نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

القياسى والاقتصار عليه لتجريه بمخالفة نهى المولى اذ نفس العمل بالقياس واتخاذه طريقا محرم شرعا.

وثالثا سلّمنا أنّ الظّنّ بالواقع لا يستلزم الظّنّ به لكن قضيّته ليس الّا التّنزل الى الظّنّ بانّه مؤدّى طريق معتبر لا خصوص الظّنّ بالطّريق وقد عرفت أن الظّنّ بالواقع لا يكاد ينفكّ عن الظّنّ بانّه مؤدّى الطّريق غالبا.

حاصله انه سلمنا ان الظن بالواقع مما لا يستلزم الظن بتفريغ الذمة فى حكم الشارع ولكن مقتضى ذلك ليس إلّا التنزل بأنه مؤدى طريق معتبر لا خصوص الظن بالطريق لان الظن بمؤدى طريق معتبر يلازم حكم الشارع بفراغ الذمة فكما أن الاتيان بمؤدى طريق ظن نصبه شرعا هو مما يوجب الظن بتفريغ الذمة فى حكم الشارع فكذلك الاتيان بما ظن كونه طريق معتبر ولو لم نعرف ذلك الطريق بعينه.

وقد عرفت سابقا أن الظن بالواقع فى التكاليف المبتلى بها لا يكاد ينفك عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر اجمالا ، ومما ذكرناه ظهر أن ما افاده المحقق خصوص الظن بالطريق لا يرجع الى محصل.

١٠١

فى الكشف والحكومة :

لا يخفى عدم مساعدة مقدّمات الانسداد على الدّلالة على كون الظّنّ طريقا منصوبا شرعا ضرورة انّه معها لا يجب عقلا على الشّارع أن ينصب طريقا لجواز اجتزائه بما استقلّ به العقل فى هذا الحال ولا مجال لاستكشاف نصب الشّارع من حكم العقل لقاعدة الملازمة ضرورة انّها انّما تكون فى مورد قابل للحكم الشّرعى والمورد هاهنا غير قابل له.

حاصله عدم مساعدة مقدمات الانسداد التى حاصلها بقاء التكليف وانسداد باب العلم وعدم وجوب الاحتياط رأسا وعدم جواز الرجوع الى الاصول على كون الظن طريقا منصوبا شرعا ضرورة انه معها اى مع هذه المقدمات لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقا لجواز اجتزاء الشارع وايكاله الى ما استقل به العقل فى هذا الحال من كون الظن طريقا الى الواقع عند الدوران بين الظن والشك والوهم والعمل بالظن عند انسداد باب العلم هو الطريقة المألوفة بين الموالى والعبيد ومع جواز ذلك لا يبقى مجال للكشف اصلا بل لا بد من القطع بعدم اجتزاء الشارع بحكم العقل وطريقة العقلاء كى يحصل القطع بجعل

١٠٢

الطريق الشرعى عند انسداد باب العلم.

واما مع جواز الاجتزاء والايكال الى ما استقل به العقل وطريقة العقلاء فى هذا الحال لا مسرح للعقل فى ادراك جعل الشارع طريقا عند الانسداد.

ثم لا مجال لاستكشاف نصب الشارع الظن طريقا من حكم العقل بلزوم العمل بالظن بمعونة القاعدة الملازمة ضرورة ان القاعدة انما تكون فى مورد قابل للحكم الشرعى وهاهنا غير قابل للحكم الشرعى.

فانّ الاطاعة الظّنيّة الّتى يستقلّ العقل بكفايتها فى حال الانسداد انّما هى بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشّارع بازيد منها وعدم جواز اقتصار المكلّف بدونها ومؤاخذة الشّارع غير قابلة لحكمه وهو واضح واقتصار المكلّف بما دونها لما كان بنفسه موجبا للعقاب مطلقا او فيما اصاب الظّنّ كما انّها بنفسها موجبة للثّواب اخطأ او اصاب من دون حاجة الى امر بها او نهى عن مخالفتها كان حكم الشّارع فيه مولويّا بلا ملاك يوجبه كما لا يخفى ولا بأس به ارشاديّا كما هو شأنه فى حكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية.

شروع فى بيان عدم جريان قاعدة الملازمة فى المقام لعدم قابلية المورد هنا وان الاطاعة الظنية بملاحظة دليل الانسداد غير

١٠٣

قابلة للحكم المولوى الشرعى لان الاطاعة الظنية التى يستقل بها العقل فى حال الانسداد لها جزء ان :

احدهما عدم جواز مؤاخذة الشارع بازيد منها.

