نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧

بسم الله الرّحمن الرحيم

فصل : فى الوجوه العقلية التى اقيمت على حجية خبر الواحد.

واما الدليل العقلى الذى اقيم على حجية الاخبار الموجودة فى الكتب المعتبرة ، فتقريره من وجوه.

احدها : انه يعلم اجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الاخبار ، من الائمة الاطهار ، بمقدار واف بمعظم الفقه ، بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالى بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات الى العلم التفصيلى بالتّكاليف فى مضامين الاخبار الصادرة المعلومة تفصيلا ، والشّك البدوى فى ثبوت التكليف فى مورد سائر الامارات الغير المعتبرة.

الوجه الاول : انا نعلم اجمالا بصدور كثير فيما بايدينا من الاخبار ، ولا نحتمل ان يكون جميعها مجعولة ، كما يظهر ذلك

١

بمراجعة احوال الروات فى تراجمهم من حيث شدة اهتمامهم ومواظبتهم على حفظ الاحاديث واخذها من الكتب المعتبرة وتنقيح ما ادعوه فى كتبهم لئلا يودع فيها الاخبار المدسوسة المكذوبة على الائمة عليهم‌السلام.

وتلك الاخبار الموجودة فيما بايدينا المتضمنة للتكاليف عن الائمة (ع) اذا كانت بمقدار يفى بمعظم الفقه بحيث لا يبقى معها علم بالتكليف اجمالا فيما عدا الموارد التى دلت على التكليف فيها تمنع عن تأثير العلم الاجمالى بوجود التكاليف بينها وبين سائر الامارات الغير المعتبرة (من الشهرات المجردة ، والقياسات الظنية ، والاجماعات المحكية ، والاولويات الظنية ، وامثال ذلك) وذلك لانه حينئذ لم يعلم بتكليف آخر غير ما اقتضته تلك الاخبار الصادرة عن الحجج المعصومين عليهم صلوات الله اجمعين ، كى يحتاط فى غير ما يكون من محتملاتها ، كما اذا كانت تلك الاخبار معلومة تفصيلا وسره انحلاله ، يعنى العلم الكبير الذى يكون منشؤه العلم بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات الظنية بالعلم الاجمالى الصغير الذى يكون اطرافه خصوص الاخبار الصادرة المعلومة ، لانه لا يعلم ثبوت التكاليف ازيد فى ما بين الاخبار ، فلا اثر للعلم الاجمالى الكبير.

ولا ريب فى هذه الصورة من مراعات العلم الاجمالى الثانى دون الاول ، فلا يجب بمقتضى هذه الوجه إلّا الاحتياط فى اطراف ما بايدينا من اخبار الكتب المعتبرة ، لا فى اطراف الطرق والامارات

٢

واخبار الكتب المعتبرة ، وان كان يظهر من الشيخ «ره» خلافه.

قال «قدس‌سره» فى رسائله ما لفظه والجواب عنه اولا بان وجوب العمل بالاخبار الصادرة انما هو لاجل وجوب امتثال احكام الله الواقعية المدلول عليها بتلك الاخبار ، وإلّا فالعمل بالخبر الصادر عن الامام عليه‌السلام انما يجب من حيث كشفه عن حكم الله تعالى الواقعى ، وحينئذ نقول : ان العلم الاجمالى ليس مختصا بهذه الاخبار ، بل نعلم اجمالا بصدور احكام كثيرة ، عن الائمة عليهم‌السلام بوجوب تكاليف كثيرة ، وحينئذ فاللازم اولا الاحتياط ومع تعذره او تعسره او قيام الدليل على عدم وجوبه يرجع الى ما افاد الظن بصدور الحكم الشرعى التكليفى عن الحجة عليه‌السلام سواء كان المفيد للظن خبرا او شهرة او غيرهما.

فهذا الدليل لا يفيد حجية خصوص الخبر ، وانما يفيد حجية كل ما ظن منه بصدور الحكم عن الحجة وان لم يكن خبرا ، (الى ان قال) فهاهنا علم اجمالى حاصل فى الاخبار وعلم اجمالى حاصل بملاحظة مجموع الاخبار وسائر الامارات المجردة عن الخبر فالواجب مراعاة العلم الاجمالى الثانى وعدم الاقتصار على مراعاة الاول ، نظير ذلك ، ما اذا علمنا اجمالا بوجوب شياة محرمة فى قطيع غنم بحيث يكون نسبته الى كل بعض منها كنسبته الى البعض الآخر وعلمنا ايضا بوجود شياة محرمة فى خصوص طائفة خاصة من تلك الغنم بحيث لو لم يكن من الغنم الا هذه ، علم اجمالا بوجود الحرام فيها ايضا.

