الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٤

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٦

وآخر المقال لمحة «يتربصن» بشريطة العلم ، متأيدة بمتظافر الحديث مهما عارضه غيره (١) واما التربص في عدة الطلاق فقد يكون تربصاّ مّا علما بالطلاق ، فلا يشترط العلم على طول خط العدة ، ام انه منصب مصب العادة في حقل الطلاق المشروع انه على علم للزوجين.

او يقال ان التربص ليس إلا عن الزواج ، فهو غير وارد إلا لمن هي عارفة بفراق ، بوفات ام طلاق ، فلمحة التربص من ناحية ، وصراحة الحداد من اخرى تتجاوبان في شريطة العلم بالوفاة فهي الأقوى ، ثم الأشبه في فراق الطلاق هو العلم بالطلاق لنفس اللمحة ، ومتعارض الروايات هنا في حقلى الطلاق والوفاة معروض على لمحة الكتاب التي قد تربو صراحة الحديث.

ذلك ، وتربص العدة في الوفاة هو أغلظ من تربص الطلاق في العدّة والعدّة والحداد ، فليكن أحوط من الطلاق في شريطة العلم ، والأصل اللغوي

__________________

ـ يوم سمعت (التهذيب ٣ : ٢٩٥ والاستبصار ٣ : ٣٥٥).

وخبر الحسن بن زياد سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المطلقة يطلقها زوجها ولا تعلم إلّا بعد سنة والمتوفى عنها زوجها ولا تعلم إلا بعد سنة؟ قال : «إن جاء شاهدان عدلان فلا تعتدان وإلا يعتدان» (المصدران).

وخبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) ان عليا (عليه السلام) سئل عن المتوفى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدتها فالحداد يجب عليها؟ فقال علي صلوات الله عليه إذا لم يبلغها حتى ينقضي عدتها فقد ذهب ذلك كله وقد انقضت عدتها.

(١) كما في خبر الحلبي من قوله على المحكي «فلتعتد من يوم يبلغها» (الكافي ٦ : ١١٠) ويعارضه صحيح محمد بن مسلم قال قال ابو جعفر (عليهما السلام): ان طلق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك فإذا مضى ثلاثة اقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدتها (المصدر) وصحيح محمد بن مسلم او حسنه انه قال في الغائب : «إذا طلق امرأته فانها تعتد من اليوم الذي طلقها» (المصدر).

١٠١

في التربص ـ وهو التثبت والنظر توقعا لحدوث امر خيرا او شرا ـ يؤكد ذلك الاحتياط ، إذ لا يصدق على زمان الغفلة عن فراق أنها تربصت فيه!.

ولقد كانت عدة الوفاة في الجاهلية سنة فحولها الإسلام الى ما حوّل رعاية لهن (١) ولأن «حرقة المتوفي عنها زوجها لا تسكن إلا بعد اربعة أشهر وعشرا» وان الله «علم ان غاية صبر المرأة اربعة أشهر في ترك الجماع» (٢) وحكمة ثالثة هي حرمة الميت حيث تراعى في فترة هي اكثر من عدة الطلاق بحداد (٣).

__________________

(١) كما في الدر المنثور ١ : ٢٩٠ عن زينب قالت سمعت أمي ام سلمة تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفننكحها؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا ـ مرتين او ثلاثا كل ذلك يقول : لا ، ثم قال : هي اربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة عند رأس الحول ...

وفي نور الثقلين ١ : ٢٢٩ عن تفسير العياشي عن أبي بكر الحضرمي لما نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ...) جئن النساء ويخاصمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلن : لا نصبر ، فقال لهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت إحداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرها في خدرها ثم قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتتها ثم اكتحلت بها ثم تزوجت فوضع الله عنكن ثمانية أشهر ، وفيه عن الكافي موصولا عن محمد بن مسلم قال : جاءت امرأة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تستفتيه في المبيت في غير بيتها وقد مات زوجها؟ فقال : إن اهل الجاهلية كان إذا مات زوج المرأة احدّت عليه امرأته اثنى عشر شهرا فلما بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رحم ضعفهن فجعل عدتهن اربعة أشهر وعشرا وأنتن لا تصبرن على هذا!.

(٢) المصدر عن علل الشرايع باسناده الى عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) لأي علة صار عدة المطلقة ثلاثة أشهر وعدة المتوفى عنها زوجها اربعة أشهر وعشرا؟ قال : «لأن حرقة المطلقة تسكن في ثلاثة أشهر وحرقة المتوفى عنها زوجها لا تسكن إلا بعد اربعة أشهر وعشرا».

(٣) المصدر عن العلل عن أبي خالد الهيثم عن أبي الحسن الثاني حديث طويل يقول فيه ـ

١٠٢

فالنساء ـ إذا ـ في واجب العدة على ضروب شتى في زمنها ، فإنهن بين متربصات لحظة كالمطلقة الحامل التي تضع حملها بعد لحظة ، ومتربصات تسعة أشهر إلّا هنيئة ، حيث طلقن بعد استقرار النطفة ، وعوان بين ذلك من حيضة او حيضتين او اربعة أشهر وعشرا ، وكل ذلك على ضوء أدلتها الشرعية.

