نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

ولا بعده ايضا لعدم القدرة على المكلف به فى موطن تحقق الشرط لاجل الغفلة الناشئة من ترك التعلم والفحص ، التجاء المحقق الاردبيلى وصاحب المدارك قدس‌سرهما بالوجوب النفسى التهيئى للتعلم واستحقاق العقوبة على ترك نفسه لا ما ادى اليه ترك الواجب فلا اشكال حينئذ فى المشروط والموقت وبه يسهل الامر حتى فى التكاليف المطلقة لو لم يكف الجواب السابق فيها ، ولا يخفى ان المراد من كونه واجبا نفسيا تهيئيا ليس كون مصلحته مجرد التوصل الى واجب آخر كحفظ الماء قبل الوقت لمن يعلم باعواز الماء بعده حتى يرد عليه بان الواجب التهيئى ما يجب مقدمة للخطاب بواجب آخر فالالتزام به لا يرفع الايراد ، كما اورد عليه المحقق الحكيم فى حقائقه قال فيه قد تقدم الاشكال عليه بان الواجب التهيئى ما يجب مقدمة للخطاب بواجب آخر كما سيأتى فى قبال الواجب الغيرى وهو ما يجب لكونه مقدمة لواجب آخر وحينئذ فالالتزام به لا يرفع الايراد لان المقصود من الواجب التهيئى هو الخطاب ليس مرادا بنفسه بل مقدمة لحصول الغرض منه فيكون الواجب التهيئى لذلك الغرض فاذا كانت غرضية الغرض منوطة بوجود الشرط او الوقت كيف يجب ما هو مقدمة له قبلهما كما هو ظاهر (انتهى) بل المراد منه ان تعلم مسائل الدين يوجب صفاء للنفس وضياء فى القلب تستعد لمزيد المعرفة بالله ويتمكن من اطاعة الاحكام بعد فعليتها فوجوب العلم يكون واجبا نفسيا مثل ساير الواجبات كالصلاة ونحوها ومشترك معها فى المصلحة الاولى غايته ان فيه زيادة ليست فيها وهو

٤٤١

التوصل الى اطاعة الاحكام الواقعية ومن ثم زيد عليه قيد التهيؤ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب العلم فريضة ... الخ اشارة الى المصلحة النفسية وقوله (ص) هلا تعلمت حتى تعمل اشارة الى المصلحة الغيرية ويكون المجموع داعيا على ايجاب التعلم فصح القول باستحقاق العقاب على ترك نفس التعلم وان كان الحكم الواقعى غير فعلى حين الالتفات ومغفولا عنه حين صيرورته فعليا وبهذا التوجيه لكلام صاحب المدارك وان كان قد ارتفع عنه الايراد المزبور إلّا انه انما يتم على الالتزام بكينونة المصلحتين فى التعلم ولو فى المسائل المبتلى بها وإلّا فعلى تقدير مقدميته للتوصل به الى الايجاب البعدى المعلوم كون الغرض منه هو التوصل به الى وجود المطلوب فى موطن حصول شرطه لا يتم هذا التوجيه لانه اذا كان مطلوبية المطلوب منوطة بوجود الشرط فى موطن الخارج كيف يعقل وجوب ما هو مقدمة له قبله مع ان تبعية المقدمة لوجوب ذيها من الواضحات فلا جرم يعود الاشكال.

ويسهل بذلك الامر فى غيرهما لو صعب على احد ولم تصدق كفاية الانتهاء الى الاختيار فى استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه وليس بالاختيار.

قد عرفت انه لا بد فى رفع الاشكال فى المشروط والموقت من الالتزام بكون التارك للتفقه والتعلم آثما بتركهما ولا يتم ذلك الا بكون

٤٤٢

وجوب التعلم واجبا نفسيا تهيئيا كما التجأ به صاحب المدارك تبعا لشيخه قدس‌سرهما وبه يرفع الاشكال عنهما ويسهل بذلك فى غيرهما من التكاليف المطلقة اذا لم يكف الجواب السابق من كون العقاب على المخالفة المغفول عنها ولم تصدق كفاية الانتهاء على الاختيار فى استحقاق العقوبة.

ولا يخفى انّه لا يكاد ينحلّ هذا الاشكال الّا بذاك او الالتزام بكون المشروط او الموقت مطلقا معلّقا.

