نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

وجوب الاحتياط والاجتناب عن الشبهات وإلّا لا معنى لقوله وهلك من حيث لا يعلم ، فترتب الهلاك وهو العقاب على الاخذ بالشبهة لا يستقيم إلّا مع وجوب الاحتياط.

اذ لولاه لما يترتب عليه العقاب وقوله نجى من المحرمات يدل على ذلك ايضا بناء على ان تخلص النفس من المحرمات واجب.

والجواب انّه لا مهلكة فى الشّبهة البدويّة مع دلالة النّقل وحكم العقل بالبراءة كما عرفت

قال المحقق البصير السيد الحكيم (قدس‌سره) فى تقرير جواب المصنف عن اخبار التوقف (ما لفظه) بان وجوب التوقف المستفاد من اخباره قد اخذ فى موضوعه الهلكة فيمتنع ان يكون علة لها لان الموضوع من علل وجود حكمه فلو كان معلولا له لزم الدور.

فلا بد حينئذ من ان يكون منشأ الهلكة شيئا آخر غير هذا الوجوب فتختص الاخبار المذكورة بما لو كان بيان على الواقع غير نفس الاخبار فيبطل جعلها بيانا على التكليف كما هو غرض المستدل ويكون حال هذه الاخبار بالاضافة الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان حال قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بالاضافة اليها.

فكل مورد لا بيان فيه على الواقع تجرى فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان وتكون واردة على هذه الاخبار وكل مورد يكون فيه بيان على

٢٤١

الواقع تجرى فيه هذه الاخبار ولا تجرى فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان فالاخبار المذكورة لا تصلح بيانا اصلا كما لا تصلح قاعدة وجوب دفع الضرر بيانا حسبما عرفت (انتهى موضوع الحاجة من كلامه) ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم فى الاخبار المشتملة على التعليل واما الاخبار الخالية عنها فلا ، بيانه ان اخبار التوقف بين طائفتين طائفة منها معللة بان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكة وظائفه اخرى خالية.

واما الطائفة المشتملة على التعليل فالجواب عنها انه لا مهلكة فى الشبهة البدوية مع دلالة النقل وحكم العقل على البراءة حسب ما عرفت بيانه من ان الحكم الواقعى لا بد ان يكون حتميا منجزا مستتبعا للعقوبة مع قطع النظر عن الامر بالتوقف فيمتنع ان يكون الامر بالتوقف امرا مولويا منجزا للواقع وبيانا له.

اذ التنجز واقعة فى رتبة متقدمة على الامر ويقع فى رتبة متاخرة فكل مورد لا بيان فيه على الواقع تجرى فيه قاعدة القبح وتكون واردة على هذه الاخبار.

واما الطائفة الخالية فتصلح لان يكون الامر بالتوقف فيها امرا مولويا طريقيا بداعى تنجز الواقع وتكون بيانا عليه.

اللهم إلّا ان يقال ان هذه الطائفة مختصة بحال الانفتاح لمكان القدرة على ازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام كما هو المنصوص فى رواية جابر وغيرها مضافا الى امكان المنع عن كون الامر فيها مولويا بل ارشاديا ،

٢٤٢

ويشهد على ذلك تطبيق الامام عليه‌السلام الامر بالتوقف المروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الشبهة الموضوعية التى لا يجب فيها التوقف اجماعا ففى موثقة سعد بن زياد عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم‌السلام عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة فان مولانا الصادق عليه‌السلام فسره بقوله اذا بلغك انك قد رضعت او انها محرمة وما اشتبه ذلك الخبر.

مع ان الامر فيها يدور بين حمل الامر فيها على الارشاد وبين ارتكاب تخصيص الاكثر فيها باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية عنها اذا الشبهات اعم من الموضوعية والحكمية الوجوبية والتحريمية ولا بد من تخصيصها بالشبهات التحريمية فقط لاعتراف الأخباريين والمجتهدين بعدم وجوب الاجتناب فى الشبهات الموضوعية والوجوبية الحكمية وهذا هو التخصيص الاكثر المستهجن.

