التفسير المنير - ج ٢٥

الدكتور وهبة الزحيلي

البلاغة :

(نَمُوتُ وَنَحْيا) بينهما طباق.

(هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ يَنْطِقُ) : استعارة تصريحية ، أي يشهد عليكم بالحق ، وهذا أبلغ من شهادة اللسان ، لأن شهادة الكتاب ببيانه أقوى من شهادة الإنسان بلسانه.

المفردات اللغوية :

(وَقالُوا) : أي المشركون منكر والبعث. (ما هِيَ) أي الحياة. (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي إلا حياتنا التي في الدنيا. (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا. (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي إلا مرور الزمان ، والدهر في الأصل : مدة بقاء العالم ، مأخوذ من دهره : غلبه. (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) ليس لهم بذلك المقول من دليل علمي. (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي ما هم إلا يظنون ، إذ لا دليل لهم عليه ، وإنما قالوه بناء على التقليد.

(آياتُنا) من القرآن الدالة على قدرتنا على البعث. (بَيِّناتٍ) واضحات. (حُجَّتَهُمْ) متشبث. (ائْتُوا بِآبائِنا) أحياء. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أننا سنبعث ، وإنما سماه حجة على حسبانهم. (يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بناء على ما هو معروف من الحجج. (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ) أحياء. (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه ، فإن من قدر على الابتداء في الخلق قادر على الإعادة ، لحكمة معروفة هي إقامة العدل التام والجزاء. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على المحسوسات أمامهم.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تعميم أو إعمام للقدرة بعد تخصيصها. (الْمُبْطِلُونَ) الكافرون. (كُلَّ أُمَّةٍ) أهل دين. (جاثِيَةً) باركة على الرّكب ، أو مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة ، وقرئ «جاذية» أي جالسة على أطراف الأصابع. (إِلى كِتابِهَا) صحيفة أعمالها. (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي يقال لهم ذلك.

(هذا كِتابُنا) ديوان الحفظة الذي كتبناه عليكم ، وأضافه إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم. (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان. (نَسْتَنْسِخُ) نستكتب الملائكة ، ونثبت ونحفظ (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أعمالكم.

سبب النزول :

نزول الآية (٢٤):

(وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا ..) : أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة رضي

٢٨١

الله عنه قال : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، فأنزل الله : (وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ).

المناسبة :

بعد بيان حجب المشركين عن الوصول إلى الحق والخير ، بسبب كفرهم وعنادهم ، ذكر الله تعالى بعض مفاسد اعتقاداتهم وهي إنكار البعث ، وإنكار الإله القادر ، معتمدين على مجرد الظنون والأوهام والتخمينات ، والتقليد ، مطالبين بإعادة إحياء آبائهم للدلالة على البعث ، وتلك شبهة ضعيفة جدا.

فرد الله عليهم بالتنبيه على ما هو الدليل القاطع في الواقع ونفس الأمر ، وليس مجرد إثبات الإله بقول الإله ، وهو قدرة الله على الإعادة بناء على ثبوت قدرته على الإحياء الأول ، ثم عمم تعالى الدليل ببيان قدرته على جميع الممكنات في السموات والأرض. ثم ذكر تعالى بعض أهوال يوم القيامة من الجثو على الركب بسبب المخاوف ، والاحتكام إلى صحائف الأعمال المسجلة في الدنيا ، والشاهدة على أصحابها.

التفسير والبيان :

(وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ، وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) هذا قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب وأمثالهم في إنكار المعاد أو القيامة ، فقال منكر والبعث هؤلاء المشركون : ما الحياة الحاصلة إلا الحياة التي نحن فيها في الدنيا ، فليس ثم دار إلا هذه الدار ، يموت قوم ، ويعيش آخرون ، ولا معاد ولا قيامة ، وليس وراء ذلك حياة. وهذا تكذيب واضح للبعث ، وإنكار صريح للقيامة. وما يميتنا إلا مرور الأيام والليالي ، فمرورها هو المفني والمهلك للأنفس ، أي بالطبيعة. وهذا إنكار بيّن للإله الفاعل المختار.

٢٨٢

وكان العرب في الجاهلية يعتقدون أن الدهر هو الفاعل ، فكانوا إذا أصابهم ضر أو ضيم أو مكروه ، نسبوا ذلك إلى الدهر ، فقيل لهم : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ، أي إن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي تنسبونها إلى الدهر ، فيرجع السب إليه سبحانه.

أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلّب الليل والنهار». وفي رواية : «لا تسبوا الدهر ، فإن الله تعالى هو الدهر» وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : «كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، فقال الله في كتابه : (وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا ..) الآية.

وذكر محمد بن إسحاق عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله تعالى : استقرضت عبدي ، فلم يعطني ، وسبني عبدي ، يقول : ووا دهراه ، وأنا الدهر». وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر ، فإن الله هو الدهر».

وفسر الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» بقولهم : كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : يا خيبة الدهر ، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه ، وإنما فاعلها هو الله تعالى ، فكأنهم إنما سبوا الله عزوجل ، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة ، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار ، لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ، ويسندون إليه تلك الأفعال (١).

ثم فنّد الله تعالى قولهم مبينا عدم اعتماده على دليل ، فقال :

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ١٥١

٢٨٣

(وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي ما قالوا هذه المقالة ، إلا شاكين غير عالمين بالحقيقة ، فلا دليل لهم من نقل أو عقل ، وما مستندهم إلا الظن والتخمين من غير حجة أصلا.

قال الرازي : وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بغير حجة وبينة قول باطل فاسد ، وأن متابعة الظن والحسبان منكر عند الله تعالى (١).

ثم ذكر تعالى شبهتهم ودليلهم على إنكار البعث قائلا :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا : ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إذا تليت عليهم بعض آيات القرآن واضحات الدلالة على قدرة الله والبعث ، واستدل عليهم ، وبيّن لهم الحق ، وأن الله تعالى قادر على إعادة الحياة إلى الأنفس بعد فنائها ، لم يكن لهم حجة إلا طلب إعادة إحياء آبائهم الذين ماتوا ، إن كنتم أيها المؤمنون صادقين في إمكان البعث ، وأحيوهم إن كان ما تقولونه حقا ، ليشهدوا لنا بصحة البعث.

وهذا كلام ساقط ، فإن البعث يكون بعد نهاية الدنيا ، ولا يلزم من عدم حصول الشيء في الحال امتناع حصوله في المستقبل يوم القيامة.

ثم ذكر الله تعالى دليل إمكان البعث قائلا :

(قُلِ : اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، لا رَيْبَ فِيهِ) أي قل أيها النبي لهؤلاء المشركين منكري البعث : إن الله أحياكم في الدنيا ، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم ، ثم يجمعكم جميعا يوم القيامة جمعا لا شك فيه ، فإن الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى ، كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ، ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم ٣٠ / ٢٧].

__________________

(١) تفسير الرازي : ٢٧ / ٢٧٠

٢٨٤

وهذا إشارة إلى الآية المتقدمة : وهو أن كونه تعالى عادلا منزها عن الجور والظلم ، يقتضي صحة البعث والقيامة.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي أكثر الناس وهم مشركو العرب حينذاك ينكرون البعث ، من غير تأمل وتدبر وروية ، ولا يدركون الحقيقة العلمية ، ويقصرون نظرهم على المحسوسات ، دون تفكر بالغيبيات ، فاستبعدوا قيام الأجساد أحياء ، كما قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ، وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج ٧٠ / ٦ ـ ٧]. كذلك لا يعلمون دلالة حدوث الإنسان والحيوان والنبات على وجود الإله القادر الحكيم.

ثم ذكر الله تعالى دليلا أعم على قدرته بعد التخصيص ، فقال :

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) أي إن الله مالك السموات والأرض ، والحاكم فيهما والمتصرف بهما وحده في الدنيا والآخرة ، من غير مشاركة أحد من عباده ، ولا من الأصنام المعبودة.

وبعد بيان إمكان القول بالحشر والنشر ، بدأ تعالى بذكر أحوال القيامة ، وأولها (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ..) أي ويوم تقوم القيامة يخسر المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل ، بدخول جهنم ، يظهر خسرانهم في ذلك اليوم ، لصيرورتهم إلى النار.

ثم أبان الله تعالى أهوال يوم القيامة قائلا :

١ ـ (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) أي وتنظر أصحاب كل ملة ودين واحد جاثين على الركب من شدة الخوف والرعب ، فالناس لشدة الأمر يجثون بين يدي الله عند الحساب.

