نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

لو اتى به كذلك او التماسا للثّواب الموعود كما قيّد به فى بعضها الآخر لاوتى الأجر والثّواب على نفس العمل لا بما هو احتياط وانقياد فيكشف عن كونه بنفسه مطلوبا واطاعة.

واتيان العمل بداعى طلب قول النبى (ص) كما قيّد به فى بعض الاخبار وهو رواية محمد بن مروان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبى (ص) شىء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبى (ص) كان له ذلك الثواب وان كان النبى (ص) لم يقله ، وان كان انقيادا إلّا ان الثواب فى الصحيحة انما رتب على نفس العمل ولا موجب لتقييد الصحيحة بمثل هذا الخبر لعدم المنافاة بينهما اى لا منافاة بين كون الثواب مترتبا على نفس لعمل البالغ وبين كونه مترتبا عليه برجاء كونه قول النبى (ص) فالطائفتان من الاخبار ورد البيان امرين الذين لا منافاة بينهما ولا يكون لإحداهما نظر الى الاخرى حتى يلتزم بالتقييد.

فيكون وزانه وزان من سرح لحيته او من صلّى أو صام فله كذا ولعلّه لذلك افتى المشهور بالاستحباب فافهم وتأمّل.

فيكون وزانه اى وزان من بلغ وزان من سرح لحيته او من صلى أو صام فله كذا وكذا من جهة استكشاف الاستحباب من ترتب الثواب على فعل خاص ولذلك اى لما ذكرنا من دلالة الصحيحة افتى المشهور

٣٠١

بالاستحباب فافهم وتأمل.

التفصيل فى مفاد النواهى

قد عرفت فيما تقدم انه لا ريب فى جريان البراءة عقلا ونقلا فى الشبهات الحكمية مطلقا لضعف الادلة المتمسك بها على الاحتياط واما الشبهات الموضوعية ففى جريان البراءة فيها مطلقا او عدم جريانها مطلقا او التفصيل بين تعلق الوجوب او الحرمة بموضوعه على وجه الانحلال فيجرى وبين غيره فلا يجرى وجوه اقواها هو الاخير.

وذلك لان الماهية التى تكون موضوعا للامر والنهى وتكون معراة عن الوجود والعدم ولكنها مرآة للوجود الخارجى فتارة يكون مرآة لصرف الوجود فى مقابلة العدم بحيث يكون ناقضا للعدم المطلق وخارجا عن كتم العدم الى دار الوجود سواء كانت فى ضمن الواحد او اكثر او دفعة او دفعات وهذه القضية الطبيعية الصرفة ، واخرى تكون مرآة للوجود السارى بحيث امكن ان تقع تلو أداة العموم والفرق بينهما اى بين ما اذا كان الحكم متعلقا بالطبيعة الصرفة وبين ما اذا كان متعلقا بالطبيعة من حيث كونها مرأة لوجود السريانى انه لا انحلال للحكم ولا للموضوع فى الاول فيكون كل منهما واحد فى الواقع بحيث لو اوجد المكلف الطبيعة المنهى عنها مثلا فى ضمن فرد واحد فقد حصل العصيان فلو اوجدها ثانيا فى

٣٠٢

ضمن فرد آخر لما كان له اثر اصلا بخلاف الثانى فانه يحصل العصيان حسب تعدد الايجاد.

فظهر انه لا انحلال فى الفرض الاول حتى يكتفى بالاقل وتجرى البراءة بالنسبة الى الاكثر بل لا بد حينئذ من احراز ترك اللازم ولا يكاد يحرز إلّا بترك المشتبه ايضا بخلاف فرض الثانى فانه ينحل الى الافراد المعلومة والمشكوكة فيتنجز التكليف فى المعلومة وتجرى البراءة فى المشكوكة ومن هنا يظهر ان اطلاق القول بان المرجع فى الشبهة الموضوعية التحريمية هو البراءة فى غير محله كما هو المتراءى من عبارة الشيخ (ره) فى المسألة الرابعة حيث ساق النواهى فيها سوقا واحدا فى جريان البراءة فى الشبهة التحريمية الموضوعية.

