كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ٢

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]

كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ٢

المؤلف:

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]


المحقق: الدكتور رياض بن حسن الخوّام
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9953-34-369-1

الصفحات: ٤٦١
الجزء ١ الجزء ٢

كما وجب قبل دخولها ، فلذلك قالوا : ترجّيت ولم يقولوا : ترجّوت (١) وكذلك قلبت في استرشيت ياء لقولهم في المضارع أسترشي ، وكذلك قلبت في مضارع غزي ورضي ياء ، لأنّ الماضي الذي هو غزي لمّا بنى لما لم يسمّ فاعله كسر ما قبل الواو مثل ضرب إذا بني لما لم يسمّ فاعله فقلبت الواو فيه ياء لانكسار ما قبلها وحمل المضارع عليه نحو يغزيان ليتماثل المستقبل والماضي (٢) وكذلك تقول : يرضيان فتقلب الواو ياء لأنها قد قلبت في رضي ، وتقول في شأي من الشأو ، وهو السبق ، يشأيان ، فتقلب في المضارع ياء وإن لم تنقلب في الماضي وقد اختلف في تعليله فقيل : هو شاذ (٣) لأنّه لم ينقلب في الماضي ليحمل المضارع عليه ، وقيل : إنما قلبت في المضارع لانقلابها في ما لم يسمّ فاعله كقولك شؤي ثم حمل المضارع عليه والأولى (٤) أن يقال : إنما قلبت في يشأيان لوقوعها رابعة ، ولم ينضمّ ما قبلها ، وكذلك قلبت الواو ياء في : ملهيان ومصطفيان ومعليان ومستدعيان ، لوقوعها كما ذكر أعني رابعة فصاعدا ولم ينضمّ ما قبلها.

ذكر حكم العين واللّام إذا كانا حرفي علّة (٥)

إذا اجتمع في آخر الفعل حرفا علّة نحو : حيي وعيي من مضاعف الياء لم يمكن إعلالهما معا ، لأنه إجحاف ولكن تعلّ اللّام لأنّها أولى بالإعلال ، ولو لا إعلال اللام لوجب إعلال العين في حيي بقلب الياء الأولى ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ، لكن لمّا أعلّت اللّام في المضارع بقلبها ألفا نحو يحيى وبحذفها في الجزم نحو : لم يحي ، كرهوا الجمع بين إعلالين فصحت العين لذلك ونزّلت منزلة الحرف الصحيح ، فلذلك لم تتغيّر الياء الأولى من حيي وعيي وأجريا مجرى بقي وفني ، لكن أكثر العرب يدغم العين في اللّام إذا تحرّكت / بحركة لازمة نحو : حيي وعيي فيقولون : حيّ وعيّ إجراء لذلك مجرى شدّ قال الله تعالى : (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(٦) فتقول في

__________________

(١) الكتاب ، ٤ / ٣٩٣ والمنصف ، ٢ / ١٦٥.

(٢) شرح المفصل ، ١٠ / ١١٥.

(٣) المنصف ، ٢ / ١٦٦.

(٤) وإلى ذلك ذهب ابن الحاجب في إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٧١ وانظر شرح المفصل ، ١٠ / ١١٥.

(٥) المفصل ، ٣٩١.

(٦) من الآية ، ٤٢ من سورة الأنفال.

٣٠١

الواحد : حيّ زيد وفي الجمع حيّوا (١) ولم تستثقل الضمّة على الياء المدغم فيها لسكون ما قبلها وهو الياء المدغمة قال الشّاعر : (٢)

عيّوا بأمرهم كما

عيّت ببيضتها الحمامه

فقال : عيّوا وعيّت ، كما يقال : ظنّوا وظنّت ، وإذا أدغمت جاز لك فتح الحاء من حيّ وكسرها ، أما فتحها فواضح على الأصل ، وأمّا كسرها فلأنّه لما سكّنت الياء التي بعدها للإدغام أشبهت الياء الساكنة في ليّ جمع ألوى ، يقال : قرن ألوى (٣) وقرون ليّ بضمّ اللّام وبكسرها (٤) والكسرة في لام ليّ أظهر من الكسرة في حاء حيّ ، لاستثقال الضمّة قبل الياء الساكنة وليس كذلك حيّ لأنّها فتحة وهي قبل الياء غير مستكرهة.

واعلم أنّ الادغام إنما يقع فيما حركته لازمة (٥) نحو : حيّ لأنّ فتح آخر الفعل الماضي لازم فلذلك حسن الإدغام في حيّ بخلاف ما لم تلزم حركته فإن الادغام لا يجوز فيه ، ويجب فكّه مثل مضارع المضاعف المذكور نحو : لن يحيى ، ولن يستحيي ولن يحايي ، لأنّ من شرط المدغم فيه أن يكون متحركا والياء في المضارع المذكور ساكنة في الرفع ، محذوفة في الجزم ، والفتحة في النصب عارضة لأنّها حركة إعراب تزول في الرفع والجزم فلا اعتداد بها ، لأنّ الحركة العارضة كالمعدومة بخلاف فتحة آخر الماضي فإنّها فتحة لازمة فلذلك أدغم حيّ في الماضي للحركة اللازمة ، ولم يدغم في المضارع لعدم اللزوم (٦).

__________________

(١) الكتاب ، ٤ / ٣٩٦ والمقتضب ، ١ / ١٨١.

(٢) البيت لعبيد بن الأبرص ورد في ديوانه ٧٨ برواية :

برمت بنو أسد

كما برمت ببيضتها الحمامة

وورد منسوبا له في شرح المفصل ، ١٠ / ١١٤ ـ ١١٥ ولسان العرب ، حيا وشرح شواهد الشافية ، ٤ / ٣٥٧ وورد من غير نسبة في الكتاب ، ٤ / ٣٩٦ والمقتضب ، ١ / ١٨٢ والمنصف ، ٢ / ١٩١ برواية النعامة.

(٣) أي معوج ، اللسان ، لوى.

(٤) الكتاب ، ٤ / ٤٠٤.

(٥) المفصل ، ٣٩٢.

(٦) المقتضب ، ١ / ١٨٢.

٣٠٢

واعلم أنّ إدغام ما ذكر ليس بلازم بل يجوز فيه الإظهار لأنّ هذه اللّام قد تسكّن وقد تحذف في المضارع كما تقدّم فليست مما تلزمها الحركة في كلّ حال كالصحيح نحو : شدّ لأنّ الدّال لا تحذف بوجه فتقول على الإظهار في الواحد : حيي زيد وفي الجمع حيوا كما تقول : عموا (١) قال الشّاعر : (٢)

وكنّا حسبناهم فوارس كهمس

حيوا بعد ما ماتوا من الدّهر أعصرا

والأصل : حييوا ، فحذفت ضمة الياء الثانية تخفيفا فالتقى ساكنان هي والواو فحذفت الياء وضمّت الياء الباقية وهي الأولى لأجل الواو بقي : حيوا.

