الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩
رِئاءَ النَّاسِ)(١). وفي حديث ابن عباس : «لا ينفّق بعضكم لبعض» (٢) أي لا يروّج سلعة صاحبه بالنّجش (٣).
ن ف ل :
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)(٤) هو جمع نفل ، وهو ما اتّخذ من مال الكفار لا بإيجاف خيل ولا ركاب ، والغنيمة : ما أخذ بذلك. وقال الهرويّ : يعني عن الغنائم ، الواحد نفل ، وكلّ شيء زيادة على الأصل فهو نفل. وإنما قيل للغنائم نفل لأنّه مما زاده الله تعالى [على](٥) هذه الأمة. وقال الراغب (٦) : قيل : هو الغنيمة بعينها ، ولكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار. فإذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له غنيمة ، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله تعالى ابتداء من غير وجوب يقال له نفل. قال : ومنهم من فرّق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال : الغنيمة : ما حصل مستغنما ببعث أو بغير بعث ، باستحقاق كان أو بغير استحقاق ، قبل الظفر كان أو بعده. والنّفل : ما يحصل للإنسان قبل الغنيمة من جملة الغنيمة. وقيل : هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال ، وهو الفيء. وقيل : هو ما يفضل من المتاع ونحوه بعد ما تقسّم الغنائم. وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).
قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً)(٧). نافلة حال من يعقوب ، أي زيادة ، لأنّ ولد الولد زيادة على الولد. قوله : (نافِلَةً لَكَ)(٨) أي زيادة على ما فرض عليك. ومن جعل التّهجّد واجبا قال : زيادة على ما فرض على أمّتك ، فإنه لم يفرض عليهم. و «نافلة» يجوز
__________________
(١) ٣٨ / النساء : ٤. رئاء الناس : مراءاة لهم وسمعة لا لوجه الله.
(٢) النهاية : ٥ / ٩٩.
(٣) نجش في البيع : واطأ رجلا يريد بيعا أن يمدحه.
(٤) ١ / الأنفال : ٨.
(٥) زيادة يقتضيها السياق.
(٦) المفردات : ٥٠٢.
(٧) ٧٢ / الأنبياء : ٢١.
(٨) ٧٩ / الإسراء : ١٧.
أن تكون مصدرا جاء على فاعله كالكاذبة. ونوافل الصلاة : زيادة عليها. ونفلته كذا : أعطيته ذلك زيادة. ونفله السّلطان : أعطاه سلب قتيله.
وعن عليّ رضي الله عنه (١) : «لوددت لو أنّ بني أمية رضوا ونفّلناهم خمسين رجلا على البراءة» (٢). يقال : انتفلت من كذا ، أي تبرّأت. وفي الحديث : «أنّ فلانا انتفل من ولده» (٣) أي تبرّأ منه. والنّفل أصله النفي. يقال : نفلت كذا فانتفل ، وسمّي اليمين في القسامة نفلا ، لأنها ينفى بها القصاص. وقول كعب بن زهير يمدح النبيّ صلىاللهعليهوسلم (في بانت سعاد) (٤) : [من البسيط]
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال |
|
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل |
حسن جدا لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم نفل على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام بتخصيصه بالقرآن العظيم. وتنفّل فلان ، أي فعل النّوافل من العبادات. والنوفل : الرجل الكثير الإعطاء. ونوفل : علم مشهور ، وهو نوفل بن الحارث وغيره.
ن ف ي :
قوله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)(٥). النفي : الطّرد بإهانة. ونفي الدراهم : ترديدها للنّقد لتعرف جودتها من رداءتها. قال الشاعر (٦) : [من البسيط]
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة |
|
نفي الدّراهم تنقاد الصّياريف |
ونفى يكون لازما ومتعديّا. وأنشد القطامي (٧) : [من الطويل]
فأصبح جاراكم : قتيلا ونافيا
__________________
(١) وفي س : كرم الله وجهه.
(٢) النهاية : ٥ / ١٠٠ ، من غير «لو».
(٣) المصدر السابق ، والحديث لابن عمر.
(٤) ما بين قوسين من س. والبيت في ديوانه : ١٩. والنافلة هنا : العطية.
(٥) ٣٣ / المائدة : ٥.
(٦) البيت للفرزدق يصف ناقة ، وهو فريد في ديوانه : ٥٧٠ ، وانظر سيبويه : ١ / ١٠ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٣١٨ وحاشيته.
(٧) غير مذكور في الديوان.
أي منتفيا. والنّفاية ـ بضم الفاء ـ : ما نفيته لرداءته ، وهو النّفيّ أيضا. وأنشد (١) : [من الرجز]
كأنّ متنيه (٢) من النّفيّ |
|
مواقع الطّير على الصّفيّ |
والنّفيّ : ما نفته الريح من التراب في أصول الشجر ، والنّفيان مثله. وأنشد (٣) : [من الطويل]
وحرب يضجّ القوم من نفيانها |
|
ضجيج الجمال الجلّة الدّبرات |
والنّفيّ أيضا : الوعيد : يقال : أتانا نفيكم ، أي وعيدكم. وانتفى الشّعر وورق الشجر ، أي تساقط.
والنّفية : السّفرة يؤكل عليها. ومنه حديث زيد بن أسلم : «فصنع لنا نفيتين يشرشر عليهما الأقط» (٤). قال أبو الهيثم : سفرتين من خوص. وقال ابن الأعرابيّ : النّفية والسّهمة مدوّر تسفّ من خوص النّخل يسميها الناس البنية.
فصل النون والقاف
ن ق ب :
قوله تعالى : (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ)(٥) أي طوّفوا وساروا في نقوبها ، وهي طرقها. الواحد نقب ، ويقال لها المناقب أيضا ، وأنشد (٦) : [من الوافر]
__________________
(١) للأخيل ، كما في اللسان ـ مادة نفي.
