معجم مقاييس اللغة - ج ٢

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

باب الخاء والفاء وما يثلثهما

خفق الخاء والفاء والقاف أصلٌ واحد يرجع إليه فروعُه ، وهو الاضطراب فى الشَّىء. يقال خفَق العلم يَخفِقُ. وخفق النّجم ، وخفق القلبُ يخفِقُ خفقاناً. قال :

كأنّ قطاةً عُلِّقت بجنَاحِها

على كبِدى مِن شِدّةِ الخفقانِ (١)

ويقال أخْفَقَ الرّجلُ بثوبه ، إذا لَمَعَ به. ومن هذا الباب الخَفْق ، وهو كلُّ ضربٍ بشىء عريض. يقال خَفَقَ الأرضَ بنَعله. ورجل خَفَاق القَدَمَ ، إذا كان صدرُ قدمه عريضاً. والمِخْفَقُ : السَّيف العريض. ويقال إنّ الخَفْقَة المفازةُ (٢) ، وسمِّيت بذلك لأنّ الرياح تخنفِق فيها.

ومن الباب نافة خفيقٌ : سريعة (٣). وخَفَقَ السّرابُ ؛ اضطربَ. وخفَق الرّجُل خَفْقةً ، إذا نَعَس. والخافقانِ : جانِبا الجَوِّ. وامرأةٌ خَفّاقة الحشا ، أى خمِيصة البَطْن ، كأنَّ ذلك يضطرب. وأمّا قولهم أَخفق الرجل ، إذا غَزَا ولم يُصِب* شيئاً ، فيمكن أن يكون شاذًّا عن الباب ، ويمكن أن يقال : إذا لم يُصِبْ فهو مضطرب الحال ؛ وهو بعيد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أيُّما سَرِيَّةٍ غَزَتْ فأخفقَتْ كان لها أجرها مَرَّتَين». وقال عنترة:

__________________

(١) البيت لعروة بن حزام من قصيدة فى ديوانه نسخة الشنقيطى بدار الكتب المصرية ، ورواها القالى فى النوادر ١٥٨ ـ ١٦٢. وعدتها تسعة أبيات ومائة.

(٢) شاهده قول العجاج :

وغفلة ايس بها؟

(٣) فى الأصل : «ناقة خفيق سريع» ، محرف.

٢٠١

فيُخفِق مَرَّةً ويُفِيد أُخْرى

ويَفجَع ذا الضغائن بالأرِيبِ (١)

خفى الخاء والفاء والياء أصلان متباينان متضادّان. فالأوّل السَّتْر ، والثانى الإظهار.

فالأوّل خَفِىَ الشَّىءُ يخفَى ؛ وأخفيته ، وهو فى خِفْيَةٍ وخَفاءِ ، إذا ستَرْتَه. ويقولون: بَرِحَ الخَفَاء ، أى وَضَحَ السِّرُّ وبدا. ويقال لما دُونَ رِيشات الطائر العشر ، اللواتى فى مقدم جناحه : الخوافى. والخوافى : سَعَفاتٌ يَلِين قُلْب النَّخلة والخافى : الجنّ. ويقال للرّجُل المستترِ مستخْفٍ.

والأصل الآخر خفا البرقُ خَفْواً ، إذا لمع ، ويكون ذلك فى أدنى ضعف. ويقال خَفَيْتُ [الشَّىءَ] بغَيْر ألِفٍ ، إذا أظهرتَه. وخَفَا المطَرُ الفَأر من جِحْرَتهنّ : أخْرجَهن. قال امرؤ القيس :

خَفاهُنّ من أَنْفَاقِهنّ كأنَّما

خَفاهُنَّ وَدْقٌ من سَحابٍ مُركب (٢)

ويقرأ على هذا التأويل : إنّ السّاعة آتية أكاد أَخفيها (٣) أى أُظهِرُها.

خفت الخاء والفاء والتاء أصلٌ واحدٌ ، وهو إسرارٌ وكتمان. فالخَفْتُ : إسرار النَّطْق. وتخافَتَ الرّجُلانِ. قال الله تعالى : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ). ثم قال الشاعر :

__________________

(١) البيت فى اللسان (خفق) برواية : «ويصيد أخرى».

(٢) ديوان امرئ القيس ٨٦ واللسان (خفى) ونوادر أبى زيد ٩ والقالى (١ : ٢١١) والمخصص (١٠ : ٤٦).

(٣) هذه قراءة أبى الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد ، ورويت عن ابن كثير وعاصم وسائر القراء بضم الهمزة. تفسير أبى حيان (٦ : ٢٣٢).

٢٠٢

أُخاطِبُ جَهْراً إذْ لهنّ تَخافُتٌ

وشَتَّانَ بينَ الْجَهْرِ وَالمَنْطِق الجَفْتِ (١)

خفج الخاء والفاء والجيم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الاستقامة. فالأخفج : الأعوج الرِّجْل ؛ والمصدر الخَفَج ، ويقال إنَ الخَفَج * الرِّعدة. وهو ذاك القياس.

خفد الخاء والفاء والدال أصلٌ واحد ، وهو من الإسراع. يقال خَفَدَ الظّليم : أسرع فى مَرِّه. ولذلك سُمِّى خَفيْدَداً.

خفر الخاء والفاءِ والراءِ أصلان : أحدهما الحياء ، والآخَر المحافظة أو ضِدُّها.

فالأوّل الخَفَرُ. يقال خَفِرَت المراة : استحيت ، تَخفَر خَفراً ، وهى خفِرَةٌ. قال :

* زَانَهنّ الدَّلُّ والخَفَرُ*

وأمّا الأصل الآخر فيقال خَفَرْتُ الرّجُل خُفْرةً ، إِذا أَجَرْتَه وكنتَ له خفيراً. وتَخَفَّرْتُ بفلانٍ ، إذا استَجَرْتَ به. ويقال أخفَرْتُه ، إذا بَعَثْتَ معه خفيراً.

