عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

ولقاحا نحو أعطى إعطاء وعطاء يعني أنه مصدر على حذف الزوائد أو اسم مصدر ، والأصل فيه للإبل ثم يستعار في الشّياه ، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه لعماله : «أدرّوا لقحة المسلمين» (١) أراد درّة الفيء والخراج. استعار ذلك لحياتهم وحفظهم لها.

واللّقاح : الحيّ الذي لا يدين لأحد من الملوك ، كأنه يريد أن يكون حاملا لا محمولا.

ل ق ط :

قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)(٢) قال ابن عرفة : الالتقاط : وجود الشيء من غير طلب له ، وعليه قوله : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ)(٣) أي يجدوه على غير قصد منهم له. ومنه اللّقطة لأنّ واجدها لم يتحسّسها ، وأنشد لنقادة الأسدي (٤) : [من الرجز]

ومنهل وردته التقاطا

لم ألق إذ وردته فرّاطا

أي على غير قصد وطلب ، ومنه الحديث : «أنّ فلانا التقط شبكة» (٥) أي هجم عليها ، والشبكة : الآبار القريبة الماء.

ل ق ف :

قوله تعالى : (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا)(٦) أي تأخذه بقوة وسرعة من الهواء ، والمعنى : تلتقم وتبتلع. يقال : لقفت الشيء وتلقّفته والتقفته وتزقّفته : إذا أخذته من الهواء بسرعة. وقال بعضهم : تلقّفت الشيء وتلقّفته : إذا تناولته بالحذف سواء أكان تناوله بالفم أم باليد (٧). وقرىء «تلقّف» بفتح اللام وتشديد القاف من تلقّف ، والأصل تتلقّف ، فحذف

__________________

(١) المصدر السابق ، أراد عطاءهم.

(٢) ٨ / القصص : ٢٨.

(٣) ١٠ / يوسف : ١٢.

(٤) الرجز في اللسان ـ مادة لقط ، وفي الأصل : الأسلمي.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٦٤ ، وفيه أن فلانا هو رجل من بني تميم.

(٦) ٦٩ / طه : ٢٠.

(٧) في الأصل : أو باليد.

٤١

إحدى التاءين. و «تلقف» بسكون اللام وتخفيف القاف من لقف ، وهما بمعنى كما تقدّم.

وفلان تقف لقف ، أي ذو (١) فطنة وذكاء ، وقال الحجاج لإمرأة : «إنك لقوف صيود» (٢) أي تلقف الرجال.

ل ق م :

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)(٣) هو لقمان بن عاد (٤) الحكيم المشهور المختلف في نبوّته. والصحيح أنه ليس بنبيّ ، ولم يقل بنبوته إلا عكرمة ومن تابعه ، وقيل : كان عبدا / صالحا نوبيا فخيّر بين الحكمة والملك فاختار الحكمة فأوتيها. ويحكى أنّ سيده قال له وقد أمره بذبح شاة : ائتني بأطيب ما فيها. فأتاه بالقلب ، ثم قال له يوما آخر : ائتني بأخبث ما فيها. فأتاه بالقلب ، فقال له في ذلك ، فقال : إذا صلح هذا كان أطيبها وإذا خبث كان أخبثها ، فقال : لا جرم أنك حكيم. ويؤيد هذا كلام النبوة «إن في الجسد مضغة» (٥) الحديث. وصنع داود عليه‌السلام يوما درعا بحضرته فهمّ أن يسأل عن منفعتها ، ولم يكن يراها قبل ذلك ، فذكر أنّ من الصمت لحكما فصمت ، فلما فرغ داود عليه‌السلام قال : هذه درع حصينة تقي في سبيل الله. فقال : قد كفيت المسألة. فقال داود عليه‌السلام : لا جرم أنك سميت حكيما. وله حكايات مشهورة وآثار منشورة. وقد قصّ الله أحسنها في وصاياه المذكورة في كتابه العزيز. والظاهر أنه لا اشتقاق له لعجمته كنظائره. وقيل : هو مشتقّ من اللّقم وهو الأكل ؛ يقال : لقمت اللّقمة وتلقّمتها.

واللّقم : الطريق لأنه يلتقط السابلة أو لأنهم يلتقمونه ، كلّ ذلك على المجاز. وقيل : طرف الطريق.

واللقيم بمعنى الملتقم أو الملتقم حسبما تقدّم.

__________________

(١) وفي الأصل : ذا.

(٢) النهاية : ٤ / ٢٦٥.

(٣) ١٢ / لقمان : ٣١.

(٤) بياض في الأصل ، وانظر أخباره في كتابنا «معجم أعلام القرآن».

(٥) النهاية : ٤ / ٣٣٩ ، وفيه : «إن في ابن آدم مضغة».

٤٢

ل ق ي :

قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا)(١) اللقاء : مصادفة الشيء للشيء ومقابلته له معا ، يقال : لقيه يلقاه لقاء ولقيّا ولقيّا ولقية ولقية.

قوله تعالى : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا)(٢) أي وجدنا.

قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ)(٣) أي أخذها تلقّيا بجدّ واجتهاد. وقرىء برفع آدم ونصبه لأنّ من تلقّاك فقد تلقّيته ، إلا أنّ رفعه هو الظاهر (٤).

قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)(٥) قيل : الظنّ بمعنى العلم ، وقيل : هو على حذف مضاف ، أي ثواب ربّهم ، ويشكل عليه قوله : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٦). وتحقيق هذا في غير هذا الموضوع. وملاقاة الله عبارة عن المصير إليه ولقاء ثوابه وعقابه. وعبّر به عن يوم القيامة لأن فيه ذلك.