٣

ثم تشبث «ره» بذيل العزل ، وقال والكاشف عن ثبوت العلم الاجمالى فى المجموع ما اشرنا اليه سابقا من انه لو عزلنا من هذه الطائفة الخاصة التى علم بوجود الحرام فيها قطعة توجب انتفاء العلم الاجمالى فيها ، وضممنا اليها مكانها باقى الغنم حصل العلم الاجمالى بوجود الحرام فيها ايضا ، وحينئذ فلا بد من ان يجرى حكم العلم الاجمالى فى تمام الغنم اما بالاحتياط او بالعمل بالمظنة لو بطل وجوب الاحتياط ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

وفيه انه وان كان لنا علم اجمالى بوجود ما يكشف عن احكام الله الواقعية الصادرة من الائمة عليهم الصلوات والسلام فى اطراف ما بايدينا من الاخبار وسائر الامارات فى بدو الامر إلّا انه ينحل بالاخبار الموجودة فيما بايدينا من الكتب المعتبرة ، فلا علم بتكليف آخر غير ما اقتضته تلك الاخبار الصادرة كى يجب الاحتياط فى غير ما يكون من محتملاتها من الاخبار من موارد سائر الامارات ، نعم لو كان هناك علمان اجماليان احدهما متعلق بمائة حكم مثلا بين الاخبار وثانيهما العلم الاجمالى المتعلق باحكام كثيرة موجودة بين تلك الاخبار المخصوصة وبين سائر الامارات لكان لهذا الدعوى وجه كما مثل شيخنا الانصارى بقطيع غنم قد علم اجمالا بوجود غصب فيه مرددا بين البيض والسود والحمر والشقر ، وعلم اجمالا ايضا بوجود موطوء بين خصوص السود ولكن المستدل لم يدع الا علما اجماليا واحدا ، كما قررناه بحيث لو

٤

علم تفصيلا ذلك المقدار من الاخبار لا نحل العلم الاجمالى ، ويصير الشك بالنسبة الى سائر الامارات بدويا.

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الاخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النّافى منها.

اى ومقتضى هذا الدليل وجوب العمل بالخبر المقتضى لثبوت التكليف ، لانه الذى يجب العمل به ، رعاية للاحتياط الذى يقتضيه العلم الاجمالى ، واما اخبار النافية للتكليف فلا يجب العمل بها ، بداهة عدم معقولية الاحتياط اللازم لاجل العلم الاجمالى فى الاخبار الغير المتضمنة للاحكام اللازم ، نعم يجوز العمل بالخبر النافى لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضى الاحتياط كقاعدة الاشتغال ، او مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف.

فيما اذا لم يكن فى المسألة اصل مثبت له من قاعدة الاشتغال او الاستصحاب بناء على جريانه فى اطراف ما علم اجمالا بانتقاض الحالة السّابقة فى بعضها او قيام امارة معتبرة على انتقاضها فيه.

قد عرفت آنفا ان قضية ذلك العلم الاجمالى وجوب العمل بكل خبر مثبت للتكليف مطلقا ، وجواز العمل بالخبر النافى اذا لم يكن

٥

على خلافه اصل مثبت له ، اذ لو كان على خلافه اصل مثبت للتكليف لم يجز العمل بخبر النافى لان العمل بالنافى حسن رجاء لادراك الواقع اذا لم يعارضه الاحتياط ولم يلزم منه طرح دليل معتبر ، فاذا شك فى المكلف به كدوران بين وجوب الجمعة او الظهر ، وعلمنا اجمالا بوجوب الظهر او الجمعة وجب الاتيان للاشتغال ولو قام خبر من تلك الاخبار على نفى وجوب احدهما وكذا لو استصحبنا وجوب صلاة الجمعة وقام خبر من تلك الاخبار التى يعلم اجمالا بصدور كثير منها على نفى وجوب الجمعة بناء على جريانه فى اطراف ما علم اجمالا وان العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة غير قادح فى جريانه.