وأمّا خِلافُ ذلك فأخفَرتُ الرّجُلَ ، وذلك إذا نقضْتَ عَهده. وهذا كالباب الذى ذكرناه فى خَفيت وأخفيت.

خفع الخاء والفاءِ والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التزاق شىء بشىء لِضُرٍّ يكون. يقال انخَفَعَ الرَّجْل على فراشه ، إذا لَزِق به مِن مرض.

__________________

(١) البيت فى اللسان (خفت) ، وقد سبق فى (جهر ١ : ٤٨٧). وفى الأصل ة «اخافت» تحريف.

٢٠٣

ويقال خَفعَ الرَّجُل ، إذا التزق بطنُه بظهْره. ومنه قول جرير :

* رَغداً وضَيْفُ بنى عِقالٍ يُخْفَعُ (١) *

وذكر ناسٌ : انخفعت كَبدُه من الجوع ، إذا انقطعت. وأنشدوا هذا البيتَ ؛ وهو قريبٌ من الأوّل. وقال بعضهم : الأخفع الرجل الذى كأنَّ به ظَلْعاً إذا مشَى. ويقال : الخَوْفَع الواجم المكتئِب. ويقال خفَعتُه بالسَّيف ، إذا ضربتَه به والقياس واحد.

باب الخاء واللام وما يثلثهما

خلم الخاء واللام والميم أصلٌ واحد يدل على الإلْفِ والمُلازَمة. فالخِلْم : كِناس الظّبى ، ثمّ اشتقَّ منه الخِلْم ، وهو الخِدْن. والأصل واحد.

خلو الخاء واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على تعرِّى الشَّىء من الشىء. يقال هو خِلْوٌ من كذا ، إذا كان عِرْواً منه. وخَلَتِ الدار وغيرُها تخلُو. والخَلِىّ : الخالى من الغَمّ. وامرأةٌ خَلِيَّة : كنايةٌ عن الطَّلاق ، لأنّها إذا طُلِّقت فقد خَلَتْ عن بعلها. ويقال خلا لِىَ الشّىءُ وأخلى. قال :

أعاذلَ هل يأتِى القَبَائلَ حظُّها

مِن الموتِ أم أخْلَى لنا الموتُ وَحْدَنا (٢)

والخَلِيّة : الناقة تُعطَف على غير ولدِها ، لأنّها كأنّها خَلَتْ من ولدها الأول. والقرون الخالية : الموَاضى. والمكان الخَلاء : الذى لا شىءَ به. ويقال

__________________

(١) ديوان جرير ٤٤٩ واللسان (خفع). وصدره :

يمشون قد؟ المزير بطونهم

(٢) لمعن بن أوس المزنى ، كما فى اللسان (خلا).

٢٠٤

ما فى الدار أحدٌ خلا زَيْدٍ وزيداً ، أى دَع ذِكرَ زيدٍ ، إخْلُ من ذكر زيد. ويقال : افعَلْ ذاكَ وخَلَاك ذَمٌّ ، أى عَدَاك وخلَوْت منه وخلا منك.

ومما شذَّ عن الباب الخَلِيَّة : السفينة ، وبيت النَّحل. والخلا : الحشيش. وربَّما عبَّروا عن الشىء الذى بخُلو من حافِظِه بالخَلاة ، فيقولون : هو خَلَاةٌ لكذا (١) ، أى هو مِمَّن يُطْمَع فيه ولا حافِظَ له. وهو من الباب الأوّل.

وقال قوم : الخَلْىُ القَطْع ، والسيف يَخْتَلِى ، أى يقتَطع. فكأنّ الخلا سُمِّى بذلك لأنّه يُخْتَلى ، أى يُقْطَع.

ومن الشاذّ عن الباب : خلا به ، إذا سَخِر به.

خلب الخاء واللام والباء أصولٌ ثلاثة : أحدها إمالة الشىء إلى نفسك ، والآخر شىء يشمل شيئاً ، والثالث فسادٌ فى الشىء.

فالأوّل : مِخْلب الطائَر ؛ لأنه يَخْتلِب به الشىءَ إلى نَفْسه. والمِخْلب : المِنْجل لا أسنانَ له. ومن الباب الخِلَابَة : الخِداع ، يقال خَلَبَه بمنطقِه. ثمَّ يحمل على هذا ويُشتقُّ منه البَرْق الخُلَّب : الذى لا ماءَ معه ، وكأنّه يَخْدَع ، كما يقال للسَّراب خادعٌ.

وأما الثانى : فالخُلْبُ اللِّيف ، لأنّه يشمل الشّجرة. والخِلْب ، بكسر الخاءِ : حِجاب القَلْب ، ومنه قيل للرجل : «هو خِلْبُ نِساءِ» ، أى يحبُّه النساء.

__________________

(١) لم يرد هذا التعبير فى المعاجم المتداولة صريحا. وأصل الحلاة الطائفة من الحلا. وفى اللسان : «وقول الأعشى:

وحول بكر وأششباعها

ولست خلاة لمن أوعدن

أى لست بمنزلة الخلاة يأخذها الآخذ كيف شاء ، بل أنا فى عز ومنعة».

٢٠٥

والثالث : الخُلْب ، وهو الطّين والحَمْأَة ، وذلك ترابٌ يفسده. ثم يشتقّ منه امرأةٌ خَلْبَنٌ ، وهى* الحَمْقَاء. وليست من الخِلابة. ويقال للمهزولة خَلْبَنٌ أيضاً.

فأمَّا الثوب المخلَّب فيقولون : إنَّه الكثيرُ الألوان ، وليس كذلك ، إنَّما المُخَلَّبُ الذى نُقِش نقوشاً على صورِ مَخَالِيبَ ، كما يقال مُرَجَّلٌ للذى عليه صُوَرُ الرِّجال (١).

