عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

فعيل بمعنى فاعل ، أي لم ينسك من الوحي (١). وإنما أخّره لمصلحة ، والقصة ذكرناها في التفسير.

قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(٢) المراد به الجنس ، ولذلك استثنى منه. والإنسان عند قوم مشتقّ من النسيان ؛ قالوا : مأخوذ من قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ)(٣) قال أبو منصور : هذا دليل على أنّ أصل إنسان إنسيان ، ولذلك صغّر فقيل أنيسيان (٤). قلت : وأنشد القائل بذلك قول الشاعر (٥) : [من الكامل]

سمّيت إنسانا لأنّك ناسي

وقال آخر (٦) : [من البسيط]

لئن نسيت عهودا كنت موثقها

فاغفر ؛ فأوّل ناس أول النّاس

ولنا فيه كلام أتقنّاه في غير هذا. قوله : (وَأَناسِيَّ كَثِيراً)(٧). قيل : هو جمع إنسان (٨) ، فأبدلت النون ياء كقولهم : ظرابي والأصل ظرابين. ويقال : سرحان وسراحين وسراحي. وقيل : هو جمع إنسيّ ، وفيه نظر من حيث صناعة النحو كما بيّناه في غير هذا.

__________________

(١) يروى أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أبطأ عليه جبريل بالوحي فقال وقد أتاه جبريل : ما زرتنا حتى اشتقناك. فقال : ما نتنزّل إلا بأمر ربك.

(٢) ٢ / العصر : ١٠٣.

(٣) ١١٥ / طه : ٢٠.

(٤) فدلت الياء الأخيرة على الياء في تكبيره ، إلا أنهم حذفوها لما كثر الناس في كلامهم.

(٥) تاج العروس ـ مادة أنس.

(٦) العجز في التاج ـ مادة أنس.

(٧) ٥٩ / الفرقان : ٢٥.

(٨) وقيل : جمع إنسي ، كذا قال الفراء. يقول : وإن شئت جعلته إنسانا ثم جمعته أناسي.

٢٠١

فصل النون والشين

ن ش أ :

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ)(١) الإنشاء : ابتداء الخلق ، وكلّ من ابتدأ خلق شيء واخترعه فقد أنشأه. ومنه : أنشأ الشاعر القصيدة. وأنشأ فلان يفعل كذا ، أي ابتدأ في فعله. والإنشاء الإختراعيّ غير المسبوق بمثال لا يليق إلا بالباري تعالى. قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ)(٢).

قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى)(٣) يعني خلقكم الأول ، وهو ما ثبت بالدليل من خلق أصلكم من تراب ، أو خلق أنفسكم من كونكم نطفا في أصلاب الآباء ، ثم تقذف في بطون الأمهات ، ثم تتصور تلك النّطفة ، إلى أن تخرج بشرا سويا ؛ لا يكابر في ذلك إلا معاند. وجعلت الأولى باعتبار النّشأة الأخرى ، وهو بعثهم أحياء بعد إماتتهم وصيرورتهم رمما. قال تعالى : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)(٤) جعلها نشأة بإعتبار تفرّق أوصالهم وبلاء أجسادهم وتقطّع أبدانهم.

يقال : نشأة ونشاءة نحو رأفة ورآفة ، وكأبة وكآبة. وقد قرىء بهما في المتواتر. قوله :

(أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها)(٥) أي ابتدعتم الشجر ، وهو المرخ (٦) والغفار يحكّ أحدهما بالآخر فتخرج النار مع كونه أخضر يقطر ماء. (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)(٧). قوله : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) (٧) أي يتربّى في الحلي والزّينة. يعني : النساء ربّات الحجول. وقرىء : «ينشّأ» بالتشديد (٨).

__________________

(١) ١٤ / المؤمنون : ٢٣.

(٢) ٩٨ / الأنعام : ٦.

(٣) ٦٢ / الواقعة : ٥٦.

(٤) ٢٠ / العنكبوت : ٢٩.

(٥) ٧٢ / الواقعة : ٥٦.

(٦) المرخ : شجر رقيق سريع الوري يقتدح به. والغفار : صغار الكلأ.

(٧) ٨٣ / يس : ٣٦.

(٧) ١٨ / الزخرف : ٤٣.

(٨) يريد : قرىء بالتخفيف كما قرىء بالتشديد ؛ فعند الفراء أن يحيى بن وثاب وأصحاب عبد الله والحسن ـ

٢٠٢

وقال بعضهم : النّشء والنّشأة : إحداث الشيء وتربيته. ومنه نشأ السحاب ، لحدوثه في السماء وتربيته شيئا فشيئا. ومنه قوله تعالى : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ)(١).

قوله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ)(٢) قال ابن عرفة : كلّ ساعة قامها قائم بالليل فهي ناشئة. وقال غيره : كلّ ما حدث بالليل وبدا فقد نشأ ، وهو ناشيء والجمع ناشئة. فناشئة الليل : ما حدث فيه من ساعاته وغيرها. وقال الأزهريّ : ناشئة مصدر جاء على فاعلة بمعنى النشء كالعافية بمعنى العفو. والنشأ ـ بفتح الشين ـ والقصر جمع ناشىء نحو خادم وخدم ، وهو الشابّ.

وقوله : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ)(٣) قرىء بفتح الشين ، على أنها أحدثت وعلّمت بتعليم الله كما علّمها لنوح عليه الصلاة والسّلام ، والتي أخبر بها ، أو التي رفع أشرعتها ، وهي قلاعها.

يقال : نشأت الشيء : رفعته ، وبكسرها على أنها أنشأت الموج أو السّير ، أي رفعت قلوعها على الإسناد المجازي. وفي الحديث قراءات مذكورة في «الدرّ» وغيره. وفي الحديث : «دخلت مستنشئة على خديجة» (٤) هي الكاهنة. يقال : استثنأ الأخبار ، أي بحث عنها.