واما بناء على عدم جريانه فى اطراف ما علم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فى بعضها ، او قامت الامارة على انتقاضها فى بعض موارده فمخالفة الاستصحاب للخبر النافى غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته.

والّا لاختصّ عدم الجواز على وفق النّافى بما اذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال.

وان لم يجر الاستصحاب فى الاطراف المذكورة وبنينا على قدح العلم الاجمالى من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله لاختص عدم جواز العمل على وفق النافى بما اذا كان على خلاف قاعدة

٦

الاشتغال لان العمل بالنافى حسن رجاء لادراك الواقع اذا لم يعارضه الاحتياط او لم يلزم منه طرح دليل معتبر وحيث ان قاعدة الاشتغال غير مغياة باليقين بالخلاف فلا مانع من جريانها فى مورد الخبر النافى فيما اذا كان الشك فى المكلف به والمفروض عدم كون الخبر النافى مؤمنا فى موردها فلا جرم ان المتعين بحكم العقل الاشتغال.

وفيه انّه لا يكاد ينهض على حجيّة الخبر بحيث يقدّم تخصيصا او تقييدا او ترجيحا على غيره من عموم او اطلاق او مثل مفهوم.

اللازم من حجية الخبر بالخصوص ان ينهض دليلا على تخصيص عمومات الكتاب والسنة القطعية وتقييد مطلقاتها فيما اذا كان الخبر اخص او اعم من وجه مع كون حق التقديم للخبر لكونه نصا او اظهر وليس حال الاخبار المعلومة بالاجمال كذلك اذ يحتمل فى كل واحد منها أن لا يكون صادرا عن المعصوم عليه‌السلام وان كان يجب عقلا العمل على طبقه لئلا يقع المكلف فى خلاف الواقع.

وان كان يسلم عمّا اورد عليه من أنّ لازمه الاحتياط فى سائر الامارات لا فى خصوص الرّوايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالى بينهما بما علم بين الاخبار بالخصوص

٧

ولو بالاجمال ، فتأمّل جيّدا.

وان كان هذا الدليل على ما قررناه يسلم عما اورده الشيخ «ره» بان لازمه الاحتياط فى جميع الطرق والامارات ، لا خصوص الاخبار الموجودة فى الكتب المعتبرة ، لان وجوب العمل بتلك الاخبار انما هو لاجل العلم الاجمالى بوجود ما يكشف عن احكام الله الواقعية الصادرة من الائمة (ع) فى مضامينها.

ومن المعلوم ان اطرافه لا تنحصر بالاخبار الموجودة فى الكتب المعتبرة ، بل نعم جميع الطرق والامارات للعلم الاجمالى بوجود ما يكشف عن احكام الله الصادرة عن الائمة (ع) ايضا ، فيفيد هذا الدليل وجوب الاحتياط فى اطراف جميع الطرق والامارات الظنية الكاشفة عن احكام الله الواقعية الصادرة عن الائمة (ع) لا فى اطراف خصوص الروايات الموجودة فى الكتب.

لما عرفت من انحلال العلم الاجمالى بين الروايات وسائر الامارات ، بما علم بين الاخبار بالخصوص ولو بالاجمال ، فلا علم بتكليف آخر غير ما اقتضته تلك الاخبار الصادرة ، كى يراعى ويحتاط فى غير ما يكون من محتملاتها من الاخبار من موارد سائر الامارات.

وبعبارة اخرى ، أن لنا وان كان علم اجمالى بوجود ما يكشف عن احكام الله الواقعية الصادرة من الائمة عليهم‌السلام فى مجموع الطرق والامارات ، إلّا انه ينحل بالاخبار الموجودة فيما بايدينا من

٨

الكتب المعتبرة.

نعم لو كان هناك علمان اجماليان ، احدهما العلم الاجمالى المتعلق بمائة حكم مثلا بين الاخبار ، وثانيهما العلم الاجمالى المتعلق باحكام كثيرة موجودة بين تلك الاخبار وبين سائر الامارات ، كان لهذا الاشكال وجه ، ولكن المستدل لم يدع الا علما واحدا ، كما قررناه بحيث لو علم تفصيلا ذلك المقدار من الاخبار لا نحل العلم الاجمالى ويصير الشك بالنسبة الى سائر الامارات بدويا ، فتأمل جيدا.

