منهاج الأصول - ج ٤

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٤

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

بالنسبة الى ذلك الموضوع فحينئذ يجب الاتيان به مع العلم بوجود الموضوع فى الخارج ولا يجوز العدول عنه الى غيره ، مما هو محتمل المصداقية ، إذ العقل مستقل بلزوم تحصيل الفراغ ، وحينئذ مع الشك فى محتمل المصداقية ، وانحصار الأمر به يجب الاتيان به من باب الاحتياط ، ولا يرجع الى البراءة فى مثله ، إذ جريانها إنما يكون فيما إذا شك فى أصل غرض المولى لا من قبيل الشك فى القدرة على تحصيل غرض المولى بعد الجزم بأصله.

وان كان الأمر قد تعلق بصرف الوجود فالظاهر ان القول بالاشتغال متعين بخلاف تعلق النهى بصرف الوجود لان صرف الوجود بالنسبة الى ايجاد الطبيعة لا يتصور فيها تعدد ولا يتصور فيها سعة وضيق في عالم الوجود بخلاف ترك الطبيعة فان مرجع الشك فى تركها يتصور فيه كثرة الافراد وقلتها لما عرفت من أن ترك الطبيعة عين ترك الافراد فيختلف سعة وضيقا فيندرج تحت مسألة الاقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن وتجري البراءة فى الزائد ودعوى ان ترك الطبيعة إنما يكون بترك الافراد باجمعها فيكون الشك فى الفردية شك فى المحصل وهو مجرى لقاعدة الاشتغال فى غير محلها لما عرفت منا سابقا ان وجود الطبيعى عين وجود افراده ، كذلك عدم الطبيعى عين عدم افراده فيندرج تحت الاقل والاكثر دون ايجاد الطبيعة فان الشك فى وجود الفرد المشتبه

__________________

فرد خارجي انه من اجزاء ما يؤكل لحمه فيكون من شك في تعلق التكليف زائدا على المعلوم بالاجمال وهو من موارد جريان البراءة ولو تنزلنا وقلنا بالمانعية ولم نقل بالانحلال بل هو عبارة عن مجموع التروك فيكون الشك في المقام من الشك فى تعلق التكليف الضمني وقد عرفت انه من موارد جريان البراءة على تفصيل ذكرناه فى بحوثنا الفقهية في مسألة لباس المشكوك فلا تغفل.

١٤١

شك فى المحصل ويكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال من غير فرق بين كون القضية بنحو السالبة المحصلة كقوله لا تشرب الخمر او الموجبة المعدولة المحمولة كقوله كن لا شارب الخمر. ودعوى لزوم الاحتياط فى الثانى لرجوع الشك فى تحقق العنوان الى الشك في المحصل ومرجع ذلك الى الشك فى الامتثال فيكون من موارد قاعدة الاشتغال ممنوعة إذ القضية السالبة المحصلة ترجع الى الموجبة المعدولة وان كان فرقا بينهما ففي الموجبة المعدولة أخذ السلب فيها بنحو القيدية للربط والاتصاف به وفى السالبة المحصلة كان السلب واردا على الربط إلا ان ذلك لا يوجب فرقا فى ناحية جريان اصالة البراءة لرجوع كل واحد من القضيتين الى الشك فى التكليف حيث ان التكليف المتعلق فى كل منهما انحلاليا لما عرفت منا سابقا ان وجود الطبيعى عين وجود افراده كذلك عدم الطبيعة عين وجود اعدام كل فرد من الطبيعة فعنوان العدم فى الموجبة المعدولة ليس إلا عين افراد الطبيعة وليس عنوانا يتحصل من تلك الاعدام بنحو تكون تلك الاعدام أسبابا لتحققه فحينئذ ينحل هذا العدم الذي اخذ عنوانا لاعدام افراده فيكون الشك في مصداق هذا العدم المأخوذ عنوانا من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر كما لو شك فى مصداق السلب فى السالبة المحصلة فانه يكون من ذاك القبيل غاية الامر بالنسبة الى السالبة المحصلة من الاقل والاكثر الاستقلاليين وفى الموجبة المعدولة من الاقل والاكثر الارتباطيين وعلى المختار من جريان البراءة فيهما لا يفرق بين القضيتين.

وبالجملة الفرق بين القضيتين بان في الموجبة المعدولة يكون العدم من قيود المأمور به ، وفى السالبة عين المكلف به وان كان متحققا إلا انه لا يفرق بينهما من ناحية كونهما من الاقل والاكثر غاية الامر الترديد بينهما تارة يكون فى قيود المأمور به كما فى الموجبة المعدولة واخرى فى المكلف به كما فى السالبة المحصلة

١٤٢

هذا فى النواهي النفسية ، واما النواهي الغيرية فتأتي تلك الصور باجمعها وقد عرفت البراءة تجري فى جميع تلك الصور ولا يخفى انه من النواهي الغيرية المستفاد منها المانعية وانها تكون انحلالية فلذا اجرينا البراءة في اللباس المشكوك وصححنا الصلاة فيما لو شك فى كونه مما لم يؤكل لحمه لعدم استفادة الشرطية من الاخبار.

