كنز الولد - المقدمة

كنز الولد - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٢

فسررت واستحسنت ذلك الفأل لما سمعته ، ووافيت مكّة في حين قدوم الحاج من اليمن ..». وبعد أن أدى وصاحبه مناسك الحج تابعا السير جنوبا حتى وصلا إلى (غلافقه) في أول سنة ٢٦٨ ه‍ وكانت في ذلك الوقت (زبيد) بندر المدينة على ساحل البحر الأحمر. وهنا افترق الداعيان بعد أن اتفقا على أن يتصل كل واحد منهما بصاحبه ليتعرف أحواله ، فاتجه أبو القاسم إلى مدينة الجند ، وكانت غايته عدن لاعة لأنّها كما قال الإمام الحسين لأبي القاسم : «أقوى لأمرك وأمضى لناموسك» (١). وبالفعل وصل إلى عدن لاعة عن طريق بعض تجار هذه المدينة من بني موسى ، وكان قد تقابل معهم في عدن أبين ، ولما وصل لاعة أخبره من بها من أهل الدعوة أن الداعي أحمد بن عبد الله بن خليع كان قائما بالدعوة ، ولكن الأمير ابن جعفر قبض عليه ، وتوفي منذ عهد قريب وهو في السجن ، فنزل أبو القاسم في دار من دور ابن خليع ، وتزوج ابنته وتقلد مقاليد الدعوة هناك.

أما علي بن الفضل فقد اتجه إلى بلاد يافع الجبلية ، بالقرب من الجند. ونهج الداعيان منهجا واحدا في نشر نفوذهما في بلاد اليمن ، وقد اتخذا الدين وسيلة لنشر هذا النفوذ. فأظهر كلّ منهما الزهد والتقشف والصلاح عملا بوصية الإمام الحسين إليهما ، كما تظاهر كل منهما بالتفقه في الدين والتضلع في المذاهب السنية ، وكانا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر ، فمال إليهما كثير من أهل اليمن ، وأقبلوا عليهما من كل فج وخاصة بعد أن أظهرا دعوتهما علنا سنة ٢٧٠ ه‍ بعد أن قاما بها سرّا لمدة سنتين. فأصبح لكل منهما جماعة كبيرة تخلص له الإخلاص كلّه ، وبعد أن قوي حزب كل منهما في جهته عمل على الحصول على الأموال لتنفيذ مخططه ، وللدفاع عن

__________________

(١) افتتاح الدعوة للقاضي النعمان الورقة ١٣.

٢١

أتباعه ومريديه ، وكانت الزكاة هي السبيل القويم الذي يتفق وأمور الدين. فأمر أبو القاسم من جهة أتباعه بجمعها ، واستعمل عليهم منهم ثقاة وعدولا ، يقبضون أعشار أموالهم على ما يوجبه الشرع وتعاليم الإمام الإسماعيلي. وظل ابن حوشب يعمل بجد ونشاط لبناء دولة إسماعيلية حتى أصبح الجزء الأكبر من اليمن خاضعا لنفوذه وسلطانه.

سرّ الإمام كثيرا عند ما وردت إليه الهدايا من اليمن وهو في سلمية من بلاد الشام فقال مخاطبا ابنه وولي عهده : «هذه أول ثمرة أيامك ، وبركة دولتك» وتمثل بقول الشاعر :

الله أعطاك التي لا فوقها

وكم أرادوا منعها وعوقها

عنك ، ويأبى الله إلّا سوقها

إليك حتى طوقوك طوقها

وبمناسبة هذه الانتصارات الرائعة التي حققها ابن حوشب لقبه الإمام «بمنصور اليمن» وشبهه بفجر الدعوة الذي مهد لشمسها بالظهور. ووصفه الدعاة الذين أخذوا عنه فيما بعد : «كان سيدنا وشيخنا منصور اليمن بمثابة الفجر المتنفس ، وبه كشف الله عزوجل عن الأولياء الغمة ، وأنار حنادس الظلمة» (١)

وهكذا استطاع ابن حوشب بما أوتيه من حنكة سياسية أن يركز دعائم أول دولة إسماعيلية في بلاد اليمن على أنقاض التفكك والانحلال ، وأن يجعل من هذه الدولة الفتية مدرسة كبرى لتخريج الدعاة وتوزيعهم إلى جميع أنحاء العالم. ولكن دولته لم تعمر طويلا إذ سرعان ما عادت اليمن مرّة أخرى إلى حكم القبائل المتنافرة المتشاحنة بعد وفاة ابن حوشب. على أن عددا من اليمنيين ظل

__________________

(١) غاية المواليد الورقة ٤٨ ـ ٤٩ وافتتاح الدعوة الورقة ١٨ وعيون الأخبار ج ٥ ص ٣٨.

٢٢

على إخلاصه وولائه للإمام الإسماعيلي واستمر الأمر كذلك حتى كانت سنة ٤٣٩ ه‍ حين تسلم الداعي علي بن محمد الصليحي شئون الدعوة خلفا للداعي الشيخ سليمان بن عبد الله الزواحي الذي تولاها بعد أن فترت إثر وفاة ابن حوشب وانقسام أبنائه على أنفسهم. فاجتمع بفريق من قومه همدان ودعاهم إلى نصرته ومؤازرته في دعوته ، فأجابوه وبايعوه ـ كانوا ستين رجلا من رجالات عشيرته ـ على الموت أو الظفر بقيام الدعوة الإسماعيلية. وبذلك اشتد ساعده ، وتمكن من تكوين جماعة صغيرة مخلصة ، وبدأ يستعد للثورة ، فاتخذ حصن مسار بجبل حراز مقرا له وما زال يستميل الناس حتى اجتمع إليه خلق كثير.