وثانيهما عدم جواز اقتصار المكلف بما دونها اى بما دون الاطاعة الظنية من الاطاعة الشكية والوهمية.

اما الجزء الاول وهو مؤاخذة الشارع بازيد منها فغير قابل لحكم نفسه ، اذ من المعلوم أن مؤاخذة الشارع هو فعله وفعله غير قابل لحكمه وهو واضح.

واما الجزء الثانى ، وهو عدم اقتصار المكلف بما دون الاطاعة الظنية لما كان بنفسه موجبا للعقاب مطلقا او فى صورة اصابة الظن لاستقلال العقل بكونه قبيحا موجبا للعقاب كما أن الاطاعة الظنية بنفسها موجبة للثواب اخطأ او اصاب من دون حاجة الى امر بها او نهى عن مخالفتها فلا يكون نهى الشارع عنه إلّا ارشاديا لا مولويا.

والحاصل ان قبح الاقتصار بالادون وان كان قابلا للحكم الشرعى لانه فعل العبد وقابل للحكم الشرعى إلّا أنه لما كان بنفسه موجبا للعقاب او فى خصوص ما اذا كان الظن مطابقا للواقع من دون حاجة الى امر بالاطاعة الظنية او نهى عن الاقتصار بادون منها كان الملاك الذى حكم بسببه العقل بلزوم هذه الاطاعة فى هذا الحال غير قابل لان يكون سببا لحكم الشرع به مولويا لان حكم العقل حينئذ

١٠٤

لا يكون إلّا من باب الارشاد الى مصلحة المكلف فلو كان للشارع هنا حكم لا يكون إلّا ارشادا.

ولا بأس به ارشاديا كما هو شأنه فى حكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية من مثل قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ، وقوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

وصحّة نصب الطّريق وجعله فى كلّ حال بملاك يوجب نصبه وحكمه داعية اليه لا تنافى استقلال العقل بلزوم الاطاعة بنحو حال الانسداد كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح من دون استكشاف حكم الشّارع بلزومها مولويّا لما عرفت فانقدح بذلك عدم صحّة تقرير المقدّمات الّا على نحو الحكومة دون الكشف.

دفع لما قد يتوهم بأن مقتضى ما ذكر هو امتناع كون الظن منصوبا شرعا فى حال الانسداد اذ لو كان للعقل حكم فى باب الاطاعة والمعصية بحيث يصح تعويل الشارع عليه امتنع على الشارع نصب الطريق لانه لغو والحال ان صحة نصب الشارع طريقا للوصول الى تكاليفه الواقعية فى كل حال ومنه حال الانسداد من الواضحات.

حاصل الدفع انه لا تنافى بين صحة نصب الطريق بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية اليه ولو لتسهيل الامر على العباد وبين استقلال

١٠٥

العقل بلزوم الاطاعة الظنية فى حال الانسداد كحكم العقل بلزوم الاطاعة القطعية فى حال الانفتاح.

فكما أن نصب الطريق بملاك يوجب نصبه فى حال الانفتاح لا ينافى كون حكم العقل بالاطاعة القطعية غير قابلة للحكم المولوى فكذا نصب الطريق فى حال الانسداد اذ الاطاعة الظنية من مراتب الاطاعة فى هذا الحال.

فانقدح مما ذكرنا كله عدم تقرير المقدمات للانسداد الا على نحو الحكومة بمعنى ان العقل يستقل بنفسه للحكم بوجوب سلوكه فى مقام الامتثال من دون أن يوجب على الشارع شيئا فيكون المنشئ لحجيته هو العقل دون الشرع.

فى اهمال النتيجة واطلاقها :

وعليها فلا اهمال فى النّتيجة اصلا سببا وموردا ومرتبة لعدم تطرّق الاهمال والاجمال فى حكم العقل كما لا يخفى امّا بحسب الاسباب فلا تفاوت بنظره فيها وامّا بحسب الموارد فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الاطاعة الظّنيّة الّا فيما ليس للشّارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام واستقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام كما فى الفروج والدّماء بل وسائر حقوق النّاس ممّا لا يلزم من

١٠٦

الاحتياط فيها العسر وامّا بحسب المرتبة فكذلك لا يستقلّ الّا بكفاية مرتبة الاطمينان من الظّنّ الّا على تقدير عدم كفايتها فى دفع محذور العسر.

