كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ٢

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]

كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ٢

المؤلف:

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]


المحقق: الدكتور رياض بن حسن الخوّام
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9953-34-369-1

الصفحات: ٤٦١
الجزء ١ الجزء ٢

بعضهم : (١) إذا خففت لكن كانت حرف عطف فلم يجز معها ذكر الواو لامتناع دخول حرف العطف على مثله.

ذكر ليت (٢)

وتستعمل لإنشاء التمني كقوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ / الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ)(٣) وكقوله تعالى : (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا)(٤) وجوّز الفراء ليت زيدا قائما ، إجراء لها مجرى أتمنّى ، وجوّزه الكسائي أيضا لكن بتقدير كان أي ليت زيدا كان قائما وتمسّكا بقول الشّاعر : (٥)

يا ليت أيّام الصّبا رواجعا

وأجيب عنه : بأنّ رواجع منصوب على الحال من الضمير المقدّر في الخبر المحذوف أي يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا ، فرواجع حال من الضمير المستكن في لنا (٦).

ذكر لعلّ (٧)

وهي لإنشاء ترجّي وقوع أمر والفرق بين التمني والترجي ؛ أنّ الترجي لا يكون إلّا في الممكنات ، والتمني يكون في الممكنات والمستحيلات ، فإن الإنسان لا يترجّى الطيران وقد يتمناه ، وزعم أبو زيد أنّ من العرب من يجرّ بلعل (٨)

__________________

بالتشديد ونصب ما بعدها ، وانظر الاتحاف ، ١٤٤.

(١) ومنهم أبو حاتم على ما ذكر ابن يعيش ، ٨ / ٨٠ وانظر تفصيلا أوفى المغني ، ١ / ٢٩٣.

(٢) الكافية ، ٤٢٥.

(٣) من الآية ٧٩ من سورة القصص.

(٤) من الآية ٢٧ من سورة الأنعام.

(٥) الرجز للعجاج ورد في ملحقات ديوانه ، ٣ / ٨٢ وورد من غير نسبة في الكتاب ، ٢ / ١٤٢ وشرح المفصل ، ٨ / ٨٤ ومغنى اللبيب ، ١ / ٢٨٥ وهمع الهوامع ، ١ / ١٣٤.

(٦) شرح الوافية ، ٣٩٧ وإيضاح المفصل ، ٢ / ١٩٨ وشرح المفصل ، ٨ / ٨٤ والهمع ، ١ / ١٣٤.

(٧) الكافية ، ٤٢٥.

(٨) وهم بنو عقيل كما سيذكر بعد ، ولعل المجرور بها ثابتة اللام الأولى ، ومحذوفتها ، مفتوحة الأخيرة

١٠١

وأنشد (١) :

فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت مرّة

لعلّ أبي المغوار منك قريب

وهي لغة عقيليّة وأجابوا : بأنّ ذلك شاذّ (٢) وفيها لغات : لعلّ وعلّ ولعنّ وعنّ (٣).

ذكر حروف العطف (٤)

وهي عشرة : الواو والفاء وثمّ وحتّى وأو وإمّا (٥) وأم ولا ، وبل ولكن فأربعة وهي : الواو والفاء وثمّ وحتّى ، للجمع بين الثاني والأول في الحكم الذي نسب إلى الأول ، تقول : جاءني زيد وعمرو فتجمع الواو بين الرجلين في المجيء ، وتقول : زيد يقوم ويقعد ، فتجمع بين الفعلين في إسنادهما إلى ضمير زيد ، وتقول : زيد قائم وأخوه قاعد ، وهل قام بشر وسافر خالد ، فتجمع بين مضموني الجملتين في الحصول ، وكذلك : ضربت زيدا فعمرا ، وذهب عبد الله ثمّ أخوه ورأيت القوم حتّى زيدا ، ثم إنها تفترق بعد ذلك.

فالواو للجمع المطلق ليس فيها دلالة على أنّ الأول قبل الثاني ولا بالعكس ولا أنهما معا ، بل كلّ ذلك جائز (٦) ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا

__________________

ومكسورتها قال الصبان ، ٢ / ٢٠٤ فهذه أربع لغات يجوز الجر فيها ولا يجوز في غيرها من بقية لغات لعل.

(١) البيت لكعب بن سعد الغنوي وهو يرثي أخاه أبا المغوار ، ورد منسوبا له في الأصمعيات ٩٦ برواية لعلّ أبا ، ونوادر أبي زيد ، ٣٧ ولسان العرب جوب وشرح الشواهد ، ٢ / ٢٠٥ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٦٩١ وورد من غير نسبة في شرح الكافية ، ٢ / ٣٦١ ومغني اللبيب ١ / ٢٨٦ ـ ٢ / ٤٤١ وشرح ابن عقيل ، ٣ / ٤ وشرح التصريح ، ١ / ١٥٦ ـ ٢١٣ وهمع الهوامع ، ٢ / ٣٣ وشرح الأشموني ، ٢ / ٢٠٥. ويروى : جهرة ورفعة وثانيا مكان مرّة.

(٢) انظر ما قالوه حول هذا البيت في شرح الكافية ، ٢ / ٣٦١ والمغني ، ١ / ٢٨٦ والهمع ، ٢ / ٣٣.

(٣) بعدها مضروب عليه «ولغنّ وأنّ ولأنّ» وانظر لغاتها في الإنصاف ، ١ / ٢٢٤ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٦١.

(٤) الكافية ، ٤٢٥.

(٥) لم يعد الفارسي إما في حروف العطف لدخول العاطف عليها ، ووقوعها قبل المعطوف عليه. إيضاح المفصل ، ٢ / ٢١٢ وشرح المفصل ، ٨ / ١٠٤.

(٦) شرح الوافية ، ٣٩٩ وانظر الكتاب ، ٣ / ٤٢ ـ ٤ / ١٢٦ وشرح المفصل ، ٨ / ٩٠ ، ورصف المباني ، ٤١٠ والمغني ، ٢ / ٣٥٤ والهمع ، ٢ / ١٢٨.

١٠٢

الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا)(١) فالموت بعد الحياة مع أنه قدّمه عليها.

والفاء للجمع مع الترتيب أي أن الثاني بعد الأول بغير مهلة ، والأخفش يجوز وقوع الفاء زائدة (٢) خلافا لسيبويه (٣) وينشد (٤) :

لا تجزعي إن منفسا أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

فزيدت الفاء على عند ، لأنّ التقدير : فاجزعي عند ذلك ، وثمّ مثل الفاء إلّا أن بينهما مهلة وتراخيا (٥) وقد تجيء بمعنى الواو نحو : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ)(٦) وقيل زائدة (٧).

وأما حتى (٨) فللترتيب بمهلة لكنّ الواجب فيها أن يكون المعطوف بها جزءا من المعطوف عليه ، إمّا جزؤه الأفضل أو جزؤه الأضعف (٩) ، نحو : مات الناس حتى الأنبياء ، وقدم الحاجّ حتى المشاة وثلاثة وهي : أو وإمّا وأم لإثبات الحكم إمّا للمعطوف أو للمعطوف عليه ، مبهما أي لا على التعيين لكن أو وإما يقعان في الخبر

__________________

(١) من الآية ٢٤ من سورة الجاثية ، وذلك إخبار عن منكري البعث.