وفي سنة ٤٥٥ ه‍ تمكن من احتلال اليمن بكاملها بعد القضاء على دولة نجاح ، فملك قلاعها وحصونها ومدنها وسهلها وجبلها وشمل سلطانه مكّة وحضرموت ، واتخذ صنعاء عاصمة لملكه فبنى فيها عدة قصور ، ووحد البلاد تحت علم واحد ، وأخذ ينظم سياسة الدولة وإدارتها. وولى من يثق بهم الحصون والبلاد ، واستعمل ابنه أحمد بن علي المكرم على الجند وما يليها. وأعاد الدعوة وتنظيماتها إلى ما كانت عليه قبل وفاة ابن حوشب ، وأقام الخطبة للإمام المستنصر ولزوجته السيدة الحرّة أسماء بنت شهاب. وبذلك زالت الخلافة العباسية من بلاد اليمن.

وبلغ من ثقة الإمام المستنصر بعلي الصليحي واطمئنانه إلى إخلاصه وولائه أن منحه الألقاب التالية : «الأمير الأجل ، شرف المعالي ، تاج الدولة ، سيف الإمام ، المظفر في الدين ، نظام المؤمنين ، منتخب الدولة وصفوتها ، ذو المجدين ، منجب الدولة وغرسها ، ذو السيفين ، نجيب الدولة وصنيعتها ، ذو الفضلين». (١)

__________________

(١) سجلات وتوقيعات المستنصر رسالة رقم ٣ ص ٣٤ ، والصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن للهمداني ص ٦٣.

٢٣

ولشدة تعلق علي الصليحي بحب الإمام المستنصر وتمسكه بأهداب الدين كتب إليه أن يأذن له بالسفر إلى القاهرة للمثول بين يديه ، كذلك طلب من الإمام المستنصر السماح له بأداء فريضة الحج «ليطهر نفسه من دنس الدنيا ، وليقضي على الفساد الذي حل بالحرم المعظم ، ويقوم منآده ، ويقيم للعدل عماده ، ويعمر طرقه للسفر ، ويطهرها من المفسدين» (١) فوافق الخليفة المستنصر على طلبه وأرسل إليه سجلا بذلك مؤرخا في شهر ربيع الأول سنة ٤٥٩ ه‍ ، وفيه نصح لداعيه بأن يعالج الأمور في تلك الجهات بتأليف القلوب وتجنب الحروب ، وأن يؤثر الخير والعافية ما استطاع ، وأن يجنب نفسه والناس الفتنة ما وجد إلى ذلك سبيلا ، وقال : «.. وأنت خير من لحظته عين الإمامة بالاصطناع .. وإن أمكنك ذلك المكان ، بتأليف القلوب ، وتجنب سورة الحروب ، فوا برد ذلك على الأكباد ، إنّه لآية المراد ، وغاية قصد القصاد» (٢) وفي ختام السجل ينصح الإمام الصليحي بعدم القدوم إلى القاهرة في الوقت الحاضر لأنّه يشفق عليه لبعد الطريق ومشقته.

ولما وصل سجل الإمام كان علي الصليحي في طريقه إلى الحج بعد أن استخلف ابنه أحمد المكرم على صنعاء ، وأنابه عنه في حكم البلاد وأوصاه «بالعدل وحسن السيرة والسياسة ، وتقوى الله في الجهد والسريرة ، والعمل بأعمال الشريعة واقامة دعائمها ، والائتمار بأوامرها ، والانتهاء عن محارمها» (٣) وكان مسيره من صنعاء في يوم الاثنين السادس من ذي القعدة سنة ٤٥٩ ه‍. وما كاد موكب الصليحي يحط الرحال في قرية (أم الدهيم) حتى فاجأه سعيد الأحول على رأس جماعة من العبيد والأحباش. وبعد معركة طاحنة استمرت

__________________

(١) عيون الأخبار ج ٧ ص ٩٠.

(٢) الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن ص ٩٧.

(٣) المصدر نفسه ص ٩٨.

٢٤

عدة أيام قتل الملك علي الصليحي وبعض أقاربه. فتسلم الملك ولده أحمد المكرم الذي أنابه عنه في حكم البلاد ، فاستطاع بعد نضال عنيف طويل أن يتغلّب على القبائل الثائرة ويفك الحصار عن صنعاء ، ويتتبع خصومه في كل مكان مسجلا الانتصارات الرائعة التي استأصل فيها كافة العناصر المعادية ، فاستقرت له الأمور وأخذ يعالج أمور المملكة بالحكمة والصبر. هذا ما جعل الخليفة الفاطمي والإمام الإسماعيلي المستنصر بالله يقدر له هذه الانتصارات ويمنحه الألقاب ، ويوافق على زواجه من السيدة أروى الصليحية التي كانت على جانب كبير من الذكاء والأخلاق الفاضلة ، إلى جانب ما وهبها الله من جمال الصورة.