قوله : (بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)(٧) يعني يوم القيامة وما فيه من البعث والنّشور. وجزاء كلّ عامل بعمله.

قوله : (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً)(٨) قرىء مخفّفا أي يصادفون ، ويجازون بالتشديد من لقّاه كذا : إذا جازاه به (٩) قوله : (يَوْمَ التَّلاقِ)(١٠) يعني يوم القيامة ؛ سمي بذلك لأنه

__________________

(١) ١٤ / البقرة : ٢.

(٢) ٦٢ / الكهف : ١٨.

(٣) ٣٧ / البقرة : ٢.

(٤) الفراء : «آدم» مرفوع والكلمات في موضع نصب. وقد قرأ بعض القراء «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» فجعل الفعل للكلمات ، والمعنى ـ والله أعلم ـ واحد (معاني القرآن : ١ / ٢٨).

(٥) ٤٦ / البقرة : ٢.

(٦) تتمة الآية السابقة.

(٧) ١٤ / السجدة : ٣٢.

(٨) ٧٥ / الفرقان : ٢٥.

(٩) الفراء : كلّ قرىء به ، و «يلقون» أعجب إلي ، لأن القراءة لو كانت على «يلقّون» كانت بالباء (معاني القرآن : ١ / ٢٧٥). قرأها بالتخفيف : أبو بكر وحمزة والكسائي وخلف ، والأخرى للباقين.

(١٠) ١٥ / غافر : ٤٠.

٤٣

تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، وقيل : لأنّه يلقى فيه كلّ عامل ما عمل ، وقيل : لالتقاء من تقدّم ومن تأخّر.

قوله : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)(١) أي جازاهم. وقيل : استقبلهم ، يقال : لقيت فلانا بكذا أي استقبلته به (٢).

قوله : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)(٣) أي تستقبلهم بذلك.

وألقيت الشيء : طرحته.

قوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) : (٤) أي أوصلوا إليهم ملقيا. وأصل الإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه. ثم جعل عبارة في التعارف عن كلّ طرح ، ومنه قوله تعالى : (قالَ أَلْقِها يا مُوسى)(٥) قوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(٦).

قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(٧) إشارة إلى ما حمّل من النبوة والوحي. قوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٨) عبارة عن الإصغاء إليه. قوله : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ)(٩) إنّما أتى به مبنيا للمفعول منبهة أنه دهمهم من الأمر ما جعلهم في حكم غير المختارين.

قوله : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ)(١٠) أي يرويه بعضكم لبعض ، والأصل تتلقّونه. وقرأت عائشة رضي الله عنها «تلقونه» من الولق وهو الكذب وما أحسن هذه القراءة منها رضي الله

__________________

(١) ١١ / الإنسان : ٧٦.

(٢) في الأصل : لقيت فلانا كذا ، أي استقبلت به. ولعل ذلك ما أثبتنا.

(٣) ١٠٣ / الأنبياء : ٢١.

(٤) ٨٦ / النحل : ١٦.

(٥) ١٩ / طه : ٢٠.

(٦) ١ / الممتحنة : ٦٠.

(٧) ٥ / المزمل : ٧٣.

(٨) ٣٧ / ق : ٥٠.

(٩) ١٢٠ / الأعراف : ٧.

(١٠) ١٥ / النور : ٢٤.

٤٤

عنها (١). وقيل : معنى تلقّونه ، أي تقبلونه ؛ من تلقّيت الشيء لقوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ).

قوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا)(٢) أي لا يوفّق لها. وقيل : لا يعلمها ويلهمها.

قوله : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ)(٣) أي أنك ستلقاه في الآخرة. وقيل : تلقى موسى ليلة الإسراء ، وقيل : لقاء موسى لربّه.

قوله : (فَالْتَقَى الْماءُ)(٤) أي ماء السماء وماء الأرض المعنيّين بقوله : (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ)(٥) قوله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(٦) قال بعضهم : أراد به التثنية أي الماءان ، ولا حاجة إلى ذلك لقصد الجنس.

قوله : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً)(٧) قيل : هم الملائكة يتلقّون الذكر من ربّهم إلى أنبيائه كجبريل. وقيل : الملائكة الذين ينزلون بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا ، ثم نزل منجّما على نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في [ثلاث و] عشرين سنة ، وقيل : الذين ينزلون بأوامر الله ونواهيه ، وقيل : هم العلماء ، وكلّ ذلك جائز. وفي الحديث : «نهى عن تلقّي الركبان ثم استقبالهم وإخبارهم بكساد ما معهم ليشتري منهم برخص» (٨). وقيل غير ذلك. وفي الحديث : «دخل أبو قارظ مكة فقالت قريش : حليفنا وعضدنا وملتقى أكفّنا» (٩) أي التقت يدنا بيده في الحلف. وفي الحديث : «وأخذت ثيابها فجعلت لقى» (١٠) أي مطرحة لا يعبأ بها.

__________________

(١) وقرأها ابن كثير «تّلقّونه» بتشديد التاء ، وقرأها أبو جعفر وزيد بن أسلم «تالقونه» ... وقراءات أخر ذكرها ابن خالويه في مختصره : ١٠٠.

(٢) ٣٥ / فصلت : ٤١.

(٣) ٢٣ / السجدة : ٣٢.

(٤) ١٢ / القمر : ٥٤.

(٥) ١١ / القمر : ٥٤.