(٢) كذا رواه أبو علي ، ورواه ابن دريد في الجمهرة : كأنّ متنيّ. وهو الصحيح ، لقوله فيه :
من طول إشرافي على الطّويّ
(٣) قالته العامرية.
(٤) قال أبو موسى : هكذا روي : «نفيتين» بوزن بعيرين ، وإنما هو «نفيّتين» بوزن شقيّتين ، واحدتهما : نفيّة كطويّة ، وهي شيء يعمل من الخوص (النهاية : ٥ / ١٠٠).
(٥) ٣٦ / ق : ٥٠.
(٦) البيت لامرىء القيس كما في الديوان : ٨٤ ، وفيه : وقد طوّفت. وعلى هذه الرواية لا تناسب الشاهد. على أن رواية اللسان مناسبة ومؤيدة للأصل ـ مادة نقب.
لقد نقّبت في الآفاق حتّى |
|
رضيت من الغنيمة بالإياب |
والتّنقيب : البحث عن الشيء والتّقصّي لآثاره ، ومنه النقيب لأنه ينقّب عن أحوال قومه ويفتّش عليها. قال تعالى : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(١) فهو فعيل بمعنى فاعل. وقد نقب على قومه ينقب نقبا ونقابة. ويقال : نقب ، والنّقب : الطريق بين جبلين ، وجمعه نقاب ، نحو فرخ وفراخ. ومنه الحديث : «أنّهم فزعوا من الطاعون ، فقال عليه الصلاة والسّلام : أرجو ألّا يطلع علينا نقابها» (٢) أي لا يطلع الطاعون. نقاب المدينة ، أي طرقها.
والمنقبة : طريق نافذة في الجبل ، ثمّ استعير للفعل الكريم. ومنه : مناقب الكرماء وأهل الصّلاح ، عكس المثالب. والنّقاب : ما تجعله المرأة على وجهها. وجمعه في القلّة أنقبة ، وفي الكثرة نقب. والنّاقبة : قرحة. والنّقبة : ثوب كالإزار سمي بذلك لنقبة تجعل فيها تكّة.
والمنقب : ما ينقب به الحائط ، وسرّة الدابّة ، ومنه : نقب البيطار سرّة الدابّة. وفي الحديث : «لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة» (٣) المنقبة : الطريق بين الدارين ، وأصلها في الجبلين كما تقدّم. والنّقبة : أول الجرب يبدو ؛ وفي الحديث : «إنّ النّقبة قد تكون بمشفر البعير» (٤) وجمعها نقب. والنّقبة أيضا : اللون. والنّقبة أيضا : السّراويل يجعل لها حجزة من غير نيفق (٥) ولا ساقين ، فإن كان فيه نيفق وساقان فسراويل ، وقد تقدّم أنه الإزار والتّكّة ؛ ومنه الحديث : «ألبستنا أمّنا نقبتها» (٦). والنّقاب بمعنى المنقب (٧) ، وذكر الحجاج ابن عباس فقال : «ما كان إلّا نقابا» (٨) أي عالما بحاثا عن الأشياء.
__________________
(١) ١٢ / المائدة : ٥.
(٢) النهاية : ٥ / ١٠٢. لقد ضبطها الهروي وابن منظور بالنصب «نقابها».
(٣) المصدر السابق.
(٤) النهاية : ٥ / ١٠١ ، وليس فيه «قد».
(٥) النيفق : الموضع المتسع منه (القاموس).
(٦) النهاية : ٥ / ١٠٢.
(٧) وفي الأصل : النقاب ، ولعلها كما ذكرنا.
(٨) النهاية : ٥ / ١٠٣ ، وفي رواية : «إن كان لمنقبا».
ن ق ذ :
قوله تعالى : (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ)(١) أي لا ينجون ولا يتخلّصون. يقال : أنقذته من كذا ، أي خلّصته منه. وقال بعضهم : الإنقاذ : التخليص من ورطة ، ومنه قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها)(٢). والنّقذ (٣) كالنّفض والقبض بمعنى المنفوض والمقبوض. وفرس نقيذ : أخذ من قوم ، لأنّه خلص منهم ، والجمع نقائذ.
ن ق ر :
قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)(٤) النّقير : الوقبة (٥) في ظهر النواة ، ومنها تنبت النخلة ، وهذا يضرب مثلا في القلّة ، وفيه قول آخر : نقل عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فوضع طرف إبهامه على باطن السّبابة ثم نقرها وقال : «هذا النّقير» (٦). وأصل النّقر قرع الشيء المفضي إلى النّقب. والمنقار : ما ينقر به كمنقار الطائر ، والحديدة التي ينقر بها. ويعبّر به عن البحث ، فيقال : نقرت عن الأمر. وعن الاغتياب فقيل : نقرته. وقالت امرأة لزوجها : مرّ بي على بني نظرى ولا تمرّ بي على بنات نقرى (٧) أي مرّ بي على الرجال الذين ينظرون إليّ لا على النساء اللاتي يغتبنني. والنّقير أيضا : ما ينقر من خشب النخل وينبذ فيه. وفي الحديث : «نهى عن النّقير والمزفّت» (٨).
وأنقر عن كذا : أقلع عنه ، ومنه قول ابن عباس : «ما كان الله لينقر عن قاتل المؤمن» أي ليقلع ويترك. قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(٩) أي نفخ في الصّور ، والناقور : الصّور.
__________________
(١) ٢٣ / يس : ٣٦.
(٢) ١٠٣ / آل عمران : ٣.
(٣) مكررة في الأصل.
(٤) ١٢٤ / النساء : ٤.
(٥) وفي الأصل : النقبة ، والتصويب من المفردات : ٥٠٣.
(٦) النهاية : ٥ / ١٠٤.
