نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

وكيف كان ، فهذا الدليل مركب من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة لو قلنا بان مقتضى مقدمات الانسداد على تقدير صحتها وسلامتها وانتاجها هو استقلال العقل بحجية الظن فى حال الانسداد ، كاستقلاله بحجية العلم فى حال الانفتاح او كشفا لو قلنا بان مقتضى مقدمات الانسداد على تقدير صحتها وسلامتها وانتاجها هو استكشاف كون الظن فى حال الانسداد طريقا منصوبا من قبل الشارع كالظنون الخاصة الوافية بمعظم الفقه عند الانفتاحيين على ما ستعرف ولا يستقل العقل بكفاية الاطاعة الظنية بدون تلك المقدمات.

وهى خمسة ، اولها انّه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعليّة فى الشّريعة.

قد عرفت أن هذا الدليل مؤلف من مقدمات ، الاولى انا نعلم اجمالا قبل المراجعة الى الادلة بثبوت تكاليف فعلية فى غير المعلومات بالتفصيل ، ونعلم انا لسنا بمهملين فيها.

ثانيها انّه قد انسدّ علينا باب العلم والعلمى الى كثير منها.

الثانية دعوى انسداد باب العلم والعلمى فى تعيين معظم ما

٤١

علمناه بالاجمال بمعنى انه بعد المراجعة الى الادلة لم يكن يحصل لنا علم ولا علمى فى معظم المسائل.

ثالثها انّه لا يجوز لنا اهمالها وعدم التّعرّض لامتثالها اصلا.

الثالثة انه لا يجوز لنا اهمال التكاليف المشتبهة وترك التعرض لامتثالها وعدم جواز الرجوع لنا فى كل منها الى الاصل النافى للتكليف بحيث نكون فى هذه الوقائع كالبهائم والمجانين.

والفرق بين هذه المقدمة والمقدمة الاولى مع ما قلنا فى الاولى من أنا لسنا بمهملين ان فى المقدمة الاولى يكون الكلام فى اثبات التكليف الفعلى فقط ، وفى هذه المقدمة بيان انه منجز مضافا الى فعلية التكليف ، ولذا قلنا بعدم جواز الرجوع الى الاصل النافى للتكليف.

رابعها انّه لا يجب علينا الاحتياط فى اطراف علمنا ، بل لا يجوز فى الجملة ، كما لا يجوز الرّجوع الى الاصل فى المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ، ولا الى فتوى العالم بحكمها.

٤٢

الرابعة عدم وجوب الاحتياط فى اطراف علمنا كلية وفى جميع الموارد بل عدم جوازه فى الجملة للعسر العقلى ، وهو اختلال النظام او الشرعى وهو مفاد قوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وعدم جواز الرجوع الى الاصل فى المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط وعدم جواز الرجوع بفتوى العالم بحكم المسألة ومن يرى انفتاح باب العلم او العلمى اليها.

خامسها أنّه كان ترجيح المرجوح على الرّاجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظّنيّة لتلك التّكاليف المعلومة.

الخامسة أنه لا يجوز ترجيح المرجوح على الراجح بحكم العقل والظن ارجح من الوهم او الشك فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة لرجحانها على الاطاعة الشكية او الوهمية وترجيح المرجوح على الراجح قبيح.

والّا لزم بعد انسداد باب العلم والعلمى بها ، امّا اهمالها وامّا لزوم الاحتياط فى اطرافها وامّا الرّجوع الى الاصل الجارى فى كلّ مسئلة مع قطع النّظر عن العلم بها او التّقليد فيها او الاكتفاء بالاطاعة الشّكيّة او الوهميّة مع التّمكّن من

٤٣

الظّنيّة والفرض بطلان كلّ واحد منها.

قد عرفت مما ذكرنا ان العقل يستقل حين تمام المقدمات بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة ، وإلّا اى وان لم تجب الاطاعة الظنية عند تمام المقدمات لزم بعد انسداد باب العلم والعلمى.

