معجم مقاييس اللغة - ج ٤

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٥

أى إنّها تَحمِل الماءَ إلى فراخها فى حواصلها ، فإذا ملأت حَوصلتَها لم تُعِن القطاةَ الأخرى على حَمْلها.

وتقول : أعكِمْنى ، أى أعِنِّى على حمل العِكْم. فإنْ أمرْتَه بحمله قلت : اعكِمْنى مكسورة الألف إن ابتدأت ، ومدرجةً إن وصلت. كما تقول أبْغِنى ثوباً ، أى أعنِّى على طَلبِه.

ويقال عكْمَت النّاقةُ وغيرُها : [حَمَلَت (١)] شحما على شحم ، وسِمَناً على سِمَن. واعتكم الشّىءُ وارتكَمَ ، بمعنًى.

وأمّا قولهم عَكَم عنه ، إذا عَدَلَ جُبْناً ، فهو من البابِ ، لأنَّ الفَزِعَ إلى جانبٍ يَتَضَامُّ. وقال :

ولاحَتْه مِن بعد الوُرودِ ظَمَاءَةٌ

ولم يَكُ عن ورد المياه عَكُوما (٢)

أى لم ينصرِفْ ولم يتضامَّ إلى جانب. فأمَّا قولُه :

فجال فلم يَعْكِم وشَيَّع إلفَه

بمنقَطَع الغضراء شَدٌّ مُوالفُ (٣)

فقوله : «لم يعكم» معناه لم يكُرَّ ، لأنّ الكارَّ على الشىء متضامٌّ إليه.

ويقال : ما عَكَمَ عن شتمى ، أى ما انقبض. ومنه قول الهذلىّ (٤) :

أزُهيرُ هل عن شَيبةٍ من مَعْكِم

أم لا خُلودَ لباذِلٍ متكرّمٍ (٥)

__________________

(١) التكملة من اللسان.

(٢) فى اللسان : «عكوم» بفتح العين أيضاً وبالرفع. وفسر «العكوم» فيه بأنه المنصرف.

(٣) البيت لأوس بن حجر فى ديوانه ١٦ بهذه الرواية أيضاً. وفى المجمل مع نسبته إلى أوس كذلك : «وشبع نفسه». وفى اللسان مع النسبة : «وشيع أمره».

(٤) هو أبو كبير الهذلى. ديوان الهذليين (٢ : ١١١) ، واللسان (عكم). وصدره فى المجمل بدون نسبة.

(٥) الباذل : الذى يبذل ماله. وفى اللسان : «بازل» ، تحريف.

١٠١

يريد بمعكِم : المَعْدِل.

وأمّا قول الخليل* يقال للدابّة إذا شربت فامتلأ بطنُها : ما بقِيتْ فى جوفها هَزْمة ولا عَكْمةٌ إلّا امتلأت ، فإنَّه يريد بالعَكْمة الموضعَ الذى يجتمع فيه الماء فيَرْوَى. والقياسُ واحد. قال :

حتَّى إذا ما بلّت العُكوما

من قَصَب الأجواف والهُزُوما (١)

ومن الباب : رجل مُعَكَّم (٢) ، أى صُلب اللَّحم.

عكن العين والكاف والنون أصلٌ صحيحٌ قريب من الذى قبله ، قال الخليل : العُكَن: جمع عُكْنة ، وهى الطَّىُّ فى بطن الجارِية من السِّمَن. ولو قيلَ جاريةٌ عكْناء لجاز ، ولكنهم يقولون : مُعَكَّنة. ويقال تعكَّن الشّىء تعكناً ، إذا ارتكمَ بعضُه على بعض. قال الأعشى :

إليها وإنْ فاته شُبْعَةٌ

تأتَى لأخرَى عظيم العُكَنْ (٣)

ومن الباب : النَّعَم العَكَنانُ : الكثير المجتمع ، ويقال عَكْنانٌ بسكون الكاف أيضاً. قال :

وصَبَّحَ الماءَ بوِردٍ عَكْنان (٤)

قال الدريدىّ : ناقة عَكْناء ، إذا غلُظَت ضَرَّتُها وأخلافُها (٥).

__________________

(١) الرجز فى اللسان (عكم ، هزم).

(٢) كذا ضبط فى الأصل والمجمل والجمهرة (٣ : ١٣٦). وضبطه فى القاموس بلفظ «كمنبر». ومثله فى اللسان : «ورجل معكم بالكسر : مكتنز اللحم».

(٣) البيت مما لم يرو فى ديوان الأعشى ولا ملحقات ديوانه.

(٤) أنشده فى الصحاح واللسان (عكن).

(٥) نص الجمهرة (٣ : ١٣٧): «إذا غلظ لحم ضرتها وأخلافها». ومما يجدر ذكره أن «العكناء» لم تذكر فى اللسان.

١٠٢

عكو العين والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تجمُّع وغِلَظٍ أيضاً ، وهو قريب من الذى قبله.

[العَكوَة (١)] : أصل الذَّنب. وعكَوْثَ ذَنَب الدّابَّة ، إذا عطَفتَ الذَّنَب عند العَكْوة وعقَدتَه. ويقال : عَكَتِ المرأةُ شعرها : ضفَرته. وربما قالوا عَكَا على قِرْنِه ، مثل عَكَر وعَطَفَ. فإنْ كان صحيحاً فهو القياس. وجمع عُكوة الذَّنَب عُكىً. قال :

حَتَّى تُولِّيك عُكَى أذنابِها (٢)

ويقال للشَّاة التى ابيضَّ مؤخَّرها وسائرها أسود : عَكواء. وإنَّما قيل ذلك لأن البياض منها عند العُكَوة. فأمّا قولُ ابنِ مقبل :

لا يَعكُون بالأُزُرِ (٣)

فمعناه أنّهم أشرافٌ وثيابُهم ناعمة ، فلا يظهر لمعاقد أُزُرِهم عُكىً. وهذا صحيح لأنَّه إذا عَقَد ثوبَه فقد عكاه وجمّعه. ويقال : عَكَت النّاقةُ : غلظت. وناقةٌ مِعكاءٌ ، أى غليظةٌ شَديدة.