الشبهة الوجوبية

المبحث الثاني في الشبهة الوجوبية (١) وهي ما لو شك في وجوب شيء

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ النّائينيّ (قده) بان المرجع في الشبهة الوجوبية هي البراءة في غير تعارض النصين بالادلة السابقة مضافا الى موافقة الاخباريين فيما كان الاشتباه من جهة فقد النص واجماله إلا ما ينسب الى صاحب الحدائق تبعا للمحدث الاسترابادي فقال بالتوقف ، واما في الشبهة الموضوعية الوجوبية فالظاهر انه موضع وفاق وهذا مما لا اشكال فيه وإنما الكلام ان جريان البراءة في الشبهة الحكمية والموضوعية قبل الفحص فيهما ام في خصوص الشبهة الموضوعية ، واما الشبهة الحكمية فلا تجري البراءة قبل الفحص الظاهر هو الثاني لشمول اخبار البراءة للشبهة الموضوعية قبل الفحص وبعده ، واما الحكمية فلا تجري البراءة قبله لما عرفت ان الفحص مما حكم به العقل نظير حكمه بوجوب النظر في المعجزة وهل هذا الحكم من قبيل المخصص المتصل او المنفصل وجهان مبنيان على ان هذا الحكم العقلى ضروري لكى يكون من قبيل القرائن المحفوفة بالكلام فتكون من قبيل المخصص المتصل فلا ينعقد له ظهور للكلام أو نظري لكي يكون من المخصص المنفصل الذي لا يضر بظهور الكلام وكيف كان فيوجب تقييد

١٤٣

كالدعاء عند رؤية الهلال مثلا مع العلم بعدم حرمته فالظاهر انها من موارد جريان

__________________

تلك المطلقات بما بعد الفحص ، واما شمول أدلة البراءة لما قبل الفحص في الشبهة الموضوعية فللإطلاقات وبعض الادلة الخاصة إلا أن الكلام وقع في معنى الفحص ما هو؟

فنقول العلم الحاصل اما ان يكون من المقدمات غير الاختيارية أم لا؟ لا كلام على الاول لانه إن حصل العلم فيؤخذ به وإلا فهو مجرى البراءة ، واما القسم الثاني فتارة تحصل له مقدمات العلم كمن كان على السطح ولم يتوقف عن معرفة الفجر إلا بالنظر اليه ، واخرى لا تكون المقدمات حاضرة لديه ، اما الاول فالظاهر انه لا اشكال في عدم جريان البراءة قبل النظر الى الفجر وليس ذلك من الفحص لخروجه عن الفحص موضوعا وحكما فان الفحص عبارة عن تحصيل مقدمات العلم ولا يصدق على اعمال القوة الادراكية عند حضور مقدمته فحصا ، واما حكما فلعدم شمول اطلاقات البراءة لمثل هذه الصورة لان المعرفة التي أخذت مغياة للبراءة لا نشمل ما إذا حضرت عنده المقدمة بنحو لا يتوقف إلا على أعمال الفكر ، فلو تنزلنا فالاحوط عدم الافتاء بالجواز.

واما عدم وجوب الفحص فيما اذا احتاجت المقدمة الى المقدمات سواء كانت الشبهة بدوية ام مقرونة بالعلم الاجمالي بان تكون من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر الاستقلاليين فانه بالنسبة الى غير المتيقن من قبيل الشبهة البدوية إلا ان المشهور قد افتى بوجوب الاحتياط بالنسبة الى الاقل والاكثر في الفائتة بل من عصر المفيد الى عصر الشهيد الثاني لم ينقل خلاف في انه يجب القضاء الى ان يحصل العلم او الظن بالاداء ، وقيل في توجيهها بامرين.

١٤٤

البراءة كالشبهة التحريمية فان كل من قال بالبراءة في تلك المسألة قال بها هاهنا ولا عكس إذ بعض من يقول بالاحتياط من الاخباريين في تلك المسألة قال هنا بالبراءة من غير فرق بين ان يكون الشك ناشئا من فقد النص أو من اجماله أو تعارض النصين أو كان الشك ناشئا من اشتباه الامر الخارجي للادلة التى ذكرناها في المسألة السابقة من غير فرق بين المسألتين إلا إن الشيخ الانصاري (قده) نسب الى بعض الاحتياط في بعض صغريات هذه المسألة فقال ما لفظه حيث تخيل بعض ان دوران ما فات من الصلاة بين الاقل والاكثر موجب للاحتياط من باب

__________________

الاول استصحاب عدم الاتيان بالفائتة المشكوكة في الوقت ولكن لا يخفى ان ذلك إنما يتم بعد تحقق امرين تمامية الاستصحاب المذكور في حد نفسه وعدم كونه محكوما لقاعدة وكلاهما ممنوعان الاول عدم الموضوع للاستصحاب إذ ليس موضوع الفضاء هو عدم إتيان الفريضة في الوقت وإنما هو عنوان الفوت كما يظهر من قوله عليه‌السلام : (ما فاتتك فاقضها كما فاتت) وحينئذ يقع الكلام في الفوت من جهتين الاول صدق الفوت يتوقف على فعلية الخطاب او يكفي تمامية الملاك الظاهر هو الاخير لان المصداق القطعي للفوت هو من فاته فريضة وهو نائم والظاهر إلحاق السكران بالنائم وبالنسبة اليهما الملاك تام ، واما الحاق غيرهما من ذوي الاعذار فله محل آخر يذكر وتفصيله عن المقام اجنبي.

الجهة الثانية في ان الفوت هل هو امر وجودي أو أمر عدمي فان كان الاول فلا مجال للاستصحاب إلا بالاصل المثبت من غير فرق بين كونه أمرا وجوديا أو عدما نعتيا بان يكون بنحو العدم والملكة وعلى الثاني فيمكن جريان الأصل العدمي إلا ان الحق ان الفوت امر وجودي فعليه ان الفوت يدور مدار امرين.

