نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

او سهوا وان استقلّ العقل لو لا النّقل بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال.

علة لقوله ظهر مما مر حال زيادة الجزء ... الخ حاصله ان اخذ العدم شرطا او شطرا فى الواجب كاخذ الوجود شرطا او شطرا فى الواجب وكما ان المرجع فى الثانى الى اصالة الاشتغال عقلا والبراءة شرعا بمعونة حديث الرفع كذلك الاول ، وعليه يترتب صحة الماتى به مشتملا على الزيادة وعدم لزوم الاحتياط بتركها سواء كان فعلها عن عمد تشريعا بان جاء بالزيادة بعنوان العبادة كما لو كان الواجب عبادة او جهلا باعتقاد كون الزيادة واجبة فلا تشريع حينئذ سواء كان الجهل عن قصور او تقصير.

اذ لازم عدم اعتبار عدم الزيادة فى المركب الشرعى بحكم حديث الرفع عدم المانع فى مقام الامتثال اذ الصحة عبارة من مطابقة المأتى به للمأمور به ولو ظاهرا والمفروض انطباق المأمور به بالامر الظاهرى على المأتى به فى الصور الاربع وكان التشريع اثما قلبيا والتقصير مستتبع لعقوبة الواقع ولا يوجبان البطلان فى مقام الامتثال لعدم كون المأتى به منهيا عنه بهما فيكون المأمور به منطبقا على المأتى به.

نعم لو كان عبادة واتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزّائد دخل فيه لما يدعو اليه وجوبه لكان باطلا مطلقا او فى صورة

٤٠١

عدم دخله فيه.

حاصله انه لو اتى الجاهل بالمأتى به المشتمل على السورة الزائدة كذلك اى بقصد جزئية الزائد على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو اليه ولما يحركه وجوبه لكان باطلا مطلقا يعنى حتى فى صورة دخله واقعا او فى صورة عدم دخله اى دخل الزائد فى المأتى به الواقعى وذلك لعدم كون الامر الواقعى على ما هو عليه داعيا للمكلف الى الفعل.

لعدم قصور الامتثال فى هذه الصّورة.

حاصله انه لا وجه للبطلان فى صورة دخله فيه لتحقق داعوية الامر الواقعى حينئذ وعدم قصور الامتثال فى هذه الصورة.

مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال.

هذا حكم ما اذا لم يعلم الدخل واقعا كى يكون صحيحا ولا عدمه كى يكون باطلا وبقاء الاشتباه على حاله فاذا لم يعلم الدخل ولا عدمه استقل العقل بلزوم الاعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال.

٤٠٢

وامّا لو اتى به على نحو يدعوه اليه على اىّ حال كان صحيحا ولو كان مشرعا فى دخله الزّائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله فانّ تشريعه فى تطبيق المأتيّ مع المأمور به وهو لا ينافى قصده الامتثال والتّقرّب به على كلّ حال.

قد عرفت آنفا ان البطلان انما يتم فى الواجب العبادى الذى اتى به على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما كان له داع ومحرك اليه لانه حينئذ يصدق عليه انه لم يقصد الامتثال واما لو اتى به على نحو يدعوه اليه على اى حال يعنى لم يكن داعوية الامر مشروطة بدخل الزيادة فى الموضوع بل كانت فى جميع الاحوال كان صحيحا فلا وجه للبطلان ولو كان مشرعا فى دخله الزائد فى الواجب بنحو ، حيث لم يعلم بدخله وبنى على دخله فان تشريعه فى تطبيق المأتى مع المأمور به وهو لا ينافى قصده الامتثال والتقرب به على كل حال لان الزيادة بنفسها ليست بمانعة ومجرد اعتقاد الجزئية لا ينافى القربة وقصده الامتثال ولا يعتبر فى صحة العبادة ازيد من اتيان المأمور به بداعى التقرب والامتثال.

ثمّ انّه ربما تمسّك لصحّة ما اتى به مع الزّيادة باستصحاب الصّحة وهو لا يخلو من كلام ونقض وابرام خارج عمّا هو المهم فى المقام ويأتى تحقيقه فى مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

٤٠٣

لا يخفى ان المصنف قد علق انجاز وعده بمشية الله تعالى بقوله إن شاء الله تعالى ولم يتعلق مشية الله تعالى بذلك.

