معجم مقاييس اللغة - ج ٢

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

حمر الحاء والميم والراء أصلٌ واحدٌ عندى ، وهو من الذى يعرف بالحمْرة. وقد يجوز أن يُجعَل أصلين : أحدهما هذا ، والآخر جنسٌ من الدوابّ.

فالأوّل الحُمرة فى الألوان ، وهى معروفة. والعرب* تقول : «الحسن أحمر» يقال ذلك لأنّ النفوسَ كلَّها لا تكاد تكره الحمرة. وتقول رجل أحمر ، وأحامر (١) فإن أردت اللونَ قلت حمر. وحجّة الأحامرة قول الأعشى :

إنّ الأحامرةَ الثلاثة أهلكَتْ

مالى وكنت بهنّ قِدّما مُولَعا (٢)

ذهب بالأحامرة مذهب الأسماء ، ولم يَذهب بها مذهبَ الصفات. ولو ذهب بها مذهب الصفات لقلل حُمْرٌ. والحمراء : العَجَم ، سُمُّوا بذلك لأنّ الشّقْرة أغلبُ الألوان عليهم. ومن ذلك قولهم لعلىّ رضى الله عنه : «غلبَتْنا عليك هذه الحمراء». ويقال موتٌ أحمرْ ، وذلك إذا وُصِف بالشدّة. وقال علىّ : «كُنّا إذا احمرّ البأسُ اتقّينا بِرسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يكن أحَدٌ منا أقربَ إلى العَدُوّ منه».

ومن الباب قولهم : وَطْأةٌ حمراء ؛ وذلك إذا كانتْ جديدة ؛ ووَطْأة دهماء ، إذا كانت قديمةً دارسة. ويقال سنةٌ حمراء شديدة ، ولذلك يقال لشدة القيْظ حَمَارَّة. وإنّما قيل هذا لأنَّ أعجبَ الألوان إليهم الحمرة. إذا كان كذا وبالغُوا (٣) فى وصفِ شىء ذكَرُوه بالحُمْرة ، أو بلفظةٍ تشبه الحمرة.

فأمَا قولُهم الذى لا سلاحَ معه أحمر ، فممكن [أن يكون] ذلك شبيهاً له

__________________

(١) أى فى جمع أحمر بهذا المعنى.

(٢) ملحقات ديوان الأعشى ٢٤٧ ، واللسان (حمر).

(٣) كذا. ولعل وجه الكلام : «وكان العرب إذا بالغوا». وفى اللسان : «والعرب إذا ذكرت شيئا بالمشقة والشدة وصفته بالحمرة».

١٠١

بالعجم ، وليست فيهم شجاعة مذكورة كشجاعة العرب. وقال :

* وتَشْقَى الرّماحْ بالضَّياطرةِ الحُمْرِ (١) *

الضياطرة : جمع ضَيْطار ، وهو الجبان العظيم الخَلْق الذى لا يُحسن حملَ السّلاح. قال :

تعرَّضَ ضَيطارُ وفُعالةَ دونَنا

وما خَيْرُ ضَيطارٍ يقلِّب مِسطَحا (٢)

وقولهم غيث حِمِرٌّ ، إذا كان شديداً بقشر الأرض. وهو من هذا الذى ذكرناه من باب المبالغة.

وأمّا الأصل الثانى فالحِمار معروف ، يقال حمار وحَمير وحُمُر وحُمْرات ، كما يقال صعيد وصُعُد وصُعُدات. قال :

إذا غَرّد المُكَّاء فى غير روضةٍ

فويلٌ لأهل الشَّاء والحُمُراتِ (٣)

يقول : إذا أجدبَ الزّمانُ ولم تكن روضة فغرَّد (٤) فى غير روضةٍ ، فويلٌ لأهل الشاء والحمرات.

وممّا يحمل على هذا الباب قولُهم لدويْبّة : حِمارُ قَبَّانَ. قال :

يا عجبَا لقد رأيتُ عجَبَا

حمارَ قَبَّانٍ يسوقُ أرنبا (٥)

ومنه الحِمار ، وهو شىء يُجعَل حول الحوض لئلا يسيل ماؤُه ، والجمع حمائر.

قال الشاعر :

__________________

(١) لخداش بن زهير ، كما فى اللسان (ضطر). وصدره

وتركب خيلا لا هوادة بينها

(٢) البيت لمالك بن عوف البصرى ، كما فى اللسان (ضطر). وفعالة : كناية عن خزاعة.

(٣) البيت فى اللسان (مكا) وأمالى القالى (٢ : ٣٢) ، وسيعيده فى (مكو).

(٤) فى الأصل : «يفرد فعرد».

(٥) الرجز فى اللسان (حمر ، قبب ، قبن).

١٠٢

ومُبْلِد بين مَوْمَاةٍ بمَهْلِكَةٍ

جاوزتَه بِعَلاةِ الخَلق عِلْيَانِ (١)

كأَنَّما الشَّحْطُ فى أعلى حمائرِه

سَبائبُ الرَّيْط مِن قزًّ وكَتَّانِ (٢)

وأما قولهم للفرَس الهجينِ مِحْمَرٌ فهو من الباب. [ومن الباب] الحِماران ، وهما حجَران يجفَّف عليهما الأفِط ، يسمَّيان مع الذى فوقهما العلاة (٣). قال :

لا تنفع الشاوِىّ فيهما شاتُه

ولا حِمارَاه ولا عَلَاتُه (٤)

والحمارة : حجارة تنصب حولَ البيت ؛ والجمع حمائِر. قال :

* بَيْتَ حُتوفٍ أُرْدِحَتْ حمائرُه (٥) *

وأما قولهم : «أخلَى من حوف حِمارٍ» فقد ذُكر حديثه فى كتاب حرف العين.