ورغم ما كانت وفاة الزوج كقطع لحياة الزوجة ، لقد شرفها الإسلام بشرف الحياة المشرقة الأمينة ، متربصة ختام أجلها لتدخل في حياة جديدة ان شاءت.

فقد كانت المرأة في الجاهلية تدخل بعد موت زوجها مكانا رديئا وتلبس أرذل ثيابها ، آخذة بعرة ، ملقية إياها خلفها ، ملتزمة بشعائر جاهلية حمقاء ، حتى جاء الإسلام وخفف عنها ذلك العنت الذي كان عليها وعلى أهلها إضافة الى فقد زوجها باغلاق كل دروب الحياة الشريفة عليها ، حيث فتحها قضية الحكمة العادلة بحقها.

وهنا لم يزد الإسلام في عدّتها إلّا قرابة شهر أم يزيد ، ولم يحددها كأنثى إلّا بحداد حكيم طيلة أجلها ، ثم حرّرها في أن تفعل في نفسها ما تشاء بمعروف تحليلا لها عن ولاية وليّها :

(... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ٢٣٤.

بلوغ أجلهن من حيث الوفاة هو بعد فجر الليلة العاشرة بعد أربعة أشهر فإن زاد من عدة أخرى كالحمل فأبعد الأجلين عملا بالنصين.

__________________

ـ (عليه السلام) واما ما شرط عليهن فقال (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) يعني إذا توفى عنها زوجها فأوجب عليها إذا أصيبت بزوجها وتوفي عنها مثل ما أوجب عليها في حياته إذا آلى منها وعلم ان غاية صبر المرأة اربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجب عليها ولها.

١٠٣

وهنا «فلا جناح» تنفي الجناح المزعوم في زواجهن قبل تمام عام من الموت كما كانت عادة جاهلية حمقاء ، والخطاب هنا موجه إلى أولياءها الشرعيين وسواهم وقد سقطت عنهم ولاية الزواج ب (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فليست عقدة النكاح الثابتة للولي إلا في النكاح الأول ، ثم لا ولاية في سائر النكاح بكرا كانت ـ بعد ـ أم ثيبا.

وبصيغة جامعه فراق الزوجة بطلاق أو موت هو فراق الولاية عليها وكما يأتي بقول فصل.

و «بالمعروف» هنا قيد ل «لا جناح» حيث المنكر ينهى عنه ، والتارك للنهي ـ إذا ـ عليه جناح ، ولا سيما الولي فانه اولى من غيره ممن سواه ، مهما عمت ولاية الأمر والنهي الصالحين لهما ممن سواه (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) : اولياء ومولّى عليهن «خبير» لا تخفى عليه خافية.

وفي أفق أوسع تنفي «لا جناح» هنا كل منفي للأرامل ، استغراقا في نفيه دون إبقاء ، اجتثاثا لجذور الجناح بأي جناح ، فقد كانت الجاهلية الجهلاء في دركات بحق الأرامل ، من إحراقهن مع أزواجهن الأموات ، او ترك زواجهن حتى الممات ، او اعتزالهن إلى سنة او تسعة أشهر بعد الوفاة.

وفي خضمّ تلك الجاهلية الظالمة بحقهن جاء الإسلام محقا لحقوقهن العادلة ، رافضا كل جناح في زواجهن إذا بلغن أجلهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) اولياء وسواهم ، حكاما وسواهم (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

كلام حول الحداد :

ترى ماذا يعني الحداد على المتوفى عنها زوجها؟.

١٠٤

الحداد لغويا من الحدّ : الصدّ ، ان تصدّ المرأة على مفاتن أنوثيتها من زينة أما شابه ، خارجة عن تفريط الجاهلية الأولى اعتبارا لها كميّتة ، وعن إفراط الجاهلية الثانية وهي المتحضرة حيث الزينة فيها كأنها من شعائر التعزي ، وإنما هو عوان بين ذلك ، ألّا تلبس ملابس العروس ، وذات البعل ، ولا تتزىّ بزيّها ، فلتكن كبنت غير متزوجة لا يحق لها ان تتزين زينة ذوات الأزواج.

وقد يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) في حد الحداد قوله : «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج اربعة أشهر وعشرا فانها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط او اظفار» (١) وهذا ـ فقط ـ دليل الجواز دون الوجوب المستفاد من نصوص أخرى.

فالحداد بصيغة سائغة بالغة هو ترك الزينة ملبسا ومصبغا ومعطرا فان كلا زينة ، والزينة الممنوعة هنا هي ـ فقط ـ «زينة لزوج» (٢) دون سائر الزينة النسائية العامة ، وهكذا تقيد اخبار المنع عن الزينة بما هي لزوج (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٩٠ ـ اخرج البخاري ومسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة عن ام عطية قالت قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ... وفيه أخرج ابو داود والنسائي عن ام سلمة قالت دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما توفى ابو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا قال : ما هذا يا أم سلمة؟ قلت : انما هو صبر يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس فيه طيب ، قال انه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فانه خضاب قلت : باي شيئ امتشط يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: بالسدر تغلفين به رأسك.