وفي أواخر أيام الملك المكرم نقل مقرّه إلى ذي جبلة فأقام بها مدة واشتد عليه مرض الفالج الذي أصابه بعد تخليص أمه أسماء من الأسر بزبيد ، فأشار عليه الأطباء أن يحتجب عن الناس ، ففوّض لزوجته أروى شئون إدارة الدولة واعتكف في حصن التعكر حتى توفّي في جمادى الأولى سنة ٤٧٧ ه‍. فاختلف رأي أمراء اليمن الصليحيين والزواحيين فيمن يتولى الحكم بعده ، ولكن السيدة الحرّة لم تقف مكتوفة اليدين تجاه هذا الاختلاف ، فأرسلت خطابا إلى الإمام المستنصر تعلمه فيه بوفاة زوجها واختلاف الأمراء على تولي الحكم ، وبنفس الوقت تتوسل إليه ليوافق على تعيين ابنها الوحيد (عبد المستنصر علي بن المكرم) الذي كان لا يزال طفلا خلفا لوالده ، فوافق الإمام المستنصر وكلّف عضد الدين أبا الحسن جوهر المستنصري أن يحمل تعزيته إلى السيدة أروى ويثني على إخلاصها ووفائها للدعوة ، وكتب إلى أمراء اليمن يدعوهم إلى الاتحاد والتضامن ونبذ الضغائن والأحقاد ، ويحضهم على طاعة السيدة الحرّة وابنها.

ويحدثنا المؤرخ الإسماعيلي اليمني إدريس عماد الدين بأن السيدة أروى

٢٥

كتمت وفاة زوجها حتى ورود سجل المستنصر بالله : «.. كتمت الحرّة الملكة الأمر إلى أن جاءها سجل أمير المؤمنين المستنصر بالله بإقامة ولد المكرم الأصغر عبد المستنصر علي بن المكرم أحمد» (١) كما أمر الإمام بأن ترسل كل المراسلات إلى علي بن المكرم ، وكلّفه بالقيام بمرافق الدعوة وأمور الدولة بقوله : «... وقد رأى أمير المؤمنين أن يصطنعك ويلحقك برتبة أبيك وينصبك منصبه ويرقى بك درجته ... وأمره ـ أي الأمير أبو الحسن جوهر المستنصري ـ أن يقلدك النظر فيما كان أبوك تقلده من الدعوة الهادية والأحكام في سائر اليمن وسائر الأعمال المضافة إليه برّا وبحرا وسهلا ووعرا ونازحا .. ودانيا وقريبا ونائيا .. حتى خصّك من ملابس الإمامة بشريف الحباء» (٢).

وهكذا ظلّت السيدة الحرّة بعد موت زوجها تدير دفة السياسة اليمنية ، فأظهرت كفاءة نادرة في إدارة شئون البلاد ، ويقظة تامة في كل ما يتعلّق بأمور الدعوة الإسماعيلية. وحرصت أشد الحرص على تمتين العلاقة مع إمامها المستنصر بالله الخليفة الفاطمي ، فتفانت في إطاعة أوامره وتنفيذها بدقة ، ممّا جعل الإمام يوليها ثقته ويفوضها في أمر تعيين الدعاة في المناطق البعيدة عن اليمن.

وتوضح السجلات التي كان يزودها بها الإمام المستنصر بالله من وقت لآخر مدى تقديره لإخلاصها وتشيد بإيمانها العميق وبمقدرتها السياسة.

وعند ما يتعرض المؤرخ الإسماعيلي إدريس عماد الدين لذكرها يقول : «كانت الملكة الحرّة متبحرة في علم التنزيل والتأويل ، والحديث الثابت عن الأئمة والرسول عليهم‌السلام ... وكان الدعاة يتعلّمون منها من وراء

__________________

(١) عيون الأخبار ج ٧ ص ١٢٦ ـ ١٣٠ والصليحيون : ١٤٨.

(٢) السجل رقم ١٤ من السجلات المستنصرية ، والصليحيون : ١٤٨.

٢٦

الستر ، ويأخذون عنها ويرجعون إليها» وامتازت السيدة أروى بالصلاح والتقوى والخبرة الواسعة ، والمعرفة الفائقة بأحوال الناس ، ممّا ساعدها على إدارة شئون بلادها في ظروف سيئة أحاطت بها. والظاهر أن الإمام المستنصر قدر لها خدماتها ونبوغها وفضّلها فقدمها على الفضلاء من كبار رجال الدعوة ورفعها إلى مقامات الحجج : «وقد استحقت التقديم والتفضيل على الفضلاء من الرجال. وكان الإمام المستنصر أصدر إليها أجل أبواب دعوته ، فأفادها من علوم الدعوة ورفعت عن حدود الدعاة إلى مقامات الحجج ...» (١).

