معجم مقاييس اللغة - ج ٢

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

وهى الأمور التى لا يُهْتَدَى لوَجْهها. ويقولون : دَمَس الظّلامُ : اشتدَّ. ومنه الدِّيماس ، يقال إنّه السَّرَب. وهو ذلك التماس (١). وفى حديث عيسى عليه السلام : «كأنّمَا خَرَجِ مِن دِيماسٍ».

دمص الدال والميم والصاد ليس عندى أصلاً. وقد ذُكِرَتْ على ذك فيه كلماتٌ إنْ صحَّتْ فهى تتقارَبُ فى القياس. يقولون الدَّوْمَصُ : بَيضة الحديد ، فهذا يدلّ على مَلاسَةٍ فى الشّىء. ثم يقولون لَمنْ رَقّ حاجبُه أدْمَصُ ، وهو قريبٌ من ذلك. ويقال إنّ كل عِرْق من حائطٍ دِمْصٌ. وفى كلِّ ذلك نَظَرٌ.

دمع لدال والميم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على ماءِ أو عَبْرةٍ (٢). فمن ذلك الدَّمْع ماءُ العَين ، والقَطرةُ دَمْعةٌ. والفِعْل دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً ودَمِعَتْ دَمَعاً* ودَمَعَتْ دُمُوعاً أيضاً. وعينٌ دامعةٌ. وجمعُ الدَّمْع دُموع. قال الخليل : المَدْمَع مجتَمَع الدّمع فى نَوَاحى العَين ، والجميع المَدامع. ويقال امرأة دَمِعَةٌ : سريعةُ البكاء كثيرةُ الدَّمْع. ويقال شَجَّةٌ دامعةٌ : تسيل دَماً. كذا هو فى كتاب الخليل. والأصحُّ مِن هذا أنّ التى تسيلُ دماً هى الدّامِية ، فأمّا الدّامعة ، فأمْرُها دون ذلك ، لأنّها التى كأنّها يَخْرُج منهما ماءٌ أحمرُ رقيق ، وذكر اليزيدىُّ أنّ الدُّمَاع أثَرُ الدَّمْع على الخَدّ. وأنشد :

يا مَنْ لِعَينٍ لا تَنِى تَهْماعَا

قد تَرَك الدّمْعُ بها دِمَاعا (٣)

__________________

(١) كذا فى الأصل.

(٢) فى الأصل : «أو غيره» ، وهو كلام لا يصح.

(٣) البيتان فى اللسان (دمع). واقتصر فى اللسان على ضبط هذه الكلمة بالضم. وضبط متن البيت وتذيبله هو من الأصل. ولم ترد الكلمة فى القاموس.

٣٠١

ويقال دُماعاً. والدُّماع مخفَّف ومثقّل : ما يَسِيل من الكَرْم أيَّامَ الرَّبيع.

دمغ الدال والميم والغين كلمةٌ واحدة لا تتفرّع ولا يقاس عليها فالدِّماغ معروف. ودَمَغْتُه : ضربْتُه على رأسه حتّى وصلْتُ إلى الدماغ. وهى الدّامِغة (١).

دمق الدال والميم والقاف ليس أصلاً ، وإن كانوا قد قالوا دَمَقَ فى البيت واندمَقَ ، إذا دخَل ، وإنَّما القاف فيما يُرَى مبدلةٌ مِن جيم ، والأصل دَمَج ، وقد مضى ذِكْرُه.

دمك الدال والميم والكاف يدلُّ على معنيين. أحدهما الشِّدَّة ، والآخر السُّرعة ؛ وربَّما اجتمع المعنيانِ.

فأمَّا الشِّدّة فالدَّ مَكْمَكُ : الشديد. والدّامِكَة : الدّاهية والأمرُ العظيم والمِدماك : الخشبة تكون تحت قدَمىِ السّاقى.

وأمّا الآخر فيقال إنّهم يقولون دَمَكَتِ الأرنب ، إذا أسرعَتْ فى عَدْوِها. والدَّموك : البَكَرْة العظيمة. فقد اجتمع فيها المعنيانِ : الشدّة ، والسُّرعة. والدَّموك : الرَّحَى. وهى فى المعنى والبَكَرْة سواءٌ.

دمل الدال والميم واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تجمَّع شىء فى لِينٍ وسُهولة. من ذلك اندمَلَ الجُرْح ؛ وذاكَ اجتماعُه فى بُرْءٍ وصَلاح. ودُمِلت الأرض بالدَّمَال ، وهو السِّرجين. ودامَلْتُ الرَّجُل ، إذا داجَيْته. وهو ذلك القياسُ ؛ لأنّه

__________________

(١) أى الضربة. وفى الأصل : «وهى الدماغ» ، صوابه من اللسان.

٣٠٢

مقارَبةٌ فى سهولةٍ. والدُّمّل عربىٌّ ، وهو قياسُ ما ذكرناه من التجمُّع فى لِينٍ. ألا ترى أنّ أبا النجم يقول :

* وامْتَهَدَ الغارِبُ فِعْلِ الدُّمَّلِ (١) *

والله أعلم.

