معجم مقاييس اللغة - ج ٤

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٥

ومن الباب عِمارة الأرض ، يقال عَمَرَ الناسُ الأرضَ عِمارةً ، وهم يَعْمُرُونها ، وهى عامرة معمورةٌ. وقولهم : عامرة ، محمولٌ على عَمَرَتِ الأرضُ ، والمعمورة من عُمِرت. والاسم والمصدر العُمْران. واستَعمر الله تعالى الناسَ فى الأرض ليعمرُوها. والباب كلُّه يؤول إلى هذا.

وأمّا الآخر فالعَوْمَرة : الصِّياح والجلَبة. ويقال : اعتَمَرَ الرّجُل ، إذا أهَلَّ بعُمرته ، وذلك رفْعُه صوتَه بالتَّلبية للعُمرة. فأمّا قول ابن أحمر :

يُهلُّ بالفَرقد رُكبانُها

كما يُهلُّ الراكب المُعْتَمِرْ (١)

فقال قوم : هو الذى ذكرناه من رَفْع الصَّوت عند الإهلال بالعمرة. وقال قوم : المعتمِر : المعتمّ. وأىُّ ذلك كان فهو من العلوِّ والارتفاع على ما ذكرنا.

قال أهلُ اللغة : والعَمَار : كلُّ شىءٍ جعلتَه على رأسك ، من عِمامةٍ ، أو قَلَنْسُوة أو إكليل أو تاجٍ ، أو غير ذلك ، كلُّه عَمار. قال الأعشى :

فلما أتانا بُعيدَ الكرَى

سجَدْنا له ورفَعْنَا عَمارا (٢)

وقال قوم : العَمار يكون من رَيحَان أيضاً. قال ابنُ السِّكِّيت : العَمَار : التَّحيَّة. يقال عمَّرك الله ، أى حيّاك. ويجوز أن يكون هذا لرفع الصوت. وممكن أن يكون الحىُّ العظيم يسمى عمارة لما يكون ذلك من جلبة وصياح. قال :

__________________

(١) البيت فى الحيوان (٢ : ٢٥) واللسان (ركب ، عمر ، هلل). وقد نسب فى هذه المواضع إلى ابن أحمر ، إلا فى مادة (هلل) من اللسان ، ففيها : «وقال الراجز» ، صواب هذه : «وقال ابن أحمر».

(٢) وكذا فى ديوان الأعشى ٣٩. وفى المجمل واللسان (عمر) وفقه اللغة ١٦ وجمهرة ابن دريد (٢ : ٣٨٧): «العمارا».

١٤١

لكل أناسٍ من مَعَدّ عِمَارَةٌ

غُرُوضٌ إليها يلجئون وجانبُ (١)

ومما شذَّ عن هذين الأصلين : العَمْر : ضربٌ من النَّخل. وكان فلانٌ يستاك بعراجين العمْر. وربما قالوا العُمر (٢).

ومن هذا أيضاً العَمْر : ما بدا من اللِّثة ، وهى العُمور. ومنه اشتُق اسم عمرو.

عمس العين والميم والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على شدّة فى اشتباهٍ والتواء فى الأمر.

قال الخليل : العَماسُ : الحرب الشديدة. وكلُّ أمرٍ لا يُقام له ولا يُهتدَى لوجهه فهو عَماسٌ. ويوم عَمَاسٌ مِن أيَّام عُمُس. قال العجّاج :

ونَزلَوا بالسَّهل بعد الشَّأْس (٣)

فى مرِّ أيَّامٍ مضَيْنَ عُمْسِ (٤)

ولقد عَمِسَ يومُنا عَمَاسَةً وعُموسة. قال العجاج :

إذْ لَقِحَ اليومُ العَماسُ واقمطرّ (٥)

قال أبو عمرو : أتانا بأمور مُعَمَّسَاتٍ ومُعَمِّسَاتٍ ، أى ملتويات. ورجُلٌ عَمُوسٌ :

__________________

(١) البيت للأخنس بن شهاب التغلبى من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٣ ـ ٨). وأنشده فى اللسان (عمر ، عرض).

(٢) يقال بالفتح ، وبضمة ، وبضمتين. ويقال أيضاً : «العمرى ، بفتح العين.

(٣) وكذا فى اللسان (عمس). والصواب أنه بعد أبيات كثيرة تلى البيت التالى ، وبينهما ١٨ بيتا. والبيت الذى قبله هو :

ليوث هيجا لم ترم بأبس

(٤) فى اللسان (عمس) وملحقات ديوان العجاج ٨٧ : «ومر أيام». وسكن الميم للوزن.

(٥) فى الأصل : «إذا لقح» ، صوابه من ديوان العجاج ١٨.

١٤٢

يتعسَّف الأشياء كالجاهل بها. قال الخليل : تعامَسْتُ عن الشىء ، إذا أريت (١) كأنّك لا تعرفُه وأنت عالمٌ به وبمكانه. وتقول : اعمِسْه ، أى لا تبيِّنْه حتى يشتبه. ويقال : اعْمِس الأمر ، أى أَخْفِه. ومن الباب العَمَاس ، وهى الداهية. قال ابن الأعرابىّ : التَّعامُس : أن تركبَ رأسَك فتَغْشِم وتَغَطْرَس. قال المخبل :

تعامس حتَّى تحسب الناسُ أنّها

قال الفراء : عَمَس الخَبَرُ : أظلم. وأعْمَس الطّريقُ : التبس. وعَمِس (٢) الكتابُ : درس. قال المرّار :

فوقَفتَ تعترِف الصَّحيفةَ بعد ما

عَمِس الكتابُ وقد يُرى لم يَعْمَسِ

عمش العين والميم والشين كلمتانِ صحيحتان ، متباينتان جدًّا. فالأولى ضعفٌ فى البصر ، والأخرى صلاحٌ للجسم. فالأوّل العَمَش : ألَّا تزالُ العينُ تسيل دمعاً ، ولا يكاد الأعمش يُبصِر بها ، والمرأةُ عَمْشاء ، والفعل عَمِشَ يَعْمَشُ عَمَشا.

