معجم مقاييس اللغة - ج ٢

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

حرض الحاء والراء والضاد أصلان : أحدهما نبت ، والآخَر دليلُ الذَّهاب والتّلَف والهلاك والضَّعف وشِبهِ ذلك.

فأمَّا الأوّل فالحُرْض الأشنان ، ومُعالِجُه الحَرّاض. والإحْرِيض : العُصْفُر. قال :

* مُلْتَهِبٌ كلَهَبِ الإحْرِيضِ (١) *

والأصل الثانى : الحَرَض ، وهو المُشْرِف على الهلاك. قال الله تعالى : (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً). ويقال حَرَّضْتُ فلاناً على كذا. زعم ناسٌ أنّ هذا من الباب. قال أبو إسحاق البصرىُ (٢) الزَّجّاج : وذلك أنّه إذا خالف فقَدْ أفْسَد. وقوله تعالى : (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) ، لأنهم إذا خالَفُوه فقد أُهلِكوا. وسائر البابِ مقاربٌ هذا ؛ لأنَّهم يقولون هو حُرْضَة ، وهو الذى يُنَاوَلُ قِدَاحَ الميسر ليضرب بها.

ويقال إنّه لا يأكل اللحمَ أبداً بثَمن ، إِنّما يأكل ما يُعْطَى ، فيُسَّمى حُرْضةً ، لأنه لا خَيرَ عنده.

ومن الباب قولُهم للذى لا يُقاتِل ولا غَنَاء عِنْدَه ولا سِلاح معَه حَرَض. قال الطرِمّاح:

* حُمَاةً للعُزَّلِ الأحراضِ (٣) *

ويقال حَرَض الشّىءُ وأحرضَهُ غيره ، إذا فَسَد وأفسَدهُ غيرُه. وأحْرَضَ

__________________

(١) البيت من أبيات أربعة فى نوادر أبى زيد ٢٢٢ واللسان (حرص).

(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن السرى بن سهل الزجاج ، تلميذ المرد ، المتوفى سنة ٣١١.

(٣) جزء من بيت له فى ديوانه ٨٦ واللسان (حرص). وهو بتمامه :

من يرم عنهم بجهدهم مراج

يح حماة لمعزل الأحراص

٤١

الرّجُل ، إذا وُلِد له [ولَدُ] سَوْء. وربما قالوا حَرَضَ الحالبان النّاقةَ ، إذا احتلبا لبنَها كلَّه.

حرف الحاء والراء والفاء ثلاثة أصول : حدُّ الشىء ، والعُدول ، وتقدير الشَّىء.

فأمّا الحدّ فحرْفُ كلِّ شىءِ حدُّه ، كالسيف وغيره ومنه الحَرْف ، وهو الوجْه. تقول : هو مِن أمرِه على حَرْفٍ واحدٍ ، أى طريقة واحدة. قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلىحَرْفٍ). أى على وجه واحد. وذلك أنّ العبد يجبُ عليه طاعةُ ربِّه تعالى عند السّرّاء والضرّاء ، فإذا أطاعَه عند السّرّاء وعَصاه عند الضّرّاء فقد عَبَدَه على حرفٍ. ألا تراه قال تعالى : (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ). ويقال للناقةِ حَرْفٌ. قال قوم : هى الضامر ، شبِّهت بحرف السَّيف. وقال آخرون : بل هى الضَّخْمة ، شبِّهت بحرف الجَبل ، وهو جانبُه. قال أوس :

حَرْفٌ أخُوها أبوها مِن مُهَجَّنَةٍ

وعَمُّها خالُها قوداءِ مِئشيرُ (١)

وقال كعب بن زهير :

حرفٌ أخُوها أبوها مِن مهجَّنةٍ

وعمُّها خالهُا جرداءِ شِمْلِيلُ (٢)

والأصل الثانى : الانحراف عن الشَّىء. يقال انحرَفَ عنه يَنحرِف انحرافاً. وحرّفتُه أنا عنه ، أى عَدلْتُ به عنه. ولذلك يقال مُحارَفٌ ، وذلك إذا حُورِف كَسْبهُ

__________________

(١) سبق إنشاد البيت والكلام عليه فى مادة (أشر).

(٢) سبق الكلام على هذا البيت فى حواشى مادة (أشر).

٤٢

فمِيلَ به عنه ، وذلك كتحريف الكلام ، وهو عَدْلُه عن جِهته. قال الله تعالى : يُحَرِّفُونَ (الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(١).

والأصل الثالث : المِحراف ، حديدة يقَدَّر بها الجِراحات عند العِلاج. قال :

إذا الطَّبيب بمِحْرافَيْهِ عالَجَها

زادَتْ على النَّقْرِ أو تحرِيكِها ضَجَما (٢)

وزعم ناسٌ أنّ المُحارَفَ من هذا ، كأنّه قُدِّر عليه رزقُه كما تقدَّر الجِراحةُ بالمحْراف.

ومن هذا الباب فلان يَحْرُف لعِياله ، أى يكسِب. وأجْوَدُ مِن هذا أن يقال فيه إنّ الفاءَ مبدلةٌ من ثاء. وهو من حَرَث أى كَسَبَ وجَمَعَ. وربما قالوا أحْرَفَ فلانٌ إحرافاً ، إذا نَمَا مالُه وصَلَحُ. وفلان حَرِيفُ فلانٍ أى مُعامِلُه. وكل ذلك من حَرَفَ واحترف أى كسَب. والأصلُ ما ذكرناه.