اما اهمال التكاليف المعلومة وهو مستلزم للخروج عن الدين ، واما لزوم الاحتياط فى اطرافها وهو مستلزم للعسر والاختلال للنظام واما الرجوع الى الاصل الجارى فى المسألة مع قطع النظر عن العلم بها ، اى ثبوت تكاليف كثيرة فعلية فى الشريعة ، او التقليد فيها وذلك لا يجوز او الاكتفاء بالاطاعة الشكية او الوهمية مع التمكن من الاطاعة الظنية وهو ترجيح المرجوح على الراجح والفرض بطلان كل واحد منها حسبما بيناه لك ، فلا محيص عن الاطاعة الظنية.

امّا المقدّمة الاولى ، فهى وان كانت بديهيّة الّا أنّه قد عرفت انحلال العلم الاجمالى بما فى الاخبار الصّادرة عن الائمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، الّتي تكون فيما بايدينا من الرّوايات فى الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط الّا فى خصوص ما فى الرّوايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عمّا يوجب الاختلال ولا اجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال.

٤٤

اما المقدمة الاولى ، وهى العلم الاجمالى بثبوت تكاليف كثيرة فى الشريعة فى مجموع المشتبهات ، فثبوتها بديهية لا يحتاج الى برهان بل هو واضح لكل من تدين بهذا الدين وتمسك بحبل شريعة سيد المرسلين ، بمعنى ان من التفت الى اصل الشريعة يعلم بثبوت تكاليف فعلية فيها اجمالا بحيث لا يمكن اهمالها بل لا بد من التعرض لامتثالها فى الجملة على ما هو مقتضى تنجيز العلم الاجمالى لها ولا يجوز الرجوع الى اصل النافى فيها لان الرجوع اليه فيها يكون مستلزما لتعطيل الدين وترك الالتزام بشريعة سيد المرسلين ونقطع بعدم رضاء الشارع بذلك فلزوم التعرض لامتثال التكاليف المعلومة ، وعدم صحة الرجوع الى الاصل النافى فيها ، اى البراءة مما لا ينبغى الريب فيها إلّا أن ذلك لا يوجب الاكتفاء فى امتثالها بالظن لامكان امتثالها بنحو الاحتياط من دون أن يستلزم محذور اختلال النظام او العسر والحرج.

فان اطراف العلم الاجمالى وان كانت مجموع المشتبهات والاحتياط فيها يستلزم العسر العقلى ، وهو اختلال النظام ، او الشرعى وهو مفاد قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) لا محالة.

إلّا أنّك قد عرفت فى الوجه الاول من الوجوه العقلية التى اقاموها على حجية خبر الواحد ، ان العلم الاجمالى الكبير الموجود فى مجموع الاخبار وسائر الامارات ينحل بالعلم الاجمالى بوجود التكاليف فى مضامين الاخبار الكتب المعتبرة.

٤٥

لانه حينئذ لم يعلم بتكليف آخر غير ما اقتضته تلك الاخبار الصادرة ، كى يراعى ويحتاط فى غير ما يكون من محتملاتها من الروايات من موارد ساير الامارات.

ومن المعلوم ان الاحتياط فى موارد الاخبار الصادرة لا يستلزم العسر والحرج فضلا عن اختلال النظام كما ان الرجوع الى الاصل النافى فى غيرها لا يستلزم تعطيل الشريعة ولا اجماع على عدم وجوب الاحتياط.

ولو سلمنا الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالى بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا.

واما المقدمة الثانية اما بالنسبة الى العلم فهى بالنسبة الى امثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد وامّا بالنّسبة الى العلمى فالظّاهر انّها غير ثابتة لما عرفت من نهوض الادلّة على حجيّة خبر يوثق بصدقه وهو بحمد الله واف بمعظم الفقه لا سيّما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى.

واما المقدمة الثانية ، وهى انسداد باب العلم والعلمى الى معظم الاحكام فثبوتها بالنسبة الى انسداد باب العلم التفصيلى الى امثال زماننا بينة وجدانية لا يحتاج الى تجشم الاستدلال بحيث يعرفه

٤٦

كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد واما بالنسبة الى العلمى فهى يتوقف على عدم تمامية دلالة الادلة الدالة على حجية الخبر الواحد بحيث يفهم منها حجية مقدار واف بمعظم الفقه وإلّا فلا نتخطى من هذه المقدمة كما هو الحق ، لما اقيم من البراهين على حجية الخبر الثقة وهو واف بمعظم الفقه.

