نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

ان يكون التكليف فى الطرف الذى قد اضطر اليه فيما كان الاضطرار الى المعين او فى الطرف الذى يختاره المضطر لرفع اضطراره فيما كان الاضطرار الى بعض الاطراف الغير المعين ومع عدم بقاء العلم الذى هو ملاك التنجز لا يكاد يجب الاحتياط فى الباقى ولا موجب لتنجز الخطاب الالزامى اصلا خلافا للشيخ (ره) فى هذه الصورة اعنى صورة لحوق الاضطرار على العلم الاجمالى بدعوى ان التكليف قد يتنجز من اول الامر لبقاء اركان العلم الاجمالى من اول الامر فلا بد للمكلف من الخروج عن عهدة هذا التكليف المعلوم بالاجمال اما بالامتثال اليقينى او الاحتمالى وجواز ارتكاب بعض الاطراف للاضطرار موجب للاكتفاء بالامتثال الاحتمالى ولا يدل على رفع التكليف الثابت المنجز اولا ، هذا.

ولكن الحق ما حققه المصنف (قدس‌سره) من انه لا دليل على وجوب الاجتناب عن الباقى مطلقا لان منجزية العلم للخطاب المعلوم بين الاطراف انما كان بحكم العقل ولا يحكم العقل بتنجز هذه الخطاب ازيد من حين العلم الى زمان الاضطرار فامد التنجز اول زمان حصول الاضطرار وبعد حصوله لا نعلم بتكليف فعلى فعلا واثر العلم الاجمالى الاول غير معلوم بقائه الى هذا الزمان وذلك لوضوح ان الاحكام الطارية على الموضوعات يختلف عند العقل باختلاف الاوصاف والعوارض الطارية على الموضوعات فالاحكام دائرة مدار الحيثيات والعناوين ولا خفاء فى ان الاضطرار والاختيار كذلك عقلا وشرعا.

وحينئذ فقبل حصول الاضطرار ليس لنا إلّا حكم واحد شخصى وهو

٣٤١

اجتنب عن الخمر يحتمل تعلقه بذاك الطرف ام بذاك فان كان متعلقا بما اضطر اليه فقد ارتفع يقينا من جهة الاضطرار وان كان متعلقا بغيره فهو باق لاستمرار الحكم باستمرار موضوعه الذى كان المفروض بقائه فيرجع الى انا لا نعلم الى ان امد هذا الحكم الشخصى الى الابد على فرض بقاء الآخر او الى زمان الاضطرار فبقائه الى زمان الاضطرار معلوم قطعا واما الى ما بعده فمن اول الامر مشكوك فيرجع فيه الى البراءة لعدم العلم بالتكليف من اول الامر ازيد من هذا المقدار وليس هذا إلّا من قبيل الاقل والاكثر فى ان الاقل معلوم يقينا والاكثر مشكوك من اول الامر.

لا يقال الاضطرار الى بعض الأطراف ليس كفقد بعضها فكما لا اشكال فى لزوم رعاية الاحتياط فى الباقى مع الفقدان كذلك لا ينبغى الأشكال فى لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقى او ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجّز عليه قبل عروضه.

قد عرفت ما حققه المصنف من ان الاضطرار الى بعض الاطراف يوجب عدم تنجز التكليف المعلوم بين الاطراف على الاجمال وهذا وان كان امرا ظاهرا لا خفاء فيه بعد التأمل إلّا انه لمكان غموضه فى بدو النظر يتوجه سؤالا ، ما الفرق بين الاضطرار الى واحد معين وبين فقد احد الطرفين وخروجه عن محل الابتلاء او اراقته لجامع اشتراكهما فى عدم بقاء العلم الاجمالى بعد عروض الاضطرار وبعد الفقدان وخروجه عن محل الابتلاء و

٣٤٢

انما الباقى هو اثره ولا ترجيح لبقاء اثره فى هذه الموارد وعدمه فى صورة الاضطرار.