وعليها اى وعلى الحكومة فلا اهمال فى النتيجة اصلا سببا وموردا ومرتبة لعدم تطرق الاجمال والاهمال فى حكم العقل اذ العقل اذا كان هو المرجع فى كيفية الاطاعة فلا تردد فى حكمه لان العقل اذا احرز مناط حكمه حكم واذا شك فيه لم يحكم فلا ترديد للعقل حتى تنتهى النوبة الى الشك فى حكمه.

واما بحسب الاسباب فلا تفاوت بنظره لما عرفت الآن من أن العقل اذا احرز مناط حكمه حكم ومناط حكمه بلزوم العمل بالظن هو كونه اقرب من الشك والوهم وهذا المناط لا يختلف باختلاف اسباب الظن.

واما بحسب المورد فيمكن أن يقال بأن العقل لا يستقل بكفاية الاطاعة الظنية فى المورد التى علم اهتمام الشارع بها على وجه يلزم رعاية الواقع والتحفظ عليه كيف ما اتفق كباب الاعراض والدماء والاموال مما لا يلزم فيها العسر بل لا بد فيها من الامتثال العلمى ولو بالاحتياط.

واما بحسب المرتبة فكذلك لا يستقل العقل الا بكفاية مرتبة الاطمينان من الظن على تقدير عدم كفاية مرتبة الاطمينان من الظن

١٠٧

فى دفع محذور العسر.

فحينئذ لا بد من ضميمة جملة من موارد الظن الذى دون مرتبة الاطمينان لكيلا يقع المكلف فى العسر والحرج وبالجملة لا تكون النتيجة على تقرير الحكومة مطلقة الا من جهة الاسباب ، واما بحسب المورد والمرتبة فلا تكون كلية بل جزئية حسب ما مر بيانه ، فتأمل جيدا.

وامّا على تقرير الكشف :

تقريره على نهج الكشف هو ان العقل بملاحظة بقاء التكليف بالمشتبهات وعدم كوننا بالنسبة اليها كالبهائم والمجانين وانسداد باب العلم او الظن الخاص وعدم جواز الرجوع الى الاصول وعدم وجوب الاحتياط او عدم جوازه فيها وعدم كون التكليف بسائر الامور المحتملة فى المقام من التقليد للعالم او القرعة ونحوها بانضمام الحكم بأن التكليف بلا طريق لا معنى له وان جعل غير الظن فى الفرض نقض للغرض من حيث كونه اقرب من غيره الى الواقع وغالب الايصال اليه بل لا قرب فى غيره من الشك والوهم : يستكشف عن جعل الظن حجة شرعية يجب اتباعه وان احتمل مخالفته للواقع.

١٠٨

فلو قيل بكون النّتيجة هو نصب الطّريق الواصل بنفسه فلا اهمال فيها ايضا بحسب الأسباب بل يستكشف ح انّ الكلّ حجّة لو لم يكن بينها ما هو المتيقّن والّا فلا مجال لاستكشاف حجّية غيره ولا بحسب الموارد بل يحكم بحجيّته فى جميعها والّا لزم عدم وصول الحجّة ولو لأجل التّردد فى مواردها كما لا يخفى ودعوى الإجماع على التّعميم بحسبها فى مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدّا وامّا بحسب المرتبة ففيها اهمال لأجل احتمال حجيّة خصوص الاطمينانى منه اذا كان وافيا فلا بدّ من الاقتصار عليه.

اشتهر فى الالسن من أن الطريق قد يكون واصلا بنفسه وقد يكون واصلا بطريقه فان معنى كون الطريق واصلا بنفسه ، هو أنه لا يحتاج فى استنتاج النتيجة وتعيينها الى مقدمة خارجية اخرى وراء مقدمات الانسداد.

ومعنى كون الطريق واصلا بطريقه هو أنه لا تكفى تلك المقدمات فى اخذ النتيجة وتعيينها بل لا بد من ضم مقدمة اخرى اليها وتلك المقدمة اما أن يكون عناية اخرى من العقل فى عرض اخذ النتيجة كقبح الترجيح بلا مرجح ونحو ذلك ، واما أن يكون تلك العناية مقدمات دليل انسداد آخر غير المقدمات المتقدمة.

