الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩
هُوَ بِمَيِّتٍ)(١) قلت : وفي معناه قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى)(٢) وعليه قول الشاعر (٣) : [من الطويل]
ألا من لنفس لا تموت فينقضي |
|
شقاها ولا تحيا حياة لها طعم |
وكان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يتمثّل بقول الشاعر : [من الطويل]
كفى حزنا أن لا حياة هنيئة |
|
ولا عملا يرضى به الله صالح |
الخامس : المنام ، ومن ثمّ قيل : النوم موت خفيف ، والموت نوم ثقيل ، ومن ثمّ سمّاه الله تعالى وفاة ، فقال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(٤) الآية ، (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ)(٥). وسأل رجل ابن سيرين عن رجل فقال : توفّي. فلما رأى جزع الرجل قال : ألم تسمع الله تعالى يقول : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الآية ، فسكن جأشه.
قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ)(٦) قيل : معناه : نفى عنهم الحزن المذكور في قوله : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ)(٧) وقيل : نفى عنهم وعن أرواحهم فإنه نبّه على نفسهم. وقد جاء مفسّرا في الحديث : «إنّ أرواحهم في حواصل طير خضر تعلق من الجنة وتأوي إلى قناديل من ذهب» (٨) فهذه حياتهم ونفي الموت عنهم.
قوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٩) هذه عبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد. قوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١٠) أي أنّك ستموت ، تنبيها أنه لا
__________________
(١) تابع الآية السابقة.
(٢) ١٣ / الأعلى : ٨٧.
(٣) مذكور في اللسان ـ مادة طعم ، وفيه : ألا ما ..
(٤) ٤٢ / الزمر : ٣٩.
(٥) ٦٠ / الأنعام : ٦.
(٦) ١٦٩ / آل عمران : ٣.
(٧) ١٧ / إبراهيم : ١٤.
(٨) صحيح مسلم ، الإمارة ١٢١ ، وانظر خلاف الرواية.
(٩) ١٨٥ / آل عمران : ٣.
(١٠) ٣٠ / الزمر : ٣٩.
ينفلت منه أحد وإن كان أكرم الخلق ، كقوله : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(١).
وقال الشاعر : [من الطويل]
ولو كان مجد يخلد الدهر واحدا |
|
خلدت ولكن ليس حيّ بخالد |
وقال آخر (٢) : [من الرجز]
والموت حتم في رقاب العباد
وقال آخرون : الميت في الآية معناه التحلّل والنّقص ؛ فقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) ليس إشارة إلى إبانة الروح عن الجسد ، بل هو إشارة إلى ما يعتري الإنسان في كلّ حال من التحلّل والنّقص ، فإنّ البشر ما دام في الدّنيا يموت جزءا فجزءا. وقد عبّر قوم عن هذا المعنى بالمائت ، وفرّقوا بين الميّت والمائت ، فقالوا : المائت هو المتحلّل ، وقد ردّ هذا القاضي الجرجاني فقال : ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه ، وإنما يقولون : موت مائت نحو : شعر شاعر ، وسيل سائل ، ويقال : ميّت وميت ، قال فجمع بين اللغتين (٣) : [من الخفيف]
ليس من مات فاستراح بميت |
|
إنّما الميت ميّت الأحياء |
والأصل ميوت ، فأدغم بعد القلب ، ومثله (المؤمن هين لين) (٤) الأصل التشديد.
والميتة من الحيوان : ما زالت روحه بغير تذكية ، والموتان يقابل (٥) الحيوان ، وهي
__________________
(١) ٣٤ / الأنبياء : ٢١.
(٢) من شواهد المفردات : ٤٧٧.
(٣) البيت لعدي بن الرعلاء كما في شرح المفصل : ١٠ / ٦٩ ، والبيان والتبيين : ١ / ١١٩. والحيوان : ٦ / ٥٠٨.
(٤) قال ابن الأعرابي : العرب تمدح بالهين واللين مخففين ، وتذمّ مثقّلين. وفي النهاية : «المسلمون هينون لينون» (٤ / ٢٨٩).
(٥) وفي المفردات : بإزاء.
الأرض التي لم تحي للزّرع. وأرض موات. ووقع في الإبل موتان كثير. وناقة مميت ومميتة : مات ولدها.
وأميتت الخمر : مزجت ، وقيل : طبخت. والمستميت : المتعرّض للموت ، وأنشد (١) : [من الوافر]
فأعطيت الجعالة مستميتا
والموتة شبه الجنون (٢) كأنّه من موت العلم والعقل ، ومنه رجل موتان القلب ، وامرأة موتانة. ويقال : مات يموت ويمات (٣). قال (٤) :
وقد قرىء بهما ؛ بضمّ الميم وكسرها. قال بعضهم : ما كان حيوانا قيل منه ميتة بالتخفيف ، وما كان جمادا قيل ميّتة بالتشديد. ولذلك لم يقرأ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)(٥) إلّا تخفيفا. قلت : وهذا في المتواتر ، ولكن يردّ قوله قراءتهم في المتواتر (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ)(٦) بالوجهين.
__________________
(١) البيت للأسدي ، وعجزه كما في اللسان :
خفيف الحاذ من فتيان جرم
وتروى جيم «جعالة» بالكسر والضم ، ورواه ابن بري شاهدا على الجعالة بالكسر :
سيكفيك الجعالة مستميت
(٢) وفي الأصل : الحيوان ، ولعلها كما ذكرنا.