فكما لا اشكال فى لزوم رعاية الاحتياط فى الباقى مع الفقدان لبعض الاطراف كذلك لا يبقى الاشكال فى لزوم رعاية الاحتياط مع الاضطرار الى بعض الاطراف فيجب الاجتناب عن الباقى فى الشبهة التحريمية او ارتكابه فى الشبهة الوجوبية خروجا عن عهدة التكليف الذى تنجز عليه قبل عروض الاضطرار.

فانّه يقال حيث انّ فقد المكلّف به ليس من حدود التّكليف به وقيوده كان التّكليف المتعلّق به مطلقا فاذا اشتغلت الذّمة به كان قضيّة الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك وهذا بخلاف الاضطرار الى تركه فانّه من حدود التّكليف به وقيوده ولا يكون الاشتغال به من الأوّل الّا مقيّدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذّمة بالتّكليف به الّا الى هذا الحدّ فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون الّا من باب الاحتياط فى الشّبهة البدويّة فافهم وتأمّل فانّه دقيق جدّا.

حاصل الجواب ان قياس حالة الاضطرار بحالة فقدان احد الاطراف بلا جامع حيث ان فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده بل كان التكليف به مطلقا غير مشروط فاذا اشتغلت الذمة به اى بالتكليف كان الاشتغال به يقينا يقتضى الفراغ عنه كذلك اى يقينا وهذا بخلاف

٣٤٣

الاضطرار الى تركه فانه من حدود التكليف وقيوده ولا يكون الاشتغال بالتكليف من اول الامر الا مقيدا بعدم عروض الاضطرار فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به الا الى هذا الحد اى الى زمان الاضطرار فلا يجب رعايته فيما بعد الاضطرار اذ بقاء التكليف الى زمان الاضطرار معلوم قطعا واما الى ما بعده فمن اول الامر مشكوك فيرجع فيه الى البراءة لعدم العلم بالتكليف من اول الامر ازيد من هذا المقدار وليس هذا إلّا من قبيل الاقل والاكثر فى ان الاقل معلوم يقينا والاكثر مشكوك من اول الامر وعليه فلا تكون الرعاية حينئذ الا من باب الاحتياط فى الشبهة البدوية فى عدم لزومها فافهم وتأمل؟؟؟ دقيق.

هذا حاصل ما يستفاد من كلام؟؟؟ فى الفرق بين الاضطرار وبين انعدام احد الطرفين او خروجه عن محل الابتلاء او اراقته ، ولكن لو التزمنا بالبراءة فى كل هذه الموارد فلا ننكر امرا بديهيا والتوحش من الانفراد مع قيام القاطع الفارق بين الحق والباطل ليس إلّا جبان اعاذنا الله منه وجميع المحققين كى لا يمنع جبنهم من اظهار الحقائق ودقايق الاسرار فافهم.

ولعل نظر الشيخ (ره) فى التفصيل بين الاضطرار الى معين قبل العلم او معه وبين الاضطرار الى غير المعين فقد صرح (ره) بعدم الفرق بين ان يكون الاضطرار قبل العلم او بعده فى وجوب الاجتناب عن الآخر ، هو تخيل ان الوجه فى تنجز العلم الاجمالى هو انه لو فرضنا تبدل هذا العلم الاجمالى بالتفصيلى بكل طرف يوجب تنجز التكليف باى طرف تعلق

٣٤٤

من الاطراف وما نحن فيه كذلك فلانه لو تبدل هذا العلم بالعلم التفصيلى يتنجز التكليف سواء تعلق بهذا ام بذاك فلانه لو تعلق بكون هذا خمرا يجتنب عنه ويدفع الاضطرار بالآخر وكذا بالعكس وبالجملة انه لو تبدل العلم الاجمالى بالتفصيلى لتنجز على كل حال لعدم مانعية الاضطرار الى غير معين عن تنجز الخطاب بالنسبة الى الحرام الواقعى المعلوم فانه لا بد حينئذ من اختيار الطرف الآخر وهذا بخلاف ما لو اضطر الى المعين قبل العلم او معه لانه يحتمل ان يكون المحرم الواقعى هو المضطر اليه المعين فليس هاهنا خطاب الزامى منجز بالنسبة الى الواقع فلا مقتضى للحكم بوجوب الاحتياط بالنسبة الى غير المضطر اليه.