(٧) كذا في اللسان ، وفي الأصل : نظر .. نقر.
(٨) المصدر السابق. يقول : النقير : أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ، ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا مسكرا. والمقصود : نهى عن نبيذ النقير.
(٩) ٨ / المدثر : ٧٤.
وأصل إطلاق النّقر على النّفخ ، وتسمية الصّور ناقورا ، أي منفوخا فيه ، والله أعلم ، من قولهم : نقرت الرجل : إذا صوّتّ له بلسانك ، وذلك بأن تلصق بلسانك نقرة حنكك ، فشبّه النافخ بذلك.
ونقرت الرجل أيضا : خصصته بالدّعوة ، كأنّك نقرت له بلسانك مشيرا إليه. وتلك الدّعوة يقال لها النّقرى ، والدعوة العامة الجفلى. قال الشاعر (١) : [من الرمل]
نحن في المشتاة ندعو الجفلى |
|
لا ترى الآدب فينا ينتقر |
الآدب : صاحب المأدبة.
ن ق ص :
قوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ)(٢) النّقص : ضدّ الزيادة. وفي معنى الآية الكريمة وجهان : أحدهما ما ينقص من عددهم ، والثاني ما تأكله من لحومهم وتمصّه من دمائهم. وأصل النّقص في الأجرام ، ويستعمل في المعاني أيضا مجازا ، وبمعناه النقصان كالكفر والكفران والخسر والخسران. ويكون قاصرا ومتعديا لواحد ولاثنين كزاد في ذلك كلّه. تقول : نقص المال ، ونقصت زيدا مالا ، ونقصت المال.
ن ق ض :
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها)(٣) النّقض ضدّ الإبرام ، وهو انتثار العقد من البناء والحبل والعهد. والنّقض : المنقوض ، وذلك في الشّعر أكثر. والنّقض كذلك [وذلك](٤) في البناء أكثر ، والنّقض : البعير المهزول ، والجمع في الجميع أنقاض.
والمناقضة في الكلام : التخالف ، وأصله التخالف نفيا وإثباتا من النقيضين ، فإنّ النّقيضين كلّ قضيّتين متى صدقت إحداهما كذبت الأخرى. والنّقيضان لا يجتمعان ولا
__________________
(١) البيت لطرفة ، الديوان : ٧٧. المشتاة : الشتاء.
(٢) ٤ / ق : ٥٠.
(٣) ٩٢ / النحل : ١٦.
(٤) إضافة مناسبة للسياق.
يرتفعان ، كقولك : زيد قائم ، زيد ليس بقائم ، مع إتحاد جهات مذكورة في غير هذا.
قوله تعالى : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)(١) قال ابن عرفة : أي أثقله حتى جعله (٢) نقضا. وهو الذي أتعبه السّفر والعمل حتى ذهب لحمه. وقال الأزهريّ : أثقله حتى سمع نقيضه ، أي صوته. قلت : الإنقاض : صوت لزجر القعود ، وأنشد (٣) : [من الرجز]
أعلمتها (٤) الإنقاض بعد القرقرة
وأنقضت الدّجاجة : صوّتت عند البيض. فجعل ما يسمع من صوت المفاصل إنقاضا. إلا أن الراغب (٥) قال : وحقيقة الإنقاض ليس الصوت ، إنما هو انتقاضها في نفسها ، يعني الدّجاجة ، لكي يكون فيها الصّوت في ذلك الوقت. فعبّر عن الصوت به.
ن ق ع :
قوله تعالى : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً)(٦) أي فأثارت الخيل العاديات بالمكان غبارا بحوافرها. والنّقع : الغبار أيضا ، وأنشد (٧) : [من الطويل]
كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا |
|
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
والنّقع أيضا : رفع الصوت. ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه في نساء يبكين على خالد بن الوليد : «ما عليهنّ أن يسفكن من دموعهنّ ما لم يكن نقع ولا لقلقة؟» (٨). وأنشد للبيد بن ربيعة (٩) : [من الرمل]
__________________
(١) ٣ / الشرح : ٩٤.
(٢) وفي الأصل : جعل.
(٣) قاله شظاظ ، وهو لص من بني ضبة ، وهو مذكور في المفردات ، والتاج ـ مادة نقر. وصدره فيه :
رب عجوز من غير شهبره
(٤) وفي التاج : علّمتها.
(٥) المفردات : ٥٠٤.
(٦) ٤ / العاديات : ١٠٠.
(٧) بيت مشهور لبشار ، يدخل ضمن شواهد علم البيان. والعجز لم يذكره (ح).
(٨) النهاية : ٥ / ١٠٩. واللقلقة : الصوت ، والكلمتان بمعنى.
(٩) ديوان لبيد : ١٩١ ، وفيه : يحلبوه. والمعنى : يمدوه ويعينوه بحلائب الخيل.
فمتى ينقع صراخ صادق |
|
يحلبوها ذات جرس وزجل |
وقيل : معناه : يدوم ويثبت. وقال شمر : النّقع هنا شقّ الجيوب. وأنشد للمرّار (١) : [من الوافر]
نقعن جيوبهنّ عليّ حيّا |
|
وأعددن المراثي والعويلا |
والنّقع : أيضا : الناقع ، وهو المستنقع. قال الهرويّ : والجمع أنقع. وفي المثل : «إنّ فلانا لشرّاب ناقع». يضرب مثلا لمن جرّب الأمور وخبر الطرق. وأصله في الدّليل ، لأنّه متى مهر بمواضع الماء مهر بمعرفة الطريق ؛ قال الحجاج : «إنكم يا أهل العراق لشرّابون عليّ بأنقع» (٢). وفي حديث المولد : «فاستقبلوه منتقعا لونه» (٣) أي متغيّرا. يقال : انتقع لونه ، وامتقع ، واتّقع ، واستنقع ، واهتقع ، والتمع ، وانتسف ، وانتسر ، والتهم ، والتمىء : أي ذهب دمه.