(٢) كما رواه في الفقيه والتهذيب في موثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه سئل عن المرأة يموت زوجها هل يحلّ لها ان تخرج من بيتها في عدتها؟ قال : «نعم وتختضب وتدهن وتمشط وتصنع ما شاءت لغير زينة من زوج».

(٣) كما رواه زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : المتوفى عنها زوجها ليس لها ان تطيب ولا ـ

١٠٥

ولا يحق لها أن تخرج من بيتها إلّا لحاجة وحق (١) حيث الحداد يحدها عن حريتها حال حياة الزوج ، ويجوز لها ان تنتقل من بيت زوجها الى بيت آخر «حيث شاءت» (٢) ، وكما دل عليه «فان خرجن» كما تأتي.

هذا ، ولا حداد على المطلقة رجعية او بائنة ، لا سيما الأولى ، فانها تعتد في بيتها وتظهر له زينتها (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (٣) بل «ولا يستأذن عليها» (٤) حيث المطلقة رجعية زوجة ، وأحرى بها ان تتجمل لزوجها (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ٢٣٥.

__________________

ـ تزين حتى تنقضي عدتها ...(الكافي ٦ : ١١٦).

(١) كما رواه في الفقيه في الصحيح قال : كتب الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدة منه وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها وهي تعمل للناس هل بجوز لها ان تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها في عدتها؟ قال : فوقع (عليه السلام): «لا بأس بذلك ان شاء الله تعالى».

(٢) كما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها او حيث شاءت؟ قال : لا بل حيث شاءت إن عليا (عليه السلام) لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته (٦ : ١١٥).

(٣) عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في المطلقة تعتد ...(الكافي ٦ : ٩١ والتهذيب ٣ : ٢٨٥).

(٤) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليهما السلام): «المطلقة تشوفت لزوجها ما كان له عليها رجعة ولا يستأذن عليها» (الكافي ٦ : ٩١) والتشوف هو التزين «ما كان» اي : ما دام.

١٠٦

الخطبة هيئة خاصة من الخطب وهو الأمر العظيم الجلل الذي يكثر فيه التخاطب ، فهي ـ إذا ـ الحالة التي عليها الرجل إذا خطب امرأة للنكاح.

والتعريض من العرض : الجانب ، أن يقول قولا او يفعل فعلا له جانبان ، ثانيهما طلب النكاح دون تصريح ولا تلميح ، بل هو إشارة ذات جانبين يمكن الفرار من آخره الى اوّله لأنه معنى عرضي هامشي ، فهو ثالث ثلاثة هو كطبيعة الحال من كل مطالب للنكاح ، إشارة غير بعيدة تتلمح منها المرأة طلب النكاح.

وترى «النساء» هنا تعم المنسرحات اللاتي يحل لهن الزواج فور الخطبة؟ ويسمح لهن اللمحة والصراحة في خطبتهن حالا! ولا مجال لتخيل الجناح بشأنهن في صراح فضلا عن التعريض! وجو الآية هو جو المتوفى عنهن أزواجهن.

أم تعم المزوجات؟ ولا يحل أي تعريض لهن من خطبة وسواها ، التي تنصبّ في تقدمات الزواج.

أم والرجعيات؟ وعلّه كذلك الأمر فإنهن زوجات (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ)! ولكنها ، ولا سيما التي لا تتمكن من العشرة مع زوجها ، قد يجوز التعريض بخطبتها ، أن إذا انسرحت فعلي تأمين حياة جديدة لك جادة ، فإنما المحرم خطبتها في العدة ، او تحريضها على المفارقة ، مع رجاء الرجعة الى حياة أليفة مع زوجها.

أم والبائنات اللاتي يرتجعن الى رجعيات برجع ما بذلن لأزواجهن؟ والحق بعد باق مهما كان أضعف من الرجعيات! ولكن جواز التعريض بخطبتهن أحرى من الرجعيات.

١٠٧

ام تخص «النساء» هنا بمعتدات الوفاة لاحتفاف الآية بشأنهن؟ وعموم اللفظ أحرى بالاتباع من خصوص المورد!.

انهن كل النساء المعتدات المنقطعات باتا بموت أم طلاق بائن لا حق لهن في أزواجهن ولا حق لهم فيهن ، مهما كان محط الآية معتدات الوفاة.

