهم بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، وكلّفهم بقوله (أَوْفُوا) ، ولما علم أن التكليف يوجب المشقة قدّم التشريف بالثناء على التكليف الموجب للعناء.

ويقال الإيمان صنفان : أحدهما يشير إلى عين الجود ، والثاني إلى بذل المجهود. فبذل المجهود خدمتك ، وعين الجود قسمته ؛ فبخدمتك عناء الأشباح ، وبقسمته ضياء الأرواح.

وحقيقة الإيمان تحقق القلب بما أخبر من الغيب.

ويقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : يا من دخلوا فى إيمانى ، ما وصلتم إلى أمانى إلا بسابق إحسانى.

ويقال يا من فتحت بصيرتهم لشهود حقى حتى لا يكونوا كمن أعرضت عنهم من خلقى.

__________________

ـ وذكر الإمام أحمد بإسناد آخر أكثر صحة مما سبق.

ومن الأقوال التي ذكرت عن الكلالة انها مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جوانبه ولهذا فسرها اكثر العلماء بمن يموت وليس له ولد ، ومن الناس من يقول الكلالة من لا ولد له كما دلت عليه الآية (إن امرؤ هلك ليس له ولد).

(١) أضفناها لأن السياق يستدعيها ، إذ نرجح أنها سقطت فى النسخ.

٣٩٦

قوله جل ذكره : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

كلّ مكلّف مطالب بالوفاء بعقده ، والعقد ما ألزمك بسابق إيجابه ، ثم وفّقك ـ بعد ما أظهرك عند خطابه ـ بجوابه (١) ، فانبرم العقد بحصول الخطاب ، والقبول بالجواب.

ويدخل فى ذلك ـ بل يلتحق به ـ ما عقد القلب معه سرّا بسرّ ؛ من خلوص له أضمره ، أو شىء تبيّنه ، أو معنى كوشف به أو طولب به فقبله.

ويقال الوفاء بالعهد بصفاء القصد ، ولا يكون ذلك إلا بالتبرّى من المنّة ، والتحقق بتولي الحق ـ سبحانه ـ بلطائف المنّة (٢).

قوله جل ذكره : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ).

تحليل بعض الحيوانات وإباحتها من غير جرم سبق منها ، وتحريم بعضها والمنع من ذبحها من غير طاعة حصلت منها ـ دليل على ألّا علّة لصنعه.

وحرّم الصيد على المحرم خصوصا لأن المحرم متجرّد عن نصيب نفسه بقصده إليه ، فالأليق بصفاته كفّ الأذى عن كل حيوان.

قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ).

لا حجر عليه فى أفعاله ، فيخصّ من يشاء بالنّعماء ، ويفرد من يشاء باليلوى ؛ فهو يمضى الأمور فى آباده على حسب ما أراد وأخبر وقضى فى آزاله.

قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ)

الشعائر معالم الدّين ؛ وتعظيم ذلك وإجلاله خلاصة الدين ، ولا يكون ذلك إلا بالاستسلام عند هجوم التقدير ، والتزام الأمر بجميل الاعتناق ، وإخلال الشعائر (يكون) بالإخلال بالأوامر.

قوله جل ذكره : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ).

__________________

(١) يشير القشيري إلى قوله تعالى يوم الذر : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى).

(٢) يفرّق القشيري بين المنة للعبد والمنة للحق.

٣٩٧

تعظيم المكان الذي عظّمه الله ، وإكرام الزمان الذي أكرمه الله. وتشريف الإعلام على ما أمر به الله ـ هو المطلوب من العبيد أمرا ، والمحبوب منه حالا.

قوله جل ذكره : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً).

وبالحرىّ لمن يقصد البيت ألا يخالف ربّ البيت.

والابتغاء للفضل والرضوان بتوقّى موجبات السخط ، ومجانبة العصيان.

قوله جل ذكره : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا).

وإذا خرجتم عن أمر حقوقنا فارجعوا إلى استجلاب حظوظكم ، فأمّا ما دمتم تحت قهر بطشنا فلا نصيب لكم منكم ، وإنكم لنا.

قوله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ...) أي لا يحملكم بغض قوم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام على ألا تجاوزوا حدّ الإذن فى الانتقام ، أي كونوا قائمين بنا ، متجردين عن كل نصيب وحظّ لكم.

قوله جل ذكره : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى).

البرّ فعل ما أمرت به ، والتقوى ترك ما زجرت عنه.

ويقال البرّ إيثار حقه ـ سبحانه ، والتقوى ترك حظّك.

ويقال البرّ موافقة الشرع ، والتقوى مخالفة النّفس.