١٤٥

المقدمة العلمية) وقد أيد ذلك بما نسب الى المشهور من وجوب الاحتياط في مسألة تردد الفائتة بين الاقل والاكثر وقد اجيب عن هذا التوهم بارجاع الشك في الاكثر الى الشك في التكليف لانحلال العلم الاجمالي الى قضية متيقنة وهو وجوب الاقل وقضية مشكوكة وهو الشك في وجوب الزائد فيكون من موارد جريان البراءة ، واما بالنسبة الى قضاء الفائتة فالذي يظهر من الشيخ ان القول بالبراءة والاشتغال فيها مبني على ان القضاء بامر جديد بان يكون الامر بالصلاة في الوقت على نحو وحدة المطلوب أو ان القضاء بالأمر الأول بان يكون الامر

__________________

الاول أن يكون الشخص واجدا لشيء وقد ذهب عنه ، الثاني أن يكون الاتيان به في محله وموقعه بحيث لو لم يأت به لفات كالصلاة في آخر الوقت لا في اوله وفي خارجه وعليه فلا يجرى الاصل سواء قلنا بان الفوت أمر منتزع من الوجود أو كان من قبيل الاعدام والملكات ، اما الاول فلما عرفت انه لا حالة سابقة له حيث أن القوت لا يصدق على أول الوقت وان كان الثاني فهو من الاصول المثبتة. نعم لا يصدق على أول الوقت وان كان الثاني فهو من الاصول المثبتة. نعم لو كان الفوت أمرا عدميا لأمكن جريان الاستصحاب حيث ان موضوع الفضاء مركب من حيلولة الوقت وعدم الاتيان فيكون أحد الجزءين محرز بالوجدان وهو خروج الوقت والجزء الآخر وهو عدم الاتيان محرز بالاصل ولكن لا يخفى انه مع ذلك لا يجري لحكومة قاعدة الحيلولة وهي ان الوقت اذا دخل فقد حال حائل وبالجملة هذا الامر لا يكاد يكون وجها فتوى المشهور.

الامر الثاني ما ذكره صاحب الحاشية (قده) ردا على صاحب الذخيرة حيث اجرى البراءة بما حاصله ان من فاته مقدار من الفرائض تارة مسبوقا بالعلم واخرى لا يكون مسبوقا به أما ما لم يكن مسبوقا بالعلم التفصيلي كما لو اغمي عليه ولم يعلم مقدار أي شيء ففي هذه الصورة تجري البراءة ، واما إذا كان

١٤٦

بالصلاة على نحو تعدد المطلوب فان كان الأول فالمرجع هو البراءة لرجوع الشك في اتيان الفائتة الى الشك في توجه التكليف بالقضاء فيكون من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة ، وان كان على الثاني فمرجعه الى الشك في الخروج عن العهدة بعد العلم باشتغال الذمة وهو من موارد جريان قاعدة الاشتغال إذ شغل الذمة اليقينية تستدعي الفراغ اليقيني.

والتحقيق ان التكليف الوجوبي اما أن يتعلق بصرف الوجود ، أو بالطبيعة السارية ، فان تعلق بصرف الوجود يكون الشك في اتيانه من قبيل الشك في

__________________

مسبوقا بالعلم التفصيلي كأن كان عالما تفصيلا بمقدار من الفرائض التي فائتة ثم ذهل ونسى وتردد بين الاقل والاكثر ففي هذه لا تجري البراءة حيث ان المقدار المعلوم قد تنجز ويجب الخروج عن العهدة واذا رجع الى ناحية الخروج عن العهدة فلا مجال للبراءة واورد عليه الشيخ (قده) بما حاصله ان العلم انما يكون منجزا مع بقائه لا انه يرتفع عند حصول الشك لكي يكون حاله حال الشك الساري وعليه تجب رعاية الشك لا العلم ثم ان الاستاذ (قده) قال كنا في الدورة السابقة قوينا كلام صاحب الحاشية ولكن في هذه الدورة الانصاف ان ما قاله صاحب الذخيرة وتبعه شيخنا الانصاري (قده) هو الحق إذ تمامية كلام صاحب الحاشية يحصل بامرين الاول يكفي في المنجزية احتمال العلم بالتنجز ، الثاني قصور شمول ادلة البراءة للفرض مع كلا الامرين محل نظر لأن موضوعات التكاليف تارة تكون غير اختيارية واخرى اختيارية لا كلام لنا على الاول ، واما الثاني يلزم سد باب البراءة ضرورة حصول العلم مع الفوت الاختياري إلا نادرا فيلزم تدوين فقه جديد على ان الاول منهما ممنوع لان مجرد كون الاحتمال منجزا غير نافع ما لم يقم عليه دليل ، وان الثاني منهما ممنوع ايضا لان المراد بما لا يعلمون

١٤٧

الخروج عن العهدة فيجب فيه الاحتياط ، إلا ان يقوم دليل على عدم وجوب اتيان ما شك في اتيانه كقاعدة الحيلولة ونحوها ، واما ان يتعلق بالطبيعة السارية بحيث ينحل الى الحصص والافراد فمرجع الشك في اتيان بعض تلك الحصص أو الافراد الى الشك في الاقل والاكثر ، فيؤخذ بالقدر المتيقن ، والشك في الزائد من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة ، واما فتوى المشهور بوجوب اتيان ما فات من الصلاة الى ان يعلم بالفراغ ، فذلك مبني على ان الشك في الاتيان في الوقت في كل يوم حاصل الى ان يخرج الوقت ، ولا اشكال في هذه الصورة بوجوب الاتيان لجريان اصالة عدم الاتيان القاضية بوجوبه.