خلج الخاء واللام والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على لَىٍّ وفَتْلٍ وقِلّةِ استقامة. فمن ذلك الخليجُ ، وهو ماءَ يَمِيل مَيْلةً عن مُعْظَم الماءِ فيستقرُّ. وخليجا النَّهر أو البحر : جناحاه (٢). وفلان يتخلَّج فى مِشيته ، إذا كان يتمايَلُ. ومن ذلك قولهم : خَلَجنِى عن الأمر ، أى شَغَلنى، لأنّه إذا شغله عنه فقد مال به عنه. والمخلوجة : الطَّعنة التى ليست بمستوِية ، فى قول امرئ القيس :

نَطْعُنُهُم سُلْكَى ومخلوجةً

كَرَّكَ لَأْمَيْنِ على نابِل (٣)

فالسُّلْكَى : المستوية. والمخلوجة : المنحرفة المائلة.

ومنه قولهم : خَلَجْتُ الشّىءَ من يده ، أى نزعتُه. وخالَجْتُ فلاناً : نازعتهُ. وفى الحديثِ فى قراءة القرآن : «لَعَلَّ بَعضَكُم خالجَنِيها (٤)». والخليج : الرَّسَن ، سُمّى بذلك لأنّه يُلوَى لَيًّا ويُفْتَل فَتْلاً. قال :

__________________

(١) ويقال أيضا «ممرجل» للذى عليه صور المراحل. و «مرحل» بالحاء المهملة ، للذى عليه صور الرحال.

(٢) فى المجمل : «وجناحا النهر : خليجاه».

(٣) من قصيدة فى ديوانه ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٤) فى الحديث «أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة جهر فيها بالقراءة ، وقرأ قارئ خلفه فجهر ، فلما سلم قال : لقد طننت أن بعضكم خالجنيها» ، أى نازعنى القراءة. اللسان.

٢٠٦

وباتَ يُغَنِّى فى الخليجِ كأنَّه

كُمَيْتٌ مُدَمًّى ناصعُ اللَّونِ أَقْرَحُ (١)

ويقال خلجَتْه الخوالجُ ، كما يقال عَدَتْه العَوادِى. وأما قولُ الحطيئة :

* بمخلُوجةٍ فيها عن العَجْزِ مَصْرَفُ (٢) *

فإنّه يصِفُ الرَّأى ، وشبَّهَه بالحبل المحكمَ المفتول. فهذا إذاً تشبيهٌ. ويجوز أن يكون لمَّا قيل : فيها عن العَجز مصرفٌ ، جعلَها مخلوجة ، لأنّه قد عُدِل بها عن العَجز.

فأمّا قولهم : خُلِجَتِ النَّاقَةُ ؛ وذلك إذا فطَمتْ ولدها فقَلَّ لبنُها ، فهو من الباب ، لأنّه عُدِلَ بها عن ولدها وعدَل ولَدُها عنها. ويقال سحابٌ مخلوجٌ : متفرِّق. فإن كان صحيحا فهو من الباب ، لأنّ قِطعةً منه تميل عن الأُخرى والخَلَجُ: فسادٌ وداءُ (٣). وهو من الباب.

خلد الخاء واللام والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثبات والملازَمة فيقال : خَلَدَ : أقام ، وأخلَدَ أيضاً. ومنه جَنَّةُ الخُلْدِ. قال ابن أحمر :

خَلَدَ الحبيبُ وبادَ حاضِرُهُ

إلَّا مَنازِلَ كلُّها قَفْرُ

ويقولون رجلٌ مُخْلَدٌ ومُخْلِد (٤) ، إذا أبطأ عنه المشِيب. وهو من الباب ، لأنَّ الشَّباب قد لازمَه ولازَمَ هو الشباب. ويقال أخْلَدَ إلى الأرض إذا لَصِق بها.

__________________

(١) لتميم بن مقبل كما فى اللسان (خلج). وأنشده فى المجمل.

(٢) صدره كما فى الديوان ١١٠ واللسان (خلج) :

وكنت إذا داوت رحى الأمر رعته

(٣) الخلج : فساد فى ناحية البيت. والخلج أيضا أن يشتكى الرجل لحمه وعظامه من عمل يعمله أو طول مشى وتعب. اللسان.

(٤) لم تذكر المعاجم الضبط الأول. وتعليله فيما بعد دليل على صحتها عنده.

٢٠٧

قال الله تعالى : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) : فأمَّا قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) مُخَلَّدُونَ ، [فهو] من الخُلْد ، وهو البقاء ، أى لا يموتون. وقال آخرون : من الخِلَد ، والخِلَدُ : جمع خِلَدة وهي القُرْط. فقوله : مُخَلَّدُونَ أى مقرَّطون مشنَّفون. قال :

ومخَلّدَاتٌ باللَّجَينِ كأنَّما

أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبَان (١)

وهذا قياسٌ صحيح ، لأنّ الخِلَدةَ ملازمةٌ للأذُن.

والخَلَد : البال ، وسمِّى بذلك لأنّه مستقرٌّ [فى] القلب ثابتٌ.

خلس الخاء واللام والسنين أصلٌ واحد ، وهو الاختطاف والالتماع. يقال اختلَسْتُ الشَّىءَ. وفى الحديث : «لا قَطْعَ فى الخُلْسَة». وقولهم : أَخْلَسَ رأسُه ، إذا خالَطَ سوادَه البياضُ ، كأنَّ السوادَ اخْتُلِس منه فصارَ لَمُعاً. وكذلك أخْلَسَ النّبتُ ، إذا اختلط يابسُه برطْبِه.

خلص الخاء واللام والصاد أصلٌ واحد مطَّرِد ، وهو تنقيةُ الشَّىء وتهذيبُه. يقولون : خلَّصتُه من كذا وخَلَصَ هو. وخُلاصة السَّمْنِ : ما أُلْقِىَ فيه من تَمْرِ أو سَويق ليخلُصَ به.