حمز الحاء والميم والزاء أصلٌ واحد ، وهو حدَّة فى الشىء كالحَرافة وما أشبهها. فالحَمْزَة حَرافة فى الشىء. يقال شرابٌ يحمِزُ اللسانَ. ومنه الحَمزة ، وهى بقلةٌ تَحْمِز اللسان ، وقال أنس بن مالك : كنّانى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببقلةٍ كنت اجتنيتُها». ؛وكان يكنّى با حمزة. وقال الشماخ يصف رجلاً باع [قوساً] وأسِفَ عليها :

__________________

(١) سبق إنشاد البيت والكلام عليه فى (بلد).

(٢) فى اللسان (حمر) :

صبائت القز من ربط وكتان

(٣) فى المحمل : «والعلاة فوقهما» ، وفى اللسان : «حجران ينصبان يطرح عليهما حجر رقيق يسمى العلاوة».

(٤) الرجز لمبشر بن هذيل بن فزارة الشمخى ، كما فى اللسان.

(٥) من رجز لحميد الأرقط ، كما فى اللسان (حمر). وأنشد هذا البيت أيضا فى اللسان (ردح).

وقبله :

أعد البيت الذي بسامره

١٠٣

فلما شَرَاها فاضَتِ العَين عَبْرَةً

وفى القلب حُزَّازٌ من الّلوم حامِزُ (١)

فأما قولهم للذكىّ القلبِ اللوذعىِ حَمِيز ، وهو حَميز الفؤاد ، فهو من الباب ؛ لأن ذلك من الذكاء والحدّة ، والقياس فيه واحد

حمس الحاء والميم والسين أصلٌ واحد يدلّ على الشدَّة. فالأحمس :الشّجاع. والحَمَس والحماسة : الشجاعة والشِّدَّة. ورجلٌ حَمِسٌ. قال :

* ومِثْلى لُزَّ بالحَمِسِ الرَّئيسِ (٢) *

ويقال : «بالحَمِس البئيس». ويقال تحمَّس الرجُل : تعاصَى. والحُمْس قريش ؛ لأنهم كانوا يتحمَّسون فى دينهم ، أى يتشدَّدون. وقال بعضهم : الحُمْسة الحُرْمة ، وإنما سُموا حُمْساً لنزولهم بالحرَم. ويقال عام أحْمَسُ ، إذا كان شديدا. وأَرَضُونَ أحامس : شديدةٌ. وزعم ناسٌ أنّ الحَميس التَّنُّور. وقال آخرون : هو بالشين معجمة. وأىَّ ذلك كانَ فهو صحيحٌ ؛ لأنه إن كان من السين فهو من الذى ذكرناه ويكون من شدة التهاب نارِه ؛ وإن كان بالشين فهو من أحمشتُ النارَ والحربَ.

حمش الحاء والميم والشين أصلان : أحدهما التهاب الشىء وهَيْجه ، والثانى الدَقّة.

فالأول قولهم : أحمشتُ الرَّجُل : أغضبتُه. واستحمش الرجلُ ، إذا اتَّقَدَ غضباً (٣). قال :

* إنى إذا حَمَّشَني تحميشي (٤) *

__________________

(١) سبق البيت والكلام عليه فى (حزز).

(٢) فى اللسان (ربس ، وقى): «الربيس» بالباء. وصدره :

ولا اتى؟؟؟

(٣) فى الأصل : «إذا اتقدوا واتقد».

(٤) لرؤبة فى ديوانه ٧٧. وأنشده فى اللسان (حمش) بدون نسبة.

١٠٤

ومن الباب حَمَشْت الشىء : جمعتُه.

والأصل الثانى قولهم للدقيق القوائمَ حَمْش ، وقد حَمَشَتْ قوائمُه. ومن الباب قولهم : لِثَةٌ حَمْشةٌ : قليلة اللّحم.

حمص الحاء والميم والصاد ليس أصلاً يقاس عليه ، وما فيه قياسٌ ويجوز أن يكون مِن جفافٍ فى الشىء. ويقولون : انْحَمَص الوَرَم ، إذا سَكَنَ. هذا أصحَّ ما فيه. والحَمَصِيصُ : بقلةٌ.

حمض الحاء والميم والضاد أصل واحدٌ صحيح ، وهو شىء من الطعوم. يقال شىء حامض وفيه حُموضة. والحَمْض من النَّبْت ما كانت فيه ملوحة والخُلّة ما سوى ذلك. والعرب تقول : الخُلّة خبز الإبل والحَمْض فاكهتُها وإنما تَحَوَّل إلى الحَمْض إذا مَلّت الخُلّة. وكلُّ هذا من النّبت. وليس شىء من الشجر العظام بحَمْضٍ ولا خلّة.

حمط الحاء والميم والطاء ليس أصلاً ولا فرعا ، ولا فيه لغةٌ صحيحة ، إلا شىء من النّبت أو الشجر. يقال لجنسٍ من الحيَّات شيطان الحَمَاطِ. من المحمول عليه قولهم : أصبْتُ حَماطةَ قلبِه ، أى سواد قلبه ، كما يقولون حبَّة قلبه. والحماطة ، فيما يقال : وجَعٌ فى الحلْق. وليس بذلك الصحيح. فإنْ صحَّ فهو محمولٌ على نبت لعلَّ له طعماً حامزاً.

فأما قولهم الحِمَطيط والحِمْطاط ، فالأوَّل نبت ، والثانى دودٌ يكون فى العُشب منقوشٌ بألوان ، فمما لا معنى لذكرِه.