(٣) وهذه طائية.
(٤) لعل المؤلف سها عن تدوين الشاهد ، فترك الناسخ مكانه فارغا. وربما أراد قوله :
بنيّ يا سيدة البنات |
|
عيشي ، ولا يؤمن أن تماتي |
عن اللسان ـ مادة موت.
(٥) ٣ / المائدة : ٥.
(٦) ٣٣ / يس : ٣٦.
م و ج :
قوله تعالى : (فِي مَوْجٍ)(١) الموج في البحر ما علا وارتفع عند هيجان البحر من الماء ومن غواربه وهو الآذيّ (٢) ، وأصله من الاضطراب والحركة والاختلاط ، ومنه قوله تعالى : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)(٣) أي يختلطون مضطربين.
وماج البحر يموج ، وتموّج يتموّج تموّجا : اضطرب. والجمع أمواج.
م و ر :
قوله تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً)(٤) أي تدور دورانا ، وقال آخرون : تجيء وتذهب ، من مار الدم يمور : إذا جرى وتردّد على وجه الأرض ومار الشيء : اضطرب ، وهو قريب من ماج ، وسمي الطريق مورا ، لأنه يذهب فيه ويجاء ، قال طرفة (٥) : [من الطويل]
وظيفا وظيفا فوق مور معبّد
أي طريق مذلّل بالسلوك. قيل : المور : الجريان السّريع. والمور ـ بالضم ـ التراب المتردّد به الريح. وناقة تمور في سيرها فهي موّارة وموّار ـ دون تاء ـ. وفي حديث آدم : «لمّا نفخ في جسده مار في رأسه فعطس» (٦) أي دار.
م و س :
قوله تعالى : (مُوسى *)(٧) موسى بن عمران صلوات الله عليه وسلم. موسى ، أي ماء
__________________
(١) ٤٢ / هود : ١١.
(٢) وفي الأصل : الآدمي.
(٣) ٩٩ / الكهف : ١٨.
(٤) ٩ / الطور : ٥٢.
(٥) وصدره كما في الديوان (٢٧) :
تباري عتاقا ناجيات ، وأتبعت
(٦) النهاية : ٤ / ٣٧١.
(٧) ورد ذكره في مئة وست وثلاثين آية. وانظر قصته في «معجم أعلام القرآن».
وشجر لأنه دخل في نيل مصر حيث ألقته أمّه إلى قصر فرعون من جداول تسرع إلى النيل ، وكان فيه شجر. ومن ثمّ سمي بذلك فعرّبته العرب إلى موسى.
والموسى عند العرب هذه الآلة المعروفة التي يستحدّ بها ويحلق. واختلف الصرفيون في اشتقاقها ؛ فقيل : من أوسيت رأسه : حلقته ، فوزنه [مفعل](١). وقيل : من ماسه أي حسّنه ، فوزنه فعلى ، وليس هذا من موسى العلم في شيء فإن ذاك أعجمي وهذا عربي (٢).
م و ل :
قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ)(٣) المال : ما ملك من متاع الدّنيا وصحّ الانتفاع به ، وغلب في النقود والعروض المعدّة للتجارة. قوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ)(٤) ؛ نفي لما كانوا يعتدّون به ؛ فإنّ الرجل يدفع عن نفسه بماله ويقيه بولده. وقال الأعصمي ، وتبعه الراغب (٥) : سمي المال مالا لأنه يميل من هذا إلى ذاك. قال الراغب : ولذلك سمّي عرضا ، وعلى هذا دلّ قول من قال : المال قحبة يوما تكون في بيت عطار ، ويوما في دار بيطار. وخطّأ الناس قائل ذلك فإنّ المال من الواو بدليل مويل وأموال ، وتموّل فلان. وبأنّ الميل من الياء وليس خطأ ، فإنّ هذا من الاشتقاق الأكبر ، وقد فعلوا مثله كثيرا ـ كما تقدّم ـ في لفظ الصلاة وغيرها.
م و ه :
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً)(٦) هو المطر ، وأصله موه ، فقلبوا الهاء همزة كما قلب الهمزة هاء في هرجت وهرقت وهزّت ، ويدلّ على ذلك قولهم في التصغير مويه ، وفي التكثير مياه وأمواه ، والتصغير والتكثير يردّان الأشياء إلى أصولها. وقالوا أيضا : ماهت
__________________
(١) لم يذكر المؤلف الوزن.
(٢) لعله يريد أن وزنه فعلى جعل ميمه أصلية ، من الموس.
(٣) ٤٦ / الكهف : ١٨.
(٤) ٣٧ / سبأ : ٣٤.
(٥) المفردات : ٤٧٨.
(٦) ٢٢ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
الركيّة (١) وموّهت : كثر ماؤها ، وماهت تميه وتماه ، وبئر ميّهة وماهة وميهة. وأمّاه الرجل وأمهى : بلغ الماء ، ورجل ماه القلب وما هي القلب : كثير ماء القلب (٢). وقد اختلف الناس في الماء هل كلّه من السماء ، أو كلّه من الأرض ، أو بعضه من هذه وبعضه من هذه؟ خلاف لا طائل تحته ، وقد جاء لكلّ قول ظاهر من القرآن.
قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(٣) هو الماء المعهود ، وكذا كلّ دابة من ماء. وقيل : هو المنيّ. قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) من محاسن الكلام ، وتسمية المنيّ ماء مجاز ، ولذلك سمي نطفة وهي العاقبة ، والسّلالة وهي المنسلّة من الطين.
م ا :
في كلامهم ترد للنّفي ، وهي فيه على قسمين : عاملة عمل ليس وهي لغة الحجاز ، وعليها جاء التنزيل كقوله : (ما هذا بَشَراً)(٤)(ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٥). وغير عاملة وهي لغة تميم ، ولها أحكام وشروط أتقنّاها في كتبنا النحوية (٦) ، وتكون شرطية جازمة فعلين كإن ، كقوله : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ)(٧). وتكون استفهاما كقوله تعالى : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ)(٨). ويستفهم بها عن الذوات وأجناسها وأنواعها وعن جنس صفات الشيء ونوعه ، وتكون موصولة اسمية بمعنى الذي وفروعه كقوله : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ)(٩) ، وموصولة حرفية ينسبك منها ومما بعدها مصدر ، كقوله تعالى : (بِما عَصَوْا
__________________
(١) الركية : البئر.
(٢) ويصفه ابن منظور بأنه جبان ، كأن قلبه في ماء.
(٣) ٣٠ / الأنبياء : ٢١.
(٤) ٣١ / يوسف : ١٢.
(٥) ٢ / المجادلة : ٥٦.
(٦) ولهم في «ما» تقسيم آخر : اسمية وحرفية. فالاسمية خمسة هي : بمعنى الذي ـ نكرة ـ الاستفهام ـ الشرط ـ التعجب. والحرفية خمسة أيضا هي : موصول حرفي ـ النفي ـ الكافة ـ زائدة (ويدعونها المسلّطة) ـ زائدة لتوكيد اللفظ.
(٧) ١٩٧ / البقرة : ٢.
(٨) ٥٢ / الأنبياء : ٢١.
(٩) ١١ / الجمعة : ٦٢.
وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(١) أي بسبب عصيانهم ، وهي على قسمين : ظرفية وغير ظرفية ؛ فالظرفية : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ)(٢) أي مدة دوامي فيهم. وتكون نكرة موصوفة كقولهم : مررت بما معجب لك أي شيء معجب. وصفة لنكرة كقولهم : «لأمر ما جدع قصير أنفه» (٣) أي لأمر عظيم ، وقال امرؤ القيس (٤) : [من الرمل]
وحديث ما على قصره
في أحد القولين ، ومنه في أحد الأوجه : (مَثَلاً ما بَعُوضَةً)(٥). وتكون نكرة تامة لا موصوفة ولا موصولة في قوله : (نِعِمَّا)(٦) كقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٧)(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(٨) على خلاف ذلك أتقنّاه في «الدرّ» وغيره. وتكون تعجّبا نحو : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(٩). وقيل : هي هنا موصولة اسمية ، وتحقيق هذا في غير هذا الموضوع. وتكون زائدة ؛ فإذا زيدت فتارة يبطل معها عمل عامل إنّ وأخواتها إلا ليت نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(١٠) عند الجمهور ، ومع ليت يجوز الأمران كقول النابغة (١١) : [من البسيط]
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا ونصفه فقد |
__________________
(١) ٦١ / البقرة : ٢.
(٢) ١١٧ / المائدة : ٥.
(٣) مثل مشهور ، وهو قصير بن سعد الآخذ بثأر جذيمة ، وذكره المتلمس في شعره. ورواية الزمخشري : «حزّ» بدلا من «قطع» (المستقصى : ٢ / ٢٤٠).
(٤) الديوان : ٩٨ ، وصدره :
وحديث الركب يوم هنا
وذكر اللغويون أن «ما» هنا إما زائدة ، أو نكرة صفة لحديث ، أو استفهامية.
(٥) ٢٦ / البقرة : ٢.
(٦) ٥٨ / النساء : ٤.
(٧) ٢٧١ / البقرة : ٢.
(٨) ٩٠ / البقرة : ٢.
(٩) ١٧٥ / البقرة : ٢.
(١٠) ١٧١ / النساء : ٤.
(١١) الديوان : ١٦ ، من معلقته. فقد : حسب.
ورفعه. ولسيبويه في البيت كلام (١) ، وتارة لا يبطل عمله البتّة. وفي زيادتها بعد : من وعن والباء كقوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ)(٢)(عَمَّا قَلِيلٍ)(٣)(فَبِما رَحْمَةٍ)(٤). وتارة يجوز الأمران ، وذلك في زيادتها بعد ليت ـ كما تقدّم ـ وبعد ربّ والكاف ، وينشد (٥) : [من الخفيف]
ربّما الجامل المؤبّل فيهم |
|
وعناجيج بينهنّ المهار |
وقول الآخر : [من الطويل]
وننصر مولانا ونعلم أنّه |
|
كما الناس مجروم عليه وجارم |
برفع الجامل والناس وجرّهما. وتكون مهيّئة وكافّة ، وهي متصلة تارة بحسب الجملة بعدها ، فإن كانت الجملة فعلية كانت مهيّئة (٦) نحو : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٧). وإن كانت اسمية فهي كافّة نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ ، إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ)(٨). وهل تفيد الحصر حينئذ أم لا؟ وتزاد بعد بعض أدوات الشرط ، وهي فيه على ضربين : ضرب يلزم فيه زيادتها وهو : إذ وحيث ، لا تكونان شرطين إلا مع ما كقوله (٩) : [من الكامل]
إذ ما أتيت إلى الرسول فقل له |
|
حقّا عليك إذا اطمأنّ المجلس |
__________________
(١) يقول : فرفعه على وجهين ؛ على أن يكون بمنزلة قول من قال : «مثلا ما بعوضة» ، أو يكون بمنزلة قوله : إنما زيد منطلق (الكتاب : ٢ / ١٣٨). بينما السيرافي يرى أن أحد وجهي الرفع أن تجعل ما بمنزلة الذي. والوجه الآخر أن تجعل ما كافة وليست اسما.