ودعوى عدم جريان هذا الأصل إلا بناء على الاصل المثبت ، إذ موضوع القضاء هو الفوت ممنوعة ، إذ الموضوع هو نفس عدم الاتيان فبجريان اصالة

__________________

هو عدم وصول الخطاب بالقرينة الارتكازية ومناسبة الحكم للموضوع وبلا اشكال يعتبر في منجزية التكليف الوصول أما بنفسه أو بطريقة فمجرد الشك في الوصول يقطع بعدم الحجية.

ومما ذكرنا يظهر لك فساد الوجوه التي أقمناها في الدورة السابقة على ما اختاره صاحب الحاشية منها قصور شمول ادلة البراءة الشرعية والعقلية فان المتيقن هو عدم تعلق العلم بشيء وفي المقام يحتمل تعلق العلم به وفيه انا ذكرنا ان مناط الحكم العقلي أو الشرعي هو عدم الوصول ومنها تنزيل العلم منزلة القدرة فكما ان العجز في بعض الوقت في الواجب الموسع يوجب خروج الافراد الواقعة في زمان العجز كذلك لو تعلق بشيء ولو في الوقت يوجب العجز وفيه اولا بطلان هذا التنزيل حيث ان القدرة شرط للتكليف والعلم شرط في التنجيز وثانيا ان العلم منجز وفي المقام هو احتمال العلم منجز فافهم وتأمل.

١٤٨

عدم الاتيان يوجب القضاء من غير فرق بين القول بان القضاء ، بالامر الاول ، أو بامر جديد ، ولا مانع من جريان هذا الاصل الموضوعي إلا حكومة قاعدة الحيلولة ، فانه لو جرت ترفع جريان هذا الاصل الموضوعي ، إلا أن الشأن في جريانها في المقام كما هو معلوم في محله ، إذ المستفاد من ادلتها ان جريانها مشروط بان يكون الشك حادثا بعد الوقت ، وما نحن فيه الشك متحقق في الوقت وليس حادثا بعد الوقت ، ولا تحمل فتوى المشهور على غير هذا الوجه مثل ما اذا شك بعد الوقت او شكه كان في مقدار ما فاته من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره ، او كان تاركا لمقدار ما فات منه لنسيان أو غيره ، مع عدم حدوث الشك في كل يوم ، اما الاول فلا تجري قاعدة الاشتغال لجريان قاعدة الحيلولة القاضية بعدم الاتيان ، واما الثاني فهو من موارد دوران الامر بين الاقل والاكثر الاستقلاليين كالدين مثلا ولا اشكال في انه يجب الاتيان بالاقل ، وتجرى البراءة في الزائد ، ودعوى عدم جريان البراءة في الفرض المذكور حيث ان جريانها مشروط بان لا يكون مسبوقا بمنجز ومع سبقه ولو آناً ما يمنع من جريان اصل البراءة ، إذ مع تحقق الشك في الاتيان لا يكون من العقاب بلا بيان على الترك إذ لو ترك يعاقب وعقابه مع البيان ، وهو سبق المنجز (١).

__________________

(١) وقرب المحقق النائيني (قده) هذه الدعوى بوجه آخر وهو ان سبق المنجز ولو آناً ما لو قلنا بانه يكفي في التنجز ففي كل شبهة تحتمل سبق المنجز فلا تجري الاصول العملية لكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما انه لا تجري الاصول العقلية إذ لا يكون العقاب عليه عقابا بلا بيان لعدم حصول المؤمن مع سبق احتمال المنجز فلذا لا يستقل العقل بقبحه وبذلك وجه

١٤٩

لكن لا يخفى انك قد عرفت منا سابقا بان حدوث المنجز لم يكن علة للتنجيز الى الابد بل تنجزه ما دام موجودا ، فمع حصول الشك في الاتيان لا يكون المنجز باقيا. ومع عدم بقائه يكون المقام من موارد جريان البراءة لما عرفت ان الشك في غير ما علم بفواته من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة ، ويندرج الشك في مقدار ما فات من الصلاة بباب الأقل والاكثر الاستقلاليين كالدين مثلا الذي لا اشكال في الاخذ بالاقل وجريان البراءة في الاكثر المشكوك.

وبالجملة ان مسألة الشك في الاكثر من الشبهة الوجوبية التي قد عرفت ان جميع الادلة التي اقيمت على جريان البراءة في الشبهة التحريمية جارية هنا من غير فرق بين كون الوجوب المشكوك من الاقل والاكثر أو من غيرها من الشبهات البدوية فلا تغفل.

__________________

فتوى المشهور بقضاء ما فات من الصلوات حتى يحصل العلم او الظن بالفراغ ولكنه منعه اخيرا وقال بجريان البراءة العقلية والشرعية ، اما العقلية فموضوعها عدم البيان والمراد من البيان هو الواصل والمعتبر هو الحالة الفعلية وحيث انه فيها لم يكن البيان واصلا فلذا يتحقق موضوع القاعدة واما الشرعية فموضوعها عدم العلم وفي كل زمان يحصل ذلك فيشمله قوله عليه‌السلام : (رفع ما لا يعلمون) واما احتمال حصول العلم آناً ما لو كان مانعا من جريان البراءة لانسد باب البراءة في غالب الموضوعات كالدين والنذر والكفارة فانه في جميع ذلك نحتمل سبق العلم بالاكثر المشكوك واما فتوى المشهور فلا يمكن تطبيقها على القاعدة فلذا لا مانع من جريان البراءة في الاكثر المشكوك كما لا يخفى.

