الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩
مسحته بالسيف كما مسسته به ؛ يكنى بذلك عن الضرب. يقال إنه عليهالسلام (١) كشف عراقيبها وأعناقها بالسّيف غضبا لله تعالى ، وكان ذلك مباحا في شرعه في قصة مذكورة في التّفسير. ويقال : بل يوضّح على حقيقته وأنه عليه الصلاة والسّلام كان يمسح بيده على نواصيها وأعراقها حنوّا عليها.
قوله : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى)(٢) سمي بذلك مسيحا ، قيل : لأنّه كان لا يمسح ذا عاهة إلا عوفي. وقيل : لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها بالسّير. يقال : مسحت الأرض : إذا ذرعتها أو سرت فيها ، وكذا كان عليهالسلام يسيح فيها ؛ فهو فعيل بمعنى فاعل ، وقيل : لأنّ زكريا عليهالسلام مسح عليه ، وقيل : لأنّ المسيح ضدّ المسيخ ـ بالخاء المعجمة ـ قال أبو الهيثم : يقال : مسحه الله ـ بالمهملة ـ خلقه خلقا حسنا مباركا ، ومسخه ـ بالمعجمة ـ أي خلقه خلقا ملعونا قبيحا. وفي التفسير بشاعة فظيعة. وقال ابن الأعرابي : المسيح : الصّدّيق. وقال أبو عبيد : أصله بالعبرانية (ماشيحا) فعرب كما عرب موسى (٣). وقيل : كان بالعبرانية (مشوحا) فعرب. وقيل : لأنه كان في زمان قوم يقال لهم المشّاؤون والمسّاحون ، أي السائحون في الدنيا ؛ سمي بذلك لذهابه في الأرض ، وقيل : لأنه خرج من بطن أمّه ممسوحا بالدّهن. وقال الراغب (٤) : قال بعضهم : المسيح هو الذي مسحت إحدى عينيه ، وقد روي أن الدجّال ممسوح اليمني وأنّ عيسى كان ممسوح اليسرى. قال : ويعني بأنّ الدجّال قد مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الجميلة ، وأنّ عيسى قد مسحت عنه القوة الذّميمة من الجهل والشّره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة. قلت : لا ينبغي بل لا يجوز اعتقاد مسح العين في عيسى عليهالسلام لأنه عاهة ، فإن قلت : فأيوب قد ابتلي أجيب بأنه قد عوفي ، فإن قيل : فشعيب قد أعمي فعلى تقدير صحته ليس هو في البشاعة كالعور. وأمّا الدجال فسمي مسيحا لمسح عينه اليمنى ، ومنه الحديث : «أعور عينه». وقيل : لأنّه يمسح الأرض فيقطعها من المشرق إلى المغرب ، وقيل : مسح
__________________
(١) يعني النبي سليمان في الآية.
(٢) ١٧١ / النساء : ٤.
(٣) من الأصل : موشي.
(٤) المفردات : ٤٦٨.
شقّ وجهه ، ففي الحديث : «أنّه لا عين له ولا حاجب» (١) نقله الراغب. وقيل : لأنه كان يلبس المسوح ، والمسوح جمع مسح وهو ما اتّخذ من الشّعر ، ويجمع ـ أيضا ـ على أمساح نحو : حمل وأحمال وحمول.
وكثر إطلاق المسح في لسان المشترعة على إمرار اليد بالماء غسلا كان أو مسحا ، ومنه : «تمسّح للصلاة» (٢). وعليه قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ)(٣) قال أبو زيد الأنصاريّ : المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا ، قلت : وعلى هذا يكون من استعمال المشترك في معنييه ، فإنه بالنسبة إلى الرؤوس مسح وإلى الأرجل غسل.
وكنّي بالمسح عن الجماع كما كنّي عنه بالمسّ واللمس.
ودرهم مسيح ، أي أطلس لا نقش عليه. ومكان أمسح ، أي أملس لا نبات به. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «كان مسيح القدمين» (٤) أي أنهما ملساوان لا وسخ عليهما ولا شقوق فيهما ولا تكسّر ، إذا أصابهما الماء نبا عنهما ، وقيل : بل غارمان من اللحم يعني : قليل لحمهما ، وهو صفة حسن في القديم. وفي الحديث : «على وجهه مسحة ملك» (٥) والعرب تقول : على وجه فلان مسحة جمال ، قال الشاعر (٦) : [من الطويل]
على وجه ميّ مسحة من ملاحة |
|
ومن تحت ذاك الخزي لو كان باديا |
والتمساح : حيوان في البحر وليس لنا مثال تفعال إلا هو وتمثال والباقي (٧).
م س خ :
قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ)(٨) المسخ : تشويه الخلق والخلق
__________________
(١) المفردات : ٤٦٨.
(٢) النهاية : ٤ / ٣٢٧ ، وفيه : «تمسح وصلّى».
(٣) ٦ / المائدة : ٥.
(٤) النهاية : ٤ / ٣٢٧.
(٥) النهاية : ٤ / ٣٢٨. وفي اللسان «ملك» ، وهو وهم.
(٦) البيت لذي الرمة كما في اللسان ـ مادة مسح ، وهو غير مذكور في الديوان.
(٧) كذا في الأصل.
(٨) ٦٧ / يس : ٣٦.
