ومن الباب عِمارة الأرض ، يقال عَمَرَ الناسُ الأرضَ عِمارةً ، وهم يَعْمُرُونها ، وهى عامرة معمورةٌ. وقولهم : عامرة ، محمولٌ على عَمَرَتِ الأرضُ ، والمعمورة من عُمِرت. والاسم والمصدر العُمْران. واستَعمر الله تعالى الناسَ فى الأرض ليعمرُوها. والباب كلُّه يؤول إلى هذا.
وأمّا الآخر فالعَوْمَرة : الصِّياح والجلَبة. ويقال : اعتَمَرَ الرّجُل ، إذا أهَلَّ بعُمرته ، وذلك رفْعُه صوتَه بالتَّلبية للعُمرة. فأمّا قول ابن أحمر :
يُهلُّ بالفَرقد رُكبانُها |
|
كما يُهلُّ الراكب المُعْتَمِرْ (١) |
فقال قوم : هو الذى ذكرناه من رَفْع الصَّوت عند الإهلال بالعمرة. وقال قوم : المعتمِر : المعتمّ. وأىُّ ذلك كان فهو من العلوِّ والارتفاع على ما ذكرنا.
قال أهلُ اللغة : والعَمَار : كلُّ شىءٍ جعلتَه على رأسك ، من عِمامةٍ ، أو قَلَنْسُوة أو إكليل أو تاجٍ ، أو غير ذلك ، كلُّه عَمار. قال الأعشى :
فلما أتانا بُعيدَ الكرَى |
|
سجَدْنا له ورفَعْنَا عَمارا (٢) |
وقال قوم : العَمار يكون من رَيحَان أيضاً. قال ابنُ السِّكِّيت : العَمَار : التَّحيَّة. يقال عمَّرك الله ، أى حيّاك. ويجوز أن يكون هذا لرفع الصوت. وممكن أن يكون الحىُّ العظيم يسمى عمارة لما يكون ذلك من جلبة وصياح. قال :
__________________
(١) البيت فى الحيوان (٢ : ٢٥) واللسان (ركب ، عمر ، هلل). وقد نسب فى هذه المواضع إلى ابن أحمر ، إلا فى مادة (هلل) من اللسان ، ففيها : «وقال الراجز» ، صواب هذه : «وقال ابن أحمر».
(٢) وكذا فى ديوان الأعشى ٣٩. وفى المجمل واللسان (عمر) وفقه اللغة ١٦ وجمهرة ابن دريد (٢ : ٣٨٧): «العمارا».
لكل أناسٍ من مَعَدّ عِمَارَةٌ |
|
غُرُوضٌ إليها يلجئون وجانبُ (١) |
ومما شذَّ عن هذين الأصلين : العَمْر : ضربٌ من النَّخل. وكان فلانٌ يستاك بعراجين العمْر. وربما قالوا العُمر (٢).
ومن هذا أيضاً العَمْر : ما بدا من اللِّثة ، وهى العُمور. ومنه اشتُق اسم عمرو.
عمس العين والميم والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على شدّة فى اشتباهٍ والتواء فى الأمر.
قال الخليل : العَماسُ : الحرب الشديدة. وكلُّ أمرٍ لا يُقام له ولا يُهتدَى لوجهه فهو عَماسٌ. ويوم عَمَاسٌ مِن أيَّام عُمُس. قال العجّاج :
ونَزلَوا بالسَّهل بعد الشَّأْس (٣) |
|
فى مرِّ أيَّامٍ مضَيْنَ عُمْسِ (٤) |
ولقد عَمِسَ يومُنا عَمَاسَةً وعُموسة. قال العجاج :
إذْ لَقِحَ اليومُ العَماسُ واقمطرّ (٥)
قال أبو عمرو : أتانا بأمور مُعَمَّسَاتٍ ومُعَمِّسَاتٍ ، أى ملتويات. ورجُلٌ عَمُوسٌ :
__________________
(١) البيت للأخنس بن شهاب التغلبى من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٣ ـ ٨). وأنشده فى اللسان (عمر ، عرض).
(٢) يقال بالفتح ، وبضمة ، وبضمتين. ويقال أيضاً : «العمرى ، بفتح العين.
(٣) وكذا فى اللسان (عمس). والصواب أنه بعد أبيات كثيرة تلى البيت التالى ، وبينهما ١٨ بيتا. والبيت الذى قبله هو :
ليوث هيجا لم ترم بأبس
(٤) فى اللسان (عمس) وملحقات ديوان العجاج ٨٧ : «ومر أيام». وسكن الميم للوزن.
(٥) فى الأصل : «إذا لقح» ، صوابه من ديوان العجاج ١٨.
يتعسَّف الأشياء كالجاهل بها. قال الخليل : تعامَسْتُ عن الشىء ، إذا أريت (١) كأنّك لا تعرفُه وأنت عالمٌ به وبمكانه. وتقول : اعمِسْه ، أى لا تبيِّنْه حتى يشتبه. ويقال : اعْمِس الأمر ، أى أَخْفِه. ومن الباب العَمَاس ، وهى الداهية. قال ابن الأعرابىّ : التَّعامُس : أن تركبَ رأسَك فتَغْشِم وتَغَطْرَس. قال المخبل :
تعامس حتَّى تحسب الناسُ أنّها
قال الفراء : عَمَس الخَبَرُ : أظلم. وأعْمَس الطّريقُ : التبس. وعَمِس (٢) الكتابُ : درس. قال المرّار :
فوقَفتَ تعترِف الصَّحيفةَ بعد ما |
|
عَمِس الكتابُ وقد يُرى لم يَعْمَسِ |
عمش العين والميم والشين كلمتانِ صحيحتان ، متباينتان جدًّا. فالأولى ضعفٌ فى البصر ، والأخرى صلاحٌ للجسم. فالأوّل العَمَش : ألَّا تزالُ العينُ تسيل دمعاً ، ولا يكاد الأعمش يُبصِر بها ، والمرأةُ عَمْشاء ، والفعل عَمِشَ يَعْمَشُ عَمَشا.