(٢) ٢٥ / نوح : ٧١.
(٣) ٤٠ / المؤمنون : ٢٣.
(٤) ١٥٩ / آل عمران : ٣.
(٥) من شواهد المغني : ١٣٧ من غير عزو ، وفي شرح المفصل : ٨ / ٢٩ لأبي دؤاد.
(٦) المهيئة : نوع من الكافة ، سميت بذلك لأنها غدت تهيىء هذه الحروف (كأنما ، إنما) للدخول على الأفعال ، كما في الآية بعدها. وتكون كافة غير مهيئة مع غير الأفعال. ملاحظة : كل مهيئة كافة ، وليس كل كافة مهيئة.
(٧) ٢٨ / فاطر : ٣٥.
(٨) ٩٨ / طه : ٢٠.
(٩) قاله العباس بن مرداس في غزوة حنين. والبيت من شواهد الكتاب : ٣ / ٥٧ ، والخصائص : ١ / ١٣١ ، وشرح المفصل : ٤ / ٩٧.
وقوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(١). وهل إذ ما حينئذ على اسميّتها أم صارت حرفا ... (٢) سيبويه الثاني وجوازا بعد إن وإذا ومتى وأين كقوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)(٣) ويمنع زيادتها بعد من وما ومهما ، وهذا كلّه نبذ من أصول طويلة نبهتك عليها.
وتكون كافة للفعل أيضا ، وذلك في : قلّ ، وطال ، وكثر ، نحو : قلّما تفعل كذا ، وكثر ما تفعل ، وطالما تفعل ، وقيل : بل هي هنا مصدرية ، وتكتب ما متصلة بثلاثة الأفعال المذكورة ، وقيل : إن اعتقد كونها زائدة كتبت متّصلة ، وإن كانت مصدرية فمنفصلة ، قال الشاعر (٤) : [من الطويل]
صددت فأطولت الصّدود وطالما |
|
وصال على طول الصدود يدوم |
فإذا جاءتك «ما» في الكتاب العزيز فاعتبرها بما ذكرت لك من هذه الأنواع ، والله أعلم.
فصل الميم والياء
م ي د :
قوله تعالى : (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)(٥) المائدة : الخوان ما كان عليه طعام ، وإلا فهو خوان (٦) ، كالكأس ما فيه شراب ، وإلا قدح. ولهما أخوات ، وأصلها من
__________________
(١) ١٤٤ / البقرة : ٢.
(٢) كلمة في الأصل لم ندركها.
(٣) ٧٨ / النساء : ٤.
(٤) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، وجعله الشنتمري من شعر المرار الفقعسي ، وأنشده سيبويه في الكتاب : ١ / ٣١ من غير عزو ، وفيه : وقلّما ، ويراها كافة ومكفوفة. وقد جعلها بعضهم فعلا وما زائدة فارتفع بها الفاعل «وصال». وهم على الرأي الأول يعتبرون «وصال» فاعلا مقدما ليدوم.
(٥) ١١٤ / المائدة : ٥.
(٦) وهذا كلام الفارسي أوردته المعاجم.
ماده يميده : أي أعطاه ميدا ، فهو مائد ، والمطلوب منه الميد ممتاد (١). وأنشد لرؤبة (٢) : [من الرجز]
إلى أمير المؤمنين الممتاد
وقيل : المائدة : الطبق الذي عليه الطعام ، قاله الراغب (٣). ويقال لكلّ واحد منهما مائدة ، وهذا خلاف المشهور.
ومادني : أطعمني ، وقيل : يعشّيني.
قوله : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)(٤) أي تضطرب وتتحرك حركة شديدة. وقيل : هو اضطراب الشيء المعظّم ، كاضطراب الأرض ونحوها. وقيل في قوله تعالى : (مائِدَةً*) إنها طعام. وقيل : طلبوا أشياء من العلم وسماه مائدة ، من حيث إنّ العلم غذاء الأرواح كما أنّ الطعام غذاء الأبدان ، قاله الراغب. وهذا وإن كان صحيحا في الجملة إلا أنه ليس المراد لما يدلّ عليه الظاهر والآثار المنقولة.
والميدان (٥) : مركض الدوابّ لاضطرابها وحركتها ذهابا وإيابا ، وقيل في قول الشاعر (٦) : [من الطويل]
نعيما وميدانا من العيش أخضرا
إنه الممتدّ من العيش.
وماد الرجل : إذا أصابه الميد من ركوب البحر. ورجل مائد ، ورجال ميدى ، وليس يعبأ به ، وماد الرجل : إذا أدير به وأصابه الدّوران ، وإن لم يكن من ركوب البحر. وفي
__________________
(١) وفي الأصل : الميد ممياد. والمعنى : أن المطلوب منه العطاء يدعى الممتاد.
