معجم مقاييس اللغة - ج ٤

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٥

أعجميَّة ؛ لأنَّها لا تدلُّ على شىء. فإن كان هذا أراد فله وجه ، وإلّا فما أدرى أىَّ شىء أرَادَ بالأعجميَّة والذى عندنا فى ذلك أنّه أُريد بحروف المُعجَم حُروفُ الخطِّ المُعْجَم ، وهو الخطُّ العربىّ ، لأنَّا لا نعلم خَطًّا من الخطوط يُعْجَم هذا الإعجامَ حتَّى يدلّ على المعانى الكثيرة. فأمَّا أنّه إعجام (١) الخطِّ بالأشكالِ فهو عندنا يدخل فى باب العضِّ على الشَّىء لأنّه فيه ، فسمى إعجاماً لأنّه تأثيرٌ فيه يدلُّ على المعْنى.

فأمّا قولُ القائل :

يريدُ أن يعرِبَه فيُعجِمُه (٢)

فإنّما هو من الباب الذى ذكرناه. ومعناه : يريد أن يُبِين عنه فلا يقدرُ على ذلك ، فيأتى به غيرَ فصيح دالّ على المعنى. وليس ذلك من إعجام الخطِّ فى شىء.

عجن العين والجيم والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اكتناز شىءٍ ليِّنٍ غير صُلب. من ذلك العَجَن ، وهو اكتناز لحمِ ضَرْع النّاقة ، وكذلك من البَقَر والشّاء. تقول : إنّها عَجْناء بيِّنة العَجَن. ولقد عَجِنَتْ تَعْجَنُ عَجَناً. والمتَعجِّن من الإبل : المكتنز سِمَناً ، كأنّه لحمٌ بلا عَظْم.

ومن الباب : عَجَن الخبَّازُ العجِينَ يَعجِنه عَجْناً. وممّا يقرُب من هذا قولُهم

__________________

(١) فى الأصل : «فأما له عجام».

(٢) نسب إلى رؤبة فى اللسان (عجم). وانظر ملحقات ديوانه ١٨٦. لكن نسب إلى الحطيئة فى العمدة (١ : ٧٤). والرجز فى ديوان الحطيئة ١١١.

٢٤١

للأحمق : عجَّانٌ ، وعجينة. قال : معناه أنَّهم يقولون : «فلانٌ يَعجِن بِمرفَقيه حُمْقاً (١)» ، ثم اقتَصَروا على ذلك فقالوا : عجِينةٌ وعَجّان ، أى بمرْفَقَيه ، كما جاء فى المثل.

ومن الباب : العِجان ، وهو الذى يَستبرِئه البائل ، وهو ليِّن. قال جَرير :

يَمُدُّ الحبلَ معتمداً عليه

كأنّ عجانَه وترٌ جديدُ (٢)

عجى العين والجيم والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على وَهْن فى شَىءٍ ، إمّا حادثاً وإمّا خِلقة.

من ذلك العُجَايَة ، وهو عصبٌ مركَّب فيه فُصوصٌ من عِظام ، يكونُ عند رُسْغ الدّابَّة ، ويكون رِخواً. وزعموا أنَّ أحدهم يجوع فيدُقُّ تلك العُجَايةَ بَيْنَ فِهْرَين فيأكلُها. والجمع العُجَايات والعُجَى. قال كعبُ بن زُهير :

سُمرُ العُجاياتِ يترُكْنَ الحَصى زِيَماً

لم يَقِهِنَّ رءوسَ الأُكمِ تنعيلُ (٣)

ومما يدلُّ على صِحَّة هذا القياسِ قولهم للأمّ : هى تَعجُو ولدَها ، وذلك أن يُؤَخَّر رَضاعُه عن مَوَاقيتِه ؛ ويُورِث ذلك وَهْنَاً فى جِسْمه. قال الأعشى :

مشفِقاً قلبُها عليه فما تع

جُوه إلّا عُفافَةٌ أو فُواقُ (٤)

العُفافَة : الشَّىء اليسير. والفُواق : ما يجتمع فى الضَّرع قبل الدِّرَّة.

__________________

(١) فى المجمل : «إن فلانا يعجن» ، وفى اللسان : «إن فلان ليعجن».

(٢) اللسان (عجن) والديوان ١٨٩ عن اللسان.

(٣) فى الأصل : «شم العجايات» ، صوابه من ديوان كعب ١٤ واللسان (عجا).

(٤) ديوان الأعشى ١٤١ واللسان (عفف ، عجا ، عدا). وهذه الرواية تطابق إحدى روايتى اللسان (عجا). وقد سبق فى (عف) برواية : لا تجافى عنه النهار ولا نجوه ومعظم الروايات كما فى الديوان واللسان :

٢٤٢

وتَعْجُوه ، أى تداويه بالغِذاء حَتّى ينهض. واسم ذلك الولد العَجِىُ ، والأنثى عَجِيَّة ، والجمع عَجَايا. قال :

عدانى أن أزُورَك أنّ بَهْمِى

عَجَايا كلّها إلّا قليلا (١)

وإذا مُنِع الولدُ اللّبَن وغُذِّى بالطّعام ، قيل : قد عُوجِى. قال ذو الإصبع (٢) :

إذا شئت أبصرت من عَقْبِهم

يَتامَى يُعاجَوْنَ كالأذؤبِ

وقال آخر فى وصف جراد :

إذا ارتحلت من منزلٍ خَلّفَتْ به

عَجَايا يُحاثِى بالتُّرابِ صغيرُها (٣)

ويروى : «رذايا يُعاجَى ...».

عجب العين والجيم والباء أصلانِ صحيحان ، يدلُّ أحدهما على كِبْر واستكبارٍ للشَّىء ، والآخر خِلْقه من خِلَق الحيوان.