(٢) قال ابن هشام في المغني ، ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦ وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقا وحكى أخوك فوجد ، وقيّد الفراء والأعلم وجماعة الجواز يكون الخبر أمرا أو نهيا قال ابن برهان : تزاد الفاء عند أصحابنا جميعا كقوله. (البيت).

(٣) قال في الكتاب ١ / ١٣٨ ، ألا ترى أنك لو قلت : زيد فمنطلق لم يستقم.

(٤) تقدم الكلام على هذا الشاهد في ١ / ١٤٩.

(٥) بعدها في الأصل مشطوب عليه «وتجيء للتمكين في نفس المخاطب نحو : ثم كلا» وقوله : ثم كلا ، إشارة إلى الآيتين «كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون» ٤ ـ ٥ من سورة النبأ ففي الكشاف ، ٤ / ٦٨٤ ومعنى «ثم» الإشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الأول وأشد».

(٦) من الآية ١١٨ من سورة التوبة ونصها : وعلى الثلاثة الذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ... ثم تاب.

(٧) قال بذلك الأخفش والكوفيون وجعلوا تاب عليهم هو الجواب وثمّ زائدة ، وخرّجت الآية على تقدير الجواب أى فرج الله عنهم أو لجأوا إلى الله ثمّ تاب. إلخ فثمّ عاطفة على هذا المحذوف. وقيل : إذا بعد حتّى قد تجرّد عن الشرط وتبقى لمجرد الوقت فلا تحتاج إلى جواب بل تكون غاية بالفعل أي خلّفوا إلى هذا الوقت ثم تاب عليهم. انظر شرح المفصل ، ٨ / ٩٦ ومغنى اللبيب ، ١ / ١١٧ وهمع الهوامع ، ٢ / ١٣٢ وحاشية الصبان ، ٣ / ٩٥ ـ ٩٦.

(٨) الكافية ، ٤٢٥.

(٩) بعدها في شرح الوافية ٣٩٩ لأنها للغاية ، وانظر الإيضاح ، ٢ / ٢٠٧.

١٠٣

والأمر والاستفهام فمثالهما في الخبر / جاءني زيد أو عمرو ومنه قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(١). على أحد التأويلين ، والتأويل الثاني : مذهب الكوفيين ، أنّها بمعنى الواو (٢) ، وجاءني إمّا زيد وإمّا عمرو ، ومثالهما في الأمر : اضرب رأسه أو ظهره ، واضرب إمّا رأسه وإمّا ظهره ، ومثالهما في الاستفهام : ألقيت عبد الله أو أخاه! وألقيت إمّا عبد الله وإمّا أخاه ، والمشهور في أو وإمّا ، أنهما في الخبر للشك وفي الأمر للتخيير والإباحة فمثال الشكّ ما تقدّم من قولك جاءني زيد أو عمرو ، ومثال التخيير خذ هذا أو ذلك ، ومثال الإباحة : جالس الحسن (٣) أو ابن سيرين (٤) وقد تأتي أو في الخبر لغير الشك ، كقولهم : كنت بالبصرة آكل السمك أو التمر أي هذا مرّة وهذا مرّة ، ولم يرد به الشك وقد تكون أو بمعنى الواو (٥) كقول الشّاعر (٦) :

فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل

__________________

(١) من الآية ١٤٧ من سورة الصافات.

(٢) قال الأنباري في البيان ، ٢ / ٣٠٨ أو ، فيها أربعة أقوال :

١ ـ أن تكون للتخيير والمعنى أنهم إذا رآهم الرائي تخير في أن يعدهم مائة ألف أو يزيدون.

٢ ـ أن تكون للشك يعني أن الرائي إذا رآهم شك في عدتهم لكثرتهم.

٣ ـ أن تكون بمعنى بل.

٤ ـ أن تكون بمعنى الواو ، والوجهان الأولان مذهب البصريين ، والوجهان الآخران مذهب الكوفيين» وانظر الأمالي الشجرية ، ٢ / ٣١٨ والمغني ، ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ورصف المباني ١٣٢ والهمع ، ٢ / ١٣٤ وشرح الأشموني ، ٣ / ١٠٧.

(٣) هو الحسن بن يسار البصري تابعي كبير كان إمام أهل البصرة قرأ على حطّان بن عبد الله الرقاشي وروى عنه أبو عمرو بن العلاء وعاصم الجحدري توفي سنة ١١٠ ه‍ انظر ترجمته في غاية النهاية ، ١ / ٢٣٥ وحلية الأولياء ، للأصبهاني ، ٢ / ١٣١ وطبقات الحفاظ ، للسيوطي ، ٢٨ والأعلام ، ٢ / ٢٤٢.

(٤) هو محمد بن سيرين البصري الأنصاري ، مولى أنس بن مالك كان إمام زمانه في علوم الدين بالبصرة تفقّه وروى الحديث واشتهر بالورع وتعبير الرؤيا توفي سنة ١١٠ ه‍. انظر ترجمته في حلية الأولياء ، ٢ / ٢٦٣ وتاريخ اليعقوبي ، ٣ / ٥١ وطبقات الحفاظ ، ٣١ والأعلام ، ٧ / ٢٥.

(٥) قال ابن مالك في التسهيل ، ١٧٦ وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا. وانظر همع الهوامع ، ٢ / ١٣٤.

(٦) البيت لجعفر بن علبة الحارثي ، ورد منسوبا له في شرح ديوان الحماسة ، للمرزوقي ، ١ / ٤٥ وشرح شواهد المغني ، ١ / ٢٠٣ وورد من غير نسبة في المغني ، ١ / ٦٥ وهمع الهوامع ، ٢ / ١٣٤ وشرح الأشموني على الألفية ، ٣ / ١٠٧.

١٠٤

فأوهنا بمعنى الواو بدليل قوله : لا بدّ منهما (١) وتقع أو في النهي كقوله تعالى (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٢) أي لا تطع واحدا منهما ، فيكون معناها النهي عنهما معا (٣) والفرق بين أو وإمّا أن كلامك مع «أو» من أوله مبنيّ على صورة اليقين ثمّ يعترضه الشكّ نحو جاءني زيد أو عمرو وكلامك مع إمّا من أوله مبنيّ على الشّكّ لأنّه لا بد من تقدّم إمّا قبل المعطوف عليه تقول : جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو (٤) وأمّا أم فتكون متصلة ومنقطعة فالمتصلة تختصّ بالاستفهام فلا تستعمل في غيره ويلزم أن تستعمل مع همزة الاستفهام ، والأفصح أن يقع أحد الأمرين بعد الهمزة والآخر بعد أم نحو : أرجل في الدار أم امرأة ، ليتضح للمسؤول من أول الأمر المسؤول عن تعيينه ، ولا يحسن أن يفصل بين الهمزة وبين المسؤول عن تعيينه نحو : أفي الدار رجل أم امرأة ، ومن أجل أنّ أم المتصلة يليها أحد المستويين ويلي المستوى الآخر الهمزة ضعف أو امتنع أن يقال : أرأيت زيدا أم عمرا لكون ما يليهما مختلفا ؛ لأنّ ما يلي الهمزة فعل وما يلي أم اسم ، وذهب بعضهم إلى أنّ ذلك ليس يمتنع ولا ضعيف (٥) وإنّ سيبويه نصّ على جوازه وحسّنه (٦) ومنه قول الشاعر (٧).