حاصله انه لا يكاد ينحل هذا الاشكال اى اشكال استحقاق العقاب فى المشروط والموقت إلّا باحد الامرين اما بما التجاء اليه المحقق الاردبيلى وصاحب المدارك من وجوب التعلم نفسيا تهيئيا ليكون العقاب عليه لا على مخالفة الواقع ، واما بالالتزام بكون المشروط والموقت مطلقة معلقة وذلك بان يجعل الشرط والوقت قيدا للمادة والمأمور به لا من قيود الهيئة والامر وحينئذ يكون الوجوب فيهما حاليا من قبل الشرط والوقت ويترشح منه الوجوب الغيرى الى الفحص والتعلم وكان هو المصحح للعقاب اذا تركهما بسوء اختياره ولو كان الواقع مغفول عنه فى محله.

لكنّه قد اعتبر على نحو لا تتّصف مقدّماته الوجوديّة عقلا

٤٤٣

بالوجوب قبل الشّرط او الوقت غير التّعلّم فيكون الايجاب حاليّا وان كان الواجب استقباليّا قد اخذ على نحو لا يكاد يتّصف بالوجوب شرطه ولا غير التّعلم من مقدّماته قبل شرطه او وقته.

الواجب ان كان مشروطا بان يجعل الشرط والوقت قيدا للهيئة والامر كما هو مقتضى القواعد العربية فلا دعوة له بالنسبة الى مقدماته قبل تحقق شرطه سواء كان امرا اختياريا كالاستطاعة بالنسبة الى وجوب الحج او غير اختيارى كدلوك الشمس ، وان كان معلقا بان يجعل الوقت والشرط من قيود المادة والمأمور به فله دعوة بالنسبة اليها لو لم نفرضها مفروض الوجود فى وعائها اذا المفروض ان الوجوب حالى مطلق بالنسبة اليها وان كان الواجب استقباليا وهذا هو المسمى بالواجب المعلق وحينئذ ان كان الواجبات المشروطات والموقتات المعلقات فى الشريعة بمعنى انه قد اعتبرت على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية بالوجوب قبل حصول الشرط او دخول الوقت سوى التعلم فلا محالة تكون مطلقات لها دعوة بالنسبة الى المقدمة التى لم تؤخذ مفروض الوجود فيها اعنى التعلم وليس لها دعوة بالنسبة الى ساير المقدمات ولازمه كون التعلم واجبا قبل حصول الشرط ودخول الوقت فاذا اطلع المكلف على ذلك ولم يبادر الى المسألة ثم عرض الغفلة استحق عقوبة الواقع عند المخالفة لوضوح استنادها الى الاختيار.

٤٤٤

وامّا لو قيل بعدم الإيجاب الّا بعد الشّرط والوقت كما هو ظاهر الادلّة وفتاوى المشهور فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التّعلّم نفسيّا لتكون العقوبة لو قيل بها على تركه لا على ما ادّى اليه من المخالفة ولا بأس به كما لا يخفى.

قد عرفت انه على مسلك من ارجع المشروطات الى المعلقات كالشيخ (قده) يدفع الاشكال فى المشروطات والموقتات حيث ان فعلية وجوبها يستتبع قهرا ترشح الوجوب الغيرى نحو المقدمات الوجودية وبذلك يجب الفحص بوجوب غيرى واما على مسلك المشهور والقول بعدم الايجاب الا بعد الشرط والوقت كما هو ظاهر الادلة فلا محيص إلّا عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا لتكون العقوبة على تركه لا على ما ادى اليه من ترك الواجب ولا بأس به كما لا يخفى.

ولا ينافيه ما يظهر من الاخبار من كون وجوب التّعلّم انّما هو لغيره لا لنفسه حيث انّ وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريّا يترشّح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدّميّا بل للتّهيّؤ لايجابه فافهم.

قد عرفت انه لا محيص من الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا لو قيل بعدم الايجاب الا بعد الشرط والوقت ولا ينافيه ما يظهر من الاخبار

٤٤٥

من كون التعلم انما هو لغيره لا لنفسه كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هلا تعلمت حتى تعمل حيث ان وجوبه لغيره لا يوجب ان يكون واجبا غيريا حتى يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميا بل تعلم مسائل الدين يوجب صفاء للنفس وضياء فى القلب تستعد لمزيد المعرفة بالله ويتمكن من الاطاعة ولكن فيه زيادة ليس فيها وهو التوصل الى اطاعة الاحكام الواقعية ولذا زيد قيد التهيؤ فيجوز ان يكون نفسيا للتهيؤ لايجاب الغير.