٢ ـ (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) أي كل أمة تدعى إلى كتابها المنزل على

٢٨٥

رسلهم ، أو إلى صحيفة أعمالها ، كما قال تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ ، وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ ، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الزمر ٣٩ / ٦٩].

٣ ـ (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي في يوم القيامة يجزيكم الله بما عملتم في الدنيا من خير وشر ، تجازون بها من غير زيادة ولا نقص.

٤ ـ (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي هذه صحيفة الأعمال التي أمرنا الملائكة الحفظة بكتابتها ، تشهد عليكم ، وتذكر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص ، كقوله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ، وَيَقُولُونَ : يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً ، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف ١٨ / ٤٩].

إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم وتثبتها وتحفظها عليكم. قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وغيره : تكتب الملائكة أعمال العباد ، ثم تصعد بها إلى السماء ، فيقابلون الملائكة الذين هم في ديوان الأعمال على ما بأيدي الكتبة ، مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة في القدم على العباد ، قبل أن يخلقهم ، فلا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ، ثم قرأ : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

فقه الحياة أو الأحكام :

يستنبط من الآيات ما يأتي :

١ ـ هذا خبر صريح يتضمن إنكار المشركين والدّهرية للآخرة ، وتكذيبهم للبعث ، وإبطالهم للجزاء ، مأخوذ من قولهم : (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، أو نموت نحن ، وتحيا أولادنا ، وما يفنينا إلا السنون والأيام.

٢٨٦

٢ ـ ليس لهم دليل نقلي أو عقلي على إنكار الآخرة ، فما هم قوم إلا يتكلمون بالظن والتخمين.

قال القرطبي : وكان المشركون أصنافا ، منهم هؤلاء منكر والبعث ، ومنهم من كان يثبت الصانع وينكر البعث ، ومنهم من كان يشك في البعث ولا يقطع بإنكاره. وحدث في الإسلام أقوام ليس يمكنهم إنكار البعث خوفا من المسلمين ، فيتأولون ويرون القيامة موت البدن ، ويرون الثواب والعقاب خيالات تقع للأرواح بزعمهم ، فشرّ هؤلاء أضرّ من شر جميع الكفار ، لأن هؤلاء يلبسون على الحق ، ويغتّر بتلبيسهم الظاهر ، والمشرك المجاهر بشركه يحذره المسلم (١).

٣ ـ إذا قرئت على المشركين آيات الله المنزلة في جواز البعث لم يكن لهم دفع وحجة أو شبهة إلا أن قالوا : ائتوا بآبائنا الموتى نسألهم عن صدق ما تقولون.

فرد الله عليهم بأن الله يحييكم بعد أن كنتم نطفا أمواتا ، ثم يميتكم ، ثم يجمعكم يوم القيامة كما أحياكم في الدنيا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله يعيدهم كما بدأهم ، ومن كان قادرا على ذلك ، كان قادرا على الإتيان بآبائهم ، وكان أهون شيء عليه.

وسمي قولهم حجة على سبيل التهكم ، أو لأنه في حسبانهم وتقدير هم حجة ، أو لأنه أسلوب يراد به : ما كان حجتهم إلا ما ليس حجة. والمراد نفي أن تكون لهم حجة أصلا.

٤ ـ ومن أدلته تعالى على قدرته الفائقة وإمكان البعث خلق السموات والأرض وملكها والتصرف بها ، ويوم تقوم القيامة يظهر خسران الكافرين الجاحدين.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ١٧٢

٢٨٧

٥ ـ ليوم القيامة أهوال عظام ومخاوف جسام منها :

أن كل أهل ملة يجثون على الركب خوفا من شدة الأمر ، قال سلمان الفارسي : إن في يوم القيامة لساعة هي عشر سنين ، يخرّ الناس فيها جثاة على ركبهم ، حتى إن إبراهيم عليه‌السلام لينادي : «لا أسألك اليوم إلا نفسي».

ومنها : أن كل أمة تدعى إلى حسابها وكتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر.

ومنها : أن الجزاء على قدر العمل ونوعه من خير أو شر.

ومنها : قطعية الإثبات للأقوال والأفعال ، فإن صحائف الأعمال التي تسجلها الملائكة الحفظة على كل إنسان في الدنيا تشهد على أصحابها.

