نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

الايجاب والتّحريم الطّريقيّين ضرورة انّه كما يصحّ ان يحتجّ بهما صحّ ان يحتجّ به ويقال لم اقدمت مع ايجابه ويخرج به عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما.

حاصله ان ما ذكر انما يتم لو لم يكن ايجاب الاحتياط طريقيا بل يكون نفسيا وإلّا اى مع كون ايجابه طريقيا بمعنى ان الشارع بملاحظة حفظ الحكم الواقعى قد جعل الاحتياط بحيث لو لم يكن حكم واقعى لما اوجب الاحتياط اصلا ، فهو موجب لاستحقاق العقاب على الواقع المجهول فى المشتبهات كما هو الحال من الايجاب والتحريم الطريقيين فان الايجاب والتحريم الطريقيين يوجبان استحقاق العقاب على مخالفة الواقع لا على انفسهما فكما يصح ان يحتج بالايجاب والتحريم الطريقيين على مخالفة الواقع فكذلك صح ان يحتج بايجاب الاحتياط على عدم مراعاة الواقع ويقال لم اقدمت واقتحمت مع ايجاب الاحتياط وحينئذ يخرج بايجاب الاحتياط عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بالايجاب والتحريم الطريقيين عند مخالفة الواقع.

وقد انقدح بذلك انّ رفع التّكليف المجهول كان منّة على الامّة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيّته من ايجاب الاحتياط فرفعه فافهم.

وقد انقدح بذلك اى بذلك الذى ذكرنا من ان ايجاب الاحتياط

٢٠١

يكون اثرا للتكليف المجهول ويكون باقتضائه ان رفع التكليف المجهول كان منة على الامة حيث كان له تعالى وضعه بوضع ما هو مقتضاه من ايجاب الاحتياط الذى هو سبب لاستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول ولم يفعل فهو منة منه تعالى على الامة.

قوله فافهم لعله اشارة الى ان رفع التكليف المجهول وان كان منة على الامة حيث كان له تعالى وضعه من ايجاب الاحتياط فرفعه واما رفع المؤاخذة على ساير الامور من الخطاء والنسيان الى آخر الفقرات ليس امتنانيا مطلقا.

ثمّ لا يخفى عدم الحاجة الى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشّرعية فيما لا يعلمون فانّ ما لا يعلم من التّكليف مطلقا كان فى الشّبهة الحكميّة او الموضوعيّة بنفسه قابل للرّفع والوضع شرعا وان كان فى غيره لا بدّ من تقدير الآثار او المجاز فى اسناد الرّفع اليه فانّه ليس ما اضطرّوا او ما استكرهوا الى آخر التّسعة بمرفوع حقيقة.

ثم لا يخفى عدم الحاجة فى حفظ صدق الكلام الى تقدير المؤاخذة ولا على تقدير غير المؤاخذة من جميع الآثار او الاثر المناسب لكل فقرة. من الفقرات التسع فى اسناد الرفع الى ما لا يعلمون فان ما لم يعلم من التكليف بناء على كون المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو خصوص الحكم

٢٠٢

مطلقا كان فى الشبهة الحكمية او الموضوعية بنفسه قابل للوضع والرفع.

ولو بمعنى رفع تنجزه من غير حاجة الى تقدير شيء فيه اصلا وان كان فى غيره من سائر الفقرات التسع لا بد من تقدير المؤاخذة او الاثر الظاهر او تمام الآثار او اسناد الرفع اليه مجازا بلحاظ المؤاخذة او الاثر الظاهر او تمام الآثار بعد عدم امكان رفع هذه الموضوعات للزوم الكذب.

بداهة انه ليس ما اضطروا وما استكرهوا الى آخر التسعة بمرفوع حقيقة فلا بد من تقدير امر يصحح باعتباره.