ولكنه (قدس‌سره) غفل عن ان اباحة واحد من شيئين او وجوبه اذا وصل الاضطرار الى حد يلزم العقل والشرع ارتكاب هذا الشىء لا يجامع مع حرمة واحد معين منهما واقعا والزم التناقض واجتماع الضدين فان معنى ان واحد منهما مباح لك وكنت مخيرا فيه او واجب لك ان كل واحد منهما جائز لك او واجب ويجوز لك اختياره والجواز والوجوب الثابت لكل واحد معاند مع الحرمة الثابتة لهذا الشىء.

نعم ان كان الترخيص الثابت لواحد مردد ترخيصا عقليا ولا يثبت به سوى المعذورية لو صادف الحرام من دون ان يثبت به حكم او لم تستفاد من الادلة الشرعية الا صرف المعذورية فى ارتكاب المضطر اليه لا يوجب التناقض ولكن اين هذا من ذاك.

٣٤٥

فى خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء

الثّانى انّه لمّا كان النّهى عن الشّىء انّما هو لأجل ان يصير داعيا للمكلّف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك الّا فيما يمكن عادة ابتلائه به وامّا ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنّهى عنه موقع اصلا ضرورة انّه بلا قائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف ممّا لا بدّ منه فى تأثير العلم فانّه بدونه لا علم بتكليف فعلى لأحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به.

الثانى من التنبيهات فى بيان السر فى كون الابتلاء باحد الطرفين مورثا لعدم التنجز وهو انه اذا كان احد الاطراف غير مبتلى به فان تعلق التكليف على غير مبتلى به لكان لغوا لان النهى عن الشىء انما يكون فيما يكون للمكلف داع عن ارتكابه ويصير النهى داعيا له نحو تركه وسببا لزجره لو لم يكن له داع آخر على الترك ولا يكاد يكون النهى داعيا على الترك الا فيما يمكن عادة ابتلائه به واما ما لا ابتلاء به بحسب العادة فليس للنهى عنه موقع اصلا فان من لم يبتلى بشىء لم يتوجه نفسه اليه لان

٣٤٦

يأتى به فهو تارك بنفس عدم الابتلاء به فلا حاجة الى نهيه فالنهى عنه بلا فائدة ولا طائل بل لا يكون إلّا من قبيل طلب الحاصل فالاصل فى هذا الطرف بلا معارض ، وبالجملة ان الابتلاء بجميع الاطراف مما لا بد منه فى تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلى لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به اذ المفروض ان الطرف الغير المبتلى به لم يمكن ان يتعلق به خطاب وتعلق الخطاب بالنسبة الى هذا الطرف مشكوك لاحتمال وجوده فى الطرف الذى لم يتعلق اليه خطاب فالشك فيه شك فى اصل التكليف والمرجع هو البراءة ، هذا الكبرى مسلم إلّا ان تشخيص هذا الصغرى وتمييز محل الابتلاء عن غيره مشكل.

ومنه قد انقدح انّ الملاك فى الابتلاء المصحّح لفعلية الزّجر وانقداح طلب تركه فى نفس المولى فعلا هو ما اذا صحّ انقداح الدّاعى الى فعله فى نفس العبد مع اطّلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شكّ فى ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال.

ومما تقدم قد انقدح ان الملاك فى الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه فى نفس المولى فعلا هو ما اذا صح اى امكن انقداح الداعى الى فعله فى نفس العبد مع اطلاع العبد عليه اى كون المهنى عنه ممكنا عاديا له وينقدح الداعى الى فعل ذلك الشيء الذى يكون محل

٣٤٧

الابتلاء فيصح النهى عنه حينئذ بداعى الزجر عنه واما مع عدم اطلاع العبد على ذلك فتارة يكون قاطعا بخروجه عن محل الابتلاء مثل ما لو كان المنهى فى البلاد النائية بحيث ليس بمعرض للابتلاء نوعا كان المكلف قاطعا بعدم فعلية التكليف بالاجتناب عنه واخرى يكون شاكا فى ذلك مثل ما اذا كان المنهى فى غير البلد فربما يحصل الشك للمكلف فى تحقق الابتلاء فيكون المرجع هو البراءة لعدم القطع بفعلية التكليف على كل حال والعقل لا يحكم بالاشتغال فى هذه الصورة.