(٦) من الآية بعدها.

(٧) ٥ / المرسلات : ٧٧.

(٨) النهاية : ٤ / ٢٦٦.

(٩) المصدر السابق.

(١٠) النهاية : ٤ / ٢٦٧.

٤٥

فصل اللام والميم

ل م ح :

قوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ)(١) أي سرعة نظره ، وأصل ذلك من لمحت البرق ، أي أبصرت لمعانه وهو أسرع الأشياء زوالا ، يقال : رأيته لمحة البرق. وفي المثل : لأرينّك لمحا باصرا ، أي أمرا واضحا.

ل م ز :

قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)(٢) اللّمزة : الكثير اللّمز. واللّمز : الاغتياب وتتبّع المعايب ، فهو نظير ضحكة للكثير الضّحك ؛ فاللّمزة : الذي يلمز الناس ، واللّمزة ـ بسكون العين ـ هو الملموز.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ)(٣) يريد المنافقين. وكانوا ـ لعنهم الله ـ إذا لم يعجبهم العطاء عابوا ذلك. يقال : لمزه ويلمزه ـ بالكسر والضم في المضارع ـ وقد قرىء بهما.

قوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)(٤) إي لا تعيبوا الناس فيعيبوكم ، فتكونون بمنزلة من عاب نفسه ، ومثله في المعنى «لا يسبّ الرجل أباه ، فقيل له : كيف؟ فقال : يسبّ أبا الرجل فيسبّ الرجل أباه» (٥) إقامة للسّبب مقام المسبّب ، وقيل : جعلهم بمنزلة شيء واحد منبهة على أنّهم كنفس واحدة كقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ)(٦). وقال الليث : الهمزة : الذي

__________________

(١) ٧٧ / النحل : ١٦.

(٢) ١ / الهمزة : ١٠٤.

(٣) ٥٨ / التوبة : ٩.

(٤) ١١ / الحجرات : ٤٩.

(٥) النهاية : ٤ / ٣٣٠ ، من حديث أبي هريرة مع اختلاف.

(٦) ٦١ / النور : ٢٤.

٤٦

يعيبك في وجهك ، واللّمزة : من يعيبك في غيبتك ، وقال غيره : هما شيء واحد ، وأنشد لزياد الأعجم (١) : [من البسيط]

وإن أغيّب فأنت الهامز اللّمزه

وأصل ذلك الدفع ؛ يقال : همزه ولمزه / أي دفعه كأنه يدفع بذلك في صدر من يعيبه.

ل م س :

قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ)(٢) كناية عن جماعهن ، وقرىء «لمستم» فقيل بمعنى. وقيل : المفاعلة محققة لأنّ من لمسك فقد لمسته.

واللمس والمسّ : إدراك بظاهر البشرة ، وغلب في عبارة الفقهاء اللّمس بين الرجل والمرأة. والمسّ في الذّكر بباطن الكفّ كقولهم : الوضوء من اللمس والمسّ ، ومن اللمس بمعنى مسّ البشرة. قوله تعالى : (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ)(٣). وقد يعبّر به عن الوصول إلى الشيء ، ومنه قوله تعالى : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ)(٤). وفي الحديث : «نهى عن الملامسة» (٥) فيه تفسيران : أحدهما أنه كان يقول : إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي فقد وجب البيع. والثاني أن يلمس المتاع من وراء ثوب ولا ينظر إليه ثم يوقع البيع عليه ، وهذا أحد أنواع بياعات الجاهلية كالمنابذة وبيع الحصاة ونحوها ، نهى الشارع عنها للغرر.

واللّماسة والمماسة : المقاربة (٦).

__________________

(١) من شواهد اللسان ، وفيه : وإن تغيبت كنت. وصدره :

إذا لقيتك عن شحط تكاشرني

(٢) ٤٣ / النساء : ٤.

(٣) ٧ / الأنعام : ٦.

(٤) ٨ / الجن : ٧٢.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٦٩ ، وفيه : «نهى عن بيع الملامسة».

(٦) يريد : الحاجة المقاربة.

٤٧

ل م م :

قوله تعالى : (إِلَّا اللَّمَمَ)(١) مقاربة المعصية ، وأصله مقاربة الشيء مطلقا والدنوّ منه ، ثم غلب في ذلك ، وأنشد (٢) : [من الطويل]

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وقد يعبّر به عن المعصية الصغيرة ، وفي التفسير : كالنظرة والقبلة. وذلك من القلّة أيضا ، ومنه : زيارته لمام أي قليلة ، وأنشد : [من الوافر]

وإن كانت زيارتكم لماما

قوله تعالى : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا)(٣) أي جامعا ، من لممت الشيء ألمّه : ضممته لمّا ، فالتقدير : ذا لمّ.

وفلان لا يأتينا إلا لماما ، أي حينا بعد حين والغيبة بعد الغيبة. ولا يأتينا إلا اللمّة بعد اللمّة ، وقال أمية بن أبي الصّلت : [من الرجز]

إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا

وأيّ عبد لك ما ألمّا

وعن أبي صالح : سئلت عن قوله تعالى : (إِلَّا اللَّمَمَ) فقلت : هو الرجل يلمّ بالذنب ثم لا يعاوده ، فذكرت ذلك لابن عباس فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم. وقال ابن عرفة : اللّمم عند العرب أن يفعل الإنسان الشيء في حين لا يكون له عادة.