مضافا الى إبائها بحسب سياقها وعليه فالحمل على الارشاد اولى فيختلف ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد اليه وكونه لزوميا او غير لزومى تابع للزوم المرشد اليه وعدمه فان كان الشك فى التكليف قبل الفحص كان الامر بالتوقف لزوميا وإلّا كان غير لزومى.

وما دلّ على وجوب الاحتياط لو سلّم وان كان واردا على حكم العقل فانّه كفى بيانا على العقوبة على مخالفة التّكليف المجهول.

٢٤٣

حاصله ان ما دل على وجوب الاحتياط لو سلم دلالته على وجوب الاحتياط ولم يناقش فيه بدعوى القرائن الدالة على انه للاستحباب او للارشاد وان كان واردا على الحكم العقل ورافعا لموضوعه وهو اللابيان.

اذ هو يكفى ان يكون بيانا على العقوبة على مخالفة التكليف المجهول فلا مجال معه لتطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

ولا يصغى الى ما قيل من انّ ايجاب الاحتياط ان كان مقدّمة للتحرّز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح وان كان نفسيّا فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع.

القائل هو الشيخ اعلى الله مقامه فانه (قدس‌سره) بعد ان ذكر ما دل على الاحتياط من الاخبار وذكر الجواب عنها اورد على نفسه اشكالا وقال (ما لفظه) فان قلت ان المستفاد منها يعنى من الاخبار احتمال التهلكة فى كل محتمل التكليف (الى ان قال) فيكشف هذه الاخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لاجل الجهل ولازم ذلك ايجاب الشارع الاحتياط اذا الاقتصار فى العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهرى بالاحتياط قبيح ثم اجاب عنه (بما هذا لفظه) قلت ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعى فهو مستلزم لترتب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح كما اعتراف به وان كان حكما ظاهريا نفسيا فالهلكة الاخروية مترتبة على مخالفته لا على مخالفة الواقع وصريح

٢٤٤

الاخبار ارادة الهلكة الموجودة فى الواقع على تقدير الحرمة الواقعية (انتهى).

حاصل ما اورده على نفسه الشريف هو ان ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح اذ معناه ان الشارع اوجب الاحتياط لحفظ المكلف عن ارتكاب الشبهة المؤدية الى الاقتحام فى العقوبة الواقعية على تقدير مصادفة الحرام الواقعى.

ومن الواضح ان المقدمية بهذا المعنى انما تتم على تقدير كون العقاب لازما للحرام الواقعى المجهول فلا محالة تكون الالزامات الواقعية حتمية منجزة فيلزم صحة العقوبة على التكليف المجهول مع استقلال العقل بقبحها.

وليس ايجاب الاحتياط بداعى المقدمية بيانا منجزا للواقع لوضوح ان عنوان المقدمية متفرع على كون الواقع حتميا منجزا فى نفسه كى يصح ايجاب الاحتياط مقدمة للتحفظ عن تبعيته وان كان ايجاب الاحتياط ظاهريا نفسيا فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع كما هو واضح.

وذلك لما عرفت من انّ ايجابه يكون طريقيّا وهو عقلا ممّا يصحّ ان يحتجّ به على المؤاخذة فى مخالفة الشّبهة كما هو الحال فى اوامر الطّرق والأمارات والأصول العمليّة.

٢٤٥

هذا اشكال على الشيخ (قدس‌سره) على حصره فى وجه وجوب الاحتياط فى احد الشقين الباطلين حاصله انه لا ينحصر وجه وجوبه فيهما فقط بل هناك شق ثالث وهو كون الامر بالاحتياط امرا طريقيا بداعى تنجز الواقع فانه ليس امرا مقدميا ولا نفسيا بل هو نحو آخر بان يكون ايجابه طريقيا اى مقدميا لحفظ الواقع المجهول ومن البين ان ايجابه كذلك فهو مما يصح ان يحتج به على المؤاخذة فى مخالفة الشبهة كما هو الحال فى اوامر الطرق والامارات والاصول العملية وحينئذ يكون بيانا على الواقع مصححا للعقاب على مخالفته كما هى تكون مصححة للعقاب على الواقع المجهول فيما طابقته ويكون بيانا واردا على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ورود جميع الطرق والامارات والاصول عليها.