قال فى المسألة الرابعة بعد القول بان الظاهر عدم الخلاف فى ان مقتضى الاصل فيه الاباحة (ما هذا لفظه).

وتوهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان هنا نظرا الى ان الشارع بين حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كل ما يحتمل خمرا من باب المقدمة العلمية فالعقل يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام مدفوع بان النهى عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا او المعلومة اجمالا المرددة بين المحصور والاول لا يحتاج الى مقدمة علمية والثانى يتوقف على الاجتناب من اطراف الشبهة لا غير واما ما احتمل كونه خمرا من دون علم اجمالى فلم يعلم من النهى تحريمه وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب عليه فلا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته

٣٠٣

ولا بتحريم خمر يتوقف العلم باجتنابه على اجتنابه بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلى المشتبه حكمه كشرب التتن فى قبح العقاب عليه (انتهى موضوع الحاجة من كلامه) ومقصود المصنف من عقد هذا التنبيه الثالث هو اظهار ان كلام الشيخ (ره) باطلاقه ممنوع بل يختص جريان البراءة بما اذا تعلق النهى بموضوعه على وجه الانحلال لا مطلقا حسبما مر بيانه.

الثّالث انّه لا يخفى انّ النّهى عن شىء اذا كان بمعنى طلب تركه فى زمان او مكان بحيث لو وجد فى ذاك الزّمان او المكان ولو دفعة لما امتثل اصلا كان اللّازم على المكلف احراز انّه تركه بالمرّة ولو بالأصل فلا يجوز الإتيان بشىء يشكّ معه فى تركه الّا اذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الإتيان به.

شروع فى بيان التفصيل : حاصله انه لا يخفى ان النهى عن شىء اذا كان بمعنى طلب تركه فى زمان او مكان بحيث لو وجد فى ذاك الزمان او المكان ولو دفعة لما امتثل اصلا يعنى كان ملحوظا بنحو الصرف الوجود كان اللازم على المكلف احراز انه تركه فلا يجوز الاتيان بشىء يشك معه فى تركه إلّا اذا كان هذا الشىء المشكوك مسبوقا بكونه تركا ليستصحب الترك مع الاتيان به.

٣٠٤

نعم لو كان بمعنى ترك كلّ فرد منه على حدة لما وجب الّا ترك ما علم انّه فرد وحيث لم يعلم تعلّق النهى الّا بما علم انّه مصداقه فاصالة البراءة فى المصاديق المشتبهة محكّمة.

نعم لو كان النهى بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حدة يعنى كان موضوع النهى فيه ملحوظا بنحو الطبيعة السارية لما وجب الا ما علم انه فرد وحيث لم يعلم النهى إلّا بما علم انه مصداقه فاصالة البراءة فى المشكوكة محكمة لانه ينحل الى الافراد المعلومة والمشكوكة فيتنجز التكليف فى المعلومة وتجرى البراءة فى المشكوكة.

فانقدح بذلك انّ مجرّد العلم بتحريم شىء لا يوجب لزوم الاجتناب عن افراده المشتبهة فيما كان المطلوب بالنّهى طلب ترك كلّ فرد على حدة او كان الشىء مسبوقا بالتّرك والّا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا

فانقدح بذلك الذى ذكرنا ان مجرد العلم بتحريم شىء لا يوجب لزوم الاجتناب عن افراد المشتبهة فيما كان المطلوب بالنهى طلب كل فرد على حدة فانه اذا كان كذلك اى كان النهى متعلقا بكل فرد فرد على حدة فلا يجب الاحتياط لان الشك فى فردية الخارجى مستلزم للشك فى اصل التكليف به حيث انه على تقدير كونه فردا فهو موضوع لتكليف مستقل

٣٠٥

فالشك فى فرديته مستلزم للشك فى تعلق التكليف به ومع الشك فى التكليف يكون المرجع هو البراءة.