ثانيها ما ذكره فى الوافية مستدلا على حجيّة الأخبار الموجودة فى الكتب المعتمدة للشّيعة ، كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير ردّ ظاهر.

الثانى من الوجوه العقلية التى استدل بها على حجية خبر الواحد ما ذكره فى الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة فى الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الاربعة بشرط عمل جمع به من غير رد ظاهر ، وقد نقله الشيخ «ره» بعين ما نقله المصنف فى الكتاب عينا.

وهو انّا نقطع ببقاء التّكليف الى يوم القيمة سيّما بالاصول الضروريّة كالصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والمتاجر والانكحة ونحوها مع انّ جلّ اجزائها وشرائطها

٩

وموانعها انّما يثبت بالخبر الغير القطعى بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بالخبر الواحد ومن انكر فانّما ينكره باللّسان وقلبه مطمئن بالايمان ، انتهى.

هذا الوجه فى الحقيقة قياس خلف استدل فيه على المطلوب بابطال نقيضه حيث ان تركه مستلزم لانعدام التكاليف المقطوع بقائها سيما الضروريات كالصلاة والزكاة والحج والمتاجر والانكحة ونحوها بداهة انه لو قطعنا النظر عن الاجزاء والشرائط التى تثبت بخبر الواحد لتلك الامور وتركنا العمل بها ، لخرجت هذه الامور عن حقائقها ، ولا يستحق اطلاق اساميها عليها وعليه فلا بد من العمل بجميع الكتب المذكورة بالشرط المذكور.

واورد عليه اوّلا بأنّ العلم الاجمالى حاصل بوجود الاجزاء والشّرائط بين جميع الاخبار ، لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم ح امّا الاحتياط او العمل بكلّ ما دلّ على جزئيّة شىء او شرطيّته.

المورد هو الشيخ «ره» قال فى رسائله بعد ما فرع عن نقل عبارة الوافية ما لفظه ويرد اولا ان العلم الاجمالى حاصل بوجود

١٠

الاجزاء والشرائط بين جميع الاخبار ، لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكر ، ومجرد وجود العلم الاجمالى من تلك الطائفة الخاصة لا يوجب خروج غيرها عن اطراف العلم الاجمالى كما عرفت فى الجواب الاول عن الوجه الاول ، وإلّا لما امكن اخراج بعض هذه الطائفة الخاصة.

ودعوى العلم الاجمالى فى الباقى كاخبار العدول مثلا فاللازم حينئذ اما الاحتياط والعمل بكل خبر دل على جزئية شىء او شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية او الشرطية انتهى.

حاصل ما يستفاد من كلامه (قدس‌سره) هو عدم انحصار اطراف العلم الاجمالى بوجود اجزاء الاصول الضرورية ، وشرائطها بالاخبار الموجودة فى الكتب المعتبرة للشيعة مع الشرط المذكور بل يعم جميع الاخبار ، ومجرد دخول تلك الطائفة فى اطراف العلم الاجمالى لا يوجب خروج غيرها من اطرافه.

فاللازم حينئذ اما الاحتياط والعمل بكل خبر دل على جزئية شىء او شرطيته ، واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية او الشرطية ، لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكر هذا كله امر الشيخ فيما اورده على ما ذكره صاحب الوافية وقد اجاب عنه المصنف بقوله :

١١

قلت : يمكن ان يقال انّ العلم الاجمالى وان كان حاصلا بين جميع الاخبار الّا انّ العلم بوجود الاخبار الصّادرة عنهم (ع) بقدر الكفاية بين تلك الطّائفة ، او العلم باعتبار الطّائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالى ، وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرّت اليه الاشارة فى تقريب الوجه الاوّل.

حاصل جوابه (قدس‌سره) عن ايراد الشيخ «ره» على ما ذكره فى الوافية ، هو أن العلم الاجمالى بوجود الاجزاء والشرائط فى مطلق الاخبار ينحل بالعلم الاجمالى بوجودها فى مضامين الاخبار الواجدة للشرائط المذكورة ، لان المعلوم وجوده من الاجزاء والشرائط فى مطلق الاخبار لا يزيد قدرا عن المعلوم وجوده فى مضامين الاخبار الواجدة للشرائط المذكورة بحيث يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال فيها عليها.