وبالجملة الامر بالاحتياط كالامر بالطرق والامارات وبعض الاصول كالاستصحاب من الاوامر المولوية الطريقية موجب لتنجز التكليف الغير المعلوم فى موردها.

الّا انّها تعارض بما هو اخصّ او اظهر ضرورة انّ ما دلّ على حليّة المشتبه اخصّ بل هو فى الدّلالة على الحلّية نصّ وما دلّ على الاحتياط غايته انّه ظاهر فى وجوب الاحتياط.

قد عرفت آنفا ان ايجاب الاحتياط يكون امرا طريقيا واردا على

٢٤٦

قبح العقاب بلا بيان حيث انه يكتفى بها العقل بيانا على العقاب وبرهانا للمؤاخذة على الارتكاب إلّا ان اخبار الاحتياط تعارض بما هو اخص واظهر ضرورة ان ما دل على حلية المشتبه اخص لاختصاصه بالشبهة التحريمية وعموم اخبار الاحتياط لها وللوجوب بل هو اى ما دل على حلية المشتبه فى الدلالة على الحلية نص لا يحتمل غيرها وما دل على الاحتياط غايته انه ظاهر فى وجوب الاحتياط فلا بد من تقديم النص على الظاهر.

هذا ولكن لا يخفى ما فيه لانه على فرض تمامية اخبار التوقف لا معارضة لها مع اخبار البراءة لان اخبار البراءة بالنسبة الى اخبار التوقف من قبيل الاصل والدليل حيث ان مدلول اخبار البراءة عدم استحقاق العقاب على محالفة الحكم الذى لا يعلمه المكلف واخبار التوقف تثبت تكليفا ظاهريا بوجوب الكف وترك المضى عند الشبهة.

مع انّ هناك قرائن دالة على انّه للارشاد فيختلف ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد اليه :

مع ان هناك قرائن دالة على ان ما دل على وجوب التوقف وما دل على وجوب الاحتياط هو للارشاد وبعد ما كان الامر فيها للارشاد فلا اشكال فى اختلاف مواردها فيختلف ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد اليه.

ففى بعض الموارد لزم الاجتناب لان فى ارتكاب الشبهة فى هذه الموارد موجب للوقوع فى الهلكة كما فى مورد القدرة لازالة الشبهة

٢٤٧

بالرجوع الى الامام عليه‌السلام او الى الطرق المنصوبة منه لعدم معذورية الفاعل هنا بحكم العقل ومع ذلك لو ارتكب ولم يكن حراما ليس له عقاب وكما فى مورد الاعتقادات المطلوب فيها العلم القطعى لا العمل على الاوهام الفاسدة وكما فى مورد تحقق التكليف فعلا وكما فى مورد الشبهة المحصورة وكما فى الشبهات الحكمية قبل الفحص فلما كان ارتكاب الشبهة فى هذه الموارد مستلزمة للهلاك الاخروى فلا ريب فى لزوم التوقف فيها.

واما فى غيرها فلا نسلم ان يكون فى ارتكابها هلاكا اخرويا حيث انه فرع ان تكون الشبهة محرمة فى الواقع وهو اول الكلام بل فى غيرها يستحب التوقف والاحتياط ومن القرائن على الارشاد ظهور بعض الاخبار فى الارشاد مثل ما عن أمالي المفيد الثانى ولد الشيخ اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت فظاهر فى الارشاد.

اذ المراد انه ينبغى للمرء ان يتخذ الدين عضدا لنفسه وان اى مرتبة شأنها من الاحتياط تكون فى محلها فان الدين بمنزلة الاخ الذى يحسن الاستمداد به فى جميع الامور ومن المعلوم انه لا يجب شرعا ولا عقلا جميع مراتب الاحتياط حتى فى الشبهة الموضوعية.