وهنا «لا جناح» تنفي الجناح فقط عن التعريض بخطبة النساء ، دون التلويح فضلا عن التصريح ، حيث التعريض في أصله مكنون في النفوس وقد يظهر أتوماتيكيا من صفحات الوجه او فلتات اللسان ، وقد (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) بزاوية من هذه الثلاث ، إلّا ان «لا جناح» تختص ـ بالفعل ـ بالزاوية القصيرة وهي فقط التعريض ، دونما تجاوز عنها الى سواها ، ومن ثم (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) مهما كان صراحا في الخطبة ، ولكنها وعد بها لما بعد العدة ، حيث الخطبة في العدة محرمة مهما كانت تعريضا.

فقد أباح الله التعريض لعلقته العريقة بالميول الفطرية من الجانبين ، فهو حلال في أصله ، مباح في ذاته ، ولولا سائر الملابسات التي تدعو الى التأجيل في عقدة النكاح لحل التعجيل ، والإسلام يراعى ألا تحطم الميول الفطرية السليمة ، وانما يهذبها ولا يكبت النوازع البشرية وانما يضبطها ، وكما ينهى هنا عما ينافي نظافة الشعور : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ...).

فلا جناح في التعريض بخطبة هؤلاء النساء كأصل ، وبأحرى (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) وانما الجناح هو عقدة النكاح في العدة ، او مواعدة السرّ إلّا بمعروف.

فلا تجوز أية مواعدة معهن سرا لأنها تختص بالأزواج (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) في أصل المواعدة ، ام في سرّ نتيجة المواعدة ، والقول المعروف هو

١٠٨

المناسب لغير ذات محرم التي يراد نكاحها بعد الأجل كأن يقول لها سرا او جهرا :

«يا هذه ما أحب إلا ما سرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتيني إنشاء الله فلا تسبقيني بنفسك وهذا كله من غير ان يعزموا عقدة النكاح» (١).

هذا ـ والمحظور في مواعدة السر انما هو غير المعروف ، من عزم لعقدة النكاح ولمّا يبلغ الكتاب أجله ، ام عزم على مخالطة جنسية كيفما كانت وعلى أية حال ، فان في ذلك مجانبة لأدب النفس بذلك الرفث ، ومخالسة لذكرى الزوج ، وقلة استحياء من الله.

(وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ...)

ليس فقط «لا تعقدوا النكاح حتى ...» بل (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ)

__________________

(١)نور الثقلين ١ : ٢٣٢ ، العياشي عن مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها يا هذه ...

وفيه عن العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك ولا تقول : «إني اصنع كذا واصنع كذا القبيح من الأمر وكل امر قبيح».

وفيه عن الكافي محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) فقال : يقول الرجل أواعدك بيت آل فلان يعرض لها بالرفث ويرفث يقول الله عز وجل (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) والقول المعروف التعريض بالخطبة على وجهها وحلّها (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ).

وفيه عن الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : يلقاها فيقول : إني فيك لراغب وإني للنساء لمكرم فلا تسبقيني بنفسك والسر لا يخلو معها حيث وجدها.

١٠٩

فانه عزم عاجل لأمر آجل علّه لا ينعقد ، فالنهي عن العزم ـ إذا ـ زيادة في التحرج ك (لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ).

وقد تلمح «لا تعزموا» ان عقدة النكاح ، العاقدة بين متفاصلين ، ليست هي مجرد صيغة لفظية خاوية ، بل هي عقدة ناشئة عن عزم قلبي وجزم ، ليست الصيغة إلّا ظاهرة من مظاهرها ، ولأن العزم في كل فعل يتلوه فعله ، فلا عزم لعقدة النكاح (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ).

والتعبير عن مدة العدة بالكتاب تأكيد لفرضها بأنها مكتوبة على النساء ، ولمحة إلى فرض ضبطها في كتاب كيلا تنسى او يخطأ فيها ، فانما يسجل ذلك الكتاب في كتاب حتى يبلغ أجله ، وهو نهاية المدة.

ولأن العزم هو من الأمور النفسية وقد منع عنه لعقدة النكاح ، لذلك يحذّر بالتالي عن ذلك العزم : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ).

وهذا رباط أنيق عميق بين خشية الله وحكمه ، فللهواجس المستكنة والمشاعر المكنونة هنا قيمتها في علاقة الجنسين ، هذه العالقة بالقلوب ، الغائرة في الضمائر ، فلا بد من ضبطها من خشية الله ، الماكنة في القلوب.

ولأن ذلك العزم قد يتفلت لمما او لماما ، فلا يعتبر الفالت فائتا عن رحمة الله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) ٢٣٦.

النكاح اربعة ، نكاح دون مسّ ولا فرض ، نكاح بمسّ وفرض ، نكاح بمسّ دون فرض ونكاح بفرض دون مسّ ، وهكذا أقسام للطلاق ، ومتخيّل

١١٠

الجناح إنما هو في طلاق دون مسّ أو فرض ، زعم انهما من اركان النكاح والطلاق.

فهنا «لا جناح» تنفي أيّ جناح في هكذا طلاق كأصل ، دون نظرة الى موانع عنه مسرودة في الكتاب والسنة «ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن او ـ لم ـ تفرضوا لهن فريضة» ام مسلوبا عنهما ، فان «او» هنا للتقسيم ، متحملة الأقسام الثلاثة الأخرى من الطلاق.