فالأوّل* العُجْب ، وهو أن يتكبَّر الإنسان فى نفسه. تقول : هو مُعجَبٌ بنَفْسِه. وتقول من باب العَجَب : عَجِب يَعْجَبُ عَجَباً ، وأمرٌ عجيب ، وذلك إذا استُكْبِر واستُعْظِم. قالوا : وزعم الخليل أنّ بين العَجِيب والعُجابِ فرقاً. فأمّا العجيب والعَجَب مثله [فالأمرُ يتعجَّب منه (٤)] ، وأمّا العُجَاب فالذى يُجاوِز

__________________

(١) أنشده فى اللسان (عجا) والمجمل (عجو). وضبط فى المجمل بفتح كاف «أزورك» ، وقد أهمل ضبطها فى اللسان.

(٢) فى اللسان (عجا) أنه النابغة الجعدى.

(٣) فى الأصل : عجايا مجايل ، صوابه من اللسان. وفى المجمل : مجايا تحامي بالتراب دينها.

(٤) تكملة استضأت بالمجمل فى إثباتها. ففيه : «العجيب : الأمر يتعجب منه».

٢٤٣

حدَّ العجيب. قال : وذلك مثل الطَّويل والطُّوال ، فالطويل فى النَّاس كثير ، والطُّوال : الأهوج الطُّول. ويقولون : عجَبٌ عاجب. والاستعجاب : شدة التعجُّب ؛ يقال هو مُستَعجِب ومتعجِّب مما يرى. قال أوس :

ومستعجِبٍ مِمَّا يرى من أناتِنَا

ولو زَبنَتْه الحربُ لم يَترمرم (١)

وقِصَّةٌ عَجَب. وأعجبَنى هذا الشَّىء ، وقد أُعجِبْت به. وشىءٌ مُعْجِبٌ ، إذا كان حسَناً جِدَّا.

والأصل الآخر العَجْب (٢) ، وهو من كلِّ دابة ما ضُمَّتْ عليه الورِكان من أصل الذّنَب المغروز فى مُؤَخَّر العَجُز. وعُجُوب الكُثْبان سمِّيت عُجوباً تشبيهاً بذلك ، وذلك أنّها أواخِر الكُثْبان المستدِقَّة. قال لبيد :

بعُجوب أنقاءِ يَميلُ هَيَامُها (٣)

وناقَةٌ عَجْباء : بيِّنة العَجَب والعُجْبة (٤) ، وشدَّ ما عَجِبَت ، وذلك إذا دقَّ أعلى مؤخَّرها وأشرفت جاعرتاها ؛ وهى خِلْقةٌ قبيحة.

__________________

(١) ديوان أوس بن حجر ٢٧ واللسان (عجب ، رمم). وقد سبق فى (رم).

(٢) ضبط فى القاموس بفتح العين ، وفى اللسان بفتحها وضمها.

(٣) من معلقته المشهورة. وصدره :

بجتاب أصلا قالصا متنبذا

(٤) لم ترد هذه الكلمة فى المعاجم المتداولة.

٢٤٤

باب العين والدال وما يثلثهما

عدر العين والدال والراء ليس بشىء. وقد ذُكرت فيه كلمة. قالوا : العدْر (١) : المطر الكثير.

عدس العين والدال والسين ليس فيه من اللّغة شىء ، لكنّهم يسمُّون الحبَّ المعروفَ عَدَساً. ويقولون : عَدَس ، زجرٌ للبغال. قال :

عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليك إمارةٌ

نَجوتِ وهذا تحملينَ طليقُ (٢)

وقوله :

إذا حَمَلْتُ بِزَّتى على عَدَسْ (٣)

فإنّه يريد البغلة ، سمَّاها «عَدَسْ» بزَجْرها.

عدف العين والدال والفاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على قِلّةٍ أو يسيرٍ من كثير. من ذلك العَدْف والعَدُوف ، وهو اليسير من العَلَف. يقال : ما ذاقت الخيل عَدُوفا. قال :

ومُجَنَّباتٍ ما يَذُقْنَ عَدوفاً

يَقذِفن بالمُهَرات والأمهارِ (٤)

والعَدْف : النَّوال القليل. يقال : أصبنا من ماله عَدْفا.

__________________

(١) بفتح العين وضمها كما فى اللسان. وضبط فى الأصل والمجمل بالفتح فقط.

(٢) ليزيد بن مفرغ ، كما فى اللسان (عدس) والخزانة (٢ : ٥١٤).

(٣) الرجز فى اللسان (عدس) والمخصص (٦ : ١٨٣). وقد سبق فى (طفو).

(٤) للربيع بن زياد العبسى ، يحرض قومه فى طلب دم مالك بن زهير العبسى. وينسب أيضاً لقيس بن زهير. اللسان (مهر ، عدف). وانظر إصلاح المنطق ٤٣٢.

٢٤٥

ومن الباب العِدْفة ، وهى كالصَّنِفَة من الثَّوب. وأمَّا قول الطرِمَّاح :

حَمّالُ أثقالِ دِيات الثَّأى

عن عِدَف الأصل وكُرَّامِها (١)

قالوا : العِدَف : القليل (٢).

عدق العين والدال والقاف ليس بشىء. وذكروا أنّ حديدة ذاتَ شُعَبٍ يُستخرج بها الدَّلو من البئر يقال لها : عَوْدَقة. وحكَوا : عَدَق بِظَنِّه ، مثل رَجَم. وما أحسب لذلك شاهداً من شعرٍ صحيح.

عدك العين والدال والكاف ليس بشىء ، إلّا كلمةً من هَنَواتِ ابن دُرَيد ، قال : العَدْك : ضرب الصُّوف بالمِطْرَقة (٣).

عدل العين والدال واللام أصلان صحيحان ، لكنَّهما متقابلان كالمتضادَّين : أحدُهما يدلُّ على استواء ، والآخر يدلُّ على اعوجاج.