والكلمةُ الأخرى : العَمْش ، بسكون الميم : ما يكون فيه صلاحُ البدن. ويقولون : الخِتَانُ عَمْش الغُلام ؛ لأنّك ترى* فيه بعد ذلك زيادةً. وهذا طعام عَمْشٌ لك ، أى صالح مُوافق.
* * *
وأما العين والميم والصاد فليس فيه ما يصلح أن يذكر.
__________________
(١) فى الأصل : «رويت» صوابه من اللسان.
(٢) كذا ضبط فى الأصل بكسر الميم ، وهو ضبط ابن القطاع فى كتاب الأفعال (٣٧٣٠٢) ، ونبه عليه شارح القاموس. وضبط فى المجمل واللسان والقاموس بفتح الميم.
عمق العين والميم والقاف أصلٌ ذكره ابنُ الأعرابىّ ، قال : العُمْقُ إذا كان صفةً للطريق فهو البعد ، وإذا كان صفةً للبئر فهو طول جِرابِها. قال الخليل : بئرٌ عميقة ، إذا بعُد قعرُها وأعْمَقَها حافرُها. ويقولون ما أبعَدَ عماقَةَ هذه الرّكيّة (١) ، أى ما أبعدَ قعرها.
ومن الباب : تعمَّق الرّجلُ فى كلامه ، إذا تنطَّع. وذكر ابنُ الأعرابى عن بعضِ فُصحاء العرب : رأيت خَليقة فما رأيتُ أعمق منها. قال : والخليقة : البئر الحديثة الحفرِ.
والذى بَقى فى الباب بعد ما ذكرناه أسماء الأماكن ، أو نباتٌ. وقد قلنا : إنَّ ذلك لا يكاد يجىء على قياسٍ ، إلّا أنَّا نذكُره. فعَمْق : أرضٌ لمزينة. قال ساعدة :
[لمّا رأى عَمْقاً ورجَّع عُرضَه |
|
هَدْراً كما هدَر الفنيق المعصبُ (٢) |
والعِمْقى : موضع. قال أبو ذؤيب] :
لمّا ذكرتُ أخا العِمْقى تأوَّبَنى |
|
هَمٌّ وأفْرَدَ ظهرى الأغلبُ الشِّيحُ (٣) |
والعِمْقَى من النّبات مقصور. قال يونس : جملٌ عامق ، إذا كان يَرعى العِمْقَى. ويقال : أُعَامِقُ : اسمُ موضعٍ. قال الأخطل :
__________________
(١) العماقة ، ذكرت فى القاموس ولم تذكر فى اللسان.
(٢) ديوان الهذليين (١ : ١٧٣) ، واللسان (عمق) ، وإيراد هذا الشاهد ضرورى لصحة الكلام. وباقى التكملة بعده يقتضيها كذلك صحة الاستشهاد التالى. وقد استأنست فى رتق هذا الفتق بما ورد فى اللسان.
(٣) ديوان الهذليين (١ : ١٠٥) ، واللسان (عمق).
وقد كان منها منزلاً نستلذُّه |
|
أُعامِقُ بَرْقاواته فأجاوله (١) |
عمل العين والميم واللام أصلٌ واحدٌ صحيح ، وهو عامٌّ فى كلِّ فِعْلٍ يُفْعَل.
قال الخليل : عَمِل يَعْمَلُ عَمَلاً ، فهو عامل ؛ واعتمل الرّجل ، إذا عمِل بنفسه. قال :
إنّ الكريم وأبيكَ يَعتَمِلْ |
|
إن لم يَجِد يوماً على مَن يتَّكِلْ (٢) |
والعمالة (٣) : أجر ما عُمِل. والمعاملة : مصدرٌ من قولك عاملته ، وأنا أُعامِله معاملةً. والعَمَلَة : القوم يعملون بأيديهم ضُروباً من العمل ، حفراً ، أو طيَّا أو نحوه. ومن الباب : عامِلُ الرُّمحِ وعامِلتَهُ ، وهو ما دون الثَّعلب قليلاً مما يلى السِّنان ، وهو صدره. قال :
أطْعَن النَّجْلاءَ يَعوِى كَلْمُها |
|
عامِلُ الثَّعلبِ فيها مَرْجَحِنّ |
قال : والرّجل يعتمل لنفسِه ، ويعمل لقَومٍ ، ويستعمل غيره ، ويُعْمِل رأيَه أو كلامه أو رُمْحه. والبنّاء يستعمل اللّبِن ، إذا بنَى به. قال : واليَعْمَلة من الإبل : اسمٌ لها اشتُقَّ من العَمَل ، والجمع يَعْمَلات. ولا يقال ذلك إلّا للأُنثى ، وقد يجوز اليَعَامِل. قال ذو الرُّمّة (٤) أو غيرُه :
__________________
(١) البيت بدون نسبة فى المجمل واللسان (عمق). وهو فى ديوان الأخطل ٥٩. ورواية اللسان والمجمل : «كان منا» وفى الأصل : «منزل» ، صوابه فى المراجع المذكورة.