والنّقيع (٤) : موضع بالمدينة حماه عمر لنعيم الفيء. وفي الحديث : «إذا استنقعت نفس المؤمن جاءه ملك» (٥) قال شمر : لا أعرفه. قال الأزهريّ : أي اجتمعت فيه حين تريد أن تخرج كما يستنقع الماء في قراره.
ن ق م :
قوله تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ)(٦) يقال : نقمت الشيء ونقمته ـ بالفتح والكسر ـ ، أي كرهته ، والفتح أفصح. ولذلك لم يقرأ قوله : (هَلْ تَنْقِمُونَ)(٧) إلا بالكسر وقيل :
__________________
(١) اللسان ـ مادة نقع.
(٢) النهاية : ٥ / ١٠٨ ، مستخدما المثل.
(٣) النهاية : ٥ / ١٠٩.
(٤) النقيع : الموضع الذي يستنقع فيه الماء ، وبه سمي هذا الموضع ، يبعد عشرين فرسخا عن المدينة (معجم البلدان ـ نقيع).
(٥) النهاية : ٥ / ١٠٨ ، يريد ملك الموت. والنفس : الروح.
(٦) ٧٤ / التوبة : ٩.
(٧) ٥٩ / المائدة : ٥.
نقمته : أنكرته إمّا باللسان أو بالعقوبة. والنّقمة والانتقام : العقوبة بإنكار. قال تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ)(١). ونقمت عليه كذا : أنكرته عليه.
فصل النون والكاف
ن ك ب :
قوله تعالى : (عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ)(٢) أي عادلون. يقال : نكب عن كذا ينكب نكبا فهو ناكب : إذا عدل عنه بمنكبه. والمنكب : مجتمع ما بين العضد والكتف ، والجمع مناكب. وقد استعير ذلك للأرض استعارة الظهور (٣) لها في قوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها)(٤)(ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها)(٥). وقيل : «في مناكبها» في طرقها ، وقيل : جبالها. وأصله ما ذكرته لك. ومنكب القوم : رئيسهم ، استعارة من هذه الجارحة استعارة الرأس والوجه له في قولهم : هو رأس القوم ووجه القوم ، وكاستعارة اليد للقاضي والوالي.
ولفلان على قومه نكابة ونقابة ، أي عرافة. والأنكب : المائل المنكب ، وهو من الإبل ما يمشي إلى شقّ. والنّكب : داء يأخذ في المنكب ، ومنه استعير لكل ذاهب في نفس أو مال ، فيقال : نكب فلان ، وأصابته نكبة. والنّكباء : كلّ ريح هبّت بين ريحين فهي نكباء ، لأنها عدلت عن المهبّ. ونكبته حوادث الدّهر ، قيل : هبّت عليه هبوب النّكباء. ونكّب عن الصواب تنكيبا. ونكّب كنانته ينكبها ، ونكب ـ بالتخفيف ـ ينكبها نكبا ونكوبا : إذا كبّها فأخرج سهامها. ومنه قول الخبيث : «إن أمير المؤمنين نكب كنانته فعجم عيدانها ، فوجدني أصلبها عودا» (٦). وتنكّب فرسه وترسه ، أي علّقه في منكبه.
__________________
(١) ٥٥ / الزخرف : ٤٣.
(٢) ٧٤ / المؤمنون : ٢٣.
(٣) يريد جمع الظهر.
(٤) ١٥ / الملك : ٦٧.
(٥) ٤٥ / فاطر : ٣٥.
(٦) النهاية : ٥ / ١١٢.
ن ك ث :
قوله تعالى : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)(١) النّكث والنّقض أخوان. والنّكث : المنكوث ، والجمع أنكاث. قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)(٢). واستعير النكث والنّقض لعدم الوفاء بالعهد. قال تعالى : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ)(٣). والنّكيثة كالنّقيضة ، وهي كلّ خصلة ينكث فيها القوم. وأنشد لطرفة بن العبد (٤) : [من الطويل]
وقرّبت بالقربى وجدّك إنّني (٥) |
|
متى يك أمر للنّكيثة أشهد |
وفي حديث بعضهم : «كان يأخذ النّكث من الطريق» (٦) يعني الخيط الخلق من صوف وشعر ، لأنه ينكث ويعاد.
ن ك ح :
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا)(٧) النّكاح لغة : المداخلة والاستباك. ومنه : تناكحت الأشجار ، أي تداخلت أغصان بعضها في بعض. ومنه قيل (٨) للوطء نكاح ، ويطلق على العقد لأنه سببه. وقيل : هو حقيقة فيهما ، وقد جعله الراغب (٩) حقيقة في العقد ، مستعارا في الوطء ، فقال : أصل النكاح العقد ، ثم استعير للجماع. قال : ومحال أن يكون في الأصل للجماع ، ثم استعير للعقد ، لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات ، لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه. ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه.
__________________
(١) ١٠ / الفتح : ٤٨.
(٢) ٩٢ / النحل : ١٦.
(٣) ١٢ / التوبة : ٩.
(٤) الديوان : ٤٧. القربى ، جمع قربة ، وقيل : هو اسم من القرب والقرابة. النكيثة : المبالغة في الجهد.
(٥) وفي الأصل : إنه ، والتصويب من الديوان.
(٦) النهاية : ٥ / ١١٤ ، من حديث عمر.
(٧) ٢٢١ / البقرة : ٢.
(٨) ساقطة من ح.
(٩) المفردات : ٥٠٥.
وفيما قاله نظر لبشاع لفظتي الوطء والجماع في لسانهم ، ومعناهما مراد. على أنّ الوطء والجماع كنايتان عن الفعل المعروف ، فإنّ حقيقة الوطء وطء الأرض ونحوها بالرّجل. والجماع من الاجتماع والجمع.