وإذا بنيت من هذه الأفعال فعل ما لم يسمّ فاعله جاز في أحيي من أحيا ، وفي استحيي من استحيا وفي حويي من حاياه يحاييه الإظهار كالأمثلة المذكورة والإدغام كقولك أحيّ واستحيّ وحوّي لكون حركتها لازمة (٣) وقالوا في جمع حياء نحو حياء الناقة : أحيّة بالإدغام وأحيية بالإظهار (٤) وكذلك يقال في جمع عيي أعيّاء بالإدغام وأعيياء بالإظهار (٥) وأمّا قوي نحو : قوي زيد على كذا / فهي مثل عيي في أحد وجهيه وهو ترك الإدغام وأصله قوو على فعل فقلبت الواو المتطرفة ياء لانكسار ما قبلها بقي : قوي فلم يلتق مثلان فلم يكن مثل عيّ في الوجه الآخر الذي هو الإدغام (٦).

ذكر حكم الواو عينا ولاما وهو مضاعف الواو (٧)

إذا كانت عين الفعل ولامه واوين فلا يجيء إلّا على فعل بكسر العين ، لتنقلب

__________________

(١) الكتاب ، ٤ / ٣٩٦ والمنصف ، ٢ / ١٩٠.

(٢) البيت لأبي حزابة الوليد بن حنبقة ورد منسوبا له في لسان العرب ، حيا وشرح شواهد الشافية ، ٤ / ٣٦٣ وورد من غير نسبة في الكتاب ، ٤ / ٣٩٦ والمقتضب ، ١ / ١٨٢ والمنصف ، ٢ / ١٩٠ ، وشرح المفصل ، ١٠ / ١١٦ كهمس : وهو كهمس بن طلق الصريمي ، وكان من جملة الخوارج مع بلال بن مرداس.

(٣) المنصف ، ٢ / ١٨٨.

(٤) المفصل ، ٣٩٢.

(٥) في الكتاب ، ٤ / ٣٩٧ : وسمعنا بعض العرب يقول : أعيياء وأحيية فيبين وانظر المنصف ، ٢ / ١٩١ وشرح المفصل ، ١٠ / ١١٨.

(٦) شرح المفصل ، ١٠ / ١١٨ ـ ١١٩.

(٧) المفصل ، ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

٣٠٣

اللام ياء لانكسار ما قبلها استثقالا لاجتماع الواوين كقولهم : قويت والأصل : قووت على فعلت فانكسر ما قبل الواو الأخيرة فانقلبت ياء صار قويت ، ولو بنوا من القوّة نحو : غزوت وسروت على فعلت بفتح العين وفعلت بضمّها لسلمت الواو ولزم أن يقولوا قووت أو قووت وهو مستثقل لأنّهم إذا كرهوا اجتماع الياءين فهم لاجتماع الواوين أكره كقولهم : حيوان (١) وأصله حييان فقلبوا الياء الثانية واوا لقربها من الطرف مع أنهم قلبوا الأخفّ إلى الأثقل (٢) كراهة للتضعيف في الياء واجتماع الواوين أثقل من اجتماع الياءين لأنّهم قد استثقلوا الواو الواحدة في نحو : شقيت ورضيت والأصل : شقوت ورضوت فبنوا الماضي على فعل فانقلبت الواو ياء فيهما لانكسار ما قبلها صار : شقيت ورضيت ، وإنما صحت الواو في قويت وحويت لاعتلال اللّام لئلا يجمعوا بين إعلالين في كلمة واحدة فأمّا إذا كانت العين واللّام واوين وسكّن ما قبل الواو الأخيرة فإنّها تصحّ كما صحّت في غزو ودلو وذلك نحو القوّة والحوّة (٣) والصّوّة (٤) والبوّ (٥) والصّوّ مما حصل فيه تضعيف الواو وإنما احتمل في ذلك ثقل التضعيف لأمرين :

أحدهما : تسهيل الادغام للتضعيف ، لأنّ اللسان ينطق بالمدغم دفعة واحدة بخلاف المظهر فإنه ينطق به دفعتين نحو : بتّ وبتت.

ثانيهما : أنّ هذا التضعيف وقع في الأسماء ، والأسماء محتملات لذلك ، لأنّها لا تتصرّف كما يتصرّف الفعل من الماضي إلى المستقبل (٦).

القول على كيفية بناء بعض الأبنية المعتلّة (٧)

إذا بني فعل من الحوّة ونحوها على افعالّ مثل : احمارّ قيل في فعله الماضي

__________________

(١) الكتاب ، ٤ / ٤٠٩ والمنصف ، ٢ / ٢١٠.

(٢) غير واضحة في الأصل.

(٣) حمرة تضرب إلى سواد ، اللسان ، حوى.

(٤) مختلف الريح وصوت الصدى أيضا ، اللسان ، صوى.

(٥) ولد الناقة ، وقيل : هو الحوار ، اللسان ، بوا.

(٦) المنصف ، ٢ / ٢١١ وشرح المفصل ، ١٠ / ١١٩.

(٧) المفصل ، ٣٩٣.

٣٠٤

احواوى ، والأصل احواوو بفتح الواو الأخيرة لوجوب فتح آخر الفعل الماضي وقبلها فتحة أيضا فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها صار احواوى ولم يقولوا : احواوّ بالإدغام لفوات المثلين لانقلاب الواو الأخيرة ألفا كما ذكرنا فلم يدغم لذلك ، كما لم يدغم في قوي لفوات المثلين وهذا التعليل أسدّ مما ذكره في المفصّل (١) فإنه قال ما معناه : إنّهم لو أدغموا في احواوى الماضي لأدغموا في المضارع فيلزم أن تضمّ الواو في يحواوّ المضارع لوجوب تحريك الحرف المدغم فيه فكان يلزم ضمّ الواو في يحواو في الرفع وهم / يستثقلون الضمّة على الواو ولذلك قالوا : هو يغزو ويسرو ، فأسكنوها رفعا في المضارع استثقالا لضمّها فلو أدغموا نحو : يحواوّ لوقعوا فيما فروا منه وهو تعليل ليس بطائل ، لأنّه كان من الجائز أن يدغموا في احواو الماضي دون المضارع كما أدغموا حيي الماضي فقالوا حيّ زيد ، دون المضارع الذي هو : يحيى على ما تقدّم ، وأمّا مصدر نحو : احواوى فيجيء على وجهين : (٢)

أحدهما : احويواء على وزن افعيعال والأصل : احويواي مثل اشهيباب فقلبوا الياء الأخيرة المتطرفة همزة كما قلبت في كساء وعلى هذا فقد اجتمع في المصدر المذكور أعني احويواء الياء والواو الثانية وسبقت إحداهما بالسكون ومع ذلك لم تقلب الواو ياء وتدغم الياء في الياء على القاعدة قالوا : لأنّه مثل سوير الأمير لأنّ الياء في المصدر المذكور بدل من الألف الأولى في احواوى الفعل ، فإنها انقلبت ياء لانكسار ما قبلها في المصدر كما أنها في سوير بدل من الألف في سائر.

ثانيهما : احويّاء وهو مذهب سيبويه (٣) وذلك أنه لما اجتمعت الياء والواو الثانية في احويواء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء على القاعدة بقي : احويّاء. وإذا بني من الحوّة ونحوها فعل على افعللت مثل احمررت قيل : احوويت ويجيء مصدره على وجهين أيضا :

أحدهما : احوواء مثل اقتتالا فكما لم يدغموا في اقتتال لم يدغموا في احوواء.