وتحويلهما من صورة إلى صورة. قال بعض الحكماء : المسخ ضربان ؛ ضرب يحصل في بعض الأزمان دون بعض وهو مسخ الخلق وتحويل الصّور. وهذا كما مسخ الله طائفة من اليهود فجعل شبابهم قردة وشيوخهم خنازير. ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(١) وقال : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً)(٢). والمنقول أنّ هؤلاء لم يتناسلوا ولم يعيشوا إلا ثلاثا عن ابن عباس. وضرب يحصل في كلّ زمان وهو تغيير الخلق ، وذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات ، كأنه يصير في شدّة الحرص كالكلب ، وفي شدّة الشّره كالخنزير ، وفي شدّة الغمارة كالثور ، وفي شدّة البلادة كالحمار ، قال الراغب : وقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) يتضمّن الأمرين وإن كان الأول أظهر ، يعني تحويل الصورة إلى صورة أخرى.
والمسيخ من الطعام : ما لا طعم له. ومسخت الناقة : أنضيتها حتى أزلت خلقتها عن حالها ، قال الشاعر (٣) : [من المتقارب]
وأنت مسيخ كلحم الحوار
والماسخيّ : القوّاس ، وأصله أنّ رجلا كان منسوبا إلى ماسخة قبيلة معروفة تعمل القسيّ ، فسمي كلّ قّواس باسمه ، كما قيل لكل حدّاد هالكيّ.
م س د :
قوله تعالى : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(٤) أي ليف ، وقيل : ليف يتّخذ من ليف النّخل فيمسد ، أي يفتل ومنه امرأة ممسودة ، أي مطويّة الخلق غير مفاضة ولا رهلة ، كأنّما فتل جسدها بالشّحم. والمسد : الحبل من أيّ شيء اتّخذ ، قال الشاعر : [من الرجز]
يا ربّ عيسى لا تبارك في أحد |
|
في قائم منهم ولا في من قعد |
إلا الذين قاموا بأطراف المسد (٥) |
__________________
(١) ٦٠ / المائدة : ٥.
(٢) ٦٥ / البقرة : ٢.
(٣) المفردات : ٤٦٨.
(٤) ٥ / المسد : ١١.
(٥) كذا في الأصل!
والمسد يحتمل أن يكون مكانا ، وعن ابن عباس : عني بالمسد هنا في الآية السلسلة التي ذكرها في قوله تعالى : (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً)(١) أي أنها تسلك فيها.
م س س :
قوله تعالى : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ)(٢) أي ألمّ بهم. والمسّ : مباشرة الجسم ، والمسّ كاللمس ، وقد تقدّم أنّ اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد ، وإليه نحا الشاعر في قوله (٣) : [من مجزوء الوافر]
وألمسه فلا أجده
والمسّ يقال فيما يكون معه إدراك بحاسّة اللمس ، وفي كتاب الراغب : بحاسّة السّمع ، وأظنّه غلطا عليه.
ويكنّى به عن الجماع كالمباشرة والملامسة ، قال تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ)(٤) وقرىء تماسوهن (٥) والمفاعلة ظاهرة فيه. ويكنّى به عن الجنون لأنّ الشيطان يمسّ المجنون ، قال تعالى : (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(٦). يقال : به مسّ ولمس ولمم وطيف وطائف ، وقد مسّ فهو ممسوس.
والمسّ يقال في كلّ ما ينال الإنسان من شرّ كقوله تعالى : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ)(٧). وعندي أنّ فيه مبالغة من حيث إنه جعل البأساء كالجسم الماسّ لهم. ومثله قوله تعالى : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(٨) قال الأخفش : جعل المسّ يذاق كما يقال : كيف وجدت طعم الضّرب؟
__________________
(١) ٣٢ / الحاقة : ٦٩.
(٢) ٢٠١ / الأعراف : ٧.
(٣) المفردات : ٤٦٧. وفي الأصل : وألمسته فلم أجده.
(٤) ٢٣٧ / البقرة : ٢.
(٥) ذكرها الفراء فقال : تماسوهن وتمسوهن واحد (معاني القرآن : ١ / ١٥٥).
(٦) ٢٧٥ / البقرة : ٢.
(٧) ٢١٤ / البقرة : ٢.
(٨) ٤٨ / القمر : ٥٤.
ومسّ الحمّى : أول ما ينال منها.
قوله : (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ)(١) أي مماسّة ؛ كان السامريّ يقولها فلا يقربه أحد عقوبة له حتى صار وحشيا.
م س ك :
قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً)(٢). الإمساك هنا المنع ، وأصل (٣) الإمساك التعلّق بالشيء وحفظه ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا)(٤).
قوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)(٥) أي تعلّق بها. قوله : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)(٦) أي تحرّ الإمساك.
قوله : (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ)(٧) أي مانعات. قوله : (لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ)(٨) أي بخلتم ، والإمساك كناية عن البخل ، لأنّ من بخل فقد منع ما عنده وحفظه وتعلّق به.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ)(٩) أي يتمسّكون به ؛ يقال : مسك بالشيء وأمسك وتمسّك وامتسك واستمسك بمعنى ، قال زهير (١٠) : [من البسيط]
بأيّ حبل جوار كنت أمتسك؟
__________________
(١) ٩٧ / طه : ٢٠.
(٢) ٢٣١ / البقرة : ٢.