والكلمةُ الأخرى : العَمْش ، بسكون الميم : ما يكون فيه صلاحُ البدن. ويقولون : الخِتَانُ عَمْش الغُلام ؛ لأنّك ترى* فيه بعد ذلك زيادةً. وهذا طعام عَمْشٌ لك ، أى صالح مُوافق.

* * *

وأما العين والميم والصاد فليس فيه ما يصلح أن يذكر.

__________________

(١) فى الأصل : «رويت» صوابه من اللسان.

(٢) كذا ضبط فى الأصل بكسر الميم ، وهو ضبط ابن القطاع فى كتاب الأفعال (٣٧٣٠٢) ، ونبه عليه شارح القاموس. وضبط فى المجمل واللسان والقاموس بفتح الميم.

١٤٣

عمق العين والميم والقاف أصلٌ ذكره ابنُ الأعرابىّ ، قال : العُمْقُ إذا كان صفةً للطريق فهو البعد ، وإذا كان صفةً للبئر فهو طول جِرابِها. قال الخليل : بئرٌ عميقة ، إذا بعُد قعرُها وأعْمَقَها حافرُها. ويقولون ما أبعَدَ عماقَةَ هذه الرّكيّة (١) ، أى ما أبعدَ قعرها.

ومن الباب : تعمَّق الرّجلُ فى كلامه ، إذا تنطَّع. وذكر ابنُ الأعرابى عن بعضِ فُصحاء العرب : رأيت خَليقة فما رأيتُ أعمق منها. قال : والخليقة : البئر الحديثة الحفرِ.

والذى بَقى فى الباب بعد ما ذكرناه أسماء الأماكن ، أو نباتٌ. وقد قلنا : إنَّ ذلك لا يكاد يجىء على قياسٍ ، إلّا أنَّا نذكُره. فعَمْق : أرضٌ لمزينة. قال ساعدة :

[لمّا رأى عَمْقاً ورجَّع عُرضَه

هَدْراً كما هدَر الفنيق المعصبُ (٢)

والعِمْقى : موضع. قال أبو ذؤيب] :

لمّا ذكرتُ أخا العِمْقى تأوَّبَنى

هَمٌّ وأفْرَدَ ظهرى الأغلبُ الشِّيحُ (٣)

والعِمْقَى من النّبات مقصور. قال يونس : جملٌ عامق ، إذا كان يَرعى العِمْقَى. ويقال : أُعَامِقُ : اسمُ موضعٍ. قال الأخطل :

__________________

(١) العماقة ، ذكرت فى القاموس ولم تذكر فى اللسان.

(٢) ديوان الهذليين (١ : ١٧٣) ، واللسان (عمق) ، وإيراد هذا الشاهد ضرورى لصحة الكلام. وباقى التكملة بعده يقتضيها كذلك صحة الاستشهاد التالى. وقد استأنست فى رتق هذا الفتق بما ورد فى اللسان.

(٣) ديوان الهذليين (١ : ١٠٥) ، واللسان (عمق).

١٤٤

وقد كان منها منزلاً نستلذُّه

أُعامِقُ بَرْقاواته فأجاوله (١)

عمل العين والميم واللام أصلٌ واحدٌ صحيح ، وهو عامٌّ فى كلِّ فِعْلٍ يُفْعَل.

قال الخليل : عَمِل يَعْمَلُ عَمَلاً ، فهو عامل ؛ واعتمل الرّجل ، إذا عمِل بنفسه. قال :

إنّ الكريم وأبيكَ يَعتَمِلْ

إن لم يَجِد يوماً على مَن يتَّكِلْ (٢)

والعمالة (٣) : أجر ما عُمِل. والمعاملة : مصدرٌ من قولك عاملته ، وأنا أُعامِله معاملةً. والعَمَلَة : القوم يعملون بأيديهم ضُروباً من العمل ، حفراً ، أو طيَّا أو نحوه. ومن الباب : عامِلُ الرُّمحِ وعامِلتَهُ ، وهو ما دون الثَّعلب قليلاً مما يلى السِّنان ، وهو صدره. قال :

أطْعَن النَّجْلاءَ يَعوِى كَلْمُها

عامِلُ الثَّعلبِ فيها مَرْجَحِنّ

قال : والرّجل يعتمل لنفسِه ، ويعمل لقَومٍ ، ويستعمل غيره ، ويُعْمِل رأيَه أو كلامه أو رُمْحه. والبنّاء يستعمل اللّبِن ، إذا بنَى به. قال : واليَعْمَلة من الإبل : اسمٌ لها اشتُقَّ من العَمَل ، والجمع يَعْمَلات. ولا يقال ذلك إلّا للأُنثى ، وقد يجوز اليَعَامِل. قال ذو الرُّمّة (٤) أو غيرُه :

__________________

(١) البيت بدون نسبة فى المجمل واللسان (عمق). وهو فى ديوان الأخطل ٥٩. ورواية اللسان والمجمل : «كان منا» وفى الأصل : «منزل» ، صوابه فى المراجع المذكورة.