ويقال المعاونة على البرّ بحسن النصيحة وجميل الإشارة للمؤمنين ، والمعاونة على التقوى بالقبض على أيدى الخطائين بما يقتضيه الحال من جميل الوعظ ، وبليغ الزجر ، وتمام المنع على ما يقتضيه شرط العلم.

والمعاونة على الإثم والعدوان بأن تعمل شيئا مما يقتدى بك لا يرضاه الدّين ، فيكون قولك الذي تفعله ويقتدى بك (فيه) سنّة تظهرها و (عليك) نبوّ وزرها. وكذلك المعاونة

٣٩٨

على البر والتقوى أي الاتصاف بجميل الخصال على الوجه الذي يقتدى بك فيه.

قوله جل ذكره : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).

العقوبة ما تعقب الجرم بما يسوء صاحبه. وأشد العقوبة حجاب المعاقب عن شهود المعاقب ؛ فإنّ تجرّع كاسات البلاء بشهود المبلى أحلى من العسل والشهد.

قوله جل ذكره : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)

وأكل الميتة أن تتناول من عرض أخيك على وجه الغيبة (١) ، وليس ذلك مما فيه رخصة بحال لا بالاضطرار ولا بالاختيار ، وغير هذا من الميتة مباح فى حال الضرورة.

ويقال كما أنّ فى الحيوان ما يكون المزكى منه مباحا والميتة منه حراما فكذلك من ذبح نفسه بسكاكين المجاهدات وطهّر نفسه ـ مباح قربه ، حلال صحبته. ومن ماتت نفسه فى ظلمة غفلته حتى لا إحساس له بالأمور الدينية فخبيثة نفسه ، محظور قربه ، حرام معاشرته ، غير مباركة صحبته.

وإنّ السلف سموا الدنيا خنزيرة ، ورأوا أنّ ما يلهى قربه ، وينسى المعبود ركونه ، ويحمل على العصيان جنوحه ـ فهو محرّم على القلوب ؛ ففى طريقة القوم حبّ الدنيا حرام على القلوب ، وإن كان إمساك بعضها حلالا على الأبدان والنفوس.

قوله جل ذكره : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ).

كما أنّ المذبوح على غير اسمه ليس بطيّب فمن بذل روحه فيه وجد روحه منه ، ومن تهارشته كلاب الدنيا ، وقلته مخالب الأطماع ، وأسرته مطالب الأغراض والأعراض ـ فحرام ماله على أهل الحقائق فى مذهب التعزز ، فللشريعة الظرف والتقدير.

وأمّا المنخنقة فالإشارة منه إلى الذي ارتبك فى حبال المنى والرغائب ، وأخذه خناق

__________________

(١) يشير القشيري بذلك إلى قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ...).

٣٩٩

الطمع ، وخنقته سلاسل (الحرص) (١) فحرام على السالكين سلوك خطتهم ، ومحظور على المريدين متابعة مذهبهم.

وأمّا الموقوذة فالإشارة منها إلى نفوس جبلت على طلب الخسائس حتى استملكتها كلها فهى التي ذهبت بلا عوض حصل منها ، وأمثال ذلك حرام على أهل هذه القصة.

والإشارة من المتردية إلى من هلك فى أودية التفرقة ، وعمى عن استبصار رشد الحقيقة ؛ فهو يهيم فى مفاوز الظنون ، وينهك فى متاهات المنى.

والإشارة من النطيحة إلى من صارع الأمثال ، وقارع الأشكال ، وناطح كلاب الدنيا فحطموه بكلب حرصهم ، وهزموه بزيادة تكلبهم ، وكذلك الإشارة من :

قوله جلّ ذكره : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ).

وأكيلة السبع ما ولغت فيه كلاب الدنيا ، فإن الدنيا جيفة ، وأكلة الجيف الكلاب ويستثنى منه المزكى وهو ما تقرر من متاع الدنيا لله ؛ لأن زاد المؤمن من الدنيا : ما كان لله فهو محمود ، وما كان للنّفس فهو مذموم.

قوله جل ذكره : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ).

فهو ما أرصد لغير الله ، ومقصود كلّ حريص ـ بموجب شرعه ـ معبوده من حيث هواه قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) يعنى اتخذ هواه إلهه.

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) ، الإشارة منه إلى كل معاملة ومصاحبة بنيت على استجلاب الحظوظ الدنيوية ـ لا على وجه الإذن ـ إذ القمار ذلك معناه. وقلّت المعاملات المجرّدة عن هذه الصفة فيما نحن فيه من الوقت.

قوله جل ذكره : (ذلِكُمْ فِسْقٌ).

أي إيثار هذه الأشياء انسلاخ عن الدّين.

__________________

(١) وردت (الحرس) وهى خطأ فى النسخ.

٤٠٠