ويدلّ على النكاح لغة التداخل قولهم : نكح الأرض المطر. قالوا : وكلّ نكاح ورد في الكتاب العزيز فالمراد به العقد ، إلا موضعا واحدا وهو قوله : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)(١). (ليس المراد مجرّد العقد بل لا بدّ من الوطء ، وفيه نظر من حيث إنه يكون المعنى حتى تطأ الزوجة زوجا غيره) (٢). والوطء إنما ينسب للرجل لا للمرأة ، فنقول : «تنكح» هنا على بابه. ودلّ دليل آخر أنه لا بدّ من الوطء لقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا ، حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» الحديث (٣).
وقال أبو عليّ : فرّقت العرب بين العقد والوطء بفرق لطيف ؛ فإذا قالوا : نكح فلان فلانة أو ابنة فلان أرادوا عقد عليها. وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته فلا يريدون غير المجامعة. قلت : وهذا غير صحيح لظهوره بالقرينة. ومن ورود النكاح بمعنى العقد قول الشاعر (٤) : [من الطويل]
فلا تقربنّ جارة إنّ سرّها |
|
[عليك] حرام ، فانكحن أو تأبّدا |
أي فاعقد أو كن كالأوابد ، وهي الوحوش. ومن وروده بمعنى الوطء قول الشاعر (٥) : [من الكامل]
النازلين على ظهور متونهم |
|
والناكحين بشاطىء دجلة البقرا |
وقيل : أصل النكاح لغة الملازمة. ومنه نكح المطر الأرض ، أي لزمها.
__________________
(١) ٢٣٠ / البقرة : ٢.
(٢) ما بين قوسين ساقط من ح.
(٣) النهاية : ٣ / ٢٣٧ ، قاله لامرأة القرظي. شبه لذة الجماع بذوق العسل فاستعار لها ذوقا.
(٤) البيت للأعشى ، وهو في الأصل ناقص. الديوان : ١٣٧ ، ختام القصيدة.
(٥) العجز مضطرب ، كذا في الأصل!
ن ك د :
قوله تعالى : (وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً)(١) النكد : كلّ شيء أخرج إلى طالبه بتعسّر. وناقة نكداء : طفيفة الدّرّ صعبة الحلب. ورجل نكد ونكد. والنّكد مصدر نكد ينكد نكدا : إذا عسر. ونكّدت عليه عيشه : عسّرته عليه. ويقال : امرأة نكداء ونساء نكدى : إذا حصل عندهنّ نكد. وأنشد لكعب بن زهير (٢) : [من البسيط]
شدّ النّهار ذراعا عيطل نصف |
|
قامت فجاوبها نكد مثاكيل (٣) |
جعلهنّ نكدا لما أصابهنّ من فقد أولادهنّ.
ن ك ر :
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ)(٤) يقال : نكرت الشيء وأنكرته ، فأنا ناكر منكر ، وهو منكور ومنكر. والإنكار ضدّ العرفان. قال الراغب (٥) : وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوّره ، وذلك ضرب من الجهل. قال تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٦). قلت : وتلاوة الآية بعد هذا القول لا تليق أن تكون مثالا له ، لأن الأنبياء لا توصف بالجهل البتّة (٧) ، وإنما قصد تلاوة الآية لتضمّنها لفظ المادة فقط. قال : ويستعمل ذلك منكرا باللسان ، وسبب الإنكار باللسان كالإنكار بالقلب ، لكن ربّما ينكر اللسان الشيء وصورته في القلب حاصلة ، ويكون ذلك كاذبا. قال : وعلى هذا : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها)(٨). قال : والمنكر كلّ شيء
__________________
(١) ٥٨ / الأعراف : ٧.
(٢) ديوان كعب : ١٧.
(٣) شدّ النهار ؛ ظرف ، أي وقت ارتفاع النهار : العيطل : الطويلة. نكد : قليلات الأولاد. النصف : التي قامت تنوح.
(٤) ٧٠ / هود : ١١.
(٥) المفردات : ٥٠٥.
(٦) ٥٨ / يوسف : ١٢.
(٧) جاء في هامش «س» (ورقة ٣٨١ / آ) : ما اتخذ الله وليا جاهلا لو اتخذه لعلمه ، فكيف الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه؟
(٨) ٨٣ / النحل : ١٦.
تحكم العقول الصّحيحة بقبحه ، أو تتوقّف على استقباحه العقول ، وتحكم بقبحه الشريعة. وإلى هذا قصد بقوله : (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(١).
وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف. قال تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها)(٢) وتعريفه : جعله بحيث يعرف ، واستعمال ذلك في عبارة النّحويين هو أن يجعل الاسم على صيغة مخصوصة. انتهى.
قلت : يعني التعريف عند النحويين كذا ، وأراد بالصيغة إطلاقه على ذات مخصوصة. والنكرة عندهم ما وقع شائعا في جنسه كرجل. والمعروف ما وقع خاصا. وإنما قلنا : «ما وضع» ليدخل نحو شمس وقمر في النكرات ، ونحو زيد وعمرو في المعارف كما حقّقناه في غير هذا. وقال مجاهد في قوله : «نكّروا لها عرشها» أي غيّروه أتعرفه أم لا؟ (ومعنى قولهم : أنكرت على فلان ، أي فعلت به فعلا يردعه. قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٣) نكير مصدر) (٤) بمعنى الإنكار كالنذير.