باب الدال والنون وما يثلثهما فى الثلاثى

دنى الدال والنون والحرف المعتل أصلٌ واحد يُقاس بعضُه على بعض ، وهو المقارَبَة. ومن ذلك الدّنِىُ ، وهو القَريب ، مِن دنا يدنُو. وسُمِّيت الدُّنْيا لدنوّها ، والنِّسبة إليها دُنْياوِيّ. والدَّنِىُ من الرجال : الضعيف الدُّونُ ، وهو مِن ذاكَ لأنّه قريب المأخذ والمنزلة. ودانَيت بين الأمرَين : قاربْتُ بينهما. وهو ابن عَمِّهِ دُنْيَا (٢) ودِنْيَةً. والدّنِيُ : الدُّون ، مهموز. يقال رجلٌ دنىء ، وقد دَنُؤَ يَدْنُؤُ دَناءةً (٣). وهو من الباب أيضاً ، لأنّه قريبُ المنزِلة. والأدْنَأُ من الرّجال : الذى فيه انكبابٌ على صدرِهِ. وهو من الباب ، لأنّ أعلاه دانٍ من وسَطه. وأدْنَتِ الفَرَسُ وغيرُها ، إذا دنا نِتاجُها. والدَّنِيّة : النقيصة. وجاء فى الحديث : «إذا أكلْتُم فَدَنُّوا». أى كلُوا ممّا يلِيكُم مما يدنُو منكم. ويقال لقيتُه أدنَى دَنِىّ ، أى أوّلَ كلِّ شىء.

دنب الدال والنون والباء لا أصل له. على أنّهم قد قالوا : رجلٌ دِنَّبَةُ ودِنَّابَةٌ ، وهو القَصير. وهذا إن صحّ فهو من الإبدال لأن الأصل الميم دِنَّمَةٌ.

__________________

(١) البيت اللسان (مهد ، دمل). وسيعيده فى (مهد) وكذا فى (٣ : ١٥٩).

(٢) بكسر الدال وسكون النون منون وغير منون ، وكذلك دنيا ، بالضم مقصور.

(٣) ويقال أيضا من بان «منع».

٣٠٣

دنخ الدال والنون والخاء ليس أصلاً يُعوَّل عليه. وقد قالوا دنّخ الرجل ، إذا ذَلّ ونكَّسَ رأسه. وأنشدوا :

* إذا رآنِى الشُّعراءِ دنَّخُوا (١) *

ويقولون : إِنّ التّدبيخ فى البِطّيخة أن تنْهزِمَ إِلى داخِلِها. ويقولون : التَّدنيخ : ضَعْف البَصَر. ويقال* دَنَّخَ فى بيته ، إذا أقامَ ولم يبرَحْ. فإِن كان ما ذُكر من هذا صحيحاً فكله قياسٌ يدلُّ على الضَّعف والانكسار.

دنس الدال والنون والسين كلمةٌ واحدة ، وهى الدَّنَس ، وهو اللَّطْخ بقبيحٍ.

دنع الدال والنون والعين أصلٌ يدلُّ على ضَعْف وقِلَّةٍ ودناءة. فالرجل الدَّنِع : الفَسْل الذى لا خَيرَ فيه والدَّنَعُ : الذلّ. ويزعمون أنّ الدَّنَعَ ما يطرَحُه الجازرُ من البعير إذا جُزِر.

دنف الدال والنون والفاء أصلٌ يدلُّ على مشارَفَةِ ذَهاب الشىء. يقال دَنِفَ الأمرُ ، إذا أشرَفَ على الذَّهاب والفَراغ منه. والدَّنَف : المرضُ الملازم ؛ والمريض دَنَفٌ ، كأنّه قد قارب الذَّهاب ؛ لا يثنَّى ولا يجمع. فإنْ قلتَ دَنِفٌ ثنّيتَ وجَمعت. فأمّا قولُ العجّاج :

* والشّمس قد كادَت تكونُ دَنَفَا (٢) *

فهو من الباب ؛ لأنّه يريد اصفرارَهَا ودنُوِّها للمَغيب. وقد يقال منه أَدْنَفَتْ.

__________________

(١) للعجاج فى ديوانه ١٤ واللسان (دنخ). وفى اللسان : «وإن رآنى».

(٢) ديوان العجاج ٨٢ واللسان (دنف).

٣٠٤

دنق الدال والنون والقاف قريبٌ مِن الذى قبْلَه. يقال دَنَّقَ وجْهُ الرجُل ، إذا اصفرَّ من المرض. ودنَّقَت الشّمس ، إذا دانَت الغُروبَ.

دنم الدال والنون والميم أصلٌ يدلُّ على ضعْفٍ وقِلّة. فالتَّدنيم : الإسفاف للأمور الدنيّة (١). والدِّنَّامة : الرجلُ القصير ؛ ذكره الفَرّاء. ويقولون : الدِّنَّامة : النَّملة الصَّغيرة(٢).

دنرالدال والنون والراء كلمةٌ واحدة ، وهى الدينار ، ويقولون : دَنَّرَ وَجْهُ فُلانٍ ، إذا تلأْلَأَ وأشْرَق. والله أعلم.

باب الدال والهاء وما يثلثهما

دهى الدال والهاء والحرف المعتلّ يدلُّ على إِصابة الشّىء بالشىء بما لا يَسُرُّ. يقال ما دَهَاه : أىْ ما أصابه. لا يقال ذلك إلّا فيما يسوء. ودواهِى الدَّهر : ما أصابَ الإنسانَ من عظائم نُوَبِه. والدَّهْى : النَّكْر وجَودةُ الرّأى ؛ وهو من الباب ؛ لأنَّه يُصِيب برأيه ما يريدُه.

دهرالدال والهاء والراء أصلٌ واحد ، وهو الغَلَبة والقَهْر وسُمِّى الدّهرُ دَهْراً لأنَّه يأتى على كلِّ شىءٍ ويَغلِبُه. فأمّا قولُ النبىّ صلى الله عليه

__________________

(١) فى الأصل : «والتنديم الاسعاف للأمور» تحريف. والكلمة لم ترد فى اللسان. وفى القاموس «والتدنيم : النذلة». وأثبت ما فى المجمل.

(٢) ذكرت فى القاموس ، ولم تذكر فى اللسان.

