نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فى الاستصحاب وبيان اقوال المسألة

فصل فى الاستصحاب وفى حجّيته اثباتا ونفيا اقوال للأصحاب.

فصل ، فى الاستصحاب وفى حجّيته اثباتا ونفيا اقوال للاصحاب قد سردها الشيخ (اعلى الله مقامه) فى الفرائد ، وقال ان المتحصّل منها فى بادئ النظر احد عشر قولا ، الاول القول بالحجيّة مطلقا ، الثانى عدم الحجّية مطلقا ، الثالث التّفصيل بين العدمى والوجودى فيعتبر فى الاول دون الثانى ، الرابع التّفصيل بين الامور الخارجية وبين الحكم الشرعى مطلقا فلا يعتبر فى الاول مطلقا ، الخامس التّفصيل بين الحكم الشرعى الكلى وغيره فلا يعتبر فى الاول الا فى عدم النسخ ، السادس التّفصيل بين الحكم الجزئى وغيره فلا يعتبر فى غير الاول وهذا هو الذى تقدم انه ربما يستظهر من كلام المحقق الخوانسارى فى حاشية شرح

١

الدروس على ما حكاه السيد فى شرح الوافية ، السابع التّفصيل بين التكليفى الغير التابع للحكم الوضعى وغيره فلا يعتبر فى الاول ، الثامن التّفصيل بين ما ثبت بالاجماع وغيره فلا يعتبر فى الاول ، التاسع التّفصيل بين كون المستصحب مما ثبت بدليله او من الخارج استمراره فشك فى الغاية الرافعة له وبين غيره فيعتبر فى الاول دون الثانى كما هو ظاهر المعارج ، العاشر هذا التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية كما هو الظاهر من المحقق السبزوارى فيما سيجىء من كلامه الحادى عشر زيادة الشك فى مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقى دون المفهومى كما هو ظاهر ما سيجىء من المحقق الخوانسارى ، ثم انه (قدّس سره) بعد الفراغ عن عدّ هذه الاقوال الاحد عشر.

قال انه لو بنى على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة فى الاصول والفروع لزادت الاقوال على العدد المذكور بكثير بل يحصل لعالم واحد قولان او ازيد فى المسألة إلّا ان صرف الوقت فى هذا مما لا ينبغى الى ان قال والاقوى هو القول التاسع وهو الذى اختاره المحقق فان المحكى عنه فى المعارج انه قال اذا ثبت حكم فى وقت ثم جاء وقت آخر ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه ما لم يقم دلالة على نفيه ام يفتقر الحكم فى الوقت الثانى الى دلالة حكى عن المفيد (قده) انه يحكم ببقائه وهو المختار وقال المرتضى (قده) لا يحكم ثم مثل بالمتمم الواجد للماء فى اثناء الصلاة (انتهى).

٢

فى تعريف الاستصحاب

ولا يخفى ان عباراتهم فى تعريفه وان كانت شتى.

مثل انه ابقاء ما كان فقد ذكر شيخنا العلامة انه اسد التعاريف واخصرها وذكر ان دخل الوصف فى الموضوع مشعر بعليته للحكم ، ومثل انه اثبات الحكم فى الزمان الثانى تعويلا على ثبوته فى الزمان الاول وهو المحكى عن الزبدة بل نسبه شارح الدروس الى القوم ، وانه كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق فقد ذكره المحقق القمى (ره) فى تعريف الاستصحاب وانه عبارة عن ابقاء ما علم ثبوته فى الزمان السابق فيما يحتمل البقاء فيه من الزمن اللاحق وهو المحكى عن الفصول ، وانه اثبات حكم فى زمان لوجوده فى زمان سابق عليه الى غير ذلك من التعاريف المذكورة فى عبائرهم.

إلّا انها تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه.