وترى ان فريضتهن غير المفروضة هنا ساقطة بمجرد أنها لم تفرض؟ كلا! بل «ومتعوهن» بفرض المثل ، قابلا لزيادة ونقصان لمكان (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) لا قدرها ، فالموسع في حاجيات حياته ـ والنكاح منها او من أهمها ـ عليه متاع لهن قدره ، والمقتر فيها ـ ومنها النكاح ـ عليه متاع لهن قدره. وقد يعني الموسع والمقتر ـ مع ما عنياه ـ من وسع رزقه ومن إ عليه رزقه ، ولكنهما لا يعنيان ـ فقط ـ حيث العبارة الفاصحة له هما بصيغة المجهول.

فهنا ـ إذا ـ مماثلة ذات جانبين ثانيتهما حال المطلّق موسعا ومقترا ، مقدّرين بفرض المثل لهنّ ، فعلى كلّ قدره المتعوّد المستطاع ، ولكلّ قدرها المتعوّد المطاع (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ) في الأعراف السليمة الإنسانية ، وفي عرف الشرعة الإلهية ، معروفا في كمّ المتاع وفي كيفه وكيفية التمتيع به لهن دون منّ ولا أذى ولا بشطر كلمة أو إشارة.

وهنا مصارح وملامح في فرض المتاع بالمعروف لمن لم تفرض لهن فريضة ، بل ومن فرضت لهن ، فان «متعوهن» تشمل كل المطلقات الثلاث ، فان (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) أعم ممن فرضت لهن فريضة ، كما (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أعم ممن «لم تمسوهن» مهما عنتا فيما تعنيان الجمع بين السلبين «لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة».

١١١

ففي كل ذلك «متعوهن» فرضا فيما لم تفرض لهن فريضة وزيادة ، ومع الفرض فيما فرضت لهن فريضة بزيادة.

وآية الطلاق قبل الدخول بفرض فريضة مهما فرضت لهن «نصف (ما فَرَضْتُمْ) فهي لا تنافي واجب المتاع بالمعروف لهن كما لسواهن ، وقد اطلق المتاع في ثانية آتية : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (٣ : ٢٤١).

إذا ف (مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) حق لهن على المتقين في مربع الطلاق ، مهما كان متاع المفروض لها اقل من غيرها باحتساب فرضها من متاعها ، وقد تعنيه الرواية القائلة «فلها نصف مهرها» (١) تأويلا للنصف بأنه قدر الموسع وقدر المقتر.

فلا يعني المتاع المهر ، بل ولا نفقة العدة (٢) إذ ليست كل المطلقات معتدات وآية المتاع مطلقة لكل المطلقات.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٣٣ في من لا يحضره الفقيه روى محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا طلق الرجل امرأته قبل ان يدخل بها فلها نصف مهرها وان لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وليس لها عدة تتزوج من شاءت من ساعتها.

وفي صحيح الحلبي قال سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها؟ فقال : «لها مثل مهور نساءها ويمتعها» (التهذيب ٧ : ٣٦٢ والاستبصار ٣ : ٢٢٥).

أقول : هذا من الدليل على ان متاعا بالمعروف ليس يعني ـ فقط ـ الصداق.

وفي صحيحة علي بن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : متعة النساء واجبة دخل بها او لم يدخل بها وتمتع قبل ان يطلق.

(٢) روى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وَلِلْمُطَلَّقاتِ ...) قال : متاعها بعد ما ينقضي عدتها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وكيف يمتعها وهي في عدة ترجوه ويرجوها ويحدث الله بينهما ما يشاء(التهذيب ٨ : ٤٨٤).

١١٢

في كل ذلك واجب المتاع قائم لا حول عنه لمكان عموم الأمر «متعوهن» ثم «على» اللامحة لامعة الى واجب المتاع ، ثم (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) هي الزاوية الثالثة لمثلث الدليل هنا الى واجب المتاع ، والقول إن الإحسان ليس فرضا ، فالمتاع بالمعروف ـ إذا ـ نفل ، يطرده «حقا على» إضافة إلى «متعوهن ـ وعلى» قبلها ، فكما الإحسان فرض بالوالدين واليتامى ، كذلك بالنسبة للمطلقات ، بل هو بالنسبة لهن أحرى بفارق الفراق هنا دونما هناك.

والمسّ هنا هو مسّ النكاح دون مطلق المس فانه لا حول عنه قبلة أو لمسا وإن في فترة قصيرة ، إذا فهو الوطي ليس إلّا ، وكما في آيات عدة (١) وانما عبر عن الصداق هنا بفريضة تدليلا على فرضه مهما لم تسمّ ، فإن سمّيت فهي اصل المتاع ، وإلا فيشملها المتاع المقدر هنا ب (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) بخاصة الطلاق ، فتسمية الفريضة هي لصالح الزوج ماديا ولصالح الزوجة نفسيا ، فان (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ) في غير المسمى قد يزيد على المسمى ، مهما عم ذلك المتاع المسمى ايضا في المدخول بها ، لأنه ذهب برأس مالها فليجبر بمتاع بالمعروف تسكينا لخاطرها فيصبح جو الطلاق كجو النكاح الوفاق فيظل الزوجان كرفاق لا يفصل بينهما إلا فاصل الجنسين ، دون ان يفصل بينهما في أخوة اسلامية ووداد.