واللّمم : الجنون أيضا ، وفي الحديث : «أنّ امرأة شكت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمما بابنتها» (٤). وفي تعويذه عليه الصلاة والسّلام : «من كلّ عين لامّة» (٥) أي ذات لمم ، ولذلك لم يقل «ملمّة» وإن كانت من اللّمم.

__________________

(١) ٣٢ / النجم : ٥٣.

(٢) ينسب البيت للحطيئة وليس في ديوانه. وهو لعبيد الله بن الحر كما في شرح المفصل : ٧ / ٥٣ ، والكتاب : ٣ / ٨٦ ، وهمع الهوامع : ٢ / ١٢٨. و (تأججا) الألف ضمير الاثنين الحطب والنار ، وقيل غير ذلك.

(٣) ١٩ / الفجر : ٨٩.

(٤) النهاية : ٤ / ٢٧٢ ، والحديث لبريدة.

(٥) المصدر السابق.

٤٨

وفي الحديث : «ما رأيت من ذي لمّة أحسن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١) فاللّمّة : ما بلغ الشّعر المنكبين ؛ سميت لأنها ألمّت بالمنكبين ، فإذا زادت فهي جمّة ، ورجل جمّ ، فإذا بلغت شحمة الأذن فهي وفرة ، فأقلّه الوفرة ، ثمّ اللّمة ، ثم الجمّة.

واللّمّة ـ بالفتح ـ الهمّة تقع في القلب ، وهو أحد الأقوال في قوله : (إِلَّا اللَّمَمَ) وأنشد لأوس (٢) : [من الطويل]

وكان إذا ما التمّ منها بحاجة

يراجع هترا من تماضر هاترا

قوله : التمّ من اللّمّة أي الزيادة ، وفي الحديث : «اللهمّ المم شعثنا» (٣) أي اجمع ما شتّت من أمرنا. وفي الحديث : «أتى المصدّق بناقة ململمة ـ أي مستديرة سمنا ـ فأبى أن يقبلها» (٤) وأصله من اللّمّ وهو جمع الأكل.

واللّمّة ـ بالضم ـ جماعة النساء ، وفي حديث فاطمة : «فخرجت في لمّة من نسائها» (٥) وقيل : هي ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال.

واللّمة ـ مخففة ـ الشّبه والمثل ، قال ابن الأعرابيّ في قول الشاعر (٦) : [من الوافر]

فإن نعبر فإنّ لنا لمات

وإن نغبر فنحن على ندور

قوله : على ندور أي سنموت لا بدّ من ذلك.

و «لم» و «لمّا» حرفا جزم معناهما النفي ، إلا أن «لم» لنفي الماضي مطلقا ، و «لمّا» لنفيه متّصلا بزمن الحال. ووهم بعضهم فقال : لم لنفي الماضي المنقطع ، وليس بصواب لقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)(٧) إلى آخرها ، وقوله : ([وَلَمْ] أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)(٨).

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) من شواهد اللسان (لمم) ، يعني داهية ؛ جعل تماضر اسم امرأة داهية.

(٣) النهاية : ٤ / ٢٧٣.

(٤) النهاية : ٤ / ٢٧٢.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٧٣.

(٦) اللسان ـ مادة لمم.

(٧) ٣ / الإخلاص : ١١٢.

(٨) ٤ / مريم : ١٩.

٤٩

وتأتي «لما» بمعنى «إلا» كقوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(١) في قراءة من شدّد. وقال الآخر (٢) : [من الرجز]

قالت له : بالله يا ذا البردين

لمّا غنثت نفسا أو اثنين

وتكون حرف جواب لوجوب ، نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)(٣). وزعم الفارسيّ أنها ظرف زمان. ولها أحكام كثيرة بسطناها في غير هذا.

فصل اللام والهاء

ل ه ب :

قوله تعالى : (ذاتَ لَهَبٍ)(٤) اللهب : اضطرام النار ، واللهب : ما يبدو من اشتعالها. وسمي الخبيث أبا لهب على التفاؤل له بذلك. وقيل : لتلهّب وجنتيه ؛ قال بعض المفسرين : لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها ، وإنما قصد إلى إثبات النار له وأنه من أهلها. وسماه بذلك كما يسمّى المثير للحرب أبا الحرب وأخاها.

وفرس ملهب : شديد العدو ، تشبيها بالنار في سرعتها ، قال امرؤ القيس (٥) : [من الطويل]

فللساق ألهوب

فالألهوب : العدو الشّديد.

__________________

(١) ٤ / الطارق : ٨٦. الفراء : قرأها العوام «لمّا» وخففها بعضهم. الكسائي كان يخففها ، ولا نعرف جهة التثقيل. ونرى أنها لغة في هذيل ؛ يجعلون إلا مع «إن» المخففة «لمّا» ، كأنه قال : ما كل نفس إلا عليها حافظ.

(٢) أورده ابن هشام شاهدا على مجيء «لما» حرف استثناء (مغني اللبيب : ٢٨١).

(٣) ٩٦ / يوسف : ١٧.

(٤) ٣ / المسد : ١١١.

(٥) وتمام البيت (الديوان : ٥٨) :

فللساق ألهوب ، وللسّوط درّة

وللزّجر منه وقع أخرج مهذب

ورواية اللسان تقديم السوط على الساق.

٥٠

واللهاب : الحرارة التي يجدها العطشان. ويقال للدّخان لهب أيضا ، إما لأنه ينشأ منه أو على التشبيه في الارتفاع كما سمي الغبار به لذلك.

