قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير القرآن العظيم [ ج ٦ ]

324/543
*

يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧)

يقول تعالى : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) أي إنما يصدق بها (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً) أي استمعوا لها وأطاعوها قولا وفعلا (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي عن أتباعهم والانقياد لها كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٦٠] ثم قال تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ، قال مجاهد والحسن في قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) يعني بذلك قيام الليل.

وعن أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبي حازم وقتادة : هو الصلاة بين العشاءين ، وعن أنس أيضا : هو انتظار صلاة العتمة. ورواه ابن جرير بإسناد جيد. وقال الضحاك : هو صلاة العشاء في جماعة وصلاة الغداة في جماعة (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) أي خوفا من وبال عقابه وطمعا في جزيل ثوابه (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية ، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : [الطويل]

وفينا رسول الله يتلو كتابه

إذا انشقّ معروف من الصبح ساطع (١)

أرانا الهدى بعد العمى ، فقلوبنا

به موقنات أنّ ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا روح وعفان قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عطاء بن السائب عن مرة الهمذاني عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «عجب ربنا من رجلين : رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته فيقول : ربنا أيا ملائكتي انظروا إلى عبدي ، ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله تعالى فانهزموا ، فعلم ما عليه من الفرار وما له في الرجوع ، فرجع حتى أهريق دمه رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ، فيقول الله عزوجل للملائكة : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ورهبة مما عندي حتى أهريق دمه». وهكذا رواه أبو داود (٣) في الجهاد عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به بنحوه.

__________________

(١) البيت الثالث لعبد الله بن رواحة في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٥ / ٣٦ ، وروح المعاني ٢٣ / ٤٨ ، وتفسير البحر المحيط ٧ / ٣٣٠.

(٢) المسند ١ / ٤١٦.

(٣) كتاب الجهاد باب ٣٦.