حمق الحاء والميم والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على كَساد الشىء

١٠٥

والضّعفِ والنُّقضان. فالحُمْق : نقصان العقل. والعرب تقول : انحمق الثوبُ. إذا بَلِى. وانحمقت السُّوق : كسدت.

حمل الحاء والميم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إقلال الشىء. يقال حَمَلْتُ الشىء أحمِلُه حَمْلاً. والحَمْل : ما كان فى بطنٍ أو على رأس شجرٍ. يقال امرأةٌ حامل وحاملة. فمن قال حامل قال هذا نعت لا يكون إلا للإناث. ومن قال حاملة بناه على حَمَلَتْ فهى حاملة. قال :

تَمَخْضَتِ المَنونُ له بيومٍ

أنَّى ولكلِ حامِلةٍ تِمام (١)

والحِمْل : ما كان على ظهرٍ أو رأسٍ. والحَملة : أن يحمل الرجل ديةً ثم يسعى عليها ، والضَّمانُ حَمَالة ، والمعنى واحد ، وهو قياسُ الباب.

ومما هو مضافٌ إلى هذا المعنى المرأة المُحْمِل ، وهى التى تنزِل لبنَها من غير حَبَل. يقال أحْمَلَت تحْمِل إحْمالا. ويقال ذلك للناقة أيضاً. والحُمُول : الهوادج ، كان فيها نساءُ أو لم يكن. وتحامَلْتُ ، إذا تكلَّفْتَ الشىءَ على مشقَةٍ.

وقال ابن السكيت فى قول الأعشى :

لا أعرفنّك إنْ جدَّت عداوتُنا

والتمِس النصرُ منكم عِوضَ تَحْتَمَلْ (٢)

إنَّ الاحتمال الغضب. قال : ويقال احْتُمِل ، إذا غَضِب. وهذا قياسٌ صحيح ، لأنهم يقولون : احتملَه الغضب ، وأقلّه الغضب ، وذلك إذا أزعجه. والحِمالة والمِحْمل عِلاقَة السَّيف. ومنه قول امرئ القيس :

__________________

(١) البيت لعمرو بن حسان ، كما فى اللسان (منن ، حمل).

(٢) ديوان الأعشى ٤٦ ومعلقات التبريزى ٢٨٥.

١٠٦

* حتى بلّ دمعِىَ مِحْملى (١) *

والحَمُولة : الإبل تُحمَل عليها الأثقال ، كان عليها ثِقْل أو لم يكن. والحَمولة : الإبل بأثقالها ، والأثقالُ أنفُسها حَمُولة. ويقال أحمَلْتُ فلاناً ، إذا أعنْتَه على الحمل. وحَمِيل السَّيل : ما يَحمله من غُثائه. وفى الحديث : «يخرج من النار قومٌ فيَنْبتون كما تنبت الحِبَّة فى حميل السّيل (٢)». فالحَميل : ما حمله السّيلُ من غُثاءِ. ولذلك يقال للدّعِىّ حَميل. قال الكميت يعاتب قُضاعة فى تحوُّلهم إلى اليمن :

عَلامَ نَزلتمُ من غير فَقرٍ

ولا ضَرَّاءَ منزلة الحَمِيلِ (٣)

فأمّا قولهم الأحمال ـ وهم من بنى يَربوع ، وهم ثعلبة وعمرو والحارث أبو سَلِيط وصُبَيْر ـ فيقال إنّ أمَّهم حملتهم على ظهرٍ فى بعض أيّام الفَزَع ، فسُمُّوا الأحمال. وإيّاهم أرادَ جريرٌ بقوله :

أبَنِى قُفَيرةَ مَن يُوَرِّع وِرْدَنَا

أم مَن يقومْ لشِدّةِ الأحمالِ (٤)

ويقال أدَلّ علىَ فحمَلتُ إدلاله واحتَملتُ إدلالَه ، بمعَنى. وقال :

أدلّت فلم أحمِلْ وقالت فلم أُجِبْ

لعَمْرُ أبيها إنّنى لظَلُومُ (٥)

والقياس مطّردٌ فى جميع ما ذكرناه. فأمّا البَرَقُ فيقال له حَمَلٌ ، وهو مشتقٌّ من الحَمْل ، كأنّه يقال حَمَلَتِ الشاةُ حَمْلاً ، والمحمول حَمْل وحَمَلٌ كما يقال نفَضتُ الشىء نَفْضاً والمنفوض نَفَض ، وحسَبت الشىء حَسْباً. والمحسُوبُ حَسَبٌ ، وهو

__________________

(١) جزء من بيت لامرئ القيس فى معلقته. وهو بتمامه :

ففاضت دموع العين؟ صبابة

على؟ حى بل دمعى عملى

(٢) سبق الحديث ولكلام عليه فى (حب).

(٣) البيت فى اللسان (حمل).

(٤) ديوان جرير ٤٦٨ واللسان والمجمل (حمل).

(٥) كلمة «إننى» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من المجمل واللسان.

١٠٧

باب مستقيم. ثم يشبه بهذا فيقال لبرج من بروج السماء حَمَل. قال الهذلىّ (١) :

كالسَّحْل البِيض جلا لونَها

سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأَسْوَلِ

باب الحاء والنون وما يثلثهما

حنو الحاء والنون والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلّ على تعطّف وتعوُّج. يقال حنَوْتُ الشىءَ حَنْواً وحنَيْتُه ، إذا عطفتَه حَنْياً. وحِنْوُ السّرجِ سمّى بذلك أيضاً ، وجمعه أحناء. ومنه حنَتِ المرأة على ولدها تحنُو ، وذلك إذا لم تتزوّجْ مِن بعد أبيهم ، وهو من تعطّفها عليهم. وناقةٌ حنْواء : فى ظهرها احديدابٌ. وانحنَى الشىءُ ينحنى انحناء. والمَحْنِية : منعرَج الوادى. وأمّا الحَنْوَة والحِنّاء (٢) فنبْتَان معروفان ، ويجوز أن يكون ذلك شاذًّا عن الأصل.

