تقي الدين احمد بن علي المقريزي
المحقق: محمد احمد عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الاعتصام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١١
٣
* * وقال تعالى : ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ، وكان تحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحا ) (١) [ ١٣٨ / ا ] قال سفيان عن مسعر عن عبد الملك ، عن (٢) ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في قوله : ( وكان أبوهما صالحا ) [ قال : حفظا لصلاح أبيهما ، وما ذكر عنهما صلاحا ] (٣).
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين (٤).
وكان السابع من آبائهما.
* * *
قال جامعه : فإذا صح أن الله سبحانه قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف ، وإن طالت الأحقاب.
____________
(١) سورة الكهف ، آية : ٨٢.
(٢) في « س » : بن ميسرة.
(٣) سقط من « ق » والمثبت « س ».
(٤) انظر « المستدرك » تفسير سورة الكهف : ٢ / ٣٦٩.
ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عششتا على فم الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك حرم حمام الحرم ، وإذا كان كذلك فمحمد صلى الله عليه وسلم أحرى وأولى وأحق ، وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذريته ، فإنه إمام الصلحاء ، وما أصلح الله فساد خلقه إلا به ، ومن جملة حفظ الله تعالى لأولاد فاطمة عليهاالسلام أن لا يدخلهم النار يوم القيامة.
وقد أخرج أبو داود الطيالسي. حدثنا عمرو بن ثابت ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن حمزة بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع ، والذي نفسي بيده إن رحمي لموصولة في الدنيا والاخرة ، وإني فرطكم (١) على الحوض ، أيها الناس ألا وسيجيء قوم يوم القيامة ، فيقول القائل منهم : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفت ، ولكنكم ارتددتم بعدي ، ورجعتم القهقري » (٢).
____________
(١) أي متقدم عليكم.
(٢) انظر كتاب « منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود » كتاب الكبائر ، باب الترهيب من احتقار الذنوب الصغيرة والاتكال على النسب : ٢ / ٦٤. هذا وقد رواه بمثله الامام احمد في مسنده : ٣ / ١٨.
ورواه شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن سعيد بن المسيب وحمزة ابن أبي سعيد [ عن أبي سعيد ] (١) الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، قيل لشريك : يا أبا عبد الله علام حملتم هذا الحديث؟ قال : على أهل الردة.
ورواه قتيبة ، وعبد الرحمن بن شريك ، عن شريك.
* * *
____________
(١) سقطت من « ق » والمثبت عن « س ».
٤
* * وقال تعالى : ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم ، وأزواجهم وذرياتهم ) (١) قال أبو جعفر الطبري (٢) :
[ يقول الله تعالى : جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم ] (٣) وهم الذين يوفون بعهد الله ، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل ، ويخشون ربهم ، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة ، وفعلوا الأفعال التي ذكرها الله تعالى [ ١٣٨ / ب ] في هذه الايات الثلاث ومن صلح من آبائهم وأزواجهم [ وهم ] (٤) نساؤهم ، وأهلوهم ، وذرياتهم ، وصلاحهم : إيمانهم بالله تعالى ، وأتباعهم أمره ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر عن مجاهد : ( ومن صلح من آبائهم ) من آمن في الدنيا.
____________
(١) سورة الرعد : ٢٣.
(٢) انظر تفسير الطبري : ١٣ / ١٤١.
(٣) سقطت من « س ».
(٤) سقطت من « س ».
وقال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي : ( ومن صلح ) موضع ( من ) رفع عطف على الواو في : ( يدخلونها ).
وقال أبو اسحاق : وجائز أن يكون نصبا ، كما تقول : « دخلوا وزيدا » أي مع زيد.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : ( ومن صلح من آبائهم ) يريد : من صدق بما صدقوا به ، وإن لم يعمل مثل أعمالهم.
وقال أبو اسحاق : إعلم أن الأنساب لا تنفع بغير أعمال صالحة. فعلى قول ابن عباس ، رضي الله عنه : معنى صلح : صدق ، وآمن ، ووحد ، وعلى ما ذكره أبو إسحاق معناه : صلح في عمله.
والصحيح ما قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ؛ لان الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء ، فدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع العامل ، ولا فائدة للتبشير والوعد إلا بهذا ، إذ كل مصلح في عمله قد وعد دخول الجنة.
وقال القرطبي (١) : ( ومن صلح من آبائهم ) يجوز أن يكون معطوفا على ( أولئك ) ، والمعنى : أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لهم عقبى الدار ،
____________
(١) انظر تفسير القرطبي : ٩ / ٣١١ ، ٣١٢.
ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في : ( يدخلونها ) وحسن العطف لما حال (١) الضمير المنصوب بينهما ، ويجوز أن يكون المعنى : فيدخلها من صلح من آبائهم أي من كان صالحا ، لا يدخلونها بالأنساب. ويجوز أن يكون موضع « من » نصبا على تقدير : يدخلونها مع من صلح من آبائهم : أي وإن لم يعملوا مثل أعمالهم يلحقهم الله تعالى بهم كرامة لهم.
وقال ابن عباس ، رضي الله عنهما : هذا الصلاح : الأيمان بالله والرسول ، ولو كان لهم مع الأيمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم لا على وجه التبعية.