فالأول العَدْل من النَّاس : المرضىّ المستوِى الطّريقة. يقال : هذا عَدْلٌ ، وهما عَدْلٌ. قال زهير :

متى يَشْتجرْ قومٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ

هُم بيننا فهمْ رِضاً وهُمُ عدلُ (٤)

وتقول : هما عَدْلانِ أيضاً ، وهم عُدولٌ ، وإنّ فلاناً لعَدْلٌ بيِّن العَدْل والعُدُولة (٥). والعَدْل : الحكم بالاستواء. ويقال للشَّىء يساوى الشىء : هو

__________________

(١) ديوان الطرماح ١٦٣ واللسان (عدف).

(٢) فى شرح الديوان : «يعنى يزيد بن المهلب. وعدفة كل شىء : أصله الذاهب فى الأرض».

(٣) نص ابن دريد (٢ : ٢٨): «والعدك لغة يمانية زعموا ، وهو ضرب الصوف بالمطرقة».

(٤) ديوان زهير ١٠٧.

(٥) والعدالة أيضاً. والعدولة لم ترد فى اللسان ووردت فى القاموس.

٢٤٦

عِدْلُه. وعَدلْتُ بفلانٍ فلاناً ، وهو يُعادِله. والمُشْرِك يَعدِل بربّه ، تعالى عن قولهم عُلُوًّا كبيراً ، كأنه يسوِّى به غيره.

ومن الباب : العِدْلان : حِمْلا الدَّابّة ، سمِّيا بذلك لتساويهما. والعَديل : الذى يعادلك فى المَحْمِل. والعَدْل : قِيمة الشىء وفِدَاؤُه. قال الله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ)، أى فِدْية. وكلُّ ذلك من المعادَلة ، وهى المساواة.

والعَدْل : نقيض الجَوْر ، تقول : عَدَل فى رعيته. ويومٌ معتدل ، إذا تساوَى حالا حرِّه وبَرْدِه ، وكذلك فى الشىء المأكول. ويقال : عدَلْتُه حتى اعتدل ، أى أقمته* حتى استقامَ واستوَى. قال :

صَبَحْتَ بها القوم حتى امْتَسَكْ

تَ بالأرض تَعْدِلُها أن تميلا (١)

ومن الباب : المعتدِلة من النُّوق ، وهى الحسنة المتَّفقة الأعضاء. فأمَّا قولهم لِضَرْبٍ من السُّفن : عَدَوْلِيَّة ، فقد يجوز أن يكون من القِياس الذى قِسْناه ، لأنها لا تكون إلّا مستويةً معتدِلة. على أنَّ الخليلَ زَعَم أنّها منسوبة إلى موضعٍ يقال له عَدَوْلَى. قال طرفة :

عَدَوْليَّةٍ أو من سفين ابنِ يامِنٍ

يجورُ بها الملَّاحُ طوراً ويهتدِى (٢)

فأمّا الأصل الآخَر فيقال فى الاعوجاج : عَدَل. وانعدَلَ ، أى انعَرَج. وقال ذو الرُّمَّة:

وإنِّى لأُنْحِى الطَّرفَ من نحوِ غيرها

حياءً ولو طاوعتُه لم يُعادِل (٣)

__________________

(١) فى اللسان : «أعدلها أن تميلا».

(٢) من معلقته المشهورة.

(٣) ديوان ذى الرمة ٤٩٣. والشاهد فيه أن : «لم يعادل» بمعنى لم ينعدل.

٢٤٧

عدم العين والدال والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على فِقْدَان الشىء وذَهابه. من ذلك العَدَم. وعَدِم فلانٌ الشَّىءَ ، إذا فقده. وأعْدمه الله تعالى كذا ، أى أفاتَه. والعديم : الذى لا مالَ له ؛ ويجوز جمعُه على العُدَماء ، كما يقال فقير وفُقَراء. وأعْدَمَ الرّجلُ : صار ذا عدمٍ(١). وقال فى العديم :

وعَدِيمُنا متعففٌ متكرِّمٌ

وعلى الغنىِّ ضَمانُ حقِ المُعْدِمِ

وقال فى العدم حسّانُ بن ثابت :

رُبَّ حِلمٍ أضاعه عَدَم الما

لِ وجهلٍ غطّى عليه النّعيمُ (٢)

عدن العين والدال والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على الإقامة. قال الخليل : العَدْن : إقامة الإبل فى الحَمْض خاصّة. تقول : عَدَنَت الإبل تَعْدِن عَدْناً. والأصل الذى ذكره الخليل هو أصلُ الباب ، ثمَّ قيس به كلُّ مُقام ، فقيل جنةُ عَدْنٍ ، أى إقامة. ومن الباب المعدِنُ : مَعدن الجواهر. ويقيسون على ذلك فيقولون : هو مَعدن الخَير والكَرَم. وأمّا العِدَان والعَدان فساحِلُ البحر. ويجوز أن يكون من القياس الذى ذكرناه ، وليس ببعيد. وقال لبيد :

ولقد يعلم صَحبى كلُّهم

بِعَدَانِ السَّيفِ صبرى ونَقَلْ (٣)

وعَدَنُ : بلد.

__________________

(١) يقال بفتحتين وضمتين ، وضمة.

(٢) ديوان حسان ٣٧٨ والبيان (٢ : ٣٢٥ / ٤ : ٥٨).

(٣) ديوان لبيد ١٤ طبع ١٨٨١ واللسان (عدن ، سيف ، نقل) وإصلاح المنطق ٦٠ والمخصص (٢ : ١٢٩). وفى اللسان (سيف) أن السيف : موضع. وفى (عدن) أن شمرا رواه بفتح العين ، ورواية أبى الهيثم بكسرها.