حرق الحاء ولراء والقاف أصلان : أحدهما حكُّ الشَّىء بالشىء مع حرارة والتهاب ، وإليه يرجع فروعٌ كثيرة. والآخَر شىء من البَدَن.

فالأول قولهم حَرَقْتُ الشىءَ إذا بردْتَ وحككْتَ بعضَه ببعض. والعرب تقول : «هو يَحْرُقُ عليك الأُرَّم غَيظاً» ، وذلك إذا حكَّ أسنانَه بعضَها ببعض. والأُرَّم هى الأسنان. قال:

نُبِّئْتُ أحْماءَ سُليمَى إنَّمَا

باتُوا غِضاباً يَحْرُقُون الارَّمَا (٣)

__________________

(١) من الآية ٤٦ فى النساء ، والآية ١٣ فى المائدة. وفى الآية ٤١ من المائدة : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ).

(٢) للقطامى فى ديوانه ٧١ واللسان (حرف ، ضجم). ويروى : «على الفر» بالفاء ، وهو الورم أو خروج الدم. وفى الديوان : «حاولها» بدل : «عالجها».

(٣) الرجز فى اللسان (حرق ، أرم). وفى (أرم) توجيه كسر همزة «إنما» وفتحها.

٤٣

وقرأ ناسٌ : لَنَحْرُقَنّه ثمّ لننسفنّه (١) قالوا : معناه لنبرُدنَّه بالبارد. والحَرَق : النّار. والحَرَقُ فى الثَّوب (٢). والحَرُوقاء هذا الذى يقال له الحُرَّاق. وكلُّ ذلك قياسُه واحد.

ومن الباب قولهم للذى ينقطع شَعْرَه وينسل حَرَقٌ. قال :

* حَرِقَ المَفَارِق كالبُراءِ الأَعْفَرِ (٣) *

والحُرْقَانُ : المَذَح فى الفخِذين ، وهو من احتكاك إحداهما بالأخرى. ويقال فَرَسٌ حُرَاقٌ (٤) إذا كان يتحرَّق فى عَدْوِه. وسَحابٌ حَرِقٌ ، إِذا كان شديدَ البَرْق. وأحْرَقَنى النّاسُ بلَوْمهم : آدَوْنى. ويقال إِنّ المُحَارقَةَ جِنسٌ من المباضَعة وماء حُرَاقٌ : مِلحٌ شديد المُلوخة.

وأمّا الأصل الآخر فالحارقة ، وهى العَصب الذى يكون فى الورِك. يقال رجلٌ محروقٌ ، إذا انقطعت حارِقَتُه. قال :

* يَشُولُ بالمِحْجَنِ كالمحروقِ (٥) *

__________________

(١) هذه قراءة أبى جعفر من رواية ابن وردان ، ووافقه الأعمش. وقرئ : (لنحرقنه) من الإحراق ، وهى قراءة أبى جعفر من رواية ابن جماز ، ووافقة الحسن. وباقى القراء : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) من التحريق. انظر إتحاف فضلاء البشر ٣٠٧.

(٢) فى اللسان : «والحرق : أن يصيب الثوب احتراق من النار ... ابن الأعرابى : الحرق : النقب فى الثوب من دق القصار». وفى المجمل : «والحرق فى الثوب من الدق».

(٣) لأبى كثير الهذلى ، كما سبق فى حواشى (بروى ٢٣٤) من الجزء الأول ، وصدره :

ذهبت بشاشته فأصح واضعا

(٤) يقال : حراق ، كزعاق ، وحراق ، كرمان.

(٥) لأبى محمد الحنلى ، كما فى اللسان (فتق ، صفق). وأنشده أيضاً فى اللسان (حرق) بدون نسبة. وانظر أمالى ثعلب ٢٣٢.

٤٤

حرك الحاء والراء والكاف أصلٌ واحد ، فالحركة ضدُّ السكون. ومن الباب الحارِكانِ ، وهما ملتقى الكتِفَين ، لأنَّهما لا يزالان يتحرَّكان. وكذلك الحراكيك ، وهى الحراقِفُ ، واحدتها حَرْكَكَة

حرم الحاء والراء والميم أصلٌ واحد ، وهو المنْع والتشديد. فالحرام : ضِدّ الحلال. قال الله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها). وقرئت : وحرم (١). وسَوْطٌ مُحرَّم ، إذا لم يُلَيَّن بعدُ. قال الأعشى :

* تُحاذِر كَفِّى والقَطيعَ المُحَرَّمَا (٢) *

والقطيع : السوط ، والمحرَّم الذى لم يمرَّن ولم يليَّنْ بعْدُ. والحريم : حريم البئر ، وهو ما حَولَها ، يحرَّم على غبر صاحبها أن يحفِر فيه. والْحَرمانِ : مكة والمدينة ، سمّيا بذلك لحرمتهما ، وأنّه حُرِّم أن يُحدَث فيهما أو يُؤْوَى مُحْدِثٌ. وأحْرَم الرّجُل بالحجّ ، لأنه يحرُم عليه ما كان حلالاً له من الصَّيد والنساءِ وغير ذلك. وأحرم الرّجُل : دخل فى الشهر الحرام. قال :

قَتَلُوا ابنَ عفّانَ الخليفةَ مُحْرِماً

فمضى ولم أَرَ مثلَه مقتولا (٣)

ويقال المُحْرِم الذى* له ذِمَّة. ويقال أحْرَمْتُ الرّجُلَ قَمرْتُه ، كأنَّك حرمْتَه ما طمِعَ فيه منك. وكذلك حَرِم هو يَحْرَم حَرَماً ، إذا لم يَقْمُر. والقياس واحدٌ ،

__________________

(١) هى قراءة حمزة والكسائى وأبى بكر وطلحة والأعمش وأبى عمرو. وانظر سائر القراءات فى تفسير أبى حيان (٦ : ٣٣٨).