ل ه ث :

قوله تعالى : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ)(١) اللهث : إدلاع اللسان أي إخراجه من العطش ؛ مثّل الله سبحانه حال بلعام بن باعوراء بحال كلب هذه صفته ؛ فإذا كان لاهثا لم يملك دفع ضرّ ولا جلب نفع ، فلم يكتف بأن جعل مثله مثل الكلب بل مثل كلب متّصف بما ذكر. فقوله : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ) في محلّ الحال لأنّ الكلب لا يزال كذا دائما ينبهك بذلك لأن بعض الناس قد توهّمه.

ورجل لهثان وامرأة لهثاء ، أي بهما عطش. واللهاث : العطش ، وقيل : اللهث يستعمل في العطش وفي الإعياء جميعا.

ل ه م :

قوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها)(٢) أي ألقى في روعها. والإلهام : إلقاء الشيء في الرّوع ، يعني نفس الإنسان ، إلا أنّ ذلك يختصّ بما كان من جهة الله تعالى أو من جهة الملإ الأعلى ، ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ روح القدس نفث في روعي» (٣) الحديث. وذلك يعبّر عنه أيضا بلمّة الملك ، ويروى «إنّ للملك لمّة وإنّ للشيطان لمّة وإنّ روح القدس نفث في روعي». قيل : وأصله من التهام الشيء أي ابتلاعه. والتهم الفصيل ما في الضّرع أي امتصّه. وفرس لهم : كأنّه يلتهم الأرض لشدّة عدوه. وفي الدعاء : «اللهمّ ألهمنا رشدنا» (٤) أي ، وفّقنا له ، وحقيقته : أدخل ذلك في قلوبنا.

__________________

(١) ١٧٦ / الأعراف : ٧.

(٢) ٨ / الشمس : ٩١.

(٣) النهاية : ٤ / ٢٤.

(٤) النهاية : ٤ / ٢٨٢ ، وفيه : تلهمني بها رشدي.

٥١

ل ه و :

قوله تعالى : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(١) اللهو : الشغل عن مهمات الأمور. يقال : لهوت بكذا ، ولهيت عن كذا ، قال الشاعر : [من الكامل]

ولقد لهوت بطفلة ميّالة

بلهاء تطلعني على أسرارها

وقال امرؤ القيس (٢) :

فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال

قوله تعالى : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)(٣) أي متشاغلة عمّا يهمّها ويعنيها ، ونسب اللهو إلى القلب الذي هو ملاك الجسد كلّه.

قوله تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً)(٤). قيل : هو الولد ، وقيل : المرأة ، والحقّ أنّ هذا تخصيص من غير دليل ، اللهمّ إلا أن يراد به التّمثيل ببعض ما يصدق عليه هذا اللفظ ، فإنّ حقيقة اللهو ما قدّمته. وقال الراغب (٥) : ويعبّر به عن كلّ ما به استمتاع ، قال : ومن قال : أراد باللهو المرأة والولد فتخصيص لبعض ما هو من زينة الحياة الدنيا التي هي لهو.

قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ)(٦) أي لا يشغلهم عمّا يهمّهم ، وليس في ذلك ذمّ للتجارة ولا نهي عنها بوجه من الوجوه ، إنّما مدحهم بكون التجارة والبيع لا يلهيانهم عن ذكر الله ، إي مع تعاطيهم لها لا يشغلانهم عن مهمات دينهم. وهذا لا شكّ أنه فضل من إنسان لا يتعاطى ذلك ولا يلهيه شيء. وجوّز بعضهم في الآية وجها آخر وهو أنّ

__________________

(١) ٦٤ / العنكبوت : ٢٩.

(٢) الديوان : ٤٦ ، وهو من شواهد ابن هشام في المغني : ١٣٥.

(٣) ٣ / الأنبياء : ٢١.

(٤) ١٧ / الأنبياء : ٢١.

(٥) المفردات : ٤٥٥.

(٦) ٣٧ / النور : ٢٤.

٥٢

المعنى لا تجارة عندهم ولا بيع فلا لهو ، جعله مثل قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)(١) وقول امرىء القيس (٢) : [من الطويل]

على لاحب لا يهتدي بمنار

والأول أظهر وأبلغ في مدحهم. ويؤيد ذلك قوله في موضع آخر : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ)(٣) وقوله : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ)(٤) نزل ذلك في التجارة أيام الحجّ ، وكانوا قد تحرّجوا من ذلك.

قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)(٥) قيل : هو النضر بن الحارث الداريّ ، كان قد قرأ كتب الأعاجم «رستم وإسفنديار» وكان يشغل بها قريشا عن سماع القرآن. ويقول : قد كدت أن أحدّثكم بأحسن ممّا يحدّثكم به. وقيل : نزلت في شراء القيان أي الجواري المغنيات ، وقد حرّمه بعض العلماء.

قوله : (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)(٦) أي تشاغل ، وأصله تتلهّى ؛ نزلت في ابن أمّ مكتوم ، وكان عليه الصلاة والسّلام يقول له إذا أقبل : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي» (٧).

قوله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ)(٨) أي شغلتكم المكاثرة بالأهل والمال والولد. وكانوا يتفاخرون بأنسابهم وأموالهم. وفي الحديث : «سألت ربّي إلّا يعذّب اللاهين من ذرية

__________________

(١) ٢٧٣ / البقرة : ٢.

(٢) وعجزه كما في الديوان (ص ٦٧) :

إذا سافه العود النباطيّ جرجرا

واللاحب : الطريق الواضح الذي لحبته الحوافر ، أي أثرت فيه.

(٣) ١٩٨ / البقرة : ٢.

(٤) ٢٨ / الحج : ٢٢.