(٢) بعده كما فى اللسان (عمل) نقلا عن سيبويه (١ : ٤٤٣) :
فيكتسى من يعدها ويكتحل
(٣) هى مثلثة العين.
(٤) البيت التالى لم يرد فى ديوان ذى الرمة ، كما لم يرد فى ملحقاته.
واليَعْمَلات على الوجى |
|
يَقطعن بيداً بعد بيدِ |
والله أعلم.
[باب العين والنون وما يثلثهما (١)]
عنى العين والنون والحرف المعتل أصولٌ ثلاثة : الأوّل القَصْد للشىء بانكماشٍ فيه وحِرْصٍ عليه ، والثانى دالٌّ على خُضوع وذُلّ ، والثالث ظهورُ شىء وبروزُه.
فالأوّل منه (٢) عُنِيت بالأمر وبالحاجة. قال ابنُ الأعرابىّ : عَنِى بحاجتى وعُنِى ـ وغيره قال أيضاً ذلك. ويقال مثل ذلك : تعنّيت أيضاً ، كل ذلك يقال ـ عِنايةً وعُنِيًّا فأنا مَعْنىّ به وعَنٍ به. قال الأصمعىّ : لا يقال عَنِىَ. قال الفرّاء : رجل عانٍ بأمرى ، أى مَعْنِىّ به. وأنشد :
عانٍ بِقَصْوَاها طويلُ الشُّغْلِ |
|
له جَفيرانِ وأىُّ نَبْلِ (٣) |
ومن الباب : عَنانى هذا الأمر يَعنِينى عِنايةً ، وأنا معنِىٌ [به]. واعتنيت به وبأمره.
والأصل الثانى قولهم : عَنَا يَعنو ، إذا خَضَع. والأسيرُ عانٍ. قال أبو عمرو : أَعْنِ هذا الأسير (٤) ، أى دَعْه حتَّى ييبَس القِدّ عليه. قال زهير :
__________________
(١) موضع هذه التكملة بياض فى الأصل.
(٢) فى الأصل : «من».
(٣) الرجز فى المجمل واللسان (عنى).
(٤) فى الأصل : «هذا البعير» ، والكلام يقتضى ما أثبت ، وفى اللسان : «وإذ قلت أعنوه فعناه أبقوه فى الإسار».
ولو لا أن ينالَ أبا طَرِيفٍ |
|
إسارٌ من مَليكٍ أو عَنَاء (١) |
قال الخليل : العُنُوّ والعَناء : مصدرٌ للعانى. يقال عانٍ أقرَّ بالعُنُوّ ، وهو الأسير. والعانى : الخاضع المتذلِّل. قال الله تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ). وهى تَعنُو عُنوَّا. ويقال للأسير : عنا يعنو. قال :
ولا يقال طَوَالَ الدَّهر عانيها
وربَّما قالوا : أعْنُوه ، أى ألقوه فى الإسار. وكانت تلبية أهلِ اليمن فى الجاهلية هذا :
جاءت إليك عانيه |
|
عبادُك اليمانِيَهْ |
كيما تحجّ الثانيهْ |
|
على قِلاصٍ ناجِيَه |
ويقولون : العانى : العبد. والعانية : الأمَة. قال أبو عمرو : وأعنيته* إذا جعلتَه مملوكا. وهو عانٍ بَيِّن العَناء. والعَنوة : القَهر. يقال أخذناها عَنْوة ، أى قهراً بالسيف. ويقال: جئت إليك عانياً ، أى خاضعاً. ويقولون (٢) : العَنوة : الطاعة. قال :
هلَ أنتَ مُطيعِى |
|
أيُّها القلبُ عَنوةً |
والعناء معروف ؛ وهو من هذا. قال الشيبانىُّ : رُبَّتْ عَنْوةٍ لك من هذا الأمر ، أى عناء. قال القطامىّ :
ونَأتْ بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوةٍ |
|
لك من مواعدها التى لم تَصدُق (٣) |
__________________
(١) روايته فى الديوان ٧٨ :
أثام من مليك أو لحاء
(٢) فى الأصل : «ويقول».
(٣) ديوان القطامى ٣٥ ، واللسان (عنا).
قالوا : وتقول العرب : عَنَوْتُ عند فلانٍ عُنُوَّا ، إذا كنتَ أسيراً عنده. ويقولون فى الدعاء على الأسير : لا فَكَّ الله عُنْوَته! بالضم ، أى إساره.
ومن هذا الباب ، وهو عندنا قياسٌ صحيح : العَنِيَّة ، وذلك أنها تُعنِّى كأنّها تُذِلّ وتَقْهَر وتشتدُّ على من طُلِىَ بها. والعَنِيَّة : أبوال الإبل تَخْثُر ، وذلك إذا وُضعت فى الشَّمس. ويقولون : بَل العَنِيّة بولٌ يُعْقَد بالبَعْر. قال أوس :
كأنّ كُحَيلاً مُعْقَداً أو عَنيَّةً |
|
على رَجْع ذفراها من اللِّيت واكفُ (١) |
قال أبو عبيد من أمثال العرب : «عَنِيَّةٌ تَشفِى الجَرَب (٢)» ، يضرب مثلاً لمن يُتداوَى بعقله ورأيه (٣) ، كما تُداوَى الإبل الجَرْبَى بالعنيَّة. قال بعضهم : عَنَّيت البعير ، أى طليتُه بالعَنِيَّة. وأنشد :
على كلِّ حرباء رعيل كأنّه |
|
حَمُولةُ طالٍ بالعَنيَّة ممهلِ (٤) |
والأصل الثالث : عُنْيان الكِتاب ، وعُنوانه ، وعُنْيانه. وتفسيره عندنا أنّه البارز منه إذا خُتم. ومن هذا الباب مَعنَى الشَّىء. ولم يزد الخليل على أنْ قال : معنى كلِّ شىء : مِحْنَتْه وحاله التى يَصِير إليها أمره (٥).