خلط الخاء واللام والطاء أصلٌ واحد مخالفٌ للباب الذى قَبلَه ، بل هو مُضَادٌّ له. تقول : خلَطْت الشَّيءَ بغيره فاختلط. ورجل مِخْلَطٌ ، أى حَسَن المداخَلة للأمورِ. وخِلافُه المِزْيل. قال أوس :

__________________

(١) البيت فى اللسان (خلد ، قوز). وقد ضبطت «مخلدات» فى الأصل بكسرتين وضمتين.

٢٠٨

وإن قالَ لى ماذا تَرَى يستشيرُنى

يَجدُنى ابنُ عَمِّى مِخْلَطَ الأمر مِزْيَلَا (١)

والخليط : المجاور. ويقال : الخِلْط السّهمُ ينبُتُ عودُه على عِوَجٍ ، فلا يزالُ يتعوّجُ وإن قُوّم. وهذا من الباب ؛ لأنّه ليس يُخَالَط فى الاستقامة. ويقال استَخْلَطْ* البعيرُ ، وذلك أن يَعْيا بالقَعْو على النّاقة (٢) ولا يَهتدِى لذلك ، فيُخْلَطَ له وبُلْطَف له.

خلع الخاء واللام والعين أصلٌ واحد مطّرد ، وهو مُزايَلة الشَّىءِ الذى كان يُشتَمَل به أو عليه. تقول : خلعتُ الثّوبَ أخْلَعُهُ خَلْعاً ، وخُلِع الوالى يُخْلَعُ خَلْعاً. وهذا لا يكاد يُقال إلّا فى الدُّون يُنْزِل مَن هو أعلى منه ، وإلّا فليس يُقال خَلَع الأميرُ واليَه على بلدِ كذا. ألَا ترى أنّه إنما يقال عزلَه. ويقال طلَّقَ الرَّجُل امرأته. فإن كان ذلك من قبَل المرأة يقال خالعَتْه وقد اختَلَعَتْ (٣) ؛ لأنّا تَفتدِى نفسَها منه بشىء تبذلُه له. وفى الحديث : «المختلِعات هنَّ المنافقات». يعنى (٤) اللواتى يخالِعْن أزواجهنَّ من غير أنْ يضارَّهُنّ الأزواج. والخالِع : البُسر النَّضِيج (٥) ، لأنَّه يَخْلَع قِشرَهُ من رُطوبته. كما يقال فَسَقَتِ الرُّطَبَة ، إذا خرجَتْ مِن قشرها.

__________________

(١) فى ديوان أوس ٢٠ : «يجدر ابن عم» ، والرواية هنا مستقيمة. وقبله :

ألا أعتب ابن العم إن كان؟

وأغفر عنه أجهل إن كان أجهلا

(٢) فى الأصل : «بالقَعو على الناقة» صوابه بالعين ، وهو أن يرسل نفسه عليها.

(٣) فى الأصل : «اختلعها». ولدى فى المعاجم المتداولة «خلعها» و «اختلعت هى».

(٤) فى الأصل : «فمن» ، وأثبت ما فى اللسان.

(٥) فى الأصل : «النصح».

٢٠٩

ومن الباب خَلَعَ السُّنْبُلُ ، إذا صار له سَفاً ، كأنّه خلعَه فأخرجَه. والخليع : الذى خَلعه أهلُه ، فإِنْ جَنَى لم يُطْلَبُوا بجِنايته ، وإنْ جنِىَ عليه لم يَطْلُبوا به.

وهو قوله :

ووادٍ كجوف العَيْرِ قفرٍ قطعتُه

به الذّئبُ يعوِى كالخليع المُعيَّلِ (١)

والخليع : الذِّئبُ ، وقد خُلِع أىّ خَلْعٍ! ويقال الخليع الصائد. ويقال : فلانٌ يتخلَّعُ فى مِشيتِه ، أى يهتزُّ ، كأنَّ أعضاءَه تريد أن تتخلَّع (٢). والخالع داءٌ يُصِيب البعير. يقال به خالعٌ ، وهو الذى إذا بَرَك لم يقدِرْ على أن يثُور. وذلك أنَّه كأنَّه تخلَّعت أعضاؤُه حتَّى سقطت بالأرض. والخَوْلَع : فَزَعٌ يعترِى الفُؤادَ كالمسِّ ؛ وهو قياسُ الباب ، كأنَّ الفؤادَ قد خُلِع. ويقال قد تخالَعَ القومُ ، إذا نَقَضُوا ما كان بَينهم من حِلْف.

خلف الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة : أحدُها أن يجئَ شىءٌ شىءِ يقومُ مقامَه ، والثانى خِلاف قُدَّام ، والثالث التغيُّر

فالأوّل الخَلَف. والخَلَف : ما جاء بعدُ. ويقولون : هو خَلَفُ صِدْقٍ من أَبيه. وخَلَف سَوْءٍ من أبيه. فإذا لم يذكُروا صِدقاً ولا سَوْءًا قالوا للجيِّد خَلَف وللردىِ خَلْف. قال الله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ). والخِلِّيفَى : الخلافة ، وإنَّما سُمِّيت خلافةً لأنَّ الثَّانى يَجىءُ بَعد الأوّلِ قائماً مقامَه. وتقول : قعدتُ خِلافَ فُلانٍ ، أى بَعْده. والخوالفُ فى قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته.

(٢) فى الأصل : «كأنه أعضاءه يريد أن يتخلع».