٣٠٥

وآله وسلم : «لا تسبُّوا الدَّهْرَ فإنَّ اللهَ هُوَ الدّهر». فقال أبو عبيد : معناه أنّ العربَ كانوا إِذا أصابتْهم المصائبُ قالوا : أبادَنَا الدّهرُ ، وأتَى علينا الدّهر. وقد ذكروا ذلك فى أشعارهم. قال عمرو الضُّبَعِىّ (١) :

رَمَتْنِى بناتُ الدَّهرِ من حيثُ لا أَرَى

فكيفَ بمن يُرمَى وليس بِرَامِ

فلو أنَّنِى أُرَمى بنَبْلٍ تَقَيْتُها

ولكنَّنى أُرَمى بغير سِهامِ

وقال آخر (٢) :

فاستأثرَ الدّهرُ الغَدَاةَ بهمْ

والدّهرُ يرمِينِى وما أَرْمِى

يا دهرُ قد أكثَرْتَ فَجْعَتَنَا

بسَرَاتنا ووقَرْتَ فى العَظْمِ (٣)

وسلَبْتَنَا ما لستَ تُعْقِبُنا

يا دَهرُ ما أنصفْتَ فى الحُكْمِ

فأعلَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن الذى يفعل ذلك بهم هو الله جلّ ثناؤُه ، وأنّ الدّهرَ لا فِعلَ له ، وأنّ مَن سَبَّ فاعِلَ ذلك فكأنّه قد سَبَّ ربّه ، تبارك وتعالى عمّا يقول الظالمون عُلُوًّا كبيراً.

وقد يحتمل قياساً أن يكون الدَّهرُ اسماً مأخوذاً من الفِعْل ، وهو الغَلَبة ، كما يقال رجل صَوْمٌ وفِطرٌ ، فمعنى لا تسبُّوا الدَّهْرَ ، أى الغالبَ الذى يقهركم ويغلِبُكم على أموركم.

ويقال دَهْرٌ دَهِيرٌ ، كما يقال أبدٌ أبِيدٌ. وفى كتاب العين : دَهَرَهُم أمْرٌ ،

__________________

(١) فى الأصل : «الضائع» ، وإنما هو عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة. انظر المعمرين ٦٢ ، ٨٩ ومعجم المرزبانى ٢٠٠ والخزانة (١ : ٣٣٨) حيث أنشد الشعر له.

(٢) هو الأعشى. انظر ملحقات ديوانه ٢٥٨ واللسان (وقر).

(٣) فى الأصل : «وقد قرت» ، تحريف.

٣٠٦

أى نزَل بهم. ويقولون ما دَهْرِى كذا ، أى ما همّتِى (١). وهذا توسُّعٌ فى التفسير ، ومعناه ما أشغَلُ دهرِى به. فأمَّا الهمَّة فما تُسمَّى دهراً. والدَّهْوَرَة : جَمْع الشىء وقَذْفُه فى مَهواةٍ ؛ وهو قياس الباب.

دهس الدال والهاء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على لِين فى مكان. فالدَّهْسُ : المكان اللِّين ؛ وكذلك الدَّهَاس. والدُّهْسَة : لونٌ كلون الرَّمْل.

دهش الدال والهاء* والشين كلمة واحدة لا يُقاس عليها. يقال دُهِشَ ، إذا بُهِت ، ودَهِشَ دَهَشاً.

دهق الدال والهاء والقاف يدلُّ على امتلاءِ فى مجىءِ وذَهاب واضطراب. يقال أدْهَقْتُ الكأسَ : ملأتُها. قال الله تعالى : (وَكَأْساً دِهاقاً). والدَّهْدَقَةُ : دَوَرَان البَضْعة الكبيرة فى القِدْر ، تعلو مَرَّةً وتسفُل أخْرى.

دهك الدال والهاء والكاف ليس بشىءِ. وذكر ابن دُريد دَهَكْتُ الشّىءَ أدْهَكُه ، إذا سحقْتَه (٢).

دهل الدال والهاء واللام ليس بشىء. ويقولون : مَرَّ دَهْلٌ من اللَّيل ، أى طائفة. ويقولون لا دَهْلَ ، أى لا بأس. وهذه نَبَطِيَّةٌ لا معنَى لها (٣).

دهم الدال والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على غِشيانِ الشّىء فى ظلامٍ ثم يتفرّع فيستوى الظَّلامُ وعيرُه يقال مَرَّ دَهْمٌ من اللَّيل ، أى طائفةٌ. والدُّهمة : السَّواد. والدُّهَيْماءُ : تصغير الدَّهماء ، وهى الدّاهية ، سُمِّيت بذلك لإظلامها.

__________________

(١) فى المجمل وغيره : «ما همى» ، ولكن هكذا ورد هنا وفيما يتلوه من التعقيب.

(٢) الجمهرة (٢ : ٢٩٨).

(٣) كذا. وفى المجمل : ولا دهل بالنبطية ، أى لا تخف.

٣٠٧

ومن الباب الدَّهْم : العدد الكثير. وادْهامَ الزّرعُ ، إذا عَلَاه السَّوادُ رِيَّا. قال الله جلّ ثناؤُه فى صِفة الجنَّتين : مُدْهامَّتانِ ، أى سَوداوانِ فى رأى العَين ، وذلك للرّىّ والخُضْرة. ودَهَمتْهم الخيلُ تدهَمُهم ، إِذا غَشِيَتْهُم. والدَّهماء : القِدْر.

دهن الدال والهاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على لِينٍ وسُهولةٍ وقِلَّة. من ذلك الدُّهْن. ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا. والدِّهان : ما يدْهَن به. قال الله عزّ وجلّ : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ). قالوا : هو دُرْدِىُّ الزَّيت. ويقال دَهَنَه بالعصا دَهْناً ، إِذا ضربَه بها ضرْباً خفيفاً.

