الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

__________________

ـ يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس يعني بالكتاب القرآن أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت : قد قال ذلك حيقوق ولا ننكر قوله ، قال الرضا (عليه السّلام) : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرء : اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة ، فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال رأس الجالوت : هذا قول داود نعرفه ولا ننكره ولكن عنى بذلك عيسى (عليه السّلام) وأيامه هي الفترة ، قال الرضا (عليه السّلام) : جهلت ، إن عيسى لم يخالف السنة وقد كان موافقا لسنة توراة حتى رفعه الله إليه ، وفي الإنجيل مكتوب أن ابن البرة ذاهب والفارقليط جاء من بعده وهو الذي يحقق الأخبار ويفسر لكم كل شيء ويشهد لي كما شهدت له أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل ، أتؤمن بهذا في الإنجيل؟ قال : نعم لا أنكره!.

وفي الدر المنثور ٣ : ١٣١ ـ أخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرءها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا ـ أي : لا فقال ابنه أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أقيموا اليهودي عن أخيكم ثم ولى كفنه والصلاة عليه.

وفيه عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صفتي أحمد المتوكل مولده بمكة ومهاجره إلى طيبة ليس بفظ ولا غليظ يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ويوضوون أطرافهم أنا جيلهم في صدورهم يصفّون للصلاة كما يصفون للقتال قربانهم الذي يتقربون به إلى دمائهم رهبان بالليل ليوث بالنهار.

وفيه أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب أن يهوديا كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دنانير فتقاضى النبي فقال له : ما عندي ما أعطيك ، قال : فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني قال : إذن أجلس معك يا محمد فجلس معه فصلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة وكان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتهددون اليهودي ويتوعدونه فقالوا : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يهودي يجلسك؟ قال : منعني ربي أن ـ

٣٤١

ذلك ، وقد يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «أنا محمد النبي الأمي أنا محمد النبي الأمي أنا محمد النبي الأمي ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه وعلمت خزنة النار وحملة العرش فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم كتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه» (١).

ثم (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ) لها صلة ب (هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) أكثر من الصلة بما قبلها ، فإن ذلك الإتباع يتبع الإيمان «بآياتنا» التي منها البشارات المودوعة في التوراة والإنجيل ، مهما كان ل «يتقون» أصلا ول (يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) فرعا ، صلة تحضيرية للإيمان «بآياتنا» فإن الذي لا يتقي الله ليس ليؤمن بآيات الله.

وليس «يتبعون» تختص بالعائشين زمن الرسالة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) ليحرم عن رحمتها الشاملة هؤلاء الذي ماتوا قبلها ، بل هم الذين حضروا أنفسهم لذلك الإتباع ـ إن عرفوه ـ عمليا إن أدركوها ، وهم متبعوها علميا وعقيديا مهما لم يدركوها ، إذا فالإتباع يشمل كلا الفعلية والشأنية علميا وعقيديا وتطبيقيا ، فالأولان حاضران على أية حال ويبقي الثالث لدوره الواقعي وهو منذ ابتعاث هذا الرسول النبي الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهنا بشارة بنزول الإنجيل بعد التوراة في واجب ذلك الإتباع كما ونجدها في التوراة في عدة آيات تبشر بظهور الرب من ساعير وما أشبه.

ذلك ، وترى الخمسة الباقية من الثمانية هي من ميزات هذا الرسول

__________________

ـ أظلم معاهدا ولا غيره فلما ترحل النهار أسلم اليهودي وقال : شطر مالي في سبيل الله ، أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة : محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحشاء ولا قوال للخنا.

(١) الدر المنثور ٣ : ١٢١ ـ أخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما كالمودع فقال : أنا ...

٣٤٢

(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وما هي إلا هيه لسائر الرسل (عليهم السّلام)!.

ليست هذه الثمانية إلّا «الأمي» وقسم آخر ، هي من اختصاصاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإنما القصد من سردها تبيين انه مذكور بها في التوراة والإنجيل فليتبعوه اتباعا لأمر الله فيهما وانه من نفس النمط الرسالي المعروف عند الرساليين ، فليس ـ إذا ـ بدعا من الرسل ، ثم فيه مزيد من هذه قضية ختم الرسالة والنبوة به كما يعرف تماما من المقارنة بين هذا الرسول ورسالته وبين سائر الرسل برسالاتهم : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

ثم (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) تتبلور في (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (٣ : ١١٠).