(٢) مذكور في اللسان ـ مادة ميد ، وأوله :
تهدى رؤوس المترفين الأنداد
(٣) المفردات : ٤٧٧.
(٤) ١٥ / النحل : ١٦.
(٥) الكلمة فارسية الأصل معناها المركب : مي : خمرة+ دان لاحقة مكانية ، أي الساحة التي يشرب بها الخمر ، ثم غدت لكل ساحة (معجم الألفاظ الفارسية المعربة).
(٦) عجز لعمرو بن أحمر الباهلي ، الديوان : ٧٩. وفيه الصدر ناقص إلا كلمة .. وصادفت.
الحديث : «نحن السابقون الآخرون ميد أنّا أوتينا الكتاب من بعدهم» (١). ميد وبيد (٢) بمعنى سوى أو غير ... (٣) ، وقيل : معناه على أنّا.
م ي ر :
قوله تعالى : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا)(٤) أي نحمل لهم الميرة ، وهي الطعام والأزواد ، وكلّ مقتات فهو ميرة ؛ يقال : مرت القوم أميرهم ميرا فأنا مائر ، والجالبون للميرة ميّارة ، والميرة والخيرة متقاربان.
م ي ز :
قوله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٥) أي ليبين ويخلص هذا من هذا. والميز والتّمييز : الفصل بين المشتبهات ، يقال : مازه يميزه ميزا ، وميّزه يميّزه تمييزا ، وقد قرىء بهما. وقول النحاة : «تمييز» أي بيان لما أبهم في ذات نحو عشرين درهما ، أو نسبة نحو طاب زيد نفسا.
قوله : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ)(٦) أي انعزلوا ولا تخلطوا بالمؤمنين حتى تعرفوا. يقال : مزته فامتاز وانماز وتميّز ، / أي انفصل وانقطع وانسلخ عمّا كان متّصلا به.
قوله : (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(٧) أي تنفصل وتنقطع من غيظها ، إمّا بأن خلق الله فيها قوة ذلك أو تكون من مجاز التخييل ، وفي حديث جبريل : «استماز رجل من رجل به بلاء فابتلي به» (٨) أي تباعد منه وانفصل. ويقال : لا مستماز لك ، أي لا ملجأ ولا فاصل. ويطلق التمييز على القوّة التي في الدماغ ، وبها تستنبط المعاني ، ومنه : لا تمييز لفلان.
__________________
(١) النهاية : ٤ / ٣٧٩.
(٢) لغتان.
(٣) في الأصل : غير سوى ، فأسقطنا الثانية.
(٤) ٦٥ / يوسف : ١٢.
(٥) ٣٧ / الأنفال : ٨.
(٦) ٥٩ / يس : ٣٦.
(٧) ٨ / الملك : ٦٧.
(٨) النهاية : ٤ / ٣٨٠ ، والحديث للنخعي.
م ي ل :
قوله تعالى : (فَلا تَمِيلُوا)(١) أي ولا تجوروا ، وأصل الميل العدول من جهة الوسط إلى أحد الجانبين ، فاستعمل في الجور مجازا ، قيل : وإذا استعمل في الأجسام فإنه يقال فيما كان في خلقه ميل ـ بالفتح ـ وفيما كان عرضا ميل ـ بالسكون ـ ويقال : ملت إلى فلان ، أي أحببته وعاونته. وملت عليه ، أي تحاملت.
قوله تعالى : (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً)(٢) وفي حديث ذمّ النساء : «مائلات مميلات» (٣) فيه أوجه ؛ أحدها يمتشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا ، وإيّاها عنى امرؤ القيس بقوله (٤) : [من الطويل]
غدائره مستشزرات إلى العلا |
|
تضلّ العقاص في مثنّى ومرسل |
ونهى الشرع عنهما ، والمميلات : الفاعلات ذلك بغيرهنّ ، وقيل : مائلات عمّا أمر الله. مميلات : معلّمات غيرهن الميل ، وقيل : هنّ المتبخترات اللاتي يتمايلن في مشيهن ، وكلّه مراد فإنه موجود (٥).
__________________
(١) ١٢٩ / النساء : ٤.
(٢) ١٠٢ / النساء : ٤.
(٣) النهاية : ٤ / ٣٨٢. ويقول ابن الأثير : «المائلات : الزائغات عن طاعة الله. والمميلات : من يعلّمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن».
(٤) الديوان : ٣٤ ، من معلقته ، وفيه : تضل المداري.
(٥) وفي النسخة س : «تمّ الباب».
باب النون
فصل النون والهمزة
ن ا ش :
قوله تعالى : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(١). قرىء في المتواتر «التناوش» بالهمز والواو ؛ فمن قرأ بالهمز قال : هو التناول من بعد. يقال : نأش إذا أبطأ وتأخّر. وأنشد : [من الطويل]
تمنّى نئيشا أن يكون أطاعني
أي ، أخيرا. ومن قرأ بالواو قال : هو التناول بسهولة (٢). وأنشد قول عنترة (٣) : [من الكامل]
فتركته جزر السّباع ينشنه |
|
يقصمن قلة رأسه والمعصم |
يقال : ناشه ينوشه ، وتناوشه يتناوشه تناوشا. وهذه التفرقة لأبي عمرو. وقال غيره : القراءتان بمعنى ، والهمز بدل من الواو ، وقال : لأنّهم إذا أبدلوا الواو ساكنة مضموما ما قبلها ، لأجل تلك الضمة في قول الشاعر : [من الوافر]
أحبّ المؤقدين إلي مؤسى
فلأن يبدّلونها مضمومة أولى. وعليه : «أقّتت» (٤) و «وقّتت». وقيل : هو بالهمز بمعنى
__________________
(١) ٥٢ / سبأ : ٣٤.