(٢) بعده كما فى اللسان (عمل) نقلا عن سيبويه (١ : ٤٤٣) :

فيكتسى من يعدها ويكتحل

(٣) هى مثلثة العين.

(٤) البيت التالى لم يرد فى ديوان ذى الرمة ، كما لم يرد فى ملحقاته.

١٤٥

واليَعْمَلات على الوجى

يَقطعن بيداً بعد بيدِ

والله أعلم.

[باب العين والنون وما يثلثهما (١)]

عنى العين والنون والحرف المعتل أصولٌ ثلاثة : الأوّل القَصْد للشىء بانكماشٍ فيه وحِرْصٍ عليه ، والثانى دالٌّ على خُضوع وذُلّ ، والثالث ظهورُ شىء وبروزُه.

فالأوّل منه (٢) عُنِيت بالأمر وبالحاجة. قال ابنُ الأعرابىّ : عَنِى بحاجتى وعُنِى ـ وغيره قال أيضاً ذلك. ويقال مثل ذلك : تعنّيت أيضاً ، كل ذلك يقال ـ عِنايةً وعُنِيًّا فأنا مَعْنىّ به وعَنٍ به. قال الأصمعىّ : لا يقال عَنِىَ. قال الفرّاء : رجل عانٍ بأمرى ، أى مَعْنِىّ به. وأنشد :

عانٍ بِقَصْوَاها طويلُ الشُّغْلِ

له جَفيرانِ وأىُّ نَبْلِ (٣)

ومن الباب : عَنانى هذا الأمر يَعنِينى عِنايةً ، وأنا معنِىٌ [به]. واعتنيت به وبأمره.

والأصل الثانى قولهم : عَنَا يَعنو ، إذا خَضَع. والأسيرُ عانٍ. قال أبو عمرو : أَعْنِ هذا الأسير (٤) ، أى دَعْه حتَّى ييبَس القِدّ عليه. قال زهير :

__________________

(١) موضع هذه التكملة بياض فى الأصل.

(٢) فى الأصل : «من».

(٣) الرجز فى المجمل واللسان (عنى).

(٤) فى الأصل : «هذا البعير» ، والكلام يقتضى ما أثبت ، وفى اللسان : «وإذ قلت أعنوه فعناه أبقوه فى الإسار».

١٤٦

ولو لا أن ينالَ أبا طَرِيفٍ

إسارٌ من مَليكٍ أو عَنَاء (١)

قال الخليل : العُنُوّ والعَناء : مصدرٌ للعانى. يقال عانٍ أقرَّ بالعُنُوّ ، وهو الأسير. والعانى : الخاضع المتذلِّل. قال الله تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ). وهى تَعنُو عُنوَّا. ويقال للأسير : عنا يعنو. قال :

ولا يقال طَوَالَ الدَّهر عانيها

وربَّما قالوا : أعْنُوه ، أى ألقوه فى الإسار. وكانت تلبية أهلِ اليمن فى الجاهلية هذا :

جاءت إليك عانيه

عبادُك اليمانِيَهْ

كيما تحجّ الثانيهْ

على قِلاصٍ ناجِيَه

ويقولون : العانى : العبد. والعانية : الأمَة. قال أبو عمرو : وأعنيته* إذا جعلتَه مملوكا. وهو عانٍ بَيِّن العَناء. والعَنوة : القَهر. يقال أخذناها عَنْوة ، أى قهراً بالسيف. ويقال: جئت إليك عانياً ، أى خاضعاً. ويقولون (٢) : العَنوة : الطاعة. قال :

هلَ أنتَ مُطيعِى

أيُّها القلبُ عَنوةً

والعناء معروف ؛ وهو من هذا. قال الشيبانىُّ : رُبَّتْ عَنْوةٍ لك من هذا الأمر ، أى عناء. قال القطامىّ :

ونَأتْ بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوةٍ

لك من مواعدها التى لم تَصدُق (٣)

__________________

(١) روايته فى الديوان ٧٨ :

أثام من مليك أو لحاء

(٢) فى الأصل : «ويقول».

(٣) ديوان القطامى ٣٥ ، واللسان (عنا).

١٤٧

قالوا : وتقول العرب : عَنَوْتُ عند فلانٍ عُنُوَّا ، إذا كنتَ أسيراً عنده. ويقولون فى الدعاء على الأسير : لا فَكَّ الله عُنْوَته! بالضم ، أى إساره.

ومن هذا الباب ، وهو عندنا قياسٌ صحيح : العَنِيَّة ، وذلك أنها تُعنِّى كأنّها تُذِلّ وتَقْهَر وتشتدُّ على من طُلِىَ بها. والعَنِيَّة : أبوال الإبل تَخْثُر ، وذلك إذا وُضعت فى الشَّمس. ويقولون : بَل العَنِيّة بولٌ يُعْقَد بالبَعْر. قال أوس :

كأنّ كُحَيلاً مُعْقَداً أو عَنيَّةً

على رَجْع ذفراها من اللِّيت واكفُ (١)

قال أبو عبيد من أمثال العرب : «عَنِيَّةٌ تَشفِى الجَرَب (٢)» ، يضرب مثلاً لمن يُتداوَى بعقله ورأيه (٣) ، كما تُداوَى الإبل الجَرْبَى بالعنيَّة. قال بعضهم : عَنَّيت البعير ، أى طليتُه بالعَنِيَّة. وأنشد :

على كلِّ حرباء رعيل كأنّه

حَمُولةُ طالٍ بالعَنيَّة ممهلِ (٤)

والأصل الثالث : عُنْيان الكِتاب ، وعُنوانه ، وعُنْيانه. وتفسيره عندنا أنّه البارز منه إذا خُتم. ومن هذا الباب مَعنَى الشَّىء. ولم يزد الخليل على أنْ قال : معنى كلِّ شىء : مِحْنَتْه وحاله التى يَصِير إليها أمره (٥).