٢٤٨

عدو العين والدال والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يرجع إليه الفروعَ كأنّها ، وهو يدلُّ على تجاوُزِ فى الشىء وتقدُّمٍ لما ينبغى أن يقتصر عليه. من ذلك العَدّو ، وهو الحُضْر. تقول : عدا يعدو عَدْواً ، وهو عادٍ. قال الخليل : والعُدُوُّ مضموم مثقّل ، وهما لغتان : إحداهما عَدْو كقولك غَزْو ، والأُخرى عُدُوّ كقولك حُضور وقُعود. قال الخليل : التعدِّى : تجاوز ما ينبغى أن يُقْتَصَر عليه. وتقرأ هذه الآية على وجهين : (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) وعدوّا (١). والعادى : الذى يعدو على الناس ظُلْماً وعُدواناً. وفلانٌ يعدو أمرَكَ ، وما عَدَا أنْ صَنَع كذا. ويقال من عَدْوِ الفرس : عَدَوَانٌ ، أى جيِّد العَدْوِ وكثيرُه. وذئب عَدَوَانٌ : يعدُو على الناس. قال :

تَذْكُرُ إذ أنت شديدُ القَفْزِ (٢)

نَهْدُ القُصَيْرَى عَدَوانُ الجَمْزِ (٣)

وتقول : ما رأيت أحداً ما عدا زَيْداً. قال الخليل : أى ما جاوَزَ زيداً. ويقال : عدا فلانٌ طَورَه. ومنه العُدْوانُ ، قال : وكذلك العَدَاء ، والاعتداء ، والتعدِّى. وقال أبو نُخَيلة :

ما زال يَعدُو طَورَه العبدُ الرَّدِى

ويعتدى ويعتدى ويعتدى

قال : والعُدْوان : الظلم الصُّراح (٤). والاعتداء مشتقُّ من العُدْوَان. فأمَّا

__________________

(١) هذه قراءة يعقوب والحسن. وقراءة الجمهور : (عَدْواً) بفتح العين وسكون الدال.

إتحاف فضلاء البشر ٢١٥.

(٢) فى الأصل : «الفقر» ، وصوابه من اللسان (عدا).

(٣) بعده فى اللسان :

وأنت تعدو بخروف؟

(٤) فى الأصل : «التراح» ، صوابه فى المجمل.

٢٤٩

العَدْوَى فقال الخليل : هو طلبك إلى والٍ أو قاضٍ أن يُعدِيَك على مَن ظَلَمك أى يَنقِم (١) منه باعتدائه عليك. والعَدْوَى ما يقال إنّه يُعدِى ، من جَرَبٍ أو داء (٢). وفى الحديث : «لا عَدْوَى ولا يُعدِى شىءٌ شيئا». والعُدَواء كذلك (٣). وهذا قياسٌ ، أى إذا كان به داءٌ لم يتجاوزْه إليك. والعَدْوَة : عَدوَة اللّصّ وعدوة المُغِير. يقال عدا عليه فأخَذَ مالَه ، وعدا عليه بسيفه : ضَرَبه لا يريد به عدواً على رجليه ، لكن هو من الظُّلم. وأما قوله :

وعادت عَوادٍ بيننا وخُطُوب (٤)

فإنّه يريد أنّها تجاوَزَتْ حتَّى شغلت. ويقال : * كُفَّ عنا عادِيَتَك. والعادية : شُغل من أشغال الدَّهر يَعدُوك عن أمرك ، أى يَشغلُك. والعَدَاء : الشُّغْل. قال زُهير :

فصَرَّمْ حَبلَها إذْ صرَّمتهُ

وعَادَك أن تلاقِيَها عَداء (٥)

فأمَّا العِدَاء فهو أن يُعادِىَ الفرسُ أو الكلبُ [أو] الصَّيّادُ بين صيدين (٦) ، يَصرع أحدَهما على إثر الآخر. قال امرؤ القيس :

__________________

(١) فى الأصل : «ينقسم».

(٢) فى الأصل : «أوداب».

(٣) انفرد بذكر هذه اللغة لهذا المعنى. وليس فى سائر المعاجم إلا فرس ذو عدواء ، إذا لم يكن ذا طمأنينة وسهولة. ومكان ذو عدواء ، أى ليس بمطمئن. وعدواء الشوق : ما برح بصاحبه. والعدواء أيضاً : إناخة قليلة. والعدواء كذلك : بعد الدار.

(٤) عجز بيت لعلقمة الفحل فى ديوانه ١٣١ والمفضليات ١٩١. وصدره :

يكلفني ليلى وقد خط وفيها

وفى الأصل : «عدت عواد» ، تحريف.

(٥) الديوان ٦٢. وفى اللسان بعد إنشاده : «قالوا : معنى عادك عداك ، فقلبه».

(٦) فى المجمل : «أن يعادى الفرس أو الصائد بين الصيدين».

٢٥٠

فعادَى عِداءً بين ثَورٍ ونعجة

وبين شَبوبٍ كالقضيمة قَرْهبِ (١)

فإن ذلك مشتقٌّ من العَدْو أيضاً ، كأنّه عَدَا على هذا وعدا على الآخَر.