عكب العين والكاف والباء أصلٌ صحيح واحد ، وليس ببعيدٍ

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان.

(٢) قبله فى اللسان (عكا) :

علكت إن شربت في إكبابها

(٣) وبهذه القطعة مع النسبة استشهد أيضا فى المجمل ، والشعار بتمامه فى اللسان (عكا) مع النسبة :

شم؟ لا يعكون بالازر

وأنشده فى المخصص (٤ : ٩٧) برواية : «بيض مخاميص» ، وفى (١٣ : ٣٠): «شم العرانين» ، بدون نسبة فى الموضعين.

١٠٣

من الباب الذى قبلَه ، بل يدلُّ على تجمُّعٍ أيضاً. يقال : للإبل عُكوبٌ على الحوض ، أى ازدحام.

وقال الخليل : العَكَب : غِلظٌ فى لَحْىِ الإنسان. وأمَةٌ عكباء : عِلْجَة جافية الخَلْق ، من آمٍ عُكْبٍ. ويقال عَكَبت حولَهم الطّير ، أى تجمَّعَتْ ، فهى عُكُوبٌ. قال :

تظلُّ نُسورٌ من شَمَامِ عليهما

عُكُوباً مع العِقبان عقبانِ يَذْبُل (١)

ويقال العَكَب : عَوَج إبهام القدم ، وذلك كالوَكَع. وهو من التضامِّ أيضاً. وقال قومٌ : رجلٌ أعكب ، وهو الذى تدانت أصابع رجلِه بعضِها من بعض.

قال الخليل : العَكوب : الغُبار الذى تثِير الخيلُ. وبه سمِّى عُكَابة ابن صَعْب. قال بشر :

نَقلناهُم نَقلَ الكلابِ جرَاءَها

على كلِّ مَعلوبٍ يثور عَكُوبُها (٢)

والغُبار عَكُوبٌ لتجمُّعه أيضاً. قال أبو زيد : العُكاب : الدُّخان ، وهو صحيح ، وفى القياس الذى ذكرناه.

ومن الباب : رجل عِكَبٌ ، أى قصيرٌ. وكلُّ قصيرٍ مجتمعُ الخلق.

فأمّا قول الشيبانىّ : يقال : قد ثار عَكُوبُهُ ، وهو الصَّخَب والقتال ، فهذا إنما هو على معنى تشبيهِ ما ثار : الغبار الثائر والدُّخان. وأنشد :

لَبينما نحنُ نرجو أن نصبِّحكم

إذْ ثار منكم بنصف الليل عَكُّوبُ (٣)

والتشديد الذى تراه لضرورة الشِّعر.

__________________

(١) البيت لمزاحم العقيلى ، كما فى اللسان (عكب).

(٢) البيت من قصيدة له فى المفضليات (٢ ـ ١٢٩ ـ ١٣٣). وأنشده فى اللسان (عكب ، علب). وفى الأصل : «كل العكوب» ، صوابه باللام.

(٣) فى الأصل : «أن نصححكم».

١٠٤

عكد العين والكاف والدال أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على مثلِ ما دلَّ عليه الذى قبلَه. فالعكدة (١) : أصل اللسان. ويقال اعتكَدَ الشىء ، إذا لزِمَه (٢).

قال ابن الأعرابىّ : وهو مشتقٌّ من عَكَدة اللِّسان. فأمَّا قول القائل :

سَيَصْلَى بها القومُ الذين عُنُوا بها

وإلّا فمعكودٌ لنا أمُّ جندبِ (٣)

فمعناه أنَّ ذلك ممكنٌ لنا مُعَدٌّ لنا مُجمَع عليه. وأمّ جندب : الغَشْم والظُّلم. ويقال لأصل القلب عَكَدة.

ومن الباب عكَدَ الضبُ عَكَداً ، إذا سَمِنَ وغلُظ لحمه. قال : والعَكد (٤) بمنزلة الكِدْنة ، وهى السِّمَن. ويقال : إنّ العَكَد فى النَّبات غلظهُ وكثرتُه. وشجرٌ عكِدٌ ، أى يابس* بعضُه على بعض. وناقة عَكِدةٌ : متلاحِمَةٌ سِمَنا. ويقال : استعكد الضبُّ ، إذا لاذَ بحَجَر أو حُجْر. قال الطِّرِمَّاح :

إذا استعكدتْ منه بكلِّ كُدَايةٍ

من الصَّخر وافاها لدى كلِّ مسرَحٍ (٥)

وعُكِد مثل حُبِس. والشىء المعَدّ معكود.

عكر العين والكاف والراء أصلٌ صحيح واحد ، يدلُّ على مثل ما دلَّ عليه الذى قبله من التجمُّع والتَّراكُم. يقال اعتكر الليلُ ، إذا اختلط سوادُه. قال :

__________________

(١) العكدة ، بالضم وبالتحريك.

(٢) الكلمة وتفسيرها فى القاموس والمجمل ، ولم ترد فى اللسان.

(٣) فى المجمل : «سيصلى به القوم» ، وفى اللسان : «سنصلى بها القوم».

(٤) فى الأصل : «العكدة».

(٥) ديوان الطرماح ٨٥ واللسان (عكد) بدون نسبة ، ويروى : «إذا استترت».