نعم لو كان المراد من الموصول فيما لا يعلمون ما اشتبه حاله ولم يعلم عنوانه لكان احد الأمرين ممّا لا بدّ منه ايضا

نعم لو كان المراد من الموصول فيما لا يعلمون ما اشتبه حاله ولم يعلم عنوانه يعنى الموضوع الذى اشتبه حكمه لاشتباه عنوانه (فتختص بالشبهة الموضوعية) لكان احد الامرين من التقدير او المجاز فى الاسناد مما لا بد منه.

ولكنك قد عرفت ان المراد بالموصول فيما لا يعلمون فى نظر المصنف هو خصوص الحكم المجهول كان فى الشبهات الحكمية او الموضوعية ومن الواضح ان الحكم المجهول هو بنفسه قابل للرفع ولا حاجة الى تقدير شىء فيه اصلا.

٢٠٣

ثمّ لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح انّ المقدّر فى غير واحد غيرها فلا محيص عن ان يكون المقدّر هو الاثر الظّاهر فى كلّ منها او تمام آثارها الّتى يقتضى المنّة رفعها كما انّ ما يكون بلحاظه الأسناد اليها مجازا هو هذا كما لا يخفى فالخبر دلّ على رفع كلّ اثر تكليفي او وضعىّ كان فى رفعه منّة على الأمّة

قد عرفت آنفا ان المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو خصوص التكليف مطلقا سواء كان سبب الجهل به فقدان النص او اجماله او تعارض النصين او الامور الخارجية وعليه فلا حاجة الى تقدير شيء فيما لا يعلمون والاسناد فى هذه الفقرة يكون اسنادا الى ما هو له وقد اوضحنا كل ذلك هناك عند شرح كلام المصنف.

وحيث انه لا بد فى غير ما لا يعلمون من عناية مصححة للتجوز العقلى فعلى تقدير تعدد ما يكون مصححا لذلك يقع البحث فى تعيين ذلك هل هو المؤاخذة او الاثر الظاهر او جميع الآثار قال شيخنا الاعظم اعلى الله مقامه الشريف (ما لفظه) والحاصل ان المقدر فى الرواية باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل ان يكون جميع الآثار فى كل من التسعة وهو الاقرب اعتبارا الى المعنى الحقيقى وان يكون فى كل منها ما هو الاثر الظاهر فيه وان يقدر المؤاخذة فى الكل.

٢٠٤

وهذا اقرب عرفا من الاول واظهر من الثانى ايضا لان الظاهر ان نسبة الرفع الى مجموع التسعة على نسق واحد انتهى ، حاصل كلامه قدس‌سره ان فى الحديث الشريف من حيث التقدير احتمالات ثلاث الاولى ان يكون المقدر جميع الآثار من التكليفية والوضعية.

الثانى ان يكون المقدر فى كل منها ما هو الاثر الظاهر فيه ، الثالث ان يكون المقدر فى الكل خصوص المؤاخذة وهو اقرب من الاول واظهر من الثانى.

والمصنف يقول لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح ان المقدر فى غير واحد من العناوين المذكورة فى الحديث غير المؤاخذة فان المقدر فيما اكرهوا وما لا يطيقون والخطاء غير المؤاخذة كما يظهر من الرواية التى يشير اليها المصنف.

فلا محيص حينئذ الامن ان يكون المقدر هو الاثر الظاهر او تمام الآثار التى تكون فى رفعها المنة اما الاول فلانه القدر المتيقن فى مقام التخاطب والموصولة وان كانت من الفاظ العموم إلّا انها كناية عما هو المعهود بوسيلة الصلة ومن البين ان المعهودية للموصولة حاصلة بمعونة القدر المتيقن فى مقام التخاطب والزيادة مشكوكة واما الثانى فلانه هو قضية عموم العلة المبينة لسعة دائرة المعلل بها.

وكيف كان فلا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة كما كان الامر كذلك لو لم نقدر فى الكلام شيئا وكان اسناد الرفع الى نفس تلك الامور التسعة

٢٠٥

مجازا فيكون التجوز فى الاسناد فلا محيص عن ان يكون المقدر هو الاثر الظاهر او تمام الآثار من التكليفية والوضعية جميعا فلا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح ان المقدر فى غير واحد غيرها فالخبر دل على رفع كل اثر تكليفى او وضعى كان فى رفعه منة على الامة.