ن ش ر :

قوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)(٥) أي بسطت ليظهر ما فيها من أعمال العباد لهم ، من : نشرت الثوب. قوله تعالى : (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً)(٦) قيل : هي الرياح تنشر

__________________

ـ البصري قرؤوها بالتشديد ، بينما عاصم وأهل الحجاز بالتخفيف وسكون النون. وانظر الإتحاف : ٣٨٥ ، معاني القرآن : ٣ / ٢٩ ، ومختصر الشواذ : ١٣٤ ، للتفصيل والإضافة. وهي بالتخفيف بمعنى : يتربّى.

(١) ١٢ / الرعد : ١٣.

(٢) ٦ / المزمل : ٧٣.

(٣) ٢٤ / الرحمن : ٥٥.

(٤) النهاية : ٥ / ٥٢.

(٥) ١٠ / التكوير : ٨١.

(٦) ٣ / المرسلات : ٧٧.

٢٠٣

السحاب ، أي تبثّها وتسوقها. وقيل : هي الملائكة التي تنشر الرياح. وقال الفراء : هي الرياح تأتي بالمطر. وقوله : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)(١) ، قيل : هو جمع نشور ، نحو رسول ورسل. ويقال : نشرت الرياح نشرا ، أي صرّت. وأنشد لجرير (٢) : [من الكامل]

نشرت عليك فذكّرت بعد البلى

ريح يمانية بيوم ماطر

وقرىء بشرى (٣) بالباء الموحدة.

قوله : (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً)(٤) أي ذا نشور ، تنتشر الناس في حوائجهم ومتصرّفاتهم ، أي جعله محلّا للانتشار وإبتغاء الرزق ، لقوله في موضع آخر : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(٥). قوله : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(٦) أي المبعث والمرجع إليه تعالى. يقال : أنشر الله الموتى فنشروا. قال الشاعر (٧) : [من السريع]

يا عجبا للميّت الناشر

ويقال : نشر الله الميت ، أيضا من نشر الثوب ، كما قال الشاعر (٨) : [من الوافر]

طوتك خطوب دهرك بعد نشر

كذاك خطوبه طيّا ونشرا

قوله : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)(٩) أي تتفرّقون في حوائجكم ، وتتصرّفون في

__________________

(١) ٦٣ / النمل : ٢٧. هي قراءة ذكرها ابن منظور دون الفراء وابن خالويه. وقرىء «نشرا» و «نشرا».

(٢) ديوان جرير : ٣٠٥ ، وفيه : فبشّرت بعد البلى. النشر : هبوب الريح ممطرة يوما ومغيمة يوما.

(٣) وهي قراءة الجمهور.

(٤) ٤٧ / الفرقان : ٢٥.

(٥) ١٤ / النحل : ١٦.

(٦) ١٥ / الملك : ٦٧.

(٧) عجز للأعشى (الديوان : ١٤١) ، وصدره :

حتى يقول الناس مما رأوا

(٨) من شواهد المفردات : ٤٩٢.

(٩) ٢٠ / الروم : ٣٠.

٢٠٤

متقلّباتكم. وقرىء وإذا قيل انشروا فانشروا (١) أي تفرّقوا عن مجالسكم. قوله : (كَذلِكَ النُّشُورُ)(٢) أي مثل ذلك إحياء الموتى وبعثهم. قوله : (كَيْفَ نُنْشِزُها)(٣) من ذلك ، أي كيف نحييها ونبعثها؟ وقرأ الحسن : «ننشرها» (٤) من نشرت الثوب بعد طيّه. وقرئت بالزاي وسيأتي.

قوله تعالى : (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ)(٥) أي ينشىء لكم ويسهّل لكم من رزقه. وأصل النشر في الأجرام ، فتجوّز به في المعاني. ومنه : نشر رحمته عليه وبسطها ، ونشر الحديث. قوله : (جَرادٌ مُنْتَشِرٌ)(٦) أي متفرق منبثّ في [كلّ] جهة.

والنواشر : عروق باطن الدماغ ، وذلك / لانتشارها. ونشرت الخشب بالمنشار ، وذلك باعتبار ما ينشر منه عند النّحت بعد كونه كالمطويّ. والنّشر : الغيم المنتشر ، نحو النّقض بمعنى المنقوض. والنّشر : الريح الطيبة. ومنه حديث معاوية : «أنه خرج ونشره أمامه» (٧) وأنشد لا مرىء القيس (٨) : [من المتقارب]

كأنّ الغمام وصوب الغمام

وريح الخزامى ونشر القطر

يعلّ به برد أنيابها

إذا غرّد الطائر المستحرّ (٩)

ومن كلام عائشة رضي الله عنها في حقّ أبيها رضي الله تعالى عنه : «فردّ نشر الإسلام على غرّه» (١٠) أي ما انتشر منه وتفرّق إلى حاله التي كانت على عهده عليه‌السلام.

__________________

(١) ١١ / المجادلة : ٥٨ ، وهي قراءة بالراء. والجمهور بالزاي.

(٢) ٩ / فاطر : ٣٥.

(٣) ٢٥٩ / البقرة : ٢ ، وكذا قرأها زيد.

(٤) معاني القرآن : ١ / ١٧٣. وقرأها ابن عباس : «ننشزها».

(٥) ١٦ / الكهف : ١٨.

(٦) ٧ / القمر : ٥٤.

(٧) النهاية : ٥ / ٥٥ ، يريد سطوع ريح المسك منه.

(٨) في الأصل لطرفة ، وهو وهم. فالبيتان لامرىء القيس كما في ديوانه : ١١١.