(٥) ٦ / لقمان : ٣١.

(٦) ١٠ / عبس : ٨٠.

(٧) هو عمرو بن قيس بن زائدة ، كان أعمى مؤذنا ، وأمه أم مكتوم اسمها عاتكة ، وهو ابن خال السيدة خديجة (أسد الغابة : ٤ / ١٢٧).

(٨) ١ / التكاثر : ١٠٢.

٥٣

البشر» (١). قيل : هم الأطفال لأنّهم يقترفون ذنوبا. وقيل : هم الذين عملوا ذنوبا نسيانا وسهوا لا تعمدا.

وألهاه عن كذا : أي شغله عنه ، وأنشد لأمرىء القيس (٢) : [من الطويل]

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول

واللهوة : ما يشغل به الرّحى ممّا يطرح فيها ، والجمع لهاء ، ويعبّر بذلك عن العطايا فيقال : له عليه لهاء.

واللهاة : اللحمة المشرفة على الحلق ، وقيل : هي أقصى الفم ، وأنشد (٣) : [من الرجز]

يا لك من تمر ومن شيشاء

ينشب في المسعل واللهياء

اللهاء : جمع لهاة ، وإنما مدّها ضرورة ، وهو رأي الكوفيين.

والملهى : اسم مصدر أو زمانه أو مكانه ، ويقترن اللهو باللعب متقدّما عليه تارة ومتأخرا عنه أخرى تفنّنا في البلاغة.

فصل اللام والواو

ل و ت :

قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)(٤) هما صنمان لقريش ؛ قيل : كانت لثقيف بالطائف ، وقيل : محلة لقريش ، والعزّى لغطفان وهي سمرة ، ويؤكّد كونها لثقيف قول الشاعر : [من المتقارب]

وقرّت ثقيف إلى لاتها

كمنقلب الخائب الخاسر

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٢٨٣.

(٢) بيت مشهور من معلقته.

(٣) من شواهد ابن منظور (اللسان ـ مادة لها).

(٤) ١٩ / النجم : ٥٣.

٥٤

واختلف في ألفها ؛ فقيل : عن واو من لوى يلوي ، لأنهم كانوا يلتوون عليها ، أي يعكفون ، والأصل لوتة فحذفت اللام وعوض منها تاء التأنيث ، وقيل : عن ياء فتاؤها أصلية. ومن ثمّ اختلف القراء في الوقف على يائها ؛ فالكسائيّ بالهاء ، والباقون بالتاء. و «أل» فيها مزيدة ، وقيل : هي لازمة أو غير لازمة. وهل هي علم بالغلبة أو بالوضع ، خلاف ، وقد أتقناه في «الدرّ» وغيره فعليك باعتباره. وقال بعضهم : أصلها الله فحذفوا منها الهاء ، وأدخلوا فيه التاء تنبيها على قصوره عن «الله» في زعمهم ، وهو عندهم يتقرّب به إلى الله تعالى.

ويقرب من هذه اللفظة «لات» من قوله : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(١) وإن كان ألف لات أصلية لكونها حرفا. و «لات» هي لا النافية دخلت عليها تاء التأنيث كدخولها في ربّت وثمّت ، وتعمل عمل ليس ، إلا أنها اختصّت بحكمين بعد دخول التاء عليها ؛ أحدهما أنّها لا تعمل إلا جارّة كقوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) وقول الشاعر (٢) : [من الكامل]

ندم البغاة ولات ساعة مندم

والبغي مرتع مبتغيه وخيم

وأما قول الآخر (٣) : [من الكامل]

حنّت نوار ولات هنّا حنّت

وبدا الذي كانت نوار أجنّت

فلنا فيه كلام ليس موضعه. والثاني أن يحذف مرفوعها ويبقى منصوبها ، وكذلك كانت القراءة المشهورة. وقد قرىء برفع «حين مناص» (٤). وقال بعضهم : إنّ التاء زيدت فيها منبهة على الساعة والمدّة كأنه قيل : [ليست](٥) الساعة أو المدة حين مناص. وزعم آخرون ، ونقله الراغب عن البصريين (٦) : أصلها ليس فقلبت الياء ألفا والسين تاء نحو

__________________

(١) ٣ / ص : ٣٨.

(٢) البيت لرجل من طيىء ، وسمّاه العيني محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي. ويقال : مهلهل بن مالك الكناني. واستشهد الفراء ب : لات ساعة مندم وقال : ولا أحفظ صدره (شرح ابن عقيل : ١ / ٢٧٥).

(٣) من شواهد المغني : ٥٩٢.

(٤) هي قراءة عيسى بن عمر ، وروي عنه «ولات حين». وقرأها أبو السمال وعيسى : «ولا تحين مناص» ، وأبو السمال وحده «ولات حين» بالرفع فيهما (مختصر الشواذ : ١٢٩).

(٥) إضافة يقتضيها السياق.

(٦) المفردات : ٤٥٥ ، وقاله أبو بكر العلّاف.

٥٥

«إليات» في «إلياس» ، وهذا ضعيف من وجهين : إحدهما عدم الموجب لقلب الياء ألفا لسكونها. والثاني أنّ قلب السين تاء محفوظ لا يقاس عليه ، فدعوى ذلك مجرد احتمال. وزعم أبو عبيد أنّ التاء ليست من تمام «لا» إنّما هي متصلة بحين ، والعرب تفعل ذلك فتقول : جئتك تحين قام زيد ، وأنشد (١) : [من الكامل]

العاطفون تحين لا من عاطف

والمطعمون تحين لا من مطعم

وبأنها كتبت في المصحف كذا (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ). وقد ردّ الناس عليه مقالته بما أوضحناه في غير هذا. وقد قرىء بجرّ الحين في الآية. وتخريجه في غير هذا الموضوع من تآليفنا ، وقد اختلف القراء في الوقف على تائها ؛ هل هو بالتاء أو بالهاء حسب اختلافهم في «اللات» سواء بسواء.