وقد نجده في التورات والإنجيل والقرآن آمرا ناهيا ، نفخت شرعته في واجب الأمر والنهي كل ما يسعه من الروحية الحيوية الشاملة ، وإلى درجات متعاليات لطليق الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس وكل النفائس حفاظا على الأدب الإسلامي السامي في المجموعة المسلمة ككل ، ونموذجا من التوراة ما في كتاب هوشيع النبي (عليه السّلام) (١٦ : ٩) حسب النص العبراني الصوتي :

«سوفه إفريم عم الوهاى نابىء فح ياقوش عل كال دراخايو مسطماه بيوت الوهايو» (٩) ـ :

«افرايم منتظر عند إلهي. النبي فخ صياد على جميع طرقه. حقد في بيت إلهه. وقد توغلوا وأفسدوا كأيام جبعة. سيذكر إثمهم. سيعاقب خطاياهم» (٩).

فالقصد من «النبي» هنا هو «محمد» المذكور في الآية (٦) «...

٣٤٣

محمد لكسفام ..» : محمد لفضتهم ، حيث تعني الجزية التي يأخذها منهم ، وقد رموه بالجنون والحمق كما في الآية (٧) : «.. النبي أحمق. إنسان الروح مجنون من كثرة إثمك وكثرة الحقد» وكما مضى من ذي قبل.

فقد برز محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المحقود في بيت إسرائيل ، المرمي بالحمق والجنون ، وهو الموصوف بالنبي الأمي صاحب الروح والوحي ، برز أنه «فخ صياد في جميع طرقه» وهي طرق الدعوة الرسالية ، برز هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا ، فخّ للشاردين ، صياد للواردين ، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر (١).

ثم (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) كما أحلت أو حرمت في سائر شرائع الله ، ولكنه إحلال وتحريم أبديان لا يتغيران أو يتطوران ، وقد كان في الشرعة التوراتية تحريمات ابتلائية أم عقوبية موقتة وتحليلات ، مما أصبح من ميّزات الشرعة الإنجيلية تحليل بعض ما حرم عليهم : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ..) (٣ : ٥٠) ومن «الطيبات» التي يحلها هي المحرمة على الذين هادوا عقوبة ، ومن الخبائث التي يحرمها هي التي حللوها كالخمر وما أشبه ، ثم يقر سائر الخبائث على تحريمها وسائر الطيبات على إحلالها ، فليس بدعا من الرسل يخالف خط الرسالة وسنتها الشاملة.

ثم (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فقد أشير إليهما في (أشعياء ٢٨ : ١٢) بخلال التعريف بالقرآن :

«اشر آمر إليهم زئت همنوحاه هانيحو لعايف وزئت همرجعاه ولا آبوء شموع» (٢) ـ :

«الذين قال لهم هذه هي الراحة فأريحوا الرازح وهذه هي الرفاهية

__________________

(١). راجع «رسول الإسلام في الكتب السماوية» و «الفرقان ١ : ٣٦١ تجد تفصيل هذه البشارة.

٣٤٤

فأبوا أن يسمعوا» (١٢) قال لهم رسول هذا القرآن «هذه» الشرعة القرآنية «هي الراحة فأريحوا الرازح» عن أسره وإصره ، وحلوه عن غلّه وغلّه.

هذا (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وهذه زوايا أربع لقاعدة إتّباعه : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ..) إيمانا به كما هو ، وتعزيرا له : دفاعا عنه ، وهو الحالة السلبية تجاهه ذودا عنه ما يمس كرامته ، ونصرة إياه ، وهو الحالة الإيجابية تجاهه ، تحقيقا حقيقا لكلمة الإخلاص : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) سلبا وإيجابا عمليا ، بعد الإيمان به قلبيا ، وهذه الثلاثة تكرّس في الزاوية الرابعة : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وهو القرآن ، اتباعا في كل حقوله في كل الحقول ، لا اتباعا في خيال خاو زاو ، دون أن يظهر في حال وفعال ، أو يخطر خطرّ له ببال.

(أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في كل معتركات الحياة ، المفلجون كل دوائر السوء المتربصة بهذه الرسالة السامية.

وإنما «أنزل معه» دون «أنزل عليه» لنعرف المعية بين القرآن ورسول القرآن فهما فرقدان لا يتفارقان وكلّ دليل على صاحبه ، فكما إتباع النور الذي أنزل معه مفروض ، كذلك إتباعه في سنته الجامعة غير المفرقة ، فهما نوران متواتيان متواليان مهما كان نور القرآن أطول أمدا وأبقى أبدا فإنه الثقل الأكبر.

