كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ٢

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]

كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ٢

المؤلف:

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]


المحقق: الدكتور رياض بن حسن الخوّام
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9953-34-369-1

الصفحات: ٤٦١
الجزء ١ الجزء ٢

وإنما أتي بالزائدة تحسينا للكلام وتأكيدا له (١) وإنّما ذكر كان التامة والزائدة في باب الناقصة للاتفاق في اللفظ.

ذكر معنى صار (٢)

ومعناها الانتقال وهي في ذلك على استعمالين :

أحدهما : باعتبار العوارض ، نحو : صار زيد غنيّا ، وصار زيد إلى عمرو.

والثاني : باعتبار الحقائق نحو : صار الطين خزفا ، وصار الماء هواء (٣).

ذكر أصبح وأمسى وأضحى (٤)

وهي على ثلاثة معان :

أحدها : اقتران مضمون الجملة بأوقاتها الخاصة التي هي الصباح المساء والضحى ، والمراد بمضمون الجملة نسبة الخبر إلى الاسم ، ومعنى اقتران مضمون الجملة بأوقاتها ، أن يثبت للخبر الحصول في الزمان المستفاد من لفظ (٥) هذه الأفعال نحو : أصبح زيد عالما ، وأمسى زيد عارفا ، وأضحى زيد أميرا ، إن اقترن بالصبح ثبوت / العلم لزيد ، وكذا الكلام في أمسى وأضحى (٦).

وثانيها : أن تكون بمعنى صار نحو : أصبح أو أمسى أو أضحى زيد غنيّا أي صار ، قال الشاعر : (٧)

ثمّ اضحوا كأنّهم ورق ج

فّ فألوت به الصّبا والدّبور

وثالثها : أن تكون تامة بمعنى أنّ فاعلها دخل في هذه الأوقات (٨) كقولك أصبحنا أو أمسينا.

__________________

(١) شرح الكافية ، ٢ / ٢٩٣.

(٢) الكافية ، ٤٢٠.

(٣) شرح الوافية ، ٣٦٦.

(٤) الكافية ، ٤٢٠.

(٥) غير واضحة في الأصل.

(٦) شرح الوافية ، ٣٦٦ وشرح الكافية ، ٢ / ٢٩٣.

(٧) البيت لعدي بن زيد ، ورد منسوبا له في شرح المفصل ، ٧ / ١٠٤ ـ ١٠٥. وورد من غير نسبة في همع الهوامع ، ١ / ١١٤ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٣٠ الصّبا والدّبور : ريحان معروفان.

(٨) شرح الكافية ، ٢ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

٤١

ذكر ظلّ وبات (١)

وهما على معنيين :

أحدهما : اقتران مضمون الجملة بوقتيهما فظلّ لجميع النّهار ، وبات لجميع الليل ، أي لثبوت الخبر لاسمهما نهارا أو ليلا قال الشّاعر : (٢)

ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه

حتّى أنال به كريم المأكل

أي أبيت على الطوى ليلا وأظله نهارا.

والثاني : بمعنى صار (٣) كقوله تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)(٤) أي صار.

ذكر ما فتىء وما زال وما برح وما انفكّ (٥)

هذه الأربعة بمعنى واحد ، وهي للدلالة على استمرار خبرها لاسمها مذ قبله فإذا قلت : ما فتىء أو ما زال زيد أميرا كان معناها ، أنه لم يمض له زمان إلّا وهو فيه كذلك ، وذلك مذ كان قابلا للإمارة لا في حال طفوليّته ، قال الله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٦) أي لا تزال تذكر يوسف ، ولدخول النفي على النفي في هذه الأفعال جرت مجرى كان في كونها للإثبات (٧).

__________________

(١) الكافية ، ٤٢٠.

(٢) عنترة بن شداد ، ورد في ديوانه ، ٦٥ ورد منسوبا له في أمالي ابن الشجري ، ٢ / ٤٦ ومن غير نسبة في شرح المفصل ، ٧ / ١٠٦.

(٣) أثبته الزمخشري في مفصله ، ٢٦٧ وذكر في الكافية ، ٤٢٠ وفي شرح الوافية ، ٣٦٦ وفي الإيضاح ، ٢ / ٨٨ وشرح التسهيل ، لابن مالك ١ / ٣٤٦ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٣٠. وانظر شرح المفصل ، ٧ / ١٠٥.

(٤) من الآية ٥٨ من سورة النحل.

(٥) الكافية ، ٤٢٠.

(٦) من الآية ٨٥ من سورة يوسف.

(٧) شرح الوافية ، ٣٦٧ وشرح المفصل ، ٧ / ١٠٦ وشرح التصريح ، ١ / ١٨٤.

٤٢

ذكر ما دام (١)

وهي لدلالة توقيت فعل بمدّة ثبوت خبرها لاسمها ، كقولك : أقوم ما دمت قائما ، فقولك : ما دمت قائما ، توقيت لقيام المتكلّم بمدّة ثبوت قيام المخاطب ، ومن ثمّ احتاجت ما دام إلى كلام ، لأنّها ظرف ولا بدّ له مما يقع فيه (٢) ، ويجوز في الباب كلّه تقديم الخبر عليها أنفسها (٣) نحو : قائما كان زيد ، إلّا ما أوله ما ، فإنه لا يقدّم عليها الخبر فلا يقال : قائما ما فتىء زيد ، لأنّ ما ، إمّا نافية أو مصدرية ويمتنع تقديم ما في حيّز النفي عليه ، وتقديم معمول المصدر على المصدر (٤) ، وأمّا جواز تقديم أخبارها على أسمائها نحو : كان قائما زيد ، وأكرمك ما دام قائما زيد ، فمتّفق على جوازه (٥) وجوّز ابن كيسان تقديم الخبر على الجميع ولم يستثن غير ما دام فقط (٦).

ذكر ليس (٧)

أصل ليس ، ليس بكسر الياء ثمّ لزمها التخفيف بالسكون لجمودها عن التصرّف (٨) ومعناها نفي مضمون الجملة الاسميّة في الحال عند الأكثر (٩) تقول :

__________________

(١) الكافية ، ٤٢٠.

(٢) شرح الوافية ، ٣٦٧ وإيضاح المفصل ، ٢ / ٨٦.

(٣) الكافية ، ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، وسيأتي حديثه عن تقدم خبر ليس عليها.

(٤) الإنصاف ، ١ / ١٥٥ وشرح المفصل ، ٧ / ١١٢ وشرح الكافية ، ٢ / ٢٩٧ والهمع ، ١ / ١١٧.

(٥) تبع أبو الفداء ابن الحاجب في ذلك ، فقد نص في الإيضاح ، ٢ / ٨٧ على جوازه مطلقا ، وهو مذهب البصريين كما في الهمع ، ١ / ١١٧ ، وقد ذكر ابن هشام في القطر ١٨٣ ما نصه : «وعن ابن درستويه أنه منع تقديم خبر ليس ، ومنع ابن معط في ألفيته تقديم خبر دام» وفي الهمع ، ١ / ١١٧ ومنعه الكوفيون في الجميع.

(٦) وبعدها في شرح الوافية ، ٣٦٧ ورأى أن غير ما دام أنها لما صارت للإثبات أجريت مجرى كان. وليس بشيء ، وأما ما دام فما مصدرية ولا يتقدم ما في حيز المصدرية عليها ، فلذلك كان المنع إجماعا ، وانظر إيضاح المفصل ، ٢ / ٧٧ شرح المفصل ، ٧ / ١١٣.