١٥٠

الشك في التعيينية والتخييرية

المبحث الثالث فيما لو شك في التعيينية والتخييرية فهل تختص البراءة بما لو شك في التعيينية ولو بالعارض ام لا تختص بل تعم ما لو شك في كونه تخييريا قيل بالاختصاص (١) لوجهين الاول ان المستفاد من ادلة البراءة ما لو كان

__________________

(١) يظهر من الشيخ الانصارى (قده) ذلك فانه ذكر في تنبهات الشبهة الوجوبية (ان الظاهر اختصاص ادلة البراءة بصورة الشك في الوجوب التعيني سواء كان اصليا أو عرضيا كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار اما لو شك في الوجوب التخييري والاباحة فلا تجري فيه ادلة البراءة لظهورها في تعيين الشيء المجهول على المكلف بحيث يلتزم به ويعاقب عليه) ولا يخفى ان الذي يظهر من كلام الشيخ ان جميع صور الشك في الوجوب التخييري يلتزم بعدم جريان البراءة لاختصاص ادلتها بالشك في التعيينية مع انه لا اشكال في ان بعض صورها كما لو شك في توجه التكليف التخييري أو نعلم بتوجه التكليف التخييري إلا انه يشك انه في كونه بين امرين كالعتق وصيام شهرين متتابعين أو بين امور ثلاثة أي العتق والصيام واطعام ستين مسكينا فانه لا اشكال في جريان البراءة في نفي الوجوب التخييري رأسا كما في الاول ونفيه عن الامر الثالث في الثاني لشمول ادلتها للصورتين وان استشكل بعض في شمول حديث السعة للزوم التضيق من جريانها وفي شمول حديث الرفع للزوم خلاف الامتنان من جريانه إلا أن جريان باقى ادلة البراءة كمثل حديث الحجب وغيره مما لا محذور فيه.

(نعم الاشكال في بقية الصور كما لو علمنا بتوجه التكليف إلا انه لم نعلم

١٥١

المشكوك مما يحتمل العقوبة بنحو الاطلاق وذلك يوجب اختصاصها بما كان الشك

__________________

انه تعلق بفرد معين او بكلي جامع له ولغيره كما لو لم يعلم ان المولى وجه تكليفه باكرام زيد العالم او بمطلق العالم وربما يمنع من جريان اصالة البراءة لظهور ادلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف وقد أيد ذلك باجراء اصالة عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن بالوجوب بفعل هذا المشكوك.

ولكن لا يخفى انك قد عرفت منع شمول حديث السعة والرفع للمقام في محله إلا انه لا مانع من شمول باقي ادلة البراءة. واما اصالة عدم سقوط التكليف بفعل المشكوك فلا تجري لورود أصل حاكم عليه وهو اصالة عدم تعلق الوجوب التخييري بالفرد المشكوك ومثل هذه الصورة مسألة دوران الامر بين التعيين والتخيير الشرعيين كما لو دار امر التكليف بين تعلقه بفرد معين على وجه التعيين وبين تعلقه به وبغيره من سائر الافراد او دار الامر بين التعيين والتخيير العقليين كما لو امر بطبيعة وكان لها فرد متيقن وفرد مشكوك فرديته كما لو امر باكرام عالم ولم يعلم ان العالم منحصر في زيد لكي يتعين اكرامه عقلا او لا ينحصر به بل كان كل من زيد وعمرو عالم لكى يتخير بين اكرامهما فالظاهر انه لا فرق بين صورتي دوران الامر بين التعيين والتخيير في جريان اصالة البراءة من الوجوب التخييري في الفرد المشكوك وبين اصالة عدم تعلق الوجوب التخييري بالفرد المشكوك الحاكم على اصالة عدم سقوط المتيقن بفعل المشكوك إلا ان الذى يظهر من الشيخ قدس‌سره جريان البراءة في التعيين والتخيير الشرعيين بتقريب ان جهة التعيين كلفة توجب الضيق على المكلف فهي مرفوعة بحديث الرفع وقال في موضع آخر ان ذلك مذهب جماعة ولكن في باب الاقل والاكثر قوى جانب الاحتياط باتيان

١٥٢

في الوجوب التعييني. الثاني ان الذي يظهر من دليل البراءة ان لا يكون الشيء المجهول مما يلتزم به ويعاقب على تركه وليس من ذلك ما لو تردد حكمه بين الوجوب التخييري والتعييني ، وفي كلا الوجهين نظر ، واما عن الاول فاستفادة ذلك مصادرة فان ما يحتمل العقوبة ولو كان على بعض انحاء تروكه بان يعاقب عليه مع ترك الآخر نحو ضيق على المكلف فرفعه من دون بيان فيه كمال الامتنان فلا مانع من اندراجه تحت حديث الرفع ومن هذا يظهر الجواب عن الثاني فان المشكوك المحتمل كونه من الواجب التخييري لو كان يترتب العقاب في ظرف ترك الآخر فمع عدم البيان يستقل العقل بقبحه ويندرج تحت حديث

__________________

الفرد المتيقن وجوبه بدعوى ان العلم الاجمالي ينحل إلى ما هو معلوم بالتفصيل وهو الفرد المتيقن وجوبه ، وفرد مشكوك الوجوب ولا اشكال في انه يجب الاقتصار على ما هو المتيقن وجوبه.