(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ

__________________

(١) (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) (٣٣ : ٤٩) فان العدة ـ في غير الوفاة ـ إنما هي عن الوطي (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) (٣ : ٤٧) (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) (١٩ : ٢٠) وليس الولد الا من مس الوطي.

١١٣

لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ٢٣٧.

(فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) يختص حسب هذا النص بمورده وهو الطلاق قبل المس وبعد فرض الفريضة (١) ، ولا ينافيه فرض المتاع بالمعروف الشامل حسب النص التالي لهن (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) وكما الثاني : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٢٢ : ٤٩). وذلك المتاع يعم من فرضت لهن فريضة ومن لم تفرض لهن.

اجل و «أجملوهن بما قدرتم عليه من معروف فإنهن يرجعن بكآبة ووحشة وهم عظيم وشماتة من أعدائهن فان الله كريم يستحي ويحب أهل الحياء ، إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائلهم» (٢).

فهنا الزوجان يؤمران بتبادل المعروف ، فالزوج يدفع نصف الفرض وفرض المتاع ، والزوجة ومن بيده عقدة النكاح ينصحان بالعفو ، فإذا حاول كلّ حسناه بالمعروف ، الزوج في فرضه والزوجة في نفلها سماحا عن حقها ، فقد ترجع العداء والبغضاء إذا كانت قشرية قابلة للعلاج ، وفي ذلك التجاوب خير علاج ، ان يدفع الزوج ما عليه ، ولمّا ينتفع من زواجه ، وأن تسامح الزوجة عما يدفع لها إذ لم تخسر من زواجها ، فلا لهما ولا عليهما ، وذلك لهما ككلّ استبقاء للوداد ، وتعبيدا لسبيل التراجع الى النكاح بكل سداد وخلقا لجو

__________________

(١) عن الحلبي في الصحيح او الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلق امرأته قبل ان يدخل بها؟ قال : «عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ....» (الكافي ٦ : ١٠٥).

(٢) نور الثقلين ٤ : ٢٨٨ ح ١٦٣ في من لا يحضره الفقيه روى عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليهما السلام) في قول الله عز وجل (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ...) قال : «متعوهن اي اجملوهن ...» أقول : الآية (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ...).

١١٤

صالح ـ ان لم يتراجعا ـ للزواج الثاني.

فالزوجان هنا متنازلان ، هو بما فرض عليه دون انتفاع ، وهي بما فرض لها دون تضرر ، والتنازل في هذه الحالة هو تنازل الإنسان الراضي القادر عفوا وسماحا عن زوج قد انفصمت منه عروتها ، فلذلك ـ وبعد فرض نصف الفرض عليه ـ يلاحقها باستجاشة شعور التقوى ، وشعور السماحة الفضلى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ثم يجمعهما في عظة جامعة تحريضا لكل على تقواه فيما له أو عليه من حق (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) في عشرة الزواج ، فعلى كلّ إيفاء ما عليه فرضا أو نفلا هما فرض في شرعة الخلق الطيبة السمحة.

والمسّ هنا كما هناك هو الوطي وكما في الصحاح : «إذا التقى الختانان فقد وجب المهر والعدة والغسل» (١) ولا فرق في الدخول بين القبل والدبر لإطلاق الآية وعلى ضوئها الصحاح ، تأمل.

والصحيح : «إذا أغلق وأرخى سترا وجب المهر والعدة» (٢) غير

__________________

(١) صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل دخل بامرأته؟ قال : «إذا التقى ...» ورواه مثله في الصحيح حفص البختري عنه (عليه السلام) وعن داود بن سرحان في الصحيح عنه (عليه السلام) قال : «إذا اولج فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر» وفي الموثق عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وارخى سترا ولمس وقبل ثم طلقها أيوجب عليه الصداق؟ قال : «لا يوجب الصداق الا الوقاع» وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عنه (عليه السلام) قال : سأله أبي وانا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ قال: انما العدة من الماء ، قيل له : وان كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ قال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة(الكافي ٦ : ١٠٩).