فى تعذر الجزء او الشرط

الرّابع انّه لو علم بجزئيّة شىء او شرطيّته فى الجملة ودار الأمر بين ان يكون جزء او شرطا مطلقا ولو فى حال العجز عنه وبين ان يكون جزءا وشرطا فى خصوص حال التمكن منه فيسقط الامر بالعجز عنه على الاوّل لعدم القدرة (ح) على المأمور به لا على الثّانى فيبقى معلّقا بالباقى.

فيه جهات من الكلام الاولى فيما يقتضيه الاصل الاولى المستفاد من دليل الامر بالمركب او المقيد لو كان لواحد منهما اطلاق ، الثانية فيما يقتضيه الاصل العملى على تقدير فقد الدليل الاجتهادى ، الثالثة فيما يقتضيه الاصل الثانوى الذى يستفاد من قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور ونحوه والمصنف قد تكلم فى تلك الجهات كلها واشار الى الجهة الاولى بقوله لو علم بجزئية شىء او شرطيته فى الجملة ودار الامر بين ان يكون جزء او شرطا مطلقا ولو فى حال العجز

٤٠٤

عنه وبين ان يكون جزءا او شرطا فى خصوص حال التمكن فيسقط الامر بالعجز عنه على الاول اذ لو كان جزء او شرطا فى نفس الماهية مطلقا ولو فى حال التعذر لسقط الامر بها فى حال العجز عنه لعدم القدرة حينئذ على اتيان المأمور به بتمامه لمكان عدم القدرة على الجزء او الشرط فلا تجب الصلاة على فاقد الطهورين مثلا لو لا قيام دليل آخر على الوجوب فى هذا الحال.

والدليل على ما يعين هذه الصورة الاولى اطلاق دليل الجزء او الشرط كقوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب وقوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور فان قضية كونه جزءا او شرطا مطلقا حتى فى حال التعذر سقوط الامر بالباقى عند تعذر واحد من الجزء والشرط ولا يسقط الامر على الثانى اذ الامر يبقى متعلقا بالباقى ما عدى الجزء المتعذر او الشرط المتعذر والدليل على ما يعين ذلك اطلاق دليل المأمور به بناء على القول بالاعم فان قضية اطلاق وجوب الباقى عند تعذر ذلك الجزء او الشرط كون الباقى واجبا فتجب الصلاة على الفاقد الطهورين مثلا.

ولم يكن هناك ما يعيّن احد الامرين من اطلاق دليل اعتباره جزء او شرطا او اطلاق دليل المأمور به مع اجمال دليل اعتباره او اهماله لاستقلّ العقل بالبراءة عن الباقى فانّ العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان.

٤٠٥

قد عرفت آنفا ان ما يقتضيه الاصل الاولى المستفاد من دليل الجزء او الشرط او من دليل الامر بالمركب او المقيد لو كان لواحد منهما اطلاق مثل ان يكون لدليل الجزء او الشرط اطلاق يشمل حالتى القدرة والعجز جميعا تعين كون الجزء او الشرط المتعذر جزء او شرطا مطلقا ولو فى حال التعذر فيسقط الامر بالكل لعدم القدرة على اتيان المأمور به او لم يكن لدليل الجزء او الشرط اطلاق ولكن كان لدليل المأمور به كالصلاة اطلاق مثل ما لو كان دليل اعتبار الجزء والشرط دليلا لفظيا مجملا او لبيا مهملا كالاجماع.

فحينئذ يتمسك باطلاق دليل المأمور به فيثبت به وجوب الباقى فان الامر يبقى متعلقا بالباقى ما عدى الجزء المتعذر واما اذا لم يكن هناك ما يعين احد الامرين ولم يكن لدليل اعتبار الجزء او الشرط اطلاق حتى يكون قضيته عدم لزوم اتيان الباقى بمقتضى الدليل الاجتهادى ولم يكن اطلاق للامر النفسى بالنسبة الى الباقى حتى يكون قضيته لزوم اتيان الباقى عند تعذر الجزء او الشرط فلا جرم كان المرجع هو الاصل العملى لاجل كون الشك فى وجوب الباقى شكا بدويا كان المحكم هو البراءة عنه لان العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال نعم ولكن قضيّة مثل حديث الرّفع عدم الجزئيّة او الشرطيّة الّا فى حال التّمكن منه.