غاية الامر ان الحجية من الخبر الواحد ان كانت معلومة بالتفصيل فهى بعينها متبعة ، وان كانت معلومة بالاجمال كان نعلم بان لنا اخبار صادرة عن الائمة عليهم‌السلام ، او اخبار معتبرة وافية بمعظم فيما بايدينا من الاخبار الكثيرة ولا نعلمها بعينها فمقتضى هذا العلم الاجمالى العمل بالاحتياط فى خصوص دائرة الاخبار.

فتحصل ان الانسداد بالنسبة الى العلمى فالظاهر أنها غير ثابت لما عرفت آنفا من نهوض الادلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو بحمد الله واف بمعظم الفقه خصوصا بضميمة ما علم تفصيلا منها اى بضميمة الادلة العلمية كالمتواترات والاجماعيات ونحوهما ، كما لا يخفى.

وامّا الثّالثة ، فهى قطعيّة ولو لم نقل بكون العلم الاجمالى منجّزا مطلقا او فيما جاز او وجب الاقتحام فى بعض اطرافه ، كما فى المقام حسب ما يأتى وذلك لانّ اهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام ممّا يقطع بأنّه

٤٧

مرغوب عنه شرعا وممّا يلزم تركه اجماعا.

واما المقدمة الثالثة ، وهى عدم جواز اهمال الوقائع المشبهة على كثرتها وترك التعرض لامتثالها فثبوتها قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالى منجزا مطلقا ، كما ذهب اليه القمى والخوانساري على ما حكى عنهما ، او فيما جاز او وجب الاقتحام فى بعض اطرافه لكون الاحتياط التام يوجب اختلال النظام المحرم شرعا حسب ما يأتى إن شاء الله.

وذلك ، اى قطعية عدم جواز اهمالها وترك التعرض لامتثالها لوجهين ، الاول ان اهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام والرجوع فى جميع تلك الوقائع الى نفى الحكم مستلزم للمخالفة الكثيرة المعبر عنها بلزوم الخروج عن الدين.

وهذا امر يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ، الثانى الاجماع القطعى على ان المرجع على تقدير انسداد باب العلم وعدم ثبوت الدليل على حجية اخبار الآحاد بالخصوص ليس هى البراءة واجراء اصالة العدم فى كل حكم بل لا بد من التعرض لامتثال الاحكام المجهولة بوجه ما.

هذا ، ولكن يرد على الاول ان من التزم بالدين قلبا واعترف بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وبما جاء به ، ولكن فى مقام العمل يعمل على طبق البراءة كيف يعد خارجا عن الدين مع أن قلبه مطمئن بالايمان.

٤٨

ومجرد مخالفة العمل مع العلم لا يوجب الخروج عنه ، ولو كان العلم تفصيليا كيف والعصاة من جهة العمل الصرف لا يخرجون بذلك عن الدين.

وعلى الثانى بأن الاجماع بعد احتمال ان يكون مدركهم ما ذكرناه من الوجهين لا حجية فيه خصوصا فى المسألة العقلية.

ان قلت اذا لم يكن العلم بها منجّزا لها للزوم الاقتحام فى بعض الاطراف كما اشير اليه ، فهل كان العقاب على المخالفة فى سائر الاطراف حينئذ على تقدير المصادفة الّا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الّا مؤاخذة بلا برهان.

حاصل الاشكال انه اذا لم يكن العلم بالاحكام اجمالا منجزا لها للزوم الاقتحام فى بعض الاطراف مما يكون الاحتياط فيه موجبا للعسر والاختلال ، كما اشير اليه سابقا فما الموجب لمراعاة الاحتياط فى بقية الاطراف لان لزوم الاقتحام فى بعض الاطراف يوجب سقوط العلم الاجمالى عن التنجيز لعدم العلم بفعلية التكليف لسقوطه فى مورد العسر والاختلال قطعا ، وثبوته فى غيره غير معلوم رأسا ، ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف فى الباقى عقابا بلا بيان ومؤاخذة عليها بلا برهان فلا بأس حينئذ باهمال معظم الاحكام اصلا.

٤٩

قلت هذا انّما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط ، وقد علم به بنحو اللّم حيث علم اهتمام الشّارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات.