(٢) قرأ حمزة والأعمش والكسائي بالهمز.
(٣) البيت في ديوانه : ١٥١ ، وفيه : ما بين قلة.
(٤) ١١ / المرسلات : ٧٧.
الطلب ، والمعنى : كيف يتناولون أو يطلبون الإيمان من مكان بعيد أو يطلبونه من مكان قريب؟ وهي حالة الاختيار والانتفاع إشارة لقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)(١).
ن ا ي :
قوله تعالى : (أَعْرَضَ وَنَأى)(٢) أي ، تباعد. يقال : نأى عني ينأى نأيا ، فهو ناء. وأنشد (٣) : [من الطويل]
ألا حبّذا هند وأرض بها هند |
|
وهند أتى من دونها النّأي والبعد |
جمع المترادفين تأكيدا ، وحسّنه اختلافهما كقوله : (صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(٤) وقول الآخر (٥) : [من الوافر]
فألفى قولها كذبا ومينا
وقيل : نأى أي ، أعرض ، وقيل : تكبّر نحو شمخ بأنفه. وكلّها معان متقاربة. ومن ذلك النّؤي ، وهو ما يحفر حول الخباء ، لينفذ منه الماء. وأنشد للنابغة (٦) : [من البسيط]
إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنه |
|
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد |
__________________
(١) ١٥٨ / الأنعام : ٦.
(٢) ٨٣ / الإسراء : ١٧.
(٣) البيت للحطيئة كما في الديوان : ١٤٠.
(٤) ١٥٧ / البقرة : ٢.
(٥) البيت لعدي بن زيد ، كما في اللسان ـ مادة مين. وصدره :
فقدّدت الأديم لراهشيه
(٦) الديوان : ٣ ، وفيه : ما أبينها.
فصل النون والباء
ن ب ا :
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)(١) أي ، من أخبارهم / مع قومهم. والنّبأ : الخبر ، كذا فسّره الهرويّ وغيره. ولم يكتف الراغب (٢) بذلك ، بل قيّده بثلاثة أمور فقال : النبأ خبر ذو فائدة عظيمة ، يحصل به علم أو غلبة ظنّ ، قال : ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمّن هذه الأشياء الثلاثة. وحقّ الخبر الذي يقال فيه نبأ ، أن يتعرّى عن الكذب ، كالتواتر وخبر الله وخبر الرسول. قال : ولتضمّن النبأ معنى الخبر يقال : أنبأته بكذا أي أخبرته به ، ولتضمّنه معنى العلم قيل : أنبأته كذا كقولك : أعلمته كذا. قال تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ)(٣).
قلت : أنبأ ونبّأ ، وأخبر وخبّر متى تضمّنت معنى أعلم تعدّت لثلاثة مفاعيل. وهي نهاية التعدّي. وأمّا أعلمته بكذا فتلضمّنه معنى الإحاطة.
قوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(٤) فيه تنبيه أنّه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر ، فحقّه أن يتثبت فيه ويتيقّن ، وإن غلب صحته على الظنّ حتى يعاد النظر فيه.
قيل : ونبّأته أبلغ من أنباته ، ولذلك قال تعالى : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)(٥) ، ولم يقل : أنبأني. فنزل ذلك على أنّه من قبل الله تعالى.
قوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ)(٦) قيل : هو ما أخبر به من أمر يوم القيامة. قوله (عَمَّ يَتَساءَلُونَ)(٧) قيل : هو القرآن ، وقيل : أمر القيامة. قوله (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ)(٨) أي خبّرنا.
__________________
(١) ٣٤ / الأنعام : ٦.
(٢) المفردات : ٤٨١.
(٣) ٦٧ و ٦٨ / ص : ٣٨.
(٤) ٦ / الحجرات : ٤٩.
(٥) ٣ / التحريم : ٦٦.
(٦) ٦٧ / ص : ٣٨.
(٧) ١ / النبأ : ٧٨ ، والمقصود هو الآية التالية : «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ».
(٨) ٣٦ / يوسف : ١٢.
وذلك لأنه أمر عظيم عند ما رأيا ما رأيا. قوله (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ)(١) أي ، لتجازينّهم بأمرهم. فعبّر بذلك عن المجازاة ، لأنّ المجازى غالبا يؤنّب من مجازيه. والعرب تقول لمن تتوعدّه : لأنبئنّك. ومثله قوله تعالى : (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا)(٢) أي ، لنقرعنّهم.