حنب الحاء والنون والباء أصلٌ واحدٌ يدلّ على الذى دلّ عليه ما قبله ، وهو الاعوجاج فى الشىء. فالْمحَنَّبُ : الفرسُ البعيدُ ما بين الرّجلين من غير فَحَجٍ ؛ وذلك مدحٌ. ويقال إنّ الحنَب اعوجاجٌ فى السّاقين. قال الخليل فى تحنيب الخيل إنه إنما يوصف بالشدّة ، وليس فى ذلك اعوجاجٌ. وهذا خلافُ ما قاله أهلُ اللغة.

حنث الحاء والنون والثاء أصلٌ واحد ، وهو الإثْم والحَرَج. يقال حَنِثَ فلانٌ فى كذا ، أى أثِمَ. ومن ذلك قولهم : بلغ الغلام الحِنْثَ ، أى بلغ مبلغاً جرَى عليه القلم بالطّاعة والمعصية ، وأثبتت عليه ذنوبُه. ومن ذلك الحِنْث

__________________

(١) هو المتخل الهذلى ، كما فى ديوان الهذليين ص ٤٥ من مخطوطة الشنقيطى واللسان (حمل).

(٢) حق الحناء أن تكون فى مادة (حنن). ويقال فيها «حنان» أيضا.

١٠٨

فى اليمين ، وهو الخُلْف فيه. فهذا وجه الإثم. وأمّا قولهم فلان يتحنّث من كذا ، فمعناه يتأثّم. والفرق بين أَثِمَ وتَأَثَّم ، أن التأثُّم التنحِّى عن الإثم ، كما يقال حَرج وتحرّج ؛ فحَرِجَ وقع فى الحَرَج ، وتَحَرَّج تنحّى عن الحَرج. وهذا فى كلماتٍ معلومةٍ قياسُها واحد.

ومن ذلك التحنّث وهو التعبّد. ومنه الحديث : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتِى غار حراء فيتحنَّث فيه الليالىَ ذوَاتِ العدد».

حنج الحاء والنون والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على الميل والاعوجاج. يقال حنَجْت الحبلَ ، إذا فتلْتَه ؛ وهو محنوجٌ. وحنَجت الرجلَ عن الشىءِ : أملتُه عنه. وأَحْنَجَ فلانٌ عن الشىء : عدَل.* فأمّا قولهم للأصل حِنْجٌ فلعلّه من باب الإبدال. وإن كان صحيحاً فقياسُه قياسٌ واحد ؛ لأن كلَّ فرعٍ يميل إلى أصله ويرجع إليه.

حنذ الحاء والنون والذال أصلٌ واحد ، وهو إنضاج الشىء. يقال شِواء حَنِيذ ، أى مُنْضَج ، وذلك أن تحمى الحِجارة وتُوضَعَ عليه حتى ينضَج. ويقال حَنذْت الفرسَ ، إذا استحضرته شوطاً أو شوطين (١) ، ثم ظاهَرْتَ عليه الْجِلالَ حتى يعرَق. وهذا فرسٌ محنود وحنيذ. وأما قولهم حَنَذٌ ، فهو بلد. قال :

تأبَّرِى يا حيْرَةَ النخيل

تأبَّرى من حَنَذٍ فَشُولى (٢)

ويقولون : «إذا سقيتَ فاحْنِذْ (٣)» أى أقِلَّ الماءَ وأكثِرِ النبيذَ. وهو من

__________________

(١) استحضر الفرس : أعداه. واحتضر الفرس ، إذا عدها.

(٢) الرجز فى المجمل واللسان (حنذ). وهو لأحجة بن الجلاح ، كما فى معجم البلدان.

(٣) يقال : يوصل الألف وقطعها.

١٠٩

الباب أيضاً ؛ لأنَّها تبقى بحرارتها إذا لم تُكْسَر بالماء.

حنر الحاء والنون والراء كلمةٌ واحدة ، لولا أنها جاءت فى الحديث لما كان لِذِكرها وجه. وذلك أنَّ النون فى كلام العرب لا تكاد تجىء بعدها راء. والذى جاء فى الحديث : «لَوْ صلَّيتُم حتى تَصبروا كالحنائر (١)». فيقال إنَّها القسىّ ، الواحد حَنِيرة. وممكن أن يكون الراء كالمصقة بالكلمة ، ويرجع إلى ما ذكرناه من حنيت الشىءَ وحنوْنه.

حنش الحاء والنون والشين أصلٌ واحد صحيحٌ وهو من باب الصَّيد إذا صدتَه. وقال أبو عمرو : الحَنَش كلُّ شىءِ يُصاد من الطَير والهوام. وقال آخرون : الحنَش الحيّة وهو ذلك القياس. فأمّا قولهم حَنَشْت الشىء ، إذ عطفْتَه ، فإن كان صحيحاً فهو من باب الإبدال ولعله من عَنشْت أو عنَجْت.

حنط الحاء والنون والطاء ليس بذلك الأصل الذى يقاس منه أو عليه ، وفيه أنَّه حَبٌّ أو شبيهٌ به. فالحنطة معروفة. ويقال للرّمْث إذا ابيصّ وأدرَكَ قد حَنِط. وذكر بعضُهم أنه يقال أحمر حانط ، كما يقال أسود حالكٌ وهذا محمولٌ على أن الحنطة يقال [لها] الحمراء. وقد ذُكِر.