قوله : (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)(٥) أي لا تقدرون على أن تنكروا ذنوبكم. وقيل : مالكم من ينكر علينا ما نفعل بكم كقوله : (مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٦). قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ)(٧) أي أقبحها. ومنه وجه منكر ، أي قبيح ينكره من رآه ويشمئزّ منه. وفي الحديث : «إنّه لم يناكر أحدا قطّ إلا كانت معه الأهوال» (٨) أي يحارب. والمناكرة : المحاربة ، لأنّ كلّ فريق مخادع الآخر. قال الراغب (٩) : واستعمل المناكرة للمحاربة. ومعنى «إلا كانت معه الأهوال» كقوله : «نصرت بالرّعب» (١٠).
__________________
(١) ١١٢ / التوبة : ٩.
(٢) ٤١ / النمل : ٢٧.
(٣) ٤٤ / الحج : ٢٢.
(٤) ما بين قوسين ساقط من ح.
(٥) ٤٧ / الشورى : ٤٢.
(٦) ٧٤ / التوبة : ٩ ، وذكرها الناسخ خطأ فصوّبناها.
(٧) ١٩ / لقمان : ٣١.
(٨) النهاية : ٥ / ١١٤.
(٩) لم يرد كلامه في المفردات.
(١٠) النهاية : ٢ / ٢٣٢.
والنّكر ، بفتح الفاء : الدّهاء. وبضمّها : الشيء المنكر. وقد قرىء قوله تعالى : (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ)(١) بالوجهين ، أعني ضمّ العين وسكونها مع ضمّ الفاء فقط. قال الراغب (٢) : والنّكر : الدّهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف. وقد نكر نكارة ، وفي الحديث : «أتاه ملكان منكر ونكير» (٣) المشهور كسر كاف منكر ، سمّيا بذلك لإنكارهما غالب الخلق ، أو لأنّ كلّ أحد يفزع منهما إلا من عصمه الله وثبّته.
ن ك س :
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ)(٤) أي مميلوها مطرقين ذلا وخجلا. وأصل النّكس القلب. وهو أن يجعل أعلاه أسفله ، بأن تجعل رجلا الإنسان إلى فوق ورأسه إلى تحت. فبولغ في وصف المجرمين بذلك. ويجوز أن يكونوا كذلك حقيقة. قوله تعالى : (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ)(٥) أي قلبوا. وهو عبارة عن اختلاط عقولهم وأذهانهم. قال الفراء : أي رجعوا عمّا عرفوا من الحجّة لإبراهيم عليهالسلام. وقال الأزهريّ : أي ضلّوا.
وأصل النّكس أيضا العود. ومنه نكس المريض ، وهو أن يعود إلى مرضه بعد إفاقته منه. والنّكس : الدّنيء من الرجال ، وأصله السّهم الذي انكسر فوقه ، فجعل أعلاه أسفله ، قوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ)(٦) أي نردّه إلى حالة الضّعف كما كان حال الصّغر لقوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)(٧) ، ولذلك يصير عقله كعقل الأطفال ، وكذا قوّته وأكله. وهذا أمر مشاهد. ومثله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ)(٨).
__________________
(١) ٦ / القمر : ٥٤.
(٢) سنن الترمذي في الجنائز ، رقم ١٠٧١ ، باب ما جاء في عذاب القبر عن أبي هريرة.
(٣) المفردات : ٥٠٥ ، وروايته بفتح الكاف.
(٤) ١٢ / السجدة : ٣٢.
(٥) ٦٥ / الأنبياء : ٢١.
(٦) ٦٨ / يس : ٣٦.
(٧) ٧٠ / النحل : ١٦.
(٨) ٥ / التين : ٩٥.
وقرىء : «ننكسه» (١) مخفّفا ومشدّدا ، إلا أنّ الأخفش قال : لا يكاد يقال : نكّسته ـ بالتشديد ـ إلا لما يقلب ، فيجعل رأسه أسفله. وقد حقّقنا هذا الحرف وقراءاته في غير هذا. ويقال : رجل ناكس ، ورجال ناكسون ، وشذّ جمعه على نواكس. وأنشد (٢) : [من الكامل]
وإذا الرّجال أتوا يزيد رأيتهم |
|
خضع الرّقاب نواكس الأبصار |
يروى نواكسي ـ بالياء ـ على أنه جمع تصحيح لجمع التكسير. ويروى نواكس ـ بفتح السين على أنّه جمع تكسير فقط. ومثله في الشذوذ فوارس. وفي حديث ابن مسعود : «وقيل له في رجل يقرأ القرآن منكوسا» (٣) قال أبو عبيد : وجهه عندي أن يبدأ من آخر القرآن ؛ من المعوّذتين ، ثم يرتفع إلى البقرة كنحو مّا يتعلّم الصبيان. قلت : وهذا قريب ، ولا يجوز أن يفهم أنه يقرأ من آخر سورة إلى أولها ، وهذا ما لا يجوز بوجه.
ن ك ص :
قوله تعالى : (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ)(٤) أي رجع إلى ورائه يمشي القهقرى. ومثله قوله تعالى : (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ)(٥). ولا يكاد يقال إلا مع لفظ العقب. وقيل : النكوص : الإحجام عن الشيء وعدم الإقبال عليه ، وإن لم يكن بهذه الكيفية الخاصّة ، لكن متى ذكر مع العقب ، وأريد به الحقيقة لزم أن يمشي إلى ورائه القهقرى كما تقدّم.
ن ك ف :
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ)(٦) الاستنكاف : الاستكبار والأنفة من الشيء. يقال : نكفت من كذا واستنكفت منه (٧). وأصله من نكفت الشيء : إذا نحّيته. والنّكف :
__________________
(١) قرأ عاصم والأعمش وحمزة بالتشديد ، وقرأ الحسن وأهل المدينة بالتخفيف.
(٢) البيت للفرزدق ، كما في ديوانه : ٣٧٦. وفيه : رأوا يزيد.
(٣) النهاية : ٥ / ١١٥.
(٤) ٤٨ / الأنفال : ٨.
(٥) ٦٦ / المؤمنون : ٢٣.
(٦) ١٧٢ / النساء : ٤.