٤٠٦

حاصل الاشكال ان العقل وان استقل بالبراءة عن وجوب الباقى إلّا ان قضية مثل حديث الرفع هو عدم الجزئية او الشرطية الا فى حال التمكن منه بداهة ان الشك فى وجوب الباقى مسبب عن الشك فى جزئية الجزء او الشرط المتعذر ولا ريب ان مثل حديث الرفع الدال على رفع ما اضطروا اليه دال على رفع الجزئية والشرطية فى هذا الحال فاذا دل على رفعهما فى هذا الحال دل على وجوب المقدور فيه فيجب الباقى.

فانّه يقال انّه لا مجال هاهنا لمثله بداهة انّه ورد فى مقام الامتنان فيختصّ بما يوجب نفى التّكليف لا اثباته.

حاصله ان قضية رفع المتعذر كذلك ثبوت الوجوب فى حال العجز بالنسبة الى الباقى لان الموجب لسقوط التكليف عن الباقى انما هو كون المتعذر معتبرا مطلقا حتى فى حال التعذر وبعد ارتفاع اعتباره بالحديث فى حال التعذر خاصة يلزم ثبوت الوجوب على الباقى ومن المعلوم ان الوضع كذلك مناف لمقام المنة على الامة الحاصلة برفع الكلفة عنهم لا بوضعها عليهم اللهم إلّا ان يقال ان اجراء الحديث فى مثل المقام ممتنع ولو لم يكن امتنانيا كما نبه عليه المحقق الحكيم.

قال قدس‌سره فى شرحه على الكتاب (ما لفظه) هذا ولكن عرفت امتناع اجراء الحديث فى نظائر المقام ولو لم يكن امتنانيا لان رفع الجزئية والشرطية المشكوكة لا يقتضى بنفسه ثبوت الباقى لان الحديث

٤٠٧

مسوق للرفع وليس فيه شأنية الاثبات مع ان رفع التكليف فيه لا معنى له لارتفاعه عقلا بالتعذر ورفع مباديه مثل الدخل فى الغرض غير ممكن لانها لا تقبل الوضع والرفع التشريعيين بعد ما كانت واقعية ناشئة من مقتضياتها الذاتية (انتهى).

نعم ربما يقال بانّ قضيّة الاستصحاب فى بعض الصّور وجوب الباقى فى حال التّعذر ايضا ولكنّه لا يكاد يصحّ الّا بناء على صحّة القسم الثّالث من استصحاب الكلّى.

استدراك على قوله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقى ، فان حكم العقل بالبراءة عن الباقى انما يكون اذا لم يكن حجة على وجوبه فى حال التعذر اى تعذر الشرط والجزء واستصحاب وجوب الباقى فى بعض الصور حجة على وجوبه فهو مقدم على البراءة والمراد به هو استصحاب كلى الوجوب القائم بالباقى الجامع بين الوجوب النفسى والغيرى فان الباقى فى ظرف امكان التام واجب لغيره وبعد تعذره يحتمل وجوبه لنفسه فيستصحب كلى الوجوب.

واورد المصنف عليه بانه من القسم الثالث من استصحاب الكلى حيث ان المتيقن من وجود الكلى كان فى ضمن فرد معلوم الزوال والمشكوك فى ضمن فرد مشكوك الحدوث وهذا لا يكاد يصح إلّا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلى وسيمر عليك الاشكال فى

٤٠٨

محله ولا يخفى ان مراد المصنف من بعض الصور فى العبارة هو صورة كون المكلف مسبوقا بالقدرة على المجموع وبقاء عدة من الاجزاء التى يصدق الموضوع عرفا مع بقائها.