(٢) فى (قطع): «تراقب كفى». وصدره كما فى ديوان الأعشى ٢٠١ واللسان (حرم) :

ترى عينها صفواه في جنب مؤنها

(٣) للراعى كما فى خزانة الأدب (١ : ٥٠٣) واللسان (حرم) وجمهرة أشعار العرب ١٧٦. وهذا الإنشاد يوافق ما فى المجمل. ورواية سائر المصادر : «ودعا فلم أر مثله».

٤٥

كأنه مُنِع ما طَمِع فيه. وحَرَمْتُ الرّجلَ العَطيةَ حِرماناً ، وأحرمْتُه ، وهى لغة رديّة. قال :

ونُبِّئْتُها أحْرَمْت قَومَها

لتَنْكِحَ فى مَعْشرٍ آخَرِينا (١)

ومَحارِم اللَّيل : مخاوفه التى يحرُم على الجبان أن يسلُكَها. وأنشد ثعلب :

واللهِ لَلنَّومُ وبِيضٌ دُمَّجُ

أَهْوَنُ مِن لَيْلِ قِلاصٍ تَمْعَحُ

مَحَارِمُ اللَّيلِ لَهُنّ بَهْرَجُ (٢)

حِين يَنام الوَرَعُ المَزلَّجْ (٣)

ويقال من الإحرام بالحجِّ قوم حُرُمٌ وحَرَامٌ ، ورجلٌ حَرَامٌ. ورجُلٌ حِرْمِىٌ منسوب إلى الحَرَم. قال النابغة :

لِصَوْتِ حِرْمِيَّةٍ قالت وقد رحلوا

هل فى مُخِفِّيكُم من يَبتغى أَدَما (٤)

والحَرِيم : الذى حُرِّم مَسُّهُ فلا يُدْنَى منه. وكانت العرب إذا حجُّوا ألقَوا ما عليهم من ثِيابهم فلم يلبَسوها فى الحرَم ، ويسمَّى الثوب إذا حرّم لُبسه الحَريم. قال :

كَفى حَزَناً مَرِّى عليه كأنّهُ

لَقَى بين أيدى الطائِفِين حريمُ (٥)

ويقال بين القوم حُرْمةٌ ومَحْرَمة ، وذلك مشتقٌّ من أنه حرامٌ إضاعتُه وترْكُ حِفظِه. ويقال إنّ الحَرِيمةَ اسمُ ما فات من كل همٍّ مطموعٍ فيه.

ومما شذَّ الحيْرَمَة : البقرة.

__________________

(١) البيت من أبيات لشقيق بن السليك ، أو ابن أخى زر بن حبيش ، فى اللسان (حرم).

(٢) يروى أيضاً «مخارم الليل» أى أوائله. وهى رواية اللسان (خرم).

(٣) الأبيات فى المجمل ، والأول والثانى منهما فى اللسان (دمج) ، والأخيران فيه (حرم ، زلج). البهرج : المباح. والورع بالفتح : الجبان. والمزلج : الدون الذى ليس بتام الحزم.

(٤) ديوان النابغة ٦٧ والمجمل واللسان (حرم). المخف : الخفيف المتاع. والأدم : الجلد.

(٥) المجمل واللسان (حرم). وفى الأخير : «كرى عليه» وانظر السيرة ١٢٩.

٤٦

حرن الحاء والراء والنون أصلٌ واحد ، وهو لزوم الشىء للشىء لا يكادُ يفارقه. فالْحِرَان فى الدّابة معروف ، يقال حَرَنَ وحَرُن. والمَحَارن من النَّحْل : اللواتى يلصَقْن بالشُّهد فلا يبرحْن أو يُنْزَعْنَ. قال :

* صَوْتُ المحابِضِ يَنْزِعْن المَحَارِينا (١) *

وكذلك قول الشماخ :

فما أرْوَى ولو كَرُمَتْ علينا

بأدْنَى مِنْ موقَّفَةٍ حَرُونِ (٢)

هى التى لا تبرح أعلَى الجبل. ويقال حَرَنَ فى البيع فلا يزيد ولا ينقُص.

حروى الحاء والراء وما بعدها معتل. أصول ثلاثة : فالأوّل جنس من الحرارة ، والثاني القرب والقصد ، والثالث الرُّجوع.

فالأوّل الحَرْوُ. من قولك وجَدْتُ فى فمى حَرْوَة وحَرَاوةً ، وهى حرارةٌ مِن شىءِ يُؤْكل كالْخردَل ونحوِه. ومن هذا القياس حَرَاةُ النار ، وهو التهابها. ومنه الحَرَة الصَّوت والجَلَبةُ.

وأمّا القُرب والقَصْد فقولهم أنت حَرًى أنْ تفعل كذا. ولا يثنَّى على هذا اللفظ ولا يُجمَع. فإذا قلت حَرِىٌّ قلت حرِيّان وحريُّون وأحرياء للجماعة (٣). وتقول هذا الأمر مَحْراةٌ لكذا. ومنه قولهم : هو يتحرَّى الأمر ، أى يقصِدُه. ويقال إنَ

__________________

(١) لابن مقبل فى اللسان (حبض ، حرن). وصدره :

كأن أصواتها من حيث تسمعها

(٢) ديوان الشماخ ٩١ واللسان (وقف ، حرن).

(٣) وكذلك إذا قلت حر ، كشج ؛ ثنيته أو جمعته.