ومن الباب الإدهان ، من المُداهَنَة ، وهى المصانَعة. داهَنْتُ الرجُلَ ، إذا واربْتهَ وأظهرْت له خلاف ما تُضْمِرُ له (١) ، وهو من الباب ، كأنّه إذا فعل ذلك فهو يدهُنُه ويسكِّن منه. وأدْهَنْتُ إدهاناً : غَشَشْتُ ، ومنه قولُه جلَّ ثناؤُه : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) فَيُدْهِنُونَ. والمُدْهُنُ : ما يُجْعَل فيه الدُّهن ، وهو أحد ما جاء على مُفْعُلٍ مما يُعْتَمَلُ وأَوَّلُه ميم. ومن التشبيه به المُدْهُنُ : نُقْرَةٌ فى الجبَل يَستَنْقِعُ فيها الماء ، ومن ذلك حديث النَّهدىّ (٢) : «نَشِفَ المُدْهُنُ ، ويَبِسَ الجِعْثِنُ». والدَّهِينُ : الناقة القليلةُ الدَّرّ ودهَنَ المطرُ الأرضَ : بَلَّها بَلًّا يَسيراً. وبنو دُهْنٍ : حىٌّ من العرب ، وإِليهم ينسب عَمَّارٌ الدُّهْنىّ. والدَّهْناء : موضعٌ ، وهو رملٌ ليِّن ، والنسبة إليها دَهناوِىٌ. والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «خلاف ما يضمرونه».

(٢) هو طهفة بن أبى زهير النهدى. انظر النهاية لابن الأثير ، وما سيأتى فى ماة (رسل).

٣٠٨

باب الدال والواو وما يثلثهما

دوى الدال والواو والحرف المعتل. هذا بابٌ يتقارب أصولُه ، ولا يكاد شىء [منه] ينقاس ، فلذلك كتبْنا كلماتِه على وُجوهها. فالدَّوِىُ دَوِىُ النَّحل ، وهو ما يُسمع منه إذا تجمَّع. والدَّواء معروف ، تقول داوَيتُه أُداوِيه مُداواة ودِواءً. والدَّواة : التى يُكتَب منها ، يقال فى الجمع دُوىٌ ودِوِىٌ (١) قال الهذَلىّ (٢) :

عَرَفْتُ الدّيارَ كرَقْم الدُّوِ

ىِّ خبَّرَهُ الكاتبُ الحِميرىُ (٣)

والدَّاء من المرض ، يقال دَوِىَ يَدْوَى ، ورجلٌ دَوٍ وامرأةٌ دوِيةٌ. يقال داءت الأرضُ ، وأداءَتْ ، ودوِيَت دَوًى ، من الدّاء. ويقال : تركتُ فلاناً دَوًى ما أرى به حياةً. ويشبّه الرّجُل الضَّعيفُ الأحمق به ، فيقال دوًى. قال :

وقد أفُودُ بالدَّوَى المُزَمَّلِ

أخْرَسَ فى الرّكب بَقَاقَ المنْزِلِ (٤)

ودَوَّى الطّائرُ ، إذا دار فى الهواء ولم يحرِّك جَناحَيه. والدُّواية : الجُلَيْدَة التى تعلو اللّبَنَ الرائب. يقال ادَّوَى يَدّوِى ادِّوَاءً. قال الشاعر :

__________________

(١) ويقال أيضا دوى ، كصفاة وصفا.

(٢) هو أبو ذؤيب الهذلى. والبيت مطلع قصيدة له فى ديوانه ٦٤.

(٣) فى الديوان : ذكرتم الدواة بزبرها فالضمير فيه للرقم بتأويله بمعنى الصحيفة. وفى اللسان (دوا) : كخط الدوى حبره.

(٤) البيتان نسبا إلى أبى النجم العجلى فى الجمهرة (١ : ٣٦). وأنشدهما فى اللسان (بقق ، دوا). وقد سبقا فى (بق ١ : ١٨٦).

٣٠٩

بدا مِنْكَ غِشٌّ طالَمَا قد كتَمْتَه

كما كتمَتْ داءَ ابنِها أمُّ مُدَّوِى (١)

دوح الدال والواو والحاء كلمة واحدة ، وهى الدَّوْحة : [الشجرة (٢)] العظيمة ، والجمع الدَّوْحُ. قال :

* يكُبُّ عَلَى الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ (٣) *

دوخ الدال والواو والخاء أصل واحد يدلُّ على التَّذْليل. يقال دوّخناهم ؛ أى أذللناهم وقَهْرناهم. وداخُوا ، أى ذَلُّوا.

دود الدال والواو والدال ليس أصلا يفرّع منه. فالدُّود معروف. يقال دَادَ الشىءُ يَدَادُ ، وأَدادَ يُدِيدُ. والدّوَادِى : آثار أراجِيح الصبيان ، واحدتُها دَوْدَاةٌ.

دور الدال والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على إحداق الشىء بالشىء من حوالَيه. يقال دارَ يدُور دَوَراناً. والدّوّارِىُ : الدَّهر ؛ لأنَّه يَدُور بالنَّاس أحوالاً. قال :

* والدَّهْرُ بالإنْسان دَوَّارِىُ (٤) *

__________________

(١) البيت ليزيد بن الحكم الثقفى ، من قصيدة له فى أمالى التالى (١ : ٦٨) وأمالى ابن الشجرى (١ : ١٧٦) والأغانى (١١ : ٩٦) والخزانة (١ : ٤٩٦). وأنشده فى اللسان (دوا) وعقب عليه بقوله : «وذلك أن خاطبة من الأعراب خطبت على ابنها جارية ، فجاءت أمها إلى أم الغلام تنظر إليه ، فدخل الغلام فقال : أأدوى يا أمى؟ فقالت : اللجام معلق بصود البيت! أرادت بذلك كتمان زلة الابن وسوء عادته».

(٢) التكملة من المجمل واللسان.

(٣) لامرئ القيس فى معلقته. وصدره :

فأضحى بسح الماء حول كتيفة

(٤) للعجاج فى ديوانه ٦٦ واللسان (دور).

