نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

الظن المانع والممنوع :

فصل اذا قام ظنّ على عدم حجّية ظنّ بالخصوص فالتّحقيق ان يقال بعد تصوّر المنع عن بعض الظّنون فى حال الانسداد انّه لا استقلال للعقل بحجيّة ظنّ احتمل المنع عنه فضلا عمّا اذا ظنّ كما اشرنا اليه فى الفصل السّابق فلا بدّ من الاقتصار على ظنّ قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى والّا فبضميمة ما لم يظنّ المنع عنه وان احتمل مع قطع النّظر عن مقدّمات الانسداد وان انسدّ باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى.

لو قام ظن من افراد مطلق الظن على عدم حجية ظن بالخصوص وحرمة العمل به وفى وجوب العمل بالظن المانع او الممنوع او الاقوى منهما او التساقط وجوه بل اقوال :

نسب الشيخ «ره» الى استاده شريف العلماء الاول بناء على مختاره من أن نتيجة دليل الانسداد هو حجية الظن فى الفروع وعدم ثبوت اعتباره فى المسائل الاصولية وقد مر حكاية هذا القول منه فى صدر مبحث حجية الظن بالواقع او بهما.

١٤١

ثم قال : ولازم بعض المعاصرين يعنى صاحب الفصول الثانى بناء على ما عرفت منه من أن اللازم بعد الانسداد تحصيل الظن بالطريق ويستفاد من كلام الشيخ «ره» لزوم الاخذ بذى المرجح وإلّا فالتساقط والمصنف قد حقق فى المقام تحقيقا يرجع الى التفصيل بين الحالات.

حاصل تحقيقه قدس‌سره انه بعد امكان صحة المنع عن الظن القياسى فى حال الانسداد صح أن يقال : لا استقلال للعقل بحجية ظن قد احتمل المنع عنه بالخصوص شرعا فضلا عما اذا ظن المنع عنه كذلك.

وذلك لما اشرنا اليه فى الفصل السابق من عدم اجتماع استقلال العقل بحجية شىء مع احتمال المنع الشرعى عنه.

فلا بد من الاقتصار على ظنون متعلقة بالاحكام الالتزامية التى قد قطع بعدم المنع عنها بالخصوص فيما اذا كانت وافية بمسائل الفقه اذ مع القطع بعدم المنع عن جملة وافية من الظنون لا يستقل العقل بحجية الظنون التى احتمل المنع فيها فضلا عن الظن به.

اذ لا امن من الوقوع على خلاف الواقع عند العمل على طبقه مع وفاء ما سواه بمعظم الفقه وحينئذ ان كفى الظن المقطوع بعدم المنع عنه للوفاء بمعظم الفقه فهو وإلّا اى وان لم يكف فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وان احتمل لانه اقرب الى الواقع من الظن الممنوع قطعا.

والمراد باحتمال المنع كونه محتملا مع قطع النظر من

١٤٢

مقدمات الانسداد اذ بعد تمامية مقدمات الانسداد حال الظن المحتمل المنع عنه ليس إلّا كحال المقطوع المنع عنه.

حسب ما عرفت سابقا فى فصل الظن القياسى والى ما ذكرنا اشار بقوله :

مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد وان انسد باب هذا الاحتمال مع المقدمات كما لا يخفى.

وذلك ضرورة انه لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض ومنه انقدح انّه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النّتيجة هى حجيّة الظّن فى الأصول او فى الفروع او فيهما فافهم.

وذلك الذى ذكرنا من عدم استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عما اذا ظن لضرورة عدم اجتماع استقلال العقل بحجية شيء مع احتمال المنع الشرعى عنه حسبما مر بيانه فى الفصل السابق فلا بد حينئذ من الاقتصار على ظن تقطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى بمعظم الفقه فهو وإلّا فينظم اليه ما احتمل المنع عنه لا مظنون المنع ومنه اى ومن هذا التحقيق انقدح انه لا يتفاوت الحال فى وجوب طرح الظن الممنوع والاخذ بالمانع بين ما لو قيل بكون النتيجة هى حجية الظن فى الاصول كما عن الفصول او فى الفروغ كما عن شريف العلماء او فيهما كما هو المختار.