٣

حاصله ان التعاريف مشيرة الى مفهوم واحد ومعنى فارد ؛ وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه ، ولا يخفى ان ما ذكره المصنف من التعريف فهو شرح لما ذكره الشيخ (ره) لا غير ، قال اعلى الله مقامه فى الرسائل فى صدر الاستصحاب (ما لفظه) وهو لغة يعنى الاستصحاب اخذ الشىء مصاحبا ومنه استصحاب اجزاء ما لا يوكل لحمه فى الصلاة وعند الاصوليين عرف بتعاريف اسدها واخصرها ابقاء ما كان والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء ، هذا ولكن فى هذا التعريف مع ما قال مولانا فى حقه انه اسد واخصر نظر لان المراد بالابقاء اما معناه الحقيقى يعنى ابقاء الشىء مع وجود المقتضى لعدم ابقائه وعدم الاتيان بالمقتضى كما يقال اكلت هذا وابقيت نصفه فمعناه ان مقتضى الاكل كان موجودا وانا لم نأت بالمقتضى وابقيته واما معناه المجازى يعنى الحكم بالبقاء كما صرح به.

امّا الاول فهو خارج عن الاستصحاب لان البقاء كان حاصلا غاية الامر ابقائه هو عدم الاتيان بالمقتضى للخلافة ؛ واما الثانى فلعدم طرد التعريف لان التعريف لا يشمل الاستصحاب بكلا قسميه يعنى سواء كان حجيته من باب الظن او من باب الاخبار لان الاستصحاب لو كان حجة من باب الظن معناه انه امارة الى الواقع وناظر اليه بمعنى ان الشارع حكم بان النفس الواقع الذى كان الاستصحاب مرآة اليه يأتى فى الآن الثانى بمقتضى الاستصحاب ولو كان حجة من باب الاخبار معناه انه غير ناظر اليه بل الحكم بالاستصحاب على هذا ليس إلّا محض اللابدية فالشارع

٤

احدث حكما مماثلا للواقع مع قطع النظر عن الواقع فحقيقة الابقاء على الاول هو ابقاء الواقع فيترتب عليه اثره بالتبع وعلى الثانى هو ابقاء حكم مماثل للواقع بل فى الحقيقة ليس هو الابقاء بل احداث حكم من الشارع فى الزمن الثانى مماثلا للاول بخلاف الاول فانه ابقاء حقيقة فاذا كان فرق بين حقيقة الإبقاءين لا يجوز ذكر لفظ واحد وارادة معنيين متباينين منه فلفظ الابقاء فى التعريف يشمل احد المعنيين دون الآخر فيكون غير مطرد والقول بان هذا التعريف على مذاقه مدفوع بان الشىء اذا كان له فردان فلا بد من تعريفه بحيث يشمله اولا ويرده ثانيا على حسب مذاقه وايضا استعمال لفظ المشترك فى احد معانيه موقوف بالقرينة وليس هنا قرينة على تعيين معنى الابقاء فى مراد الشيخ (ره).

امّا من جهة بناء العقلاء على ذلك فى احكامهم العرفيّة مطلقا او فى الجملة تعبّدا او للظّن به النّاشى عن ملاحظة ثبوته سابقا وامّا من جهة دلالة النّص او دعوى الاجماع عليه كذلك حسبما ياتى الاشارة الى ذلك مفصّلا.

قد عرفت ان للاصحاب اقوالا قد انهاها الشيخ (ره) الى احد عشر قولا القول بالحجية مطلقا وعدمها كذلك والتفصيل بين العدمى والوجودى والتفصيل بين الحكم الشرعى والامور الخارجية والتفصيل