٢١٠

مَعَ الْخَوالِفِ) هنَّ النِّساء ، لأنَّ الرِّجال يغِيبُون فى حُروبهم ومغاوراتِهِمْ وتجاراتِهم وهنّ يخلُفْنهم فى البيوت والمنازل. ولذلك يقال : الحىُ خُلُوفٌ ، إذا كان الرِّجال غُيَّباً والنِّساء مُقيماتٍ. ويقولون فى الدعاء : «خَلَف اللهُ عليك» أى كانَ الله تعالى الخليفة عليك لمن فَقَدْتَ مِن أبٍ أو حميم. و «أَخْلَف الله لك» أى عوَّضك من الشىء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه. والخِلْفة : نبتٌ ينبت بعد الهشيم. وخِلْفَةُ الشجرِ : ثمرٌ يخرُج بَعد الثَّمر. قال :

ولها بالماطِرُونَ إذا

أكَلَ النّملُ الذى جَمَعَا (١)

خِلْفَةٌ حتَّى إذا ارتَبَعَتْ

سَكَنَتْ من جِلَّق بِيَعا (٢)

وقال زهيرٌ فيما يصحّح (٣) جميعَ ما ذكرناه :

بها العِينُ والآرامُ يَمشين خِلْفَةً

وأطلاؤُها يَنْهَضْنَ من كلِّ مَجْثَم (٤)

يقول : إذا مرَّتْ هذه خَلفَتْها هذه.

ومن الباب الخَلْف (٥) ، وهو الاستِقاء ، لأنَّ المستقِيَينِ يتخالفانِ ، هذا بَعْدَ ذا (٦) ، وذاك بعد هذا. قال فى الخَلْف :

__________________

(١) البيت لأبى دهبل الجمحى ، كما فى الحيوان (٤ : ١٠) والخزانة (٣ : ٢٧٩). وبعضهم ينسبه إلى الأحوص ، كما فى الكامل ٢١٨. وفى حواشيه «أبو الحسن : الصحيح أنه ليزيد يصف جارية». وهذه النسبة الأخيرة هى التى ذكرها ياقوت فى رسم «الماطرون».

(٢) فى جميع المصادر المتقدمة : «خرفة» بالراء ، وهو اسم لكل ما يجتنى. ولم يرد البيت فى اللسان (خلف ، خرف ، ربع ، جلق). ورواية «خلفة» وردت فى المخصص (١١ : ٩).

(٣) فى الأصل : «يصح».

(٤) البيت من معلقته المشهورة.

(٥) الخلف ، بالفتح ، ومثله «الخلفة» بالكسر.

(٦) فى الأصل : «بعدها».

٢١١

لِزُغْبٍ كأولاد القَطا راثَ خَلْفُها

على عاجِزَاتِ النَّهض حُمْرٍ حواصلُه (١)

يقال : أخْلَفَ ، إذا استَقَي

والأصل الآخر خَلْفٌ (٢) ، وهو غير قَدّام : يقال : هذا خلفى ، وهذا قدّامى. وهذا مشهورٌ. وقال لبيد :

فَغَدَتْ كِلَا الفَرْجَينِ تَحْسَبُ أنّه

مَولَي المخالفةِ خلْفُها وأَمامُها

ومن الباب الخِلْف ، الواحد من أخلاف الضَّرع. وسمِّى بذلك لأنّه يكون خَلْفَ ما بعده.

وأمّا الثالث* فقولهم خَلَف فُوه ، إِذا تغيَّرَ ، وأخْلَفَ. وهو قولُه صلى الله عليه وآله وسلم : «لَخَلُوف فم الصائم أطيَبُ عند الله من ريح المِسْك». ومنه قول ابن أحمر :

بانَ الشَّبابُ وأخْلَفَ العُمْرُ

وتنكَّرَ الإخوانُ والدَّهرُ

ومنه الخِلاف فى الوَعْد. وخَلَفَ الرَّجُلُ عن خُلق أبيه : تغيَّر. ويقال الخليف : الثَّوب يَبلَى وسطُه فيْخرَج البالى منه ثم يُلْفَق ، فيقال خَلَفْتُ الثَّوبَ أخْلُفُه. وهذا قياسٌ فى هذا وفى البابِ الأوّل.

ويقال وعَدَنى فأخلْفتُه ، أى وجدته قد أخلَفنى. قال الأعشى :

__________________

(١) للحطيئة فى ديوانه ٣٩ واللسان (خلف ٤٣٥). راث. أبطأ. وفى الأصل : «القطارات» تحريف. وفى الديوان : «راث خلقها» بالقاف ، وفسره الكرى بقوله : «أى أبطأ شبابها» ثم نبه على رواية الفاء ، ونسبها إلى أبى عمرو.

(٢) فى اللسان : «وهى تكون اسما وظرفا. فإذا كانت اسما جرت بوجوه الإعراب ، وإذا كانت طرفا لم تزل نصبا على حالها».

٢١٢

أثْوَى وقَصَّرَ لَيْلَةُ ليُزَوّدا

فَمضَى وأخلَفَ منْ قُتَيْلَةَ موعِدا (١)

فأمّا قولُه :

* دَلْواىَ خِلْفانِ وساقياهما (٢) *

فمِنْ أنّ هذِى تخلُف هَذِى. وأمّا قولهم : اختلفَ النَّاسُ فى كذا ، والناس خلْفَةٌ أى مختلِفون ، فمن الباب الأوَّل ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يُنَحِّى قولَ صاحبه ، ويُقيم نفسَه مُقام الذى نَحّاه. وأمّا قولهم للناقة الحامل خَلِفَةٌ فيجوز أن يكون شاذًّا عن الأصل ، ويجوز أن يُلْطَف له فيقالَ إنّها تأتى بولدٍ ، والولد خَلَفٌ. وهو بعيد. وجمع الخَلِفة المخَاض ، وهُنَّ الحوامل.

ومن الشاذِّ عن الأصول الثلاثة : الخَلِيفُ ، وهو الطّريقُ بين الجبلَين. فأمّا الخالفة من عَمُدَ البيت ، فلعلَّه أن يكون فى مؤخّر البيت ، فهو من باب الخَلْف والقُدّام. ولذلك يقولون: فلانٌ خالِفَةُ أهلِ بيته ، إذا كان غير مقدَّم فيهم.

ومن باب التغيُّر والفساد البَعيرُ الأخلَفُ ، وهو الذى يمشِى فى شِقِّ ، من داءٍ يعتريه.