وبالجملة حال دوران الامر بين الوجوب التعييني والتخييري الشرعيين كدوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين من دون فرق بينهما في الاتيان بما هو متيقن وجوبه كما انه لا فرق بين انحاء دوران الامر بينهما عقلا أي من غير فرق بين احتمال التعييني كونه وجوبا أو مناطا فان ما احتمل اقوائية الملاك هو من دوران الامر بين التعيين والتخيير العقليين فيجب الاحتياط باتيان ما هو اقوى ملاكا ومناطا.

والانصاف انه لو قلنا بان الاصل العملي في الشك في التعيينية هو قاعدة الاشتغال فالبحث في جريان الاصل في الطرف الآخر في غير محله إذ لا أثر للبحث عن جريان اصالة البراءة وعدم الوجوب بالنسبة الى ما يحتمل تعلق الطلب التخييري به كما انه لو قلنا بجريان البراءة عن التعيينية عند الشك فيها وفي التخييرية ايضا

١٥٣

الرفع فالحق ان يقال بان ما شك في وجوب الشيء تخييرا أو مباحا فلا اشكال في جريان البراءة فينتفي وجوبه لشمول ادلتها ، واما لو شك في وجوبه انه تعييني أو تخييري وبعبارة اخرى لو شك في ان هذا الواجب له عدل لكي يكون وجوبه تخييريا أم ليس له عدل لكي يكون تعينيا كما لو علم بوجوب العتق في الكفارة ولكن شك ان وجوبه كان بنحو التعيين او مرددا بينه وبين اطعام ستين مسكينا قيل بجريان البراءة في خصوصية التعيينية لكونها خصوصية زائدة فينتفي باصل البراءة. واورد عليه بعض الاعاظم (قده) بان صفة التعينية ليست صفة وجودية

__________________

يلغو البحث عن جريان البراءة في الطرف الآخر إذ معنى جريان البراءة في التعيينية هو جواز الاكتفاء بفعل ما يحتمل كونه عدلا ولكن الاشكال في جريان البراءة في خصوصية التعيينية فقد قال الاستاذ المحقق النائيني (قده) بعدم جريان البراءة لان صفة التعيينية المشكوكة ليست من الامور الوجودية لكي تنفى بالبراءة وقد أجاب عن ذلك الاستاذ العراقى (قده) كما في المتن بان ذلك مبني على الواجب التعيينى والتخييري سنخ واحد وانما الاختلاف من جهة وجود العدل في التخييري وعدمه في التعييني وأمّا على ما هو الحق من انهما يختلفان سنخا فان التخييري ناشئ من قصور في ناحية الطلب والتعييني ناشئ من سعة الطلب فلا مانع من جريان البراءة والظاهر هو القول الاول إذ مرجع الشك في ذلك الى مرحلة السقوط ومقام الامتثال فيكون من الشك في المكلف به وذلك مجرى قاعدة الاشتغال.

ودعوى ان جهة التعيين كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف ممنوعة فان مجرد ذلك لا يكفي في جريان البراءة بل يعتبر في مجراها ان تكون الكلفة والضيق الجائي من قبل جعل التكليف وتشريعه واما الجائي من قبل الامتثال كما في المقام

١٥٤

مجعولة لكي تنفي بالبراءة وإنما هي عبارة عن عدم جعل العدل ومرجع الشك في ذلك الى انه هل العدل يجب ام لا فتجري اصالة عدم وجوب العدل ولذا يجب الاتيان بالمتيقن وجوبه.

ولكن لا يخفى ان هذا الايراد إنما يتم لو قلنا بان الوجوب التعييني والتخييري سنخ واحد وانما الاختلاف في امر خارج عن الحقيقة وهو جعل العدل في التخييري وعدم جعله في التعييني ، واما على المختار من انهما مختلفان بحسب الحقيقة والسنخ إذ التعيينية تنتزع من سعة الطلب بنحو يكون شاملا لجميع حدود الشيء بخلاف التخييرية فانها راجعة الى قصور في ناحية الطلب بنحو لا يكون شاملا لجميع حدود الشيء بمعنى ان متعلقه مطلوب في ظرف ترك الآخر وليس مطلوبا في ظرف وجود الآخر ولعله تعريف بعض المحققين للواجب التخييري بطلب

__________________

فلا يشمله دليل البراءة وإلّا لزم جريان البراءة في جميع موارد الشك في الامتثال والسقوط فمن الواضح ان عدم حصول الامتثال وعدم سقوط التكليف ضيق على المكلف كما ان حصول الامتثال والسقوط توسعة له. وبالجملة الشك في المقام من الشك في المسقط من غير فرق بين القول بان الواجب التخييري عبارة عن تقييد الاطلاق وبين القول بانه سنخ آخر غير سنخ التعييني فمع رجوع الشك في ذلك الى الشك في السقوط والامتثال فالاصل يقتضي الاشتغال وعدم السقوط من غير فرق بين ان يكون الشك في ان الطلب تعلق بما يحتمل كونه عدلا ام لا وبين ما لو علم بتعلق الطلب وكان الشك في مجرد كونه عدلا للآخر فان في كل واحد من الصورتين يكون من الشك في المسقط غاية الامر ان الوجه الاول من الشك في مسقطية خصوص المشكوك كونه عدلا وفي الثاني الشك في مسقطية كل واحد منهما على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

١٥٥

الفعل مع المنع عن بعض انحاء تروكه اشارة الى كون التعينية من الصفات الوجودية للطلب فمع الشك في التعيينية والتخييرية يكون في جهة زائدة عما يقتضيه الخطاب التخييري فتكون من موارد جريان البراءة.