كما استشهد الإمام عليه‌السلام بمثل هذا الخبر فى رفع ما استكره عليه من الطّلاق والصّدقة والعتاق.

قد عرفت آنفا انه لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح ان المقدر فى غير واحد من العناوين التسعة المذكورة فى الحديث غير المؤاخذة يعنى نفى كون المقدر فى غير ما لا يعلمون خصوص المؤاخذة بل الاثر الوضعى مراد من حديث الرفع كما استشهد الامام عليه‌السلام بمثل هذا الخبر فى ما استكرهوا عليه من الطلاق والصدقة والعتاق.

فان سؤال السائل انما يكون عن لزوم الحلف عليها وهو الاثر الوضعى لا عن الاحكام التكليفية المترتبة عليها من حرمة وطى المطلقة بالحلف وحرمة التصرف فى ما يملك بالحلف بكونه صدقة وحرمة استخدام العبيد بالحلف بكونهم عتقاء حتى يصح تقدير المؤاخذة خاصة فتطبيق الامام عليه‌السلام الكبرى الكلية على خصوص مورد الاثر الوضعى الذى هو محل حاجة السائل دليل على كون الاثر الوضعى مشمولا لحديث الرفع ولا يمكن قصر الحديث على تقدير المؤاخذة خاصة.

٢٠٦

ولا وجه لتقدير كليهما اى تقدير خصوص المؤاخذة مع ارادة اثر وضعى بان يكون الملحوظ او المقدر شيئان مختلفان المؤاخذة وذلك الاثر لتصحيح التجوز فى الاسناد فلا بد من الحمل على جميع الآثار كى يشمل رفع الحكم التكليفى والوضعى وترفع المؤاخذة بارتفاع الحكم الفعلى.

قال شيخنا الاعظم اعلى الله مقامه بعد قوله بان المقدر فى الرواية باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل ان يكون جميع الآثار فى كل واحد من التسعة وهو الاقرب اعتبارا الى المعنى الحقيقى وان يكون فى كل منها ما هو الاثر الظاهر فيه وان يقدر المؤاخذة فى الكل وهذا اقرب عرفا من الاول واظهر من الثانى ، قال نعم يظهر من بعض الاخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الامة بخصوص المؤاخذة فعن المحاسن عن ابيه عن صفوان بن يحيى والبزنطى جميعا عن ابى الحسن عليه‌السلام فى الرجل يستكره على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك فقال لا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع عن امتى ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطئوا الخبر.

فان الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة وان كان باطلا عندنا مع الاختيار ايضا إلّا ان استشهاد الامام عليه‌السلام على عدم لزومها مع الاكراه على الحلف بها بحديث الرفع شاهد على عدم اختصاصه برفع خصوص المؤاخذة لكن النبوى المحكى فى كلام الامام عليه‌السلام مختص بثلاثة من التسعة فلعل نفى جميع الآثار مختص بها فتامل (انتهى)

٢٠٧

واورد على التمسك بالصحيحة لاثبات كون المرفوع بحديث الرفع جميع الآثار حتى الوضعية بعض اعاظم العصر ممن عاصر عصرنا فى عنايته بان الجواب مبنى على التقية اذ الحلف بالطلاق والعتاق وصدقه ما يملك باطل عندنا من أصله حتى مع الاختيار فكيف مع الاكراه فكان الامام عليه‌السلام لم يتمكن من اظهار الحق وهو بطلان الحلف بتلك الامور مطلقا ولو مع الاختيار.

فاقتصر على بيان بطلانه فى مورد السؤال فقط وهو الاكراه بوسيلة الاستشهاد بالنبوى ليسلم من شر الاعداء لا لان الاكراه رافع للاثر الوضعى واقعا انتهى.