(٣) في الأصل : والأصل.
(٤) ٤١ / فاطر : ٣٥.
(٥) ٢٥٦ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٦) ٤٣ / الزخرف : ٤٣.
(٧) ٣٨ / الزمر : ٣٩.
(٨) ١٠٠ / الإسراء : ١٧.
(٩) ١٧٠ / الأعراف : ٧.
(١٠) وصدره كما في (شعر زهير : ٨٧) :
هلا سألت بني الصّيداء كلّهم
قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)(١) قرىء بالتشديد والتخفيف ، أي خلّوا سبيلهنّ.
والمسكة من الطعام والشراب : ما يمسك به الرّمق (٢).
والمسك ـ بالفتح ـ الذّبل المشدّود على المعصم ، والمسك ـ أيضا ـ الجلد الممسك للبدن. والمسك : الطيب المعروف ؛ قال تعالى : (خِتامُهُ مِسْكٌ)(٣) أي منقطعه رائحة المسك لأنه يمسك قوة النّفس. وفي الحديث : «خذي فرصة ممسّكة» (٤) ، قيل : مطيّبة بالمسك ، وقيل : من التمسّك باليد. وقال القتيبيّ : محتملة (٥) أي تحتملينها معك. وفي الحديث : «نهى عن بيع المسكان» (٦) بضمّ الميم وكسرها ، قيل : المسكان : العربان وهو العربون. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «بادن متماسك» (٧) أي بعض أعضائه يمسك بعضا ؛ وصف بالقوة صلىاللهعليهوسلم.
م س ي :
قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ)(٨) أي تدخلون في المساء ، وهو الزوال إلى الصبح ، ولذلك استدلّ بها بعضهم على الصلوات الخمس. فقوله : (تُمْسُونَ) شمل صلاة العصر والمغرب والعشاء و (تُصْبِحُونَ)(٩) الصبح و (وَحِينَ تُظْهِرُونَ)(١٠) الظهر ،
__________________
(١) ١٠ / الممتحنة : ٦٠. عصم الكوافر : عقود نكاح المشركات.
(٢) وفي الأصل : الريق.
(٣) ٢٦ / المطففين : ٨٣.
(٤) النهاية : ٤ / ٣٣٠. الفرصة : القطعة ، يريد قطعة من المسك.
(٥) كذا في الأصل والهروي ، وفي النهاية : متحمّلة.
(٦) النهاية : ٤ / ٣٣١.
(٧) النهاية : ٤ / ٣٣٠.
(٨) ١٧ / الروم : ٣٠.
(٩) من الآية السابقة.
(١٠) الآية بعدها.
وقيل : المساء من الغروب. والمسي والصّبح : المساء والصباح ، قال الشاعر (١) : [من المنسرح]
والمسي والصّبح لا فلاح معه
أي لا بقاء.
وأمسى : فعل ناقص مثل كان ، يدلّ على اقتران مضمون الجملة بزمن المساء ، قال النابغة (٢) : [من البسيط]
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا |
|
أخنى عليها الذي أخنى على لبد |
وتكون تامة بمعنى دخل في المساء كما تقدّم في الآية الكريمة. وتكون بمعنى صار. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «أمسينا وأمسى الملك لله» (٣) أي دخلنا المساء.
فصل الميم والشين
م ش ج :
قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ)(٤) أي أخلاط لأنّه خلق من ماء الرجل والمرأة جميعا. ومثله : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ)(٥) أي من صلب الأب وترائب الأمّ ، قال يعقوب : هي أخلاط النّطفة لأنها ممتزجة من أنواع تولّد الإنسان منها ذات طبائع ، الواحد : مشج ومشيج (٦) ، وفي صفة المولود : «المولود يكون مشيجا أربعين
__________________
(١) عجز بيت للأضبط بن قريع السعدي (الشعر والشعراء : ٢٩٩) ، وصدره :
يا قوم من عاذري من الخدعه
(٢) الديوان : ٥ ، وفيه : أضحت قفارا وأضحى ..
(٣) صحيح مسلم ، الذكر ، ٧٤ ـ ٧٦.
(٤) ٢ / الإنسان : ٧٦.
(٥) ٧ / الطارق : ٨٦. الترائب : عظام الصدر أو الأطراف من كل منهما ، أو من كل البدن منهما ، وهي كناية.
(٦) ومشج ومشج.
ليلة» (١). ويقال : عليها أمشاج من غيم ، أي أخلاط. وقيل : ذلك عبارة عمّا جعل الله تعالى من القوى المختلفة المشار إليها بقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ)(٢) الآية.
م ش ي :
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ)(٣) ضرب ذلك مثلا لمن هو على الهدى ، ومن هو على الضّلالة. وأصل المشي الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة واختيار ، ومنه قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ)(٤). ويعبّر بذلك عن النّميمة والوقيعة ، كما يعبّر عنها بالسّعي ، ومنه قوله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(٥).
قوله : (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا)(٦) يجوز أن يكون على بابه ، والمراد : اسعوا في مصالحكم. وقيل : دبّروا أمركم. وهو لازم لأنّ من دبّر أمرا مشى فيه وسعى.
ويكنّى المشي عن شرب المسهل ؛ يقال : شربت مشوا ومشيا.