وربما قالوا : عَدَاءٌ ، بنصب العين. وهو الطَّلَق الواحد. قال :

يَصْرع الخَمْسَ عَدَاءً فى طَلَق (٢)

والعَدَاء : طَوَار كلِّ شىءٍ ، انقاد معه من عَرضه أو طُوله. يقولون : لزِمتُ عَدَاء النَّهر ، وهذا طريقٌ يأخُذ عَداءَ الجَبَل. وقد يقال العُدْوة فى معنى العَداءِ ، وربما طُرحت الهاء فيقال عِدْوٌ ، ويُجمَع فيقال : أعداء النّهر ، وأعداء الطريق. قال : والتَّعداء : التَّفعال. وربما سمّوا المَنْقَلة (٣) العُدَواء. وقال ذو الرمة :

هامَ الفؤادُ بذكراها وخامَرَهُ

منها على عُدَواء[الدَّارِ] تَسقيمُ (٤)

قال الخليل : والعِنْدأْوة : التواء وعَسَر قال الخليل : وهو من العَدَاء. وتقول : عَدَّى [عن الأمر] يعدِّى تعديةً ، أى جاوزَه إلى غيره. وعدّيت عنِّى الهَمَّ ، أى نحّيته عنِّى. وعدِّ عنِّى إلى غيرى. وعَدِّ عن هذا الأمر ، أى تجاوَزْه وخُذ فى غيره. قال النابغة :

فعدِّ عمّا ترى إذْ لا ارتجاعَ له

وانم القُتود على عَيرانةٍ أُجُدِ (٥)

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٨٦ واللسان (عدا).

(٢) أنشده فى اللسان (عدا ٢٥٧).

(٣) المنقلة : الأرض فيها حجارة تنقلها قوائم الدواب من موضع إلى موضع. وفى الأصل «المشغلة» ، تحريف. وفسر «العدواء» فى المجمل بأنها بعد الدار.

(٤) ديوان ذى الرمة ٥٧٠ واللسان (سقم). وعجزه فى المجمل (عدا) واللسان (عدا ٢٦١). وكلمة «الدار» ساقطة من الأصل وإثباتها من المراجع السالفة الذكر.

(٥) ديوان النابغة ١٧ واللسان (نمى).

٢٥١

وتقول : تعدّيت المفازةَ ، أى تجاوزتُها إلى غيرها. وعَدَّيت النّاقةَ أُعدِّيها. قال :

ولقد عَدَّيْتَ دَوْسَرَةً

كعَلَاة القَيْنِ مِذكارا (١)

ومن الباب : العدُوّ ، وهو مشتقٌّ من الذى قدّمْنا ذِكره ، يقال للواحد والاثنين والجمعِ : عدوّ. قال الله تعالى فى قِصّة إبراهيم : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ). والعِدَى والعُدَى والعادِى (٢) والعُدَاة. وأمّا العُدَواء فالأرض اليابسة الصلبة ، وإنَّما سمِّيت بذلك لأنّ مَن سكنها تعدّاها. قال الخليل : وربَّما جاءت فى جوف البئر إذا حفرت ، وربَّما كانت حجراً حتَّى يَحِيدوا عنها بعضَ الحَيْد. وقال العجّاج فى وصف الثَّور وحَفْره الكِنَاس ، يصفُ أنّه انتهى إلى عُدَوَاءَ صُلبةٍ فلم يُطِقْ حَفْرَها فاحرَوْرَف عنها :

وإن أصابَ عُدَوَاءَ احْرَورفا

عنها ووَلَّاها الظُّلوف الظُّلَّفا (٣)

والعُدْوة : صَلابةٌ من شاطىء الواد. ويقال عُدْوة ، لأنّها تُعادِى النّهر مثلا ، أى كأنّهما اثنان يتعاديَانِ. قال الخليل : والعَدَويّة من نبات الصَّيف بعد ذَهاب الرَّبيع ، يخضرُّ فترعاه الإبل. تقول : أصابت الإبل عَدَويَّه ، وزنه فَعَليّة.

عدب العين والدال والباء زعم الخليل أنَّه مهمل ، ولعلّه لم يبلغْه فيه شىء. فأمّا البناء فصحيح. والعَدَاب : مسترِقٌّ من الرَّمل. قال ابن أحمر :

__________________

(١) البيت لعدى بن زيد ، كما سبق فى (ذكر) ، وكما فى اللسان (دسر).

(٢) فى الأصل : «والعدى».

(٣) البيتان فى ملحقات ديوان العجاج ٨٣. وأنشدهما فى اللسان (عدا ، حرف ، ظلف).

٢٥٢

كثَور العَدَاب الفَرْدِ يَضْرِبُه الندى

تَعلَّى النَّدى فى مَتْنِهِ وتحدّرا (١)

والله أعلم.

باب العين والذال وما يثلثهما

عذر العين والذال والراء بناءٌ صحيح له فروعٌ كثيرة ، ما جعَلَ الله تعالى فيه وجهَ قياسٍ بَتَّةً ، بل كلُّ كلمةٍ منها على نَحوِها وجِهَتها مفردة. فالعُذْر معروف ، وهو رَوْم الإنسان إصلاحَ ما أُنكِرَ عليه بكلام. يُقال منه : عَذَرْتُه فأنا أعْذِرُه عَذْراً ، والاسم العُذْر. وتقول : عَذَرْتُه من فلان ، أى لُمْتُه (٢) ولم ألُم هذا. يُقال : مَن عذيرى من فلان ، ومَن يَعذِرنى منه. قال :

أريد حِبَاءه ويُريدُ قَتْلى

عَذيرَكَ من خليلكَ من مُرادِ (٣)

ويقال إنّ عَذِير الرّجل : ما يروم ويُحاوِل ممّا يُعذَر عليه إذا فَعَله. قال

__________________

(١) أنشده فى اللسان (عدب) ، وهو فى المجمل (عدب) بدون نسبة.

(٢) فى الأصل : «أى لمت منه».

(٣) البيت لعمرو بن معديكرب ، يقوله فى قيس بن مكشوح المرادى ، كما فى الكامل ٥٥٠ ليبسك والأغانى (٩ : ١٢). وبعده :

ولو لاقياني ومعي سلاحي

تكشف شحم للبك من سواء

وتروى الأبيات التى منها هذا البيت لدريد بن الصمة فى الأغانى. وانظر الأغانى (١١ : ٣٢). وكان على إذا نظر إلى ابن ملجم يتمثل بهذا البيت ، كما فى الأغانى والكامل وأمثال الميدانى. وأنشد عجزه فى اللسان (عذر ٢٢٢).