١٠٥

تطاوَلَ اللَّيلُ علينا واعتَكَرْ

ويقال اعتَكَر المطرُ بالمكان ، إذا اشتدَّ وكثُر. واعتكرت الرِّيح بالتُّرَاب ، إذا جاءت به.

ومن الباب العَكر : دُرْدِىُّ الزَّيت. يقال عَكِرَ الشَّرَاب يَعْكَر عكَراً. وعكَّرتُه أنا جعلت فيه عَكراً.

ومن الباب عكر على قِرنِه ، أى عطَفَ ؛ لأنَّه إذا فعل فهو كالمتضامِّ. إليه. قال :

يا زِمْلُ إنِّى إن تكن لى حادياً

أعْكِر عليك وإن تَرُغْ لا نَسْبِقِ (١)

ويقال : ليس له مَعْكِر ، أى مرجع ومَعطِف. ويقال : المَعكِر : أصل الشَّىء. وهو القياس الصحيح ؛ لأنَّ كلَّ شىءٍ يتَضامُّ إلى أصله. ورجع فلان إلى عِكْرِه ، أى أصله. ويقولون : «عادت لِعكرِها لَمِيسُ». ومن الباب العَكَر : القطيع الضَّخْم من الإبل فوق الخمسمائة. قال :

فيهِ الصَّوَاهلُ والراياتُ والعَكَرُ

ويقال للقِطعة عَكَرة ، والجمع عَكَر ، وربما زادوا فى أعداد الحروف والمعنى واحدٌ ، يقال : العَكَرْكَرُ : اللبن الغليظ. قال :

فجاءَهُمْ باللّبَنِ العَكَرْكَرِ (٢)

عِضٌّ لئيمُ المنتمَى والمَفْخَرِ (٣)

__________________

(١) البيت لسالم بن دارة ، كما فى الحماسة (١ : ١٤٩) ، وروى فى الحيوان (٣ : ٣٩١). منسوبا إلى أرطاة بن سهية. وهو برواية أخرى فى الأغانى (١١ : ١٣٧) مع نسبته إلى أرطاة.

(٢) الرجز لنجاد الخيبرى ، كما فى اللسان (عضض). وروايته فى (عكر ، عضض): «فجعهم».

(٣) فى الأصل واللسان (عكر): «غض» ، تحريف. وفى اللسان : «المنتهى والعنص».

١٠٦

وذكر ابن دريد (١) : تعاكر القوم : اختلطوا فى خصومةٍ أو نَحْوها.

عكز العين والكاف والزاء أُصَيلٌ يقرُب من الباب قبله. قال الدريدى (٢) : العَكْز : التقبُّض. يقال عَكِزَ يَعْكَزُ عَكْزاً. فأمَّا العُكَّازَة فأظنُّها عربيّة ، ولعلَّها أن تكون سمِّيت بذلك لأنَّ الأصابع تتجمَّع عليها إذا قَبَضَت. وليس هذا ببعيد.

عكس العين والكاف والسين أصلٌ صحيح واحدٌ ، يدلُّ على مثل ما تقدَّم ذكره من التجمّع والجَمْع.

قال الخليل : العَكيس من اللبن : الحليب تصَبُّ عليه الإهالة. قال :

فلما سقيناها العَكِيس تَمَلَّأتْ

مذاخِرُها وارفضَّ رَشْحاً وريدُها (٣)

المذاخر : الأمعاء التى تذْخرُ الطَّعام.

ومن الباب : العَكْس ، قال الخليل : هو ردُّك آخرَ الشىءِ ، على أوله ، وهو كالعَطْف. ويقال تعكَّسَ فى مِشْيَتِه ، ويقال العَكس : عَقْل يدِ البعير والجمعُ بينهما وبين عنقه ، فلا يقدرُ أن يرفعَ رأسه. ويقال : «مِن دون ذلك الأمر عِكاسٌ» ، أى تَرادٌّ وتراجُع.

عكش العين والكاف والشين أصلٌ صحيح يدلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الذى تقدّمَ من التجمُّع. يقال عَكِشَ شعرُه إذا تلبَّد. وشعر مُتَعكِّش

__________________

(١) فى الجمهرة (٢ : ٣٨٥).

(٢) الجمهرة (٣ : ٦).

(٣) سبقت نسبته فى (ذخر) إلى منظور الأسدى. وكذا جاءت نسبته فى اللسان (رشح ، عكس). ونسب فى اللسان (مذح ، ذخر) إلى الراعى.

١٠٧

وقد تعَكَّش. قال دريد :

تمنَّيْتَنِى قيسَ بنَ سعدٍ سفاهةً

وأنت امرؤٌ لا تحتويك المَقَانبُ

وأنت امرؤٌ جعد القفا متعكِّشٌ

من الأقِطِ الحَولىِّ شَبْعان كانبُ (١)

وأنشد ابنُ الأعرابىّ :

إذ تَسْتَبِيك بفاحمٍ متعكّش

فُلَّتْ مَدَاريهِ أحَمُّ رَفَالُ

وقد يقال ذلك فى النبات. يقال : نباتٌ عكِشٌ ، إذا التفَّ. وقد عَكِشَ عَكَشاً. والذى ذُكِر فى الباب فهو راجعٌ إلى هذا كلّه.

وفى كتاب الخليل أنّ هذا البناء مهمل. وقد يشِذُّ عن العالِمِ البابُ من الأبواب. والكلام أكثر من ذلك.

عكص العين والكاف والصاد قريبٌ من الذى قبلَه ، إلّا أن فيه زيادةَ معنى ، هى الشّدَّة. قال الفرّاء : رجل عَكِصٌ ، أى شديد الخُلُق سيِّئُه وعَكَصُ الرَّمل : شِدّة وُعوثته. يقال رملةٌ عَكِصَةٌ.