وعلى التقديرين تكون النتيجة واصلة بطريقها لا بنفسها

١٠٩

وقد يكون غير واصل بنفسه ولا بطريقه وان امكن وصولنا بالاحتياط.

اذا عرفت هذا فلنرجع الى مختار المصنف على تقرير الكشف ، فحاصل مختاره «قدس‌سره» انه لو قيل بأن النتيجة هو استكشاف نصب الطريق الواصل الينا بنفسه فلا اهمال فى النتيجة بالنسبة الى الاسباب اصلا فالكل حجة اذا لم يكن بينها ما هو المتيقن الاعتبار اى قدر متيقن واف بحيث لا يمكن اجراء مقدمات الانسداد فيما عداه اذ لو كان بين الاسباب قدر متيقن واف كذلك وجب الاقتصار عليه والحكم بحجيته وعدم حجية ما سواه.

اما الحكم بحجيته فلفرض كونها متيقنة واما عدم حجية ما سواه فلعدم الموجب لاستكشاف ذلك بعد صدق الطريق الواصل المستكشف نصبه على الاول ولا اهمال فى النتيجة ايضا بحسب المورد بل يحكم بحجيته فى جميع الموارد وإلّا لزم عدم وصول الحجة ولو كان عدم الوصول لاجل التردد فى مواردها وهو خلاف الفرض فانه مع فرض كون النتيجة هى الحجة الواصلة لا تحير ولا تردد فى المجعول.

وبالجملة ان النتيجة بحسب الموارد كلية على الطريق الواصل بنفسه فيعم جميع الموارد بنفسها لا من جهة اجماع قطعى على التعميم فان المسألة مستحدثة لا يحصل فيها اتفاق الجميع كى يستكشف عن رأى المعصوم عليه‌السلام ودعوى الاهمال بحسبها فى نفسه ولكن قيام

١١٠

الاجماع على التعميم بحسبها فى هذه المسألة المستحدثة التى لا عين ولا اثر لها فى كتبهم ولا فيمن تحمل عنهم ، فتاويهم مجازفة جدا.

واما بحسب المرتبة ففيها اهمال لاجل احتمال حجية خصوص الاطمينانى منه اذا كان وافيا وإلّا فالتعدى هذا كله فيما اذا قلنا بأن النتيجة هو استكشاف نصب الطريق الواصل بنفسه فلا اهمال فى النتيجة بالنسبة الى الاسباب والموارد ، واما بحسب المرتبة فالنتيجة مهملة.

ولو قيل بأنّ النّتيجة هو نصب الطّريق الواصل ولو بطريقه فلا اهمال فيها بحسب الأسباب لو لم يكن فيها تفاوت اصلا او لم يكن بينها الّا واحد.

ولو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل الى المكلف ولو بطريقه اى بانسداد آخر لا خصوص الواصل بنفسه فلا اهمال فيها بحسب الاسباب لو لم يكن فيها تفاوت اصلا من جهة تيقن الاعتبار او ظنا او لم يكن بينها الا واحد بل يحكم حينئذ بحجية الجميع فى الاول والواحد فى الثانى.

اما الثانى فلان الوحدة موجبة للتعين بالذات فلا مجال للاهمال والتردد.

واما الاول فلان التساوى مانع من تعين البعض ولو بواسطة

١١١

ظن آخر لكون المفروض تساويها من جميع الجهات فلا بد أن يكون الجميع حجة اذ لو كان البعض حجة دون غيره كان بلا معين فلا يكون واصلا وهو خلف.

والحاصل ان قلنا بان النتيجة هو نصب الطريق الواصل الينا ولو بطريقه فلا اهمال ايضا فى النتيجة بحسب الاسباب اذا لم يكن بينها تفاوت اصلا او كانت الاسباب منحصرة بواحد فلا بد فى الاول من الاخذ بالكل المتساوى وفى الثانى من الاخذ بذاك الواحد.

والّا فلا بدّ من الاقتصار على متيقّن الاعتبار منها او مظنونه باجراء مقدّمات دليل الانسداد حينئذ مرّة او مرّات فى تعيين الطّريق المنصوب حتّى ينتهى الى ظنّ واحد او الى ظنون متعدّدة لا تفاوت بينها فيحكم بحجّية كلّها او متفاوتة يكون بعضها الوافى متيقّن الاعتبار فيقتصر عليه ، وامّا بحسب الموارد والمرتبة فكما اذا كانت النتيجة هى الطّريق الواصل بنفسه فتدبّر جيّدا.