٢٥٣

الخليل : وكان العجّاجُ يرمُّ رَحْلَه (١) لسفرٍ أرادَه ، فقالت امرأتُه : ما [هذا] الذى ترُمُ (٢)؟ فقال :

جارِىَ لا تستنكرى عَذِيرى (٣)

يريد : لا تُنكرِى ما أحاول. ثم فَسَّر فى بيتٍ آخر فقال :

سيرى وإشفاقى على بعيرى (٤)

وتقول : اعتذر يَعتذِر اعتذاراً وعِذْرة من ذنبه فعذرْتُه. والمَعذِرة الاسم. قال الله سبحانه : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ)(٥). وأعذَر فلانٌ ، إذا أبْلَى عُذْراً فلم يُلَمْ. ومن هذا الباب قولهم : عذَّر الرّجلُ تعذيراً ، إذا لم يبالِغْ فى الأمر وهو يريكَ أنّه مبالغٌ فيه. وفى القرآن: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ (مِنَ الْأَعْرابِ) ويقرأ : المُعْذِرُون (٦). قال أهل العربيّة : المُعْذِرون بالتخفيف هم الذين لهم العُذْر ؛ والْمُعَذِّرُونَ : الذين لا عُذْرَ لهم ولكنَّهم يتكلَّفون عُذرا. وقولهم للمقصِّر فى الأمر : مُعَذِّر ، وهو عندنا من العُذْر أيضاً ، لأنّه يقصِّر فى الأمر مُعوِّلا على العُذْر الذى لا يريد يتكلف (٧).

__________________

(١) فى الأصل : «يروم رحلة» ، صوابه مقتبس من اللسان ، ففيه : «فكان يرم رحل ناقته لسفره» ، أى يصلحه.

(٢) فى الأصل : «تروم» ، صوابه والتكملة التى قبله من اللسان (عذر).

(٣) ديوان العجاج ٢٦ ، وهو مطلع أرجوزة له. وأنشده كذلك فى المجمل واللسان (عذر).

(٤) فى الديوان : «سعي وإشقاقى» ، وقد نبه عليها فى اللسان.

(٥) (مَعْذِرَةً) بالنصب ، قراءة حفص ، نصب على المفعول من أجله ، أو على المصدر ، أو على المفعول به لأن المعذرة تتضمن كلاما ، وحينئذ تنصب بالقول ، كقلت خطبة. وقد وافقه فى هذه القراءة اليزيدى مخالفاً أبا عمرو. وباقى القراء على الرفع على الخبرية ، أى هذه معذرة ، أو موعظتنا معذرة. إتحاف فضلاء البشر ٢٣٢.

(٦) هذه قراءة يعقوب ، ووافقه الشنبوذى. والباقون بفتح العين وتشديد الذال المكسورة. إتحاف فضلاء البشر ٢٤٤.

(٧) كذا وردت هذه العبارة.

٢٥٤

وباب آخَر لا يشبه الذى قبلَه ، يقولون : تعذَّر الأمرُ ، إذا لم يَستقِم. قال امرؤُ القيس :

ويوماً على ظَهرِ الكَثيب تعَذَّرتْ

عَلَىَّ وآلت حَلْفةً لم تَحَلَّلِ (١)

وبابٌ آخَر لا يشبه الذى قبلَه : العذار : عِذار اللِّجام. قال : وما كان على الخَدَّين من كىٍّ أو كدحٍ طُولاً فهو عذار. تقول من العِذَار : عَذَرْتُ الفرس فأنا أعذُرُه عَذْراً بالعِذار ، فى معنى ألجمته. وأعْذَرتُ اللِّجام ، أى جعلت له عِذاراً. ثم يستعيرون هذا فيقولون للمنهمِك فى غَيِّه : «خَلَعَ العِذار». ويقال من العِذار : عَذّرْتُ الفرسَ تعذيراً أيضاً.

وبابٌ آخرُ لا يشبه الذى قبلَه : العِذَار (٢) ، وهو طعامٌ يدعى إليه لحادثِ سُرُور. يقال منه : أعذروا إعذاراً. قال :

كلِّ الطَّعامِ تشتهى ربيعَهْ

الخُرْسَ والإعذارَ والنقيعهْ (٣)

ويقال بل هو طعامُ الخِتان خاصّة. يقال عُذِر الغُلامُ ، إذا خُتِنَ. وفلانٌ وفلانٌ عذارُ عامٍ واحد (٤).

وباب آخر لا يشبه الذى قبله : العَذَوَّر ، قال الخليل : هو الواسع الجَوف الشديد العِضاض (٥). قال الشاعر يصف الملْكَ أنه واسعٌ عريض :

__________________

(١) البيت من معلقته المشهورة.

(٢) ويقال له أيضاً «إعذار» و «عذير» و «عذيرة».

(٣) الرجز فى اللسان (خرس ، عذر ، نقع).

(٤) فى اللسان : «وفى الحديث : كنا إعذار عام واحد ، أى ختنا فى عام واحد. وكانوا يختتنون لسن معلومة فيما بين عشر سنين وخمس عشرة».

(٥) هذا من صفة الحمار ، كما فى اللسان وكما سيأتى. وفى المجمل : «وحمار عذور : واسع الجوف».

٢٥٥

وحازَ لنا الله النُّبوّةَ والهدى

فأعطى به عزَّا ومُلكا عَذَوَّرَا

ومما يشبه هذا قول القائل يمدح (١) :

إذا نزلَ الأضيافُ كان عذَوَّراً

على الحىِّ حتى تَستقِلَّ مَرَاجِلُه (١)

قالوا : أراد سيئَ الخلق حَتَّى تُنصَب القُدور. وهو شبيه بالذى قاله الخليل فى وصف الحمار الشديد العضاض.