قلت سلمنا انه لا موجب للاحتياط فى سائر الاطراف من ناحية العلم الاجمالى بعد ما جاز او وجب الاقتحام فى بعض الاطراف للعسر والاختلال لما عرفت من أنه يوجب سقوط العلم الاجمالى عن التنجيز لعدم العلم بالتكليف لسقوطه فى مورد العسر والاختلال وثبوته فى غيره غير معلوم ومعه لا مانع من الرجوع الى البراءة.

ولكن قد علمنا بوجوب الاحتياط بنحو اللّم من شدة اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجاب الشارع الاحتياط كيف وان الرجوع الى البراءة فى مثل المقام يكون مستلزما لتعطيل الدين وترك الالتزام بشريعة سيد المرسلين ، فلا يصح الرجوع اليها على كل حال للقطع بعدم رضاء الشارع بذلك فلا بد حينئذ من ايجاب الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض الاطراف.

مع صحّة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال فى هذا الحال وانّه مرغوب عنه شرعا قطعا ، وامّا مع استكشافه فلا يكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حقّقناه فى البحث وغيره.

٥٠

قد عرفت آنفا ان الاحتياط فى سائر الاطراف انما هو لوجوبه شرعا المستكشف لمّا من شدة اهتمام الشارع بتكاليفه مع صحة الاجماع على عدم جواز الاهمال فى هذا الحال.

واما مع استكشاف الاحتياط المزبور من شدة اهتمام الشارع ومن الاجماع على عدم جواز الاهمال فلا يكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان ، كما حققناه فى البحث وغيره.

فتحصل ان هذا الاحتياط الناقص حكم شرعى مستكشف من القطع باهتمام الشارع بتكاليفه ومن الاجماع على عدم جواز الاهمال فى هذا الحال فالجواب عن الاشكال مقصور على وصول البيان بايجاب الاحتياط الناقص بعد كون الاحتياط التام مستلزما للحرج.

وامّا المقدّمة الرّابعة ، فهى بالنّسبة الى عدم وجوب الاحتياط التّامّ بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النّظام وامّا فيما لا يوجب فمحلّ نظر ، بل منع لعدم حكومة قاعدة نفى العسر والحرج على قاعدة الاحتياط.

واما المقدمة الرابعة ، اعنى عدم وجوب الاحتياط التام فى اطراف العلم الاجمالى بل عدم جوازه فى الجملة وعدم جواز الرجوع الى الاصل فى المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة ولا الى فتوى العالم بحكم المسألة فهى ايضا ثابتة فى الجملة.

٥١

اما عدم وجوب الاحتياط فقد استدل عليه شيخنا العلامة «اعلى الله مقامه» بوجهين ، احدهما الاجماع القطعى على أن المرجع فى الشريعة على تقدير انسداد باب العلم فى معظم الاحكام وعدم ثبوت حجية الاخبار رأسا ليس هو الاحتياط فى الدين والالتزام بفعل كل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك كل ما يحتمل الحرمة كذلك.

الثانى لزوم العسر الشديد والحرج الاكيد فى التزامه لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه خصوصا فى ابواب الطهارة والصلاة فمراعاتها مما يوجب الحرج ، هذا كله مختار الشيخ «ره» فى عدم وجوب الاحتياط التام فى المقام.

واما مختار المصنف ، فحاصله ان الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى اذا كان عسره بحد الاختلال بالنظام ، فهذا غير واجب بلا كلام لان العسر الذى يوجب اختلال النظام مستلزم لاختلال نظام العباد ، فيكون منافيا للغرض من تشريع الاحكام فيستقل العقل بقبح صدوره من الشارع الحكيم.

واما اذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان الاحتياط موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع ، لعدم حكومة قاعدة نفى العسر والحرج على قاعدة الاحتياط.

وذلك لما حقّقناه فى معنى ما دلّ على نفى الضّرر والعسر من أن التّوفيق بين دليلهما ودليل التّكليف او الوضع

٥٢

المتعلّقين بما يعمّهما هو نفيهما عنهما بلسان نفيهما فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر اذا كان بحكم العقل لعدم العسر فى متعلّق التّكليف وانّما هو فى الجمع بين محتملاته احتياطا.