__________________

(١) هذا تعليل ابن الحاجب في إيضاحه ، ٢ / ٤٧٤ إذ قال بعد رده على الزمخشري ما نصه : «فالوجه ما ذكرناه من أن امتناع الإدغام إنما يكون لأنه لم يلتق مثلان ، وهذا جار في كل ما كان على هذا الوجه».

(٢) المنصف ، ٢ / ٢٢١.

(٣) الكتاب ، ٤ / ٤٠٤ والمقتضب ، ١ / ١٧٧.

٣٠٥

ثانيهما : حوّاء مثل قتّالا ، وهو مذهب الأخفش فإنه نقل حركة الواو الأولى من احوواء إلى الحاء فاستغني عن همزة الوصل وأدغمت الواو في الواو بقي حوّاء كما فعلوا في اقتتال فصار قتّالا.

الفصل التاسع في الإدغام (١)

وهو بتشديد الدّال في عبارة البصريين وبتخفيفها في عبارة الكوفيين (٢) والإدغام في اللغة إدخال شيء في شيء ، ولذلك سمّي هذا الباب إدغاما حيث كان اتصال الحرفين بالإدغام كأنّه إدخال حرف في حرف ، وأمّا في الاصطلاح فهو تشديد حرف متحرك لفظا أو حكما بإيصال ساكن قبله من جنسه (٣) والغرض به طلب التخفيف لأنّ المثلين يثقل النطق بهما لأنك تعود إذا نطقت بالثاني إلى موضع الأول ، ولذلك شبّه النّطق بهما بمشي المقيّد ، فإذا أدغم أحدهما في الآخر ارتفع اللسان بهما دفعة واحدة (٤) والمدغم والمدغم فيه أبدا حرفان ، الأول ساكن والثاني متحرك لأنّ الأوّل إذا تحرّك امتنع اتصاله بالثاني ، لأنّ الحركة تحول بينهما لأنّ محلّ الحركة من الحرف بعده ، وجميع الحروف تدغم ويدغم فيها إلّا الألف لأنّها ساكنة أبدا فلا يمكن إدغام ما قبلها فيها لسكونها / ولا إدغامها فيما بعدها ، لأنّها ليس لها مثل متحرك والتقاء المثلين على ثلاثة أضرب (٥) :

أحدهما : أن يسكّن الأوّل ولم يكن حرف مدّ ويتحرّك الثاني ، فيجب الإدغام ضرورة إذ لا حاجز بينهما من حركة وغيرها فيشتدّ ازدحامهما في المخرج فيجب الإدغام نحو : لم يبرح حاتم ولم أقل لك ، فأمّا إذا كان الأوّل حرف مدّ من كلمة أخرى ، فإنه لا يدغم في مثله على المختار نحو قوله تعالى : (قالُوا وَأَقْبَلُوا)(٦)

__________________

(١) المفصل ، ٣٩٣.

(٢) شرح المفصل ، ١٠ / ١٢١.

(٣) الكتاب ، ٤ / ٤١٧.

(٤) الممتع ، ٢ / ٦٣١.

(٥) المفصل ، ٣٩٣.

(٦) من الآية ٧١ من سورة يوسف.

٣٠٦

لزوال المدّ بالإدغام.

ثانيهما : أن يتحرّك الأوّل ويسكّن الثاني فيمتنع الإدغام كقولك : ظللت ، ورسول الحسن ، لأنّ حركة الحرف الأول تفصل بين المتجانسين ، فيتعذّر الاتصال وقد حكى قوم من بني بكر بن وائل : أنّهم يسكّنون الأول المتحرك ويحركون الثاني الساكن ويدغمون لثقل اجتماع المثلين (١) فيقولون في مثل رددن ومررن : ردّن ومرّن (٢).

ثالثها : أن يتحرّكا وهو على ثلاثة أوجه : ما يجب فيه الإدغام ، وما يجوز ، وما يمتنع.

ذكر ما يجب فيه الإدغام (٣)

وهو أن يلتقيا في كلمة واحدة وليس أحدهما للإلحاق ولا في معنى الانفصال ، ولم يؤدّ الإدغام إلى لبس ولم يكن قبل الأول ساكن ، فإذا حصلت هذه الشرائط وجب الادغام نحو ، ردّ ويردّ ، وفرّ يفرّ واحمرّ يحمرّ وما أشبهها إلّا إذا اضطر الشاعر فيردّه إلى الأصل كقوله : (٤)

مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي

أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا

ذكر ما يجوز فيه الإدغام والإظهار (٥)

وهو أن يكون المثلان المتحركان منفصلين أي في كلمتين وأن يكون ما (٦) قبلهما إما متحركا أو حرف مدّ نحو : هو ينعت تلك ، والمال لزيد ، وثوب بكر ، لقيام

__________________

(١) الكتاب ٣ / ٥٣٥ وشرح الشافية ، ٣ / ٢٤٥.

(٢) في حاشية ابن جماعة ، ١ / ٣٣١ ولا يؤبه بهؤلاء ولا يعتد بلغتهم.

(٣) المفصل ، ٣٩٣.

(٤) البيت لقعنب بن أمّ صاحب ورد منسوبا له في الكتاب ، ١ / ٢٩ ـ ٣ / ٣١٦ ـ ٥٣٥ والنوادر ، ٤٤ والمنصف ، ٢ / ٣٠٣ ولسان العرب ، ضن وورد من غير نسبة في المقتضب ، ١ / ١٤٢ ـ ٢٥٣ ـ ٣ / ٣ / ٣٥٤ والخصائص ، ١ / ٢٥٧ والمنصف ، ١ / ٣٣٩ ـ ٢ / ٦٩ وشرح الشافية للجاربردي ، ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، وقد قال سيبويه ، ١ / ٢٩ : واعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أجروه على الأصل.

(٥) المفصل ، ٣٩٣.

(٦) زيادة يقتضيها السياق.

٣٠٧

حرف المدّ مقام الحركة لأنّ زمانه أطول من زمان غيره ، فإن سكّن ما قبلهما ولم يكن الساكن حرف مدّ ، لم يجز الإدغام لأنك تسكّن الحرف الذي تحاول إدغامه ، وقبله ساكن غير مدّة فيجتمع ساكنان على غير حدّه ، ومما يجوز فيه الإدغام والإظهار أيضا أن يكون المتحركان بالشرائط المذكورة في حكم الانفصال نحو : اقتتل فمن أدغم نقل حركة التاء الأولى إلى القاف وأدغم التاء في التاء فتسقط همزة الوصل للاستغناء عنها فيبقى : قتّل (١) ويجوز فيه فتح القاف وكسرها ، وإنّما جاز في ذلك الإدغام والإظهار لجريانه مجرى المتصلين من وجه ، ومجرى المنفصلين من وجه ، أما وجه الاتصال فلأنّ تاء الافتعال وتاء قتل التي هي عين الفعل مثلان في كلمة واحدة فجاز الإدغام لاجتماع المثلين في كلمة واحدة ، وأمّا وجه الانفصال فلأنّ تاء الافتعال اتفق في اقتتل أنّه وقع بعدها مثلها ، وليس ذلك مطردا ، فإنه / لا يلزم أن يكون بعدها تاء أبدا فإنه قد يقال : اقتسم وافتقر فكانتا كالمنفصلين في نحو : أنعت تلك ، إذ قد يكون معها غير التاء نحو : اضرب تلك فمن أظهر فلهذا ، أعني لكونهما في حكم المنفصلين.