ومنها : المفاجأة بالحقيقة والواقع وهو أن الله كان يأمر ملائكته بنسخ ما يعمله بنو آدم في الدنيا ، قال علي رضي‌الله‌عنه : إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم.

جزاء المؤمنين المطيعين وجزاء الكافرين العصاة

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما

٢٨٨

نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧))

الإعراب :

(وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها السَّاعَةُ) بالرفع : مبتدأ ومعطوف على موضع (إِنَ) وما عملت فيه ، وقرئ بالنصب عطفا على لفظ اسم إن ، وهو (وَعْدَ اللهِ).

(قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا السَّاعَةُ) بالرفع : مبتدأ ، و (ما) : خبره ، وقرئ بالنصب على أنه مفعول (نَدْرِي) و (ما) : زائدة. و (إِنْ نَظُنُ) إلا ظنا تقديره : إن نظن إلا ظنا لا يؤدي إلى العلم واليقين. وإنما افتقر إلى هذا التقدير ، لأنه لا يجوز أن يقتصر على أن يقال : ما قمت إلا قياما ، لأنه بمنزلة : ما قمت إلا قمت ، وذلك لا فائدة فيه.

(رَبِّ الْعالَمِينَ) بدل من (رَبِ) الأول.

(وَلَهُ الْكِبْرِياءُ ، فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَهُ الْكِبْرِياءُ) : مبتدأ وخبر مقدم ، (فِي السَّماواتِ) : حال ، أي كائنة.

البلاغة :

(أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي) استفهام توبيخ.

(وَقِيلَ : الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) استعارة تمثيلية ، مثّل تركهم في العذاب بمن سجن في مكان ثم نسيه السجّان من غير طعام ولا شراب ، ووجه الشبه منتزع من متعدد. والمراد : نترككم في العذاب ونعاملكم معاملة الناسي ، لأن الله تعالى لا ينسى.

(فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) التفات من الخطاب إلى الغيبة ، لإهمالهم وعدم العناية بشأنهم.

٢٨٩

المفردات اللغوية :

(فِي رَحْمَتِهِ) في جنته (الْفَوْزُ الْمُبِينُ) الظفر البين الظاهر ، لخلوصه عن الشوائب (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي) أي يقال لهم ذلك ، وآياتي : آيات القرآن وما قبله من الكتب المنزلة الثابتة المتضمنة شرائع الله (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) تكبرتم عن الإيمان بها (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) كافرين ، فالمجرم : ضد المسلم ، فهو المذنب بالكفر.

(وَإِذا قِيلَ) أي قيل للكفار (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وعده بالبعث وبأنه محيي الموتى من القبور ، و (وَعْدَ اللهِ) : إما الموعود أو المصدر ، و (حَقٌ) : ثابت كائن لا محالة (لا رَيْبَ) لا شك (إِنْ نَظُنُ) ما نظن أو إن نحن إلا نظن ظنا ، دخل حرفا النفي والاستثناء لإثبات الظن ونفي ما عداه (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) بمتحققين أن الساعة آتية.

(وَبَدا) ظهر (لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) ظهر لهم في الآخرة جزاء أو عقوبات أعمالهم ، أو عرفوا مدى قبح أعمالهم (وَحاقَ بِهِمْ) نزل أو حل وأحاط بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي الجزاء والعذاب (نَنْساكُمْ) نترككم في النار (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) تركتم العمل للقاء هذا اليوم ، وإضافة اللقاء إلى اليوم : إضافة المصدر إلى ظرفه (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) مانعين منه يخلصونكم من أهواله.

(اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) استهزأتم بها ولم تتفكروا فيها ، و (آياتِ اللهِ) : القرآن (وَغَرَّتْكُمُ) خدعتكم (الْحَياةُ الدُّنْيا) أي زينتها ، حتى قلتم : لا بعث ولا حساب (لا يُخْرَجُونَ مِنْها) الفعل مبني للمجهول ، وقرئ بالبناء للمعلوم ، ومنها أي من النار (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بأن يرضوه بالتوبة والطاعة ، لفوات الأوان ، وعدم النفع يومئذ.

(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) الشكر والثناء بالجميل على وفاء وعده في المكذبين (رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خالق هذه الأشياء ، والعالم : كل ما سوى الله ، وجمع لاختلاف أنواعه. وهذه الأشياء نعمة من الله ودالة على كمال قدرته (الْكِبْرِياءُ) العظمة والسلطان (الْعَزِيزُ) الذي لا يغلب (الْحَكِيمُ) فيما قدّر وقضى.