(٩) وفي الديوان : إذا طرّب. الصوب : الوقع. القطر : عود يتبخر به. يعل : يسقى مرة بعد مرة. المستحر : الفرد في السحر.

(١٠) النهاية : ٥ / ٥٥ ، وجاءت هنا فعل على مفعول أي بمعناه.

٢٠٥

وفي الدّعاء : «اللهمّ اضمم نشري». وفي الحديث : «إذا دخل أحدكم الحمام فعليه بالنّشير ولا يخصف» (١) النّشير : الإزار. ومعنى لا يخصف : لا يضع يده على فرجه. وفي حديث معاذ : «نشر كلّ أرض» (٢) نشرها ما خرج من نباتها. والنشر : الكلأ اليابس إذا أمطر حيي ، وهو دواء للغنم ؛ يقال منه : نشرت الأرض ، فهي ناشرة. والنّشرة : رقية يعالج بها المريض.

ن ش ز :

قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها)(٣) أي نرفع بعضها إلى بعض ، وتركته على حالته الأولى لا يختلّ عظم عن مكانه. والنّشز : الرفع ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)(٤) أي ارتفعوا عن مجالسكم فارتفعوا حتى لا تضيقوا على غيركم. وفي التفسير قصّة (٥). ومنه : نشوز المرأة على زوجها وهو ترفّعها عليه وعدم امتثالها أمره. ومنه قوله تعالى : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ)(٦) والنّشز من الأرض : المرتفع. وباعتبار نشوز المرأة قال الشاعر (٧) : [من الطويل]

إذا جلست عند الإمام كأنّها

ترى رفقة من ساعة تستحيلها

وعرق ناشز ، أي ناتىء ، وامرأة ناشز كحائض. ونشز الرجل ينشز وينشز ، أي ينهض ؛ بضمّ عين المضارع وكسرها ، وقد قرىء بهما قوله : (انْشُزُوا فَانْشُزُوا).

ن ش ط :

قوله تعالى : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً)(٨) قيل : هي الملائكة تنشط لحوم الكفرة ، أي

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) في النص تقديم وتأخير ونقص ، وأصله عند ابن الأثير : «إن كل نشر أرض يسلم عليها صاحبها فإنه يخرج عنها ما أعطي نشرها» (النهاية : ٥ / ٥٥).

(٣) ٢٥٩ / البقرة : ٢.

(٤) ١١ / المجادلة : ٥٨.

(٥) إن سبب نزول الآية قدوم بدريين إلى المسجد وليس لهم موضع ، فأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لهم بالتوسعة.

(٦) ٣٤ / النساء : ٤.

(٧) من شواهد الراغب في مفرداته : ٤٩٣ ، من غير عزو.

(٨) ٢ / النازعات : ٧٩.

٢٠٦

تنزعها. وقيل : تنشط أرواحها. يقال : نشط الشيء ينشط فهو ناشط ، أي نزع. ومنه : «فنشط زينب من حجرها» (١). وقال ابن عرفة : تنشط أرواح المؤمنين ، أي تحلّها حلّا رقيقا. وهذا على سبيل التّوسع. وقيل : نشطت العقدة : عقدتها بأنشوطة. وأنشطتها : حللتها. ومنه الحديث : «فكأنّما أنشط من عقال» (٢) وهذا يردّ ما قاله ابن عرفة ، وأحسن من هذا ما قاله الراغب (٣) : هي الملائكة تنشط الأمور ، من قولهم : نشط العقدة. قال : وتخصيص النّشط وهو العقد الذي يسهل حلّه تنبيه على سهولة الأمر بينهم.

وقيل : الناشطات هي النجوم الخارجات من الشرق بسير الفلك ، أو السائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها ، من قولهم : ثور ناشط ، أي خارج من أرض إلى أرض. وبئر أنشاط ، أي قريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة. والنّشيطة : ما ينشط الرئيس لأخذه (٤) ، كلّ ذلك من السهولة. وقيل : الناشطات : حيّات تنشط الكفرة. يقال : نشطته الحيّة ، أي نهشته.

فصل النون والصاد

ن ص ب :

قوله تعالى : (وَالْأَنْصابُ)(٥) هي حجارة كانت تنصب فتعبد. وقيل : يذبح عليها ويغلى عليها اللحم يأكل منه المحاويج ، وهو جمع نصب. ونصب جمع نصاب ، نحو حمار وحمر. ثم حمر يشبه عنقا فجمع على أفعال. وقيل : نصب جمع نصيب. قال الراغب (٦) : نصب الشيء : وضعه وضعا ناتئا كنصب الزرع والبناء والحجر. والنّصيب : الحجارة تنصب

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٥٧ ، والحديث لأم سلمة.

(٢) النهاية : ٥ / ٥٧.

(٣) المفردات : ٤٩٣ ، وفيه : تعقد الأمور.

(٤) يريد : لأخذه قبل القسمة.

(٥) ٩٠ / المائدة : ٥.

(٦) المفردات : ٤٩٤.

٢٠٧

على الشيء ، وجمعه نصائب ونصب ، وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها. ثم قال : وقد يقال في جمعه أنصاب. انتهى.

قلت : الهاء في قوله : ـ جمعه ـ تعود على نصب لا على نصيب لأنه عهد جمع فعل على أفعال كما تقدّم في نحو عنق وأعناق ، ولم يعهد جمع فعيل على أفعال إلا صفة نحو شريف وأشراف. فإن ادّعي أنّ النصيب صفة : فعيل بمعنى مفعول صحّ أن يكون أنصاب جمع نصيب. وقال الهرويّ : الأنصاب واحدها نصب ونصب ونصب. ولم يبيّن هل النّصب جمع أم لا؟ وقد قرىء قوله تعالى : (إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)(١) بالأوجه الثلاثة (٢). والظاهر أن النّصب ـ بفتح النون ـ مصدر واقع موقع المفعول ، وأنّ النّصب ـ بالضم والسكون ـ مخفف من المضموم.