(٧) الكافية ، ٤٢٠.

(٨) همع الهوامع ، ١ / ١١٥.

(٩) أجاز المبرد وابن درستويه أن ينفى بها في المستقبل ، قال ابن الحاجب في الإيضاح ، ٢ / ٨٦ ولا بعد في ذلك. انظر المقتضب ، ٤ / ٨٧ وشرح المفصل ، ٧ / ١١٢ وشرح الكافية ، ٢ / ٢٩٦ وفي الهمع ، ١ / ١١٥ والصحيح هو ما ذكره الشلوبين بأن أصلها لنفي الحال ما لم يكن الخبر مخصوصا بزمان فبحسبه.

٤٣

ليس زيد قائما في الحال ولا تقول غدا ، وقيل : إنها للنفي مطلقا للحال والاستقبال ، واستدلّ هذا القائل بقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(١) فهذا نفي لصرف العذاب عنهم يوم القيامة ، فهي لنفي المستقبل (٢) ، ومذهب بعض النحاة أنها حرف (٣) واحتجّ على ذلك بوقوعها موقع ما (٤) في قول العرب : ليس الطيب إلّا المسك ، بالرفع على المبتدأ والخبر كما تقول / ما الطيب إلا المسك ، بالرفع ، والصحيح أنها فعل لاتصال الضمائر بها نحو : لست ولست ولستم وما أشبه ذلك ، وذلك من خواصّ الأفعال ، ويقع فيها ضمير الشأن (٥) ، وأمّا جواز تقديم خبرها عليها نفسها فقد اختلف فيه (٦) فمنهم من ألحقها بكان لكونها فعلا محققّا ، ومنهم من ألحقها بما فتىء ، واستدلّ من ألحقها بكان بقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(٧) ووجه الاستدلال أنّ يوم يأتيهم معمول لمصروفا ، وإذا قدّم المعمول ، صحّ أن يقدّم العامل لأنّ المعمول فرع للعامل ، وأجيب عن ذلك أنه من الجائز أن يكون تقديمه لاتّساعهم في الظروف فلا يجوز تقديم غير الظّرف (٨).

ذكر أفعال المقاربة (٩)

وهي ما وضعت لدنّو الخبر أي مقاربته ثم دنو الخبر وقربه تارة يكون على سبيل الرجاء ، وتارة يكون على سبيل مقاربة حصوله ، وتارة يكون على سبيل الأخذ والشروع فيه ، فحينئذ أفعال المقاربة على ثلاثة أقسام :

__________________

(١) من الآية ٨ من سورة هود.

(٢) إيضاح المفصل ٢ / ٨٦.

(٣) ومنهم ابن السراج والفارسي وابن شقير ، المغني ، ١ / ٢٩٣ وانظر شرح الكافية ، ٢ / ٥٩٦ ورصف المباني ، ٣٠٠ وشرح التصريح ، ١ / ١٨٦.

(٤) في الأصل «لا» وما بعدها يوضحه وانظر الإنصاف ، ١ / ١٦٠.

(٥) مجيب الندا للفاكهي ، ٢ / ٦.

(٦) المسألة خلافية انظرها في الإنصاف ، ١ / ١٦٠ وإيضاح المفصل ، ٢ / ٨٨ وشرح الكافية ، ٢ / ٢٩٧ والهمع ، ١ / ١١٧ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٣٤.

(٧) من الآية ٨ من سورة هود.

(٨) انظر توجيهات أخرى تؤيد مذهب البصريين في المصادر المذكورة سابقا.

(٩) الكافية ، ٤٢١.

٤٤

القسم الأول : (١) الفعل الذي وضع لدنوّ الخبر على سبيل (٢) الرّجاء وهو عسى

فإنّها وضعت لدنو الفعل على سبيل الرّجاء نحو قولك : عسى الله أن يشفي مريضك ، تريد أن قرب شفائه مرجو من الله ، وعسى فعل غير متصرّف بمعنى ؛ أنه لا يأتي منه المضارع ولا اسم الفاعل ولا الأمر ولا النهي ، وإنما لم تتصرّف لتضّمنها معنى (٣) لعلّ ، فإنه كما منع الاسم الإعراب لمشابهة الحرف ، كذلك منع الفعل التصرّف لمشابهة الحرف لأنّ الحروف وضعت لإنشاء المعنى ، لا للإخبار عن المعنى ، والتصرّف ينافي الإنشاء ، لأنّ التصرف يدلّ على الخبر في الماضي أو في الحال أو في الاستقبال بحسب صيغته (٤) وتأتي عسى على ضربين ناقصة وتامة :

ذكر عسى الناقصة

وهي تقدّر بفعل متعدّ فتقدّر بمعنى قارب ، ويقع بعدها اسم إمّا ظاهر أو مضمر ، وخبرها أن مع الفعل ، ولا تتمّ بدون الخبر نحو : عسى زيد أن يخرج ، وعسيت أن أخرج ، والتقدير : عسى زيد الخروج ، أي قارب زيد الخروج ، وأصل خبر عسى الناقصة أن يكون اسما قياسا على خبر كان ، إلّا أنه صار متروكا ، وقد شذّ مجيئه اسما صريحا كقولهم : (٥) «عسى الغوير أبؤسا» ، وقد تمثّلت به الزباء لمّا عدل قصير عن الطريق وأخذ على الغوير ، فاستنكرت حاله وقالت : عسى الغوير أبؤسا أي

__________________

(١) الكافية ، ٤٢١.

(٢) غير واضحة في الأصل.

(٣) بعدها في الأصل مشطوب عليه «الإنشاء فأشبه الحرف من حيث أن معاني الإنشاء أصلها أن تكون بالحرف» وشبيه به ما ذكره في إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٠ وجعل ابن يعيش في شرح المفصل ، ٧ / ١١٦ جمودها لمشابهتها ليس.

(٤) وبعدها في الإيضاح ، ٢ / ٩٠ وذلك مناقض لمعنى الإنشاء إذ لا يستقيم أن يكون لماض ولا لمستقبل ، وأيضا فإن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب والإنشاء بخلافه فلا يستقيم الجمع بينهما.

(٥) المثل في الكتاب ، ١ / ٥١ وفصل المقال ، ٣٣٥ ، ومجمع الأمثال ، ١ / ٤٧٧ والمستقصى ، للزمخشري ، ٢ / ١٦١ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٢. والغوير تصغير غار ، وقال ابن الأعرابي : نصب أبؤسا على معنى عسى الغوير يصير أبؤسا ، ويجوز أن يقدر : عسى الغوير أن يكون أبؤسا ، وقال أبو علي : جعل عسى بمعنى كان ونزل منزلته.

٤٥

عسى أن تأتي تلك الطريق بشرّ ، والبأس مصدر وجمعه أبؤس ، وقيل : لا يجوز أن يكون أن مع الفعل خبرا لاسم عسى ، لأنّ ذلك في تأويل المصدر ، والمصدر لا يخبر به عن الجثّة ، إذ تقديره : عسى زيد الخروج ، وأجيب عنه بجوابين : أحدهما : أنّ المصدر هنا بمعنى اسم المفعول ، إذ تقديره : قارب زيد الخروج ، والثاني : أنّه على تقدير حذف المضاف أي عسى زيد ذا خروج (١).