ومثل ما عن خط الشهيد (قدس‌سره) عن عنوان ابى عبد الله عليه‌السلام يقول فيه سل العلاء ما جهلت واياك ان تسألهم تعنتا وتجربة واياك ان تعمل برأيك شيئا وخذ الاحتياط فى جميع امورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الاسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس فظاهر فى

٢٤٨

الارشاد ايضا فان المراد اسأل العلماء لغرض التعلم وتحصيل العلم لا لاغراض فاسدة كالتعنت والتجربة واحذر عن العمل بالرأى مخالفة الوقوع فى خلاف الواقع واحذر من الفتيا مخافة اغراء الناس بالجهل فانها تدل على حسن الاحتياط ما دام الاستطاعة.

ومثل ما فى مرسلة الشهيد (قدس‌سره) دع ما يريبك الى ما لا يريبك فانك لا تجد فقد شىء تركته لله عزوجل فالتعليل فيه شاهد على كون الامر للارشاد.

ومثل ما فى مرسلته الاخرى ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط فظاهرها انه فى مقام الوعظ وفى رواية نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله يقول لكل ملك حمى وحمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك لو ان راعيا رعى الى جانب الحمى لم يثبت غنمه ان يقع فى وسطه فدعوا المشتبهات ، هذه جملة من الاخبار الدالة على الاحتياط الظاهرة فى الارشاد فمهما تعين كون الامر بالتوقف للارشاد المطلق فهو تابع للمرشد اليه فى اللزوم وعدمه فان كان الشك فى المكلف به او كان الشك فى التكليف قبل الفحص كان الامر بالتوقف لزوميا وإلّا كان غير لزومى ولا ينافى ظهوره فى الارشاد ارادة خصوص الطلب الالزامى الارشادى من بعض موارد الشبهة بقرينة خاصة كما اشرنا اليه آنفا كما لا ينافى ارادة خصوص الاستحبابى الارشادى من بعضها الآخر من القرينة الخارجية ايضا.

٢٤٩

ويؤيّده انّه لو لم يكن للإرشاد يوجب تخصيصه لا محالة ببعض الشّبهات اجماعا مع انّه آب عن التّخصيص قطعا :

ويؤيده انه لو لم يكن ما دل على وجوب التوقف والاحتياط للارشاد بل كان امرا مولويا يوجب تخصيصه واخراج بعض الشبهات منه اجماعا لاعتراف الأخباريين والمجتهدين بعدم وجوب الاجتناب فى الشبهات الموضوعية مطلقا والوجوبية التحريمية.

فلا بد من تخصيص اخبار الاحتياط بهما مع انها آب عن التخصيص فان فى رواية المفيد الثانى تصريح بالامر بالاحتياط باى مرتبة شاء المرء وكذا فيما خط الشهيد وفيما فى مراسلة الثلاث وبالجملة ان الامر فيها يدور بين حملها على الارشاد وبين ارتكاب تخصيص الاكثر فيها باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية عنها فتحمل اخبار الاحتياط على الارشاد لمكان إبائها عن التخصيص مع قيام القرائن فيها عليه حسبما مر بيانه.

ولعل التعبير بالتأييد للتنبيه على انه لا اعتماد بهذا الاجماع لاحتمال كون مدارك المجمعين فى الشبهتين روايات الترخيص او اصالة البراءة.

كيف لا يكون قوله عليه‌السلام قف عند الشّبهة فان الوقوف عند الشّبهة خير من الاقتحام فى الهلكة للإرشاد مع انّ المهلكة

٢٥٠

ظاهرة فى العقوبة ولا عقوبة فى الشّبهة البدويّة قبل ايجاب الوقوف والاحتياط فكيف يعلّل ايجابه بانّه خير من الاقتحام فى الهلكة :

انما استأنف الكلام فى اخبار التوقف مع انه قد اجاب عنها اولا بما سبق لاجل التوطئة لذكر شبهة فيها والجواب عنها.

وانما اردف الوقوف بقوله والاحتياط فى قوله قبل ايجاب الوقف والاحتياط .. الخ للتنبيه على ان اخبار التوقف دالة على الاحتياط بالالتزام واخبار الاحتياط دالة على التوقف بالالتزام وبهذا الاعتبار صح التكلم فى كل واحد من التوقف والاحتياط بما للاخرى من الاشكال.