قوله تعالى : (بِنُصْبٍ وَعَذابٍ)(٣) النّصب والنّصب : التّعب. قال تعالى : (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ)(٤) وكذلك هو البخل والرشد ، وقد قرىء بالوجهين فيهنّ ، ومثله العدم والعدم ، والحزن والحزن ، والعرب والعرب. يقال منه : نصب ينصب نصبا ونصبا فهو ناصب. وأنصبني كذا : أتعبني ، وأنشد (٥) : [من الطويل]

تأوّبني همّ مع الليل منصب

وهمّ ناصب من باب (ماءٍ دافِقٍ)(٦)(عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٧) على النّسب. وأنشد للنابغة (٨) : [من الطويل]

__________________

(١) ٤٣ / المعارج : ٧٠. يوفضون : يسرعون.

(٢) قرأ الأعمش وعاصم : «إلى نصب» إلى شيء منصوب يستبقون إليه. وقرأ زيد : «إلى نصب» فكأن النصب الآلهة. وكلّ واحد وهو واحد ، والجمع : أنصاب (معاني القرآن : ٣ / ١٨٦).

(٣) ٤١ / ص : ٣٨.

(٤) ٤٨ / الحجر : ١٥.

(٥) صدر مذكور في المفردات : ٤٩٤.

(٦) ٦ / الطارق : ٨٦.

(٧) ٢١ / الحاقة : ٦٩.

(٨) مطلع لمدحية في ديوانه : ٥٤. كليني : دعيني وهمي.

٢٠٨

كليني لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

ويجوز أن يكون «نصب» متعديا وهذا منه ، فيكون من باب فعل وأفعل. ويقال : نصب فهو نصيب وناصب ، نحو فرح فهو فارح. قوله : (إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) أي إلى علم منصوب. ومن قرأ «نصب» أو «نصب» فمعناه الأنصاب.

قوله : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)(١) ، أي إذا فرغت من الفريضة فاجهد في النّافلة ، من نصب في كذا ، أي تعب. وقيل : إذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء والتّضرّع.

قوله : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ)(٢) أي تعبانة مجتهدة في العبادة. وعنى بذلك الرهبان التي لا تجني من عبادتها (٣) شيئا. ونصاب الشيء أصله وما يرجع إليه. ومنصب الرجل : زينته وما يعانيه ويرجع إليه. ونصاب السكين : بمنزلة الأصل لها. وناصبة في الحرب ، وفي العداوة.

ويقال : تيس أنصب ، وعير نصباء ، منتصب القرون ، وناقة نصباء : منتصبة الصدر (٤). ونصب السّتر : رفعه. وتنصّب الغبار : ارتفع. والنّصب : غناء العرب يشبه الحداء. وفي الحديث : «لو نصبت لنا نصب العرب» (٥) قال الهرويّ : لو تغنّيت. والنّصب : ضرب من أغاني العرب. والنصب : أيضا : أحد ألقاب الإعراب. والنصب أيضا : الخطّ المنصوب ، أي المعيّن.

ن ص ت :

قوله تعالى : (وَأَنْصِتُوا)(٦) قيل : معناه اسكتوا سكوت المستمعين. ونصت وأنصت بمعنى واحد. ويكون نصت متعديا. وفي حديث طلحة : «أنصتوني» (٧) يقال : أنصته

__________________

(١) ٧ / الشرح : ٩٤.

(٢) ٣ / الغاشية : ٨٨.

(٣) وفي الأصل : لا يحد من عبادة. ولعل السياق يقتضي ما ذكرنا.

(٤) وفي ح : الصدور.

(٥) النهاية : ٥ / ٦٢ ، والحديث لنائل مولى عثمان قاله لرباح بن المعترف (وفي وراية المغترف) بالغين.

(٦) ٢٠٤ / الأعراف : ٧.

(٧) النهاية : ٥ / ٦٣.

٢٠٩

وأنصت له ، نحو : نصحته ونصحت له. قاله الهرويّ وقال الراغب (١) : الإنصات : الاستماع إلى الصوت مع ترك الكلام. قلت : لو لا قوله : مع ترك الكلام كان تكريرا في الآية الكريمة ، ولذلك لم يفسّره غيره إلا بالسكوت. قيل : هو من باب قوله : (صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(٢) لاختلاف اللفظ. قال : وقال بعضهم : يقال للإجابة إنصات. قال : وليس ذلك بشيء ، لأن الإجابة تكون بعد الإنصات ، وإن استعمل فيه فذلك حثّ على الاستماع لتمكّن الإجابة.

ن ص ح :

قوله تعالى : (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ)(٣) أي صادقون فيما يشيرون به عليه. قال أبو زيد : نصحته : صدقته. قوله : (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)(٤) أي صادقة. وقال الراغب (٥) : النّصح : يجري مجرى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه. وهو من قولك : نصحت له الودّ ، أي أخلصته. وناصح العسل : خالصه ، أو من قولهم : نصحت الجلد : خطته ، والناصح : الخيّاط ، والنّصاح : الخيط. والتوبة النصوح من أحد هذين الوجهين ؛ إمّا الإخلاص وإما الإحكام. ويقال : نصوح ونصاح مثل ذهوب وذهاب وأنشد (٦) : [من الكامل]

أحببت حبا خالطته نصاحة

وقد قرىء : (تَوْبَةً نَصُوحاً)(٧) بفتح النون وضمّها (٨) وقال الزجّاج : «توبة نصوحا» أي بالغة في النّصح ، وهو مأخوذ من النصح وهو الخياطة ، كأنّ الغضبان يخرق ، والتوبة النصوح ترقع. والنّصاح والمنصح : ما يخاط به نحو إزار ومئزر. والنّصاح أيضا : الخيط.