٣١٠

والدُّوَار ، مثقَّل ومخفّف : حَجَرٌ كان يُؤخذ من الحرم إلى ناحيةٍ ويُطافُ به ، ويقولون: هو من جِوار الكعبة التى يُطافُ بها. وهو قوله :

* كما دَارَ النِّساء على الدُّوَار*

وقال :

تركتُ بنى الهُجَيمِ لهم دُوَارٌ

إذا تمضى جماعتُهمْ تَدُورُ

والدُّوَار فى للرأس هو من الباب ، يقال دِير به وأُدِير به ، فهو مَدُورٌ به ومُدَار به.

والدَّائرة فى حَلْق الفرس : شُعَيرات تدور ؛ وهى معروفة. ويقال دارت بهم الدوائر ، أى الحالات المكروهة أحدقت بهم. والدار أصلها الواو. والدار : القبيلة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ألَا أُنَبِّئكم بخَير دُورِ الأنصار؟». أراد بذلك القبائلَ. ومن ذلك الحديث الآخَر : «فلم تَبقَ دارٌ إلّا بُنِى فيها مَسجد». أى لم تَبق قبيلةٌ. والدّارِىُ : العطّار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ كمثل الدّارِىّ إِنْ لم يُحْذِك مِن عِطره عَلِقَكَ مِن ريحه». أراد العَطَّار. وقال الشاعر :

إذا التّاجرُ الدارىُ حاءَ بفارةٍ

مِن المِسك راحَتْ فى مفارقها تَجْرِى (١)

وإنَّما سُمِّى داريَّا من الدّار ، أى هو يسكن الدّار (٢). والدّارِىّ : الرجُل المقيم فى داره لا يَكاد يَبْرَح. قال :

لَبِّثْ قليلاً يلْحَقِ الدَّارِيُّونْ

ذَوُو الجيلدِ البُدَّنِ المَكْفِيُّونْ (٣)

والدَّارة : أرضٌ سَهلةٌ تدور بها جِبال ، وفى بِلاد العرب منها داراتٌ كثيرة. وأصل الدار دَارةٌ. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (دور).

(٢) الحق أنه منسوب إلى «دارين ، وهى فرضة بالبحرين يجلب إليها المنك.

(٣) الرجز فى اللسان (دور).

٣١١

له داعٍ بمكّةَ مُشْمَعِلٌ

وآخَرُ فوق دارته ينادِى (١)

إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلَاءِ

لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهاد

وقال فى جمع دارةٍ داراتٍ :

رَبَّصْ فإن تُقْوِ المَرَوْرَاةُ منهمُ

وداراتُها لا تُقْوِ مِنْهُمْ إذاً نَخْلُ (٢)

ودارات العرب المشهورة (٣) : دارة جُلْجُل ، ودارة السَّلَم ، ودارة وُشْحَى (٤) ، ودارة صُلْصُل ، ودارة مَأْسَلٍ ، ودارة خَنْزَرٍ (٥) ، ودارة الدُّور ، ودارة الجَأْب ، ودارة يَمْعُون (٦) ، ودارة مَسكُمِنَ (٧) ، ودارة رَهْبَى (٨) ، ودارة جَوْدَاتٍ (٩) ، ودارة الأرْآم ، ودارة الرُّهَا ، ودارة تَيِل (١٠) ، ودارة الصَّفائح ، ودارة هَضْبِ القَليب ،

__________________

(١) من قصيدة لأمية بن أبى الصلت يمدح بها عبد الله بن جدعان. ديوانه ٢٧ واللسان (دور شمعل ، رجح ، ردحَ ، شير ، لبك ، شهد). وانظر ما سيأتى فى (شهد ، لبك).

(٢) لبيت لزهير فى ديوانه ١٠٠.

(٣) ذكر ياقوت من دارات العرب سبعين دارة ، وأورد صاحب اللسان عشرين دارة فى مادة (دور). وقد بلغ صاحب القاموس الغاية فى جمعها ؛ إذ ساق منها مائة دارة وعشرا مرتبة على الحروف.

(٤) بضم الواو وقد تفتح. وهو بالحاء المهملة فى آخره كما فى اللسان (وشح ، دور). وفى معجم البلدان «وشجى» تحريف. وفى اللسان «وشحاء» أيضا بالمد ، عن كراع.

(٥) بفتح الحاء وكسرها ، كما فى معجم البلدان.

(٦) فى معجم البلدان : «دارة يمعون ، بالنون وقد يروى بالزاى وهو جيد. قال :

يداره يمعون إلى جنب خشره

(٧) ضبطت فى الأصل ومعجم البلدان ، بكسر الميم الأخيرة ، ضبط فلم. وفى القاموس واللسان بفتحها.

(٨) فى الأصل : «وهى» صوابه بالراء ، كما فى اللسان والقاموس والمعجم.

(٩) ذكرت فى القاموس والمعجم. وأنشد للجميح :

إذا حللت يجودات وداوتها

وحل دون من حوار مرتين

(١٠) فى الأصل : «تين ، تحريف ، صوابه من القاموس ومعجم البلدان فى رسم (دارة) وفى (تبل). والتاء فيه تفتح وتكسر.

٣١٢

ودارة صارة ، ودارة دَمُّون ، ودارة رُمْح ، ودارة المَلِكَة (١) ، ودارة مَلْحُوب ، ودارة مِحْصَرٍ (٢) ، ودارة أهْوَى ، ودارة الجُمْد ، ودارة رِمْرِم ، ودارة قُرْح ، ودارة اليَعْضيد (٣) ودارة الخَرْج ، ودارة رَدْم (٤) ، ودارة جُدَّى (٥) ، ودارة النِّصَاب.