ذكر ما يمتنع فيه الإدغام (٢)

وهو على ثلاثة أضرب :

فالأول : أن يكون أحدهما للإلحاق نحو : قردد وجلبب فإنهما ملحقان بجعفر ودحرج فلو أدغم لخرج عمّا ألحق به فيمتنع الإدغام لذلك.

والثاني : أن يؤدي فيه الادغام إلى لبس مثال بمثال نحو : سرر (٣) وطلل (٤) وجدد (٥) فلو أدغم بقي : سرّ وطلّ وجدّ فيلتبس فعل بضمّ العين بفعل بتسكين العين فيمتنع لذلك (٦).

الثالث : أن ينفصلا ويكون ما قبل الأول حرفا ساكنا غير مدّة نحو : قرم ملك

__________________

(١) الممتع ، ٢ / ٦٣٨.

(٢) المفصل ، ٣٩٣.

(٣) جمع سرير وكذا أسرة ، اللسان ، سرر.

(٤) ما شخص من آثار الديار ويجمع على أطلال وطلول ، اللسان ، طلل.

(٥) جمع جديد ، كسرير وسرر : اللسان ، جدد.

(٦) الممتع ، ٢ / ٦٤٤ ـ ٦٤٥.

٣٠٨

وعدوّ وليد ، فيمتنع لاجتماع الساكنين لا على شرطه لأنّك لو أدغمت ميم قرم في ميم ملك لالتقت راء قرم والميم الأولى على غير شريطة اجتماع الساكنين ، وهذا قول النحويين ، والقرّاء مطبقون على صحّة إدغام مثل ذلك (١) ويقع الإدغام في المثلين وفي المتقاربين لكن بعد جعلهما مثلين ، ليمكن الادغام ، ومعرفة التقارب والتباعد يبتنى على معرفة مخارج الحروف فلذلك وجب ذكرها.

القول على مخارج الحروف (٢)

وهي ستة عشر مخرجا في جليل النّظر ، وأمّا في دقيق النّظر فلكلّ حرف مخرج فللهمزة والهاء والألف اللينة أقصى الحلق وهو أول المخارج ، وللعين والحاء أوسط الحلق وهو ثانيها ، وللعين والخاء أدنى الحلق إلى الفم وهو ثالثها ، وللقاف أقصى اللسان فما فوقه من الحنك الأعلى وهو رابعها ، وللكاف من اللسان والحنك ما يلي مخرج القاف وهو خامسها ، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما يحاذيه من وسط الحنك الأعلى وهو سادسها ، وللضاد أول حافّة اللسان وما يليها من الأضراس وهو سابعها (٣) ، وللّلام ما دون أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى فويق الضّاحك والناب والرباعيّة والثنية وهو ثامنها ، وللنون ما بين طرف اللسان وبين فويق الثّنايا وهو تاسعها ، وللرّاء ما هو أدخل في ظهر اللّسان قليلا من مخرج النون منحرفا إلى مخرج الّلام وهو عاشرها ، وللطّاء والدّال والتّاء ما بين طرف اللسان وأصول الثنايا وهو حادي عشرها ، وللصّاد والسين والزاي ما بين طرف اللّسان والثنايا وهو ثاني عشرها ، وللظاء والذال والثاء ما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا وهو ثالث عشرها ، وللفاء بطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا وهو

__________________

(١) ترى حديثا مسهبا حول هذا الخلاف في إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٧٨ وقد انتهى ابن الحاجب منه إلى القول : إنّ الرجوع إلى القراء أولى. وانظر لذلك شرح المفصل ، ١٠ / ١٢٣ ومناهج الكافية ، ٢ / ٢٣٥ وشرح الشافية للجاربردي ، ١ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

(٢) المفصل ، ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٣) قال ابن الحاجب في إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٠ : «وسواء أخرجها من الجانب الأيمن أو الأيسر على حسب ما يسهل لبعض الأشخاص فيها دون بعض ، وأكثر الناس على إخراجها من الجانب الأيسر» ولم يصرح الزمخشري بواحد منهما وانظر الكتاب ، ٤ / ٤٣٢.

٣٠٩

رابع عشرها ، وللباء والميم والواو ما بين الشفتين وهو خامس عشرها ، فهذا الذي عدّه صاحب المفصّل وهو خمسة عشر مخرجا ، وترك السادس عشر وهو الخيشوم وله النون / الخفية كما ستذكر ، ولكن يشكل بإنحصار الحروف التسعة والعشرين في المخارج الخمسة عشر المذكورة فلم يبق شيء من التسعة والعشرين حتّى يكون مخرجه هو السادس عشر (١).

ذكر عدد الحروف (٢)

قال الزمخشريّ : وهو يرتقي إلى ثلاثة وأربعين حرفا ، فالأصول تسعة وعشرون على ما هو المشهور (٣) أولها : الهمزة وصوّرت بصورة الألف ، وصورتها وصورة الألف اللينة واحدة ، كالباء والتاء فاللفظ مختلف والصورة واحدة ، وكان المبرّد يعدّ الحروف ثمانية وعشرين حرفا أولها الباء وآخرها الياء ويدع الهمزة ويقول : لا صورة لها لأنّها تكتب تارة واوا وتارة ياء وتارة ألفا فلا تعدّ مع التي أشكالها محفوظة معروفة (٤) والصواب : أنّ الهمزة من حروف المعجم ، وصورتها الألف على الحقيقة وإنّما كتبت بغير الألف إذا خففّت ألا ترى إذا وقعت أولا لم تكتب إلّا ألفا نحو : أعلم أحمد أترجّة ، وذلك لمّا وقعت أولا ولم يمكن تخفيفها ، فأمّا الألف اللينة التي في نحو : قال وباع فلا يمكن النطق بها منفردة فإنّها مدّة ولا تكون إلّا ساكنة (٥) وتتتفرّغ من هذه التسعة والعشرين ستة أحرف مأخوذ بها في القرآن وفي كلّ كلام فصيح ، وثمانية أحرف مستهجنة غير مأخوذ بها في اللغة الفصيحة.

أما الستة المأخوذ بها في اللغة الفصيحة فالنون الخفيفة وتسمّى الخفيّة وهمزة

__________________

(١) قال ابن الجزري في النشر ، ١ / ١٩٨ : وقد أختلفوا في عددها فالصحيح المختار عندنا وعند من تقدمنا أنها سبعة عشر مخرجا ، وقال كثير من النحاة والقراء : هي ستة عشر فأسقطوا مخرج الحروف الجوفية ، التي هي حروف المدّ ، والميم وجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق والواو من مخرج المتحركة وكذلك الياء وذهب قطرب والجرميّ والفراء وابن دريد وابن كيسان إلى أنها أربعة عشر فأسقطوا مخرج النون والّلام والراء وجعلوها من مخرج واحد وهو طرف اللسان ، والصحيح عندنا الأول. بتصرف.

(٢) المفصل ، ٣٩٤.

(٣) العين ، للخليل ، ١ / ٦٤ والكتاب ، ٤٣١ ـ ٤٣٤.

(٤) المقتضب ، ١ / ١٩٢ وسر الصناعة لابن جني ، ٤٦.

(٥) سر الصناعة ، ٤٦ ـ ٤٨.