قال ابنُ الأعرابىّ : يقال ما أعرِف معناه ومَعناتَه. والذى يدلُّ عليه قياسُ اللُّغة أنَ المعنى هو القَصْد الذى يَبرُز ويَظهر فى الشَّىْء إذا بُحث عنه. يقال : هذا
__________________
(١) ديوان أوس بن حجر ١٥ واللسان (عنا).
(٢) وكذا فى المجمل. وفى أمثال الميدانى (١ : ٤٢٥): «عنيته تشفى الجرب».
(٣) فى الأصل : «لعقله ورأيه» ، صوابه ما أثبت. وفى أمثال الميدانى : «يضرب للرجل الجيد الرأى يستشفى برأيه فيما ينوب».
(٤) كذا ورد البيت فى الأصل.
(٥) العبارة بعينها وردت فى اللسان (عنا ٣٤١).
مَعنَى الكلامِ ومعنى الشِّعر ، أى الذى يبرز من مكنون ما تضمَّنه اللَّفظ. والدَّليل على القياس قول العرب : لم تَعْنِ هذه الأرضُ شيئاً ولم تَعْنُ أيضاً ، وذلك إذا لم تُنبت ، فكأنَّها إذا كانت كذا فإنّها لم تُفِد شيئاً ولم تُبْرِز خيراً. ومما يصحِّحه قولُ القائل (١) :
ولم يَبقَ بالخلصاء مِمّا عنَتْ به |
|
من البَقْل إلّا يُبْسُها وهَجيرُها |
ومما يصحِّحه أيضاً قولهم : عَنَتِ القِرْبةُ تَعنُو ، وذلك إذا سال ماؤُها. قال المتنخِّل :
تعنو بِمَخْرُوتٍ (٢)
قال الخليل : عنوان الكتابِ يقال منه : عَنَّيْت الكتاب ، وعنَّنْته ، وعَنْوَنته. قال : وهو فيما ذَكَروا مشتقٌّ من المعنَى. قال غيره : مَن جعل العنوان من المعنى قال : عَنَّيت بالياء فى الأصل. وعُنوانٌ تقديره فُعْوَال. وقولك عَنْونْت فهو فَعْولْت. قال الشَّيبانى : يقال ما عَنَا من فلانٍ خيرٌ ، وما يعنو من عملك هذا خيرٌ عَنْواً.
عنب العين والنون والباب أُصَيلٌ يدلُّ على ثمرٍ معروف ، وكلمةٍ غير ذلك.
فالثَّمر العِنَب ، واحدته عِنَبة. ويقولون : ليس فى كلامهم فِعَلة إلّا عِنَبة. وربَّما قالوا للعِنَب العِنَباء. قال :
__________________
(١) هو ذو الرمة. ديوانه ٣٠٥ ، واللسان (عنا). وسيأتى فى (هجر).
(٢) قطعة من بيت له. وفى اللسان : «تعنو بمخروت له ناضح». والبيت بتمامه فى ديوان الهذليين (٢ : ٢):
تعنو بمخروت له ناضح |
|
ذو ريق يحذر وذو؟ |
العِنَباءَ المتَنَقّى والتِّينْ (١)
وربَّما جمعوا العنب على الأعناب. ويقال رجل عانِبٌ ، أى كثير العنب ، كما يقال تامرٌ ولابنٌ.
والكلمة الأخرى : العَنَبان ، على وزن فَعَلان : الوَعِل الطَّويل القرون. قال :
يشدُّ شدّ العَنَبانِ البارِحِ
ويقال للظَّبْى النَّشيط : العَنَبان ، ولا يُبنَى منه فِعْل.
عنت العين والنون والتاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مَشَقّة وما أشبَهَ ذلك ، ولا يدلُّ على صحّة ولا سهولة.
قال الخليل : العَنَت : المشقّة تدخلُ على الإنسان. تقول عَنِتَ فلان ، أى لَقِىَ عَنَتاً ، يعنى مشقّة. وأعْنَتَه فلانٌ إعناتا ، إذا أدخل عليه عَنَتاً. وتَعَنَّته تَعَنُّتاً ، إذا سأله عن شىء أراد به اللَّبْسَ عليه والمشقّة.
قال ابن دريد (٢) : العَنَت : العَسْف والحمل على المكروه. أعْنَتَه يُعْنته إعناتاً.
ويُحمَل على هذا ويقاسُ عليه (٣) ، فيقال للآثِم : عَنِت عَنَتاً ، إذا اكتسب مأثما. قال الفَرّاء فى قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) : أى يرخَّص
__________________
(١) الرجز لبعض بنى أسد ، كما فى المخصص (١٦ : ٦٧). وأنشده فى (١١ : ٧١). وقبله ، كما فى المخصص واللسان (عنب) :
؟ أحيانا وحيفا يسقين
(٢) الجمهرة (٢ : ٢٠).
(٣) فى الأصل : «ويقال عليه».
لكم فى تزويج الإماء إذا خافَ أحدُكم أن يَفجُر. قال الزّجَّاج : العَنَت فى اللغة : المَشَقّة الشديدة. يقال أكَمَةٌ عَنوتٌ ، أى شاقّة. قال المبرِّد : العَنَت هاهنا : الهلاك : وقال غيره : معناه ذلك لمن خاف أن تحمله الشَّهْوَةُ على الزِّنَى ، فيلقى الإثمَ العظيمَ فى الآخرة.