ولم يعمر ولدها عبد المستنصر طويلا ، فقد وافته المنية إثر مرض عضال ، فعاد الخلاف بذر قرنه من جديد بين الداعي سبأ بن أحمد المظفر ـ الذي كان يهدف إلى حكم اليمن والتزوج من السيدة الحرة ـ وبين السيدة الحرّة التي أظهرت عدم رغبتها في هذا الزواج واستعدت للقتال. وبالفعل اشتعلت نيران الحرب بينهما أياما ، وكادت أن تعم جميع أنحاء المملكة اليمنية لو لا أن تدخل قسم كبير من الأمراء الصليحيين والزواحيين لفض النزاع ، خشية أن تتعرض الدعوة للانهيار ، وبنفس الوقت أعلنت السيدة الحرة أنّها لن تجيب الداعي سبأ إلى مراده إلّا بأمر الإمام المستنصر. فأوفد الداعي سبأ وفدا إلى الإمام المستنصر يعرض عليه الأمر عسى أن يوافق على هذا الزواج حرصا على وحدة الصف وحقنا لدماء الإسماعيلية. ومن الطبيعي أن لا يرضى الإمام عن بقاء هذا النزاع بين أتباعه ، فكتب إلى السيدة الحرة يأمرها بقبول أمر الزواج. وتحقيقا لرغبة الإمام قبلت السيدة الحرّة أن تصبح زوجة للداعي سبأ. ومع هذا فإنّها لم تمكّنه من السيطرة على شئون البلاد ، بل استأثرت بالسلطة وظلت على إخلاصها للمستنصر حتى وفاته (٢).

__________________

(١) عيون الأخبار ج ٧ ص ٢٠٧ والصليحيون : ١٤٣ ـ ١٤٤ واعلام الإسماعيلية ص ١٤٤.

(٢) الصليحيون : ١٥٧ وما بعدها.

٢٧

ولما توفّي الإمام المستنصر سنة ٤٧٨ ه‍ وانقسمت الإسماعيلية على نفسها إلى نزارية ومستعلية ، أيدت السيدة الحرّة أبا القاسم أحمد المستعلي فساعد هذا التأييد الخليفة المستعلي ووقف حائلا دون تسرب الدعوة النزارية إلى بلاد اليمن مدة من الوقت.

وظلت السيدة الحرة تعمل جاهدة في سبيل نشر الدعوة المستعلية في اليمن وتقويتها حتى توفّي الإمام الآمر بأحكام الله وتولى الخلافة والإمامة الحافظ عبد المجيد على نحو ما ذكرناه سابقا ، فرفضت الاعتراف بالحافظ لأنّه ليس له حق في الإمامة ، وساقت الإمامة في الإمام المستور الطيب الابن المزعوم للإمام الآمر بأحكام الله. وفي سنة ٥٣٢ ه‍ توفّيت السيدة الحرّة وكان موتها سببا في أفول نجم الدعوة الإسماعيلية في اليمن وضياع النفوذ الفاطمي. ومنذ ذلك الوقت لم يقم أتباع الدعوة الطيبية بأي نشاط سياسي بل ركنوا إلى التجارة وعاشوا في نطاق خاص بهم ، واتخذوا التقية نظاما لهم وأوجدوا داعية لهم ينوب عن الإمام المستور في تصريف أمورهم الدينية. وقد هيأت التجارة التقليدية بين اليمن والهند ، ولا سيما في ولاية جوجرات جنوب بمبئي لجماعة من الهنود أن يعتنقوا الدعوة الطيبية وكثر عددهم هناك ، وعرفت بينهم باسم (البهرة). وفي القرن العاشر الهجري انقسمت الدعوة الطيبية إلى فرقتين : فرقة البهرة الداودية ، وفرقة البهرة السليمانية. ويرجع هذا الانقسام إلى الخلاف على من يتولى مرتبة الداعي المطلق للطائفة.

فالفرقة الداودية تنتسب إلى الداعي داود برهان الدين الداعي السابع والعشرين من سلسلة دعاة الفرقة المستعلية الطيبية المتوفّى سنة ١٠٢١ ه‍. والفرقة السليمانية تنتسب إلى الداعي سليمان بن حسن الذي رفض أتباعه الاعتراف بداود واعترفوا بسليمان سنة ٩٩٧ ه‍ داعية لهم. ومنذ ذلك التاريخ أصبح مقر الفرقة الداودية في الهند وداعيتهم الآن محمد برهان

٢٨

الدين بن طاهر سيف الدين ، ويعتبر الداعي الثاني والخمسين من سلسلة دعاة الدعوة الطيبية ويقيم في مدينة بمبئي بالهند. وكذلك داعي الفرقة السليمانية علي بن حسين يقيم في اليمن.

إبراهيم بن الحسين الحامدي

عند ما قررت السيدة الحرّة أروى الصليحية بثاقب بصيرتها أن تفصل الدعوة عن الدولة فضلا تاما عقدت مؤتمرا لكبار السلاطين والدعاة لانتخاب من يتولى رئاسة الدعوة ، فوقع الاختيار على الداعي الذؤيب بن موسى الوادعي الهمداني (٥٢٠ ـ ٥٣٦) ليتولى هذه المهمة. وفي هذا الاختيار يقول الداعي إدريس عماد الدين (١) : «... اجتمع عدة من سلاطين اليمن إلى قاضي القضاة وداعي الدعاة باليمن يحيى بن لمك. وكل من أولئك السلاطين يرى أنها ستقع إليه بإقامة الدعوة الشريفة الإشارة ، ومتطلع إلى أن يلي إيراد الأمر فيها وإصداره. والذؤيب بن موسى متواضع مع علو مرتبته لأبويه ، إلى ما يشار إليه من عالي منزلته ، فحين اجتمعوا عند القاضي الأجل يحيى بن لمك ابن مالك أعلن بالتعريف بفضل الداعي ذؤيب بن موسى وعالي مقامه ، وانه المعاضد له ، والخالف له بعد انقضاء أيامه ، وتلا على السلاطين والمؤمنين التقليديين من الحرّة الملكة السيدة ولية أمير المؤمنين ، وكافلة أوليائه الميامين ، ومن داعي الدعاة وقاضي القضاة يحيى بن لمك ذي الحجة الماضية البراهين ، فسمع أهل الفضل والديانة قول الحرة الملكة حجة الإمام الآمر ، وقول داعيه يحيى بن لمك ، ولم يكن منهم جاحد ولا مكابر»