وقيل : الماشية للنّعم ؛ الإبل والبقر والغنم لكثرة ذلك منها. ومشى الرجل وأمشى كثرت ماشيته ، قال الشاعر (٧) : [من الزجر]
والشاة لا تمشي مع الهملّع
أي هذا الجنس لا يكثر ولا ينبح على الذئب ، والهملّع : الذئب ، أي متى أكلها فنيت. ومشت المرأة فهي ماشية ، أي كثرت ، وهو كناية عن كثرة الأولاد.
__________________
(١) النهاية : ٤ / ٣٣٢. وفي الأصل : وفي صفة الحديث ، ولعله وهم من الناسخ.
(٢) ١٢ و ١٣ / المؤمنون : ٢٣.
(٣) ٢٢ / الملك : ٦٧.
(٤) ٤٥ / النور : ٢٤.
(٥) ١١ / القلم : ٦٨. الهماز : العيّاب أو المغتاب للناس. مشاء بنميم : بالسعاية والإفساد بين الناس.
(٦) ٦ / ص : ٣٨.
(٧) رجز مذكور في قطعة باللسان ـ مادة مشي.
فصل الميم والصاد
م ص ر :
قوله تعالى : (ادْخُلُوا مِصْرَ)(١) هي هذا البلد المعروف ، ولذلك منعت من الصرف بخلاف (اهْبِطُوا مِصْراً)(٢) إذ المراد مصرا من الأمصار ولذلك صرفت. وقيل : هي بلد بعينه ، وإنّما صرف لخفّة لفظه نحو هند وليس بصحيح لأنّه أعجميّ ، فهو كماه وجور (٣). ولذلك قال بعضهم إنه معرب من مصراييم. وقيل : بل هو عربيّ الوضع. فالمصر : اسم كلّ بلد ممصور أي محدود ، ويقال : مصرت مصرا ، أي بنيته. والمصر : الحدّ. وفي شروط هجر : اشترى فلان الدار بمصورها ، أي بحدودها ، وأنشد (٤) : [من البسيط]
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به |
|
بين النهار وبين الليل قد فصلا |
والماصر : الحاجز بين الماءين. ومصرت الناقة : إذا جمعت أطراف أصابعك على ضرعها فحلبتها. وعليه قالوا : لهم غلّة يتمصّرونها ، أي يحلبون منها قليلا قليلا. وناقة ممصورة : جامعة للبن (٥) لا تسمح بمثله. وثوب ممصّر : مشبّع الصّبغ. ومن كلام الحسن : «لا بأس بكسب ما لم يمصر ولم يبسر» (٦) أي يحتلب بأصبعيه ويبسر على الشاة قبل وقتها.
والمصير : المعى ، جمعه مصران ومصران ، وجمع الجمع مصارين ، وقيل : ميمه مزيدة ، لأنه من صار يصير لأن الطعام يصير إليه ويستقرّ فيه ، فالمصير وزنه مفعول نحو مبيع.
وفي حديث عيسى : «ينزل بين ممصّرتين» (٧). الممصّرة من الثياب : التي فيها صفرة
__________________
(١) ٩٩ / يوسف : ١٢.
(٢) ٦١ / البقرة : ٢.
(٣) ماه : قمر. جور : اسم علم ، والكلمتان فارسيتان.
(٤) قاله أمية يذكر حكمة الخالق تبارك وتعالى (اللسان ـ مادة مصر) ، وفيه : وجعل ، وبه يكسر.
(٥) وفي المفردات (٤٦٩) : مانع للبن.
(٦) النهاية : ٤ / ٣٣٦.
(٧) المصدر السابق.
خفيفة. وفي حديث زياد : «إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة ما يقطع بها ذنب عنز مصور» (١) المصور من الشاة خاصة : المنقطعة اللبن ؛ سميت بذلك لأنّ لبنها يتمصّر قليلا ، والجمع : مصائر. والمصر والفطر : الحلب بأصبعين أو ثلاثة.
فصل الميم والضّاد
م ض غ :
قوله تعالى : (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ)(٢). المضغة من اللحم : قدر ما يمضغ ، كالغرفة : قدر ما يغترف ، واللّقمة قدر ما يؤكل ويلقم ، والجمع مضغ. ويقال لها : المضيغة ، والجمع المضائغ. وجعلت المضغة اسما للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة.
والمضاغة : ما يبقى عن المضغ في الفم. والماضغان : الشّدقان لأنهما آلته. والمضائغ ـ أيضا ـ العقبات التي على طرفي سية القوس ، الواحدة مضيغة.
م ض ي :
قوله تعالى : (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ)(٣) أي اذهبوا بسرعة ؛ يقال : مضى في حاجتي مضيّا ومضاء : إذا نفذ وأسرع ، ويكون ذلك في الأعيان والمعاني ، ويقال : مضى الزمان ومضى شأن فلان ، قال الشاعر (٤) : [من الكامل]
اليوم أعلم ما يجيء به |
|
ومضى بفصل قضائه أمس |
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) ٥ / الحج : ٢٢.
(٣) ٦٥ / الحجر : ١٥.
(٤) نسبوا البيت إلى تبع بن الأقرن ، أو لأسقف نجران (أوضح المسالك : ٣ / ١٥٦).