وحاصله انه لو لم يكن مثل قوله عليه‌السلام قف عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة للارشاد بل كان امرا مولويا شاملا للشبهات البدوية مطلقا لا يلائم ذلك مع التعليل المذكور فيه بالهلكة مع ان الهلكة ظاهرة فى العقوبة لوقوعها فى كلام الشارع اذ لا هلكة اصلا فى الشبهات البدوية بعد الفحص قبل امر الشارع بالتوقف والاحتياط بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فلا يصح ان يعلل ايجاب الوقف والاحتياط بانه خير من الاقتحام فى الهلكة فمهما بطل كون الامر بالتوقف امرا مولويا تعين كونه ارشاديا وكونه لزوميا او غير لزومى تابع للزوم المرشد اليه وعدمه فيختص الامر بما يتنجز الواقع على المكلف كالشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالى.

٢٥١

لا يقال نعم ولكنّه يستكشف عنه على نحو الإنّ ايجاب الاحتياط من قبل ليصحّ به العقوبة على المخالفة.

لا يقال سلمنا انه لا عقوبة فى الشبهة البدوية ما لم يؤمر بالوقوف والاحتياط ولكن مقتضى اطلاق قوله الوقوف عند الشبهة وشموله للشبهة البدوية وظهور الهلكة فى العقوبة هو ان يقال ان الاقتحام فى كل شبهة اقتحام فى العقوبة.

فالوقوف لازم عند الشبهة البدوية لانها داخلة فى العموم فلاجل صون كلام الحكيم عن الكذب يستكشف امر طريقى بالاحتياط فى الشبهة البدوية من قبل من باب الدليل الإنّي بمعنى ان استحقاق العقوبة معلول لمخالفة الامر المولوى فيكون شمولها للشبهة البدوية كاشفا عن ايجاب الاحتياط فيها فيصح العقوبة فى الشبهة البدوية حتى بعد الفحص.

فانّه يقال انّ مجرد ايجابه واقعا ما لم يعلم لا يصحّ العقوبة ولا يخرجها عن انّها بلا بيان ولا برهان فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجّز فيه المشتبه لو كان كالشّبهة قبل الفحص مطلقا او الشّبهة المقرونة بالعلم الاجمالى فتأمّل جيّدا.

حاصله ان مجرد صدور الامر الطريقى واقعا مما لم يعلم به لا يترتب عليه التنجز ما لم يصل الى المكلف ومما لا يصحح العقوبة

٢٥٢

على الواقع ولا يخرجها عن العقاب بلا بيان اذ كونه حجتا على الواقع وقاطعا لعذر المكلف الجاهل انما يكون بايصال الامر الطريقى اليه باى انحاء الوصول لا مجرد صدوره واقعا فلا فائدة فى استكشافه انا.

وإلّا كان يكفى مجرد صدور الحكم الواقعى لقطع العذر وكان نفس الواقع المجهول مصحح للعقاب عليه من غير حاجة الى استكشاف امر طريقى اى ايجاب الاحتياط المصحح للعقاب عليه وحينئذ يختص الامر بما يتنجز فيه الواقع على المكلف كالشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالى فتأمل جيدا.

فى الاستدلال بالعقل للقول بالاحتياط

وامّا العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم اجمالا بوجوب واجبات ومحرّمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه او حرمته ممّا لم يكن هناك حجّة على حكمه تفريغا للذمّة بعد اشتغالها ولا خلاف فى لزوم الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى الّا من بعض الاصحاب.