٣١٠

بين بين وألف التفخيم وألف الإمالة ، والشين التي كالجيم ، والصّاد التي كالزاي (١).

أمّا النون الخفيفة : فالمراد بها النون الساكنة في نحو : منك وعنك ومخرجها من الخيشوم وإنّما تخرج من الخيشوم إذا وليها حرف من خمسة عشر حرفا وهي القاف والكاف والجيم والشين والصّاد والضّاد والسين والزاي والطّاء والدّال والباء والظّاء والذّال والثّاء (٢) والفاء ، فإنّ النون متى سكّنت وكان بعدها حرف من هذه الحروف فهي النون الخفيفة ، ومخرجها من الخيشوم ولا علاج للفم في إخراجها لاختلالها بإمساك الأنف ، والخيشوم الذي هو مخرجها هو أقصى داخل الأنف حيث ينجذب إلى داخل الفم فإن لم يكن بعدها حرف أو كان ولكن من غير الخمسة عشر المذكورة فهي التي من الفم وليست بالخفيفة (٣).

وأمّا همزة بين بين فهي التي تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها ، فالمكسورة تكون بين الهمزة والياء ، والمضمومة بين الهمزة والواو ، والمفتوحة بين الهمزة والألف ، فعلى ذلك تكون همزة بين بين ثلاثة أحرف فتصير الحروف المتفرعة المأخوذ بها في اللغة الفصيحة ثمانية لا ستة وإذا انضمت الثمانية إلى التسعة والعشرين صارت سبعة وثلاثين.

وأما ألف التفخيم : فهي التي ينحى بها نحو الواو كقولهم : الصلوة والزكوة / وكتبت بالواو تنبيها على ذلك (٤).

وأمّا ألف الإمالة وتسمّى ألف الترخيم (٥) : لأنّ الترخيم تليين الصوت وتنقيص (٦) الجهر فيه ، وهي التي ينحى بها نحو الياء كقولك : عالم وأمّا الشين التي كالجيم ففي نحو : أشدق إذا أشربتها صوت الجيم لأنّ الشين حرف مهموس رخو

__________________

(١) الكتاب ، ٤ / ٤٣٢ ـ والمقتضب ، ١ / ١٩٤ وشرح الشافية ، ٣ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٢) غير واضحة في الأصل. وانظر شرح المفصل ، ١٠ / ١٢٦.

(٣) نقل الرضي عن السيرافي قوله : ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم مع هذه الخمسة عشر لأمكن بعلاج وعسر. شرح الشافية ، ٣ / ٢٥٥ وانظر الكتاب ، ٤ / ٤٣٢.

(٤) وهي لغة أهل الحجاز ، ومن يليهم من العرب ، ومن يليهم من ناحية العراق إلى الكوفة وبغداد ، الكتاب ، ٤ / ٤٣٢ وابن جماعة ، ١ / ٣٣٩.

(٥) قال الجاربردي ، ١ / ٣٣٩ : ويسميه سيبويه ألف الترخيم ، لأن الترخيم تبيين الصوت ونقصان الجهر فيه.

(٦) غير واضحة في الأصل.

٣١١

والدّال مجهور شديد فتباينا ، فقرّب بينهما بإشراب الجيم لأنّها قريبة من مخرج الشين وموافقة للدّال في الشّدّة والجهر. وأمّا الصّاد التي كالزاي فكقولك في مصدر : مصدر بإشمام الصّاد الزاي للمناسبة على نحو ما تقدّم.

وأمّا الثمانية المستهجنة (١) وهي التي لا يؤخذ بها في اللغة الفصيحة (٢) :

١ ـ الكاف التي كالجيم قالوا : وهي في لغة بعض اليمن (٣) يقولون في جمل : كمل.

٢ ـ الجيم التي كالكاف : وهي مثل الكاف التي كالجيم وهما جميعا شيء واحد ، إلّا أن أصل أحدهما الكاف ، وأصل الآخر الجيم وهما مما يعسر تحقيقهما فإنّ إشراب الكاف صوت الجيم وبالعكس متعذّر.

٣ ـ الجيم التي كالشين وعكسها وتقع في الجيم الساكنة إذا كان بعدها تاء أو دال نحو : اجتمعوا والأجدر ، وإنّما كانت الجيم كالشين مستقبحة وعكسها أعني الشين كالجيم مستحسن حسبما تقدم لأنّه كره اجتماع الشين والدال للتباين كما تقدّم في الحروف الستة المأخوذ بها في اللغة الفصيحة وكان إشمام الشين الجيم مستحسنا ولم يكره اجتماع الجيم مع الدال أو التاء لعدم التباين فلم يحسن إشمام الجيم الشين ، لأنّه انتقال إلى المباين فلذلك حسنت الشين التي كالجيم وقبحت الجيم التي كالشين.

٤ ـ الضاد الضعيفة (٤) : وهي تخرج من طرف اللسان وأطراف الثنايا فتخرج بين الضاد والظاء (٥) وقال ابن الحاجب (٦) : كما ينطق بها أكثر النّاس اليوم ، ممن

__________________

(١) المفصل ، ٣٩٤.

(٢) هي غير مستحسنة ولا كثيرة في لغة من ترتضى عربيته ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر ، الكتاب ، ٤ / ٤٣٢ وشرح الشافية ، للجاربردي ١ / ٣٣٩.

(٣) وفاشية في لغة البحرين ، شرح الشافية ، ٣ / ٢٥٧.

(٤) قال ابن الحاجب في إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٤ : ويعني التي لم تقو قوّة الضاد المخرجة من مخرجها ولم تضعف ضعف الظاء المخرجة من مخرجها فكأنها بينهما وانظر الكتاب ، ٤ / ٤٣٢.

(٥) قال الرضي في شرح الشافية ، ٣ / ٢٥٦ : قال السيرافي إنها لغة قوم ليس في لغتهم ضاد ، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها في العربية اعتضلت عليهم ، فربما أخرجوها ظاء لإخراجهم إياها من طرف اللسان وأطراف الثنايا وربما تكلّفوا إخراجها مخرج الضاد فلم يتأت لهم فخرجت بين الضاد والظاء.

(٦) إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٤.

٣١٢

يقصد الفرق بين الضّاد والظّاء.

٥ ـ الصاد التي كالسين : نحو قولك في صبغ : سبغ.

٦ ـ الطاء التي كالتاء : وهي التي تسمع من بعض الأعاجم كثيرا ، كقوله في طالب : تالب (١).

٧ ـ الظاء التي كالثاء : نحو قولك في. ظلم : ثلم (٢).

٨ ـ الباء (٣) التي كالفاء نحو قولك في : بور فور (٤) ، قال ابن الحاجب في شرح المفصل : وبقي حرف لم يتعرّض له ، وإن كان ظاهر الأمر أنّ العرب تتكلّم به وهي القاف التي كالكاف كما ينطق بها أكثر العرب اليوم (٥) وإذا ضممت هذه الثمانية والقاف التي كالكاف إلى السبعة والثلاثين ، صارت الحروف ستة وأربعين (٦).

القول على تقسيم الحروف بحسب صفاتها (٧)

وهي تنقسم إلى المجهورة والمهموسة والشديدة والرخوة وما بين الشديدة والرخوة ، والمطبقة والمنفتحة والمستعلية والمنخفضة ، وحروف القلقلة وحروف الصفير وحروف الذلاقة والمصمتة واللينة والمنحرف والمكرر والهاوي والمهتوت (٨).