واما الاحكام فلا اشكال فى وجوب الاعادة فى صورة المخالفة بل فى صورة الموافقة ايضا فى العبادة فيما لا يتأتى منه قصد القربة.

حاصله ان العبرة فى صحة عمل الجاهل وفساده فى المعاملات بمطابقة الواقع ومخالفته فلو اتى الجاهل قبل الفحص بعمل معاملى بما يطابق البراءة مثل لو اتى بالعقد بغير العربية بمقتضى البراءة من شرطية العربية فان انكشف مطابقة العمل للواقع يكون صحيحا مجزيا وان انكشف مخالفته للواقع يكون فاسدا غير مجز هذا فى المعاملات.

واما العبادات فالعبرة فى صحة عمله فيها هو مطابقة الواقع مع تمشى قصد القربة منه فلو اتى الجاهل قبل الفحص بعمل عبادى كذلك صح والابان خالف الواقع او وافق ولم يتمش منه قصد

٤٤٦

القربة لتردد العامل قبل الفحص وعدم جزمه باحد الطرفين بطل فلو اتى بالصلاة بدون السورة بمقتضى البراءة من جزئية السورة فان انكشف مطابقة العمل للواقع مع تمشى قصد القربة يكون صحيحا مجزيا وان انكشف مخالفته او انكشف موافقته مع عدم تمشى قصد القربة لتردده قبله يكون فاسدا غير مجز.

وذلك لعدم الاتيان بالمامور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء الا فى الاتمام فى موضع القصر او الاجهار او الاخفاف فى موضع الآخر فورد فى الصحيح وقد افتى به المشهور صحة الصلاة وتماميتها فى الموضعين مع الجهل مطلقا ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المامور بها لان ما اتى بها وان صحت وتمت إلّا انها ليست بمأمور بها.

قد عرفت آنفا دوران ثبوت الحكم واستحقاق العقوبة فى عمل ـ الجاهل المقصر التارك للفحص مدار المخالفة للواقع فى المعاملات بل فى صورة الموافقة ايضا فى العبادات فيما لا يتاتى منه قصد القربة وذلك لعدم الاتيان بالمامور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء الا فى الموضعين الجهر بالقراءة فى موضع الاخفات وبالعكس والاتمام فى فى موضع القصر فورد فى الصحيح وقد افتى به المشهور صحة الصلاة وتماميتها فى الموضعين مع الجهل مطلقا ففى صحيحة زرارة ومحمد

٤٤٧

بن مسلم قالا قلنا لابى جعفر عليه‌السلام فيمن صلى فى السفر اربعا أيعيد ام لا قال عليه‌السلام ان قرأت عليه آية التقصير وصلى اربعا اعاد وان لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه وفى بعض صحاح زرارة زيادة قوله عليه‌السلام وفسرت له عقيب قوله ان كانت قرأت عليه آية التقصير وفى صحيحة اخرى لزرارة ايضا قال قلت لابى جعفر عليه‌السلام رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغى ان يجهر فيه او اخفى فيما لا ينبغى الاخفاء فيه فقال عليه‌السلام ان فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الاعادة وان فعل ذلك ناسيا او ساهيا او لا يدرى فلا شيء عليه فقد تمت صلاته واما الاتمام فى موضع القصر فالاجزاء هو المشهور ولو كان الوقت باقيا بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وحكى عن الاسكافى والحلبى القول بانه بعيد فى الوقت لا فى خارجه وعن العمانى وجوب الاعادة قصرا فى الوقت والقضاء فى خارجه على وفق القاعدة الاولية واستدلوا للاجزاء بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لابى جعفر عليه‌السلام رجل صلى فى السفر اربعا أيعيد ام لا قال ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى اربعا اعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه.

ان قلت كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التى امر بها حتى فيما اذا تمكن فما امر بها كما هو ظاهر اطلاقاتهم بان علم بوجوب القصر او الجهر بعد الاتمام والاخفات وقد بقى

٤٤٨

من الوقت مقدار اعادتها قصرا او جهرا ضرورة انه لا تقصير هاهنا يوجب استحقاق العقوبة وبالجملة كيف يحكم بالصحة بدون الامر وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة لو لا الحكم شرعا بسقوطها وصحة ما اتى بها.