٥

بين الاحكام الشرعية الكلية وبين غيره والتفصيل بين الحكم الشرعى الجزئى وبين غيره من الحكم الشرعى الكلى والامور الخارجية ، والتفصيل بين الاحكام مطلقا وبين الاسباب والشروط والموانع ، والتفصيل بين الشك فى المقتضى وبين الشك فى وجود الرافع ، والتفصيل بين ما ثبت بالاجماع وغيره ، والتفصيل بين الشك فى المقتضى والشك فى رافعية الموجود ، والتفصيل بين الشك فى المقتضى والشك فى رافعية الموجود بنحو الشبهة الحكمية وبين الشك فى وجود الرافع وفى رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية والمصنف قد اختار القول الاول وهو القول بالحجية مطلقا ، واستدل عليه بالوجوه الاربعة الآتية ، الوجه الاول الآتي هو قوله ... الوجه الاول استقرار بناء العقلاء من الانسان بل ذوى الشعور من كافة انواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة مع عدم ردع الشارع عنه ... الخ. الوجه الثانى الآتي هو قوله ان الثبوت فى السابق موجب للظن به فى اللاحق ... الخ ، الوجه الثالث الآتي ، هو دعوى الاجماع عليه ... الخ الوجه الرابع وهو قوله العمدة فى الباب الاخبار المستفيضة ... الخ هذه هى الوجوه الآتية التى استدل بها للاستصحاب وقد اشار الى كل من الوجوه والاقوال هنا بقوله ؛ اما من جهة بناء العقلاء على ذلك فى احكامهم العرفية اشارة الى الوجه الاول الآتي ؛ وقوله او للظن به الناشى عن ملاحظة ثبوته سابقا اشارة الى الوجه الثانى الآتي وقوله او من جهة دلالة النص اشارة الى الوجه الرابع الآتي وقوله او دعوى الاجماع عليه كذلك اشارة

٦

الى الوجه الثالث الآتي وقوله مطلقا او فى الجملة تعبدا اشارة الى القول بحجية الاستصحاب مطلقا وعدمها والى التفاصيل المتقدمة المذكورة

ولا يخفى انّ هذا المعنى هو القابل لان يقع فيه النّزاع والخلاف فى نفيه واثباته مطلقا او فى الجملة وفى وجه ثبوته على اقوال.

ولا يخفى ان هذا المعنى اى الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه هو القابل لان يقع فيه النزاع والخلاف فى انه حجة مطلقا او ليس بحجة مطلقا او التفصيل بين العدمى والوجودى وبين الاحكام الشرعية وغيره وغير ذلك من التفاصيل المتقدمة ؛ وفى وجه ثبوته ومدرك حجيته وانه هل هو بناء العقلاء او الظن الناشى عن ثبوته سابقا او دلالة النص او دعوى الاجماع عليه كذلك على اقوال ، اذ المفهوم الواحد هو القابل لان يقع النزاع والخلاف فيه كذلك وهو واضح.

ضرورة انّه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء او الظّنّ به النّاشى من العلم بثبوته لما تقابل فيه الاقوال ولما كان النّفى والاثبات واردين على مورد واحد بل موردين.

٧

علة لقوله ولا يخفى ان هذا المعنى (يعنى الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم) هو القابل لان يقع فيه النزاع والخلاف فى نفيه واثباته مطلقا او فى الجملة وفى وجه ثبوته على اقوال ، ضرورة ان معنى الاستصحاب لو كان يختلف باختلاف مداركه ووجوه الاستدلال عليه كما اشار اليه فى الحاشية (بان حقيقة الاستصحاب وماهيته يختلف بحسب اختلاف وجه حجيته) لما تقابل فيه الاقوال ؛ اذ القائل بثبوت الاستصحاب قد لا يثبت البناء ولا يعترف بثبوت الظن بل يعترف بثبوته للاخبار ؛ والقائل بنفى الاستصحاب قد لا ينفى البناء ولا يلتزم بنفى الظن بل لا يكون البناء والظن عنده حجة ، ومما ذكرنا ظهر المراد من قوله ولما كان النفى والاثبات واردين على مورد واحد فانه مفسد لما قبله.

وتعريفه بما ينطبق على بعضها وان كان ربّما يوهم ان لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذاك الوجه.