حنف الحاء والنون والفاء أصل مستقيم ، وهو اميَل. يقال للذى يمشى على ظهُور قدَميه أحْنَفْ. وقال قومٌ ـ وأراه الأصحَّ ـ إنَ الحَنَفَ اعوجاجٌ فى الرجل إلى داخل. ورجل أحنف ، أى مائل الرِّجْلين ، وذلك يكون بأَن تتدانَى صدور قدمَيه ويتباعد عقباه. والحنيف : المائل إلى الدين المستقيم. قال الله تعالى :

__________________

(١) تمامه فى اللسان : «ما نفعكم ذلك حتى تحبوا آل رسول الله». وهو من حديث أبى ذر.

١١٠

(وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) والأصل هذا ، تم يتَّسع فى تفسيره فيقال الحنيف النّاسك ، ويقال هو المختون ، ويقال هو المستقيم الطريقة. ويقال هو يتحنَّف : أى يتحرَّى أقومَ الطرِيق (١).

حنق الحاء والنون والقاف أصلٌ واحد ، وهو تضابُق الشىء. يقال الضُّمَّر مَحَانيق. وإلى هذا يرجع الحَنَق فى الغيظ ، لأنه تضايقٌ فى الخُلْق من غير نَدُحة ولا انبساط. قال الشاعر فى قولهم مُحْنَق :

ما كان ضَرَّك لو مَننْتَ وربما

مَنَّ الفتى وهو لغيظ المُحْنَق (٢)

حنك الحاء والنون والكاف أصل واحد ، وهو عضوٌ من الأعضاء ثم يحمل عليه ما يقاربُه من طريقة الاشتقاق. فأصل الحَنَك حَنَكُ الإنسان ، أقصى فمه. يقال حَنَّكْت الصبىّ ، إذا مضَغت التمر ثم دلكتَه بحنكه ، فهو مُحَنّك ؛ وحَنَكْته فهو محنوك. ويقال : «هو أشدُّ سواداً من حَنَك الغراب» وهو منقاره ، وأمّا حَلَكه فهو سواده. ويقال احتنك الجرادُ الأرضَ ، إذا أتى على نبْتها ؛ وذلك قياس صحيح ، لأنه يأكله فيبلغ حنكَه.

ومن المحمول عليه استئصال الشىء ، وهو احتناكه ، ومنه فى كتاب الله تعالى :

__________________

(١) فى المجمل : «أقوم الطرق».

(٢) البيت من مرثية لقتيلة بنت الحارث بن كلدة ، نرثى بها أخذها النضر بن الحارث. انظر حماسة أبى تمام (١ : ٤٠٠) والسيرة ٥٣٩ جوتجن. قال السهيلى فى الروض الأنف (٢ : ١١٩) : «والصحيح أنها بنت النضر لا أخته». وبهذه النسبة وردت فى حماسة البحترى ٤٤٣ واللسان (حنق) والإصابة ٨٨٤ من قسم النساء. وجعل الجاحظ فى البيان (٣ : ٢٣٦) هذا الشعر للبلى بنت النضر بن الحارث.

١١١

(لَأَحْتَنِكَنَ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً)(١). أى أُغوِيهم كلَّهم ، كما يُستأصَل الشىءُ ، إلّا قليلا.

فإن قال قائل : فنحن نقول : حنّكته التّجارِب ، واحتَنَكتْه السِّنُّ* احتناكاً ، ورجلٌ محتَنَك ، فمن أىِّ قياسٍ هو؟ قيل له : هو من الباب ؛ لأنّه التناهِى فى الأمر والبلوغُ إلى غايته ، كما قلنا : احتنَكَ الجرادُ النّبت ، إذا استأصله ، وذلك بلوغُ نهايته. فأما القِدُّ الذى يجمعُ عَرَاصِيف الرّحل ؛ فهو حُنْكة. وهذا على التشبه بالحنك ، لأنه منضمٌّ متجمع. ويقال حَنَكْتُ الشىءَ إذا فهمتَه. وهو من الباب ، لأنك إذا فهِمتَه فقد بلغتَ أقصاه. والله أعلم.

باب الحاء والواو وما معهما من الحروف فى الثلاثى

حوى الحاء والواو وما بعده معتلٌّ أصل واحد ، وهو الجمع. يقال حوَيْتُ الشىءَ أحويه حَيًّا (٢) ، إذا جمعتَه. والحَوِيَّة : الواحدةُ من الحوايا ، وهى الأمعاء ، وهى من الجمع. ويقولون للواحدة حاوياء قال :

كأنَّ نقيض (نقيقَ) الحَبّ فى حاويائِه

فَحِيحُ الأفاعي أو نقيض (نقيقُ) العقارِبِ (٣)

والحَوِيَّة : كساء يحوَّى حولَ سَنام البعير ثم يُركَب. والحىُ من أحياء العرب. والحِواء: البيت الواحد ، وكلّه من قياس الباب.

__________________

(١) من الآية ٦٢ فى سورة الإسراء. وفى الأصل : «إلا قليلا منهم» ، تحريف.

(٢) يقال حواه حيا ، وحواية كسحابة.

(٣) لجرير فى ديوانه ٨٣ واللسان (جوى). وانظر ما سيأتى فى (فح).