ل و ح :

قوله تعالى : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)(٢) اللوح في التّعارف : ما يكتب فيه ، ولا يعلم كنه هذا اللوح إلا الله تعالى ، وفيه أعمال الخلائق كلّها. قال الراغب (٣) : كيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار ، وهو غير المعبّر عنه بالكتاب في قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ)(٤). قلت : قد اختلف الناس في ذاته وكيفيته فقيل : من نور ، وقيل : من ذهب ، وأن القلم جرى عليه فكتب فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. كلّ ذلك لتستملي الملائكة منه ، ثم تمليه على ملائكة آخرين دونهم من الأوامر والنّواهي والرزق. فسبحان العالم بحقيقة ذلك ، وعلم الله مستغن عن اللوح : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى)(٥) وإنما فائدته ما ذكرت لك.

__________________

(١) عزاه ابن منظور إلى أبي وجزة (مادة ـ حين) ، وفيه : ما من. وعجزه :

والمفضلون يدا ، إذا ما أنعموا

(٢) ٢٢ / البروج : ٨٥.

(٣) المفردات : ٤٥٦.

(٤) ٧٠ / الحج : ٢٢.

(٥) ٥٢ / طه : ٢٠.

٥٦

واللوح : واحد ألواح السفينة كقوله : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ)(١). وكّل ما انبسط مع رقة سمكه فهو لوح. واللّوح أيضا : العطش ، واللّوح ـ بالضمّ ـ : بين الخضر والغبر.

قوله تعالى : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ)(٢) أي تغيّره. يقال : لاحته الشمس ، ولوّحته : إذا غيّرت وجهه ، وذلك أنّ النار تسوّد ما تحرقه لا سيما نار لا يعلم كنهها إلا مضرمها. ولوّحه الحرّ : غيّره. ولاح الحرّ لوحا ، أي حصل في اللوح ، وألاح بسيفه ، أي أرى لمعه ، وسمي الصبح ليّاحا لأنه يلوح بضوئه ، والثوب اللوحيّ : لأنه يلوح بلونه.

ولاح سهيل : بدا ، وألاح : تلألأ ، وألاح من كذا ولاح منه : أشفق منه ، وفي الحديث : «قال للمغيرة : أتحلف عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فألاح من اليمين» (٣). ويقال : أبيض ليّاح ولياح ـ بالكسر والفتح ـ نحو أبيض يقق. وكان لحمزة الشهيد سيف يسمّى ليّاحا لشدة لمعانه (٤).

ل و ذ :

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً)(٥) أي استتارا ، من قولهم : لاوذ بكذا يلاوذ ملاوذة ، أي استتر به ؛ وذلك أنّ المنافقين كانوا يشتغلون بجلوسهم في مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيتسلّلون منه ويستترون بالناس خشية أن يبصروا ، فنزل عدم الانصراف إلّا باستئذان. ولا يجوز أن يكون لواذا من لاذ يلوذ إذ كان يجب أن يقال لياذا لما أتقناه في علم التصريف. وقيل : معنى لواذا أي تباعدا منه وفرارا. يقال : لاوذه لواذا أي فرّ منه وتباعد ، ففاعل ـ هنا ـ بمعنى فعل ، كسافرت. وأما لاذ به يلوذ فمعناه استغاث به والتجأ إليه ، وأنشد : [من الطويل]

يلوذ به الهلّاك من آل مالك

وفلان ملاذ فلان ، أي ملجؤه.

__________________

(١) ١٣ / القمر : ٥٤.

(٢) ٢٩ / المدثر : ٧٤.

(٣) النهاية : ٤ / ٢٧٦.

(٤) النهاية : ٤ / ٢٨٤.

(٥) ٦٣ / النور : ٢٤.

٥٧

ل و ط :

قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً)(١) لوط : علم للنبيّ المشهور ابن أخت إبراهيم خليل الرحمن المهاجر معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو منصرف لخفّته وإن [كان](٢) علما أعجميا. وغلط من جوّز فيه وفي «نوح» الوجهين. والظاهر أنه لا اشتقاق له لعجمته إلا أنهم قالوا : يجوز أن يكون مشتقا من لاط الشيء بقلبي يلوط لوطا (٣) ، أي لصق ولزق (٤). ومنه الحديث : «الولد ألوط ـ أي ألصق ـ بالكبير» (٥). وهذا الأمر لا يلتاط بصدري أي لا يلتصق به لتقرّبه منه.

ولطت الحوض بالطين : ملطته به. ويقال : لاط به يلوط لوطا ، ولاط يليط ليطا. ومن كلامهم : «من أحبّ الدّنيا التاط منها بثلاث : شغل لا ينقضي ، وأمل لا يدرك ، وحرص لا ينال» (٦).

واللّوط : الإصلاح ـ إيضا ـ ومنه : كان يلوط له مالا ، وكان يلوط حوضه ، ومنه قول ابن عباس : «إن كنت تلوط حوضها» (٧).