وهنا مثلث (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) يتوحد في (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) فإنه إمامه حيث هو أمامه في كل رسالاته ، وهذا النور المتّبع هو الذي يأمرنا باتباعه كمأموم أول لذلك الإمام ، فلنصطفّ وراءه اقتداء بالقرآن الإمام ، لكي نفلح كما هو أفلح ، ونفلج خصومنا كما هو أفلج.

تتمه فيها إشارات إلى بشارات

كما في تصريحات آيات كهذه وفي روايات الإحتجاجات للرسول

٣٤٥

(صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته المعصومين (عليهم السّلام) ، وبعد مضي زمن طويل بيننا وبين هذه التصريحات ، نجد في التوراة والإنجيل ـ على تحرفهما ولا سيما في البشارات ـ نجد تصريحات لا حول عنها لهذا الرسول النبي الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإليكم نماذج أخرى تصديقا لاحتجاجات.

مما أشار إليه الإمام الرضا من البشارات آية «التثنية ١٨ : ١٧) ونصها بالعبراني الصوتي :

«نابىء آقيم لاهم مقرب إحيحم وناتتّي دبارى بفيو ودبر إليهم ات كال اشر اصّونو» (١٧) ـ :

«بني أقيم لهم من أقرباء أخيهم كموسى وأضع كلامي في فيه لكي يقول لهم كلما آمره» (١٨) فطالما حرفت أقلام الزور والغرور ذلك النبي المبشر عن بيت إسماعيل إلى بيت إسرائيل ، ولكنه بعد النص «مقرب إحيحم» : من أقرباء أخي بني إسرائيل ، لا منهم ، وقد تسمى التوراة أبناء الأعمام إخوة ، ف «عيص» وهو أخو يعقوب ، يصبح بنوه إخوة بني إسرائيل كما في «تث ٢٨ : ٨ ـ ١٠) «ومر القوم وقل لهم إنكم على حد إخوانكم بني عيص ..» وعيص هذا هو صهر إسماعيل بن إبراهيم ومن أولاد بنت إسماعيل ، إذا فولد إسماعيل هم أخوال بني عيص ، فأقرباء بني إسرائيل هنا هم من بني إسماعيل ، ولم يظهر نبي من بنيه إلّا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك وقد مضى نص التورات وحبقوق النبي بمطلع النور القدسي المحمدي من «پاران» : حرى ، فلا نعيد.

وفي «نبوءت هيلد» : وحي الطفل : لحمان حطوفاه ، بحرف الميم من سلسلة مقالاته حول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب حروف الحساب :

«محمّد كايا إعا بايا ديطمع هويا ويهي كليليا» ـ :

وهي حسب مختلف التراجم اليهودية : «محمد عظيم قدير. الشجرة الطيبة البارزة. المأمول المغبوط المرتجى. الذي يخمد. ويفني

٣٤٦

ما مضى. هو الجمع والكل. هو التاج. وهو الكلّ»

وفي أناشيد سليمان النبي (عليه السّلام) (٥ : ١٦) :

«حكو ممتقيم وكولو محمد يم زه دودي وزه رعى بنت يرشالام» (١) ـ :

«فمه حلو ـ وكله محمد ـ هذا محبوبي ـ وهذا ناصري ـ يا بنات أورشليم»!.

وذلك بعد مواصفات عدة لمحبوب له لا يسميه ، فخيّل إلى بنات أورشليم أنه يعني واحدة منهن حتى صرح باسمه وسمته أخيرا بما صرح!.

وفي كتاب أشعياء النبي (عليه السّلام) بشارات عدة أشار إلى بعضها الإمام الرضا (عليه السّلام) في حواره وإليكم بعضا آخر ، ففي (٤١ : ١ ـ ٢٥): مواصفات دون تصريح بالموصوف بها ، وهي لا تنطبق بالضبط إلا على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول الله فيها : ١ هوذا عبدي الذي أعضده. مختاري الذي سرّرت به نفسي.

وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم ٢ لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته. ٣ قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ. إلى الأمان يخرج الحق ٤ لا يكلّ ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته ـ

٥ هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها ، معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحا ٦ أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم ٧ لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن

__________________

(١) للتفصيل راجع «رسول الإسلام في الكتب السماوية» ووحي الطفل عرض نموذجي عن كيان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياته الرسالى وميزاته نقلناه عن كتاب منقول الرضائي للحبر العظيم اليهودي الذي أسلم وألف هذا الكتاب ردا على اليهود.