المناسبة :

بعد بيان أحوال القيامة وأهوالها ، أبان الله تعالى أحوال المؤمنين الطائعين وما أعد لهم من الرحمة أي الثواب ، وأحوال الكافرين وما أعد لهم من العقاب ، والتوبيخ على تفريطهم في الدنيا ، وما حل بهم جزاء استهزائهم بالعذاب

٢٩٠

وانخداعهم بالدنيا ، ومعاملتهم معاملة المنسي بتركهم في النار ، دون انتظار الخروج منها أو التوبة واسترضاء الله عن الذنوب السالفة.

التفسير والبيان :

هذه الآيات تبين حكم الله في خلقه يوم القيامة ، سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين ، فقال تعالى مبينا حكم الفريق الأول :

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي فأما المصدقون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والذين عملوا الأعمال الصالحة وهي الخالصة الموافقة للشرع ، فيدخلهم ربهم الجنة ، وذلك أي الإدخال فيها هو الظفر بالمطلوب ، وهو الفلاح والنجاح الظاهر الواضح.

وسمى الثواب رحمة ، والرحمة جنة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث الصحيح : «إن الله تعالى قال للجنة : أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء».

ثم قال تعالى مبينا حكم الفريق الثاني وموبخا إياهم :

(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ ، فَاسْتَكْبَرْتُمْ ، وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي وأما الذين أنكروا وحدانية الله والبعث ، فيقال لهم تقريعا وتوبيخا : أما قرئت عليكم آيات الله تعالى ، فاستكبرتم وأبيتم الإيمان بها ، وأعرضتم عن سماعها واتباعها ، وكنتم قوما مجرمين في أفعالكم ، ترتكبون الآثام والمعاصي ، وتكذبون في قلوبكم بالمعاد والثواب والعقاب؟ لذا أردف ذلك بقوله :

(وَإِذا قِيلَ : إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها ، قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ، وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) أي وإذا قيل لهؤلاء الكفار من طريق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين : إن وعد الله بالبعث والحساب ، وبجميع

٢٩١

الأمور المستقبلة في الآخرة حق ثابت ، وواقع لا محالة ، والقيامة لا شك في وقوعها ، فآمنوا بذلك ، واعملوا لما ينجيكم من العذاب ، قلتم : لا نعرف ما القيامة ، إن نتوهم وقوعها إلا توهما مرجوحا أو ظنا لا يقين فيه ولا علم ، وما نحن بمتحققين ولا موقنين أن القيامة آتية ، أي كأنهم نفوا كل الظنون إلا الذي لا ثبوت علم فيه ، وأكدوا هذا المعنى بقوله : (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ).

وبعد هذا التوبيخ والنقاش ، ذكر الله تعالى ما يفاجؤون به من العذاب :

(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي وظهر لهم قبائح أعمالهم وعقوبة أفعالهم السيئة ، وأحاط بهم ، ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار ، وعوقبوا بما كانوا يهزؤون به في دار الدنيا من العذاب والنكال ، ويقولون : إنه أوهام وخرافات.

ثم أيأسهم تعالى من النجاة قائلا :

(وَقِيلَ : الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ، وَمَأْواكُمُ النَّارُ ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي ويقال لهم : اليوم نعاملكم معاملة الناسي لكم وكالشيء المنسي الملقى غير المبالى به ، فنترككم في العذاب ، كما تركتم العمل لهذا اليوم ، وتجاهلتم ما جاء عنه في كتب الله ، لأنكم لم تصدقوا باليوم الآخر ، ومسكنكم ومستقركم الذي تأوون إليه هو النار ، وليس لكم من أنصار ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب.

وبذلك جمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة ألوان هي :

الأول ـ أنه قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية.

الثاني ـ أنه جعل مأواهم النار.

الثالث ـ فقدان الأعوان والأنصار.

٢٩٢

ثبت في الصحيح : «أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة : ألم أزوجك ، الم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول : بلى يا رب ، فيقول : أفظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول : لا ، فيقول الله تعالى : فاليوم أنساك كما نسيتني».