دوس الدال والواو والسين أُصَيْلٌ ، وهو دَوْس الشَّىء. تقول دُسْتُه ؛ والذى يُداسُ به مِدْوَسٌ. وحُمِل عليه قولُهم لما يَسُنُّ به الصَّيْقَلُ السّيفَ مِدوَسٌ ، كأنَّه عند اتِّكائه عليه كالذى يَدُوس الشَّىء. قال :

وأبيضَ كالغَدير ثَوَى عليه

فُلانٌ بالمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرٍ (٦)

دوش الدال والواو والشين كلمةٌ واحدةٌ لا يفرَّع منها. يقال دَوِشَتْ عينه تَدْوَش دَوَشاً، إِذا فَسَدَت مِن داءٍ. ورجل أَدْوَشُ بَيّنُ الدَّوَش.

دوف الدال والواو والفاء كلمةٌ واحدة. يقال دُفْتُ الدّواءَ دَوْفاً.

دوق الدال والواو والقاف ليس أصلاً ولا فيه ما يُعَدُّ لغةً ، لكنهم يقولون : مائقٌ دائق.

__________________

(١) لم أجد لها ذكرا فى اللسان ومعجم البلدان ، وذكرها فى القاموس (دور).

(٢) ذكرها فى المعجم ، قال : «ويقال محصن» ، وبهذا الرسم الأخير وردت فى اللسان والقاموس ، وضبطت فى اللسان فقط بضم الميم وفتح الصاد.

(٣) فى الأصل : «اليعضد» مع ضبط الضاد بالضم ، تحريف ، صوابه من القاموس ومعجم البلدان. وأنشد ياقوت :

أو ترى؟ شرورة

بين المخول قدرة البععضيد

(٤) فى المعجم والقاموس : «الردم».

(٥) فى الأصل : «حدى» ، صوابه فى المعجم وقاموس. وأنشد ياقوت :

بدارات جدى أو صارات جنبل

إني حيث حلت من كثيب وعزعل

 (٦) وكذا ورد إلشاده فى المجمل مع ضبط «فلان». وجاء فى اللسان (فلن) أنه اسم رجل ، واسم قبيلة يقال لهم بنو فلان. وفى اللسان (دوس): «ثوى عليه قيون».

٣١٣

دوك الدال والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على ضَغْطٍ وتزاحُم. فيقولون : دُكْتُ الشّىءَ دَوْكاً. والمَدَاك : صَلايَة الطِّيب ، يَدُوك عليها الإنسان الطِّيبَ دَوْكاً. قال :

* مَدَاكَ عَرُوسٍ أو صَلَايَةَ حَنْظَلِ (١) *

ويقال باتَ القوم يَدُوكُون دَوْكاً ، إذا باتُوا فى اختلاط. ومن ذلك الحديث : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] فى خيبر : «لأُعْطِيَنّ الرَّايةَ غداً رجُلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه يَفْتَحُ اللهَ على يَدِه» ، فباتَ النَّاسُ يَدُوكون (٢). ويقال تداوَكَ القومُ ، إذا تضايَقُوا فى حَرْبٍ أو شَرّ.

دول الدال والواو واللام أصلان : أحدُهما يدلُّ على تحوُّل شىءِ من مكان إلى مكان ، والآخَر يدلُّ على ضَعْفٍ واستِرخاء.

فأمَّا الأوَّل فقال أهل اللغة : انْدَالَ القومُ ، إذا تحوَّلوا من مكان إلى مكان. ومن هذا الباب تداوَلَ القومُ الشّىءَ بينَهم : إذا صار من بعضهم إلى بعض ، والدَّولة والدُّولة لغتان. ويقال بل الدَّولة فى المال والدَّولة فى الحرب ، وإنّما سُمِّيا بذلك من قياس الباب ؛ لأنّه أمرٌ يتداوَلُونه ، فيتحوَّل من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا

وأمَّا الأصل الآخَر فالدَّوِيلُ من النَّبْت : ما يَبِس لعامِهِ. قال أبو زيد : دال

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته. وصدره :

كأن على المئتين منه اذا اشحى

(٢) فى اللسان : «يدوكون تلك الليلة فيمن يدفعها إليه».

٣١٤

الثَّوبُ يَدُول ، إذا بَلِىَ وقد جعل [وُدُّهُ (١)] يَدُول ، أى يبلى. ومن هذا الباب انْدَالَ بَطْنُه ، أى استَرخَى.

دوم الدال والواو والميم أصلٌ واحد يدلُّ على السُّكون واللُّزوم. يقال دامَ الشّىءُ يَدُومُ، إِذا سكَنَ. والماء الدّائم : السَّاكن. ونَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُبَالَ فى الماء الدائم ثم يُتَوَضَّأَ منه. والدليل على صحّة هذا التأويل أنّه روى بلَفْظَةٍ أُخرى ، وهو أنّه نَهَى أن يُبَالَ فى الماء القائم. ويقال أَدمْتُ القِدْرَ إدامةً ، إذا سكَّنْتَ غليانَها بالماء. قال الجعدىُّ :

تفورُ علينا قِدْرُهم فَنُدِيمُها

ونَفْثَؤُها عَنَّا إِذَا حَمْيُها غَلَا (٢)

ومن المحمول على هذا وقياسُه قياسُه ، تدويم الطّائرِ فى الهواء ؛ وذلك إذا حلَّق وكانت له عندها كالوقفة. ومن ذلك قولهم : دَوَّمت الشَّمْسُ فى كبد السماء ، وذلك إذا بلغت ذلك الموضع. ويقول أهلُ العلم بها : إنّ لها ثَمَّ كالوَقْفة ، ثم تَدْلُك. قال ذو الرُّمَّة :

* والشمسُ حَيْرَى لها فى الجَوِّ تَدْوِيمُ (٣) *

أى كأنَّها لا تمِضى. وأما قولُه يصف الكِلاب :

حتَّى إذا دوَّمَت فى الأرضِ راجَعَهُ

كِبْرٌ ولو شاءَ نَجَّى نَفْسَه الهَرَبُ (٤)

فيقال إنّه أخطأ ، وإنَّما أراد دَوَّتْ فقال دَوَّمَتْ ، وقد ذُكر هذا فى بابه. ويقال

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان.