٣٤٧

الجالسين في الظلمة ـ

٨ أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات ٩ هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها. قبل أن تنبت أعلمكم بها ١٠ غنّوا للرب أغنية جديدة تسبيحه من أقصى الأرض. أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها ١١ لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها «قيدار» لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا ١٢ ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر ١٣ الرب كالجبار يخرج. كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه ـ

١٤ قد صحت منذ الدهر سكتّ تجلّدت. كالوالدة أصيح. أنفخ وانخر معا ١٥ أخرب الجبال والآكام وأجفف كل عشبها وأجعل الأنهار يبسا وأنشّف الآجام ١٦ وأسيّر العمي في طريق لم يعرفوها. في مسالك لم يدروها أمشّيهم. أجعل الظلمة أمامهم نورا والمعوجّات مستقيمة. هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم ١٧ قد ارتدوا إلى الوراء. يخزي خزيا المتكلمون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا ـ

١٨ أيها الصمّ اسمعوا. أيها العمي انظروا لتبصروا ١٩ من هو أعمى إلّا عبدي وأصم كرسولي الذي أرسله. من هو أعمى كالكامل وأعمى كعبد الرب ٢٠ ناظر كثيرا ولا تلاحظ. مفتوح الأذنين ولا يسمع ٢١ الرب قد سرّ من أجل برّه. يعظم الشريعة ويكرمها ٢٢ ولكنه شعب منهوب ومسلوب قد اصطيد في الحفر كلّه وفي بيوت الجوس اختبئوا. صاروا نهبا ولا منقد وسلبا وليس من يقول ردّ ـ

٢٣ من منكم يسمع هذا. يصغي ويسمع لما بعد ٢٤ من دفع يعقوب إلى السلب وإسرائيل إلى الناهبين. أليس الرب الذي أخطأنا إليه ولم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته ٢٥ فسكب عليه حمو غضبه وشدة الحرب فأوقدته من كل ناحية ولم يعرف وأحرقته ولم يضع في قلبه».

هذه الآيات البينات تبشر بولي عظيم من أولي العزم من الرسل

٣٤٨

(عليهم السّلام) ليس ليصدق على المسيح (عليه السّلام) الآتي بعد أشعياء اللهم إلّا على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء.

فالآيات (١ ـ ٣ ـ ٤ ـ ١٠) تبشر بولاية عزمه وانه صاحب شرعة مستقلة جديدة ، وشرعة المسيح حسب نصوص من الإنجيل إضافة إلى خلوه عن أحكام ، هي شرعة التوراة إلّا في قليل هو تحليل البعض من المحرمات العقوبية.

والآيات (١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٦) تصرح بأممية شرعته العالمية وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هدى ونور لقاطبة الملل ، والآيتان (٤ ـ ١٠) تقول إن كافة الأمم تنتظر مجيئه وهي مأمورة بالدخول في شرعته ، وهو يكسر الأصنام ويزيل عبادة الأصنام (٨ ـ ١٧).

ومبدء ظهوره وانتشار شرعته البلاد المسكونة ل «قيدار» (١) ـ وهو الولد الثاني لإسماعيل (تكوين ١٣ : ٢٥) وهو جد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعظم معبد لأمته في هذه البلاد حيث المستطيعون يقصدونه من مشارق الأرض ومغاربها وترفع البرية ومدنها وصوتها الديار التي يسكنها قيدار ، ترنّما بتسبيح الله من على رؤوس الجبال (١١ ـ ١٢).

وقد تعني «مختاريّ» في (٢) المصطفى حيث حرّف بالمعنى وكما يؤيده الآية (١٠) كما ترجمها القسيس أو سكان الأرمني (٣) : «يسبحون

__________________

(١ ، ٢). لقد ذكر «قيدار» في (أشعياء ٦٠ : ٧) أيضا كما يقول في بشارة أخرى في آيات عدة تعريفا بصاحب هذه الشرعة المبشر بها : «كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك. تصعد مقبولة على مذبحي وازين بيت جمالي» وللاطلاع على تفصيل بشارات أشعياء راجع (رسول الإسلام).

(٢) هذه الترجمة كتبها هذا القسيس على كتاب أشعياء في ٧٣٣» ١ وقد طبعت في مطبعة (أنتوني بورتولي).

٣٤٩

الرب تسبيحا جديدا وأثر سلطانه يكون بعده واسمه «أحمد».

هذه نماذج من البشائر بحق هذا الرسول النبي الأمي ، ولكن ترى ماذا كانت المواجهة اليهودية والنصرانية لهذا الرسول ولرسالته؟ لقد كانوا أنحس وأتعس من المشركين وسائر الملحدين لحد يندّد الله بفعلتهم قائلا : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) (٢ : ٤١).