الاشكال هنا من وجهين الاول من جهة الحكم بالصحة مع عدم الامر بالمأتى به فى حال الجهل وكون المأمور به غير المأتى به وقد اشار المصنف الى هذه الجهة بقوله كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها ، الثانى من جهة استحقاق العقوبة على المخالفة فى حال الجهل عن تقصير مع التمكن من اداء المأمور به بان انكشف الخلاف فى الوقت وقد اشار الى هذه الجهة بقوله وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التى قد امر بها حتى فيما اذا تمكن مما امر بها كما هو ظاهر اطلاقاتهم حيث ان ظاهر اطلاقات الاصحاب ان من اتى بالاتمام مثلا فى موضوع القصر جهلا بالحكم يستحق العقاب مطلقا حتى فيما اذا تمكن من الاعادة فى الوقت بان علم بوجوب القصر او الجهر بعد الاتمام والاخفات وقد بقى من الوقت مقدار اعادة الصلاة قصرا او جهرا ضرورة انه لا تقصير هاهنا بوجوب استحقاق العقوبة مع حكم الشارع بكفاية المأتى به عن المأمور به.

قلت انما حكم بالصحة لاجل اشتمالها على مصلحة تامة

٤٤٩

لازمة الاستيفاء فى نفسها مهمّة فى حدّ ذاتها وان كانت دون مصلحة الجهر والقصر وانّما لم يؤمر بها لاجل انّه امر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النّحو الاكمل والاتمّ.

قد عرفت آنفا ان الاشكال هنا من وجهين الاول كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها ، والثانى كيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التى لم يأمر بها حتى فيما اذا تمكن مما امر بها واجاب المصنف عن الوجه الاول بان الحكم بالصحة انما يكون لاجل اشتمال الصلاة على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء فى نفسها مهمة فى حد ذاتها وان كانت دون مصلحة القصر او الجهر بحيث لا يبقى مع استيفاء هذا المقدار من المصلحة مجال لاستدرك بقية المصلحة اللازمة الفائتة فسقط الامر بالجهر والقصر وانما لم يأمر بها مع انها كذلك لاجل انه امر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الاكمل والاتم وهو القصر والجهر.

وامّا الحكم باستحقاق العقوبة مع التّمكن من الاعادة فانّها بلا فائدة اذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة الّتى كانت فى المأمور بها ولذا لو اتى بها فى موضع الأخر جهلا مع تمكّنه من التّعلّم فقد قصر ولو علم بعده وقد وسع الوقت.

٤٥٠

واما الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة ، فلاجل تفويت الواجب الواقعى بالاختيار مع الالتفات الى وجوب التعلم وان كان غافلا حين العمل والاعادة فى الوقت بلا فائدة اذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء الاكمل والاتم التى كانت فى المأمور بها وان كان متمكنا من اتيان مجرد الصلاة قصرا واخفاتا ولذا لو اتى بها فى موضع الآخر جهلا مع تمكنه من التعلم لا يعيد قصرا لو علم بعده وقد وسع الوقت.

ان قلت على هذا يكون كلّ منهما فى موضع الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا وما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.

حاصله انه على هذا الذى قد ذكر من ان مصلحة الواقع غير قابلة للاستيفاء والتدارك بعد الاتيان بالاتمام فى موضع القصر وكل من الجهر والاخفات فى موضع الآخر يكون كل منهما فى موضع الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا اذ لا مجال حينئذ لاستيفاء المصلحة التى هى فى المأمور به فيكون الاتمام فى موضع القصر جهلا وهكذا كل من الجهر والاخفات فى موضع الآخر كذلك سببا لتفويت الواجب وما هو سبب لتفويت الواجب كذلك اى فعلا حرام وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.

٤٥١

قلت ليس سببا لذلك غايته انّه يكون مضادّا له وقد حقّقناه فى محلّه انّ الضّدّ وعدم ضدّه متلازمان ليس بينهما توقّف اصلا.