قال ابنُ الأعرابىّ : يقال ما أعرِف معناه ومَعناتَه. والذى يدلُّ عليه قياسُ اللُّغة أنَ المعنى هو القَصْد الذى يَبرُز ويَظهر فى الشَّىْء إذا بُحث عنه. يقال : هذا

__________________

(١) ديوان أوس بن حجر ١٥ واللسان (عنا).

(٢) وكذا فى المجمل. وفى أمثال الميدانى (١ : ٤٢٥): «عنيته تشفى الجرب».

(٣) فى الأصل : «لعقله ورأيه» ، صوابه ما أثبت. وفى أمثال الميدانى : «يضرب للرجل الجيد الرأى يستشفى برأيه فيما ينوب».

(٤) كذا ورد البيت فى الأصل.

(٥) العبارة بعينها وردت فى اللسان (عنا ٣٤١).

١٤٨

مَعنَى الكلامِ ومعنى الشِّعر ، أى الذى يبرز من مكنون ما تضمَّنه اللَّفظ. والدَّليل على القياس قول العرب : لم تَعْنِ هذه الأرضُ شيئاً ولم تَعْنُ أيضاً ، وذلك إذا لم تُنبت ، فكأنَّها إذا كانت كذا فإنّها لم تُفِد شيئاً ولم تُبْرِز خيراً. ومما يصحِّحه قولُ القائل (١) :

ولم يَبقَ بالخلصاء مِمّا عنَتْ به

من البَقْل إلّا يُبْسُها وهَجيرُها

ومما يصحِّحه أيضاً قولهم : عَنَتِ القِرْبةُ تَعنُو ، وذلك إذا سال ماؤُها. قال المتنخِّل :

تعنو بِمَخْرُوتٍ (٢)

قال الخليل : عنوان الكتابِ يقال منه : عَنَّيْت الكتاب ، وعنَّنْته ، وعَنْوَنته. قال : وهو فيما ذَكَروا مشتقٌّ من المعنَى. قال غيره : مَن جعل العنوان من المعنى قال : عَنَّيت بالياء فى الأصل. وعُنوانٌ تقديره فُعْوَال. وقولك عَنْونْت فهو فَعْولْت. قال الشَّيبانى : يقال ما عَنَا من فلانٍ خيرٌ ، وما يعنو من عملك هذا خيرٌ عَنْواً.

عنب العين والنون والباب أُصَيلٌ يدلُّ على ثمرٍ معروف ، وكلمةٍ غير ذلك.

فالثَّمر العِنَب ، واحدته عِنَبة. ويقولون : ليس فى كلامهم فِعَلة إلّا عِنَبة. وربَّما قالوا للعِنَب العِنَباء. قال :

__________________

(١) هو ذو الرمة. ديوانه ٣٠٥ ، واللسان (عنا). وسيأتى فى (هجر).

(٢) قطعة من بيت له. وفى اللسان : «تعنو بمخروت له ناضح». والبيت بتمامه فى ديوان الهذليين (٢ : ٢):

تعنو بمخروت له ناضح

ذو ريق يحذر وذو؟

١٤٩

العِنَباءَ المتَنَقّى والتِّينْ (١)

وربَّما جمعوا العنب على الأعناب. ويقال رجل عانِبٌ ، أى كثير العنب ، كما يقال تامرٌ ولابنٌ.

والكلمة الأخرى : العَنَبان ، على وزن فَعَلان : الوَعِل الطَّويل القرون. قال :

يشدُّ شدّ العَنَبانِ البارِحِ

ويقال للظَّبْى النَّشيط : العَنَبان ، ولا يُبنَى منه فِعْل.

عنت العين والنون والتاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مَشَقّة وما أشبَهَ ذلك ، ولا يدلُّ على صحّة ولا سهولة.

قال الخليل : العَنَت : المشقّة تدخلُ على الإنسان. تقول عَنِتَ فلان ، أى لَقِىَ عَنَتاً ، يعنى مشقّة. وأعْنَتَه فلانٌ إعناتا ، إذا أدخل عليه عَنَتاً. وتَعَنَّته تَعَنُّتاً ، إذا سأله عن شىء أراد به اللَّبْسَ عليه والمشقّة.

قال ابن دريد (٢) : العَنَت : العَسْف والحمل على المكروه. أعْنَتَه يُعْنته إعناتاً.

ويُحمَل على هذا ويقاسُ عليه (٣) ، فيقال للآثِم : عَنِت عَنَتاً ، إذا اكتسب مأثما. قال الفَرّاء فى قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) : أى يرخَّص

__________________

(١) الرجز لبعض بنى أسد ، كما فى المخصص (١٦ : ٦٧). وأنشده فى (١١ : ٧١). وقبله ، كما فى المخصص واللسان (عنب) :

؟ أحيانا وحيفا يسقين

(٢) الجمهرة (٢ : ٢٠).

(٣) فى الأصل : «ويقال عليه».

١٥٠

لكم فى تزويج الإماء إذا خافَ أحدُكم أن يَفجُر. قال الزّجَّاج : العَنَت فى اللغة : المَشَقّة الشديدة. يقال أكَمَةٌ عَنوتٌ ، أى شاقّة. قال المبرِّد : العَنَت هاهنا : الهلاك : وقال غيره : معناه ذلك لمن خاف أن تحمله الشَّهْوَةُ على الزِّنَى ، فيلقى الإثمَ العظيمَ فى الآخرة.