لا اطلاق الخطاب ضرورة انّه لا مجال للتّشبّث به الّا فيما اذا شكّ فى التّقييد بشىء بعد الفراغ عن صحّة الإطلاق بدونه لا فيما شكّ فى اعتباره فى صحّته تأمّل لعلّك تعرف إن شاء الله تعالى.

قد عرفت آنفا ان المرجع فيما يحصل الشك للمكلف فى تحقق الابتلاء هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا اطلاق الخطاب كما يظهر من الشيخ (قدس‌سره) الميل اليه قال فى رسائله (ما لفظه) نعم يمكن ان يقال عند الشك فى حسن التكليف التنجيزى عرفا بالاجتناب وعدم حسنه الا معلقا الاصل البراءة من التكليف المنجز كما هو المقرر فى كل ما شك فيه فى كون التكليف منجزا او معلقا على امر محقق العدم او علم التعليق على امر لكن شك فى تحققه او كون المتحقق من افراده كما فى المقام.

ثم قال بعده إلّا ان هذا ليس باولى من ان يقال ان الخطاب

٣٤٨

بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلقة والمعلوم تقييدها بالابتلاء فى موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلق بالابتلاء كما لو قال اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدام الامير مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلف به (الى ان قال) واما اذا شك فى قبح التنجز فيرجع الى الاطلاقات فمرجع المسألة الى ان المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق فى بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه كما هو شأن اغلب المفاهيم العرفية هل يجوز التمسك به او لا والاقوى الجواز فيصير الاصل فى المسألة وجوب الاجتناب الا ما علم عدم تنجز التكليف باحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه حرام (انتهى)

وردّه المصنف بقوله ضرورة انه لا مجال للتشبث به ... الخ حاصل الرد ان الاطلاق والتقييد امران متضايفان فيصح الاطلاق فى مورد يصح التقييد وبالعكس ولم يكن فى مثل التقييدات التى كانت بحكم العقل كما فى ما نحن فيه فلا يمكن التمسك بالاطلاق فى مورد الشك فى وجودها لعدم كون الاطلاق مقتضيا لشمولها وفى ما نحن فيه تقييد التكليف بغير محل الابتلاء انما هو بحكم العقل من جهة لزوم اللغوية فاذا كان القيد مشكوك الوجود فلا يصح التمسك بالاطلاق فى دفعه نعم يصح ذلك اذا كان القيد شرعيا.

والحاصل انه لا مجال للتشبث بالاطلاق الا فيما اذا شك فى التقييد بشىء بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه لا فيما شك فى تحقق ما اعتبر فى صحته يعنى صحة الاطلاق وهو تحقق الابتلاء ولا يخفى

٣٤٩

ان فى العبارة مسامحة وحقها هو ما قلناه.

فى الشبهة الغير المحصورة

الثّالث انّه قد عرفت انّه مع فعليّة التّكليف المعلوم لا تفاوت بين ان يكون اطرافه محصورة وان تكون غير محصورة.

قد عرفت ان التكليف المعلوم بين المتباينين ان كان فعليا من جميع الجهات بان يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث والزجر الفعلى وهما الارادة والكراهة المنقدحتان فى نفس المولى على طبق الوجوب والحرمة لوجب عقلا موافقته ولا تفاوت فى ذلك بين ان يكون اطرافه محصورة وان يكون غير محصورة اذ لا عبرة فى وجوبه بحصر الاطراف وعدم حصرها كما هو واضح.