١٤٣

اذ البناء على عدم حجية الظن الا فى الفروع لا يلازم حجيته فيها مطلقا حتى مع الظن بعدم اعتباره لان من قال به يمكنه ان يقول بحجية خصوص ما لا يحتمل عدم اعتباره وكذا البناء على عدم حجية الظن الا فى الاصول لان من قال بكون النتيجة اعتباره فى المسألة الاصولية لا يلزمه القول بحجية المانع مطلقا لامكان ان يكون كل من الظن المانع والممنوع متعلقين بالطريق كما اذا قام ظن على عدم حجية ظن قام على حجية امارة او اصل وانما يصح ذلك فيما اذا كان الظن الممنوع متعلقا بمسألة فرعية كما لا يخفى.

فظهر مما ذكرنا ان الاشكال سار فى جميع الاقوال وليس الامر كما افاده الشيخ المرتضى اعلى الله مقامه الشريف.

وبالجملة ان نفس احتمال المنع عن الظن الممنوع موضوع لحكم العقل بعدم حجيته وقصر الحجية على غيره من الظنون ومع استقلال العقل بحجية غيره فى بادئ الامر عند احتمال المنع.

لا يبقى مجال للتشبث بذيل واحد من الوجوه التى ذكروه للترجيح فتلك الوجوه لا طائل تحتها.

فتحصل ان المسألة كانت مما لا ينبغى المصير فيها الا الى الاخذ بالمانع على كل حال نظرا الى تلك النكتة ولعل قوله فافهم اشارة الى ما ذكرنا.

١٤٤

الظن بالطريق :

فصل : لا فرق فى نتيجة دليل الانسداد بين الظّنّ بالحكم من امارة عليه وبين الظّنّ به من امارة متعلّقة بألفاظ الآية او الرّواية كقول اللّغوى فيما يورث الظّنّ بمراد الشّارع من لفظه وهو واضح ولا يخفى انّ اعتبار ما يورثه لا يختصّ ظاهرا بما اذا كان ممّا ينسدّ فيه باب العلم فقول اهل اللّغة حجّة فيما يورث الظّنّ بالحكم مع الانسداد ولو انفتح باب العلم باللّغة فى غير المورد.

حاصله أنه لا فرق فى نتيجة الانسداد بين حصول الظن بالحكم الشرعى من امارة عليه بلا واسطة كما اذا قامت الشهرة او الاجماع على وجوب شىء او حرمته وبين حصوله من امارة متعلقة بالفاظ الكتاب والسنة كقول اللغوى فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه.

١٤٥

فاذا قام قول اللغوى على أن لفظ الصعيد هو مطلق وجه الارض ولو كان حجرا او ترابا فاورث الظن فى قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) بجواز التيمم بالحجر مع وجود التراب الخالص كاف فى التيمم وهو واضح لانه اذا انتجت المقدمات حجية الظن بالحكم بمناط كونه اقرب الى الواقع وقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

فلا فرق بين الظن به من امارة قائمة على الحكم بلا واسطة وبين الظن الحاصل من امارة متعلقة بغيره كقول اللغوى فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه.

ولا يخفى أن اعتبار ما يورثه اى ما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه لا يختص بما اذا كان مما ينسد فيه باب العلم.

فقول اهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع انسداد باب العلم بالاحكام ولو انفتح باب العلم باللغة فى غير هذا المورد كما أنه لو انفتح باب العلم بالاحكام فالظن به من قول اللغوى ليس بحجة وان انسد باب العلم فى اللغات حسب ما مر بيانه فى حجية قول اللغوى.

نعم لا يكاد يترتّب عليه اثر آخر من تعيين المراد فى وصيّة او اقرار او غيرهما من الموضوعات الخارجيّة الّا فيما يثبت فيه حجيّة مطلق الظّنّ بالخصوص او ذاك المخصوص.

١٤٦

نعم لا يكاد يترتب على القول اللغوى اثر آخر غير الظن بالحكم الذى هو مراد الشارع كتعيين مراد الموصى فى وصية او اقرار او غيرهما من الموضوعات الخارجية.

وذلك لان مرجع العمل بقول اللغوى فى ذلك العمل بالظن فى الموضوعات الخارجية المترتبة عليها الاحكام الجزئية ولا دليل عليه.

وبالجملة لا يترتب على قول اللغوى اثر آخر من تعيين المراد فى وصية او اقرار او غيرهما مما هو من الموضوعات الخارجية الا فى الموضوعات التى ثبت فيها حجية مطلق الظن كالضرر والعدالة او ثبت حجية قول اللغوى بالخصوص وانه من الظنون الخاصة.

كما أن بعضهم جعل الظنون المتعلقة بالالفاظ من الظنون الخاصة مطلقا فيلزمه اعتبارها حتى فى الموضوعات الخارجية المترتبة عليها الاحكام الجزئية.