عنج العين والنون والجيم أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على جَذْب شىء بشىء يمتدّ ، كحبلٍ وما أشبهه. قال الخليل : العِنَاج : سَيْر أو خيط يُشدُّ فى أسفل الدّلو ، ثمَّ يشَدُّ فى عُروتها. وكلُّ شىءٍ له ذلك فهو عِنَاج. فإذا انقطع الحبلُ أمسك العِناجُ الدَّلوَ أن تقع فى البئر. قال : [وكلُ] شىءٍ تجذبه إليك فقد عَنَجتَه. قال :

قومٌ إذا عقَدوا عَقداً لجارهم

شدوا العِناجَ وشدُّوا فوقه الكَرَبا (١)

وقال آخر :

وبعضُ القولِ ليس له عِناجٌ

كسَيل الماء ليس له إتاءٌ (٢)

الإتاء : المادَّة. وجمع العِناج عُنُج ، وثلاثةُ أعنِجة. والرجل يَعْنِجُ إليه رأسَ بعيره ، أى يجذِبُه بخِطامه. ويقال : إنّ العِناج إنّما يكون فى عُرَى الدَّلو ، ولا يكون فى أسفلها. وأنشد :

لها عِناجانِ وسِتُّ آذانْ (٣)

واسعةُ الفَرْغ أديمان اثنانْ

__________________

(١) البيت للحطيئة فى ديوانه ٧ واللسان (عنج).

(٢) البيت للربيع بن أبى الحقيق ، كما فى البيان (٣ : ١٨٦) ، انظر معه الحيوان (٣ : ٦٨) واللسان (عنج ، أتا).

(٣) البيت فى المخصص (١٦ : ١٨٦). وأنشد أبو زيد فى نوادره ١٢٩ :

لادلو إلا مثل دلو أهمان

واسمه الفرغ أديمان اثنان

مما تنقت عن عكاظ الركبان

إذا استقلت رجف العمودان

لها عناجان وست آفاق

١٥١

قال ابنُ الأعرابىّ : عَنَجْت الدّلو وأعْنَجْتُها. قال أبو زيد : العَنْج : جذبُك رأسَها وأنت راكبُها. يعنى النّاقة. قال أبو عُبيدة : من أمثالهم فى الذى لا يَقبل الرِّياضة : «عَوْدٌ يُعَلّم العَنْج». وأما الذى ذكرناه من قوله :

وبعض القول ليس له عِناجٌ

فقال أبو عمرو بن العلاء : العِناج فى القول : أن يكون [له] حصاةٌ فيتكلَّم بعلمٍ ونَظر ؛ وإذا لم يكن له عِناج خرجَ منه ما لا يريد صاحبُه : ومعنى هذا الكلام ألَّا يكون لكلامه خِطام ولا زِمام ، فهو يذهب بحيث لا معنى له. وتقول العرب : عِناج أمْرِ فلان ، أى مَقَاده ومِلاك أمره. وأمّا العُنْجوج فالرَّائِع من الخيل ، والجمع عناجيج. قال الشّاعر :

نحنُ صَبَحْنا عامراً وعَبْسا

جُرْداً عناجيجَ سبقْن الشَّمْسا (١)

فمحتملٌ أن يكون اسماً موضوعاً من غير قياس كسائر ما يشذُّ عن الأصول ، ومحتمل أن يكون سمِّى بذلك لطوله أو طول عنقِه ، فقياسٌ بالحبل الطويل.

قال أبو عبيدة : العُنجوج من الخيل : الطويل العُنق ، والأنثى عنجوجة. ومما يؤيِّد هذا التَّأويلَ قولهم : استقام عُنْجُوج القومِ ، أى سَنَنُهم. فهذا يصحِّح ذاك ؛ لأن السَّنَن يمتدُّ أيضاً.

وممَّا حُمِل على هذا تشبيهاً قولُهم : عناجيج الشَّباب ، وهى أسبابه. قال ابن أحمر :

ومضَتْ عناجيجُ الشّبابِ الأغْيَدِ

ويقولون : رجل مِعْنَج ، إذا تعرَّض فى الأمور ، كأنّه أبدًا يمدُّ بسبب منها فيتعلَّق به.

__________________

(١) فى الأصل : «سبقنا الشمسا».

١٥٢

عند العين والنون والدال أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على مجاوزةٍ وتركِ طريق الاستقامة. قال الخليل : عَنَد الرّجل ، وهو عانِدٌ ، يَعْنُد عُنودًا ، إذا عَتا وطغَى وجاوَزَ قَدْرَه. ومنه المعانَدة ، وهى أن يعرف الرّجُل الشىء ويأبى أن يقبله. يقال : عَنَدَ فلانٌ عن الأمر ، إذا حادَ عنه. والعَنُود من الإبل : الذى لا يخالط الإبل ، إنما هو فى ناحية. قال :

وصاحبٍ ذى رِيبةٍ عَنُودِ

بَلّدَ عنى أسوأ التبليدِ

ويقال : رجلٌ عنودٌ ، إذا كان وحدَه لا يُخالِط الناس. وأنشد :

ومولى عَنودٍ ألحقته جريرةٌ

وقد تُلْحِق المولى العَنودَ الجرائِرُ (١)

قال : وأمّا العَنيد ، فهو من التجبُّر ، لذلك خالفوا بين العَنيد ، والعَنود ، والعاند. ويقال للجبّار العَنيدِ : لقد عَنَد عَنْداً وعُنُوداً.