ذلك وعلى طول الخط نرى دوائر السوء في كافة الحلقات مستخدمة من الصهيونية والصليبية ضد الكيان الإسلامي ، حيث تعالج ـ بزعمها ـ إزالة هذا الدين من الوجود.

فهل يبقى هنا مجال التعاون بيننا وبين اليهود والنصارى في وجه التيار المادي وسائر الإلحاد وهؤلاء وهم أهل كتاب أخطر وأضر على الكيان الإسلامي من كافة الكفرة والملحدين!.

ذلك ، هو (الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ).

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أركان أربعة للإفلاح ابتداء من الإيمان به كما يصح ، ثم «وعزروه» توقيرا ثقيلا قدر ما وقره الله ، فليس الإيمان به كسائر الإيمان بسائر الرسل ، إنما هو الإيمان بمن يحمل الرسالات كلها ، فليوقر كما توقر الرسل كلهم وزيادة هي رمز الخلود.

ثم وليس الإيمان والتوقير ـ فقط ـ في زوايا القلب ، بل وهناك ترسيم للإيمان الموقّر في صحيفة العمل ، فيه نفسه : «ونصروه» في حمل هذه الرسالة تطبيقا إياها ودعاية لها ، وفي كتابه (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وهو رأس الزاوية من نصرته.

فقد تلخصت هذه الزوايا الأربع في الرابعة (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وإذا ف (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في معارك الحياة وملتوياتها ومنحنياتها.

٣٥٠

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(١٥٨).

هنا في هذه الإذاعة القرآنية مجاهرة صارحة صارخة بأممية هذه الرسالة السامية حيث تحلّق على الناس كل الناس ، فكما الله هو (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كذلك هذه الرسالة الأخيرة تدير أمر الشرعة العالمية في السماوات والأرض ، دون إبقاء لمكلف في الكون إلّا وهي تشمله.

«فآمنوا» أيها الناس هودا ونصارى وسائر الكتابيين وغيرهم من المكلفين ملحدين ومشركين (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ...) كما وهو (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، (فَآمِنُوا بِاللهِ) ـ (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) «ورسوله» الذي ملّك الدعوة الربانية لمن في السماوات والأرض ، وكما الله يحيي الأموات ويميت الأحياء ، كذلك يسلب الرسالة عن قوم ويرسلها إلى آخرين ، وذلك رغم المزعمة الإسرائيلية أن رسالة الله خاصة بهم.

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ) المبشّر به في كتاباتكم (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) فآمنوا أنتم بالله وكلماته ، ومنها هذا الرسول نفسه بكلماته.

ولأن السورة مكية وهذه الآية دعوة للناس كافة ، وقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في العهد المكي يعيش تحت كافة الضغوط المشركة ما يؤيس صاحب الدعوة عن تأثيرها حتى في بلده فضلا عن العالمين ، من هنا نعرف أن هذه الرسالة بدأت عالمية ، رغم الزعم الفاسد الكاسد أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يخلد بخلده أن يمد بصره بهذه الرسالة إلى غير مكة ، وإنما بدء يفكر في توسعتها العالمية بعد أن أغراه النجاح الذي ساقته إليه الظروف المدنية.

كلّا يا هؤلاء الأغبياء! إن هذه الرسالة ختمت بما بدأت وبدأت كما

٣٥١

ختمت في صيغة وصياغة واحدة وفي قوة التعبير والتدبير ومسالك الدعوة والدعاية.

فما هؤلاء المجاهيل من المبشرين الإنجيلين المدّعين ـ لأكثر تقدير ـ أن الرسالة القرآنية خاصة بالعرب لإشارات آيات يزعمونها ، ما هؤلاء بناس ، حيث الدعوة القرآنية تحلق على كل الناس ، فإن كانوا هم من الناس فلتشملهم هذه الدعوة ، وإن كانوا من النسناس فأنّى لهم أن يتحدثوا عن شرعة الناس؟!.

ف (ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (٣٤ : ٢٨) و (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٦ : ٩٢) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢١ : ١٠٧) وما أشبه ، هي القواعد الأصيلة لأممية هذه الدعوة ، مما تفسر الآيات التي تخيّل اختصاص الدعوة بالعرب ، واجتثاثها عن غير العرب ، تفسر أنهم هم المبدء الأول لهذه الدعوة لكون الداعية منهم وفيهم ، وكما في سائر أولي العزم من الرسل سلام الله عليهم أجمعين.