حاصله ان التعاريف المذكورة انما تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد اذا كان جميعها تقصد شيئا واحدا وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه مع ان تعريفه بما ينطبق على بعض التعاريف مثل ما تقدم عن المحقق القمى من انه كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق ربما يوهم ان

٨

لا يكون هو الحكم بالبقاء بل يكون الاستصحاب ذاك الوجه المذكور فى التعريف.

الاستصحاب مسألة اصوليه الّا انّه حيث لم يكن بحدّ ولا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما هو الحال فى التّعريفات غالبا لم يكن له دلالة على انّه نفس الوجه بل للاشارة اليه من هذا الوجه ولذا لا وقع للأشكال على ما ذكر فى تعريفه بعدم الطّرد او العكس فانّه لم يكن به اذا لم يكن بالحدّ او الرّسم بأس فانقدح انّ ذكر تعريفات القوم له وما ذكر فيها من الاشكال بلا حاصل وطول بلا طائل.

حاصله ان تعريف الاستصحاب احيانا بما ينطبق على بعض التعاريف غير ما ذكرناه وان كان قد يوهم ان لا يكون هو الحكم بالبقاء إلّا انه حيث لا يكون بحد ولا برسم اى لا يكون بالجنس والفصل او بالفصل فقط حتى يكون حدا او بالجنس والعرض الخاص او بالعرض الخاص فقط كى يكون رسما بل من قبيل شرح الاسم كما هو الحال فى التعريفات غالبا لم يكن له دلالة على انه نفس الوجه بل للاشارة الى ما ذكرناه من هذا الوجه ولذا لا وقع للاشكال على ما ذكر فى تعريف الاستصحاب بعدم الطرد او العكس فانه لم يكن بالتعريف الموهم للخلاف بأس اذا لم يكن بالحد ولا بالرسم ، فانقدح ان ذكر تعريفات القوم للاستصحاب وما ذكر فى التعريفات من الاشكال بلا حاصل وطول بلا طائل.

٩

فى بيان كون المسألة اصولية

ثمّ لا يخفى انّ البحث فى حجيّته مسئلة أصوليّة حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدة تقع فى طريق استنباط الاحكام الفرعيّة وليس مفادها حكم العمل بلا واسطة وان كان ينتهى اليه.

قد نبه المصنف على ضابطة بها تمتاز المسألة الاصولية عن المسألة الفقهية ؛ وهى ان المسألة الاصولية هى التى تصلح لان تقع فى طريق الاستنباط بخلاف المسألة الفقهية فانها ممحضة لافادة حكم عمل المكلف ولا تصلح لاستنباط الحكم الفرعى ولو فى واقعة من الوقائع ؛ ومسئلة الاستصحاب التى هى عبارة اخرى عن قولك كل مشكوك البقاء باق حيث تقع فى طريق استنباط الاحكام الشرعية الكلية هى من المسائل الاصولية اذ يجعل كبرى لصغريات وجدانية فى موارد مخصوصة ، فيقال هذا الوجوب مما شك فى بقائه وكل مشكوك البقاء باق فهذا الوجوب باق.

والحاصل ان مسئلة الاستصحاب تكون من المسائل الاصولية لانها تقع فى طريق استنباط الاحكام الشرعية الكلية وبذلك اى بقولنا الاحكام الشرعية الكلية تمتاز مسئلة الاستصحاب عن القواعد الفقهية

١٠

كقاعدة الطهارة وقاعدة الحل وقاعدة الفراغ والبناء على الاكثر واليد والصحة ونحوها فانها وان كانت تقع كبرى لقياس الاستنباط إلّا ان النتيجة فيها انما تكون حكما جزئيا يتعلق بعمل آحاد المكلفين بلا واسطة بمعنى انه لا يحتاج فى تعلقه بالعمل الى مئونة اخرى كما هو الشأن فى نتيجة المسألة الاصولية فانها لا تعلق لها بعمل الآحاد ابتداء الا بعد تطبيق النتيجة على الموارد الخاصة الجزئية ، فالفرق بين المسائل الاصولية والقواعد الفقهية هو ان النتيجة فى الاول تكون دائما حكما كليا لا يتعلق بعمل آحاد المكلفين الا بعد التطبيق الخارجى.