قال الخليل : العِرق العاند : الذى يتفجَّر منه الدّمُ فلا يكاد يَرقَأ. تقول : عَنِد عِرقُه.

قال ابن دُريد (٢) : طريقٌ عاند ، أى مائل. وناقة عَنودٌ ، إذا تنكّبت الطّريقَ مِن نشاطها وقوّتها قال الراجز :

إذا ركبتمْ فاجعَلونى وَسَطا

إنِّى كبيرٌ لا أُطيق العُنَّدَا (٣)

__________________

(١) البيت فى اللسان (عند).

(٢) الجمهرة (٢ : ٢٨٣).

(٣) جمع بين الطاء والدال فى القافية ، وهو الإكفاء. الجمهرة واللسان (عند) وأدب الكاتب ٣٧١ والاقتضاب ٤١٥.

١٥٣

ما عنه عُنْدُدٌ (١) : أى ما منه بدّ ، فهذا من الباب. تفسير ما عنه عَنْدَد ، أى ما عنه مَيل ولا حَيدُودة. قال جندل :

ما الموتُ إلّا مَنْهل مُستَوْرَدُ

لا تأمَننْه ليس عنه عُنْدُدُ

ويقال : أعْنَدَ فى قَيئِه ، إذا لم ينقطع. قال يعقوب : عِرْقٌ عاند قد عَنَدَ يَعْنُد دمُه ، أى يأخذ فى شِقّ. قال :

وأىُّ شىءٍ لا يحبُّ ولدَهْ

حتى الحبارى ويَدُفُ عَنَدَه (٢)

أى ناحية منه يُراعيه. ويقال : استَعْنَدَ البعيرُ ، إذا غَلَبَ قائدَه على الزِّمام فجرّه.

ومن الباب مثلٌ من أمثالهم : «إنَّ تحت طِرِّيقَتِهِ لعِنْدَأْوَةً». الطِّرِّيقة : اللِّين. يقال : إن تحت ذلك اللِّين لعظمةً وتجاوُزاً وتعدِّياً.

فأمّا قولُهم : زيدٌ عِنْدَ عمرو ، فليس ببعيدٍ أن يكون من هذا القياس ، كأنَّه قد مال عن الناسِ كلِّهم إليه حتى قرُبَ منه ولزِقَ به.

عنز العين والنون والزاء أصلانِ صحيحان : أحدهما يدلُّ على تنحٍّ وتعزُّل ، والآخر جنسٌ من الحيوان.

فالأول : قولهم : اعتنز فلانٌ ، أى تنحَّى وترك النّاحيةَ اعتنازاً. ويقال : ما لى عنه مُعْتَنَزٌ ، أى مُعتَزَل ، وأنشدوا :

كأنِّى سهيلٌ واعتنازُ محلِّه

تعرُّضُه فى الأفق ثم يجورُ

__________________

(١) فى الأصل : «عند» ، صوابه فى المجمل واللسان. والعندد ، بفتح الدال الأولى وضمها كما ضبط فى المجمل واللسان.

(٢) أنشده فى مجالس ثعلب ٢٦٨. وانظر اللسان (عند) وقد أورده فى (حبر ٢٣٢) يهئية النثر.

١٥٤

والأصل الآخر العَنْز : الأنثى من المِعْزى ومن الأوعال والظِّباء. ويقال للأنثى من أولاد الظباء عَنْز ، وثلاثُ أعنز ، والجمع عِنَازٌ. قال أبو حاتم : لم أسمع فى الغَنَم إلّا ثلاث أعنُز ، ولم أسمع العِنَازَ إلا فى الظباء. ويقولون : العَنْز : ضربٌ من السمك. وربما قالوا للأنثى من العِقبان عَنْز. قال بعضهم : العَنْز : العُقاب. وكلُّ ذلك مِمَّا حُمِل على العَنْز من الغنم.

ومما شذَّ عن هذا الباب وعن الأوَّل : العَنَزة ، كهيئة العَصا. وبه سمِّىَ عَنَزَة من العرب.

ومن الباب الأوَّل قولهم مُعَنَّز الوجه ، إذا كان خفيفَ لحمِ الوجه. وهذا كأنه مشبَّه بالعَنْز من الغنم. ومن الأماكن عُنَيزةُ ، وهى أرضٌ. قال مهلهل :

كأنَّا غُدْوةً وبنى أبِينا

بجنب عُنَيزةٍ رَحَيَا مُديرِ (١)

عنس العين والنون والسين أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على شدَّةٍ فى شىء وقوَّة. قال الخليل : العَنْس : اسمٌ من أسماء الناقة ، يقال إنما سميت عنساً إذا تمّت سنُّها ، واشتدَّت قوَّتُها ووَفُرت عظامُها وأعضاؤها ؛ واعنونَسَ ذنَبُهَا ؛ واعنيناسُه : وفور هُلْبِه وطُوله. قال الطرِمَّاح يصف الثَّوْر :

يمسح الأرض بمُعْنَوْنِسٍ

مثلِ مئلاة النِّياحِ القيامْ (٢)

وقال العجّاج :

__________________

(١) من أبيات فى معجم البلدان (عنيزة). والقصيدة طويلة مشروحة فى أمالى القالى (٢ : ١٢٩ ـ ١٢٣). وأبياتها ثلاثون.

(٢) ديوان الطرماح ١٠٤ واللسان (عنس). وفى الديوان : «مثلاة الفئام» ، قال شارحه : «الفثام : الجماعات».