او كان الشىء مسبوقا بالترك بحيث يصدق عليه انه تارك له مثلا فانه يجوز له ارتكاب الفرد المشكوك لاستصحاب تركه الذى هو موضوع الطلب.

وإلّا اى وان لم يكن المطلوب بالنهى طلب ترك كل واحد على حدة يعنى لم يكن موضوع النهى ملحوظا بنحو الطبيعة السارية بل كان المطلوب بالنهى طلب تركه فى زمان او مكان بحيث لو وجد فى ذاك الزمان او ذاك المكان لم يمتثل اصلا يعنى موضوع النهى ملحوظ بنحو صرف الوجود لوجب الاجتناب والاحتياط عن الافراد المشتبهة اذ الشك فى فردية شىء لتلك الماهية ليس شكا فى التكليف لكون التكليف معلوما وانما الشك فى ان ارتكاب ذلك الشىء المشتبه معصية للنهى ام لا وحيث ان شغل الذمة اليقينى يقتضى الفراغ اليقينى فلا بد من تركه ليحصل اليقين بالفراغ عن التكليف المعلوم.

فكما يجب فيما علم وجوب شىء احراز اتيانه اطاعة لأمره فكذلك يجب فيما علم حرمته احراز تركه وعدم اتيانه امتثالا لنهيه غاية الأمر كما يحرز وجود الواجب بالأصل كذلك يحرز ترك الحرام به.

٣٠٦

فكما يجب فيما علم وجوب شىء احراز اتيانه اطاعة لامره ولا يكفى فى مقام الامتثال الاتيان بما هو مشكوك كونه من افراده او ما بحكم العلم حيث ان الاتيان بالمشكوك لا يقتضى القطع باتيانه والشغل اليقينى يلزم الفراغ اليقينى ، فكذلك يجب فيما علم حرمته احراز تركه وعدم اتيانه امتثالا لنهيه ولا يحصل ذلك إلّا بترك جميع ما علم انه من افراده بل لا بد من ترك افراده المشكوكة ايضا غاية الامر كما يحرز وجود الواجب بالاصل كذلك يحرز ترك الحرام بالاصل فيما كان مسبوقا بالترك بحيث يصدق انه تارك له فانه يجوز له ارتكاب الفرد المشكوك لاستصحاب تركه الذى هو موضوع الطلب

والفرد المشتبه وان كان مقتضى اصالة البراءة جواز الاقتحام فيه الّا انّ قضيّة لزوم احراز التّرك اللّازم وجوب التّحرّز عنه ولا يكاد يحرز الّا بترك المشتبه ايضا فتفطّن.

والفرد المشتبه وان كان مقتضى اصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلّا ان قضية لزوم احراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه لما عرفت من انه لا بد فيما اذا كان النهى ملحوظا بنحو صرف الوجود احراز ترك اللازم ولا يكتفى فيه بالاقل حتى تجرى البراءة بالنسبة الى الاكثر ولا يكاد يحرز الترك اللازم إلّا بترك المشتبه ايضا فتفطن.

٣٠٧

فى حسن الاحتياط شرعا وعقلا حتى مع

قيام الحجة على العدم

الرّابع انّه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا.

قد عرفت ان الاحتياط انقياد حسن عقلا وراجح محبوب عند الشارع وكونه محبوبا شرعيا لا يستلزم كونه مندوبا بالامر المولوى الندبى اذ الاحتياط هو اتيان الفعل بداعى احتمال كونه مطلوبا فانقداح الداعى مفروض فيه ومع فرض الداعى على اتيان الفعل يكون جعل الداعى من الطلب الندبى لغوا وهو لا يصدر من الحكيم فلا محالة ان الامر بعنوان الاحتياط امر ارشادى لا مولوى.