او على المسامحة فى تعيين الموضوع فى الاستصحاب وكان ما تعذّر ممّا يسامح به عرفا بحيث يصدق مع تعذّره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقى وارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه ويأتى تحقيق الكلام فيه فى غير المقام

هذا مذكور فى كلام الشيخ (ره) قال العرف يطلقون على من عجز عن السورة بعد قدرته عليها ان الصلاة كانت واجبة عليه حال القدرة على السورة ولا يعلم بقاء وجوبها بعد العجز عنها ولو لم يكف هذا المقدار فى الاستصحاب لاختل جريانه فى كثير من الاستصحابات مثل استصحاب كثرة الماء وقلته فان الموضوع اعم من الماء المتفاوت قلة او كثرة مسامحة فى مدخلية الجزء الزائد او الناقص فى المشار اليه انتهى كلامه ملخصا على ما حكى عنه واورد عليه المصنف بانه موقوف على المسامحة فى تعيين الموضوع فى الاستصحاب وكان ما تعذر مما يسامح به عرفا بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقى وارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه ويأتى تحقيق الكلام فيه فى غير المقام.

٤٠٩

فى قاعدة الميسور

كما انّ وجوب الباقى فى الجملة ربّما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله (ص) اذا امرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وقوله الميسور لا يسقط بالمعسور وقوله ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

اشارة الى الجهة الثالثة من الجهات التى قد تكلم المصنف عنها فى هذا المبحث وهى ما يقتضيه الاصل الثانوى الذى يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا امرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعم وقوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور وقوله عليه‌السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله ، حاصله ان مقتضى القاعدة فى تعذر الجزء او الشرط وان كان هو البراءة عن الباقى إلّا ان مقتضى قاعدة الميسور المستفاد من النبوى والعلويين هو وجوب الباقى فى الجملة اى فيما عدى الفاقد للجزء او الشرط ميسورا للواجد بحيث يصدق انه ميسور له.

قال شيخنا الاعظم (اعلى الله مقامه الشريف) ويدل على المطلب اى على وجوب الباقى النبوى والعلويان المرويان فى غوالى اللئالى (فعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا امرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم) وعن على عليه‌السلام الميسور

٤١٠

لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله ، ثم قال وضعف اسنادها مجبور باشتهار التمسك بها بين الاصحاب فى ابواب العبادات كما لا يخفى على المتتبع (الى ان قال) ولذا شاع بين العلماء بل بين جميع الناس الاستدلال بها فى المطالب حتى انه يعرفه العوام بل النسوان والاطفال (انتهى).

ودلالة الاوّل مبنيّة على كون كلمة من تبعيضيّة لا بيانيّة ولا بمعنى الباء.

لا يخفى ان الاستدلال بالاول يعنى بالنبوى (اذا امرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم مبنى على كون كلمة من تبعيضية كما ادعى انها حقيقة فيه ولا اقل من كونها ظاهرة فيه وكون كلمة ما موصولة فاذن يكون مفاده وجوب الاتيان بالمقدور ، لا بيانية اذ من المحتمل ان يكون من بيانية اى لكلمة الشىء وما مصدرية ايضا وحينئذ كان معنى الرواية فأتوا ذلك الشىء ما دمتم تستطيعون وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية اجنبية عن قاعدة الميسور ولا بمعنى الباء وتكون كلمة ما فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما استطعتم مصدرية فاذن كان معناه فأتوا به ما دمتم تستطيعون وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية ايضا اجنبية عن قاعدة الميسور.

وظهورها فى التّبعيض وان كان ممّا لا يكاد يخفى الّا انّ

٤١١

كونه بحسب الأجزاء غير واضح لأحتمال ان يكون بلحاظ الأفراد.

وظهور كلمة من فى التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى إلّا ان كونه بحسب الاجزاء غير واضح اذ من المحتمل ان يكون للتبعيض بحسب الافراد لا الاجزاء كقوله تعالى (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) فان المراد بعض افرادها والاستعمال فى التبعيض بحسب الافراد كثير فى الآيات والروايات والمحاورات واضاف اليه المحقق السلطان فى شرحه على الكتاب بان لازم التبعيض بلحاظ الاجزاء اخراج كثير من الموارد التى حكى الاجماع على خروجها عن الرواية.

مع ان سياق هذه الرواية آب عن اصل التخصيص فضلا عن كثرته كما اذا كان المكلف قادرا على اتيان بعض الفاتحة او السورة او بعض ذكر الركوع الواجب او السجود او التشهد او السلام الواجب وعلى غسل بعض الوجه او اليدين او بعض المسح فى باب الوضوء او كان قادرا على اتيان عدد ناقص من ركعات الصلوات الواجبة.