حاصله ان كل منهما فى موضع الآخر ليس سببا لتفويت الواجب فعلا حتى يقال ان ما هو سبب لتفويت الواجب فعلا حرام وحرمة العبادة موجبة لفسادها غايته ان كل منهما المأتى به يكون مضادا للواجب الفائت وقد حققناه فى محله ان الضد وعدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف اصلا فعدم كل منهما فى عرض وجود الآخر لا تقدم له عليه كما ان وجود كل منهما فى عرض عدم الآخر فاذا وجب احد الضدين لم يحرم ترك الآخر مقدمة له كى يحرم فعله ويفسد اذا كان عبادة كما انه اذا وجب ترك احد الضدين لم يجب فعل الآخر مقدمة له وبالجملة فوت واجب الفعلى ليس مستندا اليه بل يكون فوته كوجود المأتى به فى هذه الصورة كسائر الصور مستندا الى تقصيره فلا يقع المأتى به الا محبوبا لما عرفت من انه مشتملة على المصلحة التامة فى حد ذاتها ولو انكشف الحال.

لا يقال على هذا فلو صلّى تماما او صلّى اخفاتا فى موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبها فى موضعهما لكانت صلاته صحيحة وان عوقب على مخالفة الامر بالقصر او الجهر.

٤٥٢

حاصله انه بناء على ما ذكر من كون المأتى به محبوبا لاشتماله على المصلحة التامة لازمة الاستيفاء فى نفسها مهمة فى حد ذاتها بحيث لا يبقى مجال لاستيفاء الواجب مع استيفائها فلو صلى تماما او صلى اخفاتا فى موضع القصر والجهر عالما عامدا كانت صلاته صحيحة وان استحق العقاب على مخالفة الواجب اى الامر بالقصر او الجهر.

فانّه يقال لا بأس بالقول به لو دلّ دليل على انّها تكون مشتملة على المصلحة ولو مع العلم لاحتمال اختصاص ان يكون كذلك فى صورة الجهل ولا بعد اصلا فى اختلاف الحال فيها باختلاف حالتى العلم بوجوب شىء والجهل به كما لا يخفى.

حاصله انه لا باس بالقول به لو دل دليل على ان الصلاة المأتى بها تكون مشتملة على المصلحة ولو مع العلم بالمأمور به الواقعى غير انه لا دليل على اشتمالها على المصلحة ولو مع العلم بالمأمور به الواقعى لاحتمال اختصاص ان يكون كذلك اى مشتملا على المصلحة التامة فى حد نفسه فى صورة الجهل بالمأمور به الواقعى ولا بعد اصلا فى اختلاف الحال فى الصلاة المأتى بها باختلاف حالتى العلم بوجوب شىء بالقصر مثلا والجهل به كما لا يخفى.

وقد صار بعض الفحول بصدد بيان امكان كون المأتيّ

٤٥٣

فى غير موضعه مأمورا به بنحو التّرتّب وقد حقّقناه فى مبحث الضدّ امتناع الأمر بالضّدّين مطلقا ولو بنحو التّرتّب بما لا مزيد عليه وفلا نعيد.

حاصله ان بعض الفحول وهو كاشف الغطاء قد تصدى لدفع غائلة الاشكال بان المأتى به يكون مأمور بنحو الترتب يعنى بان التكليف بالاتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر فقد كلفه بالقصر والاتمام والاتمام على تقدير معصيته فى التكليف بالقصر فالواقع مأمور به مطلقا والاتمام مأمور على تقدير معصية القصر ولو جهلا ولكنه مدفوع بما ذكرناه سابقا فى بحث الضد من امتناع الامر بالضدين مطلقا ولو بنحو الترتب مع ان ملاك الترتب مفقود هاهنا ولو قلنا بالترتب هناك لانه يعتبر فى الترتب عدم التنافى فى ملاك الواجبين وامكان استيفاء المصلحتين ويكون المانع من تعلق الامر بكليهما هو عدم القدرة على الجمع بين المتعلقين وليس كذلك هاهنا حيث ان المصحح للترتب هو تعليق الامر بالتمام على عصيان القصر والمفروض تمكن المكلف من الاعادة فى الوقت

شروط البراءة

ثمّ انّه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران ، احدهما ان

٤٥٤

لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعىّ من جهة اخرى ، ثانيهما ان لا يكون موجبا للضرر على آخر.

ثم انه ذكر لاصل البراءة شرطان آخران ، احدهما ان لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعى من جهة اخرى مثل ان يقال فى احد الإناءين المشتبهين الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه فانه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر او عدم بلوغ الملاقى للنجاسة كرا او عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقات النجاسة فان اعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الاناء الآخر او الملاقى او الماء.