والنبيّ قرىء بالهمز وبغير الهمز ؛ فمن همزه جعله من النبأ. وهو فعيل بمعنى مفعول ، لأنه منبأ من جهة الله تعالى ومخبّر. وقيل : بمعنى فاعل ، لأنه ينبىء الإنسان بما أوحي إليه. ويدلّ على ذلك أعني أنّ الهمز جمع لفظه على نبآء قال (٣) : [من الكامل]
يا خاتم النّبآء إنك مرسل
وقد أنكر بعضهم هذه القراءة. وليس بمصيب ، لحديث رواه ، وهو أن رجلا قال : «يا نبيء الله ، فقال : لست بنبيء الله ، ولكن نبيّ الله» (٤). وقد ذكرنا هذا مستوفى في «العقد» و «الدرّ» وغيرهما ، فعليك باعتبار ثمّة. ومن قرأه غير مهموز فمن نبا ينبو. وسيأتي في مادته.
ن ب ت :
قوله تعالى : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً)(٥) هذا مجاز عن .. (٦) أي ، ربّاها تربية. والنبت : والنبات : ما يخرج من الأرض من النّاميات ، سواء كان له ساق كالشجر أو (٧) لم يكن كالنجم. ولكن اختصّ في التعارف بما لا ساق له. قال الراغب (٨) : بل اختصّ عند العامة
__________________
(١) ١٥ / يوسف : ١٢.
(٢) ٥٠ / فصلت : ٤١.
(٣) صدر للعباس بن مرداس كما في اللسان ـ مادة نبأ. وعجزه :
بالخير ، كلّ هدى السبيل هداكا
(٤) النهاية : ٥ / ٣ ، وقد قال له (صلىاللهعليهوسلم): «لا تنبر باسمي إنما أنا نبي الله».
(٥) ٣٧ / آل عمران : ٣.
(٦) بياض في الأصل ، ولعل النقص : التربية.
(٧) وفي الأصل : أم.
(٨) المفردات : ٤٨٠.
بما تأكله الحيوانات ، وعليه قوله تعالى : (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً)(١) ومتى اعتبرت الحقيقة فإنه يستعمل في كلّ نام نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا.
قال بعضهم في قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٢) : النحويون يقولون : نباتا موضوع موضع الإنبات ، وهو مصدر. وقال غيرهم : هو حال لا مصدر ، ونبّه بذلك أن الإنسان هو من وجه نبات من حيث إنّ بدأه ونشأه من التراب ، وإنّه ينمو نمّوه وإن كان له وصف زائد على النّبات. وعليه نبّه في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ)(٣).
قوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(٤) قرىء تنبت من نبت ثلاثيا ، وتنبت من أنبت (٥). وفي ذلك أقوال أحدها أنّ الباء مزيدة في قراءة تنبت ، كقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(٦) لا يقرأن بالسور (٧). ويقال : إنّ بني فلان لنابتة شرّ. ونبتت فيهم نابتة ، أي نشأ فيهم صغار.
ن ب ذ :
قوله تعالى : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ)(٨) أي رموه وطرحوه. قوله (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) تمثيل عن قلة مبالاتهم به. لم يكتفوا بطرحه بل لا يهمّون به ، لأنّ الإنسان قد يرمي الشيء مع التفاته إليه. وفي المثل : نبذه نبذ النّعل الخلق.
قوله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)(٩) أي ألق عهدهم إليه ، وآذنهم بالحرب ولا تأخذهم على غرّة. قيل : واستعمال النّبذ هنا كاستعمال الإلقاء في قوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ
__________________
(١) ١٥ / النبأ : ٧٨.
(٢) ١٧ / نوح : ٧١.
(٣) ٦٧ / غافر : ٤٠.
(٤) ٢٠ / المؤمنون : ٢٣. والباء فيها للحال لا للتعدية.
(٥) قرأها بفتح الباء عامر بن قيس (شرح المختصر : ١٩٧) وفيه قراءات أخر.
(٦) ١٩٥ / البقرة : ٢.
(٧) من بيت للراعي ، وتمامه :
هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسور |
(٨) ١٨٧ / آل عمران : ٣.
(٩) ٥٨ / الأنفال : ٨.
الْقَوْلَ)(١)(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ)(٢) تنبيه ألّا يؤكّد معهم عهدا بل حقّهم أن يطرح إليهم ذلك طرحا ، مستحثّا به على سبيل المجاملة ، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم ، ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه.
قوله : (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها)(٣) أي ، اعتزلت وتنحّت ؛ يقال : انتبذ فلان مجلسه ، وجلس نبذة ونبذة أي : اعتزل ، بحيث إذا نبذت إليه شيئا وصل إليه. وصبيّ منبوذ ونبيذ نحو ملقوط ولقيط. قيل : لكن منبوذ يقال اعتبارا بمن طرحه ، وملقوط ولقيط اعتبارا بمن تناوله. والنبيذ : ما ألقي فيه تمر أو زبيب مع (٤) الماء ، يقصدون بذلك تحلية الماء وعذوبته. ولذلك نهى الشارع عن الانتباذ في أوان مخصوصة ، لئلا يشتدّ فيسكر. وصار النبيذ في العرف العامّ اسما للشراب المسكر ، وإن كان النبيذ في الأصل إنما هو للشيء الملقى في الماء كالتّمر والفضيح (٥) ونحوهما ، ثم أطلق على ذلك الماء الذي ألقي فيه مجازا للمجاورة ، ثم غلب على المسكر.