هذا مضافا الى امتناع توجيه الطلب الندبى المولوى الى عنوان الاحتياط للزوم محذور التسلسل وقد مر بيانه هناك هذا فى مقام الثبوت واما استنباط الاستحباب النفسى من الروايات الواردة فى هذا الباب فموكول الى نظر الفقيه.

ولا يخفى انّه مطلقا كذلك حتّى فيما كان هناك حجّة على عدم الوجوب او الحرمة او امارة معتبرة على انّه ليس فردا للواجب او

٣٠٨

الحرام ما لم يخلّ بالنّظام فعلا.

ولا يخفى ان حسن الاحتياط غير مقيد بشىء بل هو حسن حتى فيما كان حجة على عدم الوجوب او الحرمة هذا فى الشبهة الحكمية او امارة معتبرة على انه ليس فردا للواجب او الحرام هذا فى الشبهة الموضوعية وفى كلتا الصورتين لا شك فى حسن الاحتياط اذ ليس حسن الاحتياط مبنيا على تحصيل المؤمن من العقاب كى يصح ان يقال ان مع قيام الدليل على عدمه لا وجه لحسن الاحتياط بل مبنى حكمه بحسنه ، هو رجاء تحصيل الواقع والفوز بمصلحته او الفرار عن تبعته وان لم يكن فى مخالفته عقاب وهذا حاصل مع قيام الدليل على عدم الوجوب او الحرمة.

فالاحتياط قبل ذلك مطلقا يقع حسنا كان فى الأمور المهمّة كالدماء والفروج او غيرها وكان احتمال التّكليف قويّا او ضعيفا كانت الحجّة على خلافه اولا.

قد عرفت آنفا ان الاحتياط حسن ما لم يلزم منه الاخلال بالنظام فالاحتياط قبل الاخلال مطلقا يقع حسنا سواء كان فى الامور المهمة كالدماء والفروج او غيرها وكان احتمال التكليف قويا كما فى المظنونات او ضعيفا كما فى المشكوكات والموهومات كانت الحجة على خلافه ام لا فان حسنه ليس مبنيا على تحصيل المؤمن من العقاب كى يصح ان يقال ان مع قيام

٣٠٩

الحجة لا عقاب بل مبنى حكمه بحسنه هو رجاء تحصيل الغرض والمصلحة النفس الامرية وان لم يكن فى مخالفته عقاب وقد احتمل كل هذه التفاصيل فى الرسائل.

كما انّ الاحتياط الموجب لذلك لا يكون حسنا كذلك.

كما ان الاحتياط الموجب لذلك اى الاخلال بالنظام لا يكون حسنا كذلك اى مطلقا اذ الاحتياط الموجب لاختلال النظام قبيح عقلا سواء كان فى الامور المهمة ام لا او كان احتمال التكليف قويا ام لا او كانت الحجة على خلافه ام لا فظهر ان لزوم العسر المنفى شرعا لا ينافى حسن الاحتياط ما لم يبلغ حد اختلال النظام.

اللهم إلّا ان يقال ان انتفاء الحسن بانتفاء الاحتياط رأسا فلا معنى لحسنه عند انتفائه رأسا عند الاخلال بالنظام اذ هى سالبة بانتفاع الموضوع لا بانتفاع المحمول لان الاحتياط عبارة عن اتيان ما يحتمل كونه محبوبا ذاتا مع القطع بعدم كونه مبغوضا فعلا فلو احتمل مبغوضيتها او قطع بها فلا احتياط رأسا وفى المقام قد قطع بها للاختلال المبغوض للشارع فعلا.

وقد اجاب عنه المحقق السلطان بان الاحكام الالزامية الواقعية مجعولات من ناحية الشارع وليس فيها محذور اختلال النظام واحتمال الحكم الالزامى فى كل واقعة من الوقائع مصحح للاحتياط الحاصل باتيان الواقع بداعى احتمال الحكم الالزامى وانما جاء اختلال النظام من اتيان

٣١٠

المحتملات باجمعها فيكون اختلال النظام اثرا مترتبا على الاحتياط فى الجميع.