__________________

(١) قال الجاربردي ، ١ / ٣٣٩ : وهي في لسان أهل العراق كثيرة كقولهم في طالت : ثالث وفي السلطان السلتان ، وينشأ ذلك من لغة العجم لأن الطاء ليست في لغتهم فإذا احتاجوا إلى النطق بشيء من العربية فيه طاء تكلفوا ما ليس من لغتهم فصعب نطقهم.

(٢) قال ابن جماعة ، ١ / ٣٣٩ زاد في التسهيل الظاء كالثاء نحو ثالم في ظالم. وانظر التسهيل ، ٣٢٠.

(٣) في الأصل : الثاء التي كالفاء ... في ثور والتصويب من الكتاب ، ٤ / ٤٣٢ والمفصل ، ٣٩٤ وإيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٤ والتسهيل ، ٣٢٠ وشرح المفصل ، ١٠ / ١٢٨ وشرح الشافية للجاربردي ومعه حاشية ابن جماعة ، ١ / ٣٣٩ والمساعد ، ٤ / ٢٤٥ وفي كثير من هذي المصادر «وهي كثيرة في لغة الفرس وغيرهم» انظر شرح الشافية ، ٣ / ٢٥٦.

(٤) البور جمع بائر ، وهو الهالك اللسان ، بأر ، وشرح الجاربردي ، ١ / ٣٣٩.

(٥) إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٤.

(٦) الكتاب ، ٤ / ٤٣٢.

(٧) المفصل ، ٣٩٤.

(٨) الكتاب ، ٤ / ٤٣٤ ـ ٤٣٦ والمقتضب ، ١ / ٢٩٤ وشرح المفصل ، ٢ / ٦٧١ ـ ٦٧٨ والممتع ، ٢ / ٦٧١ وشرح الشافية ، للجاربردي ، ١ / ٣٤٠ وشرح الشافية ، ٣ / ٢٥٧.

٣١٣

أمّا المجهورة :/ (١) فتسعة عشر حرفا ويجمعها النصف الثاني من هذا البيت مع النون والزاي وهو : (٢)

الكظم أعظم ما في المرء من خلق

إذ قدّ طبع غويّ ظالم ضجر

وهذا ترتيبها في النظم ، ألف ، ذال ، قاف ، دال ، طاء ، باء ، عين ، غين ، واو ، ياء ، ظاء ، ألف لام ، ميم ، ضاد ، جيم ، راء ، نون ، زاي ، وقد ذكر الألف مرتين والمراد بالألف الأولى الهمزة ، وبالثانية الألف اللينة التي لا يمكن النطق بها منفردة وإنّما سميت مجهورة لأنّها قوية مانعة للنّفس أن يجري معها عند النطق بها ولم تخرج إلّا بصوت قوي شديد.

وأمّا المهموسة : فعشرة أحرف ويجمعها : ستشحثك خصفه وهي : سين ، تاء ، شين ، حاء ، ثاء ، كاف ، خاء ، صاد ، فاء ، هاء ، وهي ما عدا المجهورة وهي ضد المجهورة لأنّها حروف ضعيفة يجري معها النّفس لضعفها عند النطق بها ألا ترى أنك إذا كررت بعض الجمهورة وجدت النّفس محصورا بحيث لا يحسّ مع النطق بها بشيء من النّفس نحو : ققق ، بخلاف المهموسة نحو ككك ، فإنك تجد النّفس معها كلها في حال النطق بها ، لأنّه لم يقو الاعتماد عليها في موضعها فيمنع النّفس كما منعته المجهورة (٣).

وأمّا الشديدة : فثمانية (٤) ويجمعها : أجدك قطبت وهي : ألف ، جيم ، دال ، كاف ، قاف ، طاء ، باء ، تاء ، ومعنى الشدّة انحصار صوت الحرف في مخرجه ولزومه له حتّى امتنع صوت غيره أن يجري معه عند النّطق به (٥).

وأمّا الرخوة : فثلاثة عشر حرفا (٦) وهي : تاء ، حاء ، ذال ، زاي ، سين ، شين صاد ، ضاد ، ظاء ، غين ، فاء ، هاء ، ومعنى الرخاوة ضد معنى الشدّة ويعرف التباين

__________________

(١) لم أهتد إلى قائله.

(٢) المفصل ، ٣٩٥.

(٣) الكتاب ، ٤ / ٤٣٤ وإيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٦ وشرح المفصل ، ١٠ / ١٢٩.

(٤) المفصل ، ٣٩٥.

(٥) الكتاب ، ٤ / ٤٣٤ والمقتضب ، ١ / ١٩٥ والممتع ، ٢ / ٦٧٢.

(٦) المفصل ، ٣٩٥.

٣١٤

بين الشديدة والرخوة أنك إذا وقفت على حرف من الحروف الشديدة نحو الجيم في نحو : الحجّ ، وجدت صوت الجيم واقفا منحصرا لازما لموضعه لا تقدر على مدّه ، وإذا وقفت على حرف من الرخوة وجدته بخلاف ذلك نحو : الطشّ فتجد الصوت به جاريا وتقدر على مدّه إذا شئت (١) والطشّ : المطر الضعيف.

وأمّا التي بين الرخوة والشديدة : فثمانية (٢) ؛ ويجمعها : لم يروّعنا (٣) وهي لام ، ميم ، ياء ، راء ، واو ، عين ، نون ، ألف ، وهي الألف اللينة ومعنى كونها بين الشدّة والرخاوة أنه ليس فيها ما في الشديدة من الانحصار ولا ما في الرخوة من الجريان واللين ، وإنّما هي بين ذلك ألا ترى أنّك إذا قلت : لم يتبع ووقفت على العين وجدت في الصوت انسلالا وامتدادا إلى موضع الحاء (٤).

وأمّا المطبقة : فأربعة (٥) وهي : صاد ، ضاد ، طاء ، ظاء ، وسميت مطبقة لانطباق مخرجها من الّلسان على ما حاذاه من الحنك فينحصر بين اللّسان والحنك الأعلى (٦) وأقواها في الإطباق الطّاء وأضعفها فيه / الظاء ، والصّاد والضّاد متوسطتان.

وأما المنفتحة (٧) : فجميع الحروف بعد المطبقة فتكون عدة المنفتحة خمسة وعشرين حرفا ، وإنّما سميت منفتحة لأنّها لا تنحصر بين اللّسان والحنك بل يبقى ما بين اللّسان والحنك مفتوحا عند النطق بها (٨) وبعضها ليس مخرجه من اللّسان وهو مع ذلك منفتح نحو : حروف الحلق.

__________________

(١) شرح الشافية ، ٣ / ٣٦٠.

(٢) المفصل ، ٣٩٥.

(٣) هي في الأصل مشددة ، قال ابن جماعة ، ١ / ٣٤٢ عن «لم يروعنا» ما نصه : الظاهر أن هذا الفعل من الرواية ، وقد جمعت أيضا في : ولينا عمر ولم يرعونا ، وجمعها ابن مالك في : لم يروعنا من الروع ، قال أبو حيان : وعدل عن قولهم. لم يروّعنا إلى لم يروعنا لأنه قصد أن لا يكرر حرفا قال : وهو لحظ حسن» وانظر التسهيل ، ٣٢٠ ومناهج الكافية ، ٢ / ٣٤١.