حاصل تحقيق المصنف فى معنى ما دل على نفى الضرر والعسر من أن التوفيق بين ادلة نفى الضرر والعسر وبين ادلة التكليفية والوضعية المتعلقة بما يعم الضرر والعسر هو نفى التكليف والوضع عن العسر والضرر بلسان نفى نفس الضرر والعسر يعنى ان حكومة قاعدة نفى العسر والحرج على ادلة التكليف وادلة الوضع انما يتم اذا كان مفاد ادلة نفيهما نفى الاحكام التى لو ثبت لموضوعاتها يلزم منه العسر وينشأ منه الضرر كما حملها على هذا المعنى شيخنا القمقام «ره».

واما لو كان مفاد ادلة نفيهما نفى الحكم الذى يكون للموضوع الحرجى او الضررى الذى يقتضى المنة رفعه عنه لا نفى الحكم الذى ينشأ منه العسر والضرر فلا يكون لدليل نفى العسر والضرر حكومة على الاحتياط العسر اذا كان العسر بحكم العقل كما فيما نحن فيه لان متعلق التكليف الشرعى هاهنا ليس مما فيه العسر كى يرتفع بالضرر والعسر بل كان بنفسه فى كمال السهولة.

ولكن الجمع بين محتملاته احتياطا بمقتضى العلم الاجمالى هو الذى اوجب العسر والضرر.

وبعبارة اوضح ، ان مفاد ادلة نفى الضرر والعسر انما هو نفى

٥٣

الحكم بلسان نفى الموضوع ، ومقتضى التوفيق بينها وبين ادلة الاحكام التكليفية والوضعية المتعلقة بما يعم الضرر والعسر هو تخصيص ادلة الاحكام بما عدى مورد الضرر والعسر والحرج وان كانت ادلة الاحكام وادلة نفيهما العموم من وجه إلّا أن التوفيق العرفى يقتضى تقديم ادلة نفيهما على ادلة الاحكام.

وليس وجه التقديم حكومة ادلة نفيهما عليها كما افاده الشيخ الاعظم «ره» فلا حكومة بينهما إلّا أنه مع ذلك تقدم على ادلة الاحكام لما بينهما من الجمع العرفى بتخصيص ادلة الاحكام بغير موارد الضرر والعسر والحرج ولكن هذا فيما اذا كان الاحكام بنفسها تستلزم الضرر والعسر وفى المقام انما يلزم العسر والحرج من حكم العقل بالاحتياط والجمع بين المحتملات لا من نفس الاحكام فلا وجه لتقديم ادلة نفى العسر والحرج على الاحتياط العقلى.

إلّا اذا قلنا بان مفاد ادلة نفى العسر والحرج نفى الحكم الذى ينشأ من قبله العسر والحرج كما افاده شيخنا العلامة «اعلى الله مقامه» فى رسالة الضرر.

والسر فى ذلك انه يعتبر فى الحكومة ان يكون احد الدليلين شارحا وناظرا ومفسرا لما اريد من الآخر وليس ادلة نفى الضرر والعسر شارحة لادلة الاحكام فلا حكومة بينهما ، فتحصل انه لا وجه للتمسك بادلة العسر والحرج فيما نحن فيه ، حيث ان مدلولها نفى الحكم الذى كان بحسب الشرع حرجيا لا الحرج الذى جاء من قبل جهل المكلف و

٥٤

حكم العقل بلزوم الاحتياط.

ان قلت هذا مسلم بناء على كون مناط الاحتياط هو العلم الاجمالى واما بناء على الاهمية فلا ، اذ بناء عليها استكشفنا من حكم العقل ايجاب الاحتياط شرعا وهو حكم شرعى طريقى مولوى ولا مانع من كون ادلة العسر ناظرة اليها فينفى بادلة العسر ما هو العسر من ايجاب الاحتياط.