(٢) وهو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يطلق امرأته وقد مس كل شيء منها إلّا انه لم يجامعها ألها عدة؟ فقال : ابتلي ابو جعفر (عليهما السلام) بذلك ـ

١١٥

صحيح ، إلّا إذا عنى غير معناه ، وما يروى عن الخليفة عمر في المخلو بها ان لها المهر كاملا من قوله : ما ذنبهن أن جاء العجز من قبلكم (١) ، اجتهاد فاشل

__________________

ـ فقال له أبوه علي بن الحسين (عليهما السلام): «إذا أغلق وأرخى سترا وجب المهر والعدة» وعن زرارة عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : «إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها واغلق عليها بابا وارخى سترا ثم طلقها فقد وجب الصداق وخلؤه بها الدخول» وموثق محمد بن مسلم عنه (عليه السلام). مثله (التهذيب ٣ : ٢٤٣ والاستبصار ٣ : ٢٢٧).

أقول : «قد ابتلي» لمحة إلى ان الجواب وارد مورد التقية ، وقد تتأيد التقية فيما ما رووه عن علي وعمرو زيد بن ثابت : إذا اغلق بابا وارخى سترا ثم طلقها فلها جميع المهر ، وروى سفيان الثوري عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال : لها الصداق كاملا وهو قول علي بن الحسين وابراهيم في آخرين من التابعين (آيات الأحكام للجصاص ١ : ٥١٧).

ثم أقول : وكذلك بعض الروايات الأخرى التي لم تفرق بين المدخول بها وغيرها في تمام الصداق ، مثل ما

رواه الجصاص في آيات الأحكام (١ : ٥١٨) عن ابن ثوبان بسند متصل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها ام لم يدخل وفي الدر المنثور ١ : ٢٩٣ ـ اخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق.

هذا! ولكن (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ...) آبية عن تصديق مثله ، حيث النظر ليس مسا في ايّ من الأعراف ، ثم ان كشف الخمار والنظر هما من الأمور التي لا يستثنى عنها اي زواج فلا تجد زواجا دونهما ، بل وهما قبل الزواج مسموحان لمعرفتها ، والظاهر من «إن ... أن هذا المس أحياني وليس دائميا».

ذلك ، رغم ما قضى الخلفاء الراشدون انه من أغلق بابا وارخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ، لأن ذلك من لزامات اي زواج ، وبأحرى كشف القناع والنظر إليها.

الدر المنثور ١ : ٢٩٣ ـ أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن زرارة بن أوقى قال : قضاء الخلفاء الراشدين انه ... وفيه مثله عن علي (عليه السلام).

(١) المصدر (٥١٩) ولذلك قال عمر ... وفي الدر المنثور ١ : ٢٩٣ ـ أخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن المسيب ان عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.

١١٦

مقابل النص ، ثم وليس انتقال الفرض الى نصف الفرض مختصا في النص بما إذا قدر ولم يطأ ، بل ولأنها ما فقدت رأس مالها ، فليس لها ـ إذا ـ إلّا نصف فرضها ، ثم (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).

ثم وفرض نصف الفريضة يختص بمورد الطلاق لغير المدخول بها وقد فرضتم لهن فريضة ، واما هي المتوفى عنها زوجها فلها تمام الصداق لخروجها عن آية النصف فبقاءها في آيات فرض الصدقات ، ولمن لم يسم لها صداق مهر المثل (١) كما وان لغير المفروض لهن فريضة غير المدخول بهن من المطلقات ،

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٩٣ ـ اخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة واحمد وابو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن علقمة أن قوما أتوا ابن مسعود فقالوا : إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يجمعها إليه حتى مات ، فقال : ما سئلت عن شيء منذ فارقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد من هذه فأتوا غيري ، فاختلفوا إليه فيها شهرا ثم قالوا له في آخر ذلك : من نسأل إذا لم نسألك وأنت أخية أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه البلد ولا نجد غيرك؟ فقال : سأقول فيها بجهد رأيي فان كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له وان كان خطأ مني والله ورسوله منه برىء ، أرى أن أجعل لها صداقا كصداق نساءها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة اربعة أشهر وعشر ، قال : وذلك بسمع من الناس من أشجع فقاموا منهم معقل بن سنان فقالوا : نشهد أنك قضيت بمثل الذي قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في امرأة منا يقال لها بروع بنت وأشق ، فما رئي عبد الله فرح بشيء ما فرح يومئذ إلا بإسلامه ، ثم قال : اللهم ان كان صوابا فمنك وحدك لا شريك لك. وفيه أخرج سعيد بن مصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) انه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداق : لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها وقال : «لا نقبل قول الاعرابي من أشجع على كتاب الله» أقول : يرده قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) وذلك أعم مما سمى لهن ام لم يسم حيث الصداق حسب آيات عدة فريضة ، فهي ثابتة سميت ام لم تسم ، إلا ان في غير المسماة منها فرض المثل.

١١٧

متاع بالمعروف (١) يفي بنصف مهر المثل ام وزيادة حيث يتطلبها معروف المثل ، و «لا مهر لها» في رواية يتيمة (٢) لا يصغى إليه ، إلّا تأويلا بمهر المسمى الذي لم يسم لها.

(فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ...)

ذلك استثناء عن فرض النصف في موردين : ١ (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) بطيبة النفس وكما قال الله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤ : ٤).