ومن البين ان الاثر المترتب على الشىء متأخر عنه رتبة فكيف يكون عادما لموضوعه فالاحتياط حاصل قطعا باتيان الجميع بداعى احتمال الالزام الواقعى لكنه ليس حسنا لايجابه اختلال النظام فتكون القضية سالبة بانتفاء المحمول لا بانتفاء الموضوع.

وان كان الرّاجح لمن التفت الى ذلك من اوّل الأمر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا او محتملا فافهم.

وان كان لمن التفت الى ذلك الاخلال ترجيح بعض الاحتياطات على بعض كما اذا كان مبتلى بامور متعددة مشتبهة وملتفتا الى ان الاحتياط فى الكل يوجب اختلال النظام فالراجح له ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا فيما اذا كان احتمال الحكم الالزامى فى واقعة او وقايع اقوى منه فى الوقائع الأخر فيحتاط فى المحتملات التى احتمالها اقوى ويترك الاحتياط فى المشتبهات الأخر وكذا ترجيح المحتمل الذى يكون اهتمام الشارع به اقوى وان كان بحسب الاحتمال ضعيفا كما اذا كان احتمال الوجوب ضعيفا موهوما ولكن المحتمل من الامور التى لو كان التكليف فيها ثابتا لكان موردا لاهتمام الشارع فحينئذ له مراعاة الاحتمال او المحتمل ولا يخفى ان الاحتياط الراجح موارده هى الشبهات البدوية الغير

٣١١

الراجعة الى الدماء والفروج مما علم من ناحية الشارع الاهتمام بها ولزوم الاحتياط فيها ولذا يكون الاحتياط المبحوث عنه راجحا عند العقل ما لم يحصل اليقين بكونه موجبا لاختلال النظام.

اذ موضوع هذا الاحتياط هو اتيان المحتمل المردد بين الوجوب والاباحة او بين الحرمة والاباحة رجاعا لدرك الواقع وهذا الموضوع محرز بالوجدان فى كل شبهة من الشبهات ولا محذور من اتيان المحتملات الا الوقوع فى محذور اختلال النظام واما فى الراجعة الى الدماء والفروج مما علم من ناحية الشارع الاهتمام بها كان الترجيح بما هو اقرب الى الواقع لازما عند العقل لا انه راجح ولعله فافهم اشارة الى ما ذكرنا.

فى دوران الامر بين المحذورين

فصل اذا دار الأمر بين وجوب شىء وحرمته لعدم نهوض حجّة على احدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه اجمالا.

اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته لعدم نهوض حجة على احدهما تفصيلا اما لعدم النص على تعيين احدهما بالخصوص بعد قيامه على احدهما فى الجملة كما اذا اختلف الامة على قولين بحيث علم وجدانا انتفاء الثالث واما لتعارض النصين او اجماله واما الشبهة الموضوعية فهى خارجة

٣١٢

عن المهم وان كان ما ذكر فيه جاريا فيها ايضا

ففيه وجوه الحكم بالبراءة عقلا ونقلا لعموم النّقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب او الحرمة للجهل به ووجوب الأخذ باحدهما تعيينا او تخييرا او التخيير بين التّرك والفعل عقلا مع التّوقف عن الحكم به رأسا او مع الحكم عليه بالإباحة شرعا.

ففيه وجوه الحكم بالبراءة عقلا وشرعا ، واما عقلا لحكمه بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب او الحرمة للجهل به ، واما شرعا فلعموم ادلة البراءة الشرعية ، ووجوب الاخذ باحدهما تعيينا بان ياخذ باحتمال الحرمة اما لان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة واما لان الغالب تغليب الشارع جانب الحرمة على الوجوب واما لقاعدة الاحتياط حيث يدور الامر بين التعيين والتخيير ووجوب الاخذ باحدهما تخييرا شرعيا بان يتخير بين الاخذ باحتمال الحرمة فيلزمه الترك قياسا لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية ، والتخيير بين الفعل والترك عقلا مع التوقف عن الحكم بشىء رأسا لا ظاهرا ولا واقعا ، والتخيير بين الفعل والترك عقلا والحكم بالاباحة شرعا وهذا هو الذى اختاره المصنف وقد اشار اليه بقوله.