نعم ربّما يكون كثرة الاطراف فى مورد موجبة لعسر موافقته القطعيّة باجتناب كلّها او ارتكابه او ضرر فيها او غيرهما ممّا لا يكون معه التّكليف فعليّا بعثا او زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك

٣٥٠

فى غيره كما انّ نفسها ربّما تكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة فى مورد آخر فلا بدّ من ملاحظة ذلك الموجب لرفع فعليّة التّكليف المعلوم بالإجمال انّه يكون اولا يكون فى هذا المورد او يكون مع كثرة اطرافه وملاحظة انّه مع ايّة مرتبة من كثرتها كما لا يخفى.

نعم ربما تكون كثرة الاطراف فى مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كل الاطراف فى الشبهة التحريمية او ارتكاب كل الاطراف فى الشبهة الوجوبية او ضرر فيها اى فى الموافقة القطعية او غيرهما اى غير العسر والضرر من الموانع الأخر مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا او زجرا مثل ما اذا كان كثرة الاطراف موجبة لفوت واجب اهم وحينئذ لم يكن التكليف المعلوم بالاجمال فعليا لمزاحمته بالاهم ولو لم يكن الاحتياط فيها عسريا كما ان نفس الشبهة فى الاطراف ربما يكون موجبة لذلك اى موجبة لعسر موافقة القطعية ولو كانت محصورة قليلة كما اذا اشتد الحاجة الى الارتكاب فى بعضها بحيث لو لاه لوقع فى العسر الشديد الذى لم يتحمله عادة فلا وجه لقصر الرخصة فى الشبهة الغير المحصورة.

بل لا بد من ملاحظة ذلك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال انه يكون او لا يكون فى ذلك الموارد او يكون مع كثرة الاطراف فالمهم هو ملاحظة لزوم العسر فان لزم لم يجب وان لم يلزم وجب

٣٥١

الاحتياط ، هذا كلام المصنف وينبغى حمل كلامه على العسر البالغ حد اختلال النظام.

وإلّا لا يخلو عن الاشكال لان المفروض انه لا عسر فى الحكم الشرعى الالزامى وانما جاء العسر من ضم المشتبهات بحيث لو افرز ذلك الحكم الواقعى عنها ارتفع العسر واما لو كان العسر بالغا حد اختلال النظام فلا شك ان العقل لا يحكم بلزوم الاحتياط فى جميع المشتبهات ويمتنع ان يكون الحكم الواقعى منجزا مصححا للعقوبة على مخالفة الواقع مع استقلال العقل بعدم لزوم الاحتياط.

ولو شكّ فى عروض الموجب فالمتّبع هو اطلاق دليل التّكليف لو كان والّا فالبراءة لأجل الشّك فى التّكليف الفعلى هذا هو حقّ القول فى المقام.

ولو شك فى عروض الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال كالعسر المخل بالنظام مثلا فالمتبع هو اطلاق دليل التكليف لو كان له اطلاق ولازمه حكم العقل بلزوم الاحتياط فى الاطراف وان لم يكن له اطلاق فالبراءة لاجل الشك فى التكليف الفعلى هذا هو حق القول فى المقام.

وما قيل فى ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف.

٣٥٢

قد عرفت الشبهة الغير المحصورة بتعاريف ، منها انها ما كثرت اطرافها بحيث يعسر عددها ، ومنها انها ما كانت المعلوم بالاجمال موهوما فى الغاية ، ومنها انها ما كانت اطرافها غير مضبوطة قابلة للزيادة والنقصان ولكن لا يخفى ان ما قيل فى ضبط المحصور وغيره لا يخلو عن جزاف واقامة الدليل على عدم وجوب الاحتياط فى الشبهة الغير المحصورة على هذا التعاريف لا يخلو عن اشكال.

فى الملاقى لاحد اطراف العلم الاجمالى

الرّابع انّه انّما يجب عقلا رعاية الاحتياط فى خصوص الأطراف ممّا يتوقف على اجتنابه او ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب او ترك الحرام المعلومين فى البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها فى كونه محكوما بحكم واقعا.