ثانيهما ان لا يكون موجبا للضرر على آخر مثل ما لو فتح انسان قفس طائر فطار او حبس شاتا فمات ولدها او امسك رجلا فهرب دابته فان اعمال البراءة فيها يوجب تضرر المالك وهذان الشرطان للبراءة قد ذكرهما الفاضل التونى للبراءة ولكن المصنف لا يرضى بهما وقد اشار الى ردهما بقوله :

ولا يخفى انّ اصالة البراءة عقلا ونقلا فى الشّبهة البدويّة بعد الفحص لا محالة تكون جارية وعدم استحقاق العقوبة الثّابت بالبراءة العقليّة والاباحة او رفع التّكليف الثّابت بالبراءة النقليّة لو كان موضوعا لحكم شرعىّ او ملازما له فلا محيص عن ترتّبه عليه بعد احرازه فان لم يكن مترتّبا عليه بل على نفى التّكليف واقعا فهى

٤٥٥

وان كانت جارية الّا انّ ذاك الحكم لا يترتّب لعدم ثبوت ما يترتّب عليه بها وهذا ليس بالاشتراط

حاصله ان الحكم الآخر ان كان مترتبا شرعا على ما ثبت بالاصل وهو عدم استحقاق العقوبة فى البراءة العقلية والاباحة وعدم التكليف فى البراءة الشرعية وكان عدم استحقاق العقوبة والاباحة وعدم التكليف موضوعا اى ملزوما او ملازما له فلا محيص عن ترتب الحكم عليه بعد احرازه لان العلم بالملزوم يوجب العلم باللازم وكذا العلم بالملازم يوجب العلم بملازمه فكيف عد عدم ذلك من شرائطه وان لم يكن الحكم مترتبا شرعا على ما ثبت بالاصل بل كان مترتبا او ملازما لنفى التكليف واقعا فاصالة البراءة وان كانت جارية إلّا ان ذلك الحكم لا يترتب لعدم ثبوت ما يترتب عليه باصالة البراءة وهذا ليس بالاشتراط بل من باب انتفاء موضوع الحكم كما لا يخفى.

وامّا اعتبار ان لا يكون موجبا للضّرر فكلّ مقام تعمّه قاعدة نفى الضّرر وان لم يكن مجال فيه لاصالة البراءة كما هو حالها مع سائر القواعد الثّابتة بالادلّة الاجتهاديّة الّا انّه حقيقة لا يبقى لها مورد بداهة انّ الدّليل الاجتهادى يكون بيانا وموجبا للعلم بالتّكليف ولو ظاهرا فان كان المراد من الاشتراط ذلك فلا بدّ من اشتراط ان لا يكون على خلافها دليل اجتهادىّ لا خصوص قاعدة

٤٥٦

الضّرر فتدبّر والحمد لله على كلّ حال.

تعرض الى رد الشرط الثانى ، وهو اعتباران لا يكون موجبا للضرر حاصل الرد ان كل مقام تعمه قاعدة نفى الضرر لم يكن مجال فيه لاصالة البراءة كما هو حال القاعدة مع سائر القواعد الثابتة بالادلة الاجتهادية كقاعدة من اتلف وقاعدة اليد ونحوهما وتكون مقدما على البراءة لا من جهة ان عدم القاعدة شرط فى جريانها بل من جهة انه لا يبقى للبراءة مورد حقيقة مع جريان القاعدة بداهة ان البراءة انما تجرى مع عدم البيان والدليل الاجتهادى يكون بيانا وموجبا للعلم بالتكليف ولو ظاهرا وحينئذ ان كان المراد من الاشتراط ذلك فلا بد من اشتراط ان لا يكون على خلاف البراءة دليل اجتهادى لا خصوص قاعدة الضرر فتدبر والحمد الله على كل حال.

قاعدة الضّرر

ثمّ انّه لا بأس بصرف الكلام الى بيان قاعدة الضّرر والضّرار على نحو الاقتصار وتوضيح مدركها وشرح مفادها وايضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للاحكام الثّابتة للموضوعات بعناوينها

٤٥٧

الاوليّة او الثّانويّة وان كانت اجنبيّة عن مقاصد الرّسالة اجابة لالتماس بعض الاحبّة فاقول وبه استعين.