١١٢

حوب الحاء والواو والباء أصلٌ واحد يتشعّب إلى إِثم ، أو حاجة أو مَسكَنة ، وكلها متقاربة. فالحوب والحَوْب : الإثم. قال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) وحَوْباً كبيرا(١). والحَوْبة : ما يَأْثم الإنسانُ فى عقوقه ، كالأمِّ ونحوها. وفلان يتحوّب من كذا ، أى يتأثم. وفى الحديث : «ربِّ تقبّلْ توبَتى ، واغفِرْ حَوبتى». ويقال التحوُّب التَّوجُّع. قال طُفَيل :

فذُوقُوا كما ذُقْنا غَداةَ مُحَجَّرٍ

من الغيظ فى أكبادنا والتحوُّبِ (٢)

ويقال : ألْحَقَ [الله (٣)] به الحَوْبة ، وهى الحاجةُ والمَسْكنة.

فإنْ قيل : فما قياس الحَوْباء ، وهى النَّفس؟ قيل له : هى الأصلْ بعينه ؛ لأنّ إشْفاق (٤) الإنسان على نفسه أغلبُ وأكثر.

فأما قولهم فى زجر الإبل حَوْبِ ، فقد قُلْنا إِنّ هذه الأصواتَ والحكاياتِ ليست مأخوذةً من أصلٍ. وكلُّ ذى لسانٍ عربىٍّ فقد يمكنه اختراع مثل ذلك ، ثم يكثُرُ على ألسنة الناس.

فأمّا الحَوأب فهو مذكور فى بابه (٥).

__________________

(١) قرأ الجمهور بضم الحاء ، والحنن بفتحها.

(٢) ديوان طفيل ١٤ والمجمل واللسان (حوب).

(٣) التكملة من المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «اشتقاق» تحريف.

(٥) سيذكره فى باب ما حاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف.

١١٣

حوت الحاء والواو والتاء أصلٌ صحيح منقاس ، وهو من الاضطراب والرَّوغان ، فالحُوت العظيم من السّمَك ، وهو مضطربٌ أبداً غير مستقرّ. والعرب تقول : حَاوَتَنِى فلانٌ ، إذا راوغَنى. ويُنشَد هذا البيت :

ظَلّت تُحاوِتُنى رَمْدَاء داهِيَةٌ

يوم الثويَّةِ عن أهلى وعن مالى (١)

حوث الحاء والواو والثاء قِيلٌ غيرُ مطّردٍ ولا متفرّع. يقولون : إنّ الحَوْثَاءَ الكبدُ وما يليها. وينشدون :

* الكِرْشَ والحَوْثاء والمَرِيّا (٢) *

وجاريةٌ حَوْثاء : سمينة. قال :

* وهىَ بِكْرٌ غريرةٌ حَوْثاء*

وتركهم حَوْثاً بَوْثاً. إذا فرَّقَهم. وكل هذا متقاربٌ فى الضّعف والقِلّة. ويقولون اسْتبَثْتُ الشىءَ واستحَثَّته ، إذا ضاع فى تراب فطلبتَه.

حوج الحاء والواو والجيم أصلٌ واحد ، وهو الاضطرار إلى الشىء. فالحاجة واحدة الحاجات. والحَوْجاء : الحاجة. ويقال أحْوَجَ الرّجُلُ : احتاجَ. ويقال أيضا : حاجَ يَحُوج(٣) ، بمعنى احتاجَ. قال :

غَنِيتْ فَلم أرْدُدْكُم عند بِغْيَة

وحُجْت فلم أكدُدْكُم بالأصابعِ (٤)

فأمّا الحاجُ فضربٌ من الشَّوك ، وهو شاذٌّ عن الأصل.

__________________

(١) أنشده فى المحمل واللسان (حوت). ولثوية ، بفتح فكسر ، ويقال أيضا بالتصغير :

موضع قريب من الكوفة.

(٢) قبله كما فى اللسان (حوت) :

؟وحصنا خمها طربا

(٣) يقال حج يحوج ويحيج.

(٤) للكميت بن معروف الأسدى ، كما فى اللسان. ويروى : «وحجت» بالكسر.

١١٤

حوذ الحاء والواو والذال أصلٌ واحد ، وهو من الخفّة والسُّرعة وانكماش (١) فى الأمر. فالإحْواذ السَّير السريع. ويقال حاذَ الحمارُ أُتُنَه يحُوذها ، إذا ساقَها بعُنْف. قال العجاج :

* يحُوذُهُنَ وله حُوذِىُ (٢) *

والأحوذىُ : الخفيف فى الأمور ، الذى حَذِقَ الأشياءَ وأتقْنَها. وقالت عائشة فى عمر : «كان واللهِ أحوَذِيًّا نسيجَ وَحْدِه». والأحوذِيّان : جناحا القطاة. قال :

* على أحوذِيَّينِ استقلّت (٣) *

ومن الباب. استحوَذَ عليه الشيطان ، وذلك إذا غَلَبَه وساقَه إلى ما يريد من غَيِّه.

ومن الشاذّ عن الباب أيضاً أنهم يقولون : هو خفيفُ الحاذِ. ويُنشِدون :

خفيف الحاذِ نَسّال القيافى

وعَبْدٌ للصَّحابة غَير عَبْدِ (٤)

ومن الشاذّ عن الباب : الحاذُ ، وهو شجرٌ.

حور الحاء والواو والراء ثلاثة أصول : أحدها لون ، والآخَر الرُّجوع ، والثالث أن يدور الشىء دَوْراً.

فأما الأول فالحَوَر : شدّةُ بياض العينِ فى شدّةِ سوادِها. قال أبو عمرو :

__________________

(١) فى الأصل : «والكماش».

(٢) ديوان العجاج ٧١. وأنشده فى اللسان (حوذ) بدون نسبة.