قد عرفت آنفا ان النتيجة هو نصب الطريق الواصل الينا ولو بطريقه فلا اهمال فيها بحسب الاسباب اذا لم يكن بينها تفاوت او كانت الاسباب منحصرة بواحد ، وإلّا اى وان كانت الاسباب متفاوتة غير منحصرة بواحد فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها ، ان كان

١١٢

بينها متيقن الاعتبار اذا كان وافيا لانه هو الواصل بنفسه فيقتصر عليه.

واذا لم يكن بينها متيقن الاعتبار او كان ولم يكن وافيا فتعدى الى مظنون الاعتبار باجراء انسداد ثانى لحجية الظن بالاعتبار فان كان واحدا او متعددا غير متفاوت او متفاوتا باليقين بالاعتبار بمقدار واف فهو ، وإلّا فتجرى انسداد ثالث لحجية الظن فى تعيين الظن بالاعتبار. حتى ينتهى الامر بالأخرة اما الى ظن واحد او الى ظنون متعددة غير متفاوتة او متفاوتة باليقين بالاعتبار بمقدار واف فيقتصر عليه.

واما بحسب الموارد والمرتبة فكما اذا كانت النتيجة هى الطريق الواصل بنفسه ، يعنى لا يكون اهمال بحسب الموارد بل يحكم بحجية الجميع وإلّا لزم عدم وصول الحجة ولو لاجل التردد فى مواردها.

واما بحسب المرتبة فلا تنزل الا الى خصوص الظن الاطمينانى إلّا اذا كان غير واف فلا بد من التعدى.

ولو قيل بانّ النّتيجة هو الطّريق ولو لم يصل اصلا فالاهمال فيها يكون من الجهات ولا محيص ح الّا من الاحتياط فى الطّريق بمراعات اطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقّن الاعتبار لو لم يلزم منه محذور والّا لزم التّنزّل الى حكومة العقل بالاستقلال فتأمّل فانّ المقام من مزال الأقدام.

١١٣

ولو قيل بأن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل الينا بمعنى أن النتيجة مجرد جعل الشارع فى البين حجة واقعية مطلقا ولو لم يصل الينا اصلا.

فالاهمال يكون فى النتيجة من الجهات سببا وموردا ومرتبة ولا محيص حينئذ فى وصولنا اليه من الاحتياط التام فى اطراف الطرق بمراعات اطراف الاحتمال والاخذ بكل ما احتمل طريقيته سواء كان مظنون الطريقية او مشكوك الطريقية او موهوم الطريقية اذا لم يكن بين الطرق متيقن الاعتبار بمقدار واف ولم يلزم من الاحتياط المذكور محذور العسر او اختلال النظام.

وإلّا بان لم يكن بينها المتيقن بمقدار واف ولزم المحذور من الاحتياط فيها لزم التنزل الى حكم العقل فى مقام الامتثال ، فيكون المرجع حينئذ هو الحكومة عقلا حسب ما مر بيانه فى ذيل تقرير الحكومة فتأمل فان المقام من مزال الاقدام.

وهم ودفع ، لعلّك تقول انّ القدر المتيقن الوافى لو كان فى البين لما كان مجال لدليل الانسداد ضرورة انّه من مقدماته انسداد باب العلمى ايضا ، لكنّك غفلت عن أنّ المراد ما اذا كان اليقين بالاعتبار من قبله لأجل اليقين بانّه لو كان شىء حجّة شرعا كان هذا الشّىء حجّة قطعا بداهة أنّ الدّليل على احد المتلازمين انّما هو الدّليل على الآخر لا الدّليل على الملازمة.

١١٤

حاصل الوهم انه لا مجال للتفصيل بين صورة وجود المتيقن الوافى وعدمه فى محتملات الكشف لان وجود القدر المتيقن الوافى لو كان فى البين لما كان مجال لدليل الانسداد اذ من مقدماته انسداد باب العلمى كما انه منها انسداد باب العلم.

وبفرض وجود القدر المتيقن لم يصر باب العلمى مسدودا ، اذ المتيقن كذلك هو الذى يجب العمل به على كل تقدير فيكون من الظنون الخاصة للعلم التفصيلى بحجيته ومعه لا مجال لدليل الانسداد اذ من مقدماته انسداد باب العلم والعلمى كليهما.