__________________

(١) المفردات لم يرد فيه مادة (نصت) ، فلعله لآخر.

(٢) ١٥٧ / البقرة : ٢.

(٣) ١٢ / القصص : ٢٨.

(٤) ٨ / التحريم : ٦٦.

(٥) المفردات : ٤٩٤.

(٦) مذكور في المفردات.

(٧) ٨ / التحريم : ٦٦.

(٨) قرأها بفتح النون أهل المدينة والأعمش ، وبضمها عاصم والحسن. ويقول الفراء : كأن الذين قالوا : «نصوحا» أرادوا المصدر مثل قعودا. والذين قالوا : «نصوحا» جعلوه من صفة التوبة.

٢١٠

وقال ابن عرفة : «نصوحا» خالصة. ونصح الشيء : خلص ، ونصح له : أخلص له القول ، وأنشد لجرير بن الخطفى (١) : [من الطويل]

تركت بنا لوحا ولو شئت جادنا

بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح

وفي حديث الشورى قال عبد الرحمن بن عوف : «وإنّ جرعة شروب أنصح لكم من عذب موب» (٢) وقال الأصمعيّ : إذا شرب دون الرّيّ يقال : نضحت الرّيّ ـ بالضاد. معجمة ـ فإن روي قيل ذلك بالصاد ـ غير معجمة ـ نصحا.

ن ص ر :

قوله تعالى : (فَمَنْ يَنْصُرُنِي)(٣) أي يمنعني. والنّصر والنّصرة : الإعانة والمنعة. يقال : نصرته ، أي أعنته على عدوّه ومنعته منه. ونصر الغيث البلد ، أي أعانه على الخصب والنبات. ونصرت المكان : أتيته ، قاله ثعلب وأنشد (٤) : [من الطويل]

إذا دخل الشّهر الحرام فودّعي

بلاد تميم وانصري أرض عامر

قوله : (وَالنَّصارى)(٥) قيل : هم جمع نصران نحو ندمان وندامى. المؤنثة نصرانة ، وأنشد لأبي الأخرز الحمانيّ (٦) : [من الطويل]

فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها

كما أسجدت نصرانة لم تحنّف

قال : وهم منسوبون إلى ناصرة ، قيل : هي قرية (٧). وقال بعضهم : قيل لهم نصارى

__________________

(١) الديوان : ١٠٠. اللوح : العطش ، والبيت تشبيه الثغر بالثلج لبياضه.

(٢) وفي الأصل : موت مؤوب. والتصويب من الهروي ، من أحاديث المادة. وكلام الأصمعي في النهاية : ٥ / ٦٣.

(٣) ٦٣ / هود : ١١.

(٤) قاله الراعي : يخاطب خيلا. اللسان ـ مادة نصر.

(٥) ٦٧ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.

(٦) يصف ناقتين طأطأتا رؤوسهما من الإعياء ، فشبه رأس الناقة من تطأطئها برأس النصرانية إذا طأطأته في صلاتها. انظر اللسان ـ نصر.

(٧) وفي الأصل : ناصر. وقال الجوهري : ونصران : قرية بالشام ينسب إليها النصارى ، وذكرها الراغب. وانظر بعد سطور.

٢١١

لأنهم نصروا الله من قوله تعالى حكاية عن عيسى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ)(١). قال : ويقال : نصرانيّ وأنصار ، وأنشد (٢) : [من الرجز]

لما رأيت نبطا أنصارا

شمّرت عن ركبتي الإزارا

يريد : نصارى. ويقال : نصرانيّ بيّن النّصرانية. وقيل : هم منسوبون إلى قرية يقال لها نصران ، وهذا أقيس في النسب من كونها ناصرة.

قوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ)(٣) نصرة الله لعباده ، وأمّا نصرتهم له تعالى فمعناها إن تنصروا دين الله ينصركم وتنصروا (٤) أنبياءه وأولياءه. وقيل : نصرته القيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده واعتبار أحكامه واجتناب نهيه. قلت : هذا هو نصرة دين الله بعينه ، فهو شرح لذلك.

قوله : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(٥) ولم يقل فانصرني ، تنبيه على أنّ ما نال النبيّ وكأنّما نال من أرسله على سبيل المجاز كقوله حكاية عن ربّه : «من عادى لي وليّا فقد آذنني بالمحاربة» (٦). وفي معناه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)(٧) قال الراغب (٨) : لم يقل : انصر تنبيها أنّ ما يلحقني يلحقك من حيث إنّي جئتهم بأمرك ، فإذا نصرتني فقد انتصرت لنفسك. وفي العبارة بعض شيء. ونصرت فلانا : أعطيته ، وهو استعارة من العون أو من نصر المطر الأرض.

وفي الحديث : «لا يؤمّنّكم أنصر ولا أزنّ ولا أفرع» (٩) الأنصر : الأقلف ، والأزنّ :

__________________

(١) ٥٢ / آل عمران : ٣.

(٢) الصدر في اللسان ـ مادة نصر.

(٣) ٧ / محمد : ٤٧.

(٤) ساقطة من س.

(٥) ١٠ / القمر : ٥٤.

(٦) صحيح البخاري ، الرقاق : ٣٨ ، وابن ماجه في الفتن : ١٦.

(٧) ١٠ / الفتح : ٤٨.

(٨) المفردات : ٤٩٥.

(٩) النهاية : ٢ / ٣١٦.

٢١٢

الحاقن ، والأفرع : الموسوس (١). كذا جاءت مفسّرة في الحديث.