(٣) البيت بتمامه كما فى اللسان :

على أحوذيين استقلت عابهما

فما هي إلإ؟؟

(٤) هو كما قيل : «سيد القوم خادمهم». والبيت فى اللسان (حوذ).

١١٥

الحَوَر أن تسودَّ العينُ كلُّها مثلُ الظباء والبقر. وليس فى بنى آدمَ حَوَرٌ. قال وإنما قيل للنساء حُورُ العُيون ، لأنهن شُبِّهن بالظِّباء والبقر قال الأصمعى : ما أدرى ما الحَوَر فى العين. ويقال حوّرت الثيابَ ، أى بيّضْتُها. ويقال لأسحاب عيسى عليه السلامُ الحواريُّون ؛ لأنهم كانوا يحوِّرون الثِّياب. أى يبيّضونها. هذا هو الأصل ، ثم قيل لكلِّ ناصر حَوَارىٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «الزّبير ابنُ عمَّتى وحَوارِىَ من أمّتى». والحَوَاريّات : النِّساء البيض. قال :

فقُلْ للحَوَاريّاتِ يبكين غيرَنا

ولا يَبْكِنا إلا الكلابُ النوابحُ (١)

والحُوَّارَى من الطَّعام : ما حُوِّر ، أى بُيِّض. واحورَّ الشىءُ : ابيضّ ، احوراراً. قال:

يا وَرْدُ إنى سأموتُ مَرَّهْ

فمَنْ حَليفُ الجَفْنَةِ المُحوَرَّه (٢)

أى المبيَّضَة بالسَّنام. وبعضُ العرب يسمِّى النَّجم الذى يقال له المشترِى «الأحورَ».

ويمكن أن يحمل على هذا الأصل الحَوَرْ ، وهو ما دُبِغ من الجلود بغير القَرَظ ويكون ليّنا ، ولعل ثَمَّ أيضاً لونا. قال العجّاج :

بحجِنَاتٍ يَتَثقّبْنَ البهَرْ

كأنما يَمْزِقْنَ بالنجم الحَوَرْ (٣)

__________________

(١) لأبى جلدة اليشكرى ، كما فى اللسان والمؤتلف والمختلف للآمدى ٧٩. وهو فى الأخير برواية : «فقل لنساء المصر».

(٢) الرجز لأبى مهوش الأسدى ، كما فى اللسان. وترجمة أبى المهوش فى الخزانة (٣ : ٨٦). وورد : ترجم وردة ، وهى امرأنه.

(٣) ديوان العجاج ١٧ واللسان (مزق ، حور).

١١٦

يقول : هذا البازى يمزّق أوساطَ الطير ، كأنه يَمْزِق بها حَوَراً ، أى يُسرع فى تمزيقها.

وأمّا الرجوع ، فيقال حارَ ، إذا رجَع. قال الله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلى). والعرب تقول : «الباطلُ فى حُورٍ» أىْ رَجْعٍ ونَقْصٍ. وكلُّ نقص ورُجوع حُورٌ. قال :

* والذّمُّ يبقَي وزادُ القَومِ فى حُورِ (١) *

والحَوْر : مصدر حار حَوْراً رَجَع. ويقال : «[نعوذ بالله (٢)] من الحَوْر بعد الكَوْر». وهو النّقصان بعد الزيادة.

ويقال : «حارَ بعد ما كارَ (٣)». وتقول : كلَّمتُه فما رجَعَ إلىّ حَوَاراً وحِوَاراً ومَحْورَةً وحَوِيراً.

والأصل الثالث المِحْور : الخشبةُ التى تدور فيها المَحَالة. ويقال حَوّرْتُ الخُبْزَةَ تحويراً ، إذا هيّأتها وأدَرْتَها لتضعَها فى المَلَّة.

ومما شذَّ عن الباب حُوار الناقة ، وهو ولدُها

حوز الحاء والواو والزاء أصلٌ واحد ، وهو الجمع والتجمّع. يقال لكلّ مَجْمَع وناحيةٍ حَوْزٌ وحَوْزَة. وحَمَى فلانٌ الحَوْزَة ، أى المَجْمع والناحية. وجعلته المرأةُ مثلاً لما ينبغى أن تحمِيَه وتمنعَه ، فقالت :

__________________

(١) لسبيع بن الخطيم. وصدره كما فى اللسان :

واستعجلوا عن خفيف المضع فازدراء

(٢) التكملة من المحمل واللسان.

(٣) فى الأصل : «كان» تحريف ، وإنّما هى كار ، بمعنى زاد.

١١٧

فَظَلْتُ أَحْشِى التُّرْبَ فى وجهه

عنِّى وأحمِى حَوْزةَ الغائِبِ (١)

ويقال تَحوّزَت الحيةُ ، إذا تلوّتْ. قال القُطامى :

تَحَيَّزُ مِنِّى خشيةً أن أَضِيفَها

كما انحازت الأفعى مخافةَ ضاربِ (٢)

وكلُّ مَن ضمَّ شيئاً إلى نفسه فقد حازَهُ خَوْزاً. ويقال لطبيعة الرجُل حَوْزٌ. والحُوزِىُ من الناس : الذى يَنْحازُ عنهم ويعتزلهم. ويروى بيت العجّاج :

* يحوزُهنّ ولَهُ حُوزىّ (٣) *

وهو الحِمار يجمع أُتُنَهُ ويسوقُها. والأحْوَزِىُ من الرجال مثل الأحوذىّ والقياس واحد.