فصل الميم والطاء
م ط ر :
قوله تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً)(١). المطر : الماء المنسكب من السماء. ويقال : يوم ماطر ، ومطير وممطر ، على المبالغة. وجاء في التفسير : إن «أمطرنا» في العذاب ، و «مطرنا» في الرّحمة. قال الهرويّ : وأمّا لغة العرب فيقال : مطرت السماء وأمطرت.
وقال الراغب (٢) : إنّ «مطر» يقال في الخير ، و «أمطر» في الشرّ ؛ قال تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً)(٣). ومطر وتمطّر : ذهب في الأرض ذهاب المطر. وفرس متمطّر ؛ أي سريع كالمطر. والمستمطر : طالب المطر. ويقال : ماطرين منه ، وماطرت منه ، بشرّ. ومطر : علم لرجل مشهور. ومنه قوله (٤) : [من الوافر]
سلام الله يا مطر عليها |
|
وليس عليك ، يا مطر ، السّلام |
م ط و (٥) :
قوله تعالى : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى)(٦) أي يتبختر. وأصله من : مدّ مطاه : إذا تبختر وتكسّر في مشيه. وهو نهى عنه.
والمطا : الظّهر. ومنه المطيّة لما يركب مطاه ، أي ظهره. وغلب في الإبل.
__________________
(١) ٨٤ / الأعراف : ٧.
(٢) المفردات : ٤٦٩.
(٣) ٨٢ / هود : ١١.
(٤) من شواهد النحو على مجيء المنادى مضموما (مغني اللبيب : ٣٤٣ وأوضح المسالك : ٣ / ٨٢). وهو من شعر الأحوص.
(٥) أورد الراغب المادة في (م ط ي) ، ولم يذكر (م ط و).
(٦) ٣٣ / القيامة : ٧٥.
وامتطيته : ركبت مطاه. وقال ابن عرفة : يتمطّى : يمدّ أعضاءه. وهو التّمطّي والمطاء. وأنشد للراجز (١) : [من الرجز]
شممتها إذ كرهت شميمتي |
|
وهي تمطّى كتمطي المحموم |
ويقال : إنّ الأصل يتمطّط ، فكره توالي الأمثال (٢) ؛ فأبدل الثالث حرف علّة. كقوله (٣) : [من الرجز]
تقضّي البازي إذا البازي انكسر
وقصّيت أظفاري ، وتطبّيت. يقال : مطوت ، ومططت ، ومددت ؛ كلّه بمعنى. وكلّ شيء مددته فقد مطوته. وفي الحديث ؛ «أنّ أبا بكر مرّ ببلال ، وقد مطي في الشمس» (٤) أي مدّ. وفي الحديث : «إذا مشت أمّتي المطيطاء» (٥) أي يتبخترون مادّي أيديهم (٦). كذا فسّره أبو عبيد.
والمطو : الصاحب المعتمد عليه (٧). وتسميته بذلك كتسميته بالظّهر. وقد أدخله الهرويّ في مادة «م ط ي». والصواب أن يدخله في مادة «م ط و» ؛ لقولهم : مطوت. والمطا يكتب بالألف ، ولا تمال ألفه.
__________________
(١) من شواهد اللسان ـ مادة مطا. والبيت لذروة بن جحفة الصّموتي. وفي الأصل : شممتها فكرهت. والتصويب من اللسان.
(٢) أي تتابع الحرف الواحد أكثر من مرة.
(٣) البيت في اللسان ـ مادة قضا ، شاهدا على كثرة الضادات. وهو عجز للعجاج ، وصدره :
إذا الكرام ابتدروا الباع بدر
(٤) النهاية : ٤ / ٣٤٠ ، وتمامه فيه «... في الشمس يعذّب».
(٥) في الأصل من غير همز ، وكلاهما جائز ، وهو شرح أبي عبيد ، وأورده الهروي. وهو في النهاية : ٤ / ٣٤٠.
(٦) المطيطاء : من المصغّرات التي لم يستعمل لها مكبّر. وهي المشية التي فيها التبختر ، مع مدّ اليدين.
(٧) ويضيف ابن منظور : «... ونظيره».
فصل الميم والعين
م ع ر :
قوله تعالى : (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ)(١) والمعنى : لو لا رجال ونساء آمنوا بمكة لم تعلموهم ، فتقتلوهم فتصيبكم منهم معرّة من جهة الدّية ، ومن جهة ملامة العرب والكفار ، يقولون قد قتلوا إخوانهم المؤمنين لفعلنا ذلك. وقال الليث : معرّة الجيش أن تنزلوا بقوم فتصيبوا من زروعهم وثمارهم. ومنه قول عمر رضي الله عنه : «اللهمّ أبرأ إليك من معرّة الجيش» (٢) وهذه اللفظة أدخلها الهرويّ هنا لأنه جعل أصلها من معرة الرأس وهو قلة الشّعر. ومنه المعر والزّمر ، أي القليل شعر الرأس ، وهو عيب. وفي الحديث : «ما أمعر حاجّ قطّ» (٣) أي ما افتقر. قال الهرويّ : وأصله من معر الرأس. وأمّا عرّة فجعل الميم زائدة من العرّ (٤) ، والعرّ هو الجرب الذي يعرض للبدن ، ثم سميت كلّ مضرّة معرة. وقد تقدّم تحقيق هذا في باب العين فأغنى عن إعادته هنا.