واما النتيجة فى الثانى تكون جزئية لا تحتاج فى تعلقها بعمل الآحاد الى التطبيق غالبا فالقاعدة الفقهية تشترك مع المسألة الفقهية فى كون النتيجة فيهما حكما جزئيا عمليا يتعلق بفعل المكلف بلا واسطة ، غاية الامر انه جرى الاصطلاح على اطلاق المسألة الفقهية على قضية كان المحمول فيها حكما اوليا كان له تعلق بفعل او بموضوع خاص كمسألة الصلاة واجبة والخمر حرام واختصاص القاعدة الفقهية على ما لم تكن كذلك بل كان المحمول فيها متعلقا بعدة افعال المكلفين يحويها عنوان واحد من غير فرق بين ان يكون المحمول فيها حكما واقعيا اوليا كقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفساده الشاملة لجميع انواع المعاوضة المتفرقة او حكما واقعيا ثانويا كقاعدة لا ضرر ولا حرج الجارية فى جميع ابواب الفقه او حكما ظاهريا كقاعدة الفراغ والتجاوز.

١١

كيف وربّما لا يكون مجرى الاستصحاب الّا حكما اصوليّا كالحجّية مثلا.

حاصله انه كيف لا يكون البحث عن حجية الاستصحاب بحثا عن مسئلة الاصولية وقد لا يكون مجرى الاستصحاب إلا حكما اصوليا كامارة التى كانت حجة قطعا ثم شك فى بقاء حجيته فبمعونة الاستصحاب يثبت لها الحجية التى ليست من سنخ الحكم الذى يتعلق بفعل المكلف بل موضوعها ما يقع فى طريق استنباط الحكم الفرعى فيكون الاستصحاب واقعا فى طريق استنباط الحكم الفرعى.

فظهر مما ذكرنا ان الصلاحية للوقوع فى طريق الاستنباط كافية فى الدخول فى علم الاصول بخلاف المسألة الفقهية فانها ممحضة لافادة الحكم الفرعى ؛ فتحصل من جميع ما ذكرنا من اول قوله ثم لا يخفى ... الخ الى الآن ان الاستصحاب سواء جرى فى الاحكام الشرعية كاستصحاب وجوب الصلاة او جرى فى الحكم الاصولى كاستصحاب الحجية هو مسئلة اصولية لما عرفت من انه يقع فى طريق استنباط الحكم الفرعى وهو ليس مسئلة فقهية.

هذا لو كان الاستصحاب عبارة عمّا ذكرنا وامّا لو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته او الظّنّ به النّاشى من ملاحظة ثبوته فلا اشكال فى كونه مسئلة اصوليّة.

١٢

حاصله ان البحث عن حجية الاستصحاب وانه انما يكون بحثا عن مسئلة الاصولية هو فيما لو كان الاستصحاب عبارة عما ذكرنا يعنى نفس الحكم ببقاء ما ثبت واما لو كان عبارة عن بناء العقلاء على ما علم ثبوته ما لم يعلم بارتفاعه او الظن بالبقاء الناشى من ملاحظة ثبوته سابقا فلا اشكال فى كونه مسئلة اصولية لعدم كون مفادها حينئذ حكم العمل بلا واسطة.

فى الامور المعتبرة فى الاستصحاب

وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكرنا فى تعريفه اعتبار امرين فى مورده القطع بثبوت شىء والشّكّ فى بقائه.