أجل ، وهذه الجمعية الرسولية والرسالية العالمية هي حقيقة بهذا الرسول النبي الأمي المعروف الشهير حيث «أرسله بالدين المشهور ، والعلم المأثور ، والكتاب المسطور ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، والأمر الصادع ، إزاحة للشبهات ، واحتجاجا بالبينات ، وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا بالمثلات ، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين ، وتزعزعت سوارى اليقين ، واختلف النجر ، وتشتت الأمر ، وضاق المخرج ، وعمي المصدر ، فالهدى خامل ، والعمى شامل ، عصي الرحمان ، ونصر الشيطان ، وخذل الإيمان ، فانهارت دعائمه ، وتنكرت معالمه ، ودرست سبله ، وعفت شركه ، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ، ووردوا مناهله ، بهم سارت أعلامه ، وقام لواءه ، في فتن داستهم بأخفافها ، ووطئتهم بأظلافها ، وقامت على سنابكها ، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون ، في خير دار وشر جيران ، نومهم سهود ، وكحلهم دموع ، بأرض عالمها ملجم ، وجاهلها مكرم» (الخطبة ٢).

٣٥٢

وفي وصف الأنبياء وخاتمهم (صلى الله عليه وآله وسلم) نراه أكرمهم وأعزهم حيث «استودعهم في أفضل مستودع ، وأقرهم في خير مستقر ، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام ، كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف ـ

حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخرجه من أفضل المعادن منبتا ، وأعز الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبيائه ، وانتخب منها أمناءه ـ

عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ، وبسقت في كرم ، لها فروع طوال ، وثمرة لا تنال ـ

فهو إمام من اتقى ، وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوءه ، وشهاب سطع نوره ، وزند برق لمعه ـ

سيرته القصد ، وسنته الرشد ، وكلامه الفصل ، وحكمه العدل ـ

أرسله على فترة من الرسل ، وهفوة عن العمل ، وغباوة من الأمم إلى دار السلام ، وأنتم في دار مستعتب على مهل وفراغ ، والصحف منشورة ، والأقلام جارية ، والأبدان صحيحة ، والألسن مطلقة ، والتوبة مسموعة ، والأعمال مقبولة» (الخطبة ٩٣).

«مستقرة خير مستقر ، ومنبته أشرف منبت ، في معادن الكرامة ، ومعاهد السلامة ، قد صرفت نحوه أفئدة الأبرار ، وثنيت إليه أزمة الأبصار ، دفن الله به الضغائن ، وأطفأ به النوائر ، ألف به إخوانا ، وفرق أقرانا ، أعز به الذلة ، وأذل به العزة ، كلامه بيان ، وصمته لسان» (الخطبة ٩٥).

«أختاره من شجرة الأنبياء ومشكاة الضياء ، وذؤابة العلياء ، وسرة البطحاء ، ومصابيح الظلمة ، وينابيع الحكمة ـ

طبيب دوار بطبه ، قد أحكم مراهمه ، وأحمى مواسمه ، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه ، من قلوب عمي ، وآذان صم ، وألسنة بكم ، متتبع بدوائه مواضع الغفلة ، ومواطن الحيرة ، لم يستضيئوا بأضواء

٣٥٣

الحكمة ، ولم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة ، فهم في ذلك كالأنعام السائمة ، والصخور القاسية ، قد انجابت السرائر لأهل البصائر ، ووضحت محجة الحق لخابطها ، وأسفرت الساعة عن وجهها ، وظهرت العلامة لمتوسمها ـ

مالي أراكم أشباحا بلا أرواح ، وأرواحا لا أشباح ، ونساكا بلا صلاح ، وتجارا بلا أرباح ، وأيقاظا نوما ، وشهودا غيبا ، وناظرة عمياء ، وسامقة صماء ، وناطقة بكماء» (الخطبة ١٠٧).

ذلك! وترى كيف لا يضمن هنا الاهتداء بذلك الإيمان والإتباع وقد كتب الله رحمته لهؤلاء المؤمنين المتبعين؟ لأن مجرد بادئ الإيمان والإتباع أيّا كان لا يضمن دائب الاهتداء ، وإنما هو الاستمرار فيها بشروطهما بعون الله وفضله ، فرب مؤمن به متبع له سوف يكفر ، ورب كافر به ناكر له سوف يؤمن ، فلنسأل الله حسن العاقبة والخاتمة كما نسأله حسن البداية.

(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(١٥٩).

هنا (مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ ..) وفي أخرى (مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٧ : ١٨١) وفي ثالثة (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (: ٦٦).