ثمّ لا يذهب عليك انّ المرفوع فيما اضطرّ اليه وغيره ممّا اخذ بعنوانه الثانوىّ انّما هو الآثار المترتّبة عليه بعنوانه الأوّلى ضرورة انّ الظّاهر انّ هذه العناوين صارت موجبة للرّفع والموضوع للأثر مستدع لوضعه فكيف يكون موجبا لرفعه.

حاصله ان المرفوع فيما اضطروا اليه وغيره مما اخذ بعنوانه الثانوى انما هو الآثار المرتبة على الفعل بعنوانه الاولى بحيث كان طرو احد العناوين الثانوية من الاضطرار والخطاء والنسيان والاكراه وعدم العلم رافعا لها لا الآثار المترتبة على نفس تلك العناوين الثانوية كوجوب الكفارة المترتبة على الخطاء فى القتل مثلا.

٢٠٨

ضرورة ان الظاهر ان هذه العناوين الثانوية بعروضها صارت موجبة للرفع ومعلوم ان الموضوع للاثر مستدع لوضعه اى لثبوته فكيف يكون موجبا لرفعه.

فتحصل ان الآثار المرفوعة بحديث الرفع ليست هى الآثار المترتبة على نفس تلك العناوين الثانوية اذ لا يعقل ان تكون تلك العناوين رافعة للآثار التى موضوعة لها فيلزم ان يكون تلك العناوين الثانوية علة لثبوتها ورفعها وهو ممتنع.

لا يقال كيف وايجاب الاحتياط فيما لا يعلم وايجاب التّحفظ فى الخطاء والنّسيان يكون اثرا لهذه العناوين بعينها وباقتضاء نفسها.

حاصله ان ايجاب الاحتياط مما لا يعلمون وايجاب التحفظ فى الخطاء والنسيان هما من الآثار المترتبة على نفس عنوان ما لا يعلم او عنوان الخطاء والنسيان.

بداهة ان ايجاب الاحتياط حال العلم بالتكليف مما لا معنى له وايجاب التحفظ حال التذكر مما لا معنى له ايضا فلا محالة لا يكون ايجاب الاحتياط إلّا بلحاظ حال الجهل بالتكليف ولا يكون ايجاب التحفظ إلّا بلحاظ الخطاء والنسيان فيكون ايجاب الاحتياط اثرا للتكليف المجهول بما هو مجهول ومفهومه انما ينتزع متاخرا عن مقام الجهل.

٢٠٩

ومن الواضح ان الموضوع مستدع لثبوت ايجاب الاحتياط لا لرفعه فكيف يكون قوله رفع ما لا يعلمون رافعا لايجاب الاحتياط الذى هو اثر لما لا يعلمون وكذا الخطاء والنسيان مستدع لجعل ايجاب التحفظ لئلا يقع فيهما فكيف يكون قوله رفع الخطاء والنسيان رافعا لايجاب التحفظ الذى هو اثر لهما فيكون الخبر دليلا على رفع آثار هذه العناوين بما هى لا رفع آثار ذوات المعنونات.

فانّه يقال بل انّما يكون باقتضاء الواقع فى موردها ضرورة انّ الاهتمام به يوجب ايجابهما لئلّا يفوت على المكلّف كما لا يخفى.

حاصل جوابه عن النقض هو ان ايجاب الاحتياط ليس من آثار عنوان الجهل بل هو من آثار الواقع المجهول فالعلة فى ايجاب الاحتياط فى مورد الجهل هو كون الحكم الواقعى فعلية حتمية بحيث لا يرض المولى بمخالفته فالحكم الواقعى واهتمام المولى به يوجب ايجابه على المكلف فيكون ايجاب الاحتياط اثرا له لا اثرا للجهل.

بل يمتنع ذلك اذ الامر بالاحتياط امر طريقى يكون فى مورد الجهل وليس حكما مجعولا للشك وإلّا يلزم ان يكون ظاهريا مماثلا للواقع فلا يكون منجزا للواقع كذلك الامر فى ساير اوامر الطريقية فانها مجعولة فى مورد الجهل لا انه موضوع له فلا يرد الاشكال بانه يلزم من ايجاب

٢١٠

الاحتياط فيما لا يعلمون ان يكون المستدعى لشىء نافيا له وكذا الكلام فى ايجاب التحفظ مع ان ايجاب التحفظ يمتنع ان يكون من آثار الخطاء والنسيان بداهة ان ايجاب التحفظ انما يكون لئلا يقع فى الخطاء والنسيان فكيف يكون اثرا للفعل الصادر خطاء او نسيانا.