(٧) أي أنفت.
تنحية الدمع عن الخدّ بالإصبع. وأنكفته : نزّهته عمّا يستنكف منه. ومنه الحديث : «وسئل عن : سبحان الله ، فقال : إنكاف الله من كلّ سوء» (١). وفي الحديث : «فانتكف العرق عن جبينه» (٢) أي انقطع (٣) ، مأخود من نكفت الدمع كما تقدّم. وفي حديث آخر : «جاء جيش لا ينكف آخره» (٤) أي لا ينقطع (٥).
ن ك ل :
قوله تعالى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً)(٦) أي قيودا ، واحده نكل نحو جمل وأجمال. وأصل ذلك من نكل ، أي منع ، لأنّ القيد يمنع من المشي. ومنه : نكّلت به ، أي فعلت به ، فعلا يمنع غيره من الوقوع في فعله. والنّكول عن اليمين : الامتناع منه. والنّكل أيضا : اللجام الثقيل ، لأنّه يمنع الدابّة من الجماح.
ويقال : نكل عن الأمر ينكل كعلم يعلم ، ونكل ينكل كفتك يفتك (٧). قوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً)(٨) أي فجعلنا العقوبة ، أو المسخة ، أو القرية المعاقبة ، أو الطائفة منعا لمن تقدّمها أو تأخّر عنها أن يرتكبوا مثل ما ارتكبوا. وقال الأزهريّ : النّكال : العذاب. قوله : (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً)(٩) أي تعذيبا عذابا يمنع الغير من الذنب.
وأنكلت الرجل عن حاجته : دفعته عنها ، من أنكلت الحجر : إذا دفعته. وفي الحديث : «مضر صخرة الله التي لا تنكل» (١٠) أي لا تندفع عما سلّطت عليه. وفيه «إنّ الله يحبّ النّكل على النّكل. قيل : وما ذلك؟ قال ؛ الرجل القويّ المجرّب المبدىء المعيد
__________________
(١) النهاية : ٥ / ١١٦. والمعنى : تنزيهه وتقديسه.
(٢) المصدر السابق.
(٣) لعل الأفصح أن يقول : مسحه ونحّاه.
(٤) النهاية : ٥ / ١١٦.
(٥) لعل الأفصح أن يقول : لا يحصى ولا يبلغ آخره ، كما في النهاية.
(٦) ١٢ / المزمل : ٧٣.
(٧) وفي القاموس : كضرب يضرب ، ونصر ينصر ، وعلم يعلم.
(٨) ٦٦ / البقرة : ٢.
(٩) ٨٤ / النساء : ٤.
(١٠) النهاية : ٥ / ١١٧.
على الفرس المجرّب المبدىء المعيد (١). وفيه أيضا : «من غير نكل في قدم ولا وهن في عزم» (٢). النّكل : الجبن.
فصل النون والميم
ن م ل :
قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ)(٣). النّملة واحد النمل ، وهو هذا الحيوان المعروف يقع على الذكر والأنثى ، ويفرّق بين المذكر والمؤنث بالوصف نحو : نملة أنثى ونملة ذكر كما ذكرنا. وحضر أبو حنيفة رحمهالله تعالى مجلس قتادة بالكوفة وهو يقول : سلوني ما شئتم. فقال أبو حنيفة لبعض الحاضرين : سله عن النملة التي كلمت سليمان ما كانت؟ ذكرا أم أنثى؟ فسأله فمكع (٤). فقيل لأبي حنيفة فقال : أنثى. فقيل له : من أين علمت؟ (٥) فقال : من تأنيث فعلها ، وتأنيث فعلها بالتاء ، وهو حسن جدا وإن كان بعضهم أبدى فيه بحثا لا يظهر كما بينّاه في موضعه.
وفي الحديث : «نهى عن قتل أربع ، منها النملة» (٦). قال الحربيّ (٧) : النملة ما كان لها قوائم ، وأمّا الصّغار فهي الذّرّ. وقال الأزهريّ : الجعبى : الذرّة الحمراء ، والحبشيّة الذرّة السوداء. والنّملة : قرحة تخرج بالجنب. قال الأصمعيّ وغيره : تشبيها بالنّمل. وهي أيضا شقّ في الحافر. ومنه : فرس نمل القوائم. ويستعار ذلك (٨) للنّميمة لدبيبه ، فيقال : هو
__________________
(١) المصدر السابق ، وليس فيه الكلمتان الأخيرتان ، ولعلهما مقحمتان.
(٢) المصدر السابق ، والحديث لعليّ. وفي الهروي والفائق : «بغير نكل».
(٣) ١٨ / النمل : ٢٧. وانظر (ن ح ل).
(٤) الكلمة ساقطة من ح ، ولم نجد لها معنى.
(٥) الكلمة ساقطة من ح.
(٦) النهاية : ٥ / ١٢٠.
(٧) هو إبراهيم بن إسحاق الحربي ، إمام فاضل له تصانيف كثيرة منها «غريب الحديث». توفي سنة ٢٨٥ ه ، ونسبته إلى محلة ببغداد (اللباب : ١ / ٣٥٤).
(٨) يعني النمل.
نمل ، وذو نملة ، ومنمّل ونمّال. وأنشد (١) [من المتقارب]
ولست بذي ترب فيهم |
|
ولا منمش منهم منمل |
وقيّد الهرويّ ذلك فقال : وأمّا النّملة ـ بضم النون ـ فهي النّميمة. وتنمّل القوم : تفرّقوا تفرّق النمل بعد تجمعهم. وفي المثل : «هو أجمع من نملة». والأنملة : طرف الإصبع. قال تعالى : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)(٢). وهو مثل في شدّة الغيظ والتّندّم.