__________________

(١) عيون الأخبار ج ٥ ص ١٤٠ والصليحيون : ١٨٢

٢٩

وبعد أفول نجم الدولة الصليحية بوفاة السيدة الحرّة أصبحت الدعوة منظمة دينية بحتة يرأسها الداعي ذؤيب بن موسى ، ومن الطبيعي حسب ترتيبات الدعوة الإسماعيلية أن يختار من بين الدعاة داعيا مأذونا له يساعده في أعماله فاختار مترجمنا الداعي السلطان إبراهيم بن الحسين بن أبي السعود الحامدي الهمداني ، وهو من كبار الدعاة العلماء الذين أوجدتهم مدارس الدعوة الإسماعيلية المستعلية الطيبية في اليمن.

ولمّا توفّي الذؤيب خلفه مأذونه السلطان إبراهيم داعيا مطلقا للإمام المستور الطيب بن الآمر في اليمن وما جاورها من البلاد والهند والسند وذلك سنة ٥٣٦ ه‍. وجعل الشيخ علي بن الحسين بن جعفر الأنف القريشي العبشمي مأذونا له ، فكان له معاضدا على أمره ، قائما بنشر الدعوة في سرّه وجهره ، ولم يعمر علي بن الحسين طويلا فقد وافته المنية في سنة ٥٥٤ ه‍ فاستعان الحامدي بابنه حاتم حيث اتخذه مأذونا له ، ونقل مقره إلى صنعاء ، ثم أعلن عدم تدخله في سياسة الدولة ، وواظب على دراسة العلوم ونقل التراث العلمي الإسماعيلي وجمعه وتدريسه للدعاة التابعين لمدرسته ، ووزع الدعاة في بلاد اليمن والهند والسند ، وفيه يقول الشاعر الحارثي :

أبا حسن أنقذت بالعلم أنفسا

وآمنتها من طارق الحدثان

فجوزيت بالحسنى وكوفيت بالمنى

ودمت سعيدا في أعزّ مكان

عمرت بصنعا دعوة طيبية

جعلت لها أسّا وشدت مباني (١)

ويذكر التاريخ الإسماعيلي اليمني له عدة مؤلفات علمية تبحث في فلسفة الدعوة الإسماعيلية وفي التأويل والحقائق ، ومن مؤلفاته : كتاب

__________________

(١) الصليحيون : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٣٠

الابتداء والانتهاء ، وكتاب تسع وتسعين مسألة في الحقائق ، وكتاب الرسائل الشريفة في المعاني اللطيفة ، وكتاب كنز الولد ذو الأهمية البالغة (١).

ولقد عثرنا له مؤخرا في كتاب إسماعيلي يمني يسمى (كتاب مجموع التربية) (٢) على بحوث ومحاضرات ومقالات ورسائل جلّها في الأبحاث العرفانية الإسماعيلية.

وفي عهد هذا الداعي الأجل تعرضت الدعوة المستعلية الطيبية إلى هزات عنيفة قاسية ، لأن ملوك آل زريع في عدن مالوا إلى الدعوة المستعلية المجيدية التي أخذت تنتشر بقوة في أنحاء اليمن حتى أصبح لها دعاة نشيطون في قلب تنظيمات الدعوة الطيبية وفي معاقلها ، كحراز ، ونجران ، واليمن الأسفل. وكذلك أعلن ملوك همدان الياميون في صنعاء وبلاد همدان عن تنصلهم من جميع الدعوات والمذاهب.

ومع كل هذا فقد ظل الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي على إخلاصه للدعوة الطيبية مواصلا نشاطه الدعاوي والعلمي حتى توفاه الله في صنعاء في شهر شعبان سنة ٥٥٧ هجرية.

كنز الولد

لا شك أن مؤلف كتاب «كنز الولد» قد تبحّر في معرفة عقائد الإسماعيلية وأصولها وأحكامها ؛ فقد أهّلته منزلته الدينية كنائب الغيبة أو ممثل الإمام الغائب لذلك ، وفتحت له محتويات خزائن مركز الدعوة التي احتفظ بها دعاة اليمن مطوّقين إيّاها بالكتمان التام. وكان هذا الكتمان

__________________

(١) المرشد إلى أدب الإسماعيلية : إيفانوف ص ٥٤. اعلام الإسماعيلية ص ٨٧

(٢) هذا الكتاب في مجلدين تأليف الداعي محمد بن طاهر ولدينا نسخة محفوظة منه في مكتبتنا الخا

٣١

مصير مؤلف الحامدي أيضا لدى الإسماعيلية الطيبية لما احتوى عليه من وصف دقيق لفلسفة الدعوة وصورها العرفانية ، وعلم الحقائق الباطني ، والإلهيات والمراتب الروحية والدينية.