٤٧

الحَرا مقصور : موضع البَيْض ، وهو الأفحوص. ومنه تحرَّى بالمكان : تلبَّثَ. ومنه قولهم نزلتُ بِحَرَاهُ وَبِعَراه ، أى بِعَقْوَته.

والثالث : قولهم حَرَى الشّىءُ يَحرِي حَرْياً ، إذا رجع ونَقَص. وأحراه الزّمانُ. ويقال للأفعى التى كَبِرت ونقص جسمُها حارَيةٌ. وفى الدعاء عليه يقولون : «رماهُ الله بأفعَى حاريةٍ» ، لأنّها تنقُص من مرور الزمان عليها وتَحْرِى ، فذلك أخبثُ. وفى الحديث : «لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل جسمُ أبى بكر يَحْرِى حتى لَحق به».

حرب الحاء والراء والباء أصولٌ ثلاثة : أحدها السّلْب ، والآخَر دويْبّة ، والثالث بعضُ المجالس.

فالأوَّل : الحَرْب ، واشتقاقها من الحَرَب وهو السَّلْب. يقال حَرَبْتُه مالَه ، وقد حُرِب مالَه ، أى سُلِبَه ، حَرَباً. والحريب : المحروب ورجل مِحْرَابٌ : شجاعٌ قَؤُومٌ بأمر الحرب مباشرٌ لها. وحَريبة الرَّجُل : مالُه الذى يعيش به ، فإذا سُلِبَه لم يَقُمْ بعده. ويقال أسَدٌ حَرِبٌ ، أى من شدّة غضبِه كأنّه حُرِب شيئاً أى سُلِبه. وكذلك الرجل الحَرِب.

وأمّا الدوْيبَّة [ف] الحِرباء. يقال أرض مُحَرْبئة ، إذا كثُر حِرباؤُها. وبها شبّه الحِرْباء ، وهى مسامير الدّروع. وكذلك حَرَابىّ المَتن ، وهى لَحَماتُهُ.

والثالث : * المحراب ، وهو صدر المجلِس ، والجمع محاريب. ويقولون : المحراب الغرفةُ فى قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ). وقال :

٤٨

رَبَّهُ مِحرابٍ إذا جئتُها

لم ألْقَها أَوْ أرتَقِى سُلَّمَا (١)

ومما شذّ عن هذه الأصول الحُرْبة. ذكر ابنُ دريد أنَّها الغِرارَة السَّوداء. وأنشد :

وصَاحبٍ صاحبتُ غيرِ أَبْعَدا

تراهُ بين الحُرْبَتَينِ مَسْنَدَا (٢)

حرت الحاء والراء والتاء أصلٌ واحد ، وهو الدَّلْك ، يقال حَرَته حَرْتاً ، إذا دلكه دَلْكاً شديدا.

حرث الحاء والراء والثاء أصلانِ متفاوتان : أحدهما الجمع والكَسْب ، والآخر أنْ يُهْزَل الشىء.

فالأوّل الحَرْث ، وهو الكَسْب والجمع ، وبه سمِّى الرجل حارثاً. وفى الحديث : «احْرُثْ لدُنْياكَ كأنَّك تعيش أبداً ، واعمَلْ لآخرتِك كأنك تموت غداً».

ومن هذا الباب حرث الزَّرع. والمرأة حرث الزَّوج ؛ فهذا تشبيه ، وذلك أنها مُزْدَرَع ولده. قال الله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ). والأحرِثة : مَجارِى الأوتار فى الأفواق (٣) ؛ لأنّها تجمعها.

وأمّا الأصل الآخر فيقال حَرَثَ ناقتَه : هَزَلها ؛ وأحرثها أيضا. ومن ذلك قول الأنصار لمّا قال لهم معاوية : ما فعلَتْ نواضحُكم؟ قالوا : أحْرثْنَاها يَوْمَ بَدْرٍ.

__________________

(١) لوضاح اليمين فى اللسان (حرب والأغانى (٦ : ٤٣) والجمهرة (١ : ٢١٩).

(٢) البيتان فى اللسان (حرب).

(٣) الأفواق : جمع فوق ، بالضم ؛ وهو من السهم موضع الوتر. وفى الأصل : «الأفراق» تحريف.

٤٩

حرج الحاء والراء والجيم أصلٌ واحد ، وهو معظم الباب وإليه مرجع فروعه ، وذلك تجمُّع الشىء وضِيقُه. فمنه الحَرَج جمع حَرَجة ، وهى مجتمع شجرٍ. ويقال فى الجمع حَرَجات. قال :

أَيا حَرَجاتِ الحىِّ حِينَ تحمَّلوا

بذى سَلَمٍ لا جادكُنَّ ربيعُ (١)

ويقال حِراجٌ أيضاً. قال :

* عايَنَ حيًّا كالحراج نَعَمُهْ (٢) *

ومن ذلك الحَرَج الإثم ، والحَرَج الضِّيق. قال الله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً). ويقال حَرِجَتِ العينُ تَحَرج ، أى تحَارُ. وتقول : حَرِج عَلَىَّ ظُلمك ، أى حرُم. ويقال أحْرَجَها بتطليقَةٍ ، أى حرّمَها. ويقولون : أَكسَعَها بالمُحْرِجات ، يريدون بثلاث تطليقات. والحَرَج : السَّرير الذى تُحمَل عليه الموتى. والمِحَفَّةُ حَرَجٌ. قال :

فامّا تَرَيْنِى فى رِحالةِ جابرٍ

على حَرَجٍ كالقَرّ تَخْفِق أكفانى (٣)

وناقة حَرَجٌ وحُرْجُوجٌ : ضامرة ، وذلك تداخُلُ عظلمِها ولحمها. ومنه الحَرِجُ الرّجل الذى لا يكاد يبرحُ القتال.