م ع ز :
قوله تعالى : (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ)(٥) المعز : جنس من الغنم معروف ، وجمعه معيز ومعزى وأمعوز (٦) ، قال امرؤ القيس (٧) : [من الوافر]
ألا إن لم تكن إبل فمعزى |
|
كأنّ قرون جلّتها العصيّ |
وقال أيضا (٨) : [من الوافر]
ويمنعها بنو شمجى بن جرم |
|
معيزهم حنانك ذا الحنان |
__________________
(١) ٢٥ / الفتح : ٤٨.
(٢) النهاية : ٤ / ٣٤٢.
(٣) المصدر السابق.
(٤) جاءت في اللسان أنها مثلثة العين.
(٥) ١٤٣ / الأنعام : ٦.
(٦) ومن جموعها : معز ، معز ، مواعز ، معيز.
(٧) الديوان : ١٠٣ ، وفيه : ألا إلّا. الجلة : جمع الجليل وهو المسنّ.
(٨) يريد امرأ القيس ، الديوان : ١٠٦. حنانك ذا الحنان : فسرها ابن الأعرابي : رحمتك يا رحمن.
وأنشد أبو زيد : [من الكامل]
كالتّيس في أمعوزة المتزبّل
ويقال : معز ـ بالسكون ـ أيضا ، وقد قرىء بهما ، كما يقال في جماعة الضّأن ضئين وضأن.
وقيل : المعز والمعز جمعان لماعز ، نحو : تاجر وتجر ، وخادم وخدم.
والأمعز والمعزاء : المكان الغليظ ، قال الشاعر : [من البسيط]
ولّى ليطلبه بالأمعز الخرب
وقال آخر : واستمعز فلان في أمره : جدّ فيه. ورجل ماعز : معصوب الخلق. وفي حديث عمر : «تمعززوا واخشوشنوا» (١) أي كونوا أشدّ صبرا من المعز ، وهو الشّدّة.
م ع :
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٢) مع : ظرف مكان ، والاستدلال على ظرفيتها قلق ، وكونها مكانا لقولهم : زيد مع عمرو. ولو كانت زمانا لما أخبر بها عن الجثث. وزعم بعضهم أنها مسكنة العين حرف جرّ إجماعا ، وهو فاسد. ونصّ سيبويه على أنّ تسكينها ضرورة ، وأنشد (٣) : [من الوافر]
وريشي منكم وهواي معكم |
|
وإن كانت زيارتكم لماما |
وتقطع عن الإضافة فيكثر انتصابها حالا ، نحو : جاؤوا معا. وهو فرق بين قولك : جاء الزيدان معا أو جميعا ، في حكاية بين ثعلب وابن قادم ذكرتها في غير هذا ، وهل هي من باب المقصور أو المنقوص ، وتظهر فائدته في التسمية بها ؛ فعلى الأول يقال : جاء معا ، ومررت بمعا ، وعلى الثاني يقال : جاء مع ومررت بمع ، كيد ودم. وقد حققت الكلام في
__________________
(١) النهاية : ٤ / ٣٤٢.
(٢) ١٥٣ / البقرة : ٢.
(٣) البيت لجرير ، الديوان : ٥٠٦ ، وحماسة ابن الشجري : ١ / ٢٤٥ ، وشرح المفصل : ٢ / ١٢٨ ، وليس كما جاء في كتاب سيبويه : ٣ / ٢٨٧ إذ نسبه إلى الراعي.
ذلك بموضع هو أليق به ، وحيث جاء (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(١) ونحو فالمراد الصحبة بالمعونة والإثابة. وقال الراغب : مع يقتضي الاجتماع إمّا في المكان نحو : هما معا في الدار ، أو في الزمان نحو : ولدا معا ، أو في المعنى كالمتضايفين نحو : الأخ والأب ؛ فإنّ أحدهما صار أخا في حال ما صار الآخر أخاه ، وإمّا في الشرف والرتبة ، نحو : هما في العلوّ معا. ويقتضي معنى النّصرة ، وأنّ المضاف إليه لفظ مع هو المنصور نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَنا)(٢).
ورجل إمّعة ، إي يقول لكلّ واحد : أنا معك. وفي كلام ابن عباس : «كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن إمّعة فتهلك» (٣) قيل : هو البطّال.
والمعمعة : صوت الحريق ، وصوت الشجعان في الحرب. والمعمعان : شدّة الحرب (٤).
م ع ن :
قوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)(٥) قيل : هو من قولهم : معن الماء ، أي جرى فهو فعيل بمعنى فاعل ، يقال : معن الماء وأمعن : إذا جرى وسال. وأنشد لعبيد ابن الأبرص (٦) : [من مجزوء البسيط]
واهية أو معين ممعن |
|
أو هضبة دونها لهوب |
وأمعن الفرس : تباعد في عدوه تباعد الماء في جريانه. وأمعن في حاجتي : إذا بالغ. وفتّش في أمرها ، وأمعن بحقّي : إذا ذهب به. وسميت مجاري الماء : معنان ، وقيل : قوله : (بِماءٍ مَعِينٍ)(٧) أي ظاهر يرى بالعين ، فميمه زائدة.
__________________
(١) ٢٤٩ / البقرة : ٢.
(٢) ٤٠ / التوبة : ٩.
(٣) ذكره ابن الأثير في مادة «إمعه» ؛ بالهمز (النهاية : ١ / ٦٧) ويرى أن همزته أصلية.