ودعي الكتاب «كنز الولد» لما ذكر في مواضع عدة عن «ظهور الولد التام» الذي هو القائم المنتظر. ويثبت رأينا هذا ما ورد في النص : «... وهو ص. ع. الذي يقوم في آخر الأزمان مقام النفس ويحمل أثقالها ويتصور بصورتها ، وتدور عليه الرتب السبعة العلمية الروحانية الدينية لأنّه يستوفي جميع القول ممّن تقدمه من الرسل والأنبياء والأوصياء والأئمة ص. أجمعين ...» وكنز الولد هو كنز القائم المنتظر الذي سيظهر عند تمام الأدوار السبعة المعروفة لدى الإسماعيلية.

قسم الحامدي كنزه إلى أربعة عشر بابا ، وقد استهل المقدمة ، على عادة كتاب العصر وعلمائه ، بالاستعانة والتوكل والشهادة والصلاة ، ثم يذكر موضوع الكتاب والأسباب الداعية إلى تأليفه.

ويبحث الباب الأول «في التوحيد من غير تشبيه ولا تعطيل» ليظهر أهميّة التوحيد وقوامه. ويعالج الباب الثاني «الابداع الذي هو المبدع الأول» مبيّنا جلال المبدع الأول وعلمه وانفراده بجميع الصفات ذاكرا أيضا مختلف آراء أهل الملل والنحل من أهل التأويل المحض والفلاسفة وكبار الحدود والدعاة.

أمّا الباب الثالث فيدور حول «المنبعثين عن المبدع الأول معا وتباينهما». فالمنبعث الأول قد التزم بحده السابق عليه فنزهه ووحده فاستحق اسم الفعل وبذلك كمل به الكمال الثاني فكان كاملا في ذاته. أمّا المنبعث الثاني فكامل في ذاته ناقص في فعله إذ لم يتم له الكمال الثاني بجميع حقوقه وحدوده. ولزيادة إيضاح المراد يذكر الحامدي قوام العقل الأول والعقول السبعة الانبعاثية ،

٣٢

ووجود الأئمة السبعة في عالم الدين كل واحد عن الآخر إلى الوصي ع. م.

وجاء في الباب الرابع «القول على المنبعث الأول القائم بالفعل. وما ذلك الفعل؟» وهنا يستعين المؤلف بآراء من تقدمه من فلاسفة الدعوة وعلمائها ليؤكد التزام المنبعث الأول بالسابق عليه في الوجود لأنّه حجابه ، ولكونه أولا في العقول المنبعثة بكونه محضا وجد عن محض ، وعلى ذلك تكون منزلته من مراتب الأعداد منزلة الاثنين ، بكونه ثانيا في الوجود ، وكون وجوده عند الترتيب بعد الواحد المتقدم الرتبة في الوجود الذي هو العقل الأول ؛ أو الموجود الأول.

وينقلنا الباب الخامس إلى «القول على المنبعث الثاني القائم بالقوة وما سبب ذلك؟» يرى المؤلف في هذا الباب أن المنبعث الثاني لم يلتزم بالمنبعث الأول الذي سبقه ، ولم يعرفه ، ولم يتوسل به ويتوجه إليه ، لذلك كان كاملا في ذاته بالكمال الاول الذي ساوى فيه الأول والثاني ، وناقصا في فعله ، فبذلك قام بالقوة التي هي أصل وجوده. ويخلص إلى أن المنبعث الثاني هبط إلى رتبة العاشر لكونه لم يقر بالسبق عليه للمنبعث الأول ، ثم بعد أن شعر بخطئه تاب وأناب وتوسل بالعقول التي هي فوقه ، فقبلوا توبته فصعد إلى مرتبته ، ثم ينتقل الحامدي إلى «القول على الهيولى والصورة وما هما في ذاتهما وسبب تكثفهما وامتزاجهما؟» وأما في الباب السادس فيعتمد على نظرية المثل والممثول الإسماعيلية منتجا عنها أن الصورة لطيفة فاعلة ، والهيولى كثيفة مفعول بها.

ويتدرج بنا الباب السابع إلى «ظهور المواليد الثلاثة : المعدن والنبات والحيوان» إبداعا ثالثا من غير جماع ، ولا توسط نطفة ، ولا اغتذاء برحم ، وإنماء في بطن أنثى ولا أم ، بل ابتداء ذلك بتفاعل قوى الكواكب الخمسة من زحل إلى الزهرة في خمسة آلاف سنة. وفي الباب الثامن يتحدث المؤلف عن «ظهور الشخص البشري» ثم ينتقل في الباب التاسع إلى «القول على

٣٣

ظهور الشخص الفاضل من تحت خط الاعتدال» مفصلا وشارحا التفاعلات في المغاير والخدد ومبينا مراتب الدعوة الإسماعيلية وأفلاكها الدينية بصورة واضحة تدل على أنهم يتمتعون بمناقب قدسية عرفانية استمدوها من الإحاطة بالعلوم الماورائية.