وعليه فلا يجب الاحتياط الا فى خصوص اطرافها ، دون اطراف مطلق الاخبار.

والوجه فى صحة هذا الدعوى ان هذه الاخبار المدونة فى الكتب المعتمدة واجدة لتلك الشرائط ، اذ هى معتمدة للشيعة معمول بها عند الاصحاب من غير رد ظاهر الا بعض النوادر منها ، بل ادعى فى الوسائل الاجماع على صحتها ، وهذه الاخبار المدونة وافية بمعظم الفقه فلا غرو فى دعوى ان المقدار المعلوم وجوده من الاجزاء والشرائط قابل للانطباق

١٢

بالعلم الاجمالى بوجودها فى مضامين الاخبار الواجدة للشرائط المذكورة ، فيجب الاحتياط فى خصوص اطرافها ونستريح ببركته عن كلفة الاحتياط فيما هو خارج عنها من مطلق الاخبار.

فتحصل مما ذكر ان اشكال الشيخ على الوافية غير وارد ، اذ العلم الاجمالى الكبير ينحل بالعلم الاجمالى الصغير الذى تنحصر اطرافه بين الاخبار الواجدة للشرائط المذكورة ، والعلم الاجمالى بوجود الاجزاء والشرائط وان كان حاصلا فى بدو الامر بين جميع الاخبار إلّا ان العلم الاجمالى بوجود الاخبار الصادرة بقدر الكفاية بين تلك الاخبار المشروطة بما ذكره فى الوافية او العلم باعتبار طائفة بقدر الكفاية بين تلك الاخبار المشروطة مما يوجب انحلال ذاك العلم الاوسع الموجود فى جميع الاخبار الى العلم الاجمالى المختص بالاخبار المشروطة بما ذكره فى الوافية وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم على نحو الشبهة البدوية كما مرت اليه الاشارة فى تقريب الوجه الاول ، فراجع.

اللهم الّا ان يمنع عن ذلك وادّعى عدم الكفاية فيما علم بصدوره او اعتباره او ادّعى العلم بصدور اخبار آخر بين غيرها فتأمّل.

اللهم إلّا ان يمنع عن ذلك وادعى عدم الكفاية ، بمعنى ان معلوم

١٣

الصدور او معلوم الاعتبار وان لم يعلم بالصدور ، من الطائفة المذكورة ليس بقدر المعلوم بالاجمال فيما بين جميع الاخبار ، او كان علم اجمالى آخر فى غير تلك الطائفة ، فاللازم حينئذ العمل بجميع الاخبار ويتم ايراد الشيخ «ره» على الوافية ، فتأمل.

ولعله اشارة الى ما ذكرناه آنفا من أن هذه الاخبار الموجودة فى الكتب المعتمدة تكون وافية بمعظم الفقه فلا غرو فى دعوى قابلية انطباق الكبير على الصغير وانطباق الكبير على الصغير يوجب الاكتفاء برعاية الصغير ويدفع عنا كلفة الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى الكبير وعليه فلا يجب الاحتياط الا فى خصوص اطراف العلم الاجمالى الصغير دون اطراف مطلق الاخبار.

وثانيا بانّ قضيّته انّما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية او الشّرطيّة دون الاخبار النّافية لهما.

هذا الايراد ايضا من الشيخ «ره» ، حاصله ان مقتضى هذا الدليل هو وجوب العمل بالاخبار المثبتة لجزئية شىء او شرطيته دون الاخبار النافية لهما لوضوح ان حكم العقل بلزوم العمل على طبقها للتوصل الى امتثال التكاليف المعلومة بالاجمال فى هذه الطائفة من الاخبار لكيلا يقع المكلف فى تبعة مخالفتها والعمل بالخبر النافى ليس مقدمة لذلك خصوصا اذا اقتضى الاصل الجزئية او الشرطية.

١٤

فلا يثبت بهذا الوجه حجية الخبر اذ معنى حجية الخبر بما هو خبر كون مثبته ونافيه حجة فى مقابلة الاصول المثبتة او النافية ومعه لا يصح العمل إلّا بما كان مثبتا للجزئية او الشرطية منها دون ما كان نافيا لهما خصوصا فيما اقتضى الاصل ثبوتهما.