(٤) وفي الأصل : الحر.
(٥) ٤٥ / الصافات : ٣٧.
(٦) الديوان : ٢٥ ، اللهوب : جمع لهب : الشعب في الجبل.
(٧) ٣٠ / الملك : ٦٧.
قوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ)(١) قال قطرب : ماعون : فاعول من المعن ، وهو المعروف ، وأنشد للنّمر بن تولب (٢) : [من الوافر]
ولا ضيّعته فألام فيه |
|
فإنّ ضياع مالك غير معن |
وقال بعض الأعراب : الماعون : الماء ، وأنشد (٣) : [من الوافر]
إذا نسم من الهيف اعتراه |
|
يمجّ صبيره الماعون صبّا |
وقال الفراء : يجوز أن يكون قوله : (بِماءٍ مَعِينٍ) فعيلا من الماعون ، وهو المعروف. وقال غيره : هو من الماعون الذي هو الماء ، وقد تقدّم. وعن ابن عباس : الماعون العاريّة. وقال أبو عبيد : الماعون في الجاهلية : العطاء والمنفعة ، وفي الإسلام الزكاة (٤) والطاعة. وأنشد الراعي (٥) : [من الكامل]
قوم على الإسلام لمّا يمنعوا |
|
ما عونهم ، ويضيّعوا التّهليلا |
وقيل : الماعون هو الأشياء المتعاون بها ، وهي كالمحلاب والقدر والمغرفة والفأس والمقدحة ، نقل ذلك عن ابن عباس أيضا ، وذلك أنها الآلة المعروفة (٦) فسميت باسمه. وفي الحديث : «فنزل عن فراشه وتمعّن على بساطه» (٧) أي تذلّل وتصاغر ، مأخوذ من المعن وهو الشيء القليل. وقيل : معناه اعترف من قولهم : تمعّن بحقّي أي اعترف به.
__________________
(١) ٧ / الماعون : ١٠٧.
(٢) الديوان : ١١٨. غير معن : غير يسير ولا هين.
(٣) العجز مذكور في اللسان ـ مادة معن. وفي الأصل : نسيم ، وبه لا يستقيم.
(٤) وفي الأصل : وفي الزكاة ، ولعلها كما ذكرنا.
(٥) وفي اللسان ـ مادة معن :
قوم على التنزيل .... ويبدّلوا التنزيلا
وعلى الأصل رواية المحكم والتهذيب.
(٦) وفي الأصل : آلة المغروف.
(٧) النهاية : ٤ / ٣٤٣ ، قاله أنس لمصعب ، وفيه زيادة.
وقوله : (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)(١) كقوله : (بِماءٍ مَعِينٍ) في احتمال الاشتقاقين المتقدمين.
م ع ي :
قوله تعالى : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ)(٢) الأمعاء : جمع معى ، والمعى : المصران ، والتثنية معيان ، وأنشد (٣) : [من الوافر]
ومعى جياعا
وفي الحديث : «المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء» (٤) قال أبو عبيد : يرى أنّ المؤمن يسمي الله فيبارك له فيه. وقيل : ذلك في رجل بعينه ، وقيل هو مثل ضربه الله للمؤمن في زهده في الدنيا وقلة رغبته ، وللكافر في حرصه وشرهه ، ومنه قيل للحرص شؤم وللرغبة لؤم.
وأمّا المعو ـ بالواو ـ فالبسر إذا أرطب ، الواحد معوة.
فصل الميم والقاف
م ق ت :
قوله تعالى : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ)(٥) المقت : أشدّ البغض ، فهو أخصّ من البغض ، والمعنى أنّ مقت الله إياكم على كفركم أشدّ من بغضكم لأنفسكم حين يتبيّن لكم في الآخرة سوء عاقبتكم.
__________________
(١) ١٨ / الواقعة : ٥٦.
(٢) ١٥ / محمد : ٤٧.
(٣) من بيت للقطامي ذكره ابن منظور (مادة ـ معي) ، وتمامه :
كأنّ نسوع رحلي حين ضمّت |
|
حوالب غرّزا ومعى جياعا |
(٤) النهاية : ٤ / ٣٤٤.
(٥) ١٠ / غافر : ٤٠.
ويقال : مقته مقاتة فهو مقيت ، ومقّته مقتا فهو مقيت وممقوت ، وكانوا يسمّون تزوّج الرجل امرأة أبيه نكاح المقت. ويقال للرجل الذي يولد من بينهما المقتيّ ، ويقال لذلك الزوج الضّيزن.
فصل الميم والكاف
م ك ث :
قوله تعالى : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ)(١). المكث : ثبات مع انتظار ، يقال : مكث يمكث مكثا فهو ماكث ، وقرىء بالضم (٢) ، وقياسه مكيث.
م ك ر :
قوله تعالى : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ)(٣) هذا من باب المقابلة ، أي يجازيهم على مكرهم ، كقوله : [من الكامل]
قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخه |
|
قلت : اطبخوا لي جبّة وقميصا |
والمكر في الأصل إخفاء الحيلة ، ومنه : جارية ممكورة البطن ، أي مطويّ متداخل.
قوله تعالى : (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا)(٤) أي احتيال وخداع للناس ، وذلك قولهم في القرآن إنه شعر وسحر وأساطير الأولين ليصدّوا غيرهم عنه.