اوجهها الاخير لعدم التّرجيح بين الفعل والتّرك وشمول مثل كل

٣١٣

شىء لك حلال حتى تعرف انّه حرام له.

اوجهها اى اوجه الوجوه من بين الخمسة المذكورة هو الأخير يعنى التخيير بين الفعل والترك عقلا وعدم جريان البراءة العقلية وشمول دليل الاباحة الشرعية (مثل كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حلال) له اى للمورد فالدعوى مركبة من امور ثلاثة ، اما الجزء الثانى من الدعوى يعنى عدم جريان البراءة العقلية فلما عرفت فى مبحث القطع من ان العلم الاجمالى مقتض للتنجز لا علة له فيما لم يكن الدوران بين المحذورين اذ العلم بالالزام المشترك بينهما ثابت.

وهذا علم تفصيلى بالالزام المشترك بين الوجوب والحرمة ومن الواضح انه مع العلم التفصيلى لا تجرى البراءة العقلية وان كان كل واحد من الوجوب والحرمة مجهولا اذ بالعلم التفصيلى يتم البيان للحكم الالزامى فلا مجرى للبراءة العقلية واما الجزء الاول من الدعوى وهو التخيير بين الفعل والترك فلعدم الترجيح بين الفعل والترك ، تقريره ان فى كل من الفعل والترك احتمال الموافقة والمخالفة اذ لو فعل احتمل الموافقة على تقدير الوجوب والمخالفة على تقدير الحرمة ولو ترك احتمل الموافقة على تقدير الحرمة والمخالفة على تقدير الوجوب.

وحيث تساوى الفعل والترك فى ذلك يحكم العقل بالتخيير بينهما فان شاء فعل وان شاء ترك ، واما الجزء الثالث من الدعوى يعنى شمول دليل الاباحة الشرعية (مثل كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام) له اى

٣١٤

للمورد.

فلان الرواية المذكورة لا تختص بمحتمل الحرمة والاباحة بل تشمل محتمل الحرمة والوجوب فتكون الرواية حجة على ثبوت الاباحة فيه شرعا.

ولا مانع عنه عقلا ولا نقلا وقد عرفت انّه لا يجب موافقة الأحكام التزاما ولو وجب لكان الالتزام اجمالا بما هو الواقع معه ممكنا.

قد عرفت آنفا شمول ادلة الاباحة لما نحن فيه ولا مانع عنه عقلا ولا نقلا إلّا ان فى شمولها له اشكالا يتوجه من ناحية ما دل على وجوب الموافقة الالتزامية للاحكام الواقعية لوضوح ان الالتزام بالاباحة الظاهرية التزام بخلاف المعلوم بالاجمال المردد بين الوجوب والحرمة.

فحينئذ يمتنع الالتزام بالحكم الظاهرى مع الالتزام بالحكم الواقعى فكما يجب الالتزام بحكم الواقعى كذلك يجب الالتزام بالحكم الظاهرى كما هو مفاد وجوب التصديق بما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وحاصل الدفع انك قد عرفت فى مبحث المخالفة الالتزامية انه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية ولو وجب فاللازم الالتزام بالواقع اجمالا وهو لا ينافى الالتزام بالاباحة تفصيلا اذ يمكن الالتزام اجمالا بما هو الواقع مع الالتزام بالاباحة الظاهرية ومع كون الحكم الواقعى تعليقيا لا مخدور فى جعل الاباحة الظاهرية فلا محذور فى مقام الثبوت ولا فى

٣١٥

مقام الالتزام.