وبابٌ آخَر لا يشبه الذى قبله : العُذْرة : عُذْرَة الجارية العذراء ، جاريةٌ عذراءُ : لم يَمسَّها رجل. وهذا مناسبٌ لما مضى ذكرُه فى عُذْرة الغلام.

وبابٌ آخر لا يشبه الذى قبله : العُذرة : وجعٌ يأخذ فى الحَلْقِ. يقال منه : عُذِر فهو معذور. قال جرير :

غمزَ ابن مُرَّةَ يا فرزدَقُ كَيْنَهَا

غَمْزَ الطبيبِ نَغانغ المعذورِ (٢)

وبابٌ آخر لا يشبه الذى قبله : العُذْرة : نجمٌ إذا طلع اشتدَّ الحر ، يقولون : «إذا طلعَتِ العُذْرة ، لم يبق بعُمان بُسْرَة».

وباب آخر لا يشبه الذى قبله : العُذْرة : خُصلةٌ من شعر ، والخُصلة من عُرف الفَرَس. وناصيتُه عُذرة. وقال :

سَبِط العُذَرةِ ميّاح الحُضُرْ

__________________

(١) الحق أن الشعر رثاء ، والقائل هو زينب بنت الطثرية ترثى أخاها يزيد ، من مقطوعة فى الحماسة (١ : ٤٣٢ ـ ٤٣٣) وحماسة البحترى ٤٣٣. وأنشد البيت فى المجمل واللسان (عذر).

(١) الحق أن الشعر رثاء ، والقائل هو زينب بنت الطثرية ترثى أخاها يزيد ، من مقطوعة فى الحماسة (١ : ٤٣٢ ـ ٤٣٣) وحماسة البحترى ٤٣٣. وأنشد البيت فى المجمل واللسان (عذر).

(٢) سبق إنشاده وتخريجه فى (دغر). وابن مرة هذا هو عمران بن مرة المنقرى ، وكان أسر «جعثن» أخت الفرزدق يوم السيدان ، وفى ذلك يقول جرير أيضاً (انظر اللسان كين) :

يفرج عمران بن مرة كينها

وينزو نزاه العبر أعلق حائله

٢٥٦

وبابٌ آخر لا يشبه الذى قبلة : العَذِرة : فِناء الدّار. وفى الحديث : «اليهودُ أنتَنُ خَلْقِ الله عَذِرَة». أى فِناءً. ثم سمِّى الحَدَثُ عَذِرة لأنَّه كان يُلقَى بأفنية الدُّور.

عذق العين والذال والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على امتدادٍ فى شىء وتعلق شىء بشىء. من ذلك العِذْق عِذْق النَّخلة ، وهو شمراخ من شماريخها. والعَذْق : النخلة ، بفتح العين. وذلك كله من الأشياء المتعلِّقة بعضُها ببعض. قال :

ويُلْوِى بريَّان العَسِيب* كأنه

عَثَاكِيل عَذْقٍ من سُمَيْحَة مُرطب (١)

قال الخليل : العِذْق من كلِّ شىء : الغُصْن ذو الشُّعَب.

ومن الباب : عُذِقَ الرّجُل ، إذا وُسمَ بعلامةٍ يُعرَف بها. وهذا صحيح ، وإنما هذا من قولهم : عَذَقَ شاتَهُ يَعْذُقُهَا عَذْقاً ، إذا علَّقَ عليها صوفةً تخالفُ لونَها.

وممّا جرى مجرى الاستعارة والتمثيل قولهم : «فى بنى فلانٍ عِذْقٌ كَهْلٌ» إذا كان فيهم عِزُّ ومَنْعَة. قال ابن مُقْبِل :

وفى غَطَفَانَ عِذْقُ صِدقٍ ممنَّعٌ

على رغم أقوامٍ من النّاس يانعُ (٢)

عذل العين والذال واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على حَرٍّ (٣) وشِدَّةٍ فيه ، ثم يقاس عليه ما يقاربه. من ذلك اعتذَل الحرُّ : اشتدّ. قال أبو عبيد : أيّام مُعتذلات : شديداتُ الحرارة.

__________________

(١) لامرئ القيس فى ديوانه ٨٣ برواية : «وأسحم ريان العسيب». سميحة : بئر بالمدينة.

(٢) فى اللسان (عذق): «عذق عز».

(٣) فى الأصل : «حرارة».

٢٥٧

ومما قيس على هذا قولهم : عَذَل فلانٌ فلاناً عَذْلاً ، والعَذَل الاسم. ورجلٌ عذّالٌ وامرأةٌ عذَّالة ، إذا كثر ذلك منهما. والعُذَّال الرِّجال ، والعُذّل النِّساء. وسمِّىَ هذا عَذْلاً لما فيه من شدّة ومَسِّ لَذْع. قال :

غَدَتْ عَذَّالتَاىَ فقلتُ مهلاً

أفى وجدٍ بسَلمى تَعذُلانِى (١)

عذم العين والذال والميم أُصيلٌ صحيح يدل على عَضٍّ وشِبهه. قال الخليل : أصل العَذمِ العضّ ، ثم يقال : عَذَمَهُ بلسانه يَعْذِمُه عَذْماً ، إذا أخذه بلسانه. والعَذيمة : الملامة. قال الراجز :

يَظَلُّ مَن جارَاه فى عذائمِ

من عنفوانِ جريِهِ العُفاهِمِ (٢)

أى مَلَامَات. وفرسٌ عَدوم. فأما العَذَمْذَم فإن الخليل ذكره فى هذا الباب بغين معجمة ، وقال غيره : بل هو غَذَمْذَم بالغين. قال الخليل : وهو الجُرَاف : يقال : مَوت غَذَمْذَم : جُراف لا يُبقى شيئاً. قال :

ثِقالُ الجفانِ والحلومِ رحاهُم

رَحَى الماء يكتالون كَيْلاً عَذَمذَما (٣)

عذى العين والذال والحرف المعتل أُصيل صحيح يدلُ على طِيبِ تُربة. قال الخليل وغيره : العَذَاةُ : الأرض الطيِّبة التربة ، الكريمة المَنبِت. قال :

بأرضٍ هِجانِ التُّرْب وسمَّية الثَّرَى

عَذَاةٍ نأت عنها المُؤُوجة والبحرُ (٤)

__________________

(١) أنشده فى اللسان (عذل).