فالأولى خاصة بقوم موسى ومثلها : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٣٢ : ٢٤) وهنا ما تختص بالذكر من هؤلاء الأئمة الهادية كإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٢١ : ٧٣).

ثم الثالثة تعمهم إلى قوم عيسى ، وآية الأنبياء تعمها إلى قوم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يدل على أن هذه الأمة الهادية بالحق العادلة به هي الأئمة من كل أمة ، معصومين كأصول ، وعلماء ربانيين كفروع لهم.

٣٥٤

ف (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) هي الهداية بمصاحبة الحق وبسببه ، وهو حق الوحي كتابا وسنة ، ثم (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) هو العدل بالحق والعدول عن الباطل بالحق ، فالحق هو الذريعة الوحيدة في العدل والهدى ليس إلّا ، دون مصلحيات هاوية وقياسات خاوية غاوية وما أشبهها من دون الحق الحقيق بالاتباع.

ذلك ، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١٠ : ٣٥) ـ «ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه ، ومتعلم على سبيل نجاة ، أولئك هم الأقلون عددا ، وقد بين الله ذلك من أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله فيمن آمن من قوم موسى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).

فرأس الزاوية في مثلث الهداية هو رسول كل أمة ، ثم الأئمة من قومه ، ومن ثم ربانيو الأمة وقد يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «معاشر الناس أنا الصراط المستقيم الذي أمرتم بإتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون» (١).

ذلك ، ولأن «يهدون» مضارعة تشمل الحال إلى الاستقبال ، فالأصل فيهم بالنسبة لزمن نزول القرآن هؤلاء الذين آمنوا به ودعوا له وهدوا

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٨٦ في كتاب الإحتجاج باسناده إلى الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السّلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة الغدير : .. وفيه في الكافي عن مسعدة بن صدقة سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول يسأل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو واجب هو على الأمة جميعا؟ فقال : لا فقيل له : قال : إنما هو على القوى المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فهذا خاص غير عام كما قال الله : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ولم يقل على أمة موسى ولا على كل قومه وهم يومئذ أمم مختلفة والأمة واحدة فصاعدا كما قال الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) يقول : مطيعا لله تعالى.

٣٥٥

إليه ، وقد سبقهم نبيون وربانيون ومؤمنون إسرائيليون كانوا ينتظرون تشريف هذه الرسالة السامية.

وعلى أية حال ف «أمة» هنا تضم من (قَوْمِ مُوسى) كلّ من (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وقضية احتمال الواو أنها حالية ، أن (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) بيان حال الماضية ، كما أن قضية احتمال العطف بيان الحال الحالية ، والجمع أجمل وأجمع ، لأن أمة الحق بين الأمم الرسالية لا يختصون بزمان دون زمان ، والآية طليقة في هؤلاء الأكارم.

وفي أحاديثنا أن هذه الأمة من قوم موسى هم ممن يرجعون في دولة المهدي عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه.

(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١٦٠).

آية وحيدة في بيان عديد الأسباط ، بعد آيات أربع تذكرهم دون عديدهم ، وهم هنا «أمما» بعد كونهم أمة واحدة في شرعتهم.

وترى كيف هنا (أَسْباطاً أُمَماً) وتمييز ما فوق العشرة مفرد؟ ، إنه قد لا يكون تمييزا ، بل هو بدل يعني قطعناهم أسباطا أمما هم اثنتي عشرة ، أم ان (أَسْباطاً أُمَماً) حالان ل «هم» فإن واقع عديد الأسباط لا يقبل التقطيع لأنه تحصيل للحاصل ، وإنما «قطعناهم» تفريقا بينهم حالكونهم أسباطا أمما ، أم لأن تمييز ما فوق العشرة لا يختص بالإفراد ، فقد يجمع كما هنا ، وأخرى يفرد ك «عينا» تمييزا ل «اثنتا عشرة» والقاعدة الأدبية المخالفة لأدب القرآن هي خارجة عن الأدب البارع.

ذلك ، فتقدير تمييز مفرد حفاظا على الأدب المزعوم تغدير على أدب القرآن ، ولا يصلح تمييزا ل «اثنى عشر» إلا «أسباطا».

وترى هذا التقطيع لهم رحمة؟ وهو زحمة قضية الاختلاف! إنه

٣٥٦

زحمة كأصل حيث الوحدة هي الرحمة (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١١ : ١١٩) ثم هو رحمة في غير أصل حين لا تعايش سلميا بين مختلف الأسباط ، وهكذا كانوا مختلفين لا يتعايشون فقطعهم الله حتى يتخلصوا عن أعباء الخلافات ، قطعناهم لحد (أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ..) وكما (بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (٥ : ١٢).