ومما شذّ عن هذا الباب قولهم إنّ الْحِرْجَ الوَدَعة ، والجمع أحراج. ويقال هو نَصيب الكلْب من لحم الصَّيْد. قال جحدر :

__________________

(١) البيت لمجنون كما فى الحيوان (٥ : ١٧٣) والأغانى (١ : ١٧).

(٢) للعجاج فى ديوانه ٦٤ واللسان (حرج).

(٣) لامرئ القيس فى ديوانه ١٢٦ واللسان (حرج ، قرر) ، وسيعيده فى (قر).

٥٠

وتقدُّمى للّيْثِ أرْسُفُ مُوثَقاً

حتى أُكابرَه على الأحْراجِ (١)

ويقال الحِرْج الحِبالُ تُنْصَب. قال :

* كأنّها حرج حابلِ (٢) *

حرد الحاء والراء والدال أصولٌ ثلاثة : القصد ، والغضَب ، والتنحَّى.

فالأوَّل : الفصد. يقال حَرَدَ حَرْدَهُ ، أى قصد قصده. قال الله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ). [و] قال :

أقبل سيل جاء من عند الله

يحرد حرد الجنّة المغلّه (٣)

ومن هذا الباب الحرود : مباعر الإبل ، واحدها حرد.

والثانى : الغضب ؛ يقال حرد الرّحل غضب حردا ، بسكون الراء (٤) قال الطرمّاح :

* وابن سلمى على حرد (٥) *

ويقال أسد حارد. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (حرج).

(٢) جزء من بيت فى اللسان (حرج) وهو بتمامه :

وشر الندامى من تبيت ثعابه

مجففة كأنها حرج؟

وفى الأصل : كأنها حرج نابل وحابل صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) الشطران فى اللسان (حرد). ونسبهما التبريزى فى التهذيب لحسان.

(٤) وبتحريكها أيضا ، والتسكين أكثر.

(٥) فى المجمل :وابن أبي صلمى على حره.

ولم أعثر على هذا الشعر فى ديوان الطرماح.

٥١

لعَلكِ يوما أن تَرَيْنِى كأنّما

بَنِىَّ حوالَىَّ الليُوثُ الحوارِدُ (١)

والثالث : التنحِّى والعُدول. يقال نزلَ فلانٌ حريداً ، أى متنحِّياً. وكوكب حَريد. قال جرير :

نَبْنِى على سَنَنِ العَدُوِّ بُيُوتَنَا

لا نستجير ولا نحلُ حَرِيدا (٢)

قال أبو زيد : الحريد هاهنا : المتحوِّل عن قومه. وقد حَرَدَ حُرُوداً. يقول إنَّا لا نَنْزِل فى غير قومنا من ضعف وذِلّة ؛ لقوّتنا وكثْرتنا. والمحرَّد من كل شىء : المعوَّج. وحارَدَتِ الناقة ، إذ قلَّ لبنُها ، وذلك أنَّها عَدَلَتْ عمَّا كانت عليه من الدّرّ. وكذلك حارَدَت السنة إذا قَلّ مطرها. وحَبْلٌ مُحَرَّدٌ ، إذا ضفُر فصارت له حِرفةٌ لاعوِجاجه.

حرذ الحاء والراء والذال ليس أصلا ، وليست فيه عربيةٌ صحيحة. وقد قالوا إنّ الحِرذَون دويْبَّة.

باب الحاء والزاء وما يثلثهما

حزق الحاء والزاء والقاف أصلٌ واحد ، وهو تجمُّع الشىء ومن ذلك [الحِزقُ] : الجماعات. قال عنترة :

__________________

(١) للفرزدق فى ديوانه ١٧٢ والحيوان (٣ : ٩٧) وعيون الأخبار (٤ : ١٢٢). ومعاهد التنصيص (١ : ١٠٢).

(٢) ديوان جرير ١٧٣ واللسان (حرد).

٥٢

* حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لأعجمَ طِمْطِمِ (١) *

والحَزِيقة من النَّخل : الجماعة. ومن ذلك الحُزُقَّة : الرجُل القصير ، وسمِّى بذلك لتجمَّع خَلْقه. والحَزْق : شدُّ القوس بالوَتَر. والرجل المتحزِّقٍ : المتشدِّد على [ما] فى يديه بُخْلا. ويقولون : الحازق الذى ضاق عليه خُفُّه. والقياس فى الباب كله واحد.

حزك الحاء والزاء والكاف كلمةٌ واحدة أُراها من باب الإبدال وأنها ليست أصلاً. وهو الاحتزاك ، وذلك الاحتزام بالثَّوب. فإمّا أن يكون الكاف بدلَ ميمٍ ، وإمّا أن يكون الزاء بدلاً من باء وأنَّه الاحتباك. وقد ذكر الاحتباك فى بابه.

حزل الحاء والزاء واللام أصلٌ واحد ، وهو ارتفاع الشىء. يقال احْزَأَلَ ، إذا ارتفع. واحزألَّتِ الإبلُ على متن الأرض فى السَّير : ارتفعت. واحزألَ الجبلُ : ارتفع فى السَّراب.