١٥٥

كم قد حَسَرْنا من عَلاةٍ عَنْس

كَبْدَاء كالقوس وأُخرى جَلْسِ (١)

ومن الباب : عَنسَت المرأة ، وهى تَعْنُسُ عُنوساً ، إذا صارت نَصَفاً وهى بعدُ بِكرٌ لم تَزَوَّجْ. وعَنَّسها أهلُها تعنيساً ، إذا حبسوها عن الأزواج حتى جازت فَتَاء السّنّ ، ولم تُعَجِّز بعدُ. وهذا قياسٌ صحيح ، لأنَّ ذلك حين اشتدادها وقوّتها. ويقال امرأة معنَّسة ، والجمع مَعانس ومُعَنَّسات ، وهى عانِس والجمع عوانس. وأنشد :

وعِيطٍ كأسراب القطا قد تشوّفت

معاصيرُها والعاتقات العوانسُ (٢)

وجمع عانسٍ عُنَّس. قال :

فى خَلْقِ غرّاءَ تبذّ العُنَّسا (٣)

وذكر الأصمعىُّ أنه يقال فى الرِّجال أيضاً : عانس ، وهو الذى لم يتزوّجْ.

وأنشد :

مِنَّا الذى هو ما إن طَرَّ شاربُه

والعانسون ومِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ (٤)

وذكر بعضُهم أنَ العنْس : الصَّخرة. وبها تُشَبَّه الناقة الصُّلْبة فتسمى عَنْساً. وليس ذلك ببعيد.

عنش العين والنون والشين أُصَيل لعلّه أن يكون صحيحاً. وإن

__________________

(١) من أرجوزة فى ملحقات ديوانه ٧٨ ـ ٨٠. والبيت الأول فى اللسان (عنس) بدون نسبة. والجلس : الوثيقة الجسيمة. وفى الأصل : «حبس» تحريف ، صوابه فى الديوان.

(٢) لذى الرمة فى ديوانه ٣٢٠ وللسان (عنس). وإنشاده فيهما : «وعيطا». وقبله فى الديوان :

مراعاتک الاجال ما بن شارع

؛لد حث حاچت عن عناق الآواعس

(٣) للعجاج فى ديوانه ٣١ برواية :

زمان؟ تروق العلا

(٤) لأبى قيس بن رفاعة؟؟؟ سبق فى تخريجه (طر؟؟؟).

١٥٦

صحَّ فهو يدلُّ على تمرُّسٍ بشىء. يقولون : فلانٌ يُعَانِشُ النَّاسَ ، أى يقاتلهم ويتمرَّس بهم. ويُعانِش : يظالم. وينشدون :

إذاً لأتاه كلُّ شاكٍ سِلاحُه

يُعانِشُ يومَ البأس ساعِدهُ جَزْلُ

ويقولون : عانشت الرّجل : عانقتُه. وينشدون لساعِدَة :

عِناشُ عَدُوٍّ لا ينالُ مُشَمِّراً

بِرَجْلٍ إذا ما الحربُ شُبَّ سعيرُها (١)

وهذا إن لم يكن من باب الإبدال وأن يكون الشين بدلاً من القاف فما أدرى كيف هو. ونرجو أن يكون صحيحاً إن شاء الله.

قال ابن دريد (٢) : عنَشت الشىء أعنِشُهُ عَنْشاً ، إذا عطفتَه. وهذا أيضاً قريبٌ من الذى ذكرناه.

عنص العين والنون والصاد أُصَيل صحيحٌ على شىء من الشَّعْرَ. قال الخليل : العُنْصُوة : الخُصْلة من الشَّعر. قال الشاعر :

لقد عَيَّرَتْنِى الشَّيبَ عرسى ومَسَّحت

عناصِىَ رأسى فهى من ذاك تعجبُ

ومما يُقاس على هذا قولُهم : بأرضِ بنى فلانٍ عَنَاصٍ من النَّبت ؛ وكذلك الشَّعر إذا كان قليلاً متفرِّقا ، الواحدة عُنصُوَة. قال أبو النَّجم :

إن يُمْسِ رأسى أشمطَ العَناصِى

كأنما فرَّقَه مُناصِى (٣)

قال الفرّاء : يقال : ما بقى من مالِه إلّا عَنَاصٍ ، وذلك إذا بقِى منه اليسير. قال ابنُ الأعرابى : العُنْصُوة : قُنزُعة فى جانب الرأس.

__________________

(١) ديوان الهذليين (٢ : ٢١٥) واللسان (عنش).

(٢) فى الجمهرة (٣ : ٦٢).

(٣) الرجز فى اللسان (عنص ، نصى).

١٥٧

عنط العين والنون والطاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على طول جسمٍ وحُسنِ قوام.