وهكذا بالنسبة الى الحج ونحوهما من الواجبات الشرعية وان هذا كله خلاف الاجماع (الى ان قال) فقد ظهر من جميع ما ذكرنا وبقرينة ما فى ذيل الرواية ان المتعين حمل من فيها على التبعيض بلحاظ الافراد وحمل الامر فيها على الإرشاد والغرض الحث على الاهتمام باتيان افراد المأمور به بمقدار الاستطاعة والقدرة والكف عن كثرة السؤال التى بها

٤١٢

هلك من كان قبل هذه الامة من الامم وكذا النهى محمول على الارشاد كما لا يخفى (انتهى).

ولو سلّم فلا محيص عن انّه هاهنا بهذا اللحاظ يراد حيث ورد جوابا عن السّؤال عن تكرار الحجّ بعد امره به فقد روى انّه خطب رسول الله (ص) فقال انّ الله كتب عليكم الحجّ فقام عكاشة ويروى سراقة بن مالك فقال فى كلّ عام يا رسول الله فاعرض عنه حتّى اعاد مرتين او ثلاثا فقال ويحك وما يؤمنك ان اقول.

نعم والله لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتر كونى ما تركتم وانّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم الى انبيائهم فاذا امرتكم بشىء فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه.

ولو سلم ظهور كلمة من فى التبعيض بحسب الاجزاء فلا محيص عن انه فى هذا الحديث بلحاظ الافراد لا بلحاظ الاجزاء حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (قال فى الفصول فى بحث المرة والتكرار على ما حكى عنه فى العناية روى انه خطب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال ان الله كتب عليكم الحج فقام عكاشة ويروى سراقة بن مالك فقال فى كل عام يا رسول الله فاعرض عنه حتى اعاد مرتين او ثلاثا فقال ويحك وما يؤمنك ان اقول نعم والله لو قلت نعم لوجب و

٤١٣

لو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركونى ما تركتم وانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم الى انبيائهم فاذا امرتكم بشىء فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه.

ومن ذلك ظهر الأشكال فى دلالة الثّانى ايضا حيث لم يظهر فى عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها لأحتمال ارادة عدم سقوط الميسور من افراد العام بالمعسور منها.

ومما ذكرنا فى النبوى ظهر الاشكال فى دلالة الثانى وهو الميسور لا يسقط بالمعسور حيث لم يظهر ان المراد من عدم سقوط الميسور بالمعسور هل هو عدم سقوط الميسور من اجزاء المركب بمعسورها او عدم سقوط الميسور من افراد العام بمعسورها فالاستدلال بحديث الميسور لا يسقط بالمعسور يتوقف على ظهوره فى الميسور من الاجزاء او فى الاعم منه ومن الميسور فى الافراد ولو فرض كونه ظاهرا فى خصوص الافراد او مجملا بين المعانى الثلاثة فلا يتم الاستدلال به والانصاف ان انكار ظهور الكلام فى الاعم من الاجزاء والافراد فى غير محله مع ان الموصول فى الميسور وهو الالف واللام عام يشمل كل من اجزاء المركب وافراد العام جميعا.

وتوهم ان عدم سقوط التكليف عن الباقى الميسور فرع ثبوته له سابقا ومن المعلوم ان التكليف لم يكن سابقا الا بالمشتمل على الجزء المتعذر لا بالباقى كى لا يسقط بتعذر ذاك الجزء ، مدفوع بانه يكفى فى

٤١٤

صدق الثبوت وعدم السقوط ثبوت الحكم الغيرى بالباقى سابقا.

هذا مضافا الى عدم دلالته على عدم السّقوط لزوما لعدم اختصاصه بالواجب.

حاصله ان قوله عليه‌السلام الميسور ولا يسقط بالمعسور مما لا يدل على عدم السقوط لزوما لعمومه للواجب والمستحب وعليه فليست الرواية سندا لثبوت الوجوب للميسور.

ولا مجال معه لتوهّم دلالته على انّه بنحو اللزوم الّا ان يكون المراد عدم سقوطه بماله من الحكم وجوبا كان او ندبا بسبب سقوطه عن المعسور بان يكون قضيّة الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه حيث انّ الظّاهر من مثله هو ذلك كما انّ الظّاهر من مثل لا ضرر ولا ضرار هو نفى ما له من تكليف او وضع.