حزم الحاء والزاء والميم أصلٌ واحد ، وهو شدُّ الشىءِ وجمعُه ، قياسٌ مطرد. فالحزم : جَودة الرأى ، وكذلك الحَزَامة ، وذلك اجتماعُه وألّا يكون مضطرِباً منتِشراً. والحزام للسَّرج من هذا. والمتحزِّم : المُتلبّب. والحُزْمَة من الحطب وغيره معروفة (٢). والحَيزُوم والحَزِيم : الصّدر ؛ لأنّه مجتَمَع عِظامه ومَشَدُّها.

__________________

(١) صدره كما فى المعلقات :

تأوى له الص النعام كما ارث

(٢) فى الأصل : «معرفة».

٥٣

يقول العرب : شددتُ لهذا الأمر (١) حَزِيمى. قال أبو خِراشِ يصفُ عُقابا :

رَأت قَنَصاً على فَوْتٍ فَضَمّت

إلى حيزومها ريشاً رطيبَا (٢)

أى كاد الصَّيد يفوتها. والرطيب : الناعم. أى كسرت جناحَها حين رأت الصيد لتنقضَّ. وأمّا قول القائل :

* أعددْتُ حَزْمَةَ وهى مُقْرَبَةٌ (٣) *

فهى فرسٌ ، واسمُها مشتقٌّ مما ذكرناه. والحَزَم كالغَصَص فى الصّدر ، يقال حَزِمَ يَحْزَم حَزَماً ؛ ولا يكون ذلك إلّا من تجمُّع شىءِ هناك. فأمَّا الحَزْمُ من الأرض فقد يكون من هذا، ويكون من أن يقلب النون ميما والأصل حَزْن ، وإنما قلبوها ميما لأنّ الحَزْم ، فيما يقولون ، أرفع من الحزن

حزن الحاء والزاء والنون أصلٌ واحد ، وهو خشونة الشىء وشِدّةٌ قيه. فمن ذلك الحَزْن ، وهو ما غلُظ من الأرض. والحُزْن معروف ، يقال حَزَنَنِى الشىءُ يحزُنُنى ؛ وقد قالوا أحزَننى. وحُزَانتك : أهلُك ومن تتحزَّن له.

حزوى الحاء والزاء والحرف المعتل أصلٌ قليل الكَلِم ، وهو الارتفاع. يقال حَزَا السّرابُ الشىءَ يحزُوهُ ، إذا رفعَه. ومنه حَزَوْتُ الشىءَ وحَزَيته

__________________

(١) فى الأصل : «هذا الأمر» ، صوابه فى المجمل.

(٢) البيت من قصيدة له فى ديوان الهذليين نسخة الشنقيطى ٧٠ والقسم الثانى من مجموع أشعار الهذليين ٥٧.

(٣) صدر بيت لحنظلة بن فاتك الأسدى ، فى اللسان (حزم). وعجزه :

؟ بقوت عيالنا وتصان

وحزمة ، بضم الحاء كما فى الأصل والقاموس والمخصص (٦ : ١٩٨) ، وضبطت فى اللسان ونسب الخيل لابن الكلى بفتحها.

٥٤

إذا خَرَصْته (١). وهو من الباب ؛ لأنّك تفعل ذلك ثم ترفُعه ليُعلم كم هو.

وقد جعلوا فى هذا من المهموز كلمةً فقالوا : حَزَأْتُ الإبلَ أحزَؤُها حَزْءا ، إذا جمعتَها وسقْتها ؛ وذلك أيضاً رفْعٌ فى السَّير. فأمّا الحَزاء فنَبْتٌ.

حزب الحاء والزاء والباء أصلٌ واحد ، وهو تجمُّع الشىء. فمن ذلك الحِزب الجماعة من النّاس. قال الله تعالى : (كُلُ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). والطائفة من كلِّ شىءِ حِزْبٌ. يقال قرأَ حِزبَهُ من القرآن. والحِزْباء : الأرض الغليظة(٢). والحَزَابِيَةُ : الحِمار المجموع الخَلْق.

ومن هذا الباب الحيزبُون : العجوز ، وزادوا فيه الياء والواو والنون ، كما يفعلونه فى مثل هذا ، ليكون أبلغ فى الوصف الذى يريدونه.

حزر الحاء والزاء والراء أصلان : أحدهما اشتداد الشىء ، والثانى جنسٌ من إعْمال الرّأْى.

فالاصل الأول : الحَزَاوِرُ ، وهى الرّوابى ، واحدتها حَزْوَرَة. ومنه الغلام الحَزْوَر (٣) وذلك إذا اشتدّ وقوِى ، والجمع حزاورة ومن* ذلك حزَرَ اللَّبنُ والنّبيذُ ، إذا اشتدّت حُموضته. وهو حازر. قال :

* بَعْدَ الذى عَدَا القُروصَ فَحَزَرْ (٤) *

وأمّا الثالث فقولهم : حزَرتُ الشىء ، إذا خرصْتَه ، وأنا حازر. ويجوز أن

__________________

(١) الخرس : تقدير الشىء بالظن. وفى الأصل : «حرضته» ، تحريف.

(٢) يقال حزباء فى الجمع ، ولمفردة حزباءة.

(٣) يقال فى وصف الغلام حزور كجعفر ، وحزور كعملس.

(٤) أنشده أيضاً والمجمل ، والقروس ، مصدر لم يرد فى المعاجم المتداولة.

٥٥

يحمل على هذا قولُهم لخيار المال حَزَرَات. وفى الحديث : «أنّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم بَعَثَ مُصَدِّقاً فقال : لا تأخُذْ مِن حَزَرات أموال الناس شيئاً. خُذِ الشّارِفَ والبَكْرَ وذا العيب». فالحَزرات : الخيار ، كأنّ المصدِّق يَحْزِرُ فيُعمِل وأيَه فيأخذُ الخِيارَ (١).