والالتزام التّفصيلى باحدهما لو لم يكن تشريعا محرّما لما نهض على وجوبه دليل قطعا.

رد للقول بالتخيير بمعنى لزوم الالتزام بواحد من الوجوب والحرمة تفصيلا ، حاصل الرد ان الالتزام التفصيلى باحدهما من باب التخيير مع عدم العلم به تشريع محرم ولو لم يكن تشريعا محرما انه مما لا دليل على وجوبه قطعا فلا وجه للتوهم بانه ولو لم يكن الموافقة الالتزامية التفصيلية ممكنة وجب الالتزام التفصيلى باحد الطرفين اما الوجوب واما الحرمة تخييرا فلا تصل النوبة الى الالتزام الاجمالى كما هو واضح.

وقياسه بتعارض الخبرين الدّالّ احدهما على الحرمة والآخر على الوجوب باطل فانّ التّخيير بينهما على تقدير كون الأخبار حجة من باب السببية يكون على القاعدة ومن جهة التخيير بين الواجبين المتزاحمين.

قد عرفت فى صدر المبحث ان فى المسألة وجوه خمسة منها وجوب الاخذ باحدهما تخييرا شرعيا قياسا لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية واشار المصنف الى الاستدلال المذكور والرد عليه بقوله

٣١٦

والالتزام التفصيلى باحدهما .. الخ وحاصل ما افاده المستدل هو انه لا اشكال فى وجوب الاخذ باحد الخبرين لو دل احدهما على وجوب شىء والآخر على حرمته ولا فرق بين مورد تعارض الخبرين وبين المقام فما دل على وجوب الاخذ تخييرا هناك دال عليه هنا.

وحاصل الرد عنه ان قياس دوران الامر بين المحذورين بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية الدال احدهما على الامر والآخر على النهى بان يقال فكما انه يجب هناك الاخذ باحدهما تخييرا فكذلك هاهنا باطل فانه اذا بنى على كون حجية الخبر من باب السببية فالتخيير حينئذ يكون على القاعدة لان كل واحد خبر واجد لمناط وجوب الاخذ به وحيث لا يمكن الاخذ بالمتعارضين جميعا فلا بد من الاخذ باحدهما تخييرا كما هو الشأن فى كل فردين متزاحمين من جهة عدم القدرة على الاتيان بهما جميعا فيكون التخيير بينهما من جهة التخيير بين المتزاحمين ولا يقاس المقام بصورة التعارض فان كلا من احتمالى الوجوب والحرمة لا اقتضاء له فى وجوب الاخذ به حتى يتخير بينهما من حجة التزاحم فظهر ان قياس المقام بصورة التعارض قياس باطل اذا بنى على كون حجية الخبر من باب السببية والموضوعية وان بنى على كون الحجية من باب الطريقية فهو ايضا باطل وقد اشار الى بطلانه بقوله.

وعلى تقدير انّها من باب الطريقيّة فانّه وان كان على خلاف القاعدة الّا انّ احدهما تعيينا او تخييرا حيث كان واجدا لما

٣١٧

هو المناط للطّريقيّة من احتمال الإصابة مع اجتماع سائر الشّرائط حصل حجّة فى هذه الصّورة بأدلّة التّرجيح تعيينا او التّخيير تخييرا واين ذلك ممّا اذا لم يكن المطلوب الّا الأخذ بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل والأخذ بخصوص احدهما ربّما لا يكون اليه بموصل.