حاصله انه لا مجال مع عدم اختصاصه بالواجب لتوهم دلالة الحديث على عدم السقوط بنحو اللزوم إلّا ان يكون المراد من عدم سقوط الميسور ليس عدم سقوطه بماله من الحكم لضرورة ان المراد بعدم سقوط الميسور ليس عدم سقوط ذاته بل المراد عدم سقوطه بماله من الحكم وجوبا كان او استحبابا فعدم سقوطه كناية عن ثبوت حكمه وهذا يختلف

٤١٥

باختلاف الموارد وجوبا او استحبابا فلا يلزم من عمومه للمستحب عدم دلالته على عدم السقوط لزوما كما ان الظاهر من مثل لا ضرر ولا ضرار هو نفى ما للضرر من الحكم تكليفيا كان او وضعيا.

لا انّها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلّف كى لا يكون له دلالة على جريان القاعدة فى المستحبّات على وجه او لا يكون له دلالة على وجوب الميسور فى الواجبات على آخر فافهم.

قد عرفت ان قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه لا انها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف كى لا يكون له دلالة على جريان القاعدة فى المستحبات على وجه اى على وجه المستفاد من عبارة الشيخ (ره) بناء على كون المراد هو الثبوت فى الذمة والعهدة.

اذ لازم البقاء على الذمة خروج المستحبات عن تحت الرواية اذ لا عهدة فيها على ذمة المكلف هذا هو الوجه فى اختصاص الرواية بالواجبات او لا يكون له دلالة على وجوب الميسور فى الواجبات على وجه آخر وهو ان يكون الرواية حكاية عن عدم سقوط نفس الميسور بداعى انشاء طلب الميسور حيث ان عدم السقوط ليس فعلا للمكلف فلا يصح ان يتعلق الانشاء به كى يكون ظاهر الجملة الخبرية هو افادة الوجوب ولازم ذلك كون الطلب اعم عن الطلب الندبى اذ ليس فى الرواية مادة الامر ولا صيغته

٤١٦

ولا جملة خبرية متعلقة بنفس الميسور فليست الرواية سندا لثبوت الوجوب للميسور هذا هو الوجه فى شمول الرواية للمستحبات.

وامّا الثّالث فبعد تسليم ظهور كون الكل فى المجموعى لا الأفرادى لا دلالة له الّا على رجحان الإتيان بباقى الفعل المأمور به واجبا كان او مستحبّا عند تعذّر بعض اجزائه لظهور الموصول فيما يعمّهما.

واما الثالث وهو قوله عليه‌السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله فقد اشكل عليه شيخنا العلامة اعلى الله مقامه من وجوه اربعة على ما حكى عنه فى العناية ؛ احدها ان جملة لا يترك خبرية لا يفيد إلّا الرجحان لا الحرمة كى تدل على المطلوب من وجوب الاتيان بالباقى ، ثانيها انه لو سلم ظهورها فى الحرمة فالامر دائر بين حمل الجملة الخبرية على مطلق المرجوحية لتلائم عموم الموصول الشامل للواجبات والمندوبات جميعا وبين تخصيص الموصول واخراج المندوبات عنه ليلائم ظهور الجملة الخبرية فى الحرمة ولا ترجيح لاحدهما على الآخر.

ثالثها انه لم يعلم كون جملة لا يترك إنشاء ولعلها اخبار عن طريقة الناس وانهم لا يتركون جميع الشىء بمجرد عدم درك مجموعه ، رابعها انه من المحتمل ان يكون لفظ الكل فى قوله عليه‌السلام ما لا يدرك كله للعموم الافرادى فيختص بعام له افراد كالفقيه فى قولك اكرم كل فقيه او العالم فى قولك اكرم كل عالم وهكذا لا العموم المجموعى ليختص بمركب له

٤١٧

اجزاء كالصلاة ونحوها ليستدل به فى المقام (انتهى).

والمصنف قد اشار الى وجه آخر وهو عدم دلالته الاعلى رجحان الاتيان بباقى المأمور به واجبا كان او مستحبا عند تعذر بعض اجزائه لظهور الموصول فى العموم على فرض تسليم ظهور الكل فى المجموعى.