حاصله انه قد ظهر مما ذكرنا فى تعريف الاستصحاب من انه الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه اعتبار امرين يعنى لا بد فيه من امرين ويتقوم موضوعه بهما الاول وجود الشىء وثبوته فى الزمان السابق مع العلم او الظن المعتبر بوجوده فى ذاك الزمان حين ارادة الحكم بالبقاء فلو لم يكن عالما به فى ذاك الزمان حين ارادة الحكم بالبقاء ولو كان عالما قبل هذا كان يشك فى الزمان

١٣

الذى يريد الحكم بالبقاء فى وجوده فى ذاك الزمان ايضا فلا يتحقق معه الاستصحاب الاصطلاحى ؛ الثانى الشك فى وجوده فى زمان لا حق عليه يعنى ان الشك لا بد ان يتعلق بالوجود فى الزمان اللاحق لا بالوجود فى الزمان السابق فلو تعلق بالوجود السابق كان يعلم بان معنى هذا اللفظ هو ذاك ونشك فى ان هذا هو معناه فى السابق ام لا فلا يجرى فيه الاستصحاب.

ولا يكاد يكون الشكّ فى البقاء الّا مع اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة بحسب الموضوع والمحمول.

قد عرفت آنفا ان الاستصحاب متقوم بامرين القطع بثبوت الشىء والشك فى بقائه ولا يكاد يكون الشك فى البقاء الا مع اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة بحسب الموضوع والمحمول بمعنى انه يعتبر فيه اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كما يعتبر اتحادهما محمولا فان من تيقن بحياة زيد كما لا يجوز له استصحاب علمه مثلا فانه محمول آخر فكذلك لا يجوز له استصحاب حيوة عمرو فانه موضوع آخر اذ لا يكاد يكون الشك فى البقاء الا مع اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا فكما ان من تيقن بحياة زيد اذا شك فى قيامه فهو ليس شكا فى بقاء ما تيقن به فكذلك اذا شك فى حيوة عمرو فهو ليس شكا فى بقاء ما تيقن به.

١٤

ثم ان المراد من اتحاد الموضوع والمحمول ليس إلّا اتحادهما بحسب الوجود لا بحسب الذات والماهية مع تغايرهما وجودا كما فى الاستصحاب الكلى من القسم الثالث اذا الاتحاد فى الماهية مع تعدد الوجود لا يكفى فى صدق البقاء عرفا ولذا لا يكون وجود خالد مقارنا لعدم زيد بقاء لوجود الانسان مع اتحادهما ذاتا ومن هنا لم يجر الاستصحاب فى القسم الثالث من اقسام الشك فى وجود الكلى كما انه ليس المراد اتحادهما فى الوجود والمرتبة كيف وان الاتحاد فى اصل الوجود هو المصحح لقسم من استصحاب الكلى فى القسم الثالث

هذا ممّا لا غبار عليه فى الموضوعات الخارجيّة فى الجملة.

هذا اى اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة بحسب الموضوع والمحمول فى الموضوعات الخارجية كعدالة زيد وحياته ونحو ذلك مما لا غبار فيه فى الجملة اى فيما لا يكون التجدد والتصرم فى كمون ماهياتها كالتكلم والحركة والزمان ونحو ذلك فان فى مثل هذه اى الموضوعات التجددية اشكال سيجيء التعرض له ولدفعه فى الشبهات إن شاء الله تعالى.

١٥

الاشكال فى استصحاب الحكم الكلى

وامّا الأحكام الشّرعية.

قد عرفت آنفا عدم تأتى الاشكال فى الموضوعات الخارجية فى الجملة واما الاحكام فربما يشكل فى صحة استصحابها من جهة ان الشك فى الحكم التكليفى لازم للشك فى الموضوع دائما ومع الشك فى بقائه لا يكون رفع اليد عن الحكم نقضا منهيا شرعيا والنقض المنهى هو رفع اليد عن الحكم عند الشك فيه مع بقاء الموضوع وسيجىء اشتراط بقاء الموضوع فى الاستصحاب.