(٤) شرح المفصل ، ١٠ / ١٢٩.

(٥) المفصل ، ٣٩٥.

(٦) الكتاب ، ٤ / ٤٣٦.

(٧) المفصل ، ٣٩٥.

(٨) الكتاب ، ٤ / ٣٤٦.

٣١٥

وأمّا المستعلية : فسبعة (١) الأربعة المطبقة والخاء والغين والقاف والاستعلاء ارتفاع اللّسان إلى الحنك أطبقت أو لم تطبق.

وأمّا المنخفضة : فما عدا المستعلية فتكون اثنين وعشرين حرفا ومعنى الانخفاض ضد الاستعلاء أي أن اللسان لا يستعلى بها عند النطق إلى الحنك كما يستعلي بالمستعلية (٢).

وأمّا حروف القلقلة (٣) : فخمسة ويجمعها : قد طبج ، وهي : القاف والدّال والطّاء والباء والجيم ، والطّبج الضّرب على الشيء الأجوف ، والقلقلة ما يحسّ به عند الوقوف عليها من شدّة الصّوت المتصّعد من الصّدر مع الحفز والضّغط ، والحفز : الدّفع ، والضّغط : الزّحم ، وبعضها في ذلك أشدّ من بعض وأبينها في ذلك القاف ، وإنّما يظهر ذلك فيها عند الوقف فإذا وصلت لم يكن ذلك (٤).

وأمّا حروف الصفير (٥) : فثلاثة وهي : الزاي والسين والصاد ، وسميت بذلك لأنّ الصوت عند النّطق بها يشبه الصفير (٦).

وأمّا حروف الذّلاقة : فستة (٧) ويجمعها : مر بنفل ، والنّفل بتسكين الفاء : العطيّة وهي الميم والرّاء والباء والنون والفاء والّلام ، وسميت بذلك للاعتماد في إخراجها على ذلق اللّسان وهو طرفه (٨).

وأمّا المصمتة : (٩) فما عدا الذّلقيّة ، فتكون المصمتة ثلاثة وعشرين حرفا وسمّيت مصمتة لأنّه لا يكاد أن يتكلّم بكلمة رباعيّة أو خماسيّة مركّبة من المصمتة وحدها بل لا بدّ أن يكون فيها حرف من حروف الذّلاقة فمتى رأيت كلمة على تلك

__________________

(١) المفصل ، ٣٩٥.

(٢) الكتاب ، ٤ / ٤٣٦ والممتع ، ٢ / ٦٧٥ وشرح الشافية ، ٢ / ٢٦٢.

(٣) المفصل ، ٣٩٥.

(٤) شرح الجاربردي ، ١ / ٣٤٢.

(٥) المفصل ، ٣٩٥.

(٦) شرح المفصل ، ١٠ / ١٣٠.

(٧) المفصل ، ٣٩٥.

(٨) إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٨.

(٩) المفصل ، ٣٩٥.

٣١٦

العدة وليس فيها حرف من حروف الذلاقة فليست بعربيّة في الأصل (١) وذلك نحو : عسجد (٢).

وأمّا اللينة (٣) : فهي الواو والألف والياء وسميت باللينة لما فيها من قبول التطويل لصوتها وهو معنى اللّين فإذا وافقها ما قبلها في الحركة فهي حرف مدّ ولين ، فالألف حرف مدّ ولين أبدا ، والواو والياء بعد الفتحة حرفا لين ، والواو بعد الضمّة والياء بعد الكسرة حرفا مدّ ولين ، والألف أشدّها امتدادا لأنّه أوسع مخرجا (٤).

وأمّا المنحرف : (٥) فهو الّلام وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللّسان مع الصوت ، وسمي منحرفا لانحراف اللّسان فيه مع الصوت الخارج من ناحيتي مستدقّ اللّسان (٦).

وأمّا المكرر : فهو الراء (٧) سمي بذلك لتكرره عند الوقوف عليه فيتعثّر طرف اللّسان بما فيه من التكرير كقولك : سرّ ونحوه ، ويسمّى منحرفا أيضا لانحرافه إلى مخرج الّلام (٨).

وأمّا الهاوي : / فهو الألف (٩) والمراد به الألف اللينة لا الهمزة وسمّي الهاوي لأنّه صوت لا معتمد له في الحلق ولكن يهوي من مخرجه إذا مددته من غير عمل عضو فيه ، ويتسع مخرجه لهواء الصوت أشد من اتساع مخرج الياء والواو (١٠).

وأما المهتوت : فالتاء لضعفها وخفائها (١١) قال السّخاوي : كذا رأيته في نسخ

__________________

(١) الممتع ، ٢ / ٦٧٦ وشرح الشافية ، ٣ / ٢٦٢.

(٢) وهو الذهب.

(٣) المفصل ، ٣٩٥.

(٤) الكتاب ، ٤ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦.

(٥) المفصل ، ٣٩٥.

(٦) في إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٨٩ : والمنحرف اللام لأن اللسان عند النطق ينحرف إلى داخل الحنك ولذلك سمي منحرفا وجرى فيه الصوت ...

(٧) المفصل ، ٣٩٦.

(٨) الكتاب ، ٤ / ٤٣٥ وشرح الشافية ، ٣ / ٢٦٤.

(٩) المفصل ، ٣٩٦.

(١٠) الكتاب ، ٤ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦.

(١١) قال في المفصل ، ٣٩٦ : والمهتوت التاء لضعفها وخفائها.

٣١٧

المفصّل وأحسبه من غلط النقل (١) فإنّ المهتوت إنّما هو الهاء لضعفها وخفائها قال الخليل (٢) : ولو لا هتّة في الهاء لأشبهت الحاء ، والهتّ الإسراع في الكلام ، وأراد الخليل بهتّة الهاء العصرة التي قبلها دون الحاء (٣).

ذكر ألقاب الحروف المذكورة على رأي الخليل (٤)

وهو يسمي الكاف والقاف لهويتين لأنّ مبدأهما من اللهاة ، واللهاة : ما بين الفم والحلق (٥) والجيم والشين والضّاد شجريّة لأن مبدأها من شجر الفم وهو مفرجه أي مفتحه ، والصّاد والسين والزاي أسليّة لأنّ مبدأها من أسلة اللّسان أي رأسه ، والطّاء والدّال والتّاء نطعية ؛ لأنّ مبدأها من نطع الغار الأعلى ، والنطع بكسر النون ما ظهر من الغار الأعلى فيه آثار كالتحزيز ، والظّاء والذّال والثّاء لثوية لأنّ مبدأها من اللّثة وهي اللّحم الذي فيه الأسنان ، والرّاء والّلام والنون ذولقية ، لأنّ مبدأها من ذولق اللّسان ، وذولق اللسان وذلقه بتسكين اللّام واحد ، وهو طرفه والواو والفاء والباء والميم شفوية وشفهية ، فالشفوية على أنّ المحذوف هاء والأصل شفهة لجمعها على شفاه ، وتصغيرها على شفيهة ، والألف والواو والياء جوفاء واحدها أجوف ؛ لأنّ انقطاع مخرجهنّ آخره الجوف ، وزاد غير الزمخشريّ (٦) معهما الهمزة لاتصال مخرجها بالجوف أيضا.