ونابذت زيدا عهده ، يجوز أن يكون مما وقع منه فاعلت موقع فعلت ، نحو : سافرت وعاقبت اللصّ وطارقت النعل ، وأن يكون على بابه من المفاعلة ، وأنّ كلا منهما نبذ عهد صاحبه إلى الآخر.
ن ب ز :
قوله تعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ)(٦) أي : لا تداعوا به. وهذا محمول على ما إذا كان التلقيب مؤذيا لصاحبه. فأما إذا كان غير مؤذيه ، وفيه تعظيمه فلا حرمة. وكذا إذا لم يعرف إلا به ، وكان فيه مفسدة لو لم يذكر به ، كتضييع حقّ الغير لا سيما إذا روي عنه كالأعرج والأعمش ، حيث غلب على هذين. وكره سعيد بن المسيّب فتح الياء من
__________________
(١) ٨٦ / النحل : ١٦.
(٢) الآية بعدها.
(٣) ١٦ / مريم : ١٩.
(٤) في الأصل : من الماء ، ولعل ما ذكرنا يناسب السياق.
(٥) الفضيح : نوع من التمر. وأفضح البسر : إذا بدت الحمرة فيه ، دعي بذلك لأنه يسكر فيفضح شاربه.
(٦) ١١ / الحجرات : ٤٩.
المسيّب ، وكان يقول : سيّب الله من سيّب أبي. وكره التلقيب مطلقا وإن أحبّه صاحبه.
ن ب ط :
قوله تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(١) أي يستخرجونه. يقال : استنبطت الماء من الأرض ، وأنبطته ، أي استخرجته. وأصله من النّبط وهو أول ما يخرج من البئر حين تحفر. وفي المثل : «أنبط في غضراء» أي استخرج الماء من طين حرّ. وأنشد : [من الطويل]
نعم ، صادقا ، والقائل الفاعل الذي |
|
إذا قال قولا أنبط الماء ، في الثرى |
وسئل بعضهم عن رجل فقال : ذاك قريب الثّرى بعيد النّبط (٢) أي : قريب الوعد بعيد الوفاء. وفي الحديث : «ورجل ارتبط فرسا ليستنبطها» (٣) أي ليخرج ما في بطنها. وسأل عمر بن الخطاب عمرو بن معدي كرب عنه فقال : «ذاك أعرابيّ في حبوته ، نبطيّ في جبوته» (٤) أراد أنه في حبوة العرب ، وكالنّبطيّ في علمه بأمر الخراج وجبايته وعمارة الأرض ، حذقا بها ومهارة فيها.
والنّبط : جيل معروف ، سموا بذلك ، لأنهم ينبطون الماء في الأرض ويزرعونها ، ويستخرجون بذرها. بمقابلة العرب يقال : ذاك عربيّ وهذا نبطيّ ، ولذلك قال الفقهاء : لو قال لعربيّ : يا نبطيّ كان قذفا. وكان عمر يقول : تمعددوا ولا تستنبطوا» (٥) أي تشبّهوا بمعدّ لا بالنّبط.
وفرس أنبط : أبيض ما تحت الإبط.
__________________
(١) ٨٣ / النساء : ٤.
(٢) مذكور في النهاية : ٥ / ٩.
(٣) النهاية : ٥ / ٩ ، وفيه معنى آخر هو : يطلب نسلها ونتاجها.
(٤) النهاية : ٥ / ٩ ، والضمير يعود على سعد بن أبي وقاص.
(٥) المصدر السابق.
ن ب ع :
قوله تعالى : (يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ)(١) هو جمع ينبوع. والينبوع : العين التي يخرج منها الماء. ويقال : نبع ينبع نبعا ونبوعا ، فهو نابع من الينبوع. وقال تعالى : (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)(٢) ووزنه يفعول من النبع. والنبع : شجر تتّخذ منه القسيّ.
ن ب و :
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ)(٣) قد تقدم في لفظ النبيّ قولان : أحدهما أنّه من النبأ مهموز ، والثاني أنّه من نبا ينبو ، أي ارتفع. قال بعضهم : هو من النّبوة ، أي الرفعة. سمي نبيا لرفعة محلّه عن سائر الناس المدلول عليها بقوله : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)(٤).
وعن قتادة : «ما كان رجل بالبصرة أعلم من حميد بن هلال ، غير أنّ النّباوة أضرّت به» (٥). النّباوة والنبوة : الارتفاع. يقال : له نباوة ونبوة ، أي رفعة وشرف. وقال غيره : النبيّ ما ارتفع من الأرض واحدودب. ومنه الحديث : «لا تصلّوا على النّبيّ» (٦) يقول : لا تصلّوا على الأرض المرتفعة المحدودبة. وقيل : على الطرق. وسميت رسل الله أنبياء لكونهم طرقا إلى الله.
والنّباوة أيضا : موضع بالطائف. ومنه الحديث : «وخطب يوما بالنباوة من الطائف» (٧).
ونبا السيف من الضريبة : ارتدّ عنها. ونبا بصره عن كذا تشبيها بذلك.
__________________
(١) ٢١ / الزمر : ٣٩.
(٢) ٩٠ / الإسراء : ١٧.
(٣) ٧٣ / التوبة : ٩ ، وغيرها.
(٤) ٥٧ / مريم : ١٩.
(٥) النهاية : ٥ / ١١.
(٦) المصدر السابق.
(٧) المصدر السابق ، وهو مذكور في معجم البلدان ـ مادة بناوة.