ليت شعري نعمى أتهوين من يه

واك أم من رضيته بالشّباب

فأوقع بعد الهمزة فعلا وهو تهوين وبعد أم اسما وهو من ويجب أن يكون جواب قولك : أرجل في الدار أم امرأة ، تعيين لأحدهما لا ، لا ، ولا ، نعم (٨) لأنّ السائل عالم أنّ أحدهما في الدار لكن لا على التعيين بخلاف أو في قولك : أرجل في الدار أو امرأة فإنّ المتكلم متردد هل في الدار أحد أم لا ، فجوابه نعم أو لا ، ولو

__________________

(١) قال المروزوقي في شرحه على الحماسة ، ١ / ٤٦ وقوله : لا بدّ منهما أراد لا بدّ منهما على طريق التعاقب لا على طريق الجمع بينهما وإلّا سقط التخيير الذي أفاده أو من قوله : أو سلاسل.

(٢) من الآية ٢٤ من سورة الإنسان.

(٣) شرح الوافية ، ٤٠٠.

(٤) شرح الوافية ، ٤٠٠ والنقل منه.

(٥) المغني ، ١ / ٤١.

(٦) في الكتاب ، ٣ / ١٧٠ «ولو قلت : ألقيت زيدا أم عمرا كان جائزا حسنا».

(٧) لم أهتد إلى قائله ، ولم أر أحدا رواه.

(٨) شرح الوافية ، ٤٠٠.

١٠٥

أجبت بالتعيين كان الجواب وزيادة ، لأنّ أو ، لا / تقتضي وجود أحدهما وأم تقتضيه.

والمنقطعة (١) معناها معنى بل وهمزة الاستفهام ، وتستعمل مع الهمزة ، وتستعمل في الخبر والاستفهام ، أمّا الخبر فكقولك لشبح رأيته : إنّها لإبل قطعا ، فإذا حصل الشكّ في أنه شاء قلت : أم شاء قاصدا إلى الإضراب عن الإخبار الأول واستئناف سؤال ، فكأنك قلت : بل أهي شاء (٢) وأمّا الاستفهام فكقولك : أعندك زيد أم بكر؟ وكأنك سألت أولا عن حصول زيد ثم أضربت عنه إلى السؤال عن حصول بكر وجوابه لا أو نعم.

وثلاثة وهي لا وبل ولكن المخففة (٣) ، لإثبات الحكم لأحد الأمرين معينا ، فلا : لنفي ما وجب للأول عن الثاني نحو : جاءني زيد لا عمرو ، فثبت الأول ونفي الثاني.

وبل : للإضراب عن الأول موجبا كان أو منفيا نحو : جاءني زيد بل بكر ، إذا وقع الإخبار عن زيد ، غلطا ، ونحو : ما جاء زيد بل عمرو فيحتمل إثبات المجيء لعمرو مع تحقّق نفيه عن زيد ، ويحتمل أن يكون بيانا لمن نسب إليه المجيء المنفي أولا كما في الإثبات.

وأما لكن ، فإن وقع بعدها مفرد كانت للاستدراك ، ولزم تقدّم النفي عليها نحو : ما جاءني زيد لكن بكر (٤) وأجاز الكوفيون العطف بها بعد الإيجاب في المفردات وهو ضعيف (٥) وإن وقع بعدها جملة فيجوز أن تقع بعد النفي والإيجاب كما قيل في بل في عطف المفردات فمالثها في النفي : ما قام زيد لكن عمرو قام ، ومثالها في الإيجاب : قام عمرو لكن بكر لم يقم ، فهي أدّت لعطف جملة على جملة لمغايرة ما بعدها لما قبلها وقيل : التي تقع في الجمل ليست بعاطفة بل حرف ابتداء (٦) وقد

__________________

(١) الكافية ، ٤٢٦.

(٢) شرح الوافية ، ٤٠١ وانظر كتاب ، ٣ / ١٧٢.

(٣) الكافية ، ٤٢٦.

(٤) المغني ، ٢ / ٢٩٢ والهمع ، ٢ / ١٣٧.

(٥) الإنصاف ، ٢ / ٤٨٤.

(٦) رصف المباني ، ٢٧٦ والهمع ، ٢ / ١٣٧.

١٠٦

ظهر على الأفصح أن لكن في المفردات لا تكون إلّا بعد النفي وبل تقع بعد المنفي وبعد الموجب (١).

ذكر حروف التنبيه (٢)

وهي ثلاثة : ها وأمّا وألا ، والقصد منها تنبيه المخاطب بذكرها على ما يأتي بعدها من القول (٣).

أمّا أما وألا : فلا تدخلان إلّا على الجملة كقولك : أما زيد قائم ، وكقوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٤) وتحذف ألف أما في القسم نحو : أم والله لأفعلنّ ، لكثرة الاستعمال (٥).

وأما ها فتدخل على المفرد والجملة قال الله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)(٦) وها هو قائم ، وها زيد قائم ، وأمّا قولهم : ها أنذا ونحوه فحرف التنبيه داخل على الاسم المضمر عند سيبويه ، لأنّ أنا في ها أنذا ، هو الذي يلي حرف التنبيه وأمّا عند الخليل فداخل على المبهم أعني «ذا» والتقدير «أنا هذا» ففصل بالمضمر بين حرف التنبيه وبين المبهم (٧) وتدخل على أسماء الإشارة نحو : هذا وهذه وتدخل على المضمر نحو ما ذكرنا أعني ها هو ، وها أنت وها أنا ، وقيل : دخولها على أسماء الإشارة هو الأكثر ، لأنّ أسماء الإشارة لمّا كانت مبهمة تصلح لكلّ حاضر من حيوان وجماد / زيد عليها حرف التنبيه تقوية على تعيين ذلك المشار إليه بخلاف ها أنت فإنه لا يكون إلّا للمخاطب ، فلا يحتاج إلى التنبيه كما يحتاجه المبهم (٨).

__________________

(١) شرح الوافية ، ٤٠١ وانظر الانصاف ، ٢ / ٤٨٤ وشرح المفصل ، ٨ / ١٠٥

(٢) الكافية ، ٤٢٦.

(٣) شرح الوافية ، ٤٠١.

(٤) من الآية ، ٦٢ من سورة يونس.

(٥) شرح المفصل ، ٨ / ١١٦.

(٦) آل عمران ، ١١٩ وفي الأصل هؤلاء.

(٧) الكتاب ، ٢ / ٣٥٤ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٠ وشرح المفصل ، ٨ / ١١٦.

(٨) شرح المفصل ، ٨ / ١١٦.

١٠٧

ذكر حروف النّداء (١)

وهي : يا وأيا وهيا وأي والهمزة ، والمراد بها تنبيه المدعوّ ودعاؤه أي طلب إقباله ، فيا أعمّ هذه الحروف استعمالا ، لأنّها تستعمل في القريب والبعيد والمتوسط (٢) وأيا وهيا تختصّان بالمنادى البعيد ، وأي والهمزة بالمنادى القريب لكنّ الهمزة للمنادى الأقرب ، وأمّا وا فتختصّ بالمندوب (٣) حسبما تقدّم ذكره في أوائل الكتاب (٤).