ويقدم الحامدي في الباب العاشر الكلام عن «الارتقاء والصعود إلى دار المعاد» مبينا كيفية معاد الحدود وخاصة صعود المستفيد إلى صورة مفيده ، وذاكرا أن أفلاك الدين يكون صعودها بحسب اكتسابها ومراتبها التي تقابل مراتب الأفلاك.

أما قوام الباب الحادي عشر فيعتمد على «معرفة الحدود العلوية والسفلية» ووجوب الأخذ عنهم والاقتداء بهم لكونهم هم الذين بإمكانهم نقل النفس المستجيبة للدعوة من حد القوة إلى حد الفعل. وفي الباب الثاني عشر يتعرض المؤلف إلى «الثواب والارتقاء في الدرج إلى الجنة الدانية والعالية» حيث السعادة الأبدية.

ويصف الحامدي في الباب الثالث عشر كيفية «اتصال المستفيد بالمفيد وارتقائه إليه واتصاله به» داعما رأيه بنظرية بعض كبار الدعاة والفلاسفة الذين تقدموه. ثم يختم الكتاب في «القول على العذاب بحقيقته وكيفيته» مستشهدا بالآراء والمصطلحات الفلسفية الإسماعيلية المشفوعة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الأئمة من آل البيت.

تحقيق الكتاب :

اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على ثلاث نسخ خطية : الأولى تفضل بوضعها تحت تصرفنا الشيخ محيي الدين حيدر من مدينة مصياف وقد رمزنا لها بالحرف

٣٤

(ج). كتبت هذه النسخة على ورق صقيل بمداد أزرق ، والعناوين بالحبر الأحمر المذهب ، وتقع هذه النسخة في مجلدين : المجلد الأول في ٢٦٤ صفحة ، ومقاس الصفحة ١٦* ٢٤ سم. وتشتمل كل صفحة على ١٨ سطرا ، ويقع المجلد الثاني في ٢٥٠ صفحة ، مقاس الصفحة ١٦* ٢٤ سم. وفي كل صفحة ١٨ سطرا.

جاء في نهاية المجلد الأول ما يلي : «انتهى الكتاب الأول من كنز الولد ويليه الكتاب الثاني يتبعه وهو النهاية ، الناسخ العبد الفقير ، والمذنب الكبير ، والمقصر الكثير لله تعالى خادم أعتاب محمد وعلي وآلهما والأئمة الطاهرين أجمعين أمثال البيت المعمور ، والطور المستور ، وأمثال الوقت الذي سما فضله عن الوصف والنعت ، أهل الشفاعة يوم الحشر والنشور ، الشيخ أحمد محمد منصور من مصياف الواقعة تحت جبل الأعراف حمانا الله وإخواننا التابعين من أهل الزيغ والانحراف. كان الفراغ من هذا الكتاب يوم الأحد صباحا» والجدير بالملاحظة أن ترتيب الأبواب في مقدمة المؤلف جاء مختلفا عن ترتيبها في النص بالإضافة إلى ورود نقاط مكان عنوان الباب الرابع الذي أدى إلى دعم فحواه مع الثالث وكذلك بالنسبة للباب الخامس.

وفي نهاية المجلد الثاني وردت العبارة التالية : «قد وقع الفراغ من تحرير هذه النسخة في أول ليلة رجب المكرم على ممثوله وصاحبه مولى كل مؤمن ومؤمنة الصلاة والسلام ، عند وقت صلاة الصبح من سنة ١٢٠٧ من الهجرة النبوية على صاحبها الشفيع الأعظم وآله أفضل الصلاة والتحية».

ولقد أفاد الشيخ محيي الدين حيدر مالك المخطوطة جوابا على سؤالي عن كيفية حصوله على هذه النسخة بأنّه ورثها عن والده ، ولا يعرف بالضبط متى دخلت في ملكية العائلة.

أمّا النسخة الثانية التي رمزنا إليها بالحرف (ط) فهي النسخة المصورة

٣٥

التي أعارتنا إياها جامعة طهران بعد مفاوضات ومراسلات استمرت أكثر من عام ، ولو لا توسط الآغا خان شخصيا لما استطعنا الحصول عليها.

والنسخة (ط) في مجلدين : المجلد الأول في ٣٣٥ صفحة ، في كل صفحة ١٣ سطرا ، وفي كل سطر ١٠ كلمات. ويقع المجلد الثاني في ٢١٥ صفحة عدد أسطرها صورة طبق الأصل عن المجلد الأول قياس ١٨* ٢٤ سم.

جاء في نهاية المجلد الثاني : «قد وقع الفراغ من تحرير هذه النسخة في السابع عشر الثلاثاء من شهر محرم الحرام من سنة ١٣٥٣ من الهجرة الطاهرة صلوات الله على صاحبها المطابق باليوم الأول من شهر مايو من سنة ١٩٣٤ من العيسوية بخط الأحقر المذنب شيخ آدم بن الشيخ الماجد محمد علي السورتي غفر الله ذنوبهما ، بحق محمد وآله صلى الله عليهم أجمعين». وهذه العبارة في آخر النسخة التي نسخت عنها : تمّ الكتاب بعون الله الواحد المنان كتبه أقل عبيد سيدنا طول الله عمره الشريف وغلمانه محمد بن الماجد ملا سلطان علي ابن المرحوم شرفعلي بن سلطانعلي بن حسن علي املنيرو الا في اليوم الحادي والعشرين من شهر شوال من سنة ألف وثلاثة مائة والعشرين من ه. غفر الإله ذنوبه وذنوب والديه بحق محمد صلعم».