ومثله الظّنّ الحاصل بحكم شرعى كلّى من الظّنّ بموضوع خارجىّ كالظّنّ بأنّ راوى الخبر هو زرارة بن اعين مثلا لا آخر فانقدح انّ الظّنون الرّجالية مجدية فى حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرّجالى لا من باب الشّهادة ولا من باب الرّواية.

١٤٧

ومثله اى مثل الظن بالحكم الحاصل من امارة متعلقة بالفاظ الآية او الرواية فى الاعتبار الظن الحاصل بحكم شرعى كلى من الظن بموضوع خارجى كالظن بأن راوى الخبر هو زرارة بن اعين لا آخر كابن لطيفة وكون على بن الحكم هو الكوفى الثقة بقرينة احمد بن محمد عنه وكالظن بصحة اللفظ او خطائه او كون هذا كتاب فلان.

فان جميع ذلك اى جميع هذه الظنون وان كانت ظنا بالموضوع الخارجى إلّا أنها لما كانت مورثة للظن بالحكم الفرعى الكلى الذى انسد فيه باب العلم فيه عمل بها من هذه الجهة وان لم يعمل بها من سائر الجهات المتعلقة بعدالة ذلك الرجل او بتشخيصه عند اطلاق اسمه المشترك.

فانقدح بذلك أن الظنون الرجالية مجدية فى حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجال لا من باب الشهادة ولا من باب الرواية.

قال شيخنا الاعظم قدس‌سره فى الرسائل ما لفظه :

ومن هذا تبين أن الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن فى الاحكام ولا يحتاج الى تعيين أن اعتبار قول اهل الرجال من جهة دخولها فى الشهادة او الرواية ، انتهى.

تنبيه ، لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات

١٤٨

المتطرّقة الى مثل السّند او الدّلالة او جهة الصّدور مهما امكن فى الرّواية وعدم الاقتصار على الظّنّ الحاصل منها بلا سدّ بابه فيه بالحجّة من علم او علمىّ وذلك لعدم جواز التّنزّل فى صورة الانسداد الى الضّعيف مع التّمكن من القوى او ما بحكمه عقلا فتأمّل جيّدا.

اذا كان هناك خبر قائم على الحكم الشرعى الكلى وفيه احتمالات متطرقة الى جهات ثلاث من السند والدلالة والجهة وامكن المكلف سد ابواب تلك الاحتمالات بالفحص عن وجود حجة رافعة لها علما كانت او علميا وجب تحصيل تلك الحجة عقلا ورفع الاحتمال مهما امكن وان لم ينته الى العلم بالحكم وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منه بلا سد باب الاحتمال فيه بالحجة من علم او علمى بداهة أن ارتفاع الاحتمال ولو من بعض الجهات موجب لقوة الظن.

وكما يجب الاخذ بالظن ولا يجوز التنزل عنه يجب الاقتصار على القوى منه ولا يجوز التنزل الى الضعيف مع التمكن من القوى وما بحكمه عقلا ، فتأمل جيدا.

***

١٤٩

الظن بالفراغ :

فصل : انّما الثّابت بمقدّمات دليل الانسداد فى الأحكام هو حجّية الظّنّ فيها لا حجيّته فى تطبيق المأتيّ به فى الخارج معها فيتبع مثلا فى وجوب صلاة الجمعة يومها لا فى اتيانها بل لا بدّ من علم او علميّ باتيانها كما لا يخفى.

انما الثابت بمقدمات دليل الانسداد فى الاحكام هو حجية الظن فى الاحكام فيكتفى به فى الخروج عن عهدة الاحكام بحيث لو خالف الواقع لم يعاقب ويكون معذورا لا حجية الظن فى تطبيق المأتى به فى الخارج مع الاحكام فيتبع الظن مثلا فى وجوب صلاة الجمعة يومها لا فى اتيانها بل لا بد من علم او علمى باتيانها.

فاذا ظن مثلا ان هذا واجب شرعا كان هذا الظن حجة قطعا ولكن بعد ما ظن وجوبه اذا ظن اتيانه مع احتمال انه لم يأت به او علم اتيانه ولكن ظن بمطابقته للمأمور به مع احتمال عدم مطابقة المأتى به للمأمور به لاختلال بعض اجزائه وشرائطه ، لم يكن هذا الظن حجة ولا يجوز الاقتصار عليه بل لا بد من علم او علمى باتيانه.