ذكر حروف الإيجاب والتّصديق (٥)

وهي ستة : نعم وبلى وإي وأجل وجير وإنّ ، وإنّما سميّت حروف التصديق والإيجاب لأنّها مصدّقة لما سبقها ، فنعم لتصديق ما سبقها من الكلام وتقريره مثبتا كان أو منفيّا ، استفهاما كان أو خبرا ، تقول لمن قال : قام زيد ، أو ما قام زيد أو لم يقم زيد أو ألم يقم زيد : نعم ، تصديقا لما قاله هذا بحسب اللغة دون العرف ، ألا ترى أنه لو قيل لك : أليس لي عندك كذا مالا ، فقلت : نعم لألزمك القاضي به تغليبا للعرف ، وأمّا بحسب اللغة فلا يلزم شيء لأنّه تصديق لقول ليس لي عليك شيء.

وبلى مختصّة بإيجاب بعد النفي استفهاما كان ذلك أو خبرا تقول في جواب من يقول : لم يقم زيد أو ألم يقم زيد : بلى ، أي بلى قد قام زيد ، ومنه قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا : بَلى)(٦) أي بلى أنت ربّنا ، ولو قيل في الجواب : نعم كان كفرا (٧) لأنّ

__________________

(١) الكافية ، ٤٢٦.

(٢) شرح المفصل ، ٨ / ١١٨ والهمع ، ١ / ١٧٢.

(٣) وقد تنوب مقام يا في النداء والمشهور استعمالها في الندبة ، شرح الكافية ، ٢ / ٣٨١.

(٤) في ١ / ١٧٠.

(٥) الكافية ، ٤٢٦.

(٦) من الآية ١٧٢ من سورة الأعراف.

(٧) رواية عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنه ـ كما في المغني ، ٢ / ٣٤٦ ، وفي شرح المفصل ، ٨ / ١٢٣ هذا قول النحويين المتقدمين من البصريين ، وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أنه يجوز أن تقع نعم موقع بلى ، وهو

١٠٨

نعم مقررة لما قبلها نفيا كان أو إيجابا إلّا أن تحمل على العرف كما قلنا.

وإي بكسر الهمزة ، حرف للتحقيق وهي للإثبات بعد الاستفهام ، ويلزمها القسم قال الله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(١) فيلزم أن يقع قبلها الاستفهام ، وبعدها القسم.

والثلاثة الباقية وهي أجل وجير وإنّ ، تصديق للمخبر كقولك في جواب من يقول : أقام زيد : أجل أو جير أو إنّ ، واستشهادهم في إنّ على أنّها بمعنى نعم بقول الشّاعر (٢) :

ويقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت : إنّه

ضعيف ؛ لاحتماله إنّ الأمر كذلك ، وإنّما يظهر ذلك في قول ابن الزبير (٣) لمّا قال : ـ لمن قال له : لعن الله ناقة حملتني إليك ـ : إنّ وصاحبها (٤).

ذكر حروف الزيادة (٥)

وهي : الباء ومن وإن وأن وما ولا واللّام ، وإنّما سمّيت هذه الحروف حروف الزيادة لأنّها قد تقع زائدة (٦) ، والغرض من حروف الزيادة التأكيد والفصاحة أو غيرهما قال ابن السرّاج : (٧) إنّه لا زائد في كلام العرب لأنّ كلّ ما يحكم بزيادته

__________________

خلاف نص سيبويه. وانظر الهمع ، ٢ / ٧١.

(١) من الآية ٥٣ من سورة يونس.

(٢) البيت لعبيد الله بن قيس بن الرّقيّات ورد في ديوانه ، ٦٦ وورد منسوبا له في لسان العرب أنن وشرح شواهد المغني ، ١ / ١٢٦ وورد من غير نسبة في الكتاب ، ٣ / ١٥١ ـ ٤ / ١٦٢ وشرح المفصل ، ٣ / ١٣ ـ ٨ / ٦ ـ ٧٨ ـ ١٢٢ ـ ١٢٥ ورصف المباني ، ١١٩ ـ ١٢٤ ـ ٤٤٤ ومغنى اللبيب ، ١ / ٣٨ ، ٢ / ٦٤٩.

(٣) هو عبد الله بن الزبير بن العوّام أمّه أسماء بنت أبي بكر أحد العبادلة لازم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحدّث عنه عدة أحاديث ، وشهد اليرموك مع أبيه الزبير ، قتل أيام الحجّاج في مكة سنة ٧٣ ه‍ انظر أخباره في تاريخ ابن خلدون ، ٣ / ٨٧ وغاية النهاية ١ / ٤١٩ والإصابة لابن حجر ، ٢ / ٣٠٩.

(٤) شرح الوافية ، ٤٠٣.

(٥) الكافية ، ٤٢٦.

(٦) والمراد من الزائد أن يكون دخوله كخروجه والصلة والحشو من عبارات الكوفيين ، والزيادة والإلغاء من عبارات البصريين شرح المفصل ، ٨ / ١٢٨ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٤.

(٧) هو محمد بن سهل المعروف بابن السراج النحوي صحب المبرّد وروى عنه الزجاجي والسيرافي له من الكتب الأصول والموجز وكتاب الجمل توفي سنة ٣١٦ ه‍ انظر ترجمته في نزهة الألباء ، ٢٤٩ وإنباه الرواة ، ٣ / ١٤٥.

١٠٩

فإنّه يفيد التوكيد ، فهو داخل في قسم المؤكّد (١) فالباء ومن واللّام تقدّم ذكرها في حروف الجرّ (٢) وإن المكسورة الخفيفة تزاد بعد ما النافية لتأكيد النفي (٣) ويبطل عمل ما حينئذ ، كقول الشّاعر : (٤)

فما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

وكقول النّابغة :/ (٥)

ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه

إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي

وكقول امرىء القيس : (٦)

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صال

وتزاد أيضا بعد ما المصدريّة قليلا (٧) نحو : انتظرني ما إن جلس القاضي ، أي مدة جلوسه ، وكذلك تزاد بعد لمّا قليلا (٨) نحو : لمّا إن قمت قمت.

وأن المفتوحة المخففة تزاد بين لو والقسم نحو : والله أن لو قمت قمت ، وبعد لمّا في الكثير (٩) كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً)(١٠) وقلّت زيادتها بعد الكاف

__________________

(١) تقدم ذكره في ٢ / ٧٢.

(٢) في ٢ / ٧٣.

(٣) الكافية ، ٤٢٦ وبعدها في شرح الوافية ، ٤٠٥ وزعم الفراء أنهما حرفا نفي ترادفا.

(٤) البيت لفروة بن مسيك ورد منسوبا له في الكتاب ، ٣ / ١٥٣ وشرح شواهد المغني ، ١ / ٨١ وخزانة الأدب ، ٤ / ١١٢ وورد من غير نسبة في المقتضب ، ١ / ٥١ ، ٢ / ٣٦٣ والخصائص ، ٣ / ١٠٨ والمنصف ، ٣ / ١٢٨ والمحتسب ، ١ / ٩٢ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٤ ومغني اللبيب ، ١ / ٢٥ وهمع الهوامع ، ١ / ١٢٣.

(٥) البيت للنابغة الذبياني ورد في ديوانه ، ٢٥ برواية :

ما قلت من سيّء مما أتيت به

وورد منسوبا له في شرح شواهد المغني ، ١ / ٧٤ وورد من غير نسبة في مجالس ثعلب القسم الأول ، ٣٠٢ ومغني اللبيب ، ١ / ٢٥.