عنج العين والنون والجيم أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على جَذْب شىء بشىء يمتدّ ، كحبلٍ وما أشبهه. قال الخليل : العِنَاج : سَيْر أو خيط يُشدُّ فى أسفل الدّلو ، ثمَّ يشَدُّ فى عُروتها. وكلُّ شىءٍ له ذلك فهو عِنَاج. فإذا انقطع الحبلُ أمسك العِناجُ الدَّلوَ أن تقع فى البئر. قال : [وكلُ] شىءٍ تجذبه إليك فقد عَنَجتَه. قال :
قومٌ إذا عقَدوا عَقداً لجارهم |
|
شدوا العِناجَ وشدُّوا فوقه الكَرَبا (١) |
وقال آخر :
وبعضُ القولِ ليس له عِناجٌ |
|
كسَيل الماء ليس له إتاءٌ (٢) |
الإتاء : المادَّة. وجمع العِناج عُنُج ، وثلاثةُ أعنِجة. والرجل يَعْنِجُ إليه رأسَ بعيره ، أى يجذِبُه بخِطامه. ويقال : إنّ العِناج إنّما يكون فى عُرَى الدَّلو ، ولا يكون فى أسفلها. وأنشد :
لها عِناجانِ وسِتُّ آذانْ (٣) |
|
واسعةُ الفَرْغ أديمان اثنانْ |
__________________
(١) البيت للحطيئة فى ديوانه ٧ واللسان (عنج).
(٢) البيت للربيع بن أبى الحقيق ، كما فى البيان (٣ : ١٨٦) ، انظر معه الحيوان (٣ : ٦٨) واللسان (عنج ، أتا).
(٣) البيت فى المخصص (١٦ : ١٨٦). وأنشد أبو زيد فى نوادره ١٢٩ :
لادلو إلا مثل دلو أهمان |
|
واسمه الفرغ أديمان اثنان |
مما تنقت عن عكاظ الركبان |
|
إذا استقلت رجف العمودان |
لها عناجان وست آفاق
قال ابنُ الأعرابىّ : عَنَجْت الدّلو وأعْنَجْتُها. قال أبو زيد : العَنْج : جذبُك رأسَها وأنت راكبُها. يعنى النّاقة. قال أبو عُبيدة : من أمثالهم فى الذى لا يَقبل الرِّياضة : «عَوْدٌ يُعَلّم العَنْج». وأما الذى ذكرناه من قوله :
وبعض القول ليس له عِناجٌ
فقال أبو عمرو بن العلاء : العِناج فى القول : أن يكون [له] حصاةٌ فيتكلَّم بعلمٍ ونَظر ؛ وإذا لم يكن له عِناج خرجَ منه ما لا يريد صاحبُه : ومعنى هذا الكلام ألَّا يكون لكلامه خِطام ولا زِمام ، فهو يذهب بحيث لا معنى له. وتقول العرب : عِناج أمْرِ فلان ، أى مَقَاده ومِلاك أمره. وأمّا العُنْجوج فالرَّائِع من الخيل ، والجمع عناجيج. قال الشّاعر :
نحنُ صَبَحْنا عامراً وعَبْسا |
|
جُرْداً عناجيجَ سبقْن الشَّمْسا (١) |
فمحتملٌ أن يكون اسماً موضوعاً من غير قياس كسائر ما يشذُّ عن الأصول ، ومحتمل أن يكون سمِّى بذلك لطوله أو طول عنقِه ، فقياسٌ بالحبل الطويل.
قال أبو عبيدة : العُنجوج من الخيل : الطويل العُنق ، والأنثى عنجوجة. ومما يؤيِّد هذا التَّأويلَ قولهم : استقام عُنْجُوج القومِ ، أى سَنَنُهم. فهذا يصحِّح ذاك ؛ لأن السَّنَن يمتدُّ أيضاً.
وممَّا حُمِل على هذا تشبيهاً قولُهم : عناجيج الشَّباب ، وهى أسبابه. قال ابن أحمر :
ومضَتْ عناجيجُ الشّبابِ الأغْيَدِ
ويقولون : رجل مِعْنَج ، إذا تعرَّض فى الأمور ، كأنّه أبدًا يمدُّ بسبب منها فيتعلَّق به.
__________________
(١) فى الأصل : «سبقنا الشمسا».
عند العين والنون والدال أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على مجاوزةٍ وتركِ طريق الاستقامة. قال الخليل : عَنَد الرّجل ، وهو عانِدٌ ، يَعْنُد عُنودًا ، إذا عَتا وطغَى وجاوَزَ قَدْرَه. ومنه المعانَدة ، وهى أن يعرف الرّجُل الشىء ويأبى أن يقبله. يقال : عَنَدَ فلانٌ عن الأمر ، إذا حادَ عنه. والعَنُود من الإبل : الذى لا يخالط الإبل ، إنما هو فى ناحية. قال :
وصاحبٍ ذى رِيبةٍ عَنُودِ |
|
بَلّدَ عنى أسوأ التبليدِ |
ويقال : رجلٌ عنودٌ ، إذا كان وحدَه لا يُخالِط الناس. وأنشد :
ومولى عَنودٍ ألحقته جريرةٌ |
|
وقد تُلْحِق المولى العَنودَ الجرائِرُ (١) |
قال : وأمّا العَنيد ، فهو من التجبُّر ، لذلك خالفوا بين العَنيد ، والعَنود ، والعاند. ويقال للجبّار العَنيدِ : لقد عَنَد عَنْداً وعُنُوداً.