ولا يخفى ان هذا مبنى على ارجاع جميع القيود التى تؤخذ فى القضية الى الموضوع كما هو مختار شيخنا القمقام (اعلى الله مقامه) فى الواجبات المشروطة بارجاعها الى الواجبات المعلقة ولعل المصنف. قد جرى على مذاق الشيخ (ره) كى يعمه الجواب عن الاشكال.

سواء كان مدركها العقل ام النّقل.

اشارة الى ما عن مولانا القمقام الانصارى (قدس) من انكاره

١٦

حجية الاستصحاب حال العقل اى الحكم الشرعى المستكشف بالعقل حيث ان العقل لا يحكم بشىء الا بعد احراز جميع ما له مدخلية فى موضوع حكمه من الشرائط وفقد الموانع فان كان جميع ذلك محرزا فحكمه. ثابت وان اختل بعض الجهات فلا ادراك له اصلا فحكم العقل حتى لاجل وجود الرافع لا يكون إلّا للشك فى موضوعه فلو عرض هذا الموضوع على العقل من اول امره لما يحكم عليه شىء ومع ان الموضوع لا بد ان يكون معلوم البقاء فمثل هذا الموضوع لم يعلم تعلق الحكم الشرعى به ابتداء.

وهذا بخلاف الحكم الشرعى الثابت لموضوع ابتداء فان الموضوع قد جعل فى الدليل اعم من موضوع العقل مثلا اذا حكم بان الصدق اذا كان مضرا فهو حرام وعلمنا ان الصدق الفلانى كان مضرا ثم شككنا فى حرمته فى الآن اللاحق ولم يعلم ان المناط باق فيه ام لا فيصح ان يقال ان الموضوع هو الصدق وهو باق فيستصحب حرمته وان كان بالدقة العقلية يرجع الى الشك فى الموضوع حيث ان الموضوع حقيقة بنظر العقل هو الصدق المضار بما هو ضار لكن موضوع الاستصحاب بناء على حجيته من باب الاخبار ليس مبنيا على الدقة العقلية.

والحاصل ان الموضوع بحسب الشرع ربما يكون اوسع بنظر العقل فرب شىء له مدخلية بنظر العقل فى موضوع الحكم ولم يكن بهذه المثابة بحسب الشرع ولا فرق فى ذلك بين القول بتبعية الاحكام الشرعية للاحكام العقلية ام لا بناء على حجية الاستصحاب من باب

١٧

الاخبار بعد عدم العلم بمناط هذا الحكم الشرعى وعنوانه المعلق عليه حيث ان موضوع المستصحب عرفى فهو تابع له حدوثا وبقاء ففى مثال الصدق يصح ان يقال عرفا ان هذا الموضوع كان حراما فيستصحب حرمته وبعد جريان الاستصحاب نستكشف بقاء ما هو المناط عقلا فى محل الكلام نعم لو علم المناط اولا وشك فى بقائه لم يجر الاستصحاب بعين ما ذكر فى الحكم العقلى هذا حاصل ما افاده شيخنا الانصارى فى بيان التفصيل بين ما كان مدركها العقل ام النقل :

فيشكل حصوله فيها لانّه لا يكاد يشكّ فى بقاء الحكم الّا من جهة الشكّ فى بقاء موضوعه بسبب تغيّر بعض ما هو عليه ممّا احتمل دخله فيه حدوثا او بقاء والّا لا يتخلف الحكم عن موضوعه الّا بنحو البداء بالمعنى المستحيل فى حقّه تعالى ولذا كان النّسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا.