واللّيط : القشر اللاصق بالشجر ، وهذا أصل المادة. واللّيط ـ أيضا ـ اللون ، وقد فسر حديث وائل (٨) بن حجر : «في التّيعة شاة لا مقورّة الألياط» بالمعنيين ؛ فإنّ الألياط جمع ليط ، فعلى معنى الأول هي المتغيرة الحائلة عن أحوالها ، وأنشد محميد : [من المتقارب]

على عينها ليط أبكارها

وعلى معنى ألصق أي ليست مسترخية الجلود لهزالها.

__________________

(١) ٧١ / الأنبياء : ٢١.

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) ويضيف الراغب : وليطا ، لأنها يائية وواوية.

(٤) في الأصل : لاق.

(٥) المفردات : ٤٥٦ ، وفي الأصل اضطراب صوبناه منه. وهو في النهاية : ٤ / ٢٧٧ بدون كلمة : الكبير.

(٦) النهاية : ٤ / ٢٧٧ ، وفيه : «وحرص لا ينقطع» ، وهو حديث.

(٧) النهاية : ٤ / ٢٧٧ ، من حديث طويل قاله ابن عباس في الذي سأله عن مال اليتيم وهو واليه.

(٨) في الأصل : قاتل. النهاية : ٤ / ٢٨٥ ، من كتابه لوائل.

٥٨

ل و م :

قوله تعالى : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)(١) قيل : هي كلّ نفس مؤمنة كانت أو كافرة. أما المؤمنة فتلوم نفسها على عدم ازدياد الخير الذي عملته ، وأمّا الكافرة فتلوم نفسها إذ لم تكن آمنت. وقيل : هي النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروها ، (قال هذا القائل) (٢) فهي دون النفس المطمئنة. وقيل : هي النفس التي اطمأنّت في ذاتها وترشّحت لتأديب غيرها ، فهي فوق النفس المطمئنة. والمتصوفة قسموا النفس إلى ثلاثة أقسام ؛ فأدناها عندهم الإيمان كقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٣) ، ثم اللّوامة لأنّها نسبت لتقصيرها ، ثم المطمئنة.

وأصل اللوم عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم ؛ يقال : لمته فهو ملوم.

قوله : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)(٤) أي لا تتعاطوا لومي. قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)(٥) أي ، غير فاعلين ما يلامون عليه ، وفيه تنبيه على أنّهم إذا لم يلاموا لم يفعل بهم ما هو فوق اللوم ، والأمر أتى بما يلام عليه.

قوله تعالى : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)(٦) هذا بالنسبة إلى جانب الله تعالى له أن يقول ما شاء في حقّ عباده ، وأما نحن فلا نقوله إلا على سبيل التّلاوة ، وإنما نبهت على ذلك لأنّ بعض الناس يقول : أتى ما يلام عليه.

والتّلاوم : أن يلوم بعضهم بعضا. ورجل لومة : يكثر لوم الناس. ولومة : يلومه غيره ، نحو : ضحكة وضحكة. واللائمة : هو اللائم (٧) التاء فيه للمبالغة كراوية. وجمعها لوائم ، قال : [من الطويل]

__________________

(١) ٢ / القيامة : ٧٥.

(٢) عائد على (قيل) في السطر الأول.

(٣) ٥٣ / يوسف : ١٢.

(٤) ٢٢ / إبراهيم : ١٤.

(٥) ٦ / المؤمنون : ٢٣.

(٦) ١٤٢ / الصافات : ٣٧.

(٧) لعله يريد : اللائمة : الأمر الذي يلام عليه الإنسان ، وبه يستقيم.

٥٩

فلا تجعلوني عرضة للّوائم

ولمته لوما : عدلته إلى جهة يلام عليها ، وهو قريب من العتب ، قال الشاعر (١) : [من مجزوء الكامل]

بكر العواذل في الصّبو

ح يلمنني وألومهنّه

ويقلن : شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت : إنّه

واللّوماء : الملامة نفسها.

ل و ن :

قوله تعالى : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها)(٢) اللون ما يظهر للعين من زيق الجيب كالبياض والسواد. يقال : أصفر فاقع ، وأبيض يقق ، وأحمر قان ، وأخضر ناضر ، وأزرق حطباني ، وأسود حالك وحانك وبهم ، وقيل : البهم : الخالص من كلّ لون. وأصل الألوان البياض لأنّ كلّ لون يطرأ عليه. وظاهر كلام الراغب أنه والأسود أصلان ، ما عداهما مركّب منهما فإنه قال : اللون معروف وينطوي على الأبيض والأسود وما يركّب منهما (٣).

وتلوّن فلان : إذا تغيّر عن حالة إلى حالة أخرى ، قال كعب بن زهير رضي الله عنه (٤) : [من البسيط]

فما تكون على حال تكون بها

كما تلوّن في أثوابها الغول

قوله تعالى : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ)(٥) إشارة إلى بليغ قدرته في اختلاف الإنشاء من سواد وبياض. ثم البياض متفاوت في نفسه إلى أنواع يقصر عنه التعبير وكذا باقيها ، وفيه دلالة على اختلاف الصور التي تختصّ كلّ صورة منها بهيئة غير هيئة الأخرى مع

__________________

(١) البيتان من قطعة ذكرها عبيد الله بن قيس الرقيات ، وانظرهما في شرح المفصل : ٨ / ٦ ، الجمهرة : ١ / ٢٢.

(٢) ٦٩ / البقرة : ٢.

(٣) المفردات : ٤٥٧.

(٤) الديوان : ٨ ، وفيه : فما تدوم.

(٥) ٢٢ / الروم : ٣٠.

٦٠