قال الخليل : العِرق العاند : الذى يتفجَّر منه الدّمُ فلا يكاد يَرقَأ. تقول : عَنِد عِرقُه.
قال ابن دُريد (٢) : طريقٌ عاند ، أى مائل. وناقة عَنودٌ ، إذا تنكّبت الطّريقَ مِن نشاطها وقوّتها قال الراجز :
إذا ركبتمْ فاجعَلونى وَسَطا |
|
إنِّى كبيرٌ لا أُطيق العُنَّدَا (٣) |
__________________
(١) البيت فى اللسان (عند).
(٢) الجمهرة (٢ : ٢٨٣).
(٣) جمع بين الطاء والدال فى القافية ، وهو الإكفاء. الجمهرة واللسان (عند) وأدب الكاتب ٣٧١ والاقتضاب ٤١٥.
ما عنه عُنْدُدٌ (١) : أى ما منه بدّ ، فهذا من الباب. تفسير ما عنه عَنْدَد ، أى ما عنه مَيل ولا حَيدُودة. قال جندل :
ما الموتُ إلّا مَنْهل مُستَوْرَدُ |
|
لا تأمَننْه ليس عنه عُنْدُدُ |
ويقال : أعْنَدَ فى قَيئِه ، إذا لم ينقطع. قال يعقوب : عِرْقٌ عاند قد عَنَدَ يَعْنُد دمُه ، أى يأخذ فى شِقّ. قال :
وأىُّ شىءٍ لا يحبُّ ولدَهْ |
|
حتى الحبارى ويَدُفُ عَنَدَه (٢) |
أى ناحية منه يُراعيه. ويقال : استَعْنَدَ البعيرُ ، إذا غَلَبَ قائدَه على الزِّمام فجرّه.
ومن الباب مثلٌ من أمثالهم : «إنَّ تحت طِرِّيقَتِهِ لعِنْدَأْوَةً». الطِّرِّيقة : اللِّين. يقال : إن تحت ذلك اللِّين لعظمةً وتجاوُزاً وتعدِّياً.
فأمّا قولُهم : زيدٌ عِنْدَ عمرو ، فليس ببعيدٍ أن يكون من هذا القياس ، كأنَّه قد مال عن الناسِ كلِّهم إليه حتى قرُبَ منه ولزِقَ به.
عنز العين والنون والزاء أصلانِ صحيحان : أحدهما يدلُّ على تنحٍّ وتعزُّل ، والآخر جنسٌ من الحيوان.
فالأول : قولهم : اعتنز فلانٌ ، أى تنحَّى وترك النّاحيةَ اعتنازاً. ويقال : ما لى عنه مُعْتَنَزٌ ، أى مُعتَزَل ، وأنشدوا :
كأنِّى سهيلٌ واعتنازُ محلِّه |
|
تعرُّضُه فى الأفق ثم يجورُ |
__________________
(١) فى الأصل : «عند» ، صوابه فى المجمل واللسان. والعندد ، بفتح الدال الأولى وضمها كما ضبط فى المجمل واللسان.
(٢) أنشده فى مجالس ثعلب ٢٦٨. وانظر اللسان (عند) وقد أورده فى (حبر ٢٣٢) يهئية النثر.
والأصل الآخر العَنْز : الأنثى من المِعْزى ومن الأوعال والظِّباء. ويقال للأنثى من أولاد الظباء عَنْز ، وثلاثُ أعنز ، والجمع عِنَازٌ. قال أبو حاتم : لم أسمع فى الغَنَم إلّا ثلاث أعنُز ، ولم أسمع العِنَازَ إلا فى الظباء. ويقولون : العَنْز : ضربٌ من السمك. وربما قالوا للأنثى من العِقبان عَنْز. قال بعضهم : العَنْز : العُقاب. وكلُّ ذلك مِمَّا حُمِل على العَنْز من الغنم.
ومما شذَّ عن هذا الباب وعن الأوَّل : العَنَزة ، كهيئة العَصا. وبه سمِّىَ عَنَزَة من العرب.
ومن الباب الأوَّل قولهم مُعَنَّز الوجه ، إذا كان خفيفَ لحمِ الوجه. وهذا كأنه مشبَّه بالعَنْز من الغنم. ومن الأماكن عُنَيزةُ ، وهى أرضٌ. قال مهلهل :
كأنَّا غُدْوةً وبنى أبِينا |
|
بجنب عُنَيزةٍ رَحَيَا مُديرِ (١) |
عنس العين والنون والسين أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على شدَّةٍ فى شىء وقوَّة. قال الخليل : العَنْس : اسمٌ من أسماء الناقة ، يقال إنما سميت عنساً إذا تمّت سنُّها ، واشتدَّت قوَّتُها ووَفُرت عظامُها وأعضاؤها ؛ واعنونَسَ ذنَبُهَا ؛ واعنيناسُه : وفور هُلْبِه وطُوله. قال الطرِمَّاح يصف الثَّوْر :
يمسح الأرض بمُعْنَوْنِسٍ |
|
مثلِ مئلاة النِّياحِ القيامْ (٢) |
وقال العجّاج :
__________________
(١) من أبيات فى معجم البلدان (عنيزة). والقصيدة طويلة مشروحة فى أمالى القالى (٢ : ١٢٩ ـ ١٢٣). وأبياتها ثلاثون.
(٢) ديوان الطرماح ١٠٤ واللسان (عنس). وفى الديوان : «مثلاة الفئام» ، قال شارحه : «الفثام : الجماعات».