والاولى أن يورد عليه بانّ قضيّته انّما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجّة معتبرة على نفيهما من عموم دليل او اطلاقه لا الحجّية بحيث يخصّص او يقيّد بالمثبت منها او يعمل بالنّافى فى قبال حجّة على الثّبوت ولو كان اصلا كما لا يخفى.

وجه الاولوية ان مقتضى هذا الدليل المذكور فى الوافية ليس هو وجوب العمل بالاخبار المثبتة لجزئية شىء او شرطيته مطلقا حتى عند قيام حجة معتبرة من عموم دليل او اطلاقه على نفيهما.

بداهة ان هذا فرع العلم بصدوره او العلم بحجيته تعبدا والمفروض عدمهما بل مقتضاه انما هو الاحتياط بالعمل على طبق الاخبار المثبتة فيما اذا لم تقم حجة معتبرة على نفى الجزئية او الشرطية ومع قيامها فالمتبع تلك الحجة لا الخبر المثبت فالاحتياط اصل والعمومات والمطلقات دليل مقدم على الاصل ولا يثبت بهذا الدليل الحجية للخبر من جهة كونه حجة بخصوصه بحيث يخصص بالمثبت منها العمومات ويقيد

١٥

بالمثبت منها المطلقات او يعمل بالنافى فى قبال حجة على الثبوت ولو كان اصلا وظنى ان التعبير بالاولوية للتنبيه على قصور عبارة الشيخ «ره» عن بعض ما يرد على صاحب الوافية لا الاشكال عليه كما هو واضح.

ثالثها ما افاده بعض المحقّقين بما ملخّصه انّا نعلم بكوننا مكلّفين بالرّجوع الى الكتاب والسّنة الى يوم القيمة ، فان تمكّنا من الرّجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم او ما بحكمه فلا بدّ من الرّجوع اليهما كذلك والّا فلا محيص عن الرّجوع على نحو يحصل الظّن به فى الخروج عن عهدة هذا التكليف فلو لم يتمكّن من القطع بالصّدور او الاعتبار فلا بدّ من التّنزّل الى الظّن باحدهما.

الوجه الثالث من وجوه تقرير حكم العقل بحجية الخبر الواحد هو ما ذكره المحقق صاحب الحاشية ، واستدل به على حجية خبر الواحد فى حاشيته على المعالم وجعل هذا الوجه من اقوى الوجوه الثمانية التى اقاموها على حجية خبر الواحد ، واطال فيه بالايراد والجواب وقد لخصه المصنف لطوله.

وملخصه انه قد ثبت وجوب العمل بالكتاب والسنة بالاجماع والضرورة ، وهذا التكليف باق فى حقنا بالادلة المذكورة وحينئذ فان امكن الرجوع اليهما على وجه يحصل العلم او الظن الخاص

١٦

بالحكم فهو وإلّا فلا بد من الرجوع اليهما على وجه يحصل الظن بالحكم فى الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة.

وفيه انّ قضيّة بقاء التكليف فعلا بالرّجوع الى الاخبار الحاكية للسّنة ، كما صرّح بانّها المراد منها فى ذيل كلامه زيد فى علوّ مقامه انّما هى الاقتصار فى الرّجوع الى الاخبار المتيقّن الاعتبار فان وفى والّا اضيف اليه الرّجوع الى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والّا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرّجوع الى ما ظنّ اعتباره.

حاصل ايراد المصنف على هذا الوجه هو ان مقتضى وجوب الرجوع الى الاخبار الحاكية للسنة (كما صرح فى ذيل كلامه بانها المراد منها على ما هو المصطلح من السنة) ليس هو الرجوع الى ما ظن اعتباره من الاخبار بل قضيته هو الاقتصار فى الرجوع على الخبر المتيقن اعتباره من هذه الاخبار التى قام الاجماع على صحتها فى الجملة فان وفى بمعظم الفقه فهو وإلّا اضيف اليه الخبر المتيقن اعتباره بالاضافة الى ما سواه كالخبر الصحيح بالنسبة الى الموثق والموثق بالنسبة الى الحسن.