واذا انتهى الكلام الى اشتراط البراءة بان لا يكون موجبا للضرر على آخر فلا بأس بصرف الكلام الى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاختصار والايجاز وتوضيح مدركها وشرح مفادها وايضا نسبتها مع الادلة المثبتة للاحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الاولية كادلة الصلاة والصوم ونحوهما او الثانوية كادلة نفى العسر والحرج ونحوها وان كانت القاعدة اجنبية عن مقاصد الرسالة اذ المقصود بيان المسائل الاصولية وهى قاعدة فقهية وانما نذكرها اجابة لالتماس بعض الاحبة فاقول وبه استعين.

انّه قد استدلّ عليها باخبار كثيرة منها موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام انّ سمرة بن جندب كان له غدق فى حائط الرّجل من الأنصار وكان منزل الانصارى بباب البستان وكان سمرة يمرّ الى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الانصارى ان يستأذن اذا جاء فابى سمرة فجاء الأنصارى الى النّبىّ (ص) فشكى اليه واخبره بالخبر فارسل رسول الله (ص) واخبره بقول الانصارى وما شكاه فقال اذا اردت الدّخول فاستأذن فابى فلما ابى ساومه حتّى بلغ من الثّمن ما شاء الله فابى ان يبيعه فقال لك بها غدق فى الجنّة فابى ان يقبل

٤٥٨

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للانصارى اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانّه لا ضرر ولا ضرار وفى رواية الحداء عن ابى جعفر عليه‌السلام مثل ذلك الّا انّه فيها بعد الإباء اراك يا سمرة الّا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه الى غير ذلك من الرّوايات الواردة فى قصة سمرة وغيرها وهى كثيرة.

قد استدل على القاعدة باخبار كثيرة ، منها موثقة زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام ان سمرة بن جندب كان له غدق فى حائط الرجل من الانصار وكان منزل الانصارى بباب البستان وكان سمرة يمر الى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصارى ان يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الانصارى الى النبى (ص) فشكى اليه واخبره الخبر فارسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخبره بقول الانصارى وما شكاه فقال اذا اردت الدخول فاستأذن فابى فلما ابى ساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فابى ان يبيعه فقال لك بها غدق فى الجنة فابى ان يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للانصارى اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار.

وفى رواية الحداء عن ابى جعفر عليه‌السلام مثل ذلك إلّا انه فيها بعد الإباء ما اراك يا سمرة الا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها الى غير ذلك من الروايات الواردة فى قصة سمرة وغيرهما وقد نقلها العلامة الفحامة مفصلا فى كتابه الموسوم (بالرسائل) حتى تبلغ اثنى عشر حديثا وقال بعد ذلك هذه جملة ما عثرنا عليه من الروايات المربوطة بالمقام وقد

٤٥٩

نقل عن الفخر فى الايضاح دعوى تواتر حديث نفى الضرر والضرار (انتهى).

وقد ادّعى تواترها مع اختلافها لفظا وموردا فليكن المراد به تواترها اجمالا بمعنى القطع بصدور بعضها والانصاف انّه ليس فى دعوى التّواتر كذلك جزاف وهذا مع استناد المشهور اليها موجب لكمال الوثوق بها وانجبار ضعفها مع انّ بعضها موثقة فلا مجال للاشكال فيها من جهة سندها كما لا يخفى.

قد ادعى فخر الدين فى الايضاح فى باب الرهن تواتر الاخبار على نفى الضرر والضرار على ما حكى عنه الشيخ (ره) فى الوسائل مع اختلافها لفظا وموردا فليكن المراد بالتواتر المدعى فى المقام هو التواتر الاجمالى بمعنى القطع بصدور بعضها لا اللفظى ولا المعنوى اما اللفظى فلا سبيل له لان الملاك فيه الاتفاق اللفظى او الاختلاف مع ترادف المفهوم وهو منتف فى المقام واما المعنوى فقد تقدم فى مبحث الخبر الواحد انه يشترط فى التواتر المعنوى كون القدر المشترك او اللازم محسوسا بنفسه او بطريقه كالكون فى الكوفة فى التواتر التضمنى والشجاعة المدركة من طريق الحس فى التواتر الالتزامى فاذا كان الجامع انتزاعى غير مدرك بالحس ولو بطريقه لم يكن التواتر معنويا فضلا عن كونه لفظيا لكنه يمكن حصول القطع اجمالا لصدق تلك الاخبار فى واحد معين منها بان

٤٦٠