٢ (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)

أتراه من هو (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)؟

أهو المطلقة نفسها؟ وقد ذكرت في : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)! ثم صالح التعبير عنهن او تعفوا التي بيدها ...»!

أم هو الزوج نفسه؟ وكيف يعفو عما عليه من الصداق! ثم صالح التعبير

__________________

(١) عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل ان يدخل بها فلها نصف مهرها وان لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف» (الكافي ٦ : ١٠٨.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٣٣ في تفسير العياشي عن أسامة بن حفص عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال قالت له عن رجل يتزوج المرأة ولم يسم لها مهرا؟ لها الميراث وعليها العدة ولا مهر لها وقال : أما تقرأ ما قال الله في كتابه : (إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ).

أقول : عليها العدة محمول على عدة الوفاة ، او عدة الطلاق ان كانت مدخولا بها.

١١٨

عنه «أو تعفون» دون ذلك الإطناب! ثم وليس هو بينهما (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) فإنهما شريكان في عقدة النكاح ، مهما اختص هو بنقض العقدة.

إذا فهو ثالث بينهما ، لا ينعقد النكاح إلّا بيده بعد ما رضيا ، قاعدة ثالثة لمثلث العقدة في النكاح ، فهي ـ إذا ـ عقدة بين ثلاثة : الزوجان وثالث عرّف هنا ب (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) وليس يليق بأحد إلّا وليها (١) وقد كان معروفا أنه الأب او الجد ، ونزلت الآية منزل العرف الساري المعروف لدى المخاطبين ، ومع الغض عنه أيضا لا أقرب إلى البنات من الآباء ، وأما الأمهات والأخوات ، فضلا عن الأعمام والأخوال ، فلا دور لهم في أية ولاية على البنات وسائر الأولاد ، وكما يلمح لذلك الإختصاص «الذي» دون «الذين».

وتأويل «او يعفو ...» بالعفو في النصف الثاني من المهر عليل ، فانه عطية زائدة وليس عفوا ، ثم (وَأَنْ تَعْفُوا) خطابا للمطلقات وأهليهن ، دليل ثان على اختصاص العفو بهن ، وما عفو الرجل في النصف الثاني إعطاء إلا كعفوه عن النصف الأول بنفسه في ركاكة التعبير وضآلة التفسير!.

فما يروى عن ابوي هذه الأمة صلوات الله عليهما انه الزوج (٢) ما هي

__________________

(١) كما في صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها(التهذيب ٣ : ٢٢٤). وفي الصحيح عن رفاعة قال سألت الصادق (عليه السلام) عن الذي بيده عقدة النكاح؟ فقال : الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا وليس له ان يدع كله (التهذيب ٧ : ٣٩٢).

وكذلك في حسنة الحلبي (الكافي ٣ : ١١٣) ورواية سماعة بزيادة والأخ والرجل يوصي إليه والرجل يجوز أمره في مال المرأة يبيع لها ويشتري فإذا عفا فقد جاز.

(٢) الدر المنثور ١ : ٢٩٢ ـ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الذي بيده عقدة النكاح الزوج ، ـ

١١٩

إلا فرية جاهلة قاحلة تمس من كرامة عصمة الرسالة والولاية ، يذود عنها القرآن بصادع البيان ، كذود اهل بيت القرآن (عليهم السلام) (١) ام هو مؤول بثان من مصاديق من (بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ).

فقد تعني (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) الزوج مع الولي ، مهما اختلف عفوه عن عفوه ، حيث المورد احتمال العفو عن تمام الصداق او تسليمه بتمامه ، وقد ذكر (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) وسطا بين الأمرين ، ثم (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) هي عفوهن عن النصف ، ومن ثم (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) قد تعني مثنى العفو ، عفوا للنصف الآخر سماحا من الزوج ان يدفع تمام الصداق ، وقد يصحح تعبير العفو ان العادة كانت مستمرة حسب الكتاب والسنة ان يدفع تمام الصداق عند العقد ، فعند وجوب النصف إذا لم يرجع الزوج الى النصف الآخر فقد عفى.

ثم وعفوا للنصف الأول من ولي البنت سماحا عنه ، وبذلك يجمع بين روايتي العفو في (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) إلّا ان المحور الأصيل المعني منها هو الولي ، فلو عنت الزوج فقط لكان «او تعفون ...» رغم قصور دلالته على السماح في النصف الآخر ، إذا لم يكن دافعا للمهر كله ، وان عنت الولي فقط لكان «او يعفو وليها» ولكنها (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) جمعا بين الزوج والولي ، فالولي مقصود بها على أية حال ، طالما الزوج معني منها ضمنه.

__________________

ـ وفيه أخرج مثله وكيع وسفيان والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). وفيه اخرج جماعة مثله عن ابن عباس ، كما اخرجوا عنه انه أبوها أو أخوها او من لا تنكح إلا بإذنه.

(١) كصحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال : «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها» (التهذيب ٣ : ٢٢٤).

١٢٠