(٢) البيت فى اللسان (فثأ) مع نسبته للجعدى ، وفى (دوم) بدون نسبة. وسيعيده فى (فور).

(٣) صدره كما فى ديوانه ٧٨ واللسان (دوم) :

معروريا ومض الرضراس يركضه

(٤) ديوان ذى الرمة ٢٤ واللسان (دوم).

٣١٥

دَوَّمْتُ الزّعفرانَ : دُفْتُه ؛ وهو القياسْ لأنّه يسكُن فيما يُداف فِيه. واستَدَمْتُ الأمْرَ إذا رفَقْتَ به (١). وكذا يقولون. والمعنى أنّه إذا رَفَقَ به ولم يعْنُف ولم يَعْجَل دامَ له. قال :

فلا تَعْجَلْ بأمْرِكَ واستدمْهُ

فمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيم (٢)

وأما قولُه :

* وقد يُدَوِّمُ رِيقَ الطَّامِعِ الأمَلُ (٣) *

فيقولون : يُدوِّم يَبُلُّ ، وليس هذا بشىء ، إنَّما يدوِّم يُبْقِى ؛ وذلك أنّ اليائِسَ يحفُّ ريقُه. والدِّيمة : مطرٌ يدُومُ يوماً وليلةً أو أكثر.

ومن الباب أنّ عائشة سُئلت عن عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت: «كان عملُهُ دِيمَة». أى دائماً. والمعنى أنّه كان يَدُوم عليه ، سواء قلَّلَ أو كثَّر ، ولكنه كان لا يُخِلّ تعنى بذلك فى عبادته صلى الله عليه وسلم. فأمّا قوهم دوَّمَتْه الخمر ، فهو من ذاك ؛ لأنَّها تُخَثّره حتَّى تسكُن حركاته. والدَّأْمَاءِ : البَحْر ، ولعلّه أن يكون من الباب ؛ لأنّه ماءٌ مقيمٌ لا يُنْزَح ولا يَبْرَح. قال :

واللَّيْلُ كالدَّاماءِ مستشعِرٌ

مِن دُونِهِ لوناً كلَوْن السَّدُوسْ (٤)

__________________

(١) فى المجمل واللسان : «إذا تأيت فيه».

(٢) لقيس بن زهير فى اللسان (دوم ، صلا). وأنشد صدره فى المجمل. وفى اللسان : ونصلية العصا : دارتها على النار التقم. واستدامتها : التأنى فيها أى ما أحكم أمرها كالتأنى».

(٣) البيت لابن أحمر كما فى الحيوان (١ : ٢٣١ / ٣ : ٤٧) والبيان (١ : ١٣٣) واللسان (دوم). وصدره :

هنا الثاء و؟ أن أصاحبه

(٤) للأفوه الأودى فى ديوانه ٣ نسخة شنقيطى واللسان (دأم ، سدس). وحق كلمة «الدأماء» أن يفرد لها مادة (دأم).

٣١٦

دون الدال والواو والنون أصل واحِد يدلُّ على المداناةِ والمقاربة. يقال هذا دُون ذاك ، أى هو أقرَبُ منه. وإذا أردْت تحقيرَه قلتَ دُوَيْنَ. ولا يُشتق منه فِعْلٌ. ويقال فى الإِغراء : دُونَكَه! أى خُذْه ، أقرُبْ منه وقرِّبْه منك. ويقولون أمرُ دُونٌ. وثوب دُونٌ ، أى قريبُ القِيمَة. قال القُتيْبىّ : دانَ يَدُونُ دَوْناً ، إذا ضَعُف ، وأُدِين إدانةً. وأنشدوا :

* وعَلَا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لم يُدَنْ (١) *

أى لم يُضْعَف. وهو عنده من الشّىء الدُّون ، أى الهيِّن. فإِن كان صحيحاً فقياسُه ما ذكرناه.

دوه الدال والواو والهاء ليس بشَىء. يقولون : الدَّوْه : التحيُّر.

باب الدال والياء وما يثلثهما

ديث الدال والياء والثاء يدل على التَّذليل ، يقال ديَّثْتُه ، إذا أذلَلتَه ، مَن قولهم طريقٌ مديَّثٌ : مُذَلّل.

ديص الدال والياء والصاد أصلٌ واحد يدلّ على رَوَغانٍ وتفَلّت. يقال داصَ يديص دَيْصاً (٢) ، إذا راغَ. والاندياص : انسلال الشَّىء

__________________

(١) لعدى بن زيد ، كما فى المحمل واللسان (دون). وصدره :

أنسل الذرعان غرب جذم

ويروى : «لم يدن» يتشديد النون على ما لم يسم فاعله ، من دنى يدنى ، أى ضعف. أشير إليها فى المجمل واللسان.

(٢) ويقال «ديصانا» أيضا ، وقد اقتصر على الأخيرة فى المجمل.

٣١٧

من اليَد. ويقال انداصَ علينا فلانٌ بشرِّه ، وذلك إذا تفلّتَ علينا ؛ وإِنّه لمُنْدَاصٌ بالشّرّ. ويقال الدّيَّاص : السَّمين ؛ والدَّيَّاصة : السمينة. فإن كان صحيحاً فلأنه إذا قُبِض عليه اندلَصَ من اليد ؛ لكثرة لحمه

دير الدال والياء والراء أظُنه منقلباً عن الواو ، من الدَّار والدوْر. ومن الباب الدَّيْر. وما بها دَيُّورٌ ودَيَّارٌ ، أى أحدٌ. ومن الباب الذى ذكرْناه قال ابنُ الأعرابىّ : يقال للرجل إذا كان رأسَ أصحابه : هو رأس الدَّيْر.