قلت لازم هذا عدم الاحتياط اصلا اذ الحكم بوجوب الاحتياط المستكشف بالعقل حكم واحد ارتفع بادلة العسر وليس هنا حكمان احدهما عسر وهو ايجاب الاحتياط فى الكل ، وثانيهما غير عسر وهو الايجاب فى البعض حتى يرتفع الاول بادلة العسر وبقى الثانى وهذا واضح جدا ، اذ ليس هنا اطلاق لفظى يشمل باطلاقه الافراد العسرة وغيرها مثل ادلة الوضوء والغسل ، حتى يقيد اطلاقه بادلة العسر ، فالحكم هنا واحد وهو ايجاب الاحتياط الذى كان يقتضيه القاعدة من العلم الاجمالى او الاهمية فاذا ارتفع لا يخلفه ايجاب احتياط آخر اخف منه.

نعم لو كان معناه نفى الحكم النّاشى من قبله العسر ، كما قيل لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط لانّ العسر حينئذ يكون من قبل التّكاليف المجهولة فيكون منفية بنفيه.

٥٥

قد عرفت ما افاده المصنف فى هذا المقام من منع حكومة ادلة نفى العسر والحرج على ما يحكم به العقل من الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى لان مفاد ادلة نفى الضرر والعسر والحرج انما هو نفى الحكم بلسان نفى الموضوع ومقتضى التوفيق بينها وبين ادلة الاحكام التكليفية والوضعية المتعلقة بما يعم الضرر والعسر والحرج هو تخصيص ادلة الاحكام بما عدى مورد الضرر والعسر والحرج.

ولكن هذا فيما اذا كانت الاحكام بنفسها تستلزم الضرر والعسر وفى المقام انما يلزم العسر والحرج من حكم العقل بالاحتياط والجمع بين المحتملات فى الوقائع المشتبهة لا من نفس الاحكام فلا وجه لتقديم ادلة نفى العسر والحرج على الاحتياط العقلى.

نعم لو كان مفاد ادلة نفى العسر والحرج نفى الحكم الذى ينشأ من قبله العسر والحرج كما افاده الشيخ «ره» فتقدم ادلة نفيهما على حكم العقل بالاحتياط لحكومة ادلة العسر على ما يحكم به العقل من الاحتياط لان العسر حينئذ ينشأ من قبل التكاليف المجهولة فيكون الاحتياط منفية بنفى العسر.

ولا يخفى انّه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط فى بعض الاطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط فى تمامها بل لا بدّ من دعوى وجوبه شرعا كما اشرنا اليه فى بيان المقدّمة الثّالثة ، فافهم ، وتأمّل جيّدا.

٥٦

ولا يخفى انه على فرض تسليم حكومة ادلة العسر والحرج على قاعدة الاحتياط كما هو الظاهر من كلام شيخنا القمقام «ره» فلا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط فى بعض الاطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط فى تمام الاطراف بلزوم الاختلال او بلزوم العسر والحرج ، اذ معنى عدم وجوب الاحتياط فى تمام الاطراف هو الترخيص فى بعض اطراف العلم والترخيص فى بعض اطرافه موجب لارتفاع العلم الاجمالى بالتكليف بين تمام الاطراف وصيرورة الشك بالنسبة الى غير مورد العسر والاختلال بدويا فاذا ارتفع العلم الاجمالى فلا موجب للاحتياط اصلا ، ولو فى بعض الاطراف فان الاحتياط انما وجب هو للعلم الاجمالى ومع ارتفاعه فلا موجب للاحتياط اصلا.

وامّا الرّجوع الى الاصول فبالنّسبة الى الاصول المثبتة من احتياط او استصحاب مثبت للتّكليف فلا مانع عن اجرائها عقلا مع حكم العقل وعموم النّقل هذا

قد عرفت أن المقدمة الرابعة تشتمل على فقرات ثلاث ، الثانى منها عدم جواز الرجوع فى كل مسئلة الى الاصل العملى المناسب لها من احتياط او استصحاب او تخيير او براءة او اشتغال.

حاصل كلام المصنف فى هذه الفقرة هو ان الاصول المثبتة من

٥٧

الاحتياط فى شخص المسألة والاستصحاب المثبت للتكليف ، فلا مانع عن اجرائها فى تمام الموارد من المظنونات والمشكوكات والموهومات عقلا مع حكم العقل وعموم النقل ، يعنى ان المقتضى لاجرائها موجود والمانع مفقود.

اما وجود المقتضى فهو العلم الاجمالى فى التكليف فى خصوص المسألة فى موارد الاحتياط فهو المراد بقوله مع حكم العقل وعموم ادلة الاستصحاب فى موارده ، وهو المراد بقوله وعموم النقل.