ذكر عسى التّامّة

وهي تقدّر بفعل لازم وهو قرب إذا تقدّم الخبر على اسمها نحو : عسى أن يقوم زيد ، فقولك : أن يقوم فاعل عسى ، وزيد فاعل يقوم ، والتقدير قرب / قيام زيد فإن قدمت زيدا على عسى ، جاز أن تكون تامة وجاز أن تكون ناقصة ، فإذا قلت : زيد عسى أن يقوم ، فإن جعلت في عسى ضميرا يعود إلى زيد فعسى ناقصة ، وأن يقوم في موضع نصب بأنه خبرها ، وإن لم تجعل فيها ضميرا فهي التامّة ، وأن يقوم في موضع رفع فاعل عسى ، فتقول في الناقصة : الزيدان عسيا أن يقوما ، وفي التامة : الزيدان عسى أن يقوما ، فتبرز الضمير المستكنّ في الناقصة ، والتامّة لا ضمير فيها ؛ لأنّ ما بعدها هو الفاعل (٢) ، ويجوز في الناقصة حذف أن من خبرها حملا على كاد ، فتقول : عسى زيد يخرج ، ومنه قول الشّاعر : (٣)

__________________

(١) قال السيوطي في الهمع ، ١ / ١٣٠ ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بأن ، أما المقرون بها ، فزعم الكوفيون أنه بدل من الأول بدل المصدر فالمعنى في كاد أو عسى زيد أن يقوم ، قرب قيام زيد ، فقدّم الاسم وأخّر المصدر ، وزعم آخرون أن موضعه نصب بإسقاط حرف الجر ، لأنّه يسقط كثيرا مع أن ، وقيل : يتضمّن الفعل معنى قارب ، وزعم ابن مالك أن موضعه رفع فإنّ الفعل بدل من المرفوع سادّ مسدّ الجزءين وانظر إيضاح المفصل ، ٢ / ٩١ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٢.

(٢) نقل السيوطي في الهمع ، ١ / ١٣١ عن أبي حيان قوله : وقفت من قديم على نقل ، وهو أن ـ التجريد لغة لقوم من العرب ، والإلحاق لغة لآخرين ونسيت اسم القبيلتين فليس كلّ العرب تنطق باللغتين وإنما ذلك بالنسبة إلى لغتين.

(٣) البيت لهدبة بن الخشرم ، نسب له في الكتاب ، ٣ / ١٥٨ ـ ١٥٩ وشرح المفصل ، ٧ / ١٢١ وشرح الشواهد ، ١ / ٢٦٠ وشرح التصريح ، ١ / ٢٠٦ وشرح شواهد المغني ، ١ / ٤٤٣ وورد من غير نسبة في المقتضب ، ٣ / ٧٠ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٤ والمغني ، ١ / ٥٢ والهمع ، ١ / ١٣٠ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦٤.

٤٦

عسى الهمّ الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

فحذف أن من قوله يكون ، والفصيح أن لا يحذف.

القسم الثاني من أقسام أفعال المقاربة (١) وهو كاد (٢)

ووضع لمقاربة الخبر على سبيل الحصول ، وكاد خبر محض فلذلك تصرّف ، وفاعله اسم محض وخبره فعل مضارع من غير «أن» ليدلّ على تقريب حصول الخبر من الحال ، نحو : كاد زيد يجيء (٣) ، وقد تدخل أن على خبره تشبيها بعسى كقولك : كاد زيد أن يخرج ، قالوا : ولا يحسن في سعة الكلام (٤) لأنّ كاد للتقريب من الحال ، وأن للاستقبال والفعل يتباعد عن الحال بدخول أن ، وقد جاء في الشعر كقول رؤبة : (٥)

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

يصف ربعا ، ومعنى أن يمصح : أن يعفو ، يقال : مصح الأثر إذا ذهب (٦) ولا يدخل حرف الاستقبال على كاد فلا يقال : سيكاد ولا سوف يكاد ؛ لمنافاة السين لمعنى كاد ؛ لأنّ كاد تفيد التقريب من الحال ، ولذلك لا يقال : كاد زيد يسافر بعد سنة ، ويقال ذلك في عسى كقولك : عسى زيد أن يسافر بعد سنة ، وإذا دخل النفي

__________________

(١) بعدها في الأصل مشطوب عليه «الفعل الذي وضع لدنو الخبر على سبيل الحصول» وقد تكرر بعد قوله : وهو كاد.

(٢) الكافية ، ٤٢١.

(٣) شرح الوافية ، ٣٦٩.

(٤) قصره الأندلسيون على الشعر. انظر شرح الكافية ، ٢ / ٣٠٤ وشرح ابن عقيل ، ١ / ٣٣٠ والهمع ، ١ / ١٣٠.

(٥) الرجز لرؤبة بن العجّاج ، يكنى أبا الجحاف شاعر رجّاز وهو أكثر شعرا من أبيه توفي في البصرة سنة ١٤٥ ه‍ انظر أخباره في طبقات فحول الشعراء ، ٢ / ٧٦١ والشعر والشعراء ، ٢ / ٤٩٥ ومعجم الشعراء ، ١٢١ ووفيات الأعيان لابن خلكان ، ٢ / ٣٠٣ ورد البيت في ملحقات ديوانه ، ٣ / ١٧٢ وقبله :

رسم عفا من بعد ما قد انمحى

ورد منسوبا له في الكتاب ، ٣ / ١٦٠ والحلل ، ٢٧٤ وشرح المفصل ، ٧ / ١٢١ وورد من غير نسبة في المقتضب ، ٣ / ٧٥ والإنصاف ، ٢ / ٥٦٦ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٥ وهمع الهوامع ، ١ / ١٣٠.

(٦) لسان العرب ، مصح.

٤٧

على كاد ففيها ثلاثة مذاهب (١) :

الأول : وهو الأصحّ ، أنّها كالأفعال إذا دخل عليها النفي كان معناها نفيا ، وإذا تجرّدت من النفي كان معناها إثباتا ، لأنّ قولك : كاد زيد يقوم ، معناه إثبات قرب القيام لا إثبات نفس القيام ، فإذا قلت : ما كاد زيد يقوم ، فمعناه نفي قرب القيام.

والمذهب الثاني : أن تكون (٢) كاد على العكس من الأفعال الماضيّة والمستقبلة ، إثباتها نفي ونفيها إثبات ، كما إذا قلت : كاد زيد يخرج ، فالخروج غير حاصل ، وما كاد زيد يخرج ، فالخروج حاصل.

والمذهب الثالث : أن تكون كاد في نفي المستقبل كالأفعال تمسّكا بقوله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها)(٣) لأنّه لا يستقيم أن يكون المعنى إلّا كذلك لأنه واقع بعد قوله تعالى : (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ)(٤) وفي الماضي خاصة / على العكس من الأفعال نفيا وإثباتا تمسّكا بقوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٥) ووجه التمسّك أنّ فعل الذّبح واقع بلا شك ، واللفظ منفيّ ، أعني ما كاد ، والجواب : أنه محمول على أنّ حالهم كانت قبل الذّبح في التعنّت حال من لم يقارب الفعل ، فالإخبار عن نفي مقاربة الذّبح قبل الذّبح عند ذلك التعنّت ، والإخبار عن الذّبح بعد ذلك ، أي فذبحوها وما كادوا قبل ذلك يقاربون أن يفعلوا (٦) وقد أخذ على ذي الرّمة من يرى أنّ كاد نفيها إثبات في قوله : (٧)

إذا غيّر الهجر المحبين لم يكد

رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

وهو أنه فهم من ذلك الإثبات وهو زوال رسيس الهوى ، والصواب حمل البيت المذكور على الصّحة ، لأنّ المعنى ؛ إذا غيّر الهجر المحبين لم يقارب حبّي التغيير

__________________

(١) إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٣ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٦ والهمع ، ١ / ١٣٢ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٦٨.