الدليل الثالث الذى استدل به الاخبارى على وجوب الاحتياط

٢٥٣

فى الشبهات وهو حكم العقل بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم اجمالا بثبوت واجبات ومحرمات كثيرة ، فيما اشتبه وجوبه او ما اشتبه حرمته مما لم يكن هناك حجة على حكمه تفريغا للذمة بعد اشتغالها ولا اشكال فى استقلال العقل بان الاشتغال اليقينى يستدعى البراءة اليقينية فلا بد من ترك كل ما يحتمل الحرمة وفعل كل ما يحتمل الوجوب ليحصل اليقين بالفراق ولا يجوز الاقتصار على ترك ما علم حرمته وفعل ما علم وجوبه لان ذلك لا يوجب الفراغ وبالجملة ان مقتضى هذا العلم الاجمالى هو الاحتياط فى كل شبهة إلّا اذا ظفرنا بالدليل ولا خلاف فى لزومه فى اطراف العلم الاجمالى الا عن بعض الاصحاب وهو المحقق القمى على ما حكى عنه بل من جماعة كما يظهر من شيخنا العلامة اعلى الله مقامه قال فى الشبهة المحصورة.

واما المقام الثانى يعنى به وجوب الموافقة القطعية فالحق وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور قال وفى المدارك انه مقطوع به فى كلام الاصحاب ونسبه المحقق البهبهانى فى فوائده الى الاصحاب وعن المحقق المقدس الكاظمينى فى شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا وذهب جماعة الى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة (انتهى).

ثم لا يخفى ان مقتضى تقرير المصنف هو وجوب الاحتياط فى كل من الشبهات الوجوبية والتحريمية جميعا لقوله : واما العقل فلاستقلاله له بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه او حرمته ... الخ مع

٢٥٤

ان معظم الأخباريين لا يدّعون الاحتياط الا فى الشبهات التحريمية.

فالاولى ما افاده الشيخ ره فى تقريره ، قال فى رسائله واما العقل فتقريره بوجهين احدهما انا نعلم اجمالا قبل مراجعة الادلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ونحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب واليقين بعدم العقاب لان الاشتغال اليقينى يستدعى اليقين بالبراءة باتفاق المجتهدين والأخباريين وبعد مراجعة الادلة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرمات الواقعية فلا بد من اجتناب كل ما احتمل ان يكون منها اذا لم يكن هناك دليل شرعى يدل على حليته اذ مع الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير حرمته واقعا (انتهى)

والجواب انّ العقل وان استقلّ بذلك الّا انّه اذا لم ينحلّ العلم الاجمالى الى علم تفصيلى وشكّ بدوىّ وقد انحلّ هاهنا فانّه كما علم بوجود تكاليف اجمالا كذلك علم اجمالا بثبوت طرق واصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة او ازيد (وح) لا علم بتكاليف أخر غير التّكاليف الفعلية فى الموارد المثبتة من الطّرق والاصول العمليّة.

والجواب انا وان علمنا بوجود واجبات ومحرمات فى المشتبهات ومقتضاه الاحتياط والتوقف عقلا ولكن يرد عليه بان هنا علما اجماليا آخر

٢٥٥

مقارنا لهذا العلم وهو العلم بوجود امارات مثبتة للتكليف وكانت بمقدار المعلوم بالاجمال او ازيد ولم يبق لنا تكليف منجز ازيد مما تكلفت الامارات فينحل هذا العلم الى علم تفصيلى وشك بدوى لانقطاع الاصل فى طرف الامارات ويبقى فى غيرها سلمية عن المعارض اذ مع احتمال وجود المعلوم بالاجمال فى طرف الامارات ينطبق المعلوم بالاجمال عليها قهرا وحينئذ فلا بد من التفحص فى هذه الامارات فان علمنا تفصيلا وإلّا فنحتاط فى دائرتها ولا وجه للاحتياط فى ما سواها من المشتبهات وهذا المقدار مما لا اشكال فيه ظاهرا وانما الكلام فى ان الانحلال المزبور حقيقى او حكمى.