فى الاستدلال بحديث الحجب

ومنها حديث الحجب وقد انقدح تقريب الاستدلال به ممّا ذكرنا فى حديث الرّفع :

ومن الروايات التى تمسكوا بها للبراءة قوله عليه‌السلام ما حجب الله تعالى علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ، وهو حديث موثق كما فى الفصول مروى فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوب التوقف والاحتياط عن ذكريا بن يحيى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ، تقريب الاستدلال بحديث الحجب قد انقدح مما ذكرنا فى حديث الرفع بان يقال ان المراد من الموصول هو خصوص الحكم المحجوب علمه مطلقا ولو كان منشأ الحجب اشتباه الامور الخارجية.

فان الحكم الالزامى الذى حجب الله تعالى علمه على العباد فهو

٢١١

مرفوع عنهم ومن البين انه بنفسه قابل للرفع ولا يحتاج فى حفظ صدق النسبة الكلامية الى تقدير وارتكاب مجاز فشرب التتن مثلا حكمه محجوب عنه بمعنى ان حكمه الواقعى المشترك بين العالم والجاهل الغير الواصل الى المكلف فهو بمرتبة الفعلية الحتمية المنجزة مرفوع عنهم فى حال الحجب ومن المعلوم ان ايجاب الاحتياط اثر للحكم الحتمى ومع ارتفاعه ينتفى ايجاب الاحتياط فحينئذ يكون حجة على رد الاخبارى القائل بوجوب الاحتياط ولعل حديث الحجب اظهر فى الدلالة على المطلوب من حديث الرفع اذ لا يتوجه عليه اشكال الاختصاص بالشبهات الموضوعية.

فان الموصول وان كان عاما لكن بقرينة استناد الحجب اليه تعالى يختص بالاحكام التى كان رفع الجهل عنها من وظائفه سبحانه بايصال البيان الى العباد ولو بتوسيط رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والاحكام الكلية لها هذا الشأن دون الاحكام الجزئية فان رفع الجهل عنها ليس من وظيفته تعالى.

فظهر مما ذكرنا ان المراد من الموصول فيما حجب الله علمه عن العباد هو خصوص الحكم المجهول الذى من شأنه تعالى بيانه كشرب التتن فلا يستدل به الا للشبهات الحكمية فقط دون الموضوعية.

الّا انّه ربّما يشكل بمنع ظهوره فى وضع ما لا يعلم من التّكليف بدعوى ظهوره فى خصوص ما تعلّقت عنايته تعالى بمنع اطّلاع العباد عليه لعدم امر رسله بتبليغه حيث انّه بدونه لما صحّ اسنادا لحجب اليه تعالى :

٢١٢

إلّا انه ربما يشكل بمنع ظهور الحديث فى وضع ما لا يعلم من التكليف الفعلى بان جاء البيان من قبل المولى بالنسبة اليه واختفى على المكلف من معصية من عصى الله فى كتمان الحق او ستره بدعوى ظهوره فى خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع اطلاع العباد عليه لعدم امر رسله بتبليغه حيث انه بدون تعلق العناية المذكورة لما صح اسناد الحجب اليه تعالى بل الظاهر ان يستند حينئذ الى فعل المغرضين العاصين له تعالى لاجل كتمانهم الحق فالرواية مساوقة لما ورد عن على عليه‌السلام ان الله حدد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم.

فلا تصلح للاستدلال بها فى المقام لان محل الكلام بين الاخباريين والمجتهدين انما هو فى الاحكام التى انشأها الشارع بداعى جعل الداعى للمكلف على اتيانها بحيث اذا تعلق العلم بها أو قام عليها طريق معتبر تصير منجزة به ولو لم تصل جملة منها الينا بسبب اخفاء الظالمين.