عكف العين والكاف والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مقابلةٍ (٢) وحبس. يقال : عَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ عُكوفاً ، وذلك إقبالك على الشَّىء لا تنصرف عنه. قال :

فهن يعكفن به إذا* حجا

عَكْف النَّبيط يلعبون الفَنْزَجا (٣)

__________________

(١) هذا البيت فى اللسان (كنب) والأصمعيات ١٢ ليبسك ، من قصيدته التى مطلعها :

يا راكبا إما عرنت قبلغن

أيا غالب أن قد فارنا بغالب

(٢) فى الأصل : «مقامة».

(٣) للعجاج فى ديوانه ٨ واللسان (عكف ، حجا ، فنزح).

١٠٨

ويقال عكفَت الطَّيرُ بالقتيل. قال عمرو :

تركنا الخيلَ عاكفةً عليه

مقلَّدةً أعنّتها صُفُونا (١)

والعاكف : المعتكف. ومن الباب قولهم للنَّظم إذا نُظم فيه الجوهر : عُكّف تعكيفاً. قال :

وكأنَّ السُّمُوطَ عَكَّفَها السِّلْ

كُ بعِطْفَىْ جَيداء أمِّ غزالِ (٢)

والمعكوف : المحبوس. قال ابن الأعرابىّ : يقال : ما عَكَفَكَ عن كذا ، أى ما حبَسك. قال الله تعالى : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ).

باب العين واللام وما يثلثهما

علم العين واللام والميم أصلٌ صحيح واحد ، يدلُّ على أثَرٍ بالشىء يتميَّزُ به عن غيره.

من ذلك العَلامة ، وهى معروفة. يقال : عَلَّمت على الشىء علامة. ويقال : أعلم الفارس ، إذا كانت له علامةٌ فى الحرب. وخرج فلانٌ مُعْلِماً بكذا. والعَلَم : الراية ، والجمع أعلام. والعلم : الجَبَل ، وكلُّ شىء يكون مَعْلَماً : خلاف المَجْهَل. وجمع العلَم أعلامٌ أيضا. قالت الخنساء :

وإنَّ صخراً لتَأتمُّ الهُداةُ به

كأنَّه علمٌ فى رأسه نارُ (٣)

والعلَم : الشَّقُّ فى الشَّفَة العليا ، والرجل أعلَمُ. والقياس واحد ، لأنَّه كالعلامة

__________________

(١) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم.

(٢) للأعشى فى ديوانه ٥ واللسان (عكف).

(٣) ديوان الخنساء ٢٧.

١٠٩

بالإنسان. والعُلام فيما يقال : الحِنَّاء ؛ وذلك أنّه إذا خضّب به فذلك كالعلامة. والعِلْم : نقيض الجهل ، وقياسه قياس العَلَم والعلامة ، والدَّليل على أنَّهما من قياسٍ واحد قراءة بعض القُرَّاء (١) : وإنّه لَعَلَم للسّاعة قالوا : يراد به نُزول عيسى عليه السلام ، وإنَّ بذلك يُعلَمُ قُرب الساعة. وتعلّمت الشَّىءَ ، إذا أخذت علمَه. والعرب تقول : تعلّمْ أنّه كان كذا ، بمعنى اعلَمْ. قال قيس بن زهير :

تَعَلّمْ أنَّ خيرَ النّاسِ حَيَّا

على جَفْر الهَباءة لا يريمُ (٢)

والباب كلُّه قياس واحد.

ومن الباب العالَمُون ، وذلك أنّ كلَّ جنسٍ من الخَلْق فهو فى نفسه مَعْلَم وعَلَم. وقال قوم : العالَم سمِّى لاجتماعه. قال الله تعالى : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمِينَ (٣)) قالوا : الخلائق أجمعون. وأنشدوا :

ما إنْ رأيتُ ولا سمع

تُ بمثلِهمْ فى العالَمِينا

وقال فى العالَم :

* فخندف هامة هذا العالم (٤)

__________________

(١) هم : ابن عباس ، وأبو هريرة ، وأبو مالك الغفارى ، وزيد بن على ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك ، ومالك بن دينار ، والأعمش ، والكلبى. تفسير أبى حيان (٨ : ٢٦). وفى الأصل : «قراءة القرآن من القراء».

(٢) صدره فى اللسان (علم) ، وهو فى معجم البلدان (الجفر ، الهباءة). وفى أمالى القالى (١ : ٢٦١) عند إنشاد الأبيات : «لم يرث أحد قتيلا قتله قومه إلا قيس بن زهير ، فإنه رثى حذيفة ابن بدر ، وبنو عبس تولت قتله».

(٣) هى الآية الآخيرة بتمامها من سورة الصافات ، كما أنها جزء من الآية ٤٥ فى سورة الأنعام وأولها : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا).

(٤) صواب الإنشاد فيه بالهمز «العألم» وذلك أن أرجوزة البيت غير مؤسسة. وهى فى ديون العجاج ٥٨ ـ ٦٢ وأولها :

يادار سلمى يا اسلمى ثم اسلمي

وكان رؤية ينشده بترك الهمز ويعيب أباه بذلك ، فقيل له : «قد ذهب عنك أبا الجحاف ما فى هذه ، إن أباك كان يهمز العالم والخاتم» ، يشار بذلك إلى أن قبل هذا البيت أيضا فى ديوان العجاج ٦٠ :

مبارك للأنبياء خاتم

١١٠

والذى قاله هذا القائلُ فى أنّ فى ذلك ما يدلُّ على الجمع والاجتماع فليس ببعيد ، وذلك أنّهم يسمون العَيْلم ، فيقال إنّه البحر ، ويقال إنّه البئر الكثيرةُ الماء.