(٦) تقدم في ٢ / ٨٣.

(٧) شرح الوافية ، ٤٠٥ وشرح المفصل ، ٨ / ١٣٠ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٤.

(٨) غير واضحة في الأصل.

(٩) المقتضب ، ١ / ٤٩.

(١٠) من الآية ٩٦ من سورة يوسف.

١١٠

كقوله (١) :

 ...

كأن ظبية تعطو إلى ناظر السّلم (٢)

فيمن رواه بجرّ ظبية كأنه قال ، كظبية ، فجرّ ظبية بالكاف ، وأن زائدة ، و «ما» تزاد مع متى (٣) وإذا وأين وأيّ ومع إن ، إذا وقعت شروطا نحو : متّى ما تكرمني ، وإذا ما أكرمتني أكرمتك ، وأينما تكن أكن ، ونحو قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٤) وأمّا زيادة ما بعد إن الشرطية ، فكقوله تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)(٥) وإذا زيدت ما بعد إن الشرطية فيلزم (٦) فعلها نون التأكيد غالبا ، ويكون مضارعا كقوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً)(٧) ، وتكون لغير التأكيد كقول الأعشى (٨) :

إمّا ترينا حفاة لا نعال لنا

إنّا كذلك ما نحفى وننتعل

__________________

(١) هذا عجز بيت صدره :

ويوما توافينا بوجه مقسم

وقد اختلف حول قائله فقد نسبه سيبويه في الكتاب ، ٢ / ١٣٤ وابن يعيش في شرح المفصل ، ٨ / ٨٣ إلى ابن صريم اليشكري ، ونسبه الأنباري في الإنصاف ، ١ / ٢٠٢ إلى زيد بن أرقم ونسبه ابن منظور في لسان العرب مادة قسم إلى باعث بن صريم اليشكري ثم قال : ويقال : هو كعب بن أرقم اليشكري قاله في امرأته وهو الصحيح ونسبه العيني في شرح الشواهد ، ١ / ٢٩٣ إلى كعب بن أرقم اليشكري أيضا ووضح السيوطي الخلاف حول قائله في شرح شواهد المغني ١ / ١١١ فبين أنه ينسب لكل من علباء بن أرقم أو لباعث بن صريم أو لأرقم بن علباء. وورد البيت من غير نسبة في المنصف ، ٣ / ١٢٨ ومعاني الحروف ، ١٢١ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٤ ومغني اللبيب ، ١ / ٣٣ وهمع الهوامع ، ١ / ١٤٣ ـ ٢ / ١٨ وشرح الأشموني على الألفية ، ١ / ٢٩٣.

(٢) الشاهد في البيت قوله : كأن ظبية فقد زيدت أن بين الجار والمجرور ويروى بنصب ظبية على أنها اسم كأن والجملة بعدها صفة لها والخبر محذوف ، والتقدير : كأن ظبية عاطية هذه المرأة على التشبيه المعكوس ويروى برفع ظبية على أنها الخبر والجملة بعدها صفة والإسم ضمير الشأن محذوف والتقدير كأنها ظبية.

(٣) الكافية ، ٤٢٦.

(٤) من الآية ، ١١٠ من سورة الإسراء.

(٥) من الآية ٤١ من سورة الزخرف.

(٦) غير واضحة في الأصل.

(٧) من الآية ٢٦ من سورة مريم.

(٨) البيت للأعشى ، ديوانه ، ١٠٩ ورد منسوبا له في أمالي ابن الشجري ، ٢ / ٢٤٦ ومغني اللبيب ، ١ / ٣١٤ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٧٢٦ وورد من غير نسبة في شرح الكافية ، ٢ / ٣٩٤.

١١١

وإذا قصدت بإذ وحيث المجازاة فلا بدّ معهما حينئذ من ما كقوله (١) :

إذ ما دخلت على الرسول فقل له

 ...

فدخول الفاء في الخبر دليل المجازاة ، وحيثما تكن أكن (٢) ، وتزاد ما أيضا بعد بعض حروف الجرّ كقوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٣) و (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ)(٤) و (مِنْ خَطاياهُمْ)(٥) وقلّت زيادتها بين المضاف والمضاف إليه نحو : غضبت من غير ما جرم أي من غير جرم (٦) ، وأمّا قولهم : جئت لأمر ما ، فقد قيل : زائدة وقيل : صفة كما تقدّم في الموصولات (٧) و «لا» تزاد مع الواو لتأكيد نفي سابق كقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(٨) وكذلك تزاد بعد أن المصدرية كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٩) وكقوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(١٠) وتزاد «لا» قبل أقسم قليلا كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ)(١١) أي أقسم بيوم القيامة ، وقال بعضهم : هي نافية في التقدير وأقسم بعدها للإثبات (١٢)

__________________

(١) تقدم في ٢ / ٢٣.

(٢) انظر ٢ / ٢٣. فثمة شاهد شعري ، وبعدها هنا في الأصل مضروب عليه «وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره» البقرة الآية ١٤٤ ، وهي غير مثبتة في شرح الوافية ٤٠٦ الذي ينقل منه.

(٣) من الآية ١٥٩ من سورة آل عمران.

(٤) من الآية ١٥٥ من سورة النساء.

(٥) من الآية ٢٥ من سورة نوح ، كذا في الأصل وهي قراءة أبي عمرو جعله جمع خطية على الجمع المكسر ، وقرأ الباقون خطيئاتهم جعلوه جمعا مسلما ، الكشف ، ٢ / ٣٣٧ والاتحاف ، ٤٢٥.

(٦) شرح الوافية ، ٤٠٦ وانظر المقتضب ، ١ / ٤٨ والجنى الداني ، ٣٠٣.

(٧) انظر ١ / ٢٦٣.

(٨) من الآية ٧ من سورة الفاتحة.

(٩) من الآية ١٢ من سورة الأعراف.

(١٠) من الآية ٢٩ من سورة الحديد.

(١١) من الآية ١ من سورة القيامة.

(١٢) شرح الوافية ، ٤٠٦ وفي التبيان للعكبري ، ٢ / ١٢٥٣ : في «لا» وجهان : أحدهما : هي زائدة ، والثاني ليست بزائدة وفي المعنى وجهان أحدهما : هي نفي للقسم بها ، والثاني : أن «لا» ردّ لكلام مقدر لأنهم قالوا : أنت مفتر على الله في قولك ؛ نبعث فقال : لا ، ثم ابتدأ فقال : أقسم وهذا كثير في الشعر (بتصرف) وانظر البيان ، ٢ / ٤٧٦ وإيضاح المفصل ، ٢ / ٢٢٩ وشرح المفصل ، ٨ / ١٣٦ والمغني ، ١ / ٣٢٨.

١١٢

وشذّت زيادة «لا» بين المضاف إليه كقوله : (١)

في بئر لا حور سرى وما شعر

أي في بئر حور ، والحور جمع حائر ، من حار إذا هلك أي في بئر هلاك.

ذكر حرفي التفسير وهما (٢) أي وأن

أمّا أي : فيكون حرف نداء كقولك : أي زيد أقبل ، ويكون تفسيرا لمعنى قول صريح كتفسيرك لقوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ)(٣) أي من قومه ، ويكون تفسيرا لغير قول صريح كما تفسر / قولك : استكتمته سرّي أي سألته كتمانه ، ويكون تفسيرا لمعنى قول غير صريح كقولك : أشرت إليه أي افعل كذا ، فسّرت الإشارة بذلك.