كم قد حَسَرْنا من عَلاةٍ عَنْس |
|
كَبْدَاء كالقوس وأُخرى جَلْسِ (١) |
ومن الباب : عَنسَت المرأة ، وهى تَعْنُسُ عُنوساً ، إذا صارت نَصَفاً وهى بعدُ بِكرٌ لم تَزَوَّجْ. وعَنَّسها أهلُها تعنيساً ، إذا حبسوها عن الأزواج حتى جازت فَتَاء السّنّ ، ولم تُعَجِّز بعدُ. وهذا قياسٌ صحيح ، لأنَّ ذلك حين اشتدادها وقوّتها. ويقال امرأة معنَّسة ، والجمع مَعانس ومُعَنَّسات ، وهى عانِس والجمع عوانس. وأنشد :
وعِيطٍ كأسراب القطا قد تشوّفت |
|
معاصيرُها والعاتقات العوانسُ (٢) |
وجمع عانسٍ عُنَّس. قال :
فى خَلْقِ غرّاءَ تبذّ العُنَّسا (٣)
وذكر الأصمعىُّ أنه يقال فى الرِّجال أيضاً : عانس ، وهو الذى لم يتزوّجْ.
وأنشد :
مِنَّا الذى هو ما إن طَرَّ شاربُه |
|
والعانسون ومِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ (٤) |
وذكر بعضُهم أنَ العنْس : الصَّخرة. وبها تُشَبَّه الناقة الصُّلْبة فتسمى عَنْساً. وليس ذلك ببعيد.
عنش العين والنون والشين أُصَيل لعلّه أن يكون صحيحاً. وإن
__________________
(١) من أرجوزة فى ملحقات ديوانه ٧٨ ـ ٨٠. والبيت الأول فى اللسان (عنس) بدون نسبة. والجلس : الوثيقة الجسيمة. وفى الأصل : «حبس» تحريف ، صوابه فى الديوان.
(٢) لذى الرمة فى ديوانه ٣٢٠ وللسان (عنس). وإنشاده فيهما : «وعيطا». وقبله فى الديوان :
مراعاتک الاجال ما بن شارع |
|
؛لد حث حاچت عن عناق الآواعس |
(٣) للعجاج فى ديوانه ٣١ برواية :
زمان؟ تروق العلا
(٤) لأبى قيس بن رفاعة؟؟؟ سبق فى تخريجه (طر؟؟؟).
صحَّ فهو يدلُّ على تمرُّسٍ بشىء. يقولون : فلانٌ يُعَانِشُ النَّاسَ ، أى يقاتلهم ويتمرَّس بهم. ويُعانِش : يظالم. وينشدون :
إذاً لأتاه كلُّ شاكٍ سِلاحُه |
|
يُعانِشُ يومَ البأس ساعِدهُ جَزْلُ |
ويقولون : عانشت الرّجل : عانقتُه. وينشدون لساعِدَة :
عِناشُ عَدُوٍّ لا ينالُ مُشَمِّراً |
|
بِرَجْلٍ إذا ما الحربُ شُبَّ سعيرُها (١) |
وهذا إن لم يكن من باب الإبدال وأن يكون الشين بدلاً من القاف فما أدرى كيف هو. ونرجو أن يكون صحيحاً إن شاء الله.
قال ابن دريد (٢) : عنَشت الشىء أعنِشُهُ عَنْشاً ، إذا عطفتَه. وهذا أيضاً قريبٌ من الذى ذكرناه.
عنص العين والنون والصاد أُصَيل صحيحٌ على شىء من الشَّعْرَ. قال الخليل : العُنْصُوة : الخُصْلة من الشَّعر. قال الشاعر :
لقد عَيَّرَتْنِى الشَّيبَ عرسى ومَسَّحت |
|
عناصِىَ رأسى فهى من ذاك تعجبُ |
ومما يُقاس على هذا قولُهم : بأرضِ بنى فلانٍ عَنَاصٍ من النَّبت ؛ وكذلك الشَّعر إذا كان قليلاً متفرِّقا ، الواحدة عُنصُوَة. قال أبو النَّجم :
إن يُمْسِ رأسى أشمطَ العَناصِى |
|
كأنما فرَّقَه مُناصِى (٣) |
قال الفرّاء : يقال : ما بقى من مالِه إلّا عَنَاصٍ ، وذلك إذا بقِى منه اليسير. قال ابنُ الأعرابى : العُنْصُوة : قُنزُعة فى جانب الرأس.
__________________
(١) ديوان الهذليين (٢ : ٢١٥) واللسان (عنش).
(٢) فى الجمهرة (٣ : ٦٢).
(٣) الرجز فى اللسان (عنص ، نصى).
عنط العين والنون والطاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على طول جسمٍ وحُسنِ قوام.