وهكذا لو كان هناك المتيقن اعتباره بالاضافة فالاخبار الصحيحة على مصطلح المتاخرين هى القدر المتيقن من معقد الاجماع فلا بد من

١٧

الاخذ بها من بين مجموع الاخبار فان كانت وافية بمعظم الفقه فبها وإلّا اضيف اليها الرجوع الى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة الى غيرها فيتعدى من الاخبار الصحيحة الى الموثقة من بين مجموع الاخبار وهكذا لو كان هناك المتيقن اعتباره بالاضافة وإلّا بان كانت الاخبار كلها متساوية فاللازم هو الاحتياط بالاخذ بمجموعها لا الاقتصار على خصوص مظنونها ، اذ هذا مخالف لحكم العقل بالاحتياط اللازم من بقاء التكليف.

وذلك للتّمكن من الرّجوع علما تفصيلا او اجمالا فلا وجه معه من الاكتفاء بالرّجوع الى ما ظنّ اعتباره.

وذلك اى عدم الرجوع الى ما ظن اعتباره يكون لاجل التمكن من الرجوع الى العلمى التفصيلى ، يعنى الرجوع الى الاخبار المتيقن بالاعتبار ثم الى المتيقن اعتباره بالاضافة او الرجوع الى العلمى الاجمالى يعنى الرجوع الى الاخبار بنحو الاحتياط فمراده من الرجوع الى العلمى التفصيلى فى العبارة هو الرجوع الى اخبار المتيقن بالاعتبار ثم الى المتيقن اعتباره بالاضافة كما أن مراده من الرجوع الى العلمى الاجمالى هو الرجوع اليها بنحو الاحتياط ، فمع التمكن من الرجوع الى الاخبار الحاكية للسنة علما تفصيلا او اجمالا لا وجه للتنزل الى ما ظن اعتباره والاكتفاء بالرجوع اليه كما فعل المحقق المذكور ،

١٨

هذا مع انّ مجال المنع عن ثبوت التّكليف بالرّجوع الى السّنة بذاك المعنى فيما لم يعلم بالصّدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع.

هذا كله مضافا الى ان للمنع عن ثبوت التكليف بالرجوع الى السنة بذاك المعنى ، اى الاخبار الحاكية مع عدم العلم بصدورها ولا باعتبارها بالخصوص مجالا واسعا لعدم ثبوت الاجماع المدعى على حجيتها فى الجملة اولا وعدم كشفه عن رأى المعصوم ثانيا.

وامّا الايراد عليه برجوعه امّا الى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالى بتكاليف واقعيّة وامّا الى الدّليل الاوّل لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور اخبار كثيرة بين ما بايدينا من الأخبار.

المورد شيخنا العلامة «اعلى الله مقامه» فى رسائله ، قال : فى اواخر ما اورده على هذا الوجه الثالث (ما لفظه).

نعم لو ادعى بالضرورة على وجوب الرجوع الى تلك الحكايات الغير العلمية ، يعنى بها الاخبار لاجل الخروج عن الدين لو طرحت بالكلية يرد عليه انه ان اراد لزوم الخروج عن الدين من جهة العلم بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التى يعلم بعدم جواز رفع اليد عند الجهل بها تفصيلا.

١٩

فهذا يرجع الى دليل الانسداد الذى ذكروه لحجية الظن ، ومفاده ليس إلّا حجية كل امارة كاشفة عن التكليف الواقعى وان اراد لزومه من جهة خصوص العلم الاجمالى بصدور اكثر هذه الاخبار حتى لا يثبت بها غير الخبر الظنى من الظنون ليصير دليلا عقليا على حجية خصوص الخبر فهذا الوجه يرجع الى الوجه الاول الذى قدمناه ، وقدمناه الجواب عنه فراجع ، انتهى.

ففيه انّ ملاكه انّما هو دعوى العلم بالتّكليف بالرّجوع الى الرّوايات فى الجملة الى يوم القيمة ، فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

والمصنف قد وجه هذا الوجه الثالث بنحو لا يرجع الى الوجه الاول ولا الى دليل الانسداد بتقريب ان ملاكه ليس هو العلم بتكاليف واقعية ولا العلم الاجمالى بصدور كثير ما بايدينا من اخبار الكتب المعتبرة بل ملاكه انما هو دعوى العلم بوجوب الرجوع الى الروايات الحاكية للسنة فى الجملة الى يوم القيمة وان لم يعلم بوجود تكاليف واقعية فيها ليكون مرجعه الى دليل الانسداد ولا بصدور كثير منها قطعا ليكون مرجعه الى الوجه الاول ، فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

واورد عليه بعض اعاظم العصر على ما حكى عنه فى مبانى

٢٠