وأمّا «أن» : فلا يفسّر بها إلّا ما كان في معنى القول لا نفس القول على الأصحّ (٤) كقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ)(٥) وكتبت إليه أن قم ، فلو قلت : قلت له : أن قم ، لم يجز لأنّه لا يفسّر بها نفس القول بل معناه.

ذكر الحرفين المصدريين (٦)

وهما : ما وأن ، وسمّيا مصدريين لأنّهما مع الفعل الذي بعدهما بتأويل المصدر نحو : أعجبني ما صنعت أي صنيعك ، وأعجبني أن خرجت وأن تخرج أي خروجك ،

__________________

(١) الرجز للعجاج ، ورد في ديوانه ، ٢ / ١٦ برواية : ولا شعر ، وقبله :

وغبرا قتما فيجتاب الغبر

ورد منسوبا له في شرح المفصل ، ٨ / ١٣٦ واللسان «لا» و «حور» وخزانة الأدب ٤ / ٥١ ومن غير نسبة في الخصائص ، ٢ / ٤٧٧ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٥ بئر حور : بئر هلاك ، والحور جمع حائر من حار إذا هلك ، ويحتمل أن يكون اسم جمع حائر أي هلّك وقيل : هي بئر يسكنها الجن.

(٢) في الأصل وهي ، وانظر الكافية ، ٤٢٧.

(٣) من الآية ١٥٥ من سورة الأعراف.

(٤) في إيضاح المفصل ، ٢ / ٢٣٠ ولا تقع أن إلا بعد فعل فيه معنى القول ... وهل يقع بعد لفظ القول نفسه؟

كقولك : قال زيد أن أفعل كذا ، فيه نظر ... ومنع بعضهم ذلك لكونها عنده لا تكون بعد لفظ القول وانظر الهمع ، ٢ / ١٨.

(٥) من الآية ١٠٤ من سورة الصافات.

(٦) الكافية ، ٤٢٧.

١١٣

ومنه قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١)(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٢) و (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى)(٣) مصدريّة عند البصريين في موضع نصب على المفعول من أجله أي ، لأن جاءه الأعمى ، وعند الكوفيين أنها بمعنى إذ ، أي إذ جاءه الأعمى (٤) ، وألحق ابن الحاجب بهما حرفا ثالثا وهو أنّ المشددة المفتوحة (٥) وهي بتأويل الاسميّة بمصدر خبرها أو بما في معناه أو بالكون نحو : أعجبني أنّ زيدا قائم وأنّه أخوك وأنه في البحر أي قيامه ، وأخوّته ؛ وكونه فيه.

ذكر حروف التحضيض (٦)

وهي : هلّا ولو لا ولوما وألا ، واعلم أنّ هذه الحروف إذا دخلت على الفعل الماضي دلّت على اللّوم والتوبيخ على ترك الفعل نحو : هلّا قرأت ، وإذا دخلت على الفعل المضارع دلّت على الحثّ والطّلب نحو قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٧) وتلزم هذه الحروف الفعل لفظا أو تقديرا ، لأنّ معناها لا يصحّ إلّا فيه لأنّ الحثّ على الشيء توكيد للأمر بفعله ، فمثال وقوع الفعل بعدها لفظا : هلّا ضربت زيدا ، ومثاله تقديرا : هلّا زيدا ضربته ، أي هلّا ضربت زيدا ضربته ومنه قول جرير : (٨)

__________________

(١) من الآية ٢٣٧ من سورة البقرة.

(٢) من الآية ١٨٤ من سورة البقرة.

(٣) من الآية ٢ من سورة عبس.

(٤) قال الإربلي ٢٤ «الكوفيون على أنها تأتي بمعنى إذ ، كقوله تعالى «الآية» أي إذ جاءه والأظهر تقدير حرف التعليل وهو اللام ، أو من ، لأن المعنى عليه وحذف حرف الجر عندهم قياس مطرد» وانظر التبيان ، ٢ / ١٢٧١.

(٥) ذكرها في متن الكافية ، ٤٢٧ وشرح الوافية ، ٤٠٨ ونصّ عليها أيضا في إيضاح المفصل ، ٢ / ٢٣١ مشيرا إلى إسقاط الزمخشري لها في المفصل ، انظر ٣١٤ ثم قال : «والظاهر أنه أسقطها لتقدم ذكرها في غير موضع».

(٦) الكافية ، ٤٢٧.

(٧) الآيتان ٦ ـ ٧ من سورة الحجر.

(٨) البيت لجرير بن عطية ورد في ديوانه ، ٣٣٨ برواية : سعيكم مكان مجدكم ، وهلّا مكان لو لا ، وقد ورد منسوبا له في الخصائص ، ٢ / ٤٥ ، والحلل ، ٣٢٨ وشرح المفصل ، ٢ / ٣٨ ، ١٠٢ ـ ٨ / ١٤٤ ـ ١٤٥ وشرح الشواهد ، ٤ / ٥١ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٦٦٩ وخزانة الأدب ، ٣ / ٥٥ وورد من غير نسبة في

١١٤

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا

فنصب الكميّ بفعل مقدّر أي هلّا تعدون الكميّ ، والضوطرى : الضخم لا غناء عنده ، ومعنى البيت : أنكم تفتخرون بعقر النّيب ـ وهو جمع ناب وهي المسنّة من الإبل (١) ـ وليس لكم في الشجاعة نصيب ، ومن ذلك قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ)(٢) وقوله : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها)(٣) والتقدير : فلو لا ترجعونها إن كنتم غير مدينين ، ولحروف التحضيض صدر الكلام لكونها دالة على نوع من أنواع الكلام ، فوجب أن يكون لها صدر الكلام لما مرّ في باب إنّ وغيرها.

ذكر حرف التوقّع (٤)

وهو قد ، وقيل له حرف التوقّع لاقترانه بالأفعال المتوقعة في الحال ، ومنه قول المقيم : قد قامت الصّلاة ، لقوم يتوقّعون قيامها ، وإذا دخل على الماضي قرّبه من الحال نحو : كنت أتمنى الحجّ ، وقد حججت في زمن قريب من زمن إخباره وإذا / دخل على المضارع كان للتقليل كقولهم : إنّ الكذوب قد يصدق (٥) ، فهو في هذا النوع من الأفعال بمنزلة ربّ في الأسماء ، وقد يحذف الفعل بعده إذا فهم كقوله : (٦)

أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قد

__________________

الكامل ، ١ / ٢٧٨ ومعاني الحروف ، ١٢٣ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٧ ورصف المباني ، ٢٩٣ ومغنى اللبيب ، ١ / ٢٧٤ وشرح الأشموني ، على الألفية ، ٤ / ٥١.

(١) سموها بذلك حين طال نابها وعظم ، اللسان ، نيب.

(٢) من الآية ١٠ من سورة المنافقون.

(٣) الآيتان ٨٦ ـ ٨٧ من سورة الواقعة.

(٤) الكافية ، ٤٢٧.

(٥) شرح الوافية ، ٤٠٩ وانظر المغني ، ١ / ١٧١.