حاصله ان الاحكام الشرعية سواء كان مدركها العقل او النقل فيشكل حصول الاستصحاب فيها لانه لا يكاد يشك فى بقاء الحكم الا من جهة الشك فى بقاء موضوعه بسبب تغير بعض ما هو الموضوع عليه مما احتمل دخله فيه حدوثا او بقاء من المشخصات وإلّا اى ولو كان الموضوع باقيا على ما هو عليه من غير تغير فيه لا يتخلف الحكم عن موضوعه لان الموضوع علة تامة للحكم ويستحيل فى المعلول مع العلم بالعلة

١٨

إلّا بنحو البداء بان يظهر للحاكم الخطاء فى حكمه فيعدل عما حكم به اولا من دون اختلاف فى موضوعه اصلا ولذا كان مستحيلا فى حقه تعالى لانه ملازم مع الجهل بحال الموضوع وهو على الله تعالى ممتنع ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا للشىء بعد ثبوته.

ويندفع هذا الأشكال بانّ الاتّحاد فى القضيّتين بحسبهما وان كان ممّا لا محيص عنه فى جريانه الّا انّه لمّا كان الاتّحاد بحسب نظر العرف كافيا فى تحقّقه وفى صدق الحكم ببقاء ما شكّ فى بقائه وكان بعض ما عليه الموضوع من الخصوصيّات التى يقطع معها بثبوت الحكم له ممّا يعدّ بالنّظر العرفى من حالاته وان كان واقعا من قيوده ومقوّماته كان جريان الاستصحاب فى الاحكام الشّرعية الثّابتة لموضوعاتها عند الشّك فيها لاجل طروّ انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها ممّا عدّ من حالاتها لا من مقوماتها بمكان من الامكان.

توضيح الاندفاع يتوقف على تمهيد مقدمة ، وهى ان القيود المأخوذة فى موضوع القضية بحسب التصور تكون على انحاء ، الاول ان تكون القيود المأخوذة من مقومات الموضوع والثانى ان تكون القيود المأخوذة من حالاته واطواره جيء بها لتعيينه وتمييزه بها عن غيره الثالث ان تكون القيود المأخوذة من علل ثبوته حدوثا وبقاء

١٩

الرابع ان تكون القيود المأخوذة من علل ثبوته حدوثا.

فان احرز ان القيد المأخوذ فى القضية من قبيل الاول والثالث اى من مقومات الموضوع او من علل ثبوت الحكم له حدوثا وبقاء فلا شبهة فى ان بانتفائه يعلم بانتفاء الحكم اما لانتفاء موضوعه او لانتفاء علته وان احرز انه ليس. كذلك بل هو من قبيل الثانى والرابع اى تكون من الحالات او من علل ثبوته حدوثا فقط فلا يعلم بانتفاء الحكم بانتفائه بل يقطع ببقائه واما لو لم يحرز من ايتهما ففى جريانه فيه ، اشكال ينشأ من ان الميزان فى احراز الموضوع فى الاستصحاب هل هو الدقة العقلية او ظاهر الدليل او فهم العرف فان كان قيد الزائل بحسب فهمهم من الحالات فيجرى الاستصحاب ولو كان بحسب الدقة او ظاهر الدليل قيدا وان كان بحسب فهمهم من القيود فلا يجرى ولو كان بحسب الدقة او ظاهر الدليل من الحالات.

اذا تمهدت هذه فلنرجع الى ما افاده المصنف فى وجه الاندفاع وهو ان المتبع فى اتحاد القضيتين بحسب الموضوع والمحمول نظر العرف لا العقل ولا لسان الدليل وعليه يبتنى جواز استصحاب الحكم مع العلم بارتفاع بعض القيود المأخوذة فى لسان الدليل فى موضوع الحكم كما لو دل الدليل على نجاسة الماء المتغير كان يقول اذا تغير الماء صار نجسا فزال تغيره بنفسه فشك فى بقاء نجاسته فانه يصح استصحاب النجاسة لذات الماء بعد زوال التغير لعدم كون التغير مقوما للموضوع بنظرهم بل يكون بنظرهم من حالات الماء الموضوع للنجاسة فمع

٢٠