قال سيدنا الحكيم فى شرحه على الكتاب ، فالذى يظهر من المصنف (ره) انه انحلال العلم الاجمالى حقيقة فلا موجب للاحتياط وكان الوجه فيه اما الوجدان اذ ليس لنا إلّا فرد معلوم النجاسة وآخر مشكوك النجاسة نظير الاقل والاكثر الاستقلاليين كما لو علم بنجاسة احد الإناءين وشك فى نجاسة الآخر او ان المعلوم بالاجمال لما كان طبيعة مهملة صالحة للانطباق على كل واحد من الطرفين على البدل والمعلوم بالتفصيل طبيعة خاصة ولا ريب ان الطبيعة المهملة عين الطبيعة الخاصة فى الخارج كان اتحاد المعلومين موجبا لامتناع اجتماع العلمين لان المثلين كالضدين يمتنع اجتماعهما فى محل واحد فيمتنع كون المعلوم بالتفصيل طرفا للمعلوم بالاجمال فلم يبق له الاطرف واحد ويمتنع قيام العلم الاجمالى بطرف واحد فينقلب شكا (الى ان قال) ولكن لا يخفى عدم تمامية كل من التقريبين

٢٥٦

(اما الاول) فلان الوجدان حاكم بوجود علمين فى محل الكلام بحيث يصح ان نخبر بانا نعلم بنجاسة الاناء الفلانى ونعلم بنجاسة اناء زيد المردد بينه وبين الآخر.

واما الثانى فلابتنائه على تعلق العلم بالامور الخارجية لا الصور الذهنية اذ على الثانى تكون الصورة الحاكية عن المعلوم بالتفصيل غير الصورة الحاكية عن المعلوم بالاجمال فيكون موضوع احد العلمين غير موضوع الآخر ، ولا يلزم اجتماع المثلين ، مع ان الشك فى الطرف الآخر انما كان ناشئا من العلم الاجمالى فبقائه يدل على بقائه (الى ان قال) فلا محيص إلّا ان يقال ليس الانحلال فى المقام حقيقيا بل حكمى بمعنى مجرد عدم ترتب اثر على العلم الاجمالى وفرض وجوده كعدمه ، والوجه فيه ان المعلوم بالاجمال يمتنع ان يتنجز فى المقام لا من قبل العلم التفصيلى ولا من قبل العلم الاجمالى اما من قبل الاول فواضح لعدم تعلقه به فكيف يصلح للمنجزية.

واما من قبل الثانى فلانه وان تعلق به إلّا ان المعلوم بالاجمال لما كان صالحا للانطباق على المعلوم بالتفصيل كان تنجزه بالعلم الاجمالى موجبا لكون المعلوم بالتفصيل قام عليه منجز ان العلم التفصيلى المتعلق به والعلم الاجمالى المتعلق بما هو صالح للانطباق عليه واجتماع المنجزين على المنجز الواحد ممتنع فلا بد من استناد تنجز المعلوم بالتفصيل اليهما معا فيسقط العلم الاجمالى عن المنجزية الفعلية فلا منجزية للمعلوم بالاجمال اصلا انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه ولكن

٢٥٧

لا يخفى ان مراد المصنف ، من الانحلال ليس هو الانحلال الحقيقى حتى يقال انه لا محيص إلّا عن ان يقال ليس الانحلال فى المقام حقيقيا بل حكمى بل مراده من الانحلال هو الانحلال الحكمى لان ظاهر قوله إلّا انه اذا لم ينحل العلم الاجمالى الى علم تفصيلى وشك بدوى وان كان هو الانحلال الحقيقى إلّا انه سيصرح عن قريب بكونه فى المقام حكميا وهو قيام امارات معتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال وعليه فلا حاجة الى تطويل الكلام بالنقص والابرام والى اتعاب النفس وفتح باب القيل والقال والمتحمل فى رفع الاشكال كما لا يخفى ويشترط فى الانحلال الحكمى ان يكون المعلوم بالاجمال محتمل الانطباق على مؤدى الامارة وان يكون مؤديات الطرق المعتبرة بمقدار المعلومات بالاجمال.

وهذا الشرط حاصل بناء على جعل الحجية فى الامارات المعتبرة مثلا اذا علم اجمالا بوجوب الظهر او الجمعة وقامت الامارة على وجوب الجمعة فلا شك فى ان المعلوم بالاجمال محتمل الانطباق على مؤدى الامارة ومن الواضح ان نهوض الحجة عليه يوجب تنجز الواقع على تقدير المصادفة والعذر على تقدير الخطاء وكان مرجع ذلك الى ان يقال ان كان مؤدى الامارة منطبقا على الجمعة فوجوبه صار منجزا لقيام الامارة عليه وان اخطأت الامارة بان كان الواجب هو الظهر واقعا فالمكلف معذور عند الشارع.