الرابع انه انما يجب عقلا رعاية الاحتياط فى خصوص الاطراف مما يتوقف على اجتنابه فى التحريمية او ارتكابه فى الوجوبية حصول العلم باتيان الواجب او ترك الحرام المعلومين فى البين دون غير الاطراف وان كان حال الغير حال بعض الاطراف فى كونه محكوما بحكم واقعا وذلك الاجتناب عن الاطراف او ارتكابها انما هو من باب المقدمة العلمية لاطاعة

٣٥٣

التكليف الفعلى ومقتضى حكم العقل بوجوب الاجتناب عن اطراف العلم الاجمالى من باب المقدمة العلمية هو دوران الامر مدارها فكل ما كان له مدخلية فى المقدمية يترتب على المعلوم بالاجمال كوجوب الاجتناب عن طرفى العلم وحرمة ارتكابهما وما ليس كذلك كترتب الحد على شرب احد المشتبهين وكنجاسة ملاقيه فلا يترتب عليه لعدم جريان باب المقدمية فيه فالتكليف فيه الرجوع الى الاصول الجارية فيه كاصالة عدم حصول موجب الحد لشرب هذا المائع.

ومنه ينقدح الحال فى مسئلة ملاقات شيء مع احد اطراف النّجس المعلوم بالإجمال.

اشارة الى البحث المعروف بين الاصوليين من انه هل يجب الاجتناب عن ملاقى لاحد المشتبهين بالنجس مثل ما يجب الاجتناب عن الملاقى ام لا اختلفوا فيه على قولين قول بعدم الاجتناب مطلقا سواء اثر الملاقى بالفتح فى الملاقى بالكسر ام لم يؤثر وسواء حصلت الملاقاة قبل العلم الاجمالى او بعده ، قول بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى من حيث انه ملاقى اذا كانت الملاقاة بعد العلم واما لو حصلت الملاقاة قبل العلم الاجمالى فيجب الاجتناب عن الملاقى.

وقد عنونه الشيخ (رحمة الله) فى التنبيه الرابع من تنبيهات الشبهة الموضوعية التحريمية فى الاشتغال ، قال الرابع ان الثابت فى كل من المشتبهين لاجل العلم الاجمالى بوجود الحرام الواقعى فيهما هو وجوب

٣٥٤

الاجتناب لانه اللازم من باب المقدمة من التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى اما سائر الآثار الشرعية المترتبة على ذلك الحرام فلا يترتب عليهما (الى ان قال) ما ملخصه وهل يحكم بتنجس ملاقيه وجهان بل قولان مبنيان على ان الاجتناب عن النجس يراد به ما يعم الاجتناب عن ملاقيه ولو بوسائط فاذا حكم الشارع بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب كل ما لاقاه او ان الاجتناب عن النجس لا يراد به الا الاجتناب عن العين بنفسها واما تنجس الملاقى للنجس فهو تعيد خاص وحكم شرعى آخر لا ربط له بوجوب هجر النجس (الى ان قال) والاقوى هو الثانى لما ذكر (انتهى).

والمصنف جعل فى المقام صورة المسألة ثلاثة ، الاولى وجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون الملاقى بالكسر ، الثانية عكس الاول يعنى وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر دون الملاقى بالفتح ، الثالثة وجوب الاجتناب عن الملاقى والملاقى معا.

وانّه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم اجمالا بالنّجس بينها فانّه اذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النّجس فى البين قطعا ولو لم يجتنب عمّا يلاقيه فانّه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النّجس قد شكّ فى وجوده كشيء آخر شكّ فى نجاسته بسبب آخر.

٣٥٥

هذه هى الصورة الاولى التى حكم فيها بوجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون الملاقى بالكسر فيما اذا كانت الملاقاة بعد حصول العلم الاجمالى فانه اذا اجتنب عنه يعنى الملاقى بالفتح وطرفه اجتنب عن النجس المعلوم فى البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه ولم يتعلق اليه اى الى الملاقى بالكسر خطاب اجتنب مستقلا وإلّا لوجب الاجتناب عنه قبل الملاقاة والمفروض انه ليس كذلك ولم يشمله خطاب اجتنب عن النجس الذى علم بوجوده اما فى الملاقى بالفتح واما بصاحبه.