ودعوى ان جريانها مشروط بعدم وجود اصل حاكم عليها ، وفي المقام ان اصالة عدم وجود العدل حاكمة عليها ممنوعة بان ذلك يتم لو كان تحقق العدل من مقومات الواجب التخييري وعدمه من مقومات الواجب التعييني وقد عرفت انه خلاف التحقيق وان الاختلاف بينهما في سنخ الطلب فان حقيقة التعيينية عبارة عن السعة في ناحية الطلب بنحو يشمل جميع حدود الشيء بمعنى لا يرضى بتركه مطلقا ويطلب وجوده بجميع انحاء وجوده بخلاف التخييرية فان حقيقتها عبارة عن قصور في ناحية الطلب بنحو لا تشمل جميع حدوده بمعنى انه لا يطلب وجوده مطلقا بل يرضى بتركه في ظرف وجود الآخر هذا ولكن الانصاف ان المقام ليس من موارد جريان البراءة إذ الشك في التعيينية والتخييرية مرجعه الى تحقق علم اجمالي وهو اما وجوب الاتيان بخصوص ما علم بوجوبه في الجملة ، واما بحرمة ترك الآخر المحتمل كونه عدلا في ظرف عدم الاتيان بما احتمل تعينيته ولازم تنجز العلم الاجمالي هو الاحتياط باتيان ما يحصل به العلم بالفراغ وذلك يحصل باتيان ما احتمل تعيينه ووجوب الاتيان بما يحتمل كونه عدلا عند عدم التمكن من الاتيان بما يحتمل تعيينه لاجل اضطرار ونحوه ولا يقاس المقام بما لو علم بوجوب الشيئين مع الشك في انهما واجبان تعيينيان أو واجبان تخييريان لعدم تحقق العلم الاجمالي فيه كما هو متحقق في المقام لاحتمال التعيينية فى كل من الواجبين ومع عدم تحققه يكون من دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين للعلم التفصيلي بحرمة ترك كل واحد مع ترك الآخر ومرجعه الى الشك في حرمة ترك كل واحد منهما في حال وجود الآخر فيكون

١٥٦

من موارد جريان البراءة ومن هذا القبيل (١) ما لو علم بتعلق التكليف بشيء مع العلم بكون الآخر مسقطا فمع الشك في كونه عدلا أو أحد فردي الواجب المخير او مفوتا لملاكه أو غير ذلك يكون من موارد جريان البراءة عن وجوب

__________________

(١) هذا هو الوجه الثالث من وجوه الشك في التعيين والتخيير وهو ما اذا علم بتعلق التكليف باحد الشيئين وعلم ايضا بان الشيء الآخر مسقط للتكليف ولكن يشك في ان اسقاطه للتكليف كان بنحو كونه عدلا أو مفوتا لموضوعه فمع التمكن من الاتيان بما علم انه متعلق التكليف وقد اتي بما هو مسقط فلا يترتب عليه أثر سوى العقوبة وعدمه واما مع عدم التمكن فتترتب عليه الثمرة فان الامر المتوجه الى انه يجب العتق ويشك في الصيام عدلا لكي يجب لتعذر الصوم مثلا أو مسقط لكي لا يجب الاتيان به فمع الشك في كون الصيام عدلا او مسقطا لكونه مفوتا للموضوع مثلا فلا يجب الاتيان به في مقام التعذر لجريان البراءة عن وجوبه ومن هذا القبيل قضية الائتمام عند تعذر القراءة الصحيحة فانه يأتي فيها الوجهان فمع تعذرها لا تجب الجماعة نعم يمكن ان يقال بان قراءة الامام منزلة منزلة قراءة المأموم فيكون المأموم واجدا للقراءة لكن لا بنفسه بل بسبب امامه فحينئذ المأموم يمكنه تحصيل القراءة التنزيلية كما هو كذلك بالنسبة الى الطرق والامارات حيث انه يجب الاخذ بها عند تعذر الوصول الى الواقع ولكن لا يخفى ان ذلك لا يوجب ان تكون الجماعة متعينة عند تعذر القراءة في الصلاة فرادى إذ التنزيل إنما هو في ما إذا اختار الصلاة جماعة فيكون التنزيل على تقدير اختيار الجماعة وذلك لا يقتضى تعين الجماعة ومع الشك في ذلك فالمرجع هو البراءة عن وجوب الجماعة على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ النائيني (قده).