واما بناء على جعل الحكم المماثل فى مورد الامارة وقلنا بان مقتضى ادلة الامارات ليس تعيين الواقعيات المعلومة بها بل غايتها جعل الحكم

٢٥٨

المماثل المجعول على طبق مؤدياتها لا انه لا واقع فى غيرها ، فلا انحلال حينئذ لفقد شرطه وهو احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على مؤديات الطرق والامارات اذ الحكم المماثل المجعول فى موردها مباين للوجوب الواقعى المتعلق بالظهر او الجمعة فلا ينطبق المعلوم بالاجمال عليه ولو احتمالا فهذا ليس انحلالا حكميا اللهم إلّا ان يقال ان المراد من الانحلال الحكمى هو ارتفاع اثر التنجز ولو مع بقاء نفسه المعبر عنه فى كلمات بعض المحققين من المعاصرين بالحكمى بالمعنى الاعم فهو جار فيما نحن فيه.

اذ مع حصول العلم التفصيلى بالحكم المماثل المجعول يكون الحكم الواقعى شأنيا لئلا يلزم اجتماع المتضادين او المماثلين فالتنجز مصروف الى مؤدى الامارة عن المعلوم بالاجمال فيكون العلم الاجمالى باقيا مع ارتفاع اثره اعنى التنجز فهو باق على ما كان عليه مع ارتفاع اثره ،

ثم لا يخفى ان فى التعبير (بقوله كذلك علم اجمالا بثبوت طرق واصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف) مسامحة ولو قال بدل قوله كذلك علم اجمالا هكذا ، كذلك علم تفصيلا كان مناسبا لما اردناه وهو انحلال العلم الاجمالى الى علم تفصيلى وشك بدوى اذ لو علم اجمالا لا تفصيلا بثبوت طرق واصول معتبرة مثبتة للتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة بالاجمال لكانت النتيجة انحلال العلم الاجمالى الكبير الى العلم الاجمالى الصغير لا انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى والشك البدوى كما ادعاه المصنف.

٢٥٩

ان قلت نعم لكنّه اذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم بالواجبات.

حاصله انه نعم لا علم حينئذ بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية فى الموارد المثبتة من الطرق والاصول العملية فلا وجه للاحتياط فيما سواها من المشتبهات ولكن اذا لم يكن العلم بالتكاليف الفعلية فى الموارد المثبتة من الطرق والامارات مسبوقا بالعلم بالواجبات وإلّا فلا ينحل العلم الاجمالى السابق بهذا العلم التفصيلى اللاحق اذ العلم الاجمالى السابق قد اثر اثره وهو التنجز ولا يشترط بقائه بعد تأثيره لان العلم الاجمالى بحدوثه صار علة لتنجز ما هو الواقع المجهول من الحكم الالزامى.

وبعد ثبوت التنجز للواقع المجهول لا يمكن ارتفاعه ما دام الموضوع باقيا وهو الجهل فى زمان حدوثه ولم يرتفع وعدم تخلف المعلول عن العلة حدوثا وبقاء انما يكون فى العلل الحقيقية لا فى جميع العلل.

والحاصل ان لحوق العلم التفصيلى للعلم الاجمالى لا يمنع عن بقاء تنجز العلم السابق وان ارتفع العلم الاجمالى بذاته فى الزمان اللاحق ولا فرق فى ذلك بين العلم التفصيلى والامارات اللاحقة ومن الواضح ان العلم الاجمالى حاصل لكل مكلف بالاحكام الواقعية قبل الظفر بالامارات ومجرد العلم بها قبل العثور عليها لا يجدى فى الانحلال.

اذا الملاك فى الانحلال تقارن زمان المعلومين لا زمان نفس العلمين ومن المعلوم ان زمان حجية الامارات انما يكون زمان الوصول الى

٢٦٠