١٥٠

وبالجملة أن مقدمات الانسداد اذا اقتضت اقتضت حجية الظن فى مقام اثبات الحكم واشتغال ذمة المكلف به لا مقام الفراغ والامتثال ولا تلازم بين المقامين.

ولذا قد اشتهر أن الظن لا اعتداد به فى الموضوعات والمرجع فى مقام الفراغ قواعد آخر مثل قاعدة الفراغ والصحة والتجاوز وغيرها ولا يكفى مجرد الظن فى الفراغ كما لا يخفى.

نعم ربّما يجرى نظير مقدّمات الانسداد فى الأحكام فى بعض الموضوعات الخارجيّة من انسداد باب العلم به غالبا واهتمام الشّارع به بحيث علم بعدم الرّضا بمخالفته الواقع باجراء الاصول فيه مهما امكن وعدم وجوب الاحتياط شرعا او عدم امكانه عقلا كما فى موارد الضّرر المردّد امره بين الوجوب والحرمة مثلا فلا محيص عن اتّباع الظّنّ حينئذ ايضا ، فافهم.

نعم ربما يجرى نظير مقدمات الانسداد فى الاحكام فى بعض الموضوعات الخارجية.

بيان جريان مقدمات الانسداد فيه بأن نقول : ان باب العلم بالضرر منسد غالبا اذ لا يعلم فى الاغلب الا بعد تحققه واهتمام الشارع به

١٥١

بحيث علم بعدم الرضا بمخالفته الواقع باجراء الاصول فيه مهما امكن اذ اجراء اصل العدم فى كل ما احتمل كونه ضرريا مما يوجب المحذور وهو الوقوع فى الضرر كثيرا.

ونعلم أنه لا يرضى الشارع بذلك لشدة اهتمامه بالضرر والاحتياط بترك كل ما احتمل كونه ضرريا غير واجب شرعا بل غير ممكن كما فى مورد الضرر المردد بين الوجوب والحرمة كصيام شهر رمضان فان كان ضرريا فقد حرم وإلّا فقد وجب.

فلا محيص حينئذ عن اتباع الظن فى تعيين موارد الضرر فيكون الظن حجة فى تعيينه ايضا كما يكون حجة فى تعيين الحكم الشرعى.

فى الظن بالامور الاعتقادية :

خاتمة ، يذكر فيها امران استطرادا ، الاوّل : هل الظّنّ كما يتّبع عند الانسداد عقلا فى الفروع العمليّة المطلوب فيها اوّلا العمل بالجوارح يتبع فى الاصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقادية وعقد القلب عليه وتحمّله والانقياد له اوّلا الظّاهر لا.

١٥٢

لا اشكال فى حجية الظن المطلق فى الاحكام الفرعية العملية المطلوب فيها اولا العمل بالجوارح فانه على تقدير تمامية مقدمات الانسداد.

وكونها مفيدة لحجية الظن يكون حجة فى الاحكام الفرعية على خلاف فى كونه حجة فيما اذا تعلق بنفس الحكم الواقعى او تعلق بطريقه او مطلقا على ما اشار اليه المصنف آنفا.

واما الاصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقادية التى يلزم عقد القلب عليها والانقياد لها اولا فلا ، اى عدم حجية الظن فيها.

ولا يخفى ان الاعتقاد ليس هو العلم ولا ملازما له لامكان حصول العلم بالواقع مع عدم الاعتقاد به بل مع الاعتقاد بخلافه.

وقد اشار اليه المصنف بقوله المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقادية.

فانّ الأمر الاعتقادى وان انسدّ باب القطع به الّا أنّ باب الاعتقاد اجمالا بما هو واقعه والانقياد له وتحمّله غير منسدّ بخلاف العمل بالجوارح فانّه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه الّا بالاحتياط والمفروض عدم وجوبه شرعا او عدم جوازه عقلا ولا اقرب من العمل على وفق الظّنّ.

١٥٣

قد عرفت آنفا أن المصنف قد اختار عدم حجية الظن فى الامور الاعتقادية فان الامر الاعتقادى وان انسد باب القطع به إلّا أن باب الاعتقاد اجمالا بما هو واقعه والانقياد له وتحمله غير منسد لامكان الاعتقاد به اجمالا على ما هو عليه واقعا.

إلّا أن يدعى وجوب الاعتقاد به تفصيلا حتى فى حال الجهل ولكن لا دليل عليه من عقل وشرع فلا يتم مقدمات الانسداد فيها اذ منها عدم امكان الاحتياط الموجب للدوران بين الاخذ بالطرف المظنون او الموهوم.