قال الخليل : العَنطْنط ، اشتقاقه من عَنَط ، ولكنَّه قد أُردِف بحرفين فى عَجُزه. قال رؤبة :

يَمطُو السُّرَى بعُنقُ عَنَطنَطِ (١)

وامرأة عَنَطْنطة : طويلة العُنُق مع حُسْن قَوام. قال يصف رجلاً وفرساً :

عَنَطْنَطٌ تعدو به عَنطنطهْ

للماء تحت البطن منْه غطمطهْ (٢)

عنف العين والنون والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف الرِّفق. قال الخليل : العُنْف: ضدُّ الرِّفق. تقول عَنُفَ يعنُف عُنْفاً فهو عنيف ، إذا لم يَرفُق فى أمره. وأعنفته أنا. ويقال : اعتنفْت الشّىء ، إذا كرهتَه ووجدتَ له عُنْفاً عليك ومشَقّة. ومن الباب : التعنيف ، وهو التَّشديد فى اللوم. فأمَّا العُنْفَوان فأوَّل الشّىء ، يقال عُنفُوان الشَّباب ، وهو أوّله ، فهذا ليس من الأوّل ، إنّما هذا من باب الإبدال ، وهو أنّ العينَ مبدلةٌ من همزة ، والأصل الأَنْف ؛ وأنفُ كلِّ شىء : أوّله. قال :

ماذا تقول بِنتَها تلمَّسُ

وقد دَعاها العُنفوانُ المُخْلِسُ

وقال آخَر :

تلومُ امرأً فى عنفوانِ شبابِه

وتترك أشْياعَ الضَّلال تحين

__________________

(١) ديوان رؤبة ٨٤ واللسان (عنط).

(٢) الرجز فى اللسان (عنط).

١٥٨

عنق العين والنون والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على امتدادٍ فى شىء ، إمَّا فى ارتفاعٍ وإمَّا فى انسياح.

فالأوّل العنُق ، وهو وُصْلةُ ما بين الرّأس والجسد ، مذكّر ومؤنَّث ، وجمعه أعناق. ورجلٌ أعنق ، أى طويل العنُق. وجبلٌ أعنَقُ : مشرِف. ونجدٌ أعنق ، وهضْبةٌ عنقاء. وامرأةٌ عنقاءُ : طويلة العنُق. وهَضْبة مُعنِقة أيضاً. قال :

عيطاءَ مُعْنِقَةٍ يكون أنيسُها

وُرْقَ الحمام جميُمها لم يؤكَلِ (١)

قال الأصمعىّ : المُعَنِّقات (٢) مثل المُعْنِقات. قال عُمَر بن لجأ :

ومن هَضْب الأرومِ مُعَنِّقات

قال أبو عمرو : المُعنِّق : الطويل. وأنشد :

فى تامكٍ مثل النَّقا المُعنِّقِ

قال أبو عمرو : العنقاء فيما يقال : طائرٌ لم يبق إلّا اسمُه. وسمِّيت عنقاءَ لبياضٍ كانَ فى عُنقها وفى المثَل لما لا يوجَد : «طارت به العَنْقاء». فأمَّا قولهم للجماعة عُنُق ، فقياسه صحيح ، لأنَّه شىءٌ يتّصل بعضُه ببعض. قال الله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) ، أى جماعتُهم. ألَا ترى أنَّه قال : (خاضِعِينَ) ، ولو كانت الأعناق أنفُسها لقال خاضعة أو خاضعات. وإلى هذا ذهبَ أبو زيد. وقال النحويُّون : لمّا كانت الأعناقُ مضافةً إليهم رَدَّ الفعل إليهم دونَها.

قال محمد بن يزيد : لمّا كان خضوعُ أهلها بخضوع أعناقهم أخبرَ عنهم ، لأنَ

__________________

(١) لأبى كبير الهذلى. ديوان الهذليين (٢ : ٩٧) ، واللسان (عنق). وفى الأصل : «عيناء» صوابه من الديوان. وبدله فى اللسان : «عنقاء».

(٢) فى الأصل : «المنعقات» ، تحريف.

١٥٩

المعنى راجعٌ إليهم. والعرب تقول : ذلّت عنُقى لفلانٍ ، وخضَعت رقبتى له ، أى خضعت له ، وذلك كما قالوا فى ضدِّه : لوى عنقَه عنِّى ولم تَلِنْ لى أَخادِعُه ، أى لم يخضع لى ولم يَنقَدْ.

قال الدريدىّ : أعنَقْتُ الكلبَ أُعْنِقه إعناقاً ، إذا جعلت فى عنقه قِلادةٍ أو وترا (١).

والمِعنقة : مِعنقة الكَلْب ، وهى قِلادتُه. ويقال لما سطع من الرِّياح : أعناق الرِّياح. ويقولون : أعنَقَت الريح بالتراب. قال الخليل : اعتُنِقَت الدّابّةُ فى الوَحْل ، إذا أخرجت عنقَها. قال رؤبة :

خارجةً أعناقُها من معتَنَقْ (٢)

المعتنَق : مخرج أعناق الجِبال من السراب ، أى اعتنقت فأخرجت أعناقَها (٣). والاعتناق من المعانقة أيضاً ، غير أنَ المعانَقةَ فى المودّة ، والاعتناقَ فى الحربِ ونحوِها. تقول اعتنَقُوا فى الحرب ، ولا تقول تعانقوا. والقياس واحد ، غير أنَّهم اختاروا الاعتناقَ فى الحرب ، والمعانقةَ فى المودّةِ ونحوها. فإذا خَصَّصَتْ بالفعل واحداً دون الآخر لم تَقُل إلّا عانق فلانٌ فلاناً. وقد يقال للواحد اعتَنَق. قال زُهير :

يَطعُنُهم ما ارتَمَوْا حتَّى إذا اطَّعنُوا

ضاربَ حتَّى إذا ما ضاربوا اعتَنَقا (٤)

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ١٣٢).

(٢) مجالس ثعلب ٤١٨ واللسان (عنق). وقبله كما فى الديوان ١٠٤ :

تبچر لنا أعلاه بعد الفرق

في قطع الال وهبوات الدقق

(٣) ثعلب : «لات بها السراب فالتف بها فلم يبلغ أعاليها ، أى اعتنقها السراب».

(٤) ديوان زهير ٥٤ واللسان (عنق).

١٦٠