(٢) في الأصل يكون.

(٣) من الآية ٤٠ من سورة النور.

(٣) من الآية ٤٠ من سورة النور.

(٤) من الآية ٧١ من سورة البقرة.

(٥) إيضاح المفصل ، ٢ / ٦٣ وشرح الوافية ، ٣٧١.

(٦) البيت لغيلان بن عقبة المشهور بذي الرمة ورد في ديوانه ، ٧٨ وروي منسوبا له في إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٥ وشرح الوافية ، ٣٧٠ وشرح المفصل ، ٧ / ١٢٤ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٦٨ ورواه الرضي في شرح الكافية ، من غير نسبة ، ٢ / ٣٠٨.

٤٨

وهو أبلغ من نفي نفس التغيير (١).

القسم الثالث من أقسام أفعال المقاربة : (٢) وهو ما وضع لدنوّ الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ في فعله

وهو خمسة أفعال ، أربعة منها تستعمل استعمال كاد بغير أن ، وهي جعل وطفق وكرب وأخذ كقولك : جعل زيد يقول ، وكقوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(٣) وكربت الشمس تغيب ، وأخذ زيد يقول ، وواحد وهو أوشك يستعمل استعمال عسى في مذهبيها ، واستعمال كاد بغير أن ، فمثاله بمعنى عسى الناقصة : أوشك زيد أن يقوم وبمعنى التامة : أوشك أن يقوم زيد ، ومثاله بمعنى كاد : أوشك زيد يقوم (٤).

ذكر فعل التعجّب (٥)

فعل التعجّب ما وضع لإنشاء التعجّب فلا يدخل فيه مثل : تعجّبت وعجبت لأنّه خبر وليس بإنشاء للتعجّب ، والتعجّب انفعال النفس عند رؤية ما خفي سببه (٦) وخرج عن نظائره ، ومن هنا يعلم أنّ الله تعالى لا يصدر منه التعجّب لفقد الانفعال ، وما جاء في التنزيل على صيغة التعجّب ، فبالنّظر إلى المخاطب كقوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(٧) وفعل التعجّب غير متصرّف ، لأنّه لمّا تضمّن معنى الإنشاء أشبه الحرف فمنع من التصرّف كما قيل في عسى.

وللتعجب صيغتان ؛ إحداهما : ما أفعله ، والثانية : أفعل به نحو : ما أحسنه

__________________

(١) شرح الوافية ، ٣٧١ وانظر إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٥ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠٧.

(٢) الكافية ، ٤٢١.

(٣) من الآية ٢٢ من سورة الأعراف.

(٤) شرح الوافية ، ٣٧١.

(٥) الكافية ، ٤٢١.

(٦) غير واضحة في الأصل.

(٧) من الآية ١٧٥ من سورة البقرة.

٤٩

وأحسن به ، فما أحسنه هي الأصل وهي جملة اسميّة لأنّها مصدّرة بالاسم وهو ما ، وأحسن به معدول عنها وهي جملة فعليّة وأحسن بزيد ، ليس بأمر بل هو عند سيبويه خبر بلفظ الأمر (١) وجاء الخبر بلفظ الأمر كما جاء الأمر بلفظ الخبر في نحو قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٢) وكما جاء الدّعاء بلفظ الخبر في قولك : رحمك الله ، ويدلّ على أن قولك : أكرم بزيد ، ليس بأمر ، دخول التصديق فيه وخلو الفعل من الضمير الذي يلحق فعل الأمر في المثنّى والمجموع نحو : أحسنا وأحسنوا ، فإنه لا يقال : أحسنا بزيد ، ولا أحسنوا بزيد ، ولا يبنى فعلا التعجّب إلّا مما يبنى منه أفعل التفضيل (٣) لكون كلّ / واحد منهما للمبالغة فلا يبنيان إلّا من فعل ثلاثيّ ليس بلون ولا عيب (٤) ويتوصّل في الممتنع بمثل ما يتوصّل به إلى التفضيل فيقال : ما أشد استخراجه واشدد باستخراجه ، كما قالوا في التفضيل : زيد أشدّ استخراجا من عمرو ، وكذلك تقول : ما أشدّ حمرته وما أقبح عوره ، وقد شذّ نحو : ما أعطاه وما أولاه للمعروف ، وما أفقره وما أكرمه ، وقيل (٥) : إنه مردود من الرباعي إلى أصله الثلاثي ؛ أي من عطا يعطو ، ومن ولي يلي ، ومن فقر وكرم ، ولا يبنى فعل التعجّب إلّا للفاعل دون المفعول نحو قولهم : ما أبغضه إليّ وأحبّه وأشغله ، ولا يتصرّف في صيغتي فعل التعجّب بتقديم ولا تأخير ولا فصل (٦) لكونهما غير متصرفين فلا يقال : ما زيدا أحسن ولا زيدا ما أحسن ، ولا يقال أيضا : بزيد أحسن ولا ما أحسن اليوم زيدا ، وأجاز المازني الفصل بالظرف لما سمع من العرب : ما أحسن بالرجل أن يصدق (٧) ففصل بين أحسن ومعموله بالجار والمجرور ، و «ما»

__________________

(١) الكتاب ١ / ٧٢ وشرح المفصل ، ٧ / ١٤٧.

(٢) من الآية ٢٢٨ من سورة البقرة وفي الأصل أربعة أشهر.

(٣) الكافية ، ٤٢١.

(٤) الكتاب ، ٤ / ٩٧ وشرح الوافية ، ٣٧٣.

(٥) ذهب إلى ذلك الأخفش والمبرد ، ورده ابن يعيش بقوله : وذلك ضعيف ، لأن العرب لم تقل : ما أعطاه إلا والفعل للمعطى ، لأنه منقول من عطوت. وعطوت للأخذ ، وكذلك ما أولاه إنما هو للمولى لا لمن ولي شيئا. ينظر المقتضب ، ٤ / ١٧٨ وشرح المفصل ، ٧ / ١٤٤ وشرح التصريح ، ٢ / ٩١ والهمع ، ٢ / ١٦٦.

(٦) الكافية ، ٤٢٢.