ثم ذكر الله تعالى أسباب هذا العقاب أو الجزاء ، فقال :

(ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً ، وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ، فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها ، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي ذلك العذاب الذي وقع بكم بسبب أنكم اتخذتم القرآن هزوا ولعبا ، وخدعتكم الدنيا بزخارفها وزينتها ، فاطمأننتم إليها ، وظننتم ألا دار غيرها ، ولا بعث ولا نشور ، فاليوم لا يخرجون من النار ، ولا يطلب منهم العتبى بالرجوع إلى طاعة الله ، واسترضائه ، لأنه يوم لا تقبل فيه التوبة ، ولا تنفع فيه المعذرة.

وبعد أن أثبت تعالى قدرته على البعث بدلائل الآفاق والأنفس ، وذكر حكمه في المؤمنين والكافرين ، أثنى على نفسه بما هو أهل له تعليما لنا ، فقال :

(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ ، وَرَبِّ الْأَرْضِ ، رَبِّ الْعالَمِينَ) أي الحمد الخالص والشكر الكامل على النعم الكثيرة لله خالق ومالك السموات ، ومالك الأرض ، ومالك ما فيهما من العوالم المختلفة المخلوقة من إنس وجن وحيوان ، وأجسام وأرواح ، وذوات وصفات.

(وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي ولله العظمة والجلال والسلطان في أرجاء السموات والأرض ، وهو سبحانه القوي القاهر في سلطانه فلا يغالبه أحد ، الحكيم في كل أقواله وأفعاله وشرعه وجميع أقضيته في هذا العالم.

ورد في الحديث القدسي الصحيح عند أحمد ومسلم وأبي داود وابن ماجه عن

٢٩٣

أبي هريرة وأبي سعيد رضي‌الله‌عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله تعالى : العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما ، أسكنته ناري».

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات الكريمات على ما يأتي :

١ ـ إن ثواب المؤمنين الذين عملوا صالح الأعمال ، فأدوا الفرائض ، واجتنبوا المعاصي والمنكرات هو دخول جنات الخلد والنعيم.

٢ ـ إن جزاء الكافرين الذين أشركوا بالله إلها آخر ، واقترفوا المعاصي ، وتكبروا عن طاعة الله وقبول أحكامه واتباع شرائعه هو دخول نار جهنم.

وهذا يدل على أن استحقاق العقوبة لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع.

٣ ـ يوبخ الكفار ويقرّعون على تركهم اتباع آيات الله في قرآنه وكتبه المنزلة على رسله والاستماع إليها.

٤ ـ إذا قام المؤمنون بتذكير الكفار بوعد الله بالثواب والعقاب وتأكيد أن الساعة آتية لا ريب فيها ، أنكروا ذلك وكذبوه ، وأجابوا بأنا لا ندري هل الساعة (القيامة) حق أم باطل؟ وإن نحن إلا نظن ظنا لا يؤدي إلى العلم واليقين ، ولسنا متحققين ولا واثقين بأن القيامة آتية ، وهؤلاء من المشركين هم الفريق الشاكون بالبعث والقيامة ، وهم غير أولئك الفريق المذكورين سابقا القاطعين بنفي البعث في قوله تعالى : (وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ..).

٥ ـ في الآخرة تنكشف الحقائق وتنجلي الأمور بنحو قاطع ، ويظهر لهؤلاء الكفار جزاء سيئات ما عملوا ، وقبح جرم ما ارتكبوا ، ويحيط بهم إحاطة تامة ما كانوا يستهزئون به من عذاب الله.

٢٩٤

٦ ـ للعذاب ألوان ثلاثة : قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية ، وصيرورة مسكنهم ومستقرهم النار ، وفقدانهم الأعوان والأنصار.

٧ ـ يقال لهم : استحقاقهم ألوان العذاب الثلاثة المذكورة بسبب إتيانكم ثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة : وهي الإصرار على إنكار الدين الحق ، والاستهزاء به والسخرية منه ، والاستغراق في حب الدنيا ، والإعراض بالكلية عن الآخرة والوجهان الأول والثاني داخلان في قوله تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) والوجه الثالث هو المراد من قوله تعالى : (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).

٨ ـ لا خروج إلى الأبد من النار ، ولا أمل في استرضاء الله والتوبة والإنابة إليه والاعتذار منه ، كما قال تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) [السجدة ٣٢ / ٢٠].