وليس ظهور لا يترك فى الوجوب لو سلّم موجبا لتخصيصه بالواجب لو لم يكن ظهوره فى الأعّم قرينة على ارادة خصوص الكراهة او مطلق المرجوحيّة من النّفى وكيف كان فليس ظاهرا فى اللزوم هاهنا ولو قيل بظهوره ، فيه فى غير المقام.

اشارة الى دفع ما قد يتوهم من ان ظهور جملة لا يترك فى الوجوب قرينة على اختصاص الموصول بالواجب فقط وحاصل الدفع ان ظهور الجملة فى الوجوب لو سلم فهو مما لا يوجب اختصاص الموصول بالواجب لو لم يكن ظهور الموصول فى العموم قرينة على ارادة خصوص الكراهة او مطلق المرجوحية من النفى وكيف كان فليس للجملة ظهور فى اللزوم هاهنا وان كانت هى ظاهرة فى اللزوم فى غير المقام.

ثمّ انّه حيث كان الملاك فى قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقى عرفا كانت القاعدة جارية مع تعذّر الشّرط ايضا لصدقه حقيقة عليه مع تعذّره عرفا كصدقه عليه كذلك مع تعذّر الجزء

٤١٨

فى الجملة وان كان فاقد الشّرط مباينا للواجد عقلا ولأجل ذلك ربّما لا يكون الباقى الفاقد لمعظم الأجزاء او لركنها موردا لها فيما اذا لم يصدق عليه الميسور عرفا وان كان غير مباين للواجد عقلا.

ثم اعلم ان الملاك فى قاعدة الميسور كان هو صدق الميسور على الباقى عرفا بان يكون الباقى ركنا للمركب وبه قوامه ويكون المتعذر من الخصوصيات الغير الركنية اذ الاجزاء الركنية بنظر العرف من مقومات الموضوع وغير الركنية من الفضولات فاذا تعذرت الركنية يعد الفاقد لها مغايرا مع الواجد عرفا بحيث لا يصدق عليه انه ميسور له وهذا بخلاف ما لو تعذر الاجزاء الغير الركنية فانه يعد الفاقد متحدا مع الواجد عرفا.

وحيث كان الملاك فيها هو صدق الميسور على الباقى كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط ايضا لصدق الميسور حقيقة على المشروط عرفا مع تعذر الشرط كصدق الميسور عليه عرفا مع تعذر الجزء فى الجملة وان كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا ولاجل ان المناط هو الصدق العرفى ربما لا يكون الباقى الفاقد لمعظم الاجزاء او لركنها موردا للقاعدة فيما اذا لم يصدق عليه الميسور عرفا وان كان غير مباين للواجد عقلا فالمناط فى جريانها هو صدق الميسور عرفا وهو صادق على الفاقد للشرط ايضا وان كان الفاقد للشرط مبائنا للواجد عقلا.

٤١٩

نعم ربّما يلحق به شرعا ما لا يعدّ بميسور عرفا بتخطئته للعرف وانّ عدم العدّ كان لعدم الاطّلاع على ما هو عليه الفاقد من قيامه فى هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد او بمعظمه فى غير الحال والّا عدّ انّه ميسوره.

حاصله انه ربما يلحق شرعا بالميسور ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئة الشرع العرف فى عدم عدّهم ذلك امرا ميسورا لعدم اطلاعهم على ما عليه الفاقد فى حال التعذر من قيامه فى هذا الحال اى فى حال التعذر بتمام ما قام عليه الواجد من المصلحة والغرض فى حال الاختيار او بمعظمه بحيث لو اطلع عليه عدّ انه ميسوره كصلاة الغرقى والمرضى بالاشارة والايماء مما هى مباينة عرفا للصلاة التامة ولا يعدها بميسور ذلك التام مع ان الفاقد قد يقوم مقام الواجد فى الوفاء بتمام الملاك الموجود فى الكل مشروطا بطرو حال الاضطرار او يقوم مقامه فى الوفاء بمعظم الملاك بحيث لو اطلعوا على ذلك لعدوه من ميسوره.

كما ربّما يقوم الدّليل على سقوط ميسور عرفيّ لذلك اى للتخطئة وانّه لا يقوم بشىء من ذلك.

قد عرفت انه ربما يلحق شرعا بالميسور ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئته للعرف مما قام الدليل الخاص على تشريك الناقص والحاقه بالتام

٤٢٠