حوس الحاء والواو والسين أصلٌ واحد : مخالطة الشىء ووطؤُه. يقال حُسْتُ الشىءَ حَوْساً. والتحوُّس ، كالتردّد فى الشىء ، وهو أنْ يُقِيم مع إرادة السفَر ، وذلك إذا عارضَه ما يشغُله. قال :

* سِرْ قَدْ أَنَى لك أيُّها المُتحوِّسُ (٤) *

ويقال الأحْوسُ الدائم الركْض (٥) ، والجرىء الذى لا يهوله شىء. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (حوز ، أيا).

(٢) يصف عجوزا استضاقها فجعلت تروغ عنه. ضفت الرجل : نزلت به ضيفا. والبيت فى الديوان ٥٢ واللسان (حوز ، ضيف). ورواية الديوان :

فردت سلاما كارها ثم أعرضت

كما انهاشت الأفعى مخافة ضارب

 (٣) ديوان العجاج ٧١ واللسان (حوز). وقد سبق فى مادة (حوذ).

(٤) صدر بيت للمتلمس (حوس). وعجزه.

فالدار قد كانت لعهدك تدرس

(٥) فى الأصل : «الدائم الركض والجرى الركض». والكلمتان الأخيرتان مقحمتان.

١١٨

* أحْوَسُ فى الظلماء بالرُّمْحِ الخَطِلْ (١) *

وهو حوّاس بالليل.

حوش الحاء والواو والشين كلمة واحدةٌ. الحُوش الوَحْش. يقال للوحشىِ حُوشِىٌ. وقال عمرُ فى زهيرٍ : «كان لا يعاظِل بين القوافى ، ولا يتبع حُوشىَ الكلام ، ولا يمدَحُ الرّجلَ إلا بما فيه». قال القتبىّ : الإبل الحُوشية منسوبةٌ إلى الحُوش ، وإنها فُحولٌ نَعَم الجِنِّ ، ضَرَبتْ فى بعض الإبل فنُسِبتْ إليها. قال رؤبة :

* جَرَّت رحانا مِن بلاد الحُوشِ (٢) *

وأظنُّ أنّ هذا من المقلوب ، مثل جَذَبَ وجَبَذَ. وأصل الكلمة إن صَحّت فمن التجمُّع والجَمع ، يقال حُشْتُ الصّيدَ وأَحَشْتُه ، إذا أخذْتَه من حَوَالِه (٣) وجمعتَه لتَصْرفه إلى الحِبالة. واحتَوَشَ القومُ فلاناً : جعَلُوه وَسْطهم. ويقال تَحَوَّشَ عنِّى القوم : تنحَّوا. وما ينحاشُ فلانٌ مِن شىء ، إذا لم يتجمَّعْ له ؛ لقلّة اكتراثِه به. قال :

وبَيْضاءَ لا تَنحاشُ مِنّا وأمُّها

إذا ما رأتْنَا زِيل مِنّا زَوِيلْها (٤)

ويقال إنّ الحُوَاشَةَ الأمْر يكون فيه الإِثمُ ؛ وهو من الباب ، لأن الإنسان يتجمَّع منه ويَنْحاش. وأنشد :

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (حوس).

(٢) ديوان رؤية ٧٨ والحيوان (١ : ١٥٥ / ٦ : ٢١٨) واللسان (حوش).

(٣) يقال من حواله وحواليه ، وحوله وحوليه.

(٤) لذى الرمة فى ديوانه ٤٥٤ واللسان (٨ : ١٨٠ / ١٣ : ٣٣٧ / ٢٠ : ١٦٥) والحيوان (٥ : ٥٧٤).

١١٩

أردْتَ حُواشةً وجهِلْتَ حَقَّا

وآثَرْتَ الدُّعابَةَ غير راضِ (١)

ويقال الحواشَة الاستحياء ؛ وهو من الأصل ، لأن المستحيى يتجمَّع من الشىء. والحَوْشُ : أن يأكل الإنسانُ من جوانب الطعام حتى يَنْهَكه (٢). والحائِش : جماعة النَّخْل ، ولا واحدَ له.

حوص الحاء والواو والصاد كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على ضِيق الشىء. فالحَوْص الخِياطة ؛ حُصْت الثّوبَ حَوْصاً ، وذلك أن يُجمَع بين طرَفَىْ ما يُخاط. والحَوَصُ : ضِيقُ مُؤْخِر العينين فى غَوْرها ـ ورجلٌ أحوص ـ ويقال بل الأحوص الضيّق إحدى العَينَيْن.

حوض الحاء والواو والضاد كلمةٌ واحدةٌ ، وهو الهَزْم فى الأرض. فَالحَوض حَوْض الماء. واستَحْوَضَ الماءَ : اتَّخَذ لنفسه حَوْضا ـ والمُحَوَّض ، كالحوض يُجعل للنخلة تشربُ منه. ويقال فلانٌ يُحوِّض حَوَالىْ فُلانة ، إذا كان يهواها. ويقال للرّجل المهزوم الصَّدْرِ : حوض الحِمار ؛ وهو سَبٌّ.

حوط الحاء والواو والطاء كلمةٌ واحدة ، وهو الشىء يُطِيفُ بالشىء. فالحَوْط مِن حَاطَه حَوْطاً. والحِمار يَحُوط عانَتَه : يحمعُها. وحَوَّطت حائطاً ويقال إنَ الحُوَاطَةَ (٣) حَظِيرة تتَّخذ للطعام. والحَوْطُ : شىءٌ مستدير تعلّقُه (٤) المرأةُ على جَبِينها ، مِن فِضَّة.

__________________

(١) روايته فى اللسان (حوش) :

فديت خواشة وسهلت حقا

وآثرت العوائ قبر رأس

(٢) فى الأصل : «حتى ينكهه» ، صوابه من المجمل.

(٣) فى الأصل : «الحوطة» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «تعلقها».

١٢٠