قال الخليل : العَنطْنط ، اشتقاقه من عَنَط ، ولكنَّه قد أُردِف بحرفين فى عَجُزه. قال رؤبة :
يَمطُو السُّرَى بعُنقُ عَنَطنَطِ (١)
وامرأة عَنَطْنطة : طويلة العُنُق مع حُسْن قَوام. قال يصف رجلاً وفرساً :
عَنَطْنَطٌ تعدو به عَنطنطهْ |
|
للماء تحت البطن منْه غطمطهْ (٢) |
عنف العين والنون والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف الرِّفق. قال الخليل : العُنْف: ضدُّ الرِّفق. تقول عَنُفَ يعنُف عُنْفاً فهو عنيف ، إذا لم يَرفُق فى أمره. وأعنفته أنا. ويقال : اعتنفْت الشّىء ، إذا كرهتَه ووجدتَ له عُنْفاً عليك ومشَقّة. ومن الباب : التعنيف ، وهو التَّشديد فى اللوم. فأمَّا العُنْفَوان فأوَّل الشّىء ، يقال عُنفُوان الشَّباب ، وهو أوّله ، فهذا ليس من الأوّل ، إنّما هذا من باب الإبدال ، وهو أنّ العينَ مبدلةٌ من همزة ، والأصل الأَنْف ؛ وأنفُ كلِّ شىء : أوّله. قال :
ماذا تقول بِنتَها تلمَّسُ |
|
وقد دَعاها العُنفوانُ المُخْلِسُ |
وقال آخَر :
تلومُ امرأً فى عنفوانِ شبابِه |
|
وتترك أشْياعَ الضَّلال تحين |
__________________
(١) ديوان رؤبة ٨٤ واللسان (عنط).
(٢) الرجز فى اللسان (عنط).
عنق العين والنون والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على امتدادٍ فى شىء ، إمَّا فى ارتفاعٍ وإمَّا فى انسياح.
فالأوّل العنُق ، وهو وُصْلةُ ما بين الرّأس والجسد ، مذكّر ومؤنَّث ، وجمعه أعناق. ورجلٌ أعنق ، أى طويل العنُق. وجبلٌ أعنَقُ : مشرِف. ونجدٌ أعنق ، وهضْبةٌ عنقاء. وامرأةٌ عنقاءُ : طويلة العنُق. وهَضْبة مُعنِقة أيضاً. قال :
عيطاءَ مُعْنِقَةٍ يكون أنيسُها |
|
وُرْقَ الحمام جميُمها لم يؤكَلِ (١) |
قال الأصمعىّ : المُعَنِّقات (٢) مثل المُعْنِقات. قال عُمَر بن لجأ :
ومن هَضْب الأرومِ مُعَنِّقات
قال أبو عمرو : المُعنِّق : الطويل. وأنشد :
فى تامكٍ مثل النَّقا المُعنِّقِ
قال أبو عمرو : العنقاء فيما يقال : طائرٌ لم يبق إلّا اسمُه. وسمِّيت عنقاءَ لبياضٍ كانَ فى عُنقها وفى المثَل لما لا يوجَد : «طارت به العَنْقاء». فأمَّا قولهم للجماعة عُنُق ، فقياسه صحيح ، لأنَّه شىءٌ يتّصل بعضُه ببعض. قال الله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) ، أى جماعتُهم. ألَا ترى أنَّه قال : (خاضِعِينَ) ، ولو كانت الأعناق أنفُسها لقال خاضعة أو خاضعات. وإلى هذا ذهبَ أبو زيد. وقال النحويُّون : لمّا كانت الأعناقُ مضافةً إليهم رَدَّ الفعل إليهم دونَها.
قال محمد بن يزيد : لمّا كان خضوعُ أهلها بخضوع أعناقهم أخبرَ عنهم ، لأنَ
__________________
(١) لأبى كبير الهذلى. ديوان الهذليين (٢ : ٩٧) ، واللسان (عنق). وفى الأصل : «عيناء» صوابه من الديوان. وبدله فى اللسان : «عنقاء».
(٢) فى الأصل : «المنعقات» ، تحريف.
المعنى راجعٌ إليهم. والعرب تقول : ذلّت عنُقى لفلانٍ ، وخضَعت رقبتى له ، أى خضعت له ، وذلك كما قالوا فى ضدِّه : لوى عنقَه عنِّى ولم تَلِنْ لى أَخادِعُه ، أى لم يخضع لى ولم يَنقَدْ.
قال الدريدىّ : أعنَقْتُ الكلبَ أُعْنِقه إعناقاً ، إذا جعلت فى عنقه قِلادةٍ أو وترا (١).
والمِعنقة : مِعنقة الكَلْب ، وهى قِلادتُه. ويقال لما سطع من الرِّياح : أعناق الرِّياح. ويقولون : أعنَقَت الريح بالتراب. قال الخليل : اعتُنِقَت الدّابّةُ فى الوَحْل ، إذا أخرجت عنقَها. قال رؤبة :
خارجةً أعناقُها من معتَنَقْ (٢)
المعتنَق : مخرج أعناق الجِبال من السراب ، أى اعتنقت فأخرجت أعناقَها (٣). والاعتناق من المعانقة أيضاً ، غير أنَ المعانَقةَ فى المودّة ، والاعتناقَ فى الحربِ ونحوِها. تقول اعتنَقُوا فى الحرب ، ولا تقول تعانقوا. والقياس واحد ، غير أنَّهم اختاروا الاعتناقَ فى الحرب ، والمعانقةَ فى المودّةِ ونحوها. فإذا خَصَّصَتْ بالفعل واحداً دون الآخر لم تَقُل إلّا عانق فلانٌ فلاناً. وقد يقال للواحد اعتَنَق. قال زُهير :
يَطعُنُهم ما ارتَمَوْا حتَّى إذا اطَّعنُوا |
|
ضاربَ حتَّى إذا ما ضاربوا اعتَنَقا (٤) |
__________________
(١) الجمهرة (٣ : ١٣٢).
(٢) مجالس ثعلب ٤١٨ واللسان (عنق). وقبله كما فى الديوان ١٠٤ :
تبچر لنا أعلاه بعد الفرق |
|
في قطع الال وهبوات الدقق |
(٣) ثعلب : «لات بها السراب فالتف بها فلم يبلغ أعاليها ، أى اعتنقها السراب».
(٤) ديوان زهير ٥٤ واللسان (عنق).