(٧) نسب إلى الجرمي في شرح الوافية ٣٧٣ وإيضاح المفصل ، ٢ / ١١١ وفي شرح الكافية ، ٢ / ٣٠٩ وأجازه

٥٠

في ما أفعله مبتدأ نكرة بمعنى شيء عند سيبويه والخليل وأصله شيء أحسن زيدا (١) والجملة أعني أحسن زيدا في محل الرفع بأنه خبره ، وهو مثل : شرّ أهرّ ذاناب (٢) حسبما تقدّم في موضعه (٣) والأخفش يرى (٤) : أنّ «ما» في : ما أفعله موصولة والجملة التي بعدها صلتها ، والصلة مع الموصول في محلّ الرفع بأنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره : الذي أحسن زيدا شيء (٥) ومذهب سيبويه في : أكرم بزيد أنّ الجارّ والمجرور أعني بزيد في موضع رفع بأنه فاعل أكرم ؛ فلا ضمير فيه ، والباء زائدة في الفاعل كقوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٦) فجعل فعل الأمر أعني : أكرم بزيد ، بمعنى الماضي أي : أكرم زيد بمعنى صار ذا كرم ، وفي هذا المذهب شذوذان أحدهما : استعمال الأمر بمعنى الماضي ، والثاني : زيادة الباء في الفاعل (٧) ، ومذهب الأخفش أنّ بزيد في أكرم بزيد مفعول به (٨) وهو المتعجّب منه ، فعلى هذا يكون أفعل أمرا لا خبرا (٩) فيكون فيه ضمير مرفوع بأنه فاعله يعود إلى المخاطب أي أنه أمر لكلّ مخاطب بأن يجعل زيدا كريما أي بأن يصفه بالكرم هذا أصله ثم أجري مجرى الأمثال فلم يغير عن لفظ الواحد تقول : يا رجل ويا رجلان ويا رجال أحسن

__________________

الفراء والجرمي وأبو علي والمازني. وانظر الهمع ، ٢ / ٩١ وحاشية الخضري ، ٢ / ٤١.

(١) الكتاب ، ١ / ٧٢.

(٢) أي أن ما نكرة تامة ، وجاز الابتداء بها لأنها في قوة الموصوفة ، وثمة من قال : جاز الابتداء بها لما فيها من معنى التعجب قطر الندى ، ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

(٣) انظر ١ / ١٤٥.

(٤) في واحد من أقواله ، فقد روي عنه قولان آخران ، الأول موافقته لقول سيبويه والجمهور والثاني : أن ما نكرة ناقصة موصوفة بمعنى شيء وما بعدها من الجملة صفة لها والخبر محذوف. شرح التصريح ، ٢ / ٨٧.

(٥) ورده المبرد بقوله : «وليس كما قالوا : وذلك أن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها.

المقتضب ٤ / ١٧٧.

(٦) من الآية ٧٩ من سورة النساء.

(٧) قال الرضي في شرح الكافية ، ٢ / ٣١٠ وضعف قوله أي سيبويه بأن الأمر بمعنى الماضي مما لم يعهد بل جاز الماضي بمعنى الأمر نحو : اتقى امرؤ ربّه ، وبأن أفعل صار ذا كذا قليل ، ولو كان منه لجاز ألحم بزيد وأشحم بزيد ، وبأن زيادة الباء في الفاعل قليل. وانظر إيضاح المفصل ، ٢ / ١١٠.

(٨) انظر همع الهوامع ، ٢ / ٩٠.

(٩) تسهيل الفوائد ، ١٣٠.

٥١

بزيد ، والباء على هذا الوجه إمّا زائدة ، وإما للتعديّة ، فعلى تقدير أنّها زائدة تكون الهمزة للتعدية والباء زائدة مثل : ألقي بيده ، وعلى تقدير أنّها للتعدية تكون الهمزة للصيرورة مثل قولهم : أغدّ البعير ، ثم جيء بالباء لتعدية الفعل فصار ما كان فاعلا مفعولا وعلى التقديرين ، زيد في أكرم بزيد مفعول لأكرم وأكرم متعدّ إليه إمّا بالهمزة وتكون الباء زائدة ، وإمّا بالباء وتكون الهمزة للصيرورة لا للتعدية (١) ومعنى فعل التعجّب معنى قائم برأسه / متميز عن غيره وهو أنّ ذلك الوصف على أبلغ ما يكون ، وأنّه نهاية وغاية وزائد على نظرائه نادر في بابه ، وإذا قلت : ما كان أحسن زيدا فقد زيدت كان إيذانا بأنّ التعجّب واقع فيما مضى (٢) كما زيد مستقبل كان ليؤذن بالتعجّب في المستقبل ، إذا كان في الحال الحاضرة دليل عليه كقولهم : ما يكون أطول هذا الصبيّ ، فإن قيل : كيف جاز ما كان أحسن زيدا ، وأحسن فعل ماض فكيف دخل كان عليه ، فالجواب : أنّ فعل التعجّب لمّا منع عن التصرّف كان ماضيه كلا ماضي ، لأنه لمّا لم يتصرّف ولزم طريقة واحدة أشبه الأسماء ولذلك صغّر في نحو : (٣)

يا ما أميلح غزلانا عرضن لنا (٤)

وقد قالوا : ما أصبح أبردها ، وأمسى أدفأها ، وهو شاذّ عند أكثر النّحاة (٥) والضمير في أصبح وأمسى للغداة والعشيّة ، وإذا قلت : ما أحسن ما كان زيد ، رفعت

__________________

(١) شرح الوافية ، ٣٧٤.

(٢) الكتاب ، ١ / ٧٣.

(٣) هذا صدر بيت تمامه :

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر

وقد اختلف حول قائله فقد نسبه البغدادي في الخزانة ، ١ / ٩٣ للعرجي وهو في ديوانه ، ١٨٣ وقيل : لذي الرمة وهو غير موجود في الديوان أو لكامل الثقفي أو للحسين بن عبد الله ، وروي منسوبا للعرجي في شرح الشواهد ، ١ / ١٨ وشرح شواهد المغني السيوطي ، ٢ / ٩٦١ ونسبه ابن منظور في مادة شدن إلى علي بن أحمد العريتي برواية ياما أحيسن وورد البيت من غير نسبة في أمالي ابن الشجري ، ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٣ ـ ١٣٥ والإنصاف ، ١ / ١٢٧ والمغني ٢ / ٦٨٢ وهمع الهوامع ، ١ / ٧٦ ـ ٢ / ٩٠ ـ ١٩١ وشرح الأشموني ، ٣ / ١٨ ـ ٢٦. ورواية البيت عند جميعهم : شدنّ لنا.

(٤) بعدها في الأصل مشطوب عليه «والأجود أن يقال : بأن فعل التعجب لما وضع للإنشاء انتقل من المعنى الماضي إلى معنى الإنشاء».

(٥) انظر شرح المفصل ، ٧ / ١٥٢.

٥٢

زيدا بكان وهي التامّة والتقدير : ما أحسن كون زيد ، وأجاز المبرّد : ما أحسن ما كان زيدا بالنّصب على تقدير : ما أحسن الرجل الذي كان زيدا (١).

ذكر أفعال المدح والذّمّ (٢)

وهي ما وضع لإنشاء مدح أو ذمّ ، والأصل فيها نعم وبئس فلا يدخل في ذلك نحو : مدحته وذممته وكرم وقبح ، لأنّها من باب الخبر لا الإنشاء (٣) فنعم للمدح وبئس للذمّ ، وشرط فاعل نعم مثل شرط فاعل بئس من غير فرق ، وشرطهما أن يكون فاعلهما أحد أمور ثلاثة ، وهو أن يكون معرّفا باللّام تعريف العهد الذهني (٤) نحو : نعم الرجل زيد ، أو يكون مضافا إلى المعرّف باللّام نحو : نعم صاحب الرجل زيد ، أو يكون مضمرا مميّزا بنكرة منصوبة ، أو بما (٥) ، مثال المضمر المميّز بالنكرة المنصوبة نحو : نعم رجلا زيد ، أي نعم الرجل رجلا زيد ، ومثال المميّز بما قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)(٦) وهنا ما بمعنى شيء وموضعها النصب على التمييز (٧) وهي المميّزة لفاعل نعم أي : فنعم الشيء شيئا هي ، وهي ضمير الصدقات وهي المخصوصة بالمدح ، وهذا المضمر (٨) المميّز بالنكرة إضمار قبل الذكر على شريطة التفسير فأصل نعم رجلا زيد ، نعم الرجل ثم أضمرت الرجل ، فصار نعم هو ثم استكنّ الضمير المرفوع في الفعل فاستتر فيه ، فيلزم أن يبيّن (٩) ويفسّر بنكرة منصوبة على التمييز ، وقيل : (١٠) تعريف الرجل في قولك : نعم الرجل ،

__________________

(١) وتجويزه ذلك على ضعف كما في المقتضب ، ٤ / ١٨٥.