وعلى ما يبدو إن هذه النسخة المصورة كانت في ملكية «الجمعية الإسماعيلية في بومباي الهند» ولا أعلم كيف وصلت إلى مكتبة كلية الحقوق في جامعة طهران الإيرانية التي أعطتها الرقم ف ٣٠٠٠.

ومع أن النسخة «ط» أحدث من النسخة «ج» فقد استفدنا منها في المقابلة لأنها أصوب وأقل غلطا من النسخة الأولى ، وبالرغم من هذا فقد لاحظنا أن ترتيب الأبواب في مقدمة المؤلف يختلف عن ترتيب الأبواب في المتن ، وخاصة عنوان الباب الرابع والخامس اللذين سقطا من المكان

٣٦

المخصص لهما في المتن ، وضم محتواهما إلى الباب الثالث. وكذلك اشتمل الباب الثامن على نصوص الباب التاسع والعاشر.

كما أن الناسخ أهمل رسم الصور التوضيحية التي رسمها المؤلف في مواضعها من المتن وترك في مكانها نقاطا أو فراغا.

أما النسخة الثالثة التي رمزنا إليها بالحرف (م) فهي النسخة المصورة التي عثرنا عليها صدفة بينما كنّا نتفحص بعض المخطوطات المصورة التي باعها أحد الأساتذة الجامعيين للمركز الإسماعيلي في بيروت لأنه لم يستطع الاستفادة منها ، أو بالأحرى لأنّه لم يعرف مبلغ قيمتها التاريخية والعلمية.

ومن حسن الحظ أن هذه النسخة قد صورت عن النسخة التي كتبت بخط المؤلف بالذات على هامش المجالس المؤيدية وجامع الحقائق سنة ٥٥٥ هجرية. ونظرا لأهمية هذه النسخة التامة الكاملة فقد اعتمدناها أصلا في التحقيق والمطابقة. فاستطعنا أن نخرج هذه النسخة المطبوعة بصورها التوضيحية وأبوابها المرتبة المنسجمة مع بعضها البعض.

ولقد اعتمدنا في ترقيم الصفحات على رقم الصورة التي تضم صفحتين من الكتاب. فوضعنا رقم الصورة في الأعلى ورقم الصفحة في الأسفل. ولا بد من الإشارة إلى أنّنا لاحظنا أن المؤلف قد انتقل اعتبارا من رقم ٩٢ / ١٨٢ من الكتابة على هامش المجالس المؤيدية إلى الكتابة في وسط الصفحة وعلى الهامش معا حتى رقم ٩٧ / ١٩١ حيث عاد إلى الكتابة على هامش النصف الأول من جامع الحقائق. وكذلك لاحظنا في المصورة وجود عدة ورقات غير مكتوبة وقد أفردت للصور التوضيحية وهي من الرقم (CS (إلى (CS (.

وجاء في نهاية النسخة (م) ما يلي : «فرغ نساخته يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى من سنة خمس وخمسين وخمسمائة في دار ط* ه. من محلات ٣٤٨ ع حماه الله وحرسه ، والله خير حافظا وهو

٣٧

أرحم الراحمين ، واستغفر الله وأتوب إليه وأتوكل عليه وأفوض أمري إليه هو أمانة مصونة مكنونة مخزونة لا يقف عليه من لا يستحقه. مولاي أنت عالم السرائر إني ما أردت بتأليف ذلك ونظمه إلّا رضى وجهك الكريم تعريفا بالتوحيد ، ودالّا على مراتب الحدود ، لا أبغي بذلك الحطام العاجل ، بل الثواب الآجل إنّك الرزّاق المتفضل المتطول».

هذه هي النسخ الثلاث التي حصلنا عليها من كتاب «كنز الولد» فاستحصلنا منها هذه الطبعة التي نضعها موضع التداول بين أيدي العلماء والباحثين المهتمين بالدراسات الإسلامية ، قانعين بنشر المتن محققا مضبوطا مع شرح بعض التعابير الإسماعيلية والرموز والإشارات بقدر الجهد والطاقة ، متجاوزين عن الإشارة في الهوامش إلى بعض الأخطاء اللغوية والإملائية لعلمنا بأن الإسماعيلية يعتبرون اللغة وسيلة لا غاية.

وفي نهاية المطاف لا بد لي من توجيه كلمة شكر وامتنان لفضيلة الأستاذ محمد تقي دانش بزوه مدير مكتبة جامعة طهران لتفضله بإعارتي النسخة المصورة «ط» جزاه الله عني وعن العلم كل خير.

ولا يسعني إلا الاعتراف بفضل «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية» في بيروت الذي قرّر أن يكون هذا الكتاب من مطبوعاته. واذكر على وجه الخصوص فضل الدكتور «البرت ديتريش» المشرف على «النشرات الإسلامية» والدكتور «فريتس شتيبات» مدير المعهد السابق في بيروت ، والمدير الحالي الدكتور «اسطفان قيلد» ، فلهم جميعا مني أعمق الشكر وأجز له.

بيروت في ٣ ـ ٦ ـ ١٩٧٠

مصطفى غالب

٣٨