واما الاحكام الشأنية التى سكت الشارع عن اظهارها لمصلحة فى اخفائها او لمفسدة فى اظهارها فليست هى محل الكلام وهى خارجة عن حريم النزاع رأسا لان المفروض عدم ارادة امتثالها ولو مع القطع بثبوتها فى الواقع.

وبعبارة اخرى مورد النزاع انما هى الاحكام المجهولة التى يقطع بفعليتها على تقدير ثبوتها واقعا لا الاحكام الشأنية المحضة والرواية بقرينة استناد الحجب اليه سبحانه مختصة بالثانى لان ما لم يبينه الشارع

٢١٣

وسكت عن اظهاره يقطع بعدم فعليته ولو مع القطع بثبوته فى نفس الامر ولا يخفى ان هذا الاشكال من الشيخ اعلى الله مقامه قال فى رسائله بعد ذكر الاستدلال بالحديث الشريف (ما لفظه) وفيه ان الظاهر مما حجب الله علمه ما يبينه واختفى عليهم من معصية من عصى الله فى كتمان الحق او ستره.

فالرواية مساوقة لما ورد عن مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام ان الله حدد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم (انتهى) ويظهر من المصنف التسليم لهذا الاشكال حيث سكت عنه ولم يذكر فى تضعيفه شىء بل الظاهر من قوله حيث انه بدونه لما صح اسناد الحجب اليه تعالى الى آخره التأييد له.

فى الاستدلال بحديث الحل

ومنها قوله ع كلّ شىء لك حلال حتى تعرف انّه حرام بعينه الحديث ، حيث دلّ على حليّة ما لم يعلم حرمته مطلقا ولو كان من جهة عدم الدّليل على حرمته.

لم اجد فى كتب الروايات رواية هكذا الا رواية محمد بن صدقة

٢١٤

(قد رواه فى الوسائل) فى التجارة فى باب عدم جواز الانفاق من الكسب الحرام مسندا عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول كل شىء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه او خدع فبيع قهرا او امراة تحتك وهى اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة

وقد ذكره الشيخ اعلى الله مقامه فى الشبهة التحريمية الموضوعية ولفظه كل شىء لك حلال الخ باسقاط كلمة هو كما فعل المصنف بل المصنف مضافا الى الاسقاط المذكور ذكر بدل قوله عليه‌السلام حتى تعلم حتى تعرف ولعل ان ما ذكره المصنف رواية اخرى غير رواية مسعدة لكنه بعيد فعلى تقدير كونها هى تلك الرواية فيشكل الاستدلال بها للمطلوب فى الشبهات الحكمية حيث انها بملاحظة تطبيقها على ما فى ذيلها من الامثلة بقوله عليه‌السلام وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة او العبد يكون عندك ولعله قد باع نفسه. الخ تكون ظاهرة فى الاختصاص بالشبهات الموضوعية ولا اقل من كون مثلها هو المتيقن فى مقام التخاطب المانع عن ظهور الصدر فى العموم الشامل للشبهات الحكمية وعلى اى حال يستدل المصنف بهذه الرواية لاصالة البراءة فى الشبهة التحريمية مطلقا سواء كان الشك فيها من جهة فقدان الدليل او من جهة اشتباه الامور الخارجية فتشمل الشبهة الموضوعية والحكمية معا.

وقد اشار الى ذلك بقوله حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته

٢١٥

مطلقا ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته (انتهى) ولو لا اشكال شمول الرواية للشبهات الحكمية بملاحظة تطبيقها على ما فى ذيلها من المشتبهات بالشبهة الموضوعية جسما بيناه لك لكانت دلالتها على المطلوب ظاهرة.

وقد اجاب عن الاشكال المحقق السلطان فى حاشيته على الكتاب انتصارا للمصنف قدس‌سره (ما لفظه) والجواب ان هذه الرواية مشتملة على لفظة كل فى الصدر والذيل ووضعها للعموم يدفع هذا الاشكال بل الشبهة الحكمية اولى بالدخول تحت العموم من الشبهة الموضوعية.