(٢) الكافية ، ٤٢٢.

(٣) إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٦.

(٤) هذا رأي من آراء فيها ، ومذهب الجمهور أنها جنسية وسيذكر أبو الفداء ذلك بعد. وانظر الهمع ، ٢ / ٨٥.

(٥) الكتاب ، ٢ / ١٧٥ والمقتضب ، ٢ / ١٤٠ وشرح الوافية ، ٣٧٥.

(٦) من الآية ٢٧١ من سورة البقرة.

(٧) الكتاب ، ١ / ٧٣ وثمة وجوه أخرى ل «ما» انظرها في الهمع ، ٢ / ٨٦ وشرح الأشموني ، ٣ / ٣٦.

(٨) في الأصل «وهذا المضمر المذكور هو ضمير الاسم المميز بالنكرة أعني المعرف باللام» وبعدها جملة غير واضحة لكثرة الشطب عليها ، وشطب الناسخ العبارة الأولى وأبقى منها «المميز بالنكرة».

(٩) غير واضحة في الأصل.

(١٠) هذا القيل هو مذهب الجمهور كما في الهمع ، ٢ / ٨٥.

٥٣

هو تعريف الجنس لا تعريف العهد ، لأنّك إذا مدحت جنس الشيء لأجل ذلك الشيء فقد بالغت في مدح ذلك الشيء (١) واعلم أنّ من قال أنه للعهد ، إنما يريد به أنه لمعهود في الذهن لا لمعهود معيّن في الخارج ، وذلك المعهود الذهني مبهم باعتبار الوجود الخارجي ، كما أنّ أسامة معرفة باعتبار الذهن / وليس معرفة باعتبار الوجود في الخارج.

وبعد ذكر الفاعل يذكر المخصوص بالمدح أو الذمّ فإذا قلت : نعم الرجل زيد ، فالمخصوص بالمدح هو زيد ، كأنهم قصدوا إلى إبهام المخصوص أولا ليعظم وقعه في النفس وتتشوق النفس إلى تفسيره ثم فسّر بنحو : زيد ، وكذلك إذا قيل : نعم رجلا زيد فإنّ الفاعل أضمر وأبهم ثم فسّر جنس ذلك المضمر بالنكرة المميزة ، فيكون التقدير : نعم الرجل رجلا زيد.

واعلم أنه يجوز الجمع بين الفاعل الظاهر وبين النكرة المميزة تأكيدا للفاعل الظاهر فتقول : نعم الرجل رجلا زيد ، وهو جمع بين المفسّر والمفسّر ، لكن جوّز لتأكيد الظاهر ، وللتنبيه على أنّ هذا هو الأصل (٢) وفي إعراب المخصوص بالمدح أو الذمّ وجهان :

أحدهما : أن يكون مبتدأ والجملة التي قبله أعني نعم وفاعلها خبره ، فيكون أصله : زيد نعم الرجل ، واستغنى الخبر عن ضمير يعود إلى المبتدأ الذي هو زيد ، لكون زيد هو الرجل ، لأنّ المخصوص عبارة عن الفاعل ومفسّر له ولا يحتاج إلى عائد.

والثاني : أن يكون خبرا والمبتدأ محذوف على تقدير : هو زيد ، فعلى الوجه الأول يكون نعم الرجل زيد ، جملة واحدة ، وعلى الوجه الثاني يكون جملتين (٣) وشرط هذا المخصوص (٤) أن يكون مطابقا لفاعل نعم في المعنى والإفراد والتثنية

__________________

(١) إيضاح المفصل ، ٢ / ٩٩.

(٢) هذا رأي المبرد وابن السراج والفارسي ، ومنع سيبويه والسيرافي وجماعة ذلك. انظر الكتاب ، ٢ / ١٧٥ ، ١٧٩ والمقتضب ، ٢ / ١٥٠ والخصائص ، ١ / ٣٩٥ ، وشرح المفصل ، ٧ / ١٣٢ والهمع ، ٢ / ٨٦.

(٣) شرح الوافية ، ٣٧٥ والهمع ، ٢ / ٨٧.

(٤) الكافية ، ٤٢٢.

٥٤

والجمع والتذكير والتأنيث ، تقول : نعم الرجل زيد ، ونعم الرجلان الزيدان ، ونعم الرجال الزيدون ، ونعمت المرأة هند واعلم أنّه يجوز نعم المرأة هند (١) وإن كان لا يجوز : قام المرأة ، لأنّ نعم غير متصرّف ، بخلاف قام ، وإنّما وجب مطابقة المخصوص للفاعل ، لأنّ المخصوص عبارة عن الفاعل ، ولمّا كان المخصوص لا بدّ وأن يكون مطابقا لفاعل نعم أو بئس ، وجب تأويل ما جاء على خلافه مثل قوله تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا)(٢) لأنّ المخصوص هو الذين كذّبوا وهم غير مطابقين لمثل القوم الذي هو الفاعل ، لأنّهم ليسوا من جنس المثل ، لأنّ المثل هو القول الوجيز ، والذين كذّبوا ليسوا بقول وجيز ، وتأويله على حذف المضاف أي بئس مثل القوم مثل الذين كذّبوا (٣).

ومما يناسب بئس ، ساء (٤) وهي مثل بئس معنى واستعمالا فحكمها حكمها ، وقد تستعمل على غير ذلك كقولك : ساءني ما صنعت (٥).

والمخصوص قد يعلم فيجوز حذفه (٦) كقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)(٧) بعد أن تقدّم ذكر أيوب فعلم أنّ المراد نعم العبد أيوب ، وكذلك قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(٨) أي فنعم الماهدون نحن يدلّ عليه سياق الكلام (٩).

__________________

(١) الكتاب ، ٢ / ١٧٨.

(٢) من الآية ٥ من سورة الجمعة.

(٣) اكتفى أبو الفداء بتوجه من توجيهين ذكرهما الزمخشري في المفصل ، ٢٧٥ ، قال عن الثاني : ورؤي أن يكون محل الذين مجرورا صفة للقوم ، ويكون المخصوص بالذم محذوفا ، أي بئس مثل القوم المكذبين مثلهم. وانظر شرح الوافية ٣٧٦ وإيضاح المفصل ، ٢ / ١٠٤ وشرح المفصل ، ٧ / ٣٨ وتفسير النسفي ، ٤ / ١٩٢.

(٤) الكافية ، ٤٢٢.

(٥) شرح الوافية ، ٣٧٦.

(٦) الكافية ، ٤٢٢.

(٧) من الآية ٤٤ من سورة ص. وقبلها : واذكر عبدنا أيوب ... ص الآية ٤١.

(٨) من الآية ٤٨ من سورة الذاريات.

(٩) شرح الوافية ، ٣٧٧.