ذلك ، وسائر مواضيع الآية مفسّرة مفصّلة على ضوء آيات البقرة اللهم إلّا (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وكما في البقرة (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٥٧).

وهذه حقيقة هي حقيقة بالاتباع أن الله لا يظلم كما لا يظلم حيث الظلم هو الانتقاص ولا ينتقص من ربنا في واقع كيانه بشيء وكل شيء غيره قابل للانتقاص.

ولقد ظلمت هذه الآية فيما ظلمت أى أخرى من القرآن بما اختلقت من رواية تروى لقلة الفهم وسوء التفهم أنها نزلت (وَما ظَلَمْناهُمْ ..)(١).

__________________

(١) نور الثقلين (٢ : ٨٧) في أصول الكافي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) في الآية قال : ان الله أعز وأمنع من أن يظلم وان ينسب نفسه إلى الظلم ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه فقال : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) قلت : هذا تنزيل؟ قال : نعم ، وفيه مثله عن أبي جعفر (عليهما السّلام) ، وفيه ما يعارضهما عن الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) حديث طويل : وأما قوله (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فهو تبارك اسمه أجلّ وأعزّ من أن يظلم ولكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه وهو عرّف الخليقة جلالة قدرهم عنده وان ظلمهم ظلمه بقوله : (وَما ظَلَمُونا) ببغضهم أولياءنا ومعونة أعدائهم عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) إذ حرموها الجنة وأوجبوا عليها دخول النار. أقول : وفي خلط أولياءه بنفسه خلط لا يناسب شرعة التوحيد!.

٣٥٧

(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)(١٦١).

لقد مضى قول فصل حول مغزى الآية على ضوء نظيرتيها وهما (٢ : ٥٨ و ٤ : ١٥٤) مهما كان بين هذه الثلاث تقديم وتأخير في التعبير ، ومثلث العرض في القرآن لهذه الذكرى هو قضية مثلث الملابسات البيانية في الذكر الحكيم.

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ)(١٦٢).

ولها ثانية باختلاف يسير في التعبير هي : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٢ : ٥٩).

وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ

٣٥٨

أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٦٩)

٣٥٩

(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(١٦٣).

وهنا عرض منقطع النظير عن حيلة شرعية! لهؤلاء المحتالين الأنكاد البعاد تبين مدى غيلتهم على شرعة الله تحويلا لمحرمات إلى محللات وكأن شرعة الله مبنية على الحيلة حتى تقبل حيلة تحولها إلى ما يشتهون ، وكما تفعله جماعة من المسيحيين والمسلمين المجاهيل مستندين إلى مختلقات زور زعم أنها حيل شرعية! قررها صاحب الشرع للقضاء على شرعته!.

و (الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) هي ليست حاضرة الاسم ، إذ القصد هنا هو واقع الاحتيال ، دون مكانه الخاص وأشخاصه الخصوص ، ومهما اختلفت الروايات في أنها : إيلة أو طبرية أو مدين ، فنحن نسكت عما سكت الله عنه دون محاولة للحصول على اسم القرية.

وهنا (يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) تعني ـ فيما تعني ـ صيد الحيتان يوم السبت بحيلة أم غيلة لمكان (إِذْ تَأْتِيهِمْ ...) والسبت هو القطع ، حالة اليقظة عن أفعال اختيارية بالإرادة ، وحالة النوم ، سبتا عنها دون إرادة ، ف (جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) (٧٨ : ٩) تعني ثاني القطعين من قطاع السبت ، فإنه فيه الراحة والدعة ، فقد يمتن الله بالسبت كما في النوم لما فيه لنا من المنفعة والراحة ، لأن التهويم والنوم الغرار لا يكسبان شيئا من الراحة ، بل يصبحهما في الأكثر القلق والانزعاج والهموم التي تقلل النوم وتنزّره ، وفراغ القلب ورخاء البال يكون معهما غزارة النوم وامتداد ، وهذا هو النوم السبات ، دون سائر النوم غير السبات.

ويقابل سبات النوم سائر النوم ، وكذلك السبت الذي يصد عن منافع معنية معينة في الحياة كما فعل باليهود يوم السبت.

فلقد كان يوم السبت يوم السبت : القطع عن الأعمال غير الضرورية ، ومنها صيد الحيتان ، ولكنهم عدوا فيه ، ولم يكن يقصد من

٣٦٠