اذ اليأس بعد الفحص عن ارتفاعها مع الابتلاء بها ووقوع السؤال عنها فى غير هذه الرواية يوجب اولوية ارادتها فى مقام اعطاء القاعدة الكلية لاجل رفع الكلفة والحيرة فى مورد العمل بخلاف الشبهة الموضوعية الحاصلة من اختلاط الامور الخارجية التى ترتفع بالفحص المرتكز فى اذهان المتشرعة والسؤال انما وقع فى الروايات الأخر عن الشبهة الموضوعية التى لا طريق غالبا الى رفعها بالفحص عنها كما فى الجبن لما فيه من الانفخة ونحوها وهذه الشبهة كذلك قليلة بالنسبة الى الشبهات الحكمية. فظهر مما ذكرنا انه لا وجه لقصر القاعدة الكلية المذكورة فى صدر الراية وذيلها على الشبهة الموضوعية بمجرد تطبيقها على المشتبهات بالشبهة الموضوعية لان تطبيقها عليها والتمثيل بها انما كان لاجل التقريب الى ذهن الراوى لا لخصوصية فى كونها شبهة موضوعية وقد جعل الغاية احد الامرين اما الاستبانة وهذه حكم الشبهة الحكمية او قيام البينة انتهى.

فتحصل مما ذكرنا ان الحديث دل على حلية ما لم يعلم حرمته

٢١٦

مطلقا ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته هذا ولكن الانصاف ان الاستدلال بهذه الرواية لاصالة البراءة فى الشبهة التحريمية مطلقا مشكل حيث آكد الامام عليه‌السلام الضمير فى انه حرام بكلمة بعينه فهو لا يخلو عن ظهورها فى الشىء الخارجى المعلوم على التفصيل.

وبعدم الفصل قطعا بين اباحته وعدم وجوب الاحتياط فيه وبين عدم وجوب الاحتياط فى الشّبهة الوجوبيّة يتمّ المطلوب مع امكان ان يقال ترك ما احتمل وجوبه ممّا لم يعرف حرمته فهو حلال ـ تأمّل :

قد عرفت ان الرواية قد تعرضت للشبهة التحريمية فتدل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقا حتى فى الشبهات الحكمية واما الشبهة الوجوبية فالاستدلال بها فيها يكون بواسطة عدم الفصل بين اباحته وعدم وجوب الاحتياط فيما لم يعلم حرمته وبين عدم وجوب الاحتياط فى الشبهة الوجوبية فبعدم الفصل بين الصورتين يتم المطلوب وهو عدم وجوب الاحتياط فى مطلق الشبهات.

مع امكان ادراج الشبهات الوجوبية تحت مدلول لفظ الحديث من دون حاجة الى التشبث بعدم الفصل بان يقال ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته فهو حلال فاذا شك مثلا فى وجوب الدعاء عند رؤية الحلال فقد شك فى حرمة تركه فيكون حلالا وتأمل لعله اشارة الى ان النهى

٢١٧

عن الشىء لا ينحل الى زجر عنه وبعث الى تركه كما ان الامر بالشىء لا ينحل الى بعث عليه والى زجر عن تركه.

وإلّا يلزم ان يكون فى كل النهى والامر ثوابان وعقابان فلا بد من التشبث بذيل قول بعدم الفصل باسراء الاباحة الى الشبهة الوجوبية او اشارة الى ما فى الحقائق بان ذلك خلاف الظاهر اذ الظاهر من الرواية النظر الى خصوص الفعل لا الجامع بينه وبين الترك والله العالم.

فى الاستدلال بحديث السعة

ومنها قوله ع الناس فى سعة ما لا يعلمون ، فهم فى سعة ما لم يعلم او ما دام يعلم وجوبه او حرمته ومن الواضح انّه لو كان الاحتياط واجبا لما كانوا فى سعة اصلا فيعارض به ما دلّ على وجوبه كما لا يخفى.