القول على كيفيّة الإدغام (٧)

متى أريد إدغام حرف في حرف مقاربه فلا بدّ من قلب أحدهما إلى الآخر ، والقاعدة قلب الأوّل إلى لفظ الثاني ، ليصيرا مثلين ثم يدغم الأوّل في الثاني لاستحالة

__________________

(١) وممن ذهب إلى أن المهتوت هو التاء ، ابن الحاجب في إيضاح المفصل ، ٢ / ٤٩٠ وابن يعيش في شرحه ، ١٠ / ١٢٤ ـ ١٣١ والرضي في شرحه على الشافية ، ٣ / ٢٦٤ في حين نصّ صاحب الممتع ، على أن المهتوت هو الهاء ، ٢ / ٦٧٦ وتبعه الجاربردي ، ١ / ٣٤٤ ونقرةكار ، ٢ / ٢٤٣ ونبها على غلط المفصل.

(٢) العين ، ١ / ٦٤.

(٣) ما ذكره أبو الفداء عن المهتوت ، ذكره الجاربردي ، ١ / ٣٤٤. أيضا.

(٤) المفصل ، ٣٩٦.

(٥) وهي الهنة المطبقة في أقصى سقف الحلق ، الصحاح ، لها.

(٦) العين ، ١ / ٦٤.

(٧) المفصل ، ٣٩٦.

٣١٨

إدغام المقارب في مقاربه بدون القلب ، لأنّ الإدغام يصيّر الحرفين كحرف واحد ، ليحصل النطق بهما دفعة واحدة ، وذلك مع اختلاف الحرفين محال ، لأنّ لكلّ حرف منهما مخرجا غير الآخر ، فلذلك وجب قلب الأول وتسكينه إن كان متحركا ثمّ إدغامه كما إذا أردت إدغام الدّال في السين في قوله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ)(١) قلبت الدّال سينا وأسكنتها ثمّ أدغمتها في السين وقلت : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) وكذلك التاء في الطّاء في قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ)(٢) والمتقاربان (٣) حكمهما في الاتصال والانفصال كحكم المتماثلين فالمتصلان / ما كانا في كلمة واحدة والمنفصلان ما كانا في كلمتين ، فإن التقى المتقاربان في كلمة واحدة نظر فإن كان إدغامهما مما يؤدي إلى لبس لم يجز الإدغام نحو : كنية فلا يقال : كيّة بإدغام النون في الياء لئلا يلتبس فيظنّ أنه من مضاعف الياء ، وكذلك لا يقال في شاة زنماء : زمّاء وهي من المعز ما له لحية ، ولا في غنم زنم. زمّ لئلا يتوهم أنه مثل شمّاء وشمّ ولا في عتد ، وهو الشديد التّام الخلق : عدّ ، بقلب التاء دالا ، وإدغام الدّال ، لأنّه يلبس بالعدّ من العدد ، وكذلك لا يقال في وتد يتد : يدّ لتوالي إعلالين وهما حذف الواو من يوتد لوقوعها بين ياء وكسرة ثم قلب التاء (٤) إلى الدّال للإدغام ومن ثمّ لم يبنوا نحو ماضي وددت على الفتح لأنّهم لو بنوه على الفتح لقالوا في مضارعه يودد على يفعل بكسر العين وكان يجب حذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة فكان يبقى : يدد ثم يدغم فيبقى : يدّ فيتوالى إعلالان فلذلك قالوا : وددت بالكسر ليكون المضارع على يودد بالفتح ، فتسلم الواو مثل يوجل ، وقالوا في مصدر وطد ووتد : طدة وتدة ولم يقولوا : وطدا ووتدا ، لأنّه مستثقل إن لم يدغم ، وملبس إن أدغم إذ لو قلبوا الطاء والتاء في وطدا ووتدا ، وأدغموا لصار ودّا فيلبس بقولك : ودّ من غيره (٥) ، فأما إذا لم يلبس الإدغام (٦) فإنه حينئذ يجوز وذلك نحو : امّحى وهمّرش ، والأصل : انمحى وهنمرش

__________________

(١) من الآية ٤٣ من سورة النور.

(٢) من الآية ٧٢ من سورة آل عمران.

(٣) المفصل ، ٣٩٦.

(٤) في الأصل الثاء.

(٥) الكتاب ، ٤ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

(٦) المفصل ، ٣٩٦.

٣١٩

مثل : جحمرش فقلبوا النون وأدغموا لعدم اللّبس (١) والهنمرش : العجوز الكبيرة.

وإن التقى المتقاربان في كلمتين لم يقع بإدغامهما لبس ولا تغيير (٢) صيغة لأنّ اللّبس والتغيير إنما يقعان (٣) إذا كانا في كلمة واحدة لكن يشترط لصحّة الإدغام فيهما أن لا يكون قبل الحرف الذي (٤) تريد إدغامه ساكن صحيح ، لأنّك إن أدغمت وتركت الساكن على حاله جمعت بين ساكنين على غير حدّه وإن ألقيت عليه حركة الحرف الذي تريد أن تدغمه غيّرت بناء الكلمة ، فأمّا إن كان الساكن قبل الحرف المدغم حرف مدّ جاز الإدغام ، لأنّ المدّ عوض الحركة.

واعلم أنه ليس بمطلق أن كلّ متقاربين في المخرج يدغم أحدهما في الآخر (٥) ، ولا أنّ كلّ متباعدين يمتنع الإدغام فيهما فقد يعرض للمقارب من الموانع ما يحرمه الإدغام ، ويتفق للمتباعد من الخواصّ ما يسوغ إدغامه. أمّا ما لم يدغم من المتقارب للموانع :

فمنه : أنهم لم يدغموا حروف ضوي مشفر في مقاربها لكن يدغم مقاربها فيها ، فلا تدغم الميم في الباء نحو : أكرم بكرا ولا الشين في الجيم نحو : نقش جوهر ولا الفاء في الباء / نحو : أعرف بكرا ولا الراء في الّلام نحو : اختر له وكذلك لا يدغم في الضاد ولا في الواو ولا في الياء مقاربها لكن يدغم مقاربها فيها ، وإنما امتنع إدغام حروف ضوي مشفر في مقاربها لأنّها حروف فيها زيادة على مقاربها في الصوت فإدغامها يؤدي إلى الإجحاف بها ، وإبطال ما لها من الفضل على مقاربها ؛ ففي الميم غنة ليست للباء ، وفي الشين تفشّ واسترخاء ليس للجيم ، وفي الفاء تأفيف ليس في الباء ، والتأفيف هو الصوت الذي يخرج من الفم عقيب النطق بالفاء ، وفي الراء تكرير ليس في الّلام ، وفي الضاد استطالة ليست لشيء من الحروف (٦) وفي الواو والياء المدّ ، هذا هو المشهور عند النّحاة لكن القرّاء لا يوافقونهم عليه ، فإنه قد أدغمت

__________________

(١) الكتاب ، ٤ / ٤٥٥ وشرح المفصل ، ١٠ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) غير واضحة في الأصل.

(٣) في الأصل يقع.

(٤) في الأصل التي.

(٥) المفصل ، ٣٩٧.

(٦) شرح المفصل ، ١٠ / ١٣٤ والمصنف ينقل منه.

٣٢٠