ن ص ف :

قوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ)(٢). النصف من كلّ شيء شطره مساويا له في القدر. يقال : نصف ونصيف. وفي الحديث : «ولا نصيفه» (٣). ويقال : نصف ونصيف نحو عشر وعشير. ونصف ينصف ، وأنشد (٤) : [من الكامل]

نصف النّهار ، الماء غامره

ورفيقه بالغيب لا يدري

ونصف النّهار ، أي بلغ نصفه ، وانتصفه كذلك. فنصف وانتصف يكونان لا زمين ومتعدّيين. والنّصيف أيضا : مكيال كبير. والنصيف أيضا : المقنعة ، وقيل : الخمار ، كأنه نصف مقنعة. وفي الحديث في صفة الحور : «ولنصيف إحداهنّ على رأسها خير من الدّنيا وما فيها» (٥). وقيل : هو معجر المرأة. وأنشد للنابغة الذبيانيّ (٦) : [من الكامل]

سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتّقتنا باليد

والنّصف : المرأة العوان ، أي التي لم تبلغ سنّ الكبر وتجاوزت الصّغر ؛ فهي بين السّنين ، وأنشد (٧) : [من البسيط]

وإن أتوك وقالوا إنها نصف

فإنّ أطيب نصفيها الذي ذهبا

والإنصاف في المعاملة العدل ، وهو أن لا تأخذ من صاحبك من المنافع إلا مثل ما تعطيه ، ولا تنيله من المضارّ إلا مثل ما يناله. والخادم : ناصف ، والنّصفة : الخدمة. وفي

__________________

(١) الأقلف : الذي لم يختن.

(٢) ٢٣٧ / البقرة : ٢.

(٣) النهاية : ٥ / ٦٥.

(٤) البيت للمسيّب بن علس يصف غائرا في البحر على درة. اللسان ـ مادة نصف.

(٥) النهاية : ٥ / ٦٦.

(٦) الديوان : ٣٤. والنصيف (هنا) : الخمار.

(٧) وفي اللسان ـ مادة نصف : الذي غبرا. وله بيت سابق.

٢١٣

حديث ابن عباس وذكر داود فقال : «دخل المحراب وأقعد منصفا على الباب» (١) يعني خادما. وجمع الناصف نصف. والإنصاف والانتصاف : طلب النّصفة.

ن ص و :

قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ)(٢) الناصية : مقدّم الرأس ، وهي قصاص الشعر. والسّفع : الأخذ بها. قال تعالى : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ)(٣) أي تجمع نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يطرح بهم في النار كقوله : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ)(٤).

ونصوت فلانا ، وانتصيته ، وناصيته : أخذت بناصيته. وقوله : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها)(٥) عبارة عن اقتداره تعالى وقهره لكلّ ما يدبّ على الأرض من إنسان وغيره.

ولام الناصية. يجوز أن تكون واوا وأن تكون ياء. ويدلّ على ذلك أنّ العلماء ذكروها في المادّتين. وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها : «على م تنصون ميّتكم؟» (٦) أي تسرّحون شعره. وأصله من تسريح الناصية. يقال : نصوت الرجل أنصوه نصوا ، أي مددت ناصيته. ويروى عن عائشة : «ما لكم تنصون ميتكم» أي تمدّون ناصيته ؛ قاله الراغب (٧).

وفلان ناصية قومه ، كقولك : رأسهم وعينهم ووجههم. والنّصي مرعى من أفضل المراعي. واستعير للكثير ؛ فقيل : فلان نصية قومه (٨) ، لنفعه لهم نفع المراعي. وفي الحديث : «نصيّة من همدان» (٩) أي الرؤساء والأشراف ، أخذا من الناصية. «وانتصيت من

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٦٦.

(٢) ١٥ / العلق : ٩٦.

(٣) ٤١ / الرحمن : ٥٥.

(٤) ٩٤ / الشعراء : ٢٦.

(٥) ٥٦ / هود : ١١.

(٦) النهاية : ٥ / ٦٨.

(٧) المفردات : ٤٩٦.

(٨) أي خيارهم.

(٩) النهاية : ٥ / ٦٨ ، في حديث ذي المشعار.

٢١٤

القوم رجلا» (١) أي اخترته. وفي الحديث : «لم تكن واحدة تناصيني» (٢) أي تنازعني ، كأن كلّ واحد يأخذ بناصية الآخر.

فصل النون والضاد

ن ض ج :

قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ)(٣) النّضج والنّضج : إدراك اللحم نهاية شيّه وطبخه. قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

فظلّ طهاة اللحم ما بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل

وناقة منضّجة : جاوزت بحملها وقت ولادتها. وفلان نضيج الرأي ، أي محكمه. وفي حديث لقمان بن عاد : «قريب من نضيج بعيد من نيء» (٥) يريد أنه لا يعجله الفزع من إنضاج ما يطبخه وهم يمدحون بذلك. وصار ذلك كناية عن العجلة. وأنشد للشمّاخ (٦) : [من الطويل]

وأشعث قد قدّ السّفار قميصه

وحرّ الشواء بالعصا غير منضج

ويريد أنّه لا ينضجه لعجلته.

ن ض خ :

قوله تعالى : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ)(٧) النّضخ والنّضح ، متقاربان وهما رشّ الماء.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق ، والحديث لعائشة.

(٣) ٥٦ / النساء : ٤.

(٤) الديوان : ٣٨. الصفيف : اللحم المشرّح المرتب أو الذي يغلي إغلاءة ثم يرفع. القدير : المطبوخ في القدرة.

(٥) النهاية : ٥ / ٦٩.

(٦) اللسان ـ مادة نضج ، وفيه : السواء ، بالسين.

(٧) ٦٦ / الرحمن : ٥٥.