هذا حاصل التوهم ، وحاصل الدفع ان المراد بالمتيقن هو المتيقن بملاحظة دليل الانسداد لا مطلقا ووجود القدر المتيقن انما يكون منافيا لتتميم مقدمات الانسداد لو كان اليقين بوجود القدر المتيقن حاصلا بلا توسط دليل الانسداد.

واما اذا كان حاصلا بوساطة دليل الانسداد فلا يعقل أن يكون منافيا له لان المعلول يمتنع أن يكون منافيا لعلته.

وبعبارة اخرى ان وجود متيقن الاعتبار انما يكون منافيا لتتميم مقدمات الانسداد لو ثبت اعتباره بدليل آخر غير دليل الانسداد بخلاف ما اذا كان اليقين بالاعتبار من قبله اى من قبل دليل الانسداد لاجل اليقين اى بضميمة اليقين بانه لو كان شىء حجة شرعا كان هذا الشىء حجة قطعا.

١١٥

واذا ثبت الملازمة بدليل قاطع من الخارج بين حجية شىء وحجية القدر المتيقن بحيث يصير اولى بالحجية بمعونة ذلك الدليل فلا محالة ينهض دليل الانسداد مثبتا لحجية الظن القدر المتيقن فاليقين بأن خبر الثقة مثلا حجة ناشئ من يقينين :

احدهما اليقين بنصب الطريق ، ثانيهما اليقين بالملازمة بين نصب الطريق وكون القدر المتيقن طريقا.

واليقين الاول كان حاصلا بدليل الانسداد ، واليقين الثانى وان لم يكن حاصلا بدليل الانسداد بل بدليل قاطع من خارج إلّا أن حصول الاول به كاف فى استناد اليقين باعتبار القدر المتيقن الى دليل الانسداد بداهة ان الدليل على احد المتلازمين انما هو الدليل على الآخر.

بمعنى ان للدليل على الآخر دخلا فى وجوده لا انه مستقل فى التأثير لا الدليل على الملازمة ، بمعنى انه لا يستند الى الدليل على الملازمة فقط بل يستند اليه والى الدليل الملزوم معا وهذا هو المراد بقوله لا الدليل على الملازمة كما هو واضح.

ثمّ لا يخفى انّ الظّنّ باعتبار الظّنّ بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النّتيجة هو الطّريق الواصل بنفسه فانّه ح يقطع بكونه حجّة كان غيره حجّة اولا واحتمال عدم حجيّته بالخصوص لا ينافى

١١٦

القطع بحجيّته بملاحظة الانسداد ضرورة انّه على الفرض لا يحتمل ان يكون غيره حجّة بلا نصب قرينة ولكنّه من المحتمل أن يكون هو الحجّة دون غيره لما فيه من خصوصيّة الظّنّ بالاعتبار وبالجملة الأمر يدور بين حجيّة الكلّ وحجيّته فيكون مقطوع الاعتبار ومن هنا ظهر حال القوّة.

مقصوده الاشكال على الشيخ «ره» حيث انكر اعتبار الظن بالاعتبار بعد أنه سلم اعتبار القدر المتيقن قال قدس‌سره : ان المرجح الاول وهو تيقن البعض الى الباقى وان كان من المرجحات لكنه لا ينفع لقلته وعدم كفايته.

وقال : واما المرجح الثالث وهو الظن باعتبار بعض ، ففيه انه لا دليل على اعتبار مطلق الظن فى مسئلة تعيين الظن المجمل ، انتهى ملخصا.

فحاصل كلام المصنف فيه ان الظن باعتبار ظن بالخصوص كالظن باعتبار الظن الحاصل من الاجماع المنقول مما يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقدير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه الى المكلف فان الظن الذى قام ظن باعتباره كالاجماع المنقول فى المثال حين كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه يقطع بكونه حجة ، كان غيره حجة ام لا.

واحتمال عدم حجيته بالخصوص اى من باب الظن الخاص لا ينافى

١١٧

القطع بحجيته بملاحظة الدليل الانسداد ، اى من باب الظن المطلق ضرورة انه على الفرض اى بملاحظة الانسداد لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة بأن يكون مشكوك الاعتبار وموهومه حجة دون مظنون الاعتبار ويسع للشارع الايكال اليه فى مقام الايصال فيما اذا كانت النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه وكان مظنون الاعتبار وافيا بمسائل الفقه فيكون مظنون الاعتبار بمنزلة القرينة المصحوبة فى مقام البيان.