٩ ـ الحمد والثناء بالجميل كله على الله تعالى الخالق والمالك لكل الكون سمائه وأرضه ، وعوالمه ، والمتفرد بالعظمة والجلال ، والبقاء والسلطان ، والقدرة والكمال ، والحكمة الباهرة والرحمة والفضل والكرم ، وذلك يدل على أنه لا إله للخلق إلا هو ، ولا رب سواه ، ولا محسن ولا متفضل إلا هو.

٢٩٥

فهرس

الجزء الخامس والعشرين

 الموضوع

 الصفحة

اختصاص علم الساعة بالله تعالى وانتهاء أسطورة الشرك فيها........................... ٥

تبدل أحوال الإنسان وتغير أطواره................................................... ٩

ضرورة التأمل في الآيات والأنفس................................................. ١٤

سورة الشورى.................................................................. ٢٠

تسميّتها ومناسبتها لما قبلها....................................................... ٢٠

ما اشتملت عليه السورة......................................................... ٢١

إنزال الوحي وعظمة الله ورقابته أحوال المشركين...................................... ٢٣

مقاصد الوحي الإلهي............................................................ ٢٨

وحدة الأديان في أصولها......................................................... ٣٧

الأمر بالدعوة والاستقامة على المتفق عليه ودحض حجة المجادلين فيه.................. ٤٢

حتمية الجزاء للمؤمنين والظالمين وقبول التوبة........................................ ٥١

من مظاهر حكمة الله في خلقه وآياته على قدرته.................................... ٦٦

صفات المؤمنين الكمّل أهل الجنة................................................. ٧٨

أحوال الكفار أمام النار......................................................... ٩٣

الاستجابة لنداء الله مالك السموات والأرض....................................... ٩٧

أنواع الوحي.................................................................. ١٠٣

سورة الزخرف................................................................ ١١٢

تسميتها ومناسبتها لما قبلها ومشتلاتها............................................ ١١٢

٢٩٦

القرآن كلام الله بلغة العرب وعقاب المستهزئين بالأنبياء............................ ١١٤

من مصنوعات الله تعالى وصفاته................................................ ١٢١

عبادة المشركين الملائكة........................................................ ١٢٧

الرّد على تقليد الآباء ، واختيار الأنبياء وبيان حال الدنيا........................... ١٣٩

حال المعرض عن ذكر الله وتثبيت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على دعوته............................ ١٥٢

العبرة من قصة موسى عليه‌السلام وفرعون............................................. ١٦٢

العبرة من قصة عيسى عليه‌السلام.................................................... ١٧١

ألوان نعيم المتقين أهل الجنة.................................................... ١٨٠

عذاب أهل النار وأسبابه....................................................... ١٨٧

تنزيه الله سبحانه عن الولد والشريك............................................. ١٩٣

سورة الدخان................................................................. ٢٠٢

تسميتها ومناسبتها لما قبلها..................................................... ٢٠٢

ما اشتملت عليه السّورة........................................................ ٢٠٣

فضلها....................................................................... ٢٠٤

إنزال القرآن في ليلة القدر المباركة وصفات منزله................................... ٢٠٤

تهديد المشركين بالعذاب........................................................ ٢١٠

ضرورة الاعتبار بقوم فرعون وإنجاء بني إسرائيل.................................... ٢١٧

إنكار المشركين البعث وإثباته لهم................................................ ٢٢٧

أهوال يوم القيامة التي يتعرض لها الكفار والعصاة.................................. ٢٣٢

ما يلقاه المتقون من ألوان النعيم في الجنان......................................... ٢٣٨

سورة الجاثية.................................................................. ٢٤٦

تسميتها ومناسبتها لما قبلها..................................................... ٢٤٦

ما اشتملت عليه السورة........................................................ ٢٤٧

٢٩٧

مصدر القرآن وإثبات الخالق ووحدانيته........................................... ٢٤٩

وعيد المكذبين بآيات الله وجزاؤهم............................................... ٢٥٥

من نعم الله تعالى على عباده.................................................... ٢٦٠

نعم الدين وإنزال الشرائع....................................................... ٢٦٥

الفارق بين المحسنين والمسيئين في المحيا والممات..................................... ٢٧٢

الدهرية وإنكار البعث وأهوال القيامة............................................ ٢٨٠

جزاء المؤمنين المطيعين وجزاء الكافرين العصاة...................................... ٢٨٨

٢٩٨