ومنها قوله الناس فى سعة ما لا يعلمون ، فهم فى سعة ما لم يعلم بناء على اضافة السعة الى كلمة ما الموصولة او ما دام لم يعلم وجوبه او حرمته بناء على قراءة سعة بالتنوين وجعل كلمة ما مصدرية ظرفية وعلى الاول فمعناه انهم فى سعة الحكم الالزامى الذى لم يعلم.

وعلى الثانى فمعناه انهم فى سعة حين عدم العلم بالحكم الالزامى و

٢١٨

عدم العلم به تارة لاجل عدم النص او اجماله او تعارضه وهى الشبهة الحكمية واخرى لاجل الاختلاط بالامور الخارجية وهى الشبهة الموضوعية وعلى كل حال كانت كلمة ما موصولة قد اضيف اليها السعة بلا تنوين او كانت مصدرية ظرفية بمعنى ما دام فهى دالة على المطلوب.

ويستدل بها للبراءة لظهورها فى كون متعلق العلم هو الحكم الواقعى فالحرمة والوجوب الواقعيان المشكوكان حيث لم يعلم بهما يكون المكلف منهما فى؟؟؟ فلو دل دليل على الاحتياط كان معارضا لهذه الرواية اذ لو كان الاحتياط واجبا لما كان المكلف فى سعة بل فى ضيق منها.

لا يقال قد علم به وجوب الاحتياط.

لا يقال قد علم بما دل على وجوب الاحتياط وجوب الاحتياط فلا يعارضه خبر السعة ، وهو اشارة الى ما استشكل الشيخ قدس‌سره فى الرواية قال ان الأخباريين لا ينكرون عدم وجوب الاحتياط على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التأمل والتتبع (انتهى).

ومحصله ان الحديث الشريف مما لا يعارض دليل الاحتياط فانه بالنسبة اليه كالاصل بالنسبة الى الدليل الاجتهادى ينتفى به موضوعه بيانه ان المستفاد من الرواية التوسعة على من لم يعلم بالوجوب او الحرمة ومع حصول العلم بوجوب الاحتياط كما يدعيه الاخبارى ينتفى التوسعة.

اذ موضوعه ما لا يعلم وهو منتف بوجوب الاحتياط فهذه الرواية لا

٢١٩

تعارض ما دل على وجوب الاحتياط فلا تنهض ردا على الاخبارى.

فانّه يقال لم يعلم الوجوب او الحرمة بعد فكيف يقع فى ضيق الاحتياط من اجله نعم لو كان الاحتياط واجبا نفسيّا كان وقوعهم فى ضيقه بعد العلم بوجوبه لكنّه عرفت انّ وجوبه كان طريقيّا لأجل ان لا يقعوا فى مخالفة الواجب او الحرام احيانا فافهم.

حاصل الجواب عن الاشكال ، هو ان المستفاد من الحديث الشريف ان الناس فى سعة من طرف الحكم الواقعى ما لم يحصل العلم به والمفروض عدم حصول العلم به بعد فكيف يقع المكلف الذى لم يعلم بالحكم الواقعى فى ضيق الاحتياط من اجل وجوب الاحتياط الذى هو طريق الى الواقع ومنجز له وموجب للضيق فكما ان دليل الاحتياط موجب لتنجز الواقع المجهول ومما يثبت الضيق مع كون الواقع مجهولا غير معلوم كذلك هذه الرواية تدل على سعة المكلف من طرف الواقع المجهول فيتعارضان الدليلان نعم لو كان الاحتياط واجبا نفسيا لا طريقيا شرع لحفظ الواقعيات بل كان ايجابه لمصلحة فى نفس هذا العنوان لا بداعى تنجز الواقع بحيث له اطاعة ومعصية بحباله فى قبال الواقع فلا جرم ان العلم بايجابه علم بالتكليف الفعلى بهذا العنوان.

فيكون دليل وجوب الاحتياط واردا على مفاد الحديث الشريف اذ بالعلم بايجاب الاحتياط كذلك ينقلب ما لا يعلمون الى ما يعلمون

٢٢٠