قوله : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً)(٥) أي أقدر على تحصيل المكروه لهم ، قاله ابن عرفة ، وقال غيره : هو قولهم : مكرنا بنو كذا ، ونظيره قوله (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٦).
__________________
(١) ٢٢ / النمل : ٢٧.
(٢) قال الفراء : قرأها الناس «مكث» بالضم ، وقرأها عاصم بالفتح (معاني القرآن : ٢ / ٢٨٩).
(٣) ٣٠ / الأنفال : ٨.
(٤) ٢١ / يونس : ١٠.
(٥) من الآية السابقة.
(٦) ٨٢ / الواقعة : ٥٦.
قوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(١) قيل : أضاف الحدث لظرفه الواقع فيه ، أي مكر في الليل ، والإضافة تكون بمعنى في. والأحسن أن تكون على المبالغة ؛ جعل الظرفين ماكرين مبالغة ، كقوله (٢) : [من البسيط]
أما النّهار ففي قيد وسلسلة |
|
والليل في بطن منحوت من السّاج |
جعل النهار في قيد وسلسلة ، والليل في صندوق ، والمراد أنّ الأسر فعل ذلك فيهما. ومثله : نهاره صائم وليله قائم ، ومثله : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ)(٣) وقيل : المكر صرف الغير عمّا يقصده بحيلة من الحيل ، وهو ضربان : محمود وهو أن يتحرّى به فعل جميل ، وعليه قوله تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(٤). ومن المكر إمهال الله العبد ، وتمكينه من الأعراض الدّنيوية استدراجا له. وعلى ذلك قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : «من وسّع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله» (٥).
م ك ك :
قوله تعالى : (بِبَطْنِ مَكَّةَ)(٦). مكة هذه البلدة الشريفة المعروفة ، رزقنا الله تعالى بحرمة نبيّه العود إليها. قيل : اشتقاقها من مكّ الفصيل ضرع أمّه وامتكّه : إذا شرب ما فيه من اللبن ؛ سميت بذلك لأنها تمكّ من فيها من الظّلمة ، أي تستأصلهم ، فلا ترى فيها جبارا إلا أخذ ، ولا يقصدها سلطان بظلم إلا قصم.
وتمكّكت العظم : أخرجت مخّه. فعبّر عن الاستقصاء بالتمكّك ، وقال الخليل : سميت بذلك [لأنها](٧) وسط الأرض كالمخّ الذي هو وسط العظم وأصله. وفي الحديث :
__________________
(١) ٣٣ / سبأ : ٣٤.
(٢) من شواهد الكتاب (١ / ١٦١) ، ونسبه المبرد في الكامل (٧٠٠) إلى لص من أهل البحرين. والساج : شجر من الهند. وفي الكتاب : في قعر منحوت.
(٣) ١٨ / إبراهيم : ١٤.
(٤) ٤٣ / فاطر : ٣٥.
(٥) المفردات : ٤٧١. وفي الأصل : على عقله.
(٦) ٢٤ / الفتح : ٤٨.
(٧) إضافة يقتضيها السياق.
«لا تمكّكوا على غرمائكم» (١) أي لا تلحّوا عليهم إلحاحا تضرونهم به في معايشهم فتستأصلونهم به. وقد تقدّم الفرق بين مكة وبكّة في باب الباء ، فأغنى عن إعادته هنا.
والمكّوك : كيل معروف كالأردبّ ، وقيل : هو إناء يشرب به ويكال.
م ك ن :
قوله تعالى : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ)(٢) أي ملّكناهم وجعلناهم متمكّنين من المكان الذي ولّيناهم إياه أي قوّيناهم ، من تمكّن فلان من كذا : إذا قدر عليه وأطاقه. وأصله من المكان. والمكان لغة هو الحاوي للشيء ، وعند بعض المتكلمين أنه عرض ، وهو اجتماع جنسين حاو ومحويّ ، وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا بالمحويّ ، فالمكان عندهم هو المناسبة بين الجسمين.
قوله تعالى : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ)(٣). يقال : مكان ومكانة. والمعنى : اعملوا على تمكّنكم ، يقال : مكانك انتظر ، فهو تهديد ووعيد. ومثله قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ)(٤) أي اثبتوا مكانكم وانتظروا ما يفعل بكم. وقيل : اعملوا على شاكلتكم ووجهتكم التي أنتم عليها من خير أو شرّ أو تهديد أيضا ، وجهتكم التي تمكّنتم عند أنفسكم من العلم بها إلى عامل على جهتي. وقرىء : «مكاناتكم» جمعا على اختلاف الأنواع في ذلك.
قوله تعالى : (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ)(٥). يقال : مكّنته ومكّنت له نحو أسقيته وأسقيت له ، أي جعلته متمكّنا وجعلت له مكانا يتمكّن منه وفيه ، وقال ابن عرفة : التمكّن : زوال المانع.
قوله : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)(٦) أي قوي متمكّن عند الله. يقال : فلان مكين عند
__________________
(١) النهاية : ٤ / ٣٤٩. وفيه رواية بتاءين ؛ «لا تتمككوا ..».
(٢) ٦ / الأنعام : ٦.
(٣) ١٣٥ / الأنعام : ٦.
(٤) ٢٨ / يونس : ١٠.
(٥) ٦ / القصص : ٢٨.
(٦) ٢٠ / التكوير : ٨١.