٢١٥

وقال الأصمعيّ : النّضخ فوق النّضح ، قال : ولا يقال منها فعل ولا يفعل. قال أبو زيد : هما سواء يقال (١) : نضخت أنضخ بالفتح ، بالحاء والخاء. والنّضاخ : المناضخة ، وأنشد (٢) : [من الطويل]

به من نضاخ الشّول ردع كأنّه

نقاعة حنّاء بماء الصّنوبر

وقال القطاميّ (٣) : [من الكامل]

وإذا تضيّفني الهموم قريتها

سرح اليدين تخالس الخطرانا

حرجا كأنّ من الكحيل صبابة

نضخت مغابنها به نضخانا

ويقال : نضخناهم بالنّبل ، أي فرّقناها فيهم ، بالحاء والخاء. والنّضخة : المطرة. وأنشد (٤) : [من البسيط]

لا يفرحون إذا ما نضخة وقعت

وهم كرام إذا اشتدّ الملازيب

وعين نضّاخة : كثيرة الماء. وقال أبو عبيد الهرويّ : النّضخ دون النّضح. وقال في تفسير قول قتادة : «النّضح من النّضح» (٥) أي من أصابه نضح من البول فعليه أن ينضحه بالماء. وقال ابن الأعرابيّ : النّضخ : ما نضخته بيدك متعمّدا ، والنّضح : من غير اعتماد ؛ إذا مرّ فوطىء على ماء فنضحه عليه. فهذا فرق من وجه آخر. وفي حديث إبراهيم : «كان لا يرى بنضح البول بأسا» (٦) قال الهرويّ : أي بنثره.

ن ض د :

قوله تعالى : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)(٧) أي متراكب بعضه على بعض. يقال : نضدت المتاع : ألقيت بعضه فوق بعض ، فهو نضيد ومنضود. والنّضد أيضا : السحاب المتراكم.

__________________

(١) ساقطة من ح.

(٢) ذكره ابن منظور ـ مادة نضخ.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق ، وأنشده أبو عمرو.

(٥) النهاية : ٥ / ٧٠ ، والرواية بالحاءين.

(٦) المصدر السابق ، وهو إبراهيم النخعي. وذكره الهروي بالمعجمة كذلك.

(٧) ٢٩ / الواقعة : ٥٦.

٢١٦

وأنضاد القوم : جماعاتهم. ونضد الرجل : من يتقوّى بهم من أعمامه وأخواله. والنضد : السرير الذي ينضد عليه المتاع. ومنه الحديث : «احتبس الوحي لكلب» (١).

وقيل : النّضد : متاع البيت. وقال أبو بكر : «لتتّخذنّ عليهم نضائد الدّيباج» (٢) الواحدة نضيدة وهي الوسادة. وأنشد لأبي محمد الفقعسيّ (٣) : [من الرجز]

وقرّبت خدّامها الوسائدا

حتى إذا ما علّوا النّضائدا (٤)

سبّحت ربي قائما وقاعدا

وفي الحديث : «شجر الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها» (٥) يريد : ليس لها سوق خالية من الثمر.

ن ض ر :

قوله تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ)(٦) أي حسنه ورونقه. قال تعالى : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)(٧). قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٨) أي مسرورة حسنة. والنّضرة والنّضارة : الحسن والبهجة. ومنه قيل للذّهب نضار.

وأخضر ناضر كأصفر فاقع. وقدح نضار : خالص. ويروى بالإضافة ، أي متّخذ من شجر هذا اسمه تشبيها بالذّهب. وفي الحديث : «نضر الله أمرا» (٩) يروى بالتخفيف

__________________

(١) الحديث ناقص ، وشاهده في بقيته ، وهو : «أن جبريل عليه‌السلام احتبس عنه لكلب كان تحت نضد له» (النهاية : ٥ / ٧١).

(٢) المصدر السابق.

(٣) في اللسان ـ مادة نضد.

(٤) في الأصل : وقربو أقدامها ، والتصويب من اللسان.

(٥) النهاية : ٥ / ٧١ ، والحديث لمسروق. نضيد : فعيل بمعنى مفعول.

(٦) ٢٤ / المطففين : ٨٣.

(٧) ١١ / الإنسان : ٧٦.

(٨) ٢٢ و ٢٣ / القيامة : ٧٥.

(٩) النهاية : ٥ / ٧١.

٢١٧

والتّشديد ، أي حسّن. وأنشد الأصمعيّ شاهدا للتشديد قول ابن قيس الرقيات (١) : [من الخفيف]

نضّر الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطّلحات

ورواه أبو عبيد بالتخفيف ، أي نعم. ويقال : نضره ، ونضر ينضر لغتان. وقال الحسن ابن موسى : ليس هذا من الحسن في الوجه ، إنما معناه حسّن الله وجهه في خلقه ، أي جاهه وقدره. وهو مثل قوله : «اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه» (٢) يعني به ذوي الوجوه في الناس وذوي الأقدار فيهم. وقال ابن شميل : نضّر الله ، ونضر الله ، وأنضر الله.

وفي حديث إبراهيم : «لا بأس أن يشرب في قدح النّضار» (٣) ، قال شمر : قال بعضهم : هي الأقداح الحمر الجيشانيّة (٤). وقال ابن الأعرابي : النّضار : البيع ، والنضار : شجر الإبل ، والنّضار : الخالص من كلّ شيء ، والنّضار والنّضير والنّضر : الذهب. وقد سمي بكلّ من هذه الألفاظ الثلاثة شخص من الأناسيّ. ومنه : بنو النّضير ، والنضر بن الحارث. وأنشد بعضهم عن الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد لنفسه : [من الكامل]

والدّهر كالميزان يرفع ناقصا

أبدا ، ويخفض عالي المقدار

وإذا انتحى الإنصاف ساوى عدله

في الوزن بين نحاسة ونضار

فصل النون والطاء

قوله تعالى : (وَالنَّطِيحَةُ)(٥) هي ما نطحها غيرها من النّعم فماتت. وكانوا يأكلونها كسائر الميتات. وفعيل إذا كان بمعنى مفعول حقّه ألّا يؤنّث إلا إذا ألبس ، نحو : مررت بقبيلة بني فلان. وقد خرجت هذه اللفظة عن نظائرها فأنّثت ، ومثلها : الذّبيحة. والناطح :

__________________

(١) اللسان ـ مادة نضر.