٥٥

ومما يناسب نعم ، حبّذا (١) وهو مركّب من حبّ وذا ـ (٢) وفاعله ذا ، ويراد به مشار إليه في الذهن ، وذا في حبّذا ، لا يتغيّر سواء كان المخصوص مفردا أو مثنّى أو مجموعا أو مذكرا أو مؤنثا (٣) ، تقول : حبّذا زيد وحبّذا الزيدان وحبّذا الزيدون وحبّذا هند وحبّذا الهندان وحبّذا الهندات ، وإنما لم يتغيّر عن هذا اللفظ ، لأنّهم جعلوا الفعل والفاعل كالكلمة الواحدة فكرهوا التصرّف فيه ، واستغنوا بالمخصوص عن تفسير الفاعل ولم يستغنوا في نعم بالمخصوص عن تفسير الفاعل المضمر بل فسّروه بالنكرة ، لئلا يؤدي حذف النكرة المفسّرة في نعم إلى التباس المخصوص بفاعل نعم في كثير من الصور ، ألّا ترى أنّك لو قلت نعم السلطان وجوّزت الإضمار في نعم من غير تفسير ، لم يعلم هل الفاعل السلطان أم المخصوص بالمدح بخلاف حبّذا فإن «ذا» مؤذن بأنه الفاعل ، وإعراب مخصوص حبّذا كإعراب مخصوص نعم (٤) في كون المخصوص مبتدأ وما قبله خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف (٥) ويجوز قبل ذكر مخصوص حبّذا أن يقع حال موافق للمخصوص في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث نحو : حبذا راكبا زيد ، وحبّذا راكبين الزيدان ، ويجوز وقوع هذه الحال بعد المخصوص أيضا نحو : حبّذا زيد راكبا وحبّذا الزيدان راكبين ، ويجوز أيضا أن يقع قبل المخصوص وبعده تمييز على وفق المخصوص في الإفراد وغيره كما قيل في الحال نحو : حبّذا رجلا زيد ، وحبّذا زيد رجلا (٦) والعامل في هذه الحال وهذا التمييز ما في حبّذا من معنى الفاعليّة ، وذو الحال ذا في حبّذا لا زيد ، لأنّ زيدا هو

__________________

(١) المفصل ٢٧٥ وفيه : وحبذا مما يناسب هذا الباب وفي الكافية ٤٢٢ ومنها حبذا وفاعله ذا ، وفي شرح الوافية ٣٧٧ وحبذا مما يناسب نعم.

(٢) بعدها في الأصل مشطوب عليه «لأن أصله حب وذا».

(٣) في الكتاب ، ٢ / ١٨٠ وصار المذكر هو اللازم لأنه كالمثل.

(٤) هذا التفصيل زيادة عما في شرح الوافية ، ٣٧٧.

(٥) أو مبتدأ محذوف الخبر وجوبا وذهب بعض إلى أنه بدل وبعض آخر إلى أنه عطف بيان ويردهما أنه يلزم عليهما وجوب ذكر التابع ويردّ البدل أنه لا يحلّ محلّ الأول ، ويردّ البيان وروده نكرة انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني ، ٣ / ٤١.

(٦) قال السيوطي في همع الهوامع ، ٢ / ٨٩ : إن كان مشتقا فهو حال وإلّا بأن كان جامدا فهو تمييز وقال الأخفش والفارسي والربعي : حال مطلقا ، وقال أبو عمرو بن العلاء : تمييز مطلقا ، وقيل : إنه منصوب بأعني مضمرة فهو مفعول لا حال ولا تمييز قاله أبو حيان وهو غريب.

٥٦

المخصوص ، والمخصوص لا يجيء إلّا بعد تمام المدح لفظا أو تقديرا (١).

ذكر أبنية الماضي الثلاثي المجرّد عن الزيادة (٢)

ولا تكون فاؤه إلّا مفتوحة (٣) لكنّ عينه تتحرّك بالحركات الثلاث فهو بحسب ذلك ثلاثة أقسام :

فالأول : فعل بفتح العين نحو : ضرب وجلس.

والثاني : فعل بكسر العين نحو : شرب وفرح وكلّ من هذين القسمين يكون متعديّا ولازما كما رأيت من الأمثلة المذكورة.

والثالث : فعل بضمّ العين ولا يكون إلّا لازما نحو : كرم.

واعلم أنّ مضارع هذه الثلاثة يجيء على القياس وعلى غير القياس ، والمراد بالقياسي أن يكون المضارع مخالفا للماضي في البناء بحيث ، إن كان الماضي مفتوح العين يكون المضارع إمّا مكسور العين أو مضمومها ، وإن كان الماضي مكسور العين يكون المضارع إمّا مفتوح العين أو مضمومها (٤) إلّا أنّ ضمّ المضارع مع كسر الماضي أهمل لثقله ، وما ورد منه فمركّب كما يأتي بيانه ، ويسمّى ما جاء على القياس الدعائم نحو : كتم يكتم وشتم يشتم وعلم يعلم وما بخلافه ليس من الدعائم نحو : فعل يفعل بفتحهما معا ، أو بضمّهما معا ، أو بكسرهما معا /.

ذكر مضارع فعل بفتح العين (٥)

اعلم ، أنّ المضارع يحصل بزيادة حرف المضارعة على الماضي وقد جاء مضارع فعل على ثلاثة أمثلة :

__________________

(١) شرح الوافية ، ٣٧٧ واكتفى ابن الحاجب فيها بمثال للحال وآخر للتمييز.

(٢) المفصل ، ٢١٧ والشافية ٥٠٠ وانظر الكتاب ، ٤ / ٥ والمقتضب ، ١ / ٧١ والممتع ، ١ / ٦٦.

(٣) قال نقره كار في شرح الشافية ، ٢ / ٢٠ لخفتها ولثقل الفعل فلا يجوزون فيه الابتداء بالثقيل في أصل الوضع لأنّ الابتداء بالأخف أولى لتحصل للمتكلّم العذوبة في اللفظ ويصغي السامع إليه بخلاف الاسم فإنه لمّا كان خفيفا يجوزون الابتداء فيه بالثقيل.

(٤) شرح المفصل ، ٧ / ١٥٢.

(٥) الشافية ، ٥٠٢.

٥٧

أحدها : يفعل بكسر العين ومثاله من المتعدّي : ضرب يضرب ومن اللّازم : جلس يجلس.

ثانيها : يفعل بضمّ العين ومثاله من المتعدّي : قتل يقتل ، ومن اللّازم : قعد يقعد.

ثالثها : يفعل بفتح العين على خلاف الأصل ولا يكون إلّا مما عينه أو لامه حرف حلق ، وحروف الحلق ، الهمزة والهاء والحاء والعين والخاء والغين نحو : سأل يسأل وذهب يذهب ومدح يمدح ومنع يمنع وسلخ يسلخ وصبغ يصبغ (١) بفتح عين يفعل في الجميع (٢) ولكن ليس الفتح لازما في كلّ ما هو كذلك بل يجوز أن يأتي على الأصل نحو : يصبغ (٣) بالضمّ (٤) وشذّ ما جاء على فعل يفعل بالفتح وليس عينه أو لامه حرف حلق نحو : أبى يأبى (٥) وركن يركن ، وقيل : إنّ ركن يركن مركّب كما سيأتي بيان التركيب ، وإنّما فتحت عين يفعل من هذه الأفعال بسبب حروف الحلق لأنّ حروف الحلق ثقيلة (٦) والفتحة تناسب ذلك لينجبر الثّقل بالخفّة (٧).