(٢) الرجز فى اللسان (عذم ، عفهم). وقد نسبه فى (عفهم) إلى غيلان والبيت الأول فى المخصص (١٢ : ١٧٥).

(٣) البيت لشقران مولى سلامان ، كما فى اللسان (غذم) من مقطوعة اختارها أبو تمام فى الحماسة (٢ : ٢٧٤).

(٤) ديوان ذى الرمة ٢١١ واللسان (عذا ، مأج). ورواية الديوان والمجمل والموضع الأول من اللسان : «الملوحة».

٢٥٨

قال : والعِذْىُ : الموضع يُنبِت شتاءً وصيفا من غير نَبع. ويقال : هو الزرع لا يُسقَى إلّا من ماء المطر ، لبُعده من المياه. قالوا : ويقال لها العَذا ، الواحدة عَذاةٌ. وأنشدوا :

بأرضٍ عَذاةٍ حَبَّذا ضَحَواتُها

وأطيبُ منها ليلُه وأصائله

عذب العين والذال والباء أصلٌ صحيح ، لكنّ كلماتِه لا تكاد تنقاس ، ولا يمكن جمعُها إلى شىء واحد. فهو كالذى ذكرناه آنفاً فى باب العين والذال والرّاء. وهذا يدلُّ على أنّ اللُّغة كلِّها ليست قياساً ، لكنْ جُلُّها ومعظمُها.

فمن الباب : عَذُبَ الماء يَعْذُبُ عُذُوبَةً ، فهو عَذْبٌ : طيّب. وأعذَبَ القومُ ، إذا عذُب ماؤهم. واستعذبوا ، إذا استقَوا وشَرِبوا عَذْباً.

وبابٌ آخر لا يُشبِه الذى قبلَه ، يقال : عَذَب الحمار يَعْذِب عَذْباً وعُذوبا فهو عاذبٌ [و] عَذُوب : لا يَأكل من شدّة العطش. ويقال : أعذَبَ عن الشَّىء ، إذا لَهَا عنه وتركَه. وفى الحديث : «أعْذِبوا عن ذِكْر النِّساء». قال :

وتبدَّلوا اليعبوبَ بعد إلههم

صَنَماً ففِرّوا يا جَديَل وأعذِبُوا (١)

ويقال للفرس وغيرِه عَذوبٌ ، إذا بات لا يأكل شيئاً ولا يشرب ، لأنّه ممتنع من ذلك.

وبابٌ آخَر لا يشبه الذى قبله : العَذُوب : الذى ليس بينه وبين السّماء سِتر ، وكذلك العاذب. قال نابغةُ الجعدىُ (٢) :

__________________

(١) البيت لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ١٢ والحيوان (٣ : ١٠٠) والخزانة (٣ : ٢٤٦).

(٢) حذف أل فى مثله جائز. وجاء فيه قول الشاعر ، وأنشده فى اللسان (نبغ) :

ونابغة الجعدى بالرمل بيته

؟صفيح من تراب موضع

٢٥٩

فباتَ عَذُوباً (١) للسَّماء كأنّه

سُهيلٌ إذا ما أفردَتهُ الكواكبُ

فأمّا قول الآخر :

بِتنَا عُذُوباً وباتَ البَقُّ يلْسِبُنا

عند النُّزول قِراناً نبْحُ دِرْواسِ (٢)

فممكن أن يكونَ أراد : ليس بيننا وبين السَّماء سِتر ، وممكنٌ أن يكون من الأول إذا باتُوا لا يأكلون ولا يَشرَبون.

وحكى الخليل : عذَّبتُه تعذيباً ، أى فَطَمتُه. وهذا من باب الامتناع مِن المأكل والمَشرَب.

وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذى قبله : العَذاب ، يقال منه : عذَّب تعذيباً. وناسٌ يقولون : أصل العَذاب الضَّرب. واحتجُّوا بقول زُهير :

وخَلْفَها سائقٌ يحدُو إذا خَشيت

منه العَذابَ تمدُّ الصُّلبَ والعُنُقا (٣)

قال : ثم استُعِير ذلك فى كلِّ شِدّة.

وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذى قبله ، يقال لطَرَف السَّوط عَذَبة ، والجمع عَذَب. قال :

غُضْفٌ مهرَّتَة الأشداقِ ضارية

مثلُ السَّراحين فى أعناقها العَذَبُ (٤)

والعَذَبة فى قضيب البعير : أسَلتُه. والعُذَيب : موضع.

__________________

(١) أنشده فى اللسان (عذب).

(٢) هذا إنشاد غريب ، ففى الحيوان (٢ : ٢٢) :

بلتا وبات جليد اليل يضربنا

بين البيوت قراا نبع درواس

وفى اللسان (لسب ، بقق ، شوى) :

بلنا عذوبا وبات البقى يلبسنا

نشوى القراح كأن لاحى بالوادؤ

ورواية اللسان (ندل) والتبريزى (١ : ٣٨٤): «عند الندول» ، بفتح النون بعدها دال وذكر أنه اسم رجل وصدره فيهما :بتناوبات سقبط العلل يضربنا.

(٣) ديوان زهير ٣٩.

(٤) ديوان ذى الرمة ٢٣ واللسان (عذب).

٢٦٠