لان هذا الخطاب انما تعلق بالنسبة الى موضوعه وهو النجس فى الإناءين فبعد العلم صار الخطاب منجزا فيجب امتثاله وامتثاله لا يكون إلّا بالاجتناب عن الإناءين لاجل الاجتناب عنهما مقدمة للاجتناب عن النجس الذى تنجز الخطاب بالنسبة اليه فخطاب اجتنب عن النجس لا يشمل الملاقى لضيق دائرته فكانه قال اجتنب عن النجس بين الإناءين فان دائرة الخطاب انما يكون بقدر دائرة العلم ودائرة العلم لا يتعدى عن الإناءين للعلم بوجود الخمر فى احد الإناءين فالخطاب انما يتنجز بالنسبة الى هذين فلا يعقل شمول هذا الخطاب لمثل الملاقى وليس هذا إلّا بمنزلة ان يقال اقيموا الصلاة يشمل الزكاة ايضا ولا يكون الاجتناب عن الملاقى مقدمة للاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال حتى يشمله الخطاب ، كيف وان خطاب اجتنب عن النجس ينحل الى خطابات متعددة فكل قطرة من البول خطاب مستقل وليس الاجتناب عن كل قطرة مقدمة للاجتناب عن الآخر.

٣٥٦

وهذا الملاقى لو كان نجسا كان له خطاب مستقل لا ان الاجتناب عنه مقدمة للاجتناب عن النجس لان المقدمة العلمية ما يلزم من وجوده العلم بوجود ذى المقدمة ومن عدمه عدم العلم بوجوده ولا شبهة فى ان الاجتناب عن الملاقى بالكسر لا مدخلية له فى امتثال خطاب اجتنب عن النجس وجودا او عدما فكيف يكون مقدمة.

لا يقال بعد العلم بالملاقاة يصير هذا طرفا للعلم الاجمالى فيجب الاجتناب عنه ، فانه يقال ان الاجتناب عنه لو كان واجبا لكان من جهة الخطاب الاول ، بداهة عدم العلم بخطاب منجز آخر لعدم تحقق موضوعه وهو النجس وعلى فرض العلم بخطاب منجز آخر فهو خارج عن محل الكلام والمفروض ان الخطاب الاول قد تنجز قبل الملاقاة ولا يمكن شموله للملاقى لان دائريته بمقدار العلم الاجمالى فلم يبق خطاب حتى يشمل الملاقى بالكسر ولو كان نجسا لنجاسة الملاقى بالفتح كان فردا آخر شك فى وجوب الاجتناب عنه والشك فى الاجتناب عنه شك فى اصل التكليف فيرجع فيه الى الاصول وليس حال الملاقى الاكحال اناء آخر غير مربوط بمتعلق العلم الاجمالى.

وقياس ما نحن فيه بتفريق ما فى اناء واحد الى اناءين كما هو الظاهر من بعض الاعلام على ما حكى عنه فى تقريراته المسماة ببحر الفوائد فى شرح درر الفرائد قياس مع الفارق اذ بعد التفريق يصير اطراف الشبهة ثلاثة فتزيد المقدمة العلمية بواحدة ويجب الاجتناب عن الثلاثة لتحصيل العلم بالامتثال والمفروض ان الملاقى مميز عن الطرفين ولم يحدث بالملاقات

٣٥٧

علم آخر بنجاسة اخرى فاذن يكون الشك فى نجاسة الملاقى شكا بدويا فالمرجع فيه هو الاصل.

ومما ذكرنا ظهر ما فى كلام بعض الاعلام من المحشين من ان الملاقاة مما يوجب انقلاب العلم الاجمالى باحد الشيئين الى العلم الاجمالى باحد اشياء ثلاثة قال فى تعليقته على الكتاب المسمّاة بعناية الاصول ما لفظه وفيه ان ملاقات الشىء مع احد اطراف العلم الاجمالى باحد الشيئين ولو كانت من بعد العلم الاجمالى هى مما يوجب انقلاب العلم الاجمالى باحد الشيئين مثلا الى العلم باشياء ثلاثة اما هذا او ملاقيه او ذاك.