ديف الدال والياء والفاء ليس بشىء. يقولون : الدِّيَافِىُ منسوبٌ إلى أرضٍ بالجزيرة قال:

* إذا سَافَهُ العَوْدُ الدِّيَافِىُ جَرْجَرَا (١) *

ديل الدال والياء واللام ليس ينقاس. يقولون : الدِّيلُ قبيلةٌ ، والنسبة دِيلى. فأمّا الدُّئِل ، على فُعِلٍ ، فهى دُويْبَّة. ويضعُف الأمرُ فيها من جهة الوزْن ، فأمّا الاشتقاق فليس ببعيد ، وقد ذكرناه فى الدال والهمزة مع الذى يَجىء بعدهما.

ديك الدال والياء والكاف ليس أصلاً يتفرّغ منه ، إِنَّما هو الدِّيك. ويقولون : هو عُظَيمٌ ناتىء فى جَبْهة الفرس (٢). وليس هذا بشىء.

__________________

(١) لامرئ لقيس فى ديوانه ١٠١ واللسان (سوف). وصدره

على لاحب لا يهتدي يمناره

(٢) الذى فى المعاجم المتداولة أنه العظم الشاخص خلف أذنه. وفى المجمل نص غريب ، وهو أنه العظم الناتئ فى طرف لسان الفرس.

٣١٨

دين الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها. وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين : الطاعة ، يقال دان له يَدِين دِيناً ، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ ، اى مُطِيعون منقادون. قال الشاعر :

* وكانَ النّاس إلّا نحنُ دِينا (١) *

والمَدِينة كأنّها مَفْعِلة ، سمّيت بذلك لأنّها تقام فيها طاعةُ ذَوِى الأمر. والمَدينة : الأمَة. والعَبْدُ مَدِينٌ ، كأنّهما أذلّهما العمل. وقال :

رَبَتْ وَرَبَا فى حِجْرِها ابنُ مدينةٍ

يظل على مِسحاتِهِ يَترَكْلُ (٢)

فأمَّا قول القائل :

* يا دِينَ قَلْبُكَ مِن سَلْمَى وقد دِينا (٣) *

فمعناه : يا هذا دِينَ قلبُك ، أى أُذِلَّ. فأمّا قولهم إنّ العادة يقال لها دينٌ ، فإن كان صحيحاً فلأنَّ النفسَ إذا اعتادت شيئاً مرَّتْ معه وانقادت له. وينشدون فى هذا :

كدِينِكَ مِن أمِّ الحُويرِثِ قَبْلَهَا

وجارتِها أُمِّ الرَّباب بمَأْسَلِ (٤)

والرواية «كَدَأبك» ، والمعنى قريبٌ.

فأمَّا قوله جلّ ثناؤُه : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) ، فيقال : فى طاعته ، ويقال فى حكمه. ومنه : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أى يوم الحكم. وقال

__________________

(١) أنشد هذا الجزء فى اللسان (دين ٧٨ س ٤).

(٢) البيت للأخطل فى ديوانه ٥ واللسان (دين ، مدن ، ركل). وسبق إنشاده فى (١ ٣٣٤).

(٣) أنشد هذا الصدر فى اللسان (دين ٢٨ ، ٢٩).

(٤) لامرئ القيس فى معلقته.

٣١٩

قومٌ : الحساب والجزاء. وأىَّ ذلك كان فهو أمرٌ يُنقاد له. وقال أبو زَيد : دِينَ الرّجُل يُدان ، إذا حُمِل عليه ما يَكره.

ومن هذا الباب الدَّيْن. يقال دايَنْتُ فلاناً ، إذا عاملتَه دَيْناً ، إمّا أخْذاً وإمّا إعطاء*. قال :

دايَنت أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضى

فمطَلَتْ بعضاً وأدَّتْ بعضَا (١)

ويقال : دِنْتُ وادَّنْتُ ، إذا أَخَذْتَ بدَينٍ. وأَدَنْتُ أقْرَضْت وأعطيت دَيْناً. قال :

أدَانَ وَأنْبَأَهُ الأوَّلُون

بأنَ المُدانَ مَلِىٌّ وَفِىُ (٢)

والدَّيْن من قياس الباب المطّرد ، لأنّ فيه كلَّ الذُّلّ والذِّل (٣). ولذلك يقولون «الدَّين ذُلٌّ بالنّهار ، وغَمٌّ بالليل». فأمّا قول القائل :

يا دارَ سَلْمَى خَلاءً لا أُكَلِّفُهَا

إلّا المَرَانة حَتَّى تعرِفُ الدِّينا (٤)

فإِنّ الأصمعىّ قال : المَرَانة اسمُ ناقَتِه ، وكانت تَعرِفَ ذلك الطّريقَ ، فلذلك قال : لا أكلِّفُها إلّا المَرانة. حَتَّى تعرف الدِّين : أى الحالَ والأمر الذى تَعهده. فأراد لا أكلف بلوغَ هذه الدار إِلّا ناقتى.

والله أعلم.

__________________

(١) لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ٧٩ واللسان (دين). وهو مطلع أرجوزة له.

(٢) البيت لأبى دؤيب الهذلى فى ديوانه ٦٥ واللسان (دين).

(٣) كذا وردت الكلمتان فى الأصل بهذا الضبط. والذل ، بالكسر : ضد الصعوبة.

(٤) البيت لابن مقبل ، كما فى اللسان (مرن). وأنشد له ياقوت فى رسم (مرانة) برواية : «يا دار ليلى». وانظر ما سيأتى فى (مرن).

٣٢٠