ن م م :
قوله تعالى : (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(٣). النّميم والنّمّ : إظهار الحديث. والنّميمة : الوشاية بالرجل والسعي به. ورجل نمّام ، أي ينقل الحديث المؤذي. يقال : نمّ عليه ينمّ وينمّ نمّا فهو نمّام ونموم (٤). قيل : وأصل النّميمة الهمس والحركة الخفيفة. قال الراغب (٥) : ومنه : أسكت الله نامّته ، أي ما ينمّ عليه من حركته. والنّمّام : نبت ذو رائحة طيبة. قيل : سمّي بذلك لأنّه تنمّ عليه رائحته. والنّميمة : خطوط متقاربة ، وذلك لقلة الحركة في كتابته من كاتبه ، واستعير ذلك للوشي (٦) والتّزويق ، فقيل : ثوب منمنم.
__________________
(١) العجز في التاج واللسان ، والصدر فيهما يخالف الأصل ، وهو :
وما كنت ذا نيرب فيهم
ورجل منمش كمنبر : مفسد.
(٢) ١١٩ / آل عمران : ٣.
(٣) ١١ / القلم : ٦٨.
(٤) وفي الأصل : نمام (مكررة). والتصويب من اللسان.
(٥) المفردات : ٥٠٦.
(٦) وفي الأصل : الموشى.
فصل النون والهاء
ن ه ج :
قوله تعالى : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)(١). المنهاج : الطريق الواضح ، وكذلك المنهج. ويستعار ذلك للدّين والأمر كاستعارة الطريق والمذهب لذلك. والنّهج (٢) أيضا : الطريق. وقد نهج الأمر وأنهج : اتّضح. ومنه نهج الثوب وأنهج ، أي بان فيه أثر البلى ، وقد أنهجه البلى ، وأنشد : [من الرجز]
يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفا |
|
من طلل كالأنجميّ أنهجا |
أي خلق ودرس. وفي الحديث : «ضربه حتى أنهج» (٣) أي وقع عليه (٤) الرّبو. ومنه حديث عائشة أيضا : «فقادني وإني لأنهج» (٥) أي أربو وأتنفّس. يقال : نهج وأنهج. ومنه : «نهج بين يديه عليه الصلاة والسّلام حتى قضى» (٦). ومنه قول الناس : به نهيج ، أي تنفّسّ قويّ.
ن ه ر :
قوله تعالى : (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)(٧) النّهر : أصله الشّقّ الواسع الذي يجري فيه الماء ، من : نهرت الشيء ، أي شققته شقّا واسعا. ثم تجوّز به عن الماء الجاري فيه للمجاورة. قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٨) مجاز إمّا بإسناد الجري إلى المكان مجازا أو بإسناده للماء إطلاقا لاسم المحلّ على الحال. وقرىء : وفي جنات ونهر بضمّتين ، فقيل : جمع نهر ـ بالسكون ـ نحو سقف وسقف ، ورهن ورهن. وقيل : هو جمع نهار بكسر النون. وقال
__________________
(١) ٤٨ / المائدة : ٥.
(٢) وتحرّك هاؤها.
(٣) النهاية : ٥ / ١٣٤ ، والحديث لعمر.
(٤) الضمير عائد إلى عمر.
(٥) المصدر السابق.
(٦) النهاية : ٥ / ١٣٤ ، والحديث حول قدوم المستضعفين إلى مكة.
(٧) ٥٤ / القمر : ٥٤.
(٨) ٥٧ / النساء : ٤ ، وغيرها.
ثعلب : نهر جمع نهر ، وهو جمع الجمع للنّهار ، وفيه نظر ؛ فلو جعل النّهر جمعا للنهار لكان أقرب ، نحو حمار وحمر. وقال بعضهم : «في جنات ونهر» : في ضياء لا ظلمة فيها لأنّ الجنة لا ليل فيها ، إنما فيها نور يتلألأ. قلت : ويكون ذلك جمع نهار نحو قذل وقذال. وقيل له نهار مجازا ، لأنّ النّهار عبارة عن مدة طلوع الشمس إلى غروبها ، وليس ذلك في الجنّة.
قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً)(١) سمّي النهار نهارا لاتّساع الضوء فيه بخلاف طلوع الشمس. وهو عند بعضهم من الطّلوع إلى الغروب بخلاف اليوم ؛ فإنّه من طلوع الفجر إلى الغروب. وعند العامة لا فرق بين اليوم والنهار. قال الراغب (٢) : والنهار : الوقت الذي ينتشر فيه الضّوء ، وهو في الشّرع ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفي الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. وقوبل به البيات في قوله : (بَياتاً)(٣). والنّهار أيضا فرخ الحبارى. والنّهر (٤) الملازم للسّير (٥) بالنهار ، وأنشد (٦) : [من الرجز]
لست بليليّ ولكنّي نهر |
|
لا أدلج الليل ولكن أبتكر |
ونهرت الدم : أسلته. وفي الحديث : «ما أنهر الدّم» (٧) أي أجراه. وأنشد لقيس (٨) : [من الطويل]
ملكت (٩) بها كفّي فأنهرت فتقها |
|
يرى قائم من دونها ما وراءها |
__________________
(١) ٦٢ / الفرقان : ٢٥. خلفة : يخلف أحدهما الآخر ويتعاقبان.
(٢) المفردات : ٥٠٧.
(٣) ٤ / الأعراف : ٧. ولم تذكرها ح.
(٤) يريد : الرجل النهر.
(٥) وفي ح : المستتر.
(٦) أنشده سيبويه كما في اللسان ـ مادة نهر. جعل «نهر» في مقابلة «ليليّ» ، كأنه قال : لست بليلي ولكني نهاريّ.
(٧) النهاية : ٥ / ١٣٤.
(٨) البيت لقيس بن الخطيم ، كما في اللسان ـ مادة نهر ، يصف فيه طعنة.
(٩) ملكت : شددت وقوّيت.