باب الحاء والسين وما يثلثهما

حسف الحاء والسين والفاء أصلٌ واحد ، وهو شىء يتقشَّر عن شىء ويسقط. فمن ذلك الحُسَافة ، وهو ما سَقَط من التّمْر والثَّمَر. ويقال انحسف الشّىء ، إذا تفتَّت فى يدك. وأمَّا الحَسيفَة ، وهى العداوة ، فجائزٌ أن يكون من هذا الباب. والذى عندى أنها من باب الإبدال ، وأنّ الأصل الحسيكة ؛ فأُبدلت الكاف فاءَ. وقد ذكرت الحسيكة وقيلُها بعد هذا الباب. ويقال الحَسَفُ الشّوك ، وهو من الباب.

حسك الحاء والسين والكاف من خشونة الشىء ، لا يخرج مسائله عنه. فمن ذلك الحَسَكُ ، وهو حَسَك السَّعدانِ (٢) ، وسِّمى بذلك لخشونته وما عليه مِن شَوك. ومن ذلك الحَسِيكة ، وهى العداوة وما يُضَمّ فى القلب من خشونة. ومن ذلك الحِسْككِ (٣) وهو القُنفُذ. والقياس فى جميعه واحد.

__________________

(١) فى اللسان وجه آخر للاشتقاق ، قال : «سميت حزرة لأن صاحبها لم يزل يحزرها فى نفسه كما رآها».

(٢) حسك السعدان ، ثمره ، وهو خشن يعلق بأصواف الغنم.

(٣) فى الأصل : «الحيسك» ، تحريف. ويقال للقنفذ حسكك كزبرج ، وحسيكة كسفينة.

٥٦

حسل الحاء والسين واللام أصلٌ واحد قليلُ الكلِم ، وهو ولد الضبّ ، يقال له الحِسْلُ والجمع حُسُول. ويقولون فى المثل : «لا آتِيك [سِنَ الحِسْل» ، أى لا آتيك (١)] أبدا. وذلك أنّ الضب لا يسقط له سِنُّ. ويكنى الضّبُّ أبا الحِسل. والحسِيل : ولد البقر ، لا واحِدَ له من لفظه. قال :

* وهنّ كأذنابِ الحَسِيلِ صوادرٌ (٢) *

حسم الحاء والسين والميم أصلٌ واحد ، وهو قَطْع الشّىء عن آخره. قالحَسْم : القطع. وسُمِّى السيفُ حُساماً. ويقال حسامُه حَدّهُ ، أىُّ ذلك كان فهو من القَطْع. فأمّا قوله تعالى: (وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) ، فيقال هى المتتابعة. ويقال الحُسْوم الشّؤم. ويقال سمِّيت حُسوماً لأنها حسمت الخيرَ عن أهلها. وهذا القولُ أفْيَس لما ذكرناه. ويقال للصبىّ السيّى الغذاء (٣) محسومٌ ، كأنه قُطِع نماؤُه لَمَّا حُسِم غذاؤه. والحَسْم : أن تقطَعَ عِرقاً وتكوِيَه بالنّار كى لا تسيل دمُه. ولذلك يقال : احْسِم عنك هذا الأمر ، أى اقطعه واكفِهِ نفسَك.

حسن الحاء والسين والنون أصلٌ واحد. فالْحُسن ضِدُّ القبح يقال رجلٌ حسن وامْرَأة حسناءُ وحُسّانَةٌ. قال :

دارَ الفَتاةِ التى كُنّا نقولُ لها

يا ظبيةً عُطُلاً حُسّانَة الجِيدِ (٤)

__________________

(١) التكملة من المجمل. ونحوها فى اللسان.

(٢) للشنفرى فى المفضليات (١ : ١٠٩) واللسان (حسل). وعجزه :

ولد تهلت من؟ وعلت

(٣) فى الأصل : «الانداء» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) للشماخ فى ديوانه ٢١ واللسان (حسن).

٥٧

وليس فى الباب إلّا هذا. ويقولون : الحسَن : جَبَل ، وحَبْلٌ من حبال الرمل. قال :

لأمِّ الأرضِ وَيْلٌ ما أجَنَّتْ

غداةَ أضَرَّ بالحَسَنِ السبيلُ (١)

والمحاسنُ من الإنسان وغيره : ضدُّ المساوى. والحسن من الذراع : النصف الذى يلى الكُوع ، وأحسِبَه سمّى بذلك مقابلةً بالنِّصف الآخر ؛ لأنّهم يسمُّون النصف الذى يلى المِرفَق القبيح ، وهو الذى يقال له كَسْرُ قبيحٍ. قال :

لو كنتَ عيْراً كنتَ عَيْرَ مذَلَّةٍ

ولو كنت كِسْراً كنت كَسِرَ قبيحِ (٢)

حسوى الحاء والسين والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ ، ثم يشتقً منه. وهو حَسْو الشىء المائع ، كالماء واللبن وغيرهما ؛ يقال منه حَسَوْت الّلبن وغيره حَسْواً. ويقال فى المثل :

* لمثل ذا كنتُ أحَسِّيك الحُسَى *

* والأصل الفارسُ يغذو فرسَه بالألبان يحسّيها إيّاه ، ثمّ يحتاج إليه فى طلبٍ أو هرب ، فيقول : لهذا كنتُ أفعلُ بك ما أفعل. ثم يقال ذلك لكلِّ من رُشِّح لأمر. والعرب تقول فى أمثالها : «هو يُسِرُّ حَسْواً فى ارتغاءِ» ، أى إنّه يُوهِم أنّه يتناول رِغوة الّلبن ، وإنَّما الذى يريده شُربُ اللّبنِ نَفْسِه. يضرب ذلك لمن يَمكُر ، يُظهِر أمراً وهو يريد غيره. ويقولون : «نَومٌ كحَسْو الطائر» أى قليل. ويقولون :

__________________

(١) لعبد الله بن عنمة الضبى فى اللسان (حسن) ومعجم البلدان (الحسنان) والحماسة.