واحتمال التعميم الى مطلق الظن منسد لوجود الظن الذى له مزيدة زائدة لدى العقل بقدر الكفاية ولكنه اى مظنون الاعتبار من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره اى مشكوك الاعتبار لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار.

ويكون وجه عدم نصب العلامة مع تعلق الغرض بوصول الطريق هو الايكال على استقلال العقل بلزوم الاقتصار على ذلك وإلّا يلزم نقض الغرض فاذن يجرى اصالة عدم الحجية فى غيره.

وبالجملة ، الامر يدور بين حجية الكل فيكون الظن المظنون الاعتبار من افراده وحجية مظنون الاعتبار بالخصوص دون سائر افراده فيكون مظنون الاعتبار مقطوع الاعتبار لانه معتبر على التقديرين.

ومن هنا ظهر حال القوة ، يعنى الترجيح بالظن الاطمينانى كالترجيح بالظن بالاعتبار طابق النعل بالنعل ، اذ لو كان بعض الظنون

١١٨

اقوى من بعض يمكن الترجيح بالقوة بحيث يكون الاقوى هو الحجة لان القوة مما يصح الايكال عليها فى تعيين الطريق كما لا يخفى.

ولعلّ نظر من رجّح بها الى هذا الفرض وكان منع شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه عن الترّجيح بها بناء على كون النّتيجة هو الطّريق الواصل ولو بطريقه او الطّريق ولو لم يصل اصلا وبذلك ربّما يوفّق بين كلمات الأعلام فى المقام وعليك بالتأمّل التّام ثم لا يذهب عليك انّ التّرجيح بها انّما هو على تقدير كفاية الرّاجح والّا فلا بدّ من التّعدى الى غيره بمقدار الكفاية فيختلف الحال باختلاف الانظار بل الاحوال :

حاصله ان ما وقع بين شيخنا العلامة المرتضى اعلى الله مقامه وبين المحقق التقى صاحب الحاشية من الخلاف فى جواز الترجيح بالظن بالاعتبار بناء على الكشف يكون نزاعا لفظيا وان نظر من رجح بالقوة الى هذا الفرض وهو كون النتيجة على الكشف هو الطريق الواصل بنفسه.

ولا يخفى ان الظاهر ان مرجع الضمير فى قوله ولعل نظر من رجح بها هو القوة لقربها لا خصوصية الظن بالاعتبار مع اشتراكهما فى صحة الترجيح بهما.

والوجه فى تخصيصها بالذكر ان المحقق يقول بالترجيح بالظن

١١٩

بالاعتبار لاجل ايجابه القوة فى الظن بالحكم الشرعى.

وكان منع شيخنا العلامة اعلى الله مقامه عن الترجيح بالقوة بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه او الطريق ولو لم يوصل اصلا ، وهذا كان وجها حسنا فى الجمع لو يساعده كلامهم.

واما مع عدمه فلا وجه لجعل النزاع المذكور لفظيا ، نعم ربما يتراءى من بعض كلمات الشيخ ان اشكاله يتوجه الى الطريق الواصل ولو بطريقه.

وفى بعض كلماته ما لا يخفى من التشويش ، قال فى عناية الاصول ان التفصيل بين الطريق الواصل بنفسه والطريق الواصل بطريقه والطريق ولو لم يصل اصلا لم يكن عنه فى كلام الشيخ اعلى الله مقامه ومن تقدم عليه عين ولا اثر ، وانما هو شىء احدثه المصنف.

ومعه كيف يمكن التوفيق بين كلام من رجح بالظن بالاعتبار ورجح بالقوة وبين كلام من منع عن الترجيح بهما كالشيخ «ره» بما ذكره المصنف من ان نظر المرجح بهما الى فرض الطريق الواصل بنفسه وان نظر المانع عن الترجيح بهما الى فرض الطريق الواصل ولو بطريقه او الطريق ولو لم يصل اصلا ، انتهى.

وقال سيدنا الحكيم فى حقائقه : وهذا وان كان وجها حسنا فى الجمع إلّا انه لا يساعده كلام شيخنا «ره» فان نظره الى اثبات التعميم بابطال الترجيح بالظن وهو لا يتم إلّا على الكشف عن الطريق

١٢٠