(٢) رواه أبو يعلى وإسناده حسن لغيره كما في «المقاصد الحسنة» ، وانظر كشف الخفاء : ١ / ١٣٦.

(٣) النهاية : ٥ / ٧١ ، وهو إبراهيم النخعي.

(٤) قدح نضار : اتخذ من نضار الخشب ، قيل : يتخذ من أثل ورسي اللون. والنضار : أجود الخشب للآنية.

(٥) ٣ / المائدة : ٥.

٢١٨

ما استقبلك بوجهه من ظبي أو طائر ، كأنه ينطحك. والعرب تتشاءم به. والناطح أيضا : الوعل ، وأنشد للأعشى (١) : [من البسيط]

كناطح صخرة يوما ليقلعها (٢)

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

ورجل نطيح : مشؤوم. ونواطح الدهر : شدائده. وفرس نطيح : [يأخذ فودي](٣) رأسه بياض. وفي الحديث : «فارس نطحة أو نطحتين ثم لا فارس» (٤). وقال أبو بكر : معناه تنطح نطحة ثم يزول ملكها ويذهب ، فحذف الفعل كقول حميد بن ثور : [من الطويل]

رأتني بحبليها فصدّت مخافة

وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق

أي رأتني أقبلت بحبليها (٥).

ن ط ف :

قوله تعالى : (نُطْفَةٍ)(٦) النّطفة هنا المنيّ المخلوق منه البشر. وأصلها الماء الصافي ، فعبّر بها عن ماء الفحل. وقيل : النّطفة أصلها للماء قليلا كان أو كثيرا ، ومنه الحديث : «حتى يسير الراكب بين النّطفتين لا يخشى جورا» (٧) أي بين بحر المشرق وبحر المغرب ، وفي بعض الأخبار : «إنا نقطع إليكم هذه النّطفة» (٨) أي ماء البحر. وشرب بعض الأعراب من ركيّة فقال : هذه نطفة عذبة.

وليلة نطوف ، أي ممطرة (٩). والناطف : السائل من المائعات. وفلان نطف بسوء ،

__________________

(١) ديوان الأعشى : ٦١.

(٢) وفي الديوان : ليفلقها.

(٣) إضافة من المفردات للسياق.

(٤) النهاية : ٥ / ٧٣. معناه : أنّ فارس تقاتل المسلمين مرتين ثم يبطل ملكها ويزول ؛ فحذف الفعل لبيان معناه.

(٥) فحذف الفعل. والبيت ذكره الهروي ، وفي حاشية النهاية : ٥ / ٧٣.

(٦) ٤ / النحل : ١٦ ، وغيرها.

(٧) النهاية : ٥ / ٧٤.

(٨) المصدر السابق.

(٩) قالوا : ليلة نطوف : يجيء فيها المطر حتى الصباح.

٢١٩

استعارة لصدور الشرّ منه. ويكنّى عن اللؤلؤة بالنّطفة. ومنه صبيّ منطّف ، أي في أذنه نطفة من اللؤلؤة.

ن ط ق :

قوله تعالى : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ)(١) أي أنّ الله تعالى علّمنا من أصوات الطير ما تقول ، وإن لم تنطق بنطق البشر. فسمّى أصوات الطير نطقا ، اعتبارا بفهمه عنها ؛ فمن فهم من شيء فهو ناطق بالنسبة إليه ، وإن كان صامتا بالنسبة إلى غيره. والنّطق في العرف العامّ : الأصوات المقطّعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان. ولا يكاد يقال إلا للإنسان ، ولا يقال لغيره إلا على سبيل التّبع ، نحو الناطق والصامت. فيراد بالناطق ماله صوت ، وبالصامت : ما لا صوت له. ولا يقال للحيوان ناطق إلا مقيّدا ، أو على سبيل التّشبيه ، كقول الشاعر (٢) : [من الطويل]

عجبت لها أنّى يكون غناؤها

فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما

قال الهرويّ : فأما معنى قول جرير (٣) : [من الطويل]

لقد نطق اليوم الحمام ليطربا

وعنّى طلاب الغانيات وشيّبا

فإنّ الحمام لا نطق له ، وإنما هو صوت رجل ناطق بمصوّت ، وليس كلّ مصوّت ناطقا. ولا يقال للصوت نطق حتى يكون هناك صوت وحروف تعرف بها المعاني. وإنما استخار الشاعر أن يقول : لقد نطق الحمام ، لأنه لمّا شوّقه إلى إلفه عرف ما أراد على سبيل التجوّز.

وقال الراغب الإصبهانيّ (٤) : والمنطقيون يسمّون القوة التي منها النّطق نطقا ، وإيّاها عنوا حيث حدّوا الإنسان بالحيوان الناطق المائت. فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام وبين الكلام المبرز بالصوت.

__________________

(١) ١٦ / النمل : ٢٧.

(٢) اللسان ـ مادة غنا ، والمفردات : ٤٩٧.

(٣) مطلع في ديوانه : ١٢. وفيه : لقد هتف.

(٤) المفردات : ٤٩٧.

٢٢٠