علن العين واللام والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على إظهار الشَّىء والإشارة [إليه] وظهوره. يقال عَلَنَ الأمر يَعْلُنُ (١). وأعلنته أنا. والعِلَان : المُعالَنة.

عله العين واللام والهاء أصلٌ صحيح. ويمكن أن يكون مِن بابِ إبدال الهمزةِ عيناً ؛ لأنه يَجرى مَجرى الأَلَه [والوَلَه]. وهؤلاء الكلماتُ الثّلاثُ من وادٍ واحد ، يشتمل على حَيرة وتلدُّد وتسرُّع ومجىء وذَهاب ، لا تخلو من هذه المعانى.

قال الخليل : عَلِه الرّجل يَعْلَهُ عَلَهاً فهو عَلْهانُ ، إذا نازعَته نفسُه إلى شىء ، وهو دائم العَلَهان. قال :

أجَدَّت قَرُونِى وانجلَتْ بعد حِقبةٍ

عَمايةُ قلبٍ دائم العَلَهانِ

ومن الباب : عَلِهَ ، إذا اشتدَّ جُوعه ، والجائع عَلْهانُ ، والمرأة عَلْهَى ، والجمع عِلَاهٌ وعَلَاهَى. يقال عَلِهْتُ إلى الشىء ، إذا تاقت نفسُك إليه. ومن الباب قولُ ابنِ أحمر :

عَلِهْنَ فما نرجو حنيناً لِحُرَّةٍ

هِجانٍ ولا نَبنى خِباءً لأيِّمِ

كأنه يريد : تحيَّرْن فلا استقرارَ لهن. قالوا : والعَلْهانُ والعالِهُ : الظَّليم (٢).

__________________

(١) ويقال فى مضارعه أيضا «يعلن» كيضرب ، وعلن يعلن من باب فرح كذلك.

(٢) فرق فى اللسان بينهما فقال : «والعلهان : الظليم : والعاله : النعامة».

١١١

وليس هذا ببعيدٍ من القياس. ومن الذى يدلُّ على أنّ العَلَه : التّردُّد فى الأمر كالحيرة ، قول لبيد يصف بقرة :

عَلِهَتْ تبلّد فى نِهَاءِ صُعائدٍ

سَبْعاً تُؤَاماً كاملاً أيّامُها (١)

ومنه قول أبى النَّجم يصف الفرسَ بنشاطٍ وطرب :

من كلِ عَلْهَى فى اللجام جائل

ومن الأسماء التى يمكن أن تكون مشتقَّةً من هذا القياس العَلْهَان : اسم فرسٍ لبعض العرب (٢). قال جرير :

شَبَثٌ فخرتُ به عليك ومَعْقِلٌ

وبمالك وبفارسِ العَلْهَانِ (٣)

علو العين واللام والحرف المعتل ياءً كان أو واواً أو ألفاً ، أصلٌ واحد يدلُّ على السموّ والارتفاع ، لا يشذُّ عنه شىء. ومن ذلك العَلَاء والعُلُوّ. ويقولون : تَعالى النّهارُ ، أى ارتفع. ويُدْعَى للعاثر : لعاً لك عاليا! أى ارتفعْ فى علاء وثبات. وعاليتُ الرّجُل فوق البعير : عالَيْتُه. قال :

وإلّا تَجَلّلْهَا يُعَالُوكَ فَوقها

وكيف تَوَقَّى ظَهْرَ ما أنت راكبُهْ (٤)

__________________

(١) البيت من معلقة لبيد. وهذه الرواية تطابق رواية اللسان (بلد ، عله). والرواية المشهورة : «علهت تردد».

(٢) هو أبو مليل عبد الله بن الحارث ، كما فى اللسان والخيل لابن الأعرابى ٦٤ ـ ٦٥.

(٣) ديوان جرير ٥٧٢ وابن الأعرابى ٦٥. وشبث هذا هو شبث بن ربعى. ومعقل ، هو معقل بن قيس الرياحى.

(٤) البيت من أبيات للمتلمس رواها التبريزى فى تهذيب إصلاح المنطق ٢٣٨ ، وليست فى ديوان المتلمس. وأنشده فى اللسان (علا) وإصلاح المنطق ١٦٣ بدون نسبة. وقبله :

عصاني ولم يلق الرشاد وإنما

تبين من أمر الغوى عواقبه

فأصبح محمولا على ظهر؟

يمج نجيع الجوف منه ترائبه

١١٢

قال الخليل : أصل هذا البناء العُلُوّ. فأمّا العَلاء فالرِّفعة. وأمّا العُلُوّ فالعظمة والتجبُّر. يقولون : علا المَلِك فى الأرض عُلُوًّا كبيراً. قال الله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ). ويقولون : رجلٌ عالى الكعب ، أى شريف. قال :

لما عَلَا كعبك لى عَلِيتُ (١)

ويقال لكلِّ شىءٍ يعلُو : علا يَعْلُو. فإن كان فى الرِّفعة والشرف قيل عَلِىَ يَعْلَى. ومن قَهَر أمراً فقد اعتلاه واستعلى عليه وبه ، كقولك استولى. والفَرَس إذا جرى فى الرِّهان فبلغ الغايةَ قيل : استعَلى على الغاية واستولَى. وقال ابن السِّكّيت : إنّه لمُعتَلٍ بحمله ، أى مضطلعٌ به. وقد اعتلَى به. وأنشد :

إنّى إذا ما لم تَصِلْنى خُلّتِى

وتباعدَتْ مِنِّى اعتليتُ بعادَها (٢)

يريد علوت بعادها (٣). وقد علَوتُ حاجتى أعلوها عُلُوَّا ، إذا كنتَ ظاهراً عليها. وقال الأصمعىّ فى قول أوس :

جَلَّ الرُّزْء والعالى (٤)

أى الأمر العظيم الذى يَقهر الصّبرَ ويغلبُه. وقال أيضاً فى قول أميّة ابن أبى الصَّلت :

__________________

(١) أنشده فى اللسان (علا ٣١٨) شاهدا للغة على ، كرضى ، يعلى فى الشرف ، ويقال أيضا فيه : علا يعلى. والبيت لرؤبة ، كما فى اللسان ، وهو فى ديوانه ٢٥ من أرجوزة يمدح بها مسلمة بن عبد الملك قال ابن سيده : «ووجه إنشاده علا كعبك بى» ، أى أعلانى.