(٢) قال ابن برى : «البيت من الطويل» ودخله الحزم فى أوله. ومنهم من يرويه : أو كنت كسراً ، والبيت على هذا من الكامل». انظر اللسان (قبح) والمقاييس (قبح).

٥٨

شَرِبْتُ حَسْواً وحَساءً. وكان يقال لابن جُدْعانَ حاسى الذَّهَب ، لأنَّه كان له إناءُ من ذهب يحسُو منه. والحِسْىُ : مكانٌ إذا نُحِّىَ عنه رملُه نَبَع ماؤُه. قال :

تجُمُّ جُمُومَ الحِسْى جاشت غُرُوبُه

وبَرَّدَهُ من تحتُ غِيلٌ وأبْطَحُ (١)

فهذا أيضاً من الأوّل كأنَّ ماءَه يُحسَى.

ومما هو محمولٌ عليه احتسيت الخَبَر وتحسَّيت مثل تحسَّسْت ، وحَسِيت بالشىء مثل حَسِسْتُ. وقال :

سوى أنّ العِتاقَ من المطايا

حَسِينَ به فهنّ إليه شُوسُ (٢)

وهذا ممكنٌ أن يكون أيضاً من الباب الذى يقلبونه عند التضعيف ياء ، مثل قصَّيْتُ أظفارى ، وتقضَّى البازِى ، وهو قريبٌ من الأمرين وحِسْىُ الغَمِيم : مكانٌ.

حسب الحاء والسين والباء أصول أربعة :

فالأول : العدّ. تقول : حَسَبْتُ الشىءَ أحْسُبُه حَسْباً وحُسْباناً. قال الله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ). ومن قياس الباب الحسْبانُ الظنّ ، وذلك أنَّه فرق بينه وبين العدّ بتغيير الحركة والتّصريف ، والمعنى واحد ، لأنّه إذا قال حسِبته فكذا فكأنّه قال : هو فى الذى أعُدُّه من الأمور الكائنة.

ومن الباب الحَسَبُ الذى يُعَدُّ من الإنسان. قال أهل اللغة : معناه أن يعد آباءً أشرافاً.

__________________

(١) للمرقش الأصغر ، من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٤١). وكذا جاءت الرواية فى المجمل وفى المفضليات : «وجرده من تحت» ، أى كشفه وعراه من الشجر.

(٢) لأبى زبيد الطائى ، كما فى اللسان (حسا ، حسس) ، وأمالى القالى (١ : ١٧٦).

٥٩

ومن هذا الباب قولهم : احتسب فلانٌ ابنَه ، إذا مات كبيراً (١). وذلك أنْ يَعُدّه فى الأشياء المذخورة له عند الله تعالى. والحِسْبة : احتسابك الأجرَ. وفلان حَسَنُ الحِسْبة بالأمر ، إذا كان حسَنَ التدبير ؛ وليس من احتساب الأجر وهذا أيضاً من الباب ؛ لأنّه إذا كان حسنَ التدبير للأمر كان عالماً بِعِدَادِ كل شىءِ وموضِعِه من الرأْى والصّواب. والقياسُ كله واحد (٢).

والأصل الثانى : الكِفاية. تقول شىء حِسَابٌ ، آى كافٍ (٣). ويقال. أحسَبْتُ فلاناً ، إذا أعطيتَه ما يرضيه ؛ وكذلك حَسَّبْته. قالت امرأة (٤) :

ونُقْفِى ولِيدَ الحىِّ إن كان جائعاً

ونُحْسِبه إن كان ليسَ بجائِع

والأصل الثالث : الحُسْبَانُ ، وهى جمع حُسبانَةٍ ، وهى الوِسادة الصغيرة. وقد حسَّبت الرّجلَ أُحَسِّبه ، إذا أجلستَه عليها ووسَّدْتَه إياها. ومنه قول القائل :

* غداة ثَوَى فى الرّمْلِ غيرَ مُحَسَّبِ (٥) *

وقال آخر (٦) :

يا عامِ لو قدَرَتْ عليكَ رِماحُنا

والرّاقصاتِ إلى مِنًى فالغَبْغَبِ

لَلَمَسْتَ بالوكْعاء طعنةَ ثائرٍ

حَرّانَ أو لثوَيْتَ غيرَ مُحَسَّبِ (٧)

__________________

(١) وإذا فقده صغيراً لم يبلغ الحلم قيل : افترطه افتراطا.

(٢) فى الأصل : «كلمة واحدة».

(٣) وبه فسر قوله تعالى : (عَطاءً حِساباً).

(٤) من بنى قشير ، كما فى اللسان (حسب). وأنشده أيضاً فى (قفا).

(٥) أنشد هذا العجز فى المجمل واللسان (حسب).

(٦) هو نهيك الفزارى ، يحاطب عامر بن الطفيل ، كما فى اللسان (حسب). وفى معجم البلدان (رسم العبغب) أنه «نهيكة الفزارى».

(٧) الوكعاء : الوجعاء ، وهى الدبر. وفى اللسان «بالوجعاء» وفى المعجم «بالرصعاء».

٦٠