خلق الخاء واللام والقاف أصلان : أحدهما تقدير الشىء ، والآخر مَلاسَة الشىء.

فأمّا الأوّل فقولهم : خَلَقْت الأديم للسِّقاء ، إذا قَدَّرْتَه. قال :

لم يَحْشِمِ الخالقاتِ فَرْيَتُها

ولم يَغِضْ من نِطافِها السَّرَبُ (٣)

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٥٠ واللسان (ثوى ، خلف) وقد سبق فى ثوى (١ : ٣٩٣).

(٢) البيت فى نوادر أبى زيد ٩٥.

(٣) البيت للكميت كما فى المجمل ، وليس فى قصيدته التى على هذا الوزن من الهاشميات.

٢١٣

وقال زهير :

ولَأَنْت تَفْرِى ما خلَقْت وبَعضُ

القَوم يخلُق ثمَّ لا يَفْرِى

ومن ذلك الخُلُق ، وهى السجيَّة ، لأنّ صاحبَه قد قُدِّر عليه. وفلانٌ خَليق بكذا ، وأَخْلِقْ به ، أى ما أخْلَقَهُ ، أى هو ممَّن يقدَّر فيه ذلك. والخَلاقُ : النَّصيب ؛ لأنّه قد قُدِّرَ لكلِّ أحدٍ نصيبُه.

ومن الباب رجلٌ مُخْتَلَقٌ : تامُ الخَلْق. والخَلْق : خَلْق الكذِب ، وهو اختلاقُه واختراعُه وتقديرُه فى النَّفس. قال الله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً).

وأمّا الأصل الثانى فصخرة خَلْقَاءِ ، أى مَلْساء. وقال :

قد يَتْرُكُ الدَّهرُ فى خَلْقَاءَ راسِيَةٍ

وَهْياً ويُنزِل منها الأعْصَمَ الصَّدعا (١)

ويقال اخلَوْلَقَ السَّحابُ : استَوَى. ورسمٌ مخْلَولِقٌ ، إذا استوى بالأرض والمُخلَّق : السّهم المُصْلَح.

ومن هذا الباب أخْلَقَ الشَّىءُ وخَلِقُ ، إذا بَلِىَ. وأخلقْتُهُ أنا : أبليتُه. وذلك أنَّه إذا أخْلَقَ امْلاسَّ وذهب زِئْبِرُه. ويقال المُخْتَلَق من كلِّ شىء : ما اعتدَلَ. قال رُؤبة :

* فى غِيل قَصْبَاءَ وخِيسٍ مُخْتَلَقْ (٢) *

والخَلُوق معروفٌ ، وهو الخِلَاق أيضاً. وذلك أنّ الشىء إذا خُلِّق مَلُسَ. ويقال ثوبٌ خَلَق ومِلحَفَةٌ خَلَق ، يستوى فيه المذكَّر والمؤنث. وإنما قيل للسَّهم المُصلَح مَخَلَّقٌ لأنّه يصير أملس. وأمّا الخُلَيْقاءِ فى الفَرَس فكالعِرنين من الإنسان.

__________________

(١) للأعشى فى ديوانه ٧٣ واللسان (خلق).

(٢) ديوان رؤبة ١٠٦. وأنشده فى المخصص (١١ : ٥٦).

٢١٤

باب الخاء والميم وما يثلثهما فى الثلاثى

خمج الخاء والميم والجيم يدلُّ على فتورٍ وتغيُّر. فالخَمَج فى الإنسان : الفتور. يقال أصبَحَ فلانٌ خَمِجاً ، أى فَاترا. وهو فى شعر الهُذَلىّ (١) :

* أخْشَى دُونَه الخَمَجَا (٢) *

ويقولون خَمِجَ اللّحمُ ، إذا تغيَّر وأرْوَحَ.

خمد الخاء والميم والدال أصلٌ واحد ، يدلُّ على سكونِ الحركة والسُّقوط. خَمَدَتِ النارُ خُموداً ، إذا سكَنَ لهَبُها. وخَمَدَت الحُمَّى إذا سكَنَ وهَجُها. ويقال للمُغْمَى عليه : خَمَدَ(٣).

خمر الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية ، والمخالطةِ فى سَتْر. فالخَمْرُ : الشَّراب المعروف. قال* الخليل : الخمر معروفةٌ ؛ واختمارُها : إدراكُها وغَليانُها. ومخمِّرها : متَّخِذها. وُخمْرتها : ما غَشِىَ المخمورَ من الخُمار والسُّكْر فى قَلْبه. قال :

لَذٌّ أصابَتْ حُمَيَّاها مَقَاتِلَهُ

فلم تكَدْ تَنْجَلِى عن قَلْبِه الخُمَرُ (٤)

__________________

(١) هو ساعدة بن جؤية الهذلى انظر نسخة الشنقيطى من الهذليين ٨٧ والجزء الثانى من مجموع أشعار الهذليين ٣٧ ليبسك ، واللسان (خمج).

(٢) البيت بتمامه :

ولا أقيم بدار الهون إن ولا

أتى إلى الحدو أخشى دونه؟

(٣) فى المجمل : «وخمد الرجل : مات أو أغمى عليه».

(٤) البيت فى اللسان (خمر ٣٤٠).