(الى ان قال) وحينئذ فاذا اجتنب عن الملاقى بالفتح وعدله وان كان قد اجتنب عن النجس المعلوم بالاجمال اولا يقينا ولكن لم يجتنب عن النجس المعلوم بالاجمال ثانيا كذلك فيجب الاجتناب عنه رعاية للعلم الاجمالى الثانى الحادث (انتهى).

وفيه وان تكثر الاطراف مما لا يوجب تعدد العلم الاجمالى ، كيف وربما يتكثر الاطراف مع بقاء العلم الاجمالى على وحدته كما اذا اريق ما فى اناء من الإناءين فى ثالث او ازيد وقد عرفت ان الوجه فى جريان الاصل فى الملاقى هو الشك فى حدوث فرد آخر من النجاسة بالملاقات مع تميز الملاقى عن الطرفين فتأمل فافهم.

ومنه ظهر انّه لا مجال لتوهّم انّ قضيّة تنجّز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا ضرورة انّ العلم به انّما يوجب

٣٥٨

تنجّز الاجتناب عنه لا تنجّز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وان احتمل.

ومنه اى ومما ذكرنا من ان الملاقى بالكسر على تقدير نجاسته لنجاسة الملاقى بالفتح كان فردا آخر من النجس قد شك فى وجوده ، ظهر انه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا ، بداهة ان العلم بالنجس انما يوجب تنجز الاجتناب عن الفرد المعلوم لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وان احتمل حدوثه.

والحاصل انه لا وجه لوجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر لعدم احراز نجاسته وعدم كون الاجتناب عنه مقدمة للقطع بالاجتناب عن النجس الذى علم اجمالا بينهما لعدم مدخلية الاجتناب عنه فيه ولا يكون ضمه الى سائر الافراد محدثا للعلم بفرد آخر للنجس حتى يجب الاجتناب عنه مقدمة للقطع بوجوب الاجتناب عن هذا الفرد فالحكم باصالة الطهارة والحلية فيه لا مانع له.

واخرى يجب الاجتناب عمّا لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته او نجاسة شىء آخر ثمّ حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقى او ذاك الشّىء ايضا فانّ حال الملاقى فى هذه الصّورة بعينها حال ما لاقاه فى الصّورة السّابقة فى عدم كونه طرفا للعلم الاجمالى وانّه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير

٣٥٩

معلوم النّجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا.

وهذه هى الصورة الثانية التى حكم فيها بوجوب الاجتناب عما لاقاه اى الملاقى بالكسر دون الملاقى بالفتح وهو فيما لو علم اجمالا بنجاسة الملاقى بالكسر او نجاسة شىء آخر ثم حدث العلم بنجاسة الملاقى بالفتح او ذاك الشىء ايضا الذى كان اولا طرفا للملاقى بالكسر فان حال الملاقى بالفتح فى هذه الصورة اى فى صورة تاخر العلم بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف عن العلم بنجاسة الملاقى بالكسر او الطرف بعينها حال ما لاقاه اى حال الملاقى بالكسر فى الصورة السابقة فى عدم كونه طرفا للعلم الاجمالى وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا.

اما عدم كونه غير معلوم النجاسة تفصيلا فواضح واما انه غير معلوم النجاسة بالعلم الاول فهو ايضا واضح واما كونه معلوما بالعلم الاجمالى الثانوى فهو وان كان مسلما إلّا انه لا تأثير لهذا العلم الاجمالى لان من شرائط تنجزه اى تنجز العلم الثانى هو ان لا يكون شىء من الاطراف موردا لتكليف الفعلى المنجز الا من قبل هذا العلم والمفروض ان طرف الملاقى بالفتح قد يتنجز التكليف فيه بسبب العلم الاجمالى الاول فيكون جريان الاصل فى الملاقى بالفتح خاليا عن المعارض.

وبالجملة ان حال الملاقى بالفتح فى هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه فى الصورة السابقة فى عدم كونه طرفا للعلم الاجمالى وانه فرد آخر على

٣٦٠