قد اسمعناك آنفا ان قياس المقام بصورة التعارض قياس مع الفارق فانه على تقدير كون حجية الخبر من باب السببية والموضوعية وحدوث المصلحة والمفسدة فى المتعلق بقيام الامارة فالتخيير يكون على القاعدة ولكن لا مجال لقياس المقام بصورة التعارض حسبما بيناه لك واما على تقدير كون حجية الخبر من باب الطريقية فالتخيير وان كان على خلاف القاعدة فان القاعدة فيها التساقط دون الترجيح والتخيير إلّا ان احدهما تعيينا مع المرجح او تخييرا مع عدمه حيث كان واجدا لما هو المناط للطريقية من احتمال الاصابة مع اجتماع سائر الشرائط صار حجة فى هذه الصورة بادلة الترجيح تعيينا او التخيير تخييرا ، واين ذلك مما اذا لم يكن المطلوب الا الاخذ بخصوص ما صدر واقعا فى هذه الواقعة وهو اى الاخذ والالتزام بما صدر واقعا حاصل من غير حاجة الى الاخذ باحدهما بالخصوص والاخذ بخصوص احدهما ربما لا يكون الى خصوص ما صدر واقعا بموصل لمكان المخالفة ، فظهر أن قياس المقام بالخبرين المتعارضين باطل.

٣١٨

نعم لو كان التّخيير بين الخبرين لأجل إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة واحداثهما التّرديد بينهما لكان القياس فى محله لدلالة الدّليل على التّخيير بينهما على التّخيير هاهنا فتأمّل جيدا

نعم لو كان التخيير بين الخبرين لاجل مجرد إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة واحداثهما الترديد لا لاجل السببية او كون كل واحد منهما واجدا لما هو مناط الطريقية على الطريقية من الكشف نوعا واحتمال الاصابة شخصا لكان القياس فى محله لدلالة الدليل على التخيير بينهما اى بين الخبرين على التخيير هاهنا لوجود الاحتمال والترديد هاهنا فيكون القياس فى محله فتأمل جيدا ولعله اشارة الى انه ليس كذلك اذ لو كان كذلك لكانت الشرائط المعتبرة فى حجية الخبرين لغوا وهو خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام بايهما اخذت من باب التسليم وسعك كما لا يخفى.

ولا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فانّه لا قصور فيه هاهنا وانّما يكون عدم تنجّز التّكليف لعدم التّمكن من الموافقة القطعيّة كمخالفتها والموافقة الاحتماليّة حاصلة لا محالة كما لا يخفى.

هذا رد على الوجه الاول من الوجوه الخمسة المحتملة المذكورة فى اول المبحث وهو الحكم بالبراءة عقلا لحكمه بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب او الحرمة للجهل به ، حاصل الرد انه لا مجال لقاعدة قبح العقاب

٣١٩

بلا بيان فى المقام لوجود البيان فيه اذ العلم بالالزام المشترك بينهما بعد العلم الاجمالى بالتكليف الالزامى ثابت وبه يتم البيان فلا وجه لتطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان فى المقام ، غاية الامر انه لا يترتب على العلم المذكور اثر فى نظر العقل ويسقط عن المنجزية لان المكلف فى مقام دوران الامر بين المحذورين لا يمكنه الاحتياط والموافقة القطعية لامتناع الجمع بين الفعل والترك كما لا يمكنه المخالفة القطعية لامتناع تركهما فلا يجب الاول ولا يحرم الثانى.

ثمّ انّ مورد هذه الوجوه وان كان ما اذا لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على التّعيين تعبّديا اذ لو كانا تعبّديّين او كان احدهما المعيّن كذلك لم يكن اشكال فى عدم جواز طرحهما والرّجوع الى الاباحة لانّها مخالفة عمليّة قطعيّة على ما افاد شيخنا الاستاذ قدس‌سره.

يعتبر فى دوران الامر بين المحذورين ان يكون كل من الواجب والحرام توصليا او يكون احدهما الغير المعين توصليا فلو كان كل منهما تعبديا او كان احدهما المعين تعبديا فليس من دوران الامر بين المحذورين ضرورة ان المكلف يتمكن من المخالفة القطعية بالفعل او الترك لا بقصد التعبد والتقرب وان لم يتمكن من الموافقة القطعية فبالنسبة الى المخالفة القطعية يوجب العلم الاجمالى التأثير ويقتضى التخيير وان لم يقتض ذلك

٣٢٠