٢١٥

ويقال به خُمارٌ شَديد. ويقولون : دخَلَ فى خَمْار النّاسِ وخَمَرِهم ، أى زحْمتهم. و «فلانٌ يَدِبُّ لفُلانٍ الخَمَر» ، وذلك كناية عن الاغتيال. وأصلُه ما وارَى الإنسان من شجرٍ. قال أبو ذؤيب :

فليتَهُمُ حَذِرُوا جَيشَهُم

عَشِيَّةَ همْ مثلُ طَيْرِ الخَمَرْ (١)

أَى يُختلون ويُستَتَر لهم. والخِمار : خِمار المرأةٌ. وامرأةٌ حسنَة الخِمْرَة ، أى لُبْس الخِمار. وفى المثل : «العَوَانُ لا تُعَلَّم الخِمْرة». والتخمير : التغطية. ويقال فى القوم إِذا توارَوْا فى خَمَرِ الشَّجر : قد أخْمَرُوا. فأمّا قولهم : «ما عِندَ فُلانٍ خَلٌّ ولا خَمْرٌ» فهو يجرى مَجرى المثل ، كأنّهم أرادوا : ليس عِنده خيرٌ ولا شَرّ. قال أبو زيد : خامَرَ الرّجُل المكانَ ، إذا لزِمه فلم يَبْرح. فأمَّا المخّمرة من الشاءِ فهى التى يبيضُّ رأسها مِن بينِ جسدِها. وهو قياسُ الباب ؛ لأنَّ ذلك البياضَ الذى برأسها مشبّهٌ بخِمار المرأة. ويقال خمَّرتُ العجينَ ، وهو أنْ تتركَه فلا تستعملَه حتَّى يَجُود. ويقال خَامَرَهُ الدّاءِ ، إذا خالط جوفَه. وقال كثَيرٌ :

هَنيئاً مَريئاً غَيْرَ داءِ مُخَامِرٍ

لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحَلّتِ (٢)

قال الخليل : والمستَخْمَر (٣) بلغة حِمْيَر : الشَّرِيك. ويقال دخَلَ فى الخَمر ، وهى وَهْدَةٌ يختِفى فيها الذِّئبُ ونحوُه. قال :

ألا يا زَيدُ والضَّحاكُ سَيْراً

فقد جاوزْتما خَمَرَ الطّريقِ (٤)

__________________

(١) ديوان أبى ذؤيب ١٥٠.

(٢) قصيدة البيت فى أمالى القالى (٢ : ١٠٧ ـ ١١٠) ، والأغانى (٨ : ٣٧ ـ ٣٨) ، وتزيين الأسواق ٤١ ، ٤٢.

(٣) الذى فى اللسان والقاموس أن المستخمر : المستعبد. وذكر فى اللسان أنها لغة أهل اليمن. وانظر آخر هذه المادة.

(٤) كذا ضبطت «سيرا» فى الأصل. ويصح أن يقرأ «سيرا» بأمر الاثنين.

٢١٦

ويقال اختَمَرَ الطِّيبُ ، واخْتَمَرَ العَجين (١). ووجدت منه خُمْرَةً طيِّبة وخمَرَةً ، وهو الرّائحة : والمخامَرة : المقارَبة (٢). وفى المثل : «خامِرِى أُمَّ عامِرِ» ، وهى الضَّبع. وقال الشَّنْفرَى :

فلا تدفِنُونى إنَّ دفْنِى مُحَرَّمٌ

عليكُمْ ولكن خَامِرِى أمَّ عامرِ (٣)

أى اترُكُونى لِلّتِى (٤) يقال لها : «خامِرِى أُمَّ عامر». والخُمْرَة : شئٌ من الطِّيب تَطّلِى به (٥) المرأة على وجهها ليحسُن به لونُها. والخُمْرة : السّجَّادة الصَّغيرة. وفى الحديث: «أنّه كان يسجُد على الخُمْرة».

ومما شذَّ عن هذا الأصل الاستخمار ، وهو الاستعباد ؛ يقال استخمرت فلاناً ، إذا استعبدتَه. وهو فى حديث مُعاذ : «من استَخْمَر قوماً». أى استعبَدَهم.

خمس الخاء والميم والسين أصلٌ واحد ، وهو فى العدد. فالخمسة معروفة والخمس(٦): واحدٌ من خَمْسةٍ. يقال خَمَسْتُ القومَ : أخذْتُ خمس أموالهِم ، أخْمُسُهم. وخَمَسْتُهم : كنتُ لهم خامساً ، أخْمِسُهُم. والخِمْس : ظِمْء من أظلماء الإبل. قال الخليل : هو شُرْب الإبلِ اليومَ الرابعَ من يَومَ صَدَرَتْ ؛

__________________

(١) فى الأصل : «والخمير العجين» ، محرف. وفى اللسان : «قد اختمر الطيب والعجين».

(٢) فى الأصل : «المقابرة» ، صوابه من المحمل واللسان.

(٣) للشعر قصة فى الأغانى (٢١ : ٨٩) ومقدمة الشعر والشعراء لابن قتيبة. وانظر حماسة أبى تمام (١ : ١٨٨) والحيوان (٦ : ٤٥٠) والمخصص (١٣ : ٢٥٨) والأزمنه والأمكنة (١ : ٢٩٣).

(٤) فى الأصل : «للمتى» ، تحريف.

(٥) فى الأصل : «تطليه».

(٦) اخمس ، بالضم ، وبضمتين ، وبالكسر أيضا.

٢١٧

لأنَّهم يَحسبُون يومَ الصَّدَر. والخميس : اليوم الخامسُ من الأسبوع ، وجمعُه أخَمِساء وأخمِسَةٌ ، كقولك نصيبٌ وأنصِباءِ [وأنصِبة (١)]. والخُماسِىُ والخُماسيّة : الوَصيف والوصيفةُ طولُه خمسةُ أشبار. ولا يقال سُدَاسِىٌّ ولا سُباعىٌّ إذا بلغ ستّةَ أشبارٍ أو سبعةً. وفى غير ذلك الخُماسىُ ما بغل خَمسةً ، وكذلك السداسىُّ والعُشارىّ. والخَميس والمخمُوس من الثِّياب : الذى طولُه خَمسُ أذرُع. وقال عَبِيد :

هاتيك تحمِلُنى وأبْيضَ صارماً

ومُذَرَّباً فى مارِنٍ مَخْموسِ (٢)

يريد رُمْحاً طولُه خمسُ أذرع.