(٦) البيت للنابغة الذبياني. ورد في ديوانه ، ٨٩ برواية أفد مكان أزف وورد منسوبا له في شرح المفصل ، ٩ / ١٨ ومغني اللبيب ١ / ١٧١ وشرح الشواهد ، ١ / ٣١ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٧٦٤ وورد من غير نسبة في الخصائص ، ٢ / ٣٦١ ـ ٣ / ١٣١ وشرح المفصل ، ٨ / ٥ ـ ١١٠ ـ ١٤٨ ـ ٩ / ٥٢ ومغنى اللبيب ، ٢ / ٣٤٢ وشرح ابن عقيل على الألفيّة ، ١ / ١٩ وهمع الهوامع ، ١ / ١٤٣ وشرح الأشموني ، على الألفية ، ١ / ٣١.

١١٥

أي وكأن قد زالت ، ويجوز الفصل بين قد وبين الفعل بالقسم ، كقولك : قد والله أحسنت ، ونحو : قد لعمري بتّ ساهرا ، وقد تأتي للتحقيق نحو : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ)(١).

ذكر حرفي الاستفهام (٢)

وهما الهمزة وهل ، ويدخلان على الجملتين الاسميّة والفعليّة كقولك : أزيد قائم ، وأقام زيد ، وهل عمرو خارج ، وهل خرج عمرو ، ولهما صدر الكلام لكونهما لنوع من أنواع الكلام وذلك يقتضي تقديمهما ليحصل العلم في أول الأمر بأنّ الكلام للاستفهام.

والهمزة أكثر تصرفا في الاستعمال من هل ، لأنّ الخبر إذا كان في الجملة الفعليّة فعلا ، جاز استعمال الهمزة دون هل فيجوز : أزيد قام ولم يجز : هل زيد قام إلّا على شذوذ ، لأنّ أصل هل أن تكون بمعنى قد (٣) كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(٤) فكما لا يقال : قد زيد خرج لا يقال : هل زيد خرج ، فإن قيل : لو كان كذلك لامتنع : هل زيد خارج ، كما امتنع : قد زيد خارج ، قلنا : إنّما جاز هل زيد خارج حملا على أختها وهي : أزيد خارج وإنّما لم تحمل عليها في : أزيد خرج ، لأنّ اعتبار هل في هذه الجملة أعني خرج أولى من حملها على أختها لكونها بمعنى قد ، وقد وجد ما تقتضيه (٥) وتقع الهمزة لكونها أعمّ تصرفا للإنكار أيضا كقولك : أتضرب زيدا وهو أخوك؟ ويقع بعدها المفعول كقولك : أزيدا ضربت؟ وتقع للتقرير كقوله تعالى : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)(٦)(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٧) وتقع مع أم نحو : أزيد عندك أم عمرو ، وتدخل الهمزة على حروف العطف كقوله تعالى : (أَوَ

__________________

(١) من الآية ١٨ من سورة الأحزاب.

(٢) الكافية ، ٤٢٧.

(٣) شرح الوافية ، ٤١٠.

(٤) من الآية ١٠٠ من سورة الإنسان.

(٥) أي الفعل لأنها في الأصل تدخل على الأفعال ، شرح الكافية ، ٢ / ٣٨٨.

(٦) من الآية ٢٠ من سورة المرسلات.

(٧) من الآية ١ من سورة الانشراح.

١١٦

كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ)(١) وكقوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ)(٢) وقوله تعالى : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ)(٣) ولا تقع هل هذه المواقع إمّا لكون الهمزة أخصر وأكثر استعمالا ، وإمّا لكون هل في الأصل بمعنى قد (٤).

ذكر حروف الشّرط (٥)

وهي : إن ولو وأمّا ، وما يقع شرطا من غيرها فأسماء تضمّنت معنى الشّرط وقد تقدّم ذكرها في قسم الاسم ، ولحروف الشّرط صدر الكلام لأنّها لإنشاء نوع من أنواع الكلام ، وتدخل إن ولو على جملتين فتجعلان الأولى شرطا والثانية جزاء كقولك : إنّ تضربني أضربك ، ولو جئتني لأكرمتك ، لكن إن للاستقبال (٦) بمعنى أنها تجعل الفعل الذي دخلت عليه بمعنى الاستقبال ، سواء كان الفعل ماضيا نحو : إن ضربت ضربت ، أو مضارعا نحو : إن تضرب أضرب ، ولو للمضي سواء دخلت على الماضي نحو : لو ضربت ضربت ، أو المضارع نحو : لو تضرب أضرب ويلزمان الفعل لفظا أو تقديرا ، فالفعل لفظا نحو : إن ضربت ضربت ، ولو ضربت ضربت ، وتقديرا نحو قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٧) وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ / رَحْمَةِ رَبِّي)(٨) أي وإن استجارك أحد ، ولو تملكون ، وقال السّيّد (٩) في حروف الشّرط : وينبغي أن يعلم أن مفسّر المحذوف مضارع مجزوم إن كان المفسّر مضارعا مجزوما نحو : إن زيد يقم ، ليطابق المذكور. وأمّا الأسماء المتضمنة معنى

__________________

(١) من الآية ١٠٠ من سورة البقرة.

(٢) من الآية ١٧ من سورة هود.

(٣) من الآية ٥١ من سورة يونس.

(٤) مجمل ما ذكره من شرح الوافية ، ٤١٠ وإيضاح المفصل ، ٢ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ وانظر شرح المفصل ، ٨ / ١٥٤ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٨٨ ورصف المباني ، ٣٨٨ ـ ٤٠٦ والمغني ، ١ / ١٧٤.

(٥) الكافية ، ٤٢٧.

(٦) المفصل ، ٣٢٠ بتصرف يسير.

(٧) من الآية ٦ من سورة التوبة.

(٨) من الآية ١٠٠ من سورة الإسراء.

(٩) لم أعثر على نص السيد ركن الدين الاستراباذي في الوافية المسمّاة بالمتوسط ولا في الشرح الكبير على الكافية المسمّى بالبسيط. وانظر شرح المفصل ، ٩ / ١٠.

١١٧

الشرط نحو : من ، فلا تحذف أفعالها لكونها فرع إن الشرطيّة فلا يتصرّف فيها كما تصرّف في إن إلّا في الضرورة كقول الشّاعر : (١)

فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن

ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا

وتقديره : فمن نؤمنه نحن ، ومن أجل أنّ لو وأن يلزمان الفعل ، قيل : لو أنك انطلقت (٢) بأن المفتوحة المشددّة لأنّها في تأويل المفرد ، لكونها هي وما عملت فيه فاعلا للفعل المقدّر بعد لو ، والتقدير : لو تحقّق أو ثبت انطلاقك انطلقت ، وإنّما كان الفعل المقدّر تحقّق أو ثبت ، لما في أنّ من الدلالة على التحقيق والثبوت ولأجل دلالة أنّ على ذلك ، استغني عن فعل مفسّر للفعل المقدّر المذكور ولكن التزم أن يكون خبر أنّ في هذه الصورة فعلا إن أمكن (٣) ليكون كالعوض عن لفظ الفعل المفسّر لتحصل لأنّ المفتوحة المشددة التقوية بصورة الفعل فلذلك جاز : لو أنك انطلقت لانطلقت ولم يجز : لو أنك منطلق انطلقت ، لفوات التقوية بصورة الفعل ، لأنّه أوقع منطلق مع إمكان انطلق (٤) ، ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ)(٥)(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٦) ويلزم أن يكون الفعل الواقع في خبر أنّ هذه ماضيا ليطابق معنى لو في الماضي ، أمّا إذا تعذّر أن يكون خبر أنّ فعلا بأن يكون جامدا ، جاز أن يقع غير فعل حينئذ نحو : لو أنك زيد لأكرمتك ، لتعذّر الإتيان بالفعل ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ

__________________

(١) البيت لهشام المرّي ورد منسوبا له في الكتاب ، ٣ / ١١٤ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٨٣٩ ونسبه صاحب الخزانة ، ٣ / ٦٤٠ إلى مرة بن كعب بن لؤي القرشي (طبعة بولاق) وورد البيت من غير نسبة في المقتضب ، ٢ / ٧٣ والإنصاف ، ٢ / ٦١٩ ومغني اللبيب ، ٢ / ٤٠٣ وهمع الهوامع ، ٢ / ٥٩.