واما عدم المانع فلموافقة الاصول ، لما علم اجمالا من التكاليف لان الفرض كونها مثبتة للتكليف.

ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب فى اطراف العلم الاجمالى لاستلزام شمول دليله لها التّناقض فى مدلوله بداهة تناقض حرمة النقض فى كل منها بمقتضى لا تنقض لوجوبه فى البعض كما هو قضية ولكن تنقضه بيقين آخر

لو ، فى قوله ولو قيل وصلية ، ومعناه انه لا مانع من الرجوع الى الاصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له ، ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب فى اطراف العلم الاجمالى للزوم المناقضة بين صدر الادلة وذيلها على ما هو عليه شيخنا الاعظم «ره» بدعوى أن حرمة نقض اليقين بالشك فى كل واحد من الاطراف بمقتضى

٥٨

قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ، (فى الصدر) يناقض وجوب نقضه فى البعض بمقتضى قوله عليه‌السلام ولكن تنقضه بيقين آخر ، (فى الذيل) للعلم بالانتقاض فى البعض بناء على شمول قوله عليه‌السلام بيقين آخر العلم الاجمالى بالانتقاض وعدم اختصاصه بالعلم التفصيلى.

وبالجملة ان المانعية المتوهمة هو العلم الاجمالى بانتقاض هذه الاستصحابات بوجود الدليل على خلافه او بعدم اجتماعه لشرائط الاستصحاب فالعمل بالاستصحاب المثبت فى تمام هذه الموارد موجب للتناقض فى مدلول الدليل حيث أنه يصدق فى بعض هذه الاستصحابات انه مورد لقوله عليه‌السلام ولكن تنقضه بيقين آخر.

وجريان قوله عليه‌السلام لا تنقض فى مجموع الموارد ينافى مع جريان قوله انقض فى بعض هذه المجموع وهذا العلم الاجمالى مانع عن العمل بالاصول حتى فى الاصول اللفظية فلو علم اجمالا بأن واحدا من العمومات او الاطلاقات صار مخصصة او مقيدة ، فلا يجوز العمل بواحد منها ولكن من المعلوم عدم صلاحية هذا المانع للمانعية واليه اشار بقوله :

وذلك لانّه انّما يلزم فيما اذا كان الشّك فى اطرافه فعليّا وامّا اذا لم يكن كذلك بل لم يكن الشّك فعلا الّا فى بعض اطرافه وكان بعض اطرافه الآخر غير ملتفت اليه فعلا اصلا

٥٩

وذلك اى المناقضة بين الصدر والذيل انما تلزم اذا كان الشك فى جميع اطرافه فعليا ملتفتا اليه واما اذا لم يكن الشك الفعلى الا فى بعض الاطراف وكان بعض اطرافه الآخر غير ملتفت اليه فعلا ، فالاستصحاب انما يجرى فى خصوص الطرف الملتفت اليه الذى يكون الشك فيه فعليا ولا يجرى فى الطرف الآخر فى ظرف جريانه فى ذلك الطرف لانتفاء شرطه وهو الشك الفعلى واذا وصلت النوبة الى جريان الاستصحاب فيه بعد وجود شرطه وحصول الشك الفعلى فيه يكون ذلك الطرف الذى جرى فيه الاستصحاب سابقا خارجا عن محل الابتلاء فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه ايضا غاية الامر انه بعد ذلك يعلم أن احد الاستصحابين كان مؤداه مخالفا للواقع ، ولا ضير فى ذلك بعد ما لم يكن هذا العلم حاصلا فى ظرف جريان الاستصحاب.

كما هو حال المجتهد فى مقام استنباط الأحكام ، كما لا يخفى.

يعنى ان الاستصحابات التى يعلمها المجتهد من هذا القبيل فان استنباط الاحكام انما يكون على التدريج وليس جميع موارد الاستصحابات ملتفتا اليها دفعة ليكون الشك فيها فعليا بل الالتفات والشك يكون تدريجيا حسب تدريجية الاستنباط.

ضرورة ان المجتهد لا يلتفت إلّا الى ما هو مشغول باستنباط

٦٠