وقال مُعاذٌ لأهل اليمن : «ايتونى بخَميسٍ أو لَبِيسٍ آخُذُه منكم فى الصَّدَقة (٣)». وقد قيل إنّ الثوبَ الخَميسَ سمِّى بذلك لأنّ أوّلَ من عملِه مَلِكٌ باليمن كان يقال له الخِمْس. قال الأَعشى.

يَوْماً تَراها كمثل أردية ال

خِمْسِ ويَوْماً أديمَها نَغِلا (٤)

ومما شذَّ عن الباب الخَمِيس ، وهو الجَيْش الكثير. ومن ذلك الحديثُ : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما أشْرَفَ على خَيْبر قالوا : محمدٌ والخَمِيس». يريدون الجَيْش.

خمش الخاء والميم والشين أصلٌ* واحد ، وهو الخَدْشُ وما قارَبَه

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) ديوان عبيد بن الأبرص ٤٣ واللسان (خمس ٣٧١). وفى الديوان : «ومجربا فى مارن».

(٣) فى اللسان : «الخميس الثوب الذى طوله خمس أذرع ، كأنه يعنى الصغير من الثياب».

(٤) ديوان الأعشى ١٥٥ واللسان (خمس ، نفل). ويروى : «كأردية العصب».

٢١٨

يقال خَمَشْتُ خَمْشاً. والخُمُوش : جمع خَمْشٍ. قال :

هاشمٌ جَدُّنا فإِن كَنْتِ غَضْبى

فامْلَئِى وجهَكِ الجميلَ خُمُوشا (١)

وَالخَموش : البعوض. قال :

كأنَّ وَغَى الخَمُوش بجانبيهِ

وَغَى رَكْبٍ أُمَيْمَ ذَوِى زِياطِ (٢)

والخُمَاشَة من الجِراحة والجمع خُماشاتٌ : ما كان منها ليس له أرْشٌ معلوم وهو قياس الباب ، كأنَّ ذلك يكونُ كالخَدْشِ.

خمص الخاء والميم والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على الضُّمْر والتّطامُن. فالخميص : الضّامر البَطْن ؛ والمصدر الخَمْصَ. وامرأةٌ خُمْصانةٌ : دقيقة الخَصْرِ. ويقال لباطن القَدَم الأخْمَص. وهو قياسُ الباب ، لأنّه قد تداخَل. ومن الباب المَخْمَصة ، وهى المجاعة ؛ لأنَّ الجائِع ضامرُ البطْن. ويقال للجائع الخميص ، وامرأةٌ خميصة قال الأعشى :

تَبِيتون فى المَشْتَى مِلاءً بطونُكُمْ

وجاراتُكم غَرْثى يَبِتْن خمائصا (٣)

فأمّا الخَمِيصة فالكِساء الأسودُ. وبها شَبَّه الأعشى شَعْرَ المرأة :

إذا جُرِّدَتْ يوماً حَسِبْتَ خَميصةً

عليها وجرْيالَ النَّضيرِ الدُّلامِصا (٤)

فإنْ قيل : فأينُ قِياسُ هذا من الباب؟ فالجواب أنّا نقول على حَدِّ الإمكان

__________________

(١) للفضل بن عباس بن عتبة بن أبى لهب ، يخاطب امرأته. اللسان (خدش) والعمدة (١ : ١١١).

(٢) البيت للمتخل الهذلى ، كما فى القسم الثانى من أشعار الهذلين ٩٣ واللسان (٨ : ١٨٨ / ٢٠ : ٢٧٧). وانظر شرح الحيوان (٥ : ٤٠٣).

(٣) فى ديوان الأعشى ١٠٩ :؟؟

(٤) ديوان الأعشى ١٠٨ واللسان (خمص). وفى الديوان : وجر؟ يضى لامضا.

٢١٩

والاحتمال : إنّه يجوز أن يسمَّى خميصةً لأنّ الإنسانَ يشتمِل بها فيكون عند أخْمَصِهِ ، يريد به وسطَه. فإن كان ذلك صحيحاً وإلَّا عُدَّ فيما شذَّ عن الأصل.

خمط الخاء والميم والطاء أصلان : أحدهما الانجراد والمَلاسَة ، والآخَر التسلّط والصِّيَال.

فأمّا الأوّل فقولهم : خَمَطْتُ الشّاةَ ، وذلك [إذا] نزعْتَ جلدَها وشويتَها. فإِن نُزِع الشّعر فذلك السَّمْط. وأصل ذلك من الخَمْط ، وهو كلُّ شىءٍ لا شَوكَ له. والأصل الثانى : قولُهم تخمَّطَ الفَحلُ ، إذا هاج وهَدَرَ. وأصلُه مِن تخمّط البحرْ ، وذلك خِبُّه والتطامُ أمواجِه.

خمع الخاء والميم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على قلّة الاستقامة ، [و] على الاعوجاج. فمن ذلك خَمَعَ الأعرجُ. ويقال للضِّباع الخوامع ؛ لأنّهنّ عرْجٌ. والخِمعْ : اللّص. والخِمع : الذِّئب. والقياسُ واحدٌ.

خمل الخاء والميم واللام أصلٌ واحد يدل على انخفاضٍ واسترسالٍ وسُقوط. يقال خَمَلَ ذكرُه يخمُل خمولا. والخامل : الخفىّ ؛ يُقال : هو خامِل الذّكر ؛ والأمرُ الذى لا يعرِف ولا يُذكَر. والقول الخامل : الخَفِيض. وفى حديث : «اذكُروا الله ذِكراً خاملا». والخَميلة : مَفْرَجٌ من الرَّمْل فى هَبْطةٍ ، مَكرَمَةٌ للنّبات. قال زُهير :

* شَقائِقَ رمْلِ بينهنَ خمائلُ (١) *

__________________

(١) صدره كما فى ديوانه ٢٩٥ :

اشزن من الدهاء يقصن وسطها

٢٢٠