(٢) الكافية ، ٤٢٧.

(٣) قوله هذا تبع فيه ابن الحاجب في شرح الوافية ، ٤١٢ وخالف ذلك ابن مالك في التسهيل ، ٢٤٠ إذ قال : «وإن وليها أنّ لم يلزم كون خبرها فعلا خلافا لزاعم ذلك» وفي الرضي ، ٢ / ٣٩١ «فلا نشك أن استعمال الفعل في خبر أن الواقعة بعد لو أكثر ، وإن لم يكن لازما».

(٤) بعدها في الأصل مشطوب عليه «وهي تفيد التحقيق والثبوت فيدل حينئذ على الفعل المقدر المحذوف وهو تحقق أو ثبت فيكون التقدير لو ثبت انطلاقك انطلقت» وقد ذكر قبل.

(٥) من الآية ٥ من سورة الحجرات.

(٦) من الآية ١٠٣ من سورة البقرة.

١١٨

شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)(١) إذ لا فعل بمعنى أقلام فيوقع خبرا ، وقد أوردوا قوله تعالى : (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ)(٢) لأنّه أوقع بادون خبرا مع إمكان بدوا ، وأجيب عن ذلك : بأنّ لو هذه ليست لو الشرطية وإنّما هي للتمني بمعنى يودّون لو أنّهم بادون (٣).

فصل

والفعل الواقع بعد إن الشرطية معناه الاستقبال وقد يراد به الماضي مع المستقبل جميعا (٤) كقوله تعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ)(٥) فيدخل في مثل ذلك الماضي والمستقبل إذ المراد : من آمن ، (وَمَنْ يُؤْمِنْ)(٦) ، لأنّ سياق الكلام يقتضي ذلك ، وكذلك : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(٧) سواء كانوا جنبا أو يجنبون في المستقبل ، فإنّ الحكم لا يختصّ بأحدهما (٨).

فصل (٩)

وإذا اجتمع القسم والشّرط وتقدّم القسم على الشّرط نحو : والله إن أتيتني لأكرمتك كان الجواب للقسم دون الشّرط ، ووجب أن يكون فعل الشّرط ماضيا كما في المثال المذكور أعني : أتيتني ، فلو أجبت الشرط دون القسم وقلت : والله إن أتيتني / أكرمك ، كان رديئا ، وإنّما أجيب القسم دون الشرط لأنّ الشرط جاء معترضا بين القسم وجوابه ، والمعترض في حكم العدم ، فألغي جوابه لذلك وإنّما لزم أن يكون فعل الشرط ماضيا لفظا كما ذكرنا أو معنى نحو : والله إن لم تكرمني لأكرمنّك ،

__________________

(١) من الآية ٢٧ من سورة لقمان.

(٢) من الآية ٢٠ من سورة الأحزاب.

(٣) شرح الوافية ، ٤١٣ وانظر شرح المفصل ، ٩ / ١١ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٩١.

(٤) بعدها في شرح الوافية ، ٤١٣ «لا الماضي وحده كما يجوزه بعضهم مثل قوله وإن تؤمنوا (الآية)».

(٥) من الآية ٣٦ من سورة محمد.

(٦) من الآية ١١ من سورة الطلاق ونصها : «ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله ...» ذكرها ابن الحاجب شرح الوافية ، ٤١٤ وقال بعدها : «وأشباهها ، والمراد من آمن ، ومن يؤمن لأن المعنى والسياق يقتضيان ذلك».

(٧) من الآية ٦ من سورة المائدة.

(٨) ونحوه في شرح الوافية ، ٤١٤.

(٩) الكافية ، ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

١١٩

لأنّ حرف الشرط لمّا بطل عمله في الجواب الذي هو لأكرمنّك لكونه جوابا للقسم ، طلب أن يكون فعل الشرط ماضيا حتّى لا يظهر لحرف الشرط فيه عمل لئلا يكون العامل في الجزاء القسم ، والعامل في الشرط حرف الشرط فيختلف العامل في الشرط والجزاء وهو غير جائز ، فلذلك التزم أن يكون فعل الشرط ماضيا ، لأنّ الماضي لا يظهر فيه عمل لحرف الشرط ولا لغيره.

وإن توسّط القسم وتقدّم عليه إمّا شرط أو غير شرط ، والشرط مؤخّر عن القسم ، جاز اعتبار القسم وإلغاؤه لإمكان ذلك ، فمثال تقدّم الشرط والقسم معترض قولك : إن تكرمني فوالله لأكرمنّك ، فيجوز اعتبار القسم لإمكان الوفاء بجواب الشرط وجواب القسم ، لأنّ الشرط إنّما يجاب في مثل ذلك بالفاء ولا يمتنع دخولها على القسم ، فأمكن جواب الأمرين على ما تقتضيه أبوابهما (١) ، ويجوز إلغاء القسم بأن يجعل معترضا فيتعيّن الجواب للشرط كقولك : إن تكرمني والله أكرمك ، ومثال تقدّم غير الشرط على القسم والشرط مؤخّر عن القسم قولك : أنا والله إن تكرمني أكرمك ، فيجوز أن تعتبر القسم وتقول : أنا والله إن أكرمتني لأكرمنّك فتجعل الشرط معترضا ، فيتعيّن الجواب للقسم ، ويكون القسم وجوابه والشرط خبر المبتدأ ، ويجوز أن تجعل القسم معترضا وتقول : أنا والله إن تكرمني أكرمك ، فيتعيّن الجواب للشرط ويكون الشرط وجوابه والقسم خبرا للمبتدأ ، وإذا كان القسم مقدّرا قبل الشرط ولم يكن ملفوظا به فهو كالملفوظ به في كون الجواب للقسم لفظا كقوله تعالى : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ)(٢)(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(٣) فإنّ تقديره : والله إن قوتلتم ، وإن أطعتموهم ، فإنه لو لا تقدير القسم قبل الشرط لوجب دخول الفاء على : إنكم لمشركون (٤).

__________________

(١) شرح الوافية ، ٤١٦ وانظر شرح الكافية ، ٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٢) من الآية ١١ من سورة الحشر.

(٣) من الآية ١٢١ من سورة الأنعام.

(٤) قال ابن الحاجب في شرح الوافية ، ٤١٧ ما نصه : «وقول من قال ؛ التقدير فإنكم لمشركون ، ضعيف رديء لم يجىء مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر».

١٢٠