وبقاعدة ترجيح المرجوح على الراجح يتعين الاول وفى المقام لا مجال للدوران المذكور لما عرفت من امكان الاعتقاد بها اجمالا على ما هو عليها واقعا بخلاف الاحكام الفرعية المطلوب فيها اولا العمل بالجوارح.

فانها اذا انسد باب العلم فيها فلا يمكن العلم بمطابقة عمل الجوارح مع الواقع إلّا بالاحتياط التام فى الشبهات.

وهو اما يوجب العسر فلا يجب شرعا او يوجب الاخلال بالنظام فيحرم عقلا ولا اقرب الى الواقع من العمل على وفق الظن ولذا يكون الظن حجة.

وبالجملة لا موجب مع انسداد باب العلم فى الاعتقاديّات لترتيب الأعمال الجوانحيّة على الظّنّ فيها مع امكان ترتيبها

١٥٤

على ما هو الواقع فيها فلا يتحمّل الّا لما هو الواقع ولا ينقاد الّا له لا لما هو مظنونه وهذا بخلاف العمليّات فانّه لا محيص عن العمل بالظّنّ فيها مع مقدّمات الانسداد.

قد عرفت أن الاحتياط فى الفروع العملية المطلوب فيها عمل الجوارح بعد انسداد باب العلم بها مما يوجب العسر او الاختلال بالنظام فتنزل فيها الى العمل بالظن.

ولكن لا موجب مع انسداد باب العلم فى الاعتقاديات المطلوب فيها عمل الجوانح لترتيب الاعمال الجوانحية على الظن فيها مع امكان ترتيب الاعمال الجوانحية على ما هو الواقع فيها.

غاية الامر انه على نحو الاجمال بأن يلتزم بكل ما هو الواقع من طرفى النفى والاثبات من دون تعيين.

ولا يجب الالتزام بواحد معين منهما حتى يحتاج الى حكم من عقل ونقل يرجع اليه فى تعيين شغله فلا يتحمل الا لما هو الواقع ولا ينقاد إلّا له اجمالا من دون تعيين لا لما هو مظنونه تفصيلا.

وهذا بخلاف العمليات فانه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد.

وبالجملة ان حجية الظن المطلق بالنسبة الى الامور الاعتقادية غير صحيح لعدم تمامية الانسداد بالنسبة اليها فان من مقدماته عدم

١٥٥

وجوب الاحتياط لاجل استلزامه اختلال النظام او العسر والحرج.

ومن المعلوم ان الاحتياط فيها لا يستلزم العسر والحرج فضلا عن اختلال النظام بداهة ان الالتزام بما هو الواقع على اجماله وعقد القلب عليه كذلك فى موردها لا يستلزم شيئا من المحاذير وان قلنا بتمامية مقدمات الانسداد بالنسبة الى الاحكام الفرعية حسب ما مر بيانه كما لا يخفى.

نعم يجب تحصيل العلم فى بعض الاعتقادات لو امكن من باب وجوب المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالى وصفاته اداء لشكر بعض نعمائه ومعرفة انبيائه فانّهم وسائط نعمه وآلائه بل وكذا معرفة الامام (ع) على وجه صحيح فالعقل يستقلّ بوجوب معرفة النّبىّ ووصيّه لذلك ولاحتمال الضّرر فى تركه.

قد عرفت أن الواجب على المكلف فى الامور الاعتقادية هو الاعتقاد الاجمالى بما هو الواقع ونفس الامر فيعتقد وينقاد بما هو عليه فى الواقع ونفس الامر.

نعم يجب تحصيل العلم فى بعض الاعتقادات لو امكن تحصيله من باب وجوب المعرفة عقلا لنفس المعرفة كمعرفة الواجب تعالى وصفاته فانها واجبة عقلا بما هى هى اداء لشكر بعض نعمائه المتوقف

١٥٦

ذلك الشكر على معرفته ومعرفة انبيائه فانهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وكذا معرفة الامام على وجه صحيح.

وهو على ما بينه فى تعليقته على الرسائل أن تكون الولاية منصبا إلهيا لا ينالها الا من ارتضاه بسبب اتصافه بتمام الكمالات النفسية ومكارم الاخلاق القدسية وكونه ذا نفس ملكوتية وقوة الهية يظهر بها الكرامات وخوارق العادات.

وهى تكون على ولايته شواهد وآيات لذوى الفكر والاعتبار من دون حاجة الى تنصيص النبى «ص» الا لخفافيش الابصار وان كان خبث الباطنى وشقاوت الذات يؤدى الى مخالفته بالانكار انتهى.

فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبى ووصيه لاجل اداء الشكر ولاحتمال الضرر فى تركه بسلب النتيجة عنه.

والحاصل ان العلم فى امثال ما ذكر من الاصول الاعتقادية معتبر بما انه صفة نفسانية وعلى هذا فان تمكن المكلف من تحصيل المعرفة فيجب عليه تحصيلها وان عجز عن تحصيلها يسقط الوجوب عنه لاشتراط التكليف بالقدرة على متعلقه عقلا.

ولا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر الّا ما وجب شرعا معرفته كمعرفة الإمام «ع» على وجه آخر غير صحيح او امر آخر ممّا دلّ الشّرع على وجوب معرفته وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النّقل كان اصالة البراءة من

١٥٧

وجوب معرفته محكّمة.

ولا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر ، اى سوى معرفة الله ومعرفة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعرفة الوصى الا ما وجب معرفته شرعا كمعرفة الامام عليه‌السلام على وجه غير صحيح.

وهو ان الامامة من المناصب الغير اللهية او امر آخر غير معرفة الامامة مما دل الشرع على وجوب معرفته كمعرفة المعاد فاذا لم يجب عقلا معرفة غير ما ذكر كان وجوب معرفة المعاد شرعيا قهرا.

وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان اصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة بداهة ان وجوب معرفته كذلك تكليف بلا بيان فالعقاب عليه بلا برهان وهو قبيح.

ثم لا يخفى ان ظاهر عبارة المصنف انحصار وجوب تحصيل العلم فى الامور الاعتقادية بمعرفة الواجب تعالى وصفاته فانها واجبة عقلا بما هى هى.

ومعرفة انبيائه ومعرفة الوصى ، اذ لم يذكر سوى معرفة الله ومعرفة النبى ومعرفة الوصى امرا آخر.

فاذا لم يجب معرفة غير ما ذكر كان وجوب معرفة المعاد شرعيا قهريا مع أن العقل استقل بثبوته حيث انه من ضروريات الدين ومما اخبر به سيد المرسلين.

١٥٨

فالملاك الموجود فى حكم العقل بوجوب معرفة الله ومعرفة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعرفة الوصى عليه‌السلام وهو احتمال الضرر فى الترك موجود بعينه فى حكمه بوجوب تحصيل العلم واليقين بالمعاد ايضا.

اللهم إلّا أن يقال استقلال العقل بثبوت المعاد لا يوجب استقلاله فى الحكم بوجوب تحصيل المعرفة به فى نفسه او ليتدين به فافهم.

ولا دلالة لمثل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) الآية ولا لقوله «ص» وما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه الصّلوات الخمس ولا لما دلّ على وجوب التّفقه وطلب العلم من الآيات والرّوايات على وجوب معرفته بالعموم.

قد عرفت أن ما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان اصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) ، ومثل قوله «ص» وما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه الصلوات الخمس.

وكذا لا دلالة لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب غير ما ذكر من معرفة الله والنبى «ص» والوصى عليه‌السلام بالعموم اى عموم هذه الآيات والروايات ، كما ادعاه الشيخ «ره» فى الرسائل.

قال فيه انتصارا لما ذكره العلامة فى الباب الحادى عشر فيما

١٥٩

يجب معرفته على كل مكلف من تفاصيل التوحيد والنبوة والامامة والمعاد.

نعم يمكن أن يقال ان مقتضى عموم وجوب المعرفة مثل قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) اى ليعرفون ، وقوله «ص» ما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه الصلوات الخمس.

بناء على ان الافضلية من الواجب ، خصوصا مثل الصلاة تستلزم الوجوب وكذا عمومات وجوب التفقه فى الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الامام عليه‌السلام بها لوجوب النفر لمعرفة الامام بعد موت الامام السابق.

وعمومات طلب العلم وهو وجوب معرفة الله جل ذكره ومعرفة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام ومعرفة ما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله على كل قادر يتمكن من تحصيل العلم فيجب الفحص حتى يحصل اليأس ، الى أن قال :

ومن هنا قد يقال ان الاشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله ومعرفة اوليائه اهم من الاشتغال بعلم المسائل العلمية بل هو المتعين لان العمل يصح عن تقليد فلا يكون الاشتغال بعلمه الا كفائيا بخلاف المعرفة انتهى.

ضرورة أنّ المراد من ليعبدون هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنّبوى انّما هو بصدد بيان فضيلة الصّلوات لا بيان

١٦٠