(٢) البيت فى مجالس ثعلب ٤١٣ واللسان (علا ٣٢٦).

(٣) فى الأصل : «علوتها بعادها». وفى اللسان : «علوت بعادها ببعاد أشد منه».

(٤) البيت فى ديوان أوس بن حجر ٢٢ ، وهو مطلع قصيدة :

يلعين لابد من سكب وتهمال

على فضالة جل الرزه والعالى

١١٣

إلى الله أشكو الذى قد أرى

من النّائبات يعافٍ وعالِ

أى بعفوى وجهدى ، من قولك علاه كذا ، أى غلبه. والعافى : السَّهل. والعالى : الشَّديد.

قال الخليل : المَعْلاة : كَسْبُ الشّرَف ، والجمع المعالى. وفلانٌ من عِلْية النّاس أى من أهل الشَّرف. وهؤلاء عِلْيَةُ قومِهم ، مكسورة العين على فِعلة مخفّفة. والسُّفل والعُلْو : أسفل الشىء وأعلاه. ويقولون : عالِ عن ثوبى ، واعلُ عن ثوبى ، إذا أردت قمْ عن ثوبى وارتفِعْ عن ثوبى ، وعالِ عنها ، أى تنح ؛ واعلُ عن الوسادة.

قال أبو مهدىّ : أَعلِ علىَ (١) وعالِ علىّ ، أى احملْ علىّ.

ويقولون : فلانٌ تعلوه العين وتعلو عنه العين ، أى لا تقبَله (٢) تنبو عنه والأصل فى ذلك كلِّه واحد. ويقال علا الفرَسَ يعلوه علوّا ، إذا ركبَه ؛ وأعلى عنه ، إذا نَزَل. وهذا وإن كان فى الظاهر بعيداً من القياس فهو فى المعنى صحيح ؛ لأنّ الإنسانَ إذا نزل عن شىءٍ فقد بايَنَه وعلا عنه فى الحقيقة ، لكنّ العربَ فرّقت بين المعنيين بالفرق بين اللفظين.

قال الخليل : العَلياء : رأس كل جبلٍ أو شَرَفٍ. قال زُهير :

تبصَّرْ خليلِى هل ترى من ظَعائنٍ

تحمّلنَ بالعلياء من فوق جُرثُم (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «اعل عنى». ونص أبى مهدى هذا نادر. وفى المجمل : «وعال على» أى احمل» فقط.

(٢) فى الأصل : «أى لا تقتله».

(٣) البيت من معلقته المشهورة.

١١٤

ويسمَّى أعلى القناةِ : العالية ، وأسفلها : السَّافلة ، والجمع العوالى. قال الخليل : العالية من مَحَالّ العربِ منَ الحجاز وما يليها ، والنسبة إليها على الأصل عالىٌ ، والمستعمَل عُلْوىّ.

قال أبو عبيد : عالَى الرّجُل ، إذا أتى العالية. وزعم ابنُ دريد (١) أنّه يقال للعالية عُلْو : اسمٌ لها ، وأنّهم يقولون : قدِم فلانٌ من عُلْو. وزَعَم أنّ النسب إليه عُلْوىّ.

قالوا : والعُلِّيَّة : غرفةٌ ، على بناء حُرِّيّة (٢). وهى فى التصريف فُعليّة ، ويقال فُعلولة.

قال الفرّاء فى قوله تعالى : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) : قالوا : إِنّما هو ارتفاعٌ بعد ارتفاعٍ إلى ما لا حدَّ له. وإنّما جُمِع بالواو والنون لأنَّ العرب إذا جمعت جمعاً لا يذهبون فيه إلى أنّ له بناءً من واحد واثنين ، قالوه فى المذكَّر والمؤنث نحوَ عليّين ، فإنّه إنّما يراد به شىءٌ ، لا يقصد به واحد ولا اثنان ، كما قالت العرب : «أطعمنا مَرَقةَ مَرَقِينَ (٣)». وقال:

قليِّصاتٍ وأبَيكرِينا (٤)

فجمع بالنون لما أراد العدد الذى لا يحدُّه. وقال آخر فى هذا الوزن :

__________________

(١) فى الجمهرة (٣ : ١٤٠).

(٢) أى على وزن «حرية». وتقال أيضا بكسر العين.

(٣) فى الأصل : «مرقتين» وفى اللسان (مادة مرق): «مرقين» بالتثنية ، تحريف. وقد جاء فى (علا ٣٢٧): «مرقين» على الصواب بالجمع. قال : «وسمعت العرب تقول : أطعمنا مرفة مرتين ، تريد اللحمان إذا طبخت بماء واحد».

(٤) أنشده فى اللسان (بكر ، علا). وأبيكرين ، هو جمع مصغر «أبكر». وهذا جمع «بكر».

١١٥

فأصبحت* المذاهبُ قد أذاعت

بها الإعصارُ بعد الوابِلينا (١)

أراد المطر بعد المطر ، شيئاً غير محدود.

وقال أيضاً : يقال عُلْيا مضر وسُفْلاها ، وإذا قلت سُفْلٌ قلت عُلْىٌ والسموات العُلَى الواحدة عُلْيا.