١٥٧

ما علم بكونه مسقطا ولو مع عدم التمكن من الاتيان لرجوع الشك في ذلك الى الشك في تعلق التكليف ولو كان تخييريا ومن هذا القبيل التخيير في الصلاة بين الفرادى والجماعة فان الجماعة طرف للتخيير بالنسبة الى فردي الاضطراري والاختياري وليست طرف التخيير في صلاة المختار دون المضطر بدعوى انه لو تعذرت القراءة الصحيحة يجب الاتمام لكون قراءة الامام في الجماعة مسقطة في حالة الاختيار لما عرفت منا جريان البراءة لنفي ما علم بكونه مسقطا لرجوع الشك فيه الى التكليف وهو من موارد جريان البراءة هذا كله لو شك في كون الوجوب تعيينيا او تخييريا ، واما إذا شك في كونه كفائيا او مباحا (١) فلا

__________________

(١) لا يخفى ان الشك في الوجوب التعييني والكفائي يتصور على ثلاثة انحاء فتارة يكون الشك في أصل توجه التكليف الى الجميع واخرى يعلم بتوجه التكليف الكفائي ولكن لم يعلم بتوجهه الى الجميع ام باستثناء شخص معين كما لو سلم رجل على جماعة وكان أحدهم يصلي فيدور الامر بين كون وجوب رد السلام على الجميع او باستثناء من يصلى خاصة وثالثة يدور الامر بين توجه التكليف على شخص معين على وجه العينية وبين توجهه اليه أو الى غيره على وجه الكفاية كما اذا سلم في المثال على رجلين احدهما يصلي دون الآخر فمن لا يصلي يعلم اجمالا بتوجه التكليف اليه برد السلام اما عينا او يجب عليه وعلى من يصلي كفائيا والظاهر ان الاول مجرى البراءة وكذا الثاني بالنسبة الى من يصلي لكونه بالنسبة اليه من الشك في التكليف ، واما بالنسبة الى ما عداه فمع قيام الغير لا اشكال في سقوطه ومع عدم قيامه يجب الاتيان به ، واما الثالث فهو محل الكلام. فالذي يظهر من الشيخ (قده) هو عدم جريان البراءة حيث قال في آخر التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية ما هذا لفظه (ثم ان الكلام في الشك في

١٥٨

اشكال في جريان البراءة حيث انه من الشك في التكليف ، واما اذا شك في كونه عينيا او كفائيا بعد العلم باصل الوجوب فمع قيام الغيرية يكون من الشك في التكليف وهو من موارد جريان البراءة اللهم إلا ان يقال بان

__________________

الوجوب الكفائي كوجوب رد السلام على المصلي إذا سلم على جماعة وهو منهم يظهر مما ذكرنا وقد عرفت مما تقدم عدم القول بالبراءة في الشك في التعيين والتخيير.

ولكن لا يخفى انه إنما لم تجر البراءة في تلك المسألة لما ادعاه من ظهور ادلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف ومن المعلوم ان هذه الدعوى لا تتأتى هنا إذ المكلف به لا ترديد فيه لكي لا تجري البراءة وإنما الترديد في المكلف وعليه لا وجه لعدم جريانها اللهم إلا ان يقال برجوع الشك في ذلك الى الشك في السقوط وذلك مجرى قاعدة الاشتغال وهو الحق.

قال المحقق النائيني (قده) بان رجوع الشك الى ذلك اوضح من رجوعه الى الشك في السقوط بالنسبة الى الشك في الواجب التعييني والتخييرى من غير فرق بين القول بان المخاطب في الواجب الكفائي هو آحاد المكلفين إلا انه ليس على الاطلاق بل بتقييد الخطاب المتوجه على كل أحد لو لم يسبق الغير بالفعل المخاطب به فينحل الى خطابات عديدة حسب تعدد المكلفين بنحو يكون كل خطاب مقيدا بعدم سبق الغير باتيان متعلق الخطاب وعليه يكون الشك فيه شكا في تقييد الاطلاق في مرحلة الامتثال ومن الواضح ان ذلك يقتضي الاشتغال وليس من موارد جريان البراءة وبين القول بان المخاطب في الواجب الكفائي هو النوع بنحو ينطبق على الآحاد بخطاب واحد فلو اتى به الغير سقط عن الباقين لكونه خطابا واحدا ويكون له امتثال واحد وعليه يكون ايضا من الشك في

١٥٩

المقام من الشك في الامتثال فيكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال والانصاف ان يقال بان ما نحن فيه يكون من موارد البراءة بناء على ان وجوب الكفائي عبارة عن كونه تكليفا واحدا يتعلق بالمكلفين اجمع مع كونه ناشئا من غرض واحد فيكون مقتضى ذلك حرمة تركه في ظرف عدم اتيان الغير به واما حرمة تركه على الاطلاق حتى مع اتيان الغير فهو مشكوك منفي بالبراءة واما بناء على ان التكليف في الكفائي يتعلق بآحاد المكلفين بنحو تكون تكاليف متعددة حسب تعدد المكلفين ينشأ من اغراض عديدة فيكون من مواد قاعدة الاشتغال لرجوع الشك فيه الى الشك في القدرة على الامتثال ومرجعه الى حكم العقل بالاحتياط كما لا يخفى.

تنبيهات البراءة

الاول ان من شرط جريان البراءة ان لا يكون هناك أصل موضوعي ومع وجوده يكون واردا على اصالة البراءة ولو كان ذلك الاصل موافقا لها ولا اختصاص لهذا الشرط باصل البراءة بل شرط لكل اصل كما انه ليس له اختصاص

__________________

السقوط فان المكلف قبل فعل الغير يعلم بتوجه التكليف اليه اما لكونه عينيا أو لاجل انطباق النوع عليه وبعد فعل الغير يشك في سقوط ذلك التكليف فحينئذ يكون من موارد قاعدة الاشتغال لحكم العقل باتيان ما اشتغلت به الذمة إذ شغل الذمة اليقينية تستدعي الفراغ اليقيني على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية.

١٦٠