واعلم أنّ فعل بفتح العين إذا كان معتلّ الفاء أو العين أو اللّام أو مضاعفا فلمضارعه أحكام أخر ، أمّا معتلّ الفاء بالواو فمضارعه على يفعل بكسر عين المضارع (٨) نحو : وعد يعد ، وشذّ : وجد يجد بالضمّ (٩) وأما معتلّ العين أو اللّام

__________________

(١) في الأصل وصبع يصبع.

(٢) انظر نحو هذه الأمثلة مما عينه أو لامه حرف حلقي في الكتاب ، ٤ / ١٠١.

(٣) يقال : صبغ الثوب والشيء ونحوهما يصبغه ويصبغه ويصبغه ثلاث لغات. اللسان ، صبغ.

(٤) في الأصل «نحو يصبغ وينبح بالضم فيهما» أبقى الناسخ على ما أثبتناه.

(٥) في الكتاب ، ٤ / ١٠٥ ـ ١٠٦ وقالوا أبى يأبى فشبهوه بيقرأ ... ولا نعلم إلا هذا الحرف ، وأما غير هذا فجاء على القياس.

(٦) غير واضحة في الأصل.

(٧) بعدها في الأصل مشطوب عليه «وإنما لم يجب فتح عين ما فاؤه حرف حلق لأن الفاء تسكن في يفعل كما سكنت همزة أبى في يأبى فإن الفاء تسكن في المضارع لئلا يجتمع أربع حركات متوالية في كلمة واحدة في الأصل ولا تتحرك الفاء في المضارع إلا حركة عارضية في معتل العين نحو : يقول ويبيع لأنها منقولة عن العين المحذوفة.

(٨) بعدها مشطوب عليه «لحصول موجب حذفها من وقوعها بين ياء وكسرة».

(٩) هي لغة عامرية كما في اللسان ، وجد. وانظر الكتاب ، ٤ / ٥٤.

٥٨

بالواو فمضارعه (١) على يفعل بالضم ، نحو : قال يقول ودعا يدعو لمناسبة الضمّة للواو وقد شذّ : طاح يطيح وتاه يتيه عند من قال : طوّحت أطوح وتوّهت أتوه ، لأنّ قياسه حينئذ أن يأتي على طاح يطوح وتاه يتوه (٢) ، وأمّا معتلّ العين أو اللّام بالياء فمضارعه على يفعل بالكسر للمناسبة (٣) نحو : باع يبيع ورمى يرمي ، وأمّا فعل المضاعف اللّام ، فإن كان متعديّا فمضارعه مضموم العين لا سيما إن لحقه الضمير نحو : شدّة يشدّه ومدّه يمدّه ، وجاء الكسر في بعضه نحو : نمّه ينمّه وبتّه يبتّه ، وأمّا حبّه فيحبّه بالكسر ليس إلّا (٤) ، وإن كان لازما فمضارعه مكسور العين (٥) غالبا نحو حنّ يحنّ وأنّ يئن.

ذكر مضارع فعل بكسر العين (٦)

ومضارعه يأتي على مثالين :

أحدهما : يفعل بفتح العين ومثاله من المتعدّي شرب يشرب ، ومن اللّازم فرح يفرح.

وثانيهما : يفعل بكسر العين مثل الماضي ومثاله من المتعدّي : حسب يحسب ، ومن اللّازم : نعم ينعم وبئس يبئس ويئس ييئس ويبس ييبس إذا / جفّ ، وقد جاء الفتح أيضا في هذه الأفعال المذكورة أعني يحسب وينعم إلى آخرها بفتح عين

__________________

(١) الشافية ، ٥٠٣.

(٢) في الكتاب ، ٤ / ٣٤٤ وأما طاح يطيح وتاه يتيه فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب ، وهي من الواو ويدلك على ذلك طوحت وتوهت ... ومن قال : طيحت وتيهت فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمة. وفي اللسان ، طوح وتوه : هما لغتان.

(٣) أي لمناسبة الكسرة للياء.

(٤) قال الجوهري في الصحاح مادة بتت : والبتّ القطع تقول : بتّ يبتّه ويبتّه وهذا شاذّ لأن باب المضاعف إذا كان يفعل منه مكسورا لا يجىء متعديّا إلا أحرف معدودة وهي بتّه يبتّه وعلّه في الشرب يعلّه ويعلّه ونمّ الحديث ينمّه وينمّه وشدّه يشدّه ويشدّه وحبّه يحبّه ويحبّه وهذه وحدها على لغة واحدة وذكر الفيروز أبادي في القاموس المحيط حب : حببته أحبّه بالكسر شاذ وانظر اللسان ، حبب.

(٥) بعدها مشطوب عليه «إلا نحو ظل يظل».

(٦) الشافية ، ٥٠٣.

٥٩

يفعل (١) ، وجاء وله يله والأكثر يوله (٢) وولغ يلغ ، وحكي يولغ ويلغ (٣) وجاء منها بالكسر فقط ، ورث يرث ووثق يثق وومق يمق وورم يرم ، وأمّا ما جاء على فعل يفعل بكسر عين الماضي وضمّ عين المضارع مثل : فضل يفضل فمركّب (٤) والمراد بالتركيب أن يبادل بين صيغتين لفعل واحد ، قد جاء ماضي كل صيغة منهما ومضارعها على الأصل كما جاء فضل يفضل على صيغة قتل يقتل ، وجاء أيضا فضل يفضل على صيغة شرب يشرب فأعطي ماضي إحداهما مضارع الأخرى فتركّب من ذلك فضل يفضل بكسر عين الماضي وضمّ عين المضارع على خلاف بابه (٥).

ذكر مضارع فعل بضمّ العين (٦)

وهو لا يكون (٧) إلّا لازما ومضارعه على مثال واحد على يفعل بضمّ العين مثل ماضيه نحو : كرم يكرم وكأنّه إنّما جاء كذلك كراهة أن يشارك غير المتعدّي المتعدّي (٨).

ذكر أبنية الثلاثي المزيد فيه (٩)

وهي خمسة وعشرون بناء ، خمسة عشر منها للإلحاق وعشرة لغير الإلحاق (١٠) والمراد بالإلحاق جعل مثال على مثال أزيد منه بجعل الزائد مقابل الأصلي ، وميزانه اتّحاد المصدرين أو الجمعين كما سيظهر من الأمثلة الآتي ذكرها.

__________________

(١) في الكتاب ، ٤ / ٣٩ والفتح في الأفعال جيد وهو أقيس.

(٢) لأنها على القياس ، اللسان ، وله.

(٣) الولغ : شرب السّباع بألسنتها .. ويقال : ولغ يلغ ولغا وولغ يلغ ومن العرب من يقول : ولغ يولغ مثل وجل يوجل اللسان ، ولغ.

(٤) وفضل الشيء يفضل مثال دخل يدخل وفضل يفضل كحذر يحذر وفيه لغة ثالثة مركّبة منهما فضل بالكسر يفضل بالضمّ وهو شاذ. اللسان ، فضل.

(٥) في الكتاب ، ٤ / ٤٠ وفضل يفضل أقيس ... كما أن فضل يفضل شاذ.

(٦) الشافية ، ٥٠٣.

(٧) غير واضحة في الأصل.

(٨) الكتاب ، ٤ / ٣٨.

(٩) المفصل ، ٢٧٨.

(١٠) إيضاح المفصل ، ٢ / ١١٦ والممتع ، ١٦٧ ـ ١٦٨.

٦٠