فأمّا الذى يحكى عن أبى زيد : جئت من عَلَيْك ، أى من عندك ، واحتجاجُه بقوله:

غَدَت مِن عَلَيْهِ بعد ما تمَّ ظِمْؤُها

تَصِلُّ وعن قَيضٍ بِزِيزاءَ مَجْهَلِ (٢)

والمستعلى من الحالبَينِ : الذى فى يده الإناء ويحلُب بالأخرى. ويقال المستعلى : الذى يحلُب الناقة من شِقِّها الأيسر. والبائن : الذى يَحلبُها من شِقِّها الأيمن.

وأنشد :

يبشِّر مستعلياً بائنٌ

من الحالِبينِ بأنْ لا غِرارَا (٣)

ويقال : جئتُك من أعلى ، ومن عَلا ، ومن عالٍ ، ومن عَلٍ. قال أبو النَّجم :

أقَبُّ من تحتُ عريضٌ من عَلِ

وقد رفعه بعضُ العرب على الغاية (٤) ، قال ابنُ رواحة :

شهِدتُ فلم أكذِبْ بأنَّ محمداً

رسولُ الذى فوق السموات من عَلُ

__________________

(١) البيت فى اللسان (وبل). أذاعت بها : أذهبتها وطمست معالمها.

(٢) البيت لمزاحم العقيلى ، كما فى اللسان (علا ، صلل) والحيوان (٤ : ٤١٨) والاقتضاب ٢٤٨ والخزانة (٤ : ٢٥٣). وفى الكلام بعده نقص.

(٣) للكميت ، كما فى اللسان (علا).

(٤) الغاية : الظرف المنقطع عن الإضافة ، سمى بذلك لأنه يكون بعد الانقطاع غاية فى النطق ، كقولة تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ).

١١٦

وقال آخر (١) فى وصف فرس :

ظمأَى النَّسا من تحتُ رَيَّا من عالْ

فهى تُفدَّى بالأبينَ والخالْ

فأمّا قول الأعشى (٢) :

إنِّى أتتنى لسانٌ لا أُسَرُّ لها

من عَلْوَ لا عَجبٌ فيها ولا سَخَرُ

فإنّه ينشد فيها على ثلاثة أوجه : مضموماً ، ومفتوحاً ، ومكسوراً. وأنشد غيره :

فهى تنوشُ الحوضَ نَوشاً من عَلَا

نَوشاً به تَقْطع أجوازَ الفَلا (٣)

قال ابن السِّكِّيت : أتيتُه من مُعالٍ. وأنشد :

فرَّجَ عنه حَلَق الأغْلالِ

جذبُ البُرَى وجِرية الجِبالِ

ونَغَضان الرَّحْلِ من مُعَالِ (٤)

ويقال : عُولِيَت الفرسُ ، إذا كان خَلْقها معالًى. ويقال ناقةٌ عِلْيانٌ ، أى طويلة جسيمة. ورجل عِليانٌ : طويل. وأنشد :

أنْشدُ من خَوّارة عِلْيانِ

ألقتْ طَلاً بملتقى الحَوْمانِ (٥)

__________________

(١) هو دكين بن رجاء ، كما فى اللسان (علا) وإصلاح المنطق ٣٠ وقبله :

ينجيه من مثل حام الأغلال

وقع بد عجلى ورجل شملال

(٢) هو أعشى باهلة ، كما فى اللسان (علا) وإصلاح المنطق ٣٠. وقصيدته فى الأصمعيات ٨٩ طبع المعارف ، وجمهرة أشعار العرب ١٣٥ ـ ١٣٧ ، ومختارات ابن الشجرى ١٠ ـ ١٢ ، وأمالى المرتضى (٣ : ١٠٥ ـ ١١٣) ، والخزانة (١ : ٨٩ ـ ٩٧).

(٣) لأبى النجم ، كما فى اللسان (علا). لكن نسب فى (نوش) إلى غيلان بن حريث.

(٤) الرجز لذى الرمة ، كما فى اللسان (علا) وإصلاح المنطق ٣٠. وهو فى ديوانه ٤٨٢.

(٥) بدل هذا الشطر فى اللسان (علا) :

مضبورة الكامل كالبنيان

١١٧

قال الفرّاء : جملٌ عِلْيانٌ ، وناقةٌ عِلْيانٌ. ولم نجد المكسور أوّلُه جاء نعتاً فى المذكر والمؤنّث غيرَهما. وأنشد :

حمراء من مُعرِّضاتِ الغِربانْ

تَقْدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ (١)

ويقال لمُعالِى (٢) الصَّوت عِلْيانٌ أيضا. فأمّا أبو عمرو فزَعَم أنَّه لا يقال للذّكر عِلْيان ، إنّما يقولون جملٌ نبيل. فأمّا قولهم تَعَالَ ، فهو من العلوّ ، كأنَّه قال اصعد إلىَّ ؛ ثمّ كثُر حتّى قاله الذى بالحضيض لمن هو فى علوه. ويقال تَعالَيا ، وتَعالَوْا ، لا يستعمل هذا إلَّا فى الأمر خاصَّة ، وأُمِيتَ فيما سوى ذلك. ويقال لرأس الرّجُل وعُنقِه عِلاوة. والعِلاوة : ما يُحمَل على البعير بعد تمام الوِقْر. وقولُه :

ألا أيُّها الغادِى تحمَّلْ رسالةً

خفيفاً مُعَلَّاها جزيلاً ثوابُها

مُعلَّاها : مَحْمِلها (٣). ويقال : قَعَد فى علاوة الرِّيح وسُفالتها. وأنشد :

تُهدِى لنا كُلما كانت عُلاوَتَنا

ريحَ الخُزامى فيها الندى والخَضل (٤)

قال : الخليل المُعلَّى : السّابع من القِداح ، وهو أفضلها ، وإذا فاز حاز سبعةَ أنصباءَ(٥) من الجزور ، وفيه سبع فُرَض : علامات. والمُعلِّى : الذى يمدُّ الدلوَ إذا متَح. قال:

__________________

(١) الرجز للأجلح بن قاسط ، فى اللسان (عرض). وقال ابن برى : «وهذان البيتان فى آخر ديوان الشماخ». قلت أنا : هما فى أخرياته ص ١١٦ منسوبان إلى الجليح بن شميذ رفيق الشماخ. وانظر الحيوان (٣ : ٤٢٠).

(٢) فى الأصل : «المغالى».

(٣) هذا اللفظ ومعناه مما لم يرد فى المعاجم المتداولة.

(٤) كذا ورد عجز هذا البيت.

(٥) فى الأصل : «خمسة أنصباء» ، صوابه من اللسان والقاموس والميسر والقداح ٨٥.

١١٨

هوىّ الدَّلو نَزَّاها المَعلّ (١)

ويقال للمرأة إذا طَهُرت من نِفاسها : قد تعلَّت ، وهى تتعلَّى. وزعموا أنَّ ذلك لا يُقال إلَّا للنُّفساء ، ولا يستعمل فى غيرها. قال جرير :

فلا وَلدت بعد الفرزدق حاملٌ

ولا ذات حمل من نِفاسٍ تَعَلَّتِ (٢)

قال الأصمعىّ : يقال : عَلِ رشاءَك ، أى ألقِهِ (٣) فوق الأرشية كلِّها. ويقال إنَ المعلِّى : الذى إذا زاغ الرِّشاء عن البَكَرة عَلَّاه فأعاده إليها. قال العُجَير :

ولى مائحٌ لم يُورِد الماءَ قبلَه

مُعَلٍ وأشطانُ الطّوىِّ كثيرُ (٤)

ويقولون فى رجلٍ خاصمه [آخر] : إنَّ له من يعلِّيه عليه (٥).

وأمّا عُلْوان الكتاب فزعم قومٌ أنّه غلط ، إنّما هو عُنوان. وليس ذلك غلطا ، واللغتان صحيحتان وإن كانتا مولَّدَتَين ليستا من أصل كلام العرب. وأمّا عُنوان فمن عَنَّ. وأمّا عُلوان فمن العلوّ ، لأنَّه أوّل الكتاب وأعلاه.

ومن الباب العَلَاةُ ، وهى السَّنْدان ، ويشبّه* به النّاقة الصلبة. قال :

__________________

(١) فى اللسان (علا): «كهوى الدلو» ، مع نسبته إلى عدى بن زيد.

(٢) ديوان جرير ٨٨ ، يرثى به الفرزدق مع بيت بعده ، هو :

هو الواقد المجبور والحامل الذي

إذا النعل يوما بالمغيرة زلت

(٣) فى الأصل : «لسفه».

(٤) البيت من أبياب فى الحيوان (٤ : ٣٩١) ومجالس ثعلب ٥٩٢ والأغانى (١١ : ١٥٠). وأنشده فى الأزمنة والأمكنة (٢ : ١٥٩) وأشار إلى أنه عنى بالمائح من كان يميحه عند السلطان ويستخرج له ما عنده ويعينه.

(٥) فى الأصل : «من يعينه عليه».

١١٩

ومُبْلِدٍ بين مَوْماةٍ بمهلَكةٍ

جاوزتُه بعَلاة الخلقِ عِلْيانِ (١)

قال الخليل : عَلِىٌ على فَعيل ، والنسبة إليه عَلَوىٌ. وبنو علىٍ : بطن من كِنانة ، يقال هو علىّ بن سُودٍ (٢) الغَسَّانى ، تزوّجَ بأمِّهم بعد أبيهم وربَّاهم فنُسِبوا إليه قال :

وقالت رَبَايَانا ألا يالَ عامرٍ

على الماء رأسٌ من عَلِىٍ ملفّفُ (٣)

وقال أبو سعيد : يقال ما أنت إلَّا على أعلَى وأرْوَحَ ، أى فى سَعَةٍ وارتفاع ويقال «أعلى» : السموات. وأمّا «أرَوْح» فمَهَبّ الرِّياح من آفاق الأرض. قال ابن هرمة :

غَدَا الجُودُ يبغِى من يؤدِّى حقوقه

فراح وأسرى بين أعلَى وأرْوَحا

أى راح وأسرى بين أعلى مالِه وأدْوَنِه ، فاحتَكَم فى ذلك كلِّه.

علب العين واللام والباء أصلانِ صحيحان ، يدلُّ أحدهما على غِلظٍ فى الشىء وجُسْأة ، والآخر على أثَر.

فالأول قولهم : عَلِبَ النّباتُ : جَسَأ (٤). ويقال : لحم عَلِبٌ (٥) : غليظ. ويقال : العَلِب : المكان الغليظ. ومن الباب العَلِب (٦) : الضَّبُّ المُسِنُّ. والعِلْباء : عصب العُنُق ، سمِّى بذلك لصلابته. ويقال عَلِبَ البعيرُ ، إذا أخذ داءٌ فى أحد

__________________

(١) سبق إنشاد البيت وتخريجه فى (بلد).

(٢) فى الأصل : «مصعود» ، صوابه من الاشتقاق ٢٨٥.

(٣) الربايا : جمع ربيئة ، وهى الطليعة. فى الأصل : «ريانانا» ، تحريف.

(٤) جسأ : صلب. وفى الأصل : «جسأة» ، تحريف.

(٥) ويقال أيضا «علب» بفتح العين.

(٦) ويقال أيضا فيه «علب» بالضم.

١٢٠