قال القشيري : وفي هذا نظر لأنه لا بد من الأيمان [ فالقول في إشتراط العمل الصالح كالقول في إشتراط الأيمان ] (٢) فالأظهر أن هذا الصلاح في جملة الأعمال ؛ والمعنى أن النعمة غدا [ ١٣٩ / ا ] تتم عليهم بأن جعلهم مجتمعين مع قراباتهم في الجنة ، وإن كان لا يدخلها كل إنسان بعمل نفسه ، بل برحمة الله تعالى.
* * *
قال جامعه : فإذا جاز أن يكرم الله تعالى عباده المؤمنين بالذين عملوا بطاعته ، ونهوا أنفسهم عن مخالفته بأن يدخل معهم الجنة من أهاليهم ، وذوي قراباتهم من كان مؤمنا قد
____________
(١) في « ق » : « لما حل » والمثبت عن « القرطبي » و « س ».
(٢) سقطت من « س ».
قصر في عبادة ربه ، وخالف بعض ما نهى عنه بطريق التبعية لهم ، لا أنهم قد استحقوا تلك المنازل بما أسلفوا من الطاعات في أيام الحياة الدنيا ؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين لولي بهذه الكرامة أن يدخل الله تعالى عصاة ذريته الجنة تبعا له ، ويرضى عنهم أخصامهم.
* * *
٥
* * وقال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (١). قال الطبري (٢) يقول : الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك : قل لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به ، والنصيحة التي أنصحكم ـ ثوابا وجزاء [ وعوضا من أموالكم تعطونيه ] (٣) إلا المودة في القربى ؛ فاختلف أهل التأويل ما يعني بقوله : ( إلا المودة في القربى ) فقال بعضهم : معناه : إلا أن تودوني في قرابتي [ منكم ] (٤) وتصلوا رحمي بيني وبينكم.
ثم ذكر الطبري من طريق الشعبي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول
____________
(١) سورة الشورى ، آية : ٢٣.
(٢) انظر : « تفسير الطبري » ٢٥ / ٢٢ / ٢٦.
(٣) سقطت من « س ».
(٤) في « ق » : « معكم » والمثبت عن « س ».
الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم.
وعن طاووس في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ). فقال : سئل عنها ابن عباس رضي الله عنهما فقال سعيد بن جبير : هي قربى آل محمد. فقال : عجل أبو عبد الله (١) ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيه قرابة. قال : فنزلت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها (٢).
وفي رواية عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش ؛ فلما كذبوه ، وأبوا أن يتابعوه قال : يا قوم إن أبيتم أن [ ١٣٩ / ب ] تتابعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ، لا يكن غيركم من العرب أولى أن يحفظني وينصرني (٣) منكم.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما : يعني محمدا صلى الله عليه وسلم قال لقريش : لا أسألكم من أموالكم
____________
(١) في الطبري والبخاري : « عجلت ».
(٢) انظر : صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله : « إلا المودة في القربى » ٦ / ١٠٧. تحقيق النواوي ، وابو الفضل ، وخفاجي.
(٣) في الطبري : « أولى بحفظي ونصرتي منكم ».
شيئا ، ولكن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم ؛ فإنكم قومي وأحق من أطاعني ، وأجابني.
وعن عكرمة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان واسطا في قريش ، وكان له في كل بطن من قريش نسبا فقال : لا أسألكم عليه أجرا على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي.
وعن أبي مالك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم ، وأمه من بني زهرة ، وأم أبيه من بني مخزوم ، فقال : « احفظوني في قرابتي ».
وعن عكرمة قال : تعرفون قرابتي وتصدقوني فيما جئت به وتمنعوني.
وعن قتادة : إن الله أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش قد ولدته ، وبينه وبينهم قرابة.
وعن مجاهد قوله : ( إلا المودة في القربى ) أن يتبعوني ، ويصدقوني ، ويصلوا رحمي.
وعن السدى قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهم ولادة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم.
وعن الضحاك في قوله ( إلا المودة في القربى )
يعني قريشا ، يقول : إنما أنا رجل منكم فأعينوني على عدوي ، واحفظوا قرابتي ، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى أن تودوني لقرابتي ، وتعينوني على عدوي.
وعن ابن زيد (١) يقول : إلا أن تودوني لقرابتي كما توادوني في قرابتكم ، وتواصلون بها ، ليس هذا الذي جئت به يقطع عني ، فلست ابتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم.
وعن قتادة قال : كل قريش قد كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ، فقال : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم.
وعن عطاء بن دينار يقول : لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتمنعوني من الناس.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتي.
ثم ذكر عن السدى عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا ، وأقيم على درج (٢) دمشق قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم ، واستأصلكم ، وقطع قرن الفتنة. فقال له علي : أقرأت القرآن؟ قال : نعم. قال : قرأت « آل حم »؟ قال : قرأت القرآن ، ولم أقرأ «آل حم ». قال
____________
(١) في « ق » و « س » : « ابن أبي زيد » والمثبت عن « الطبري ».
(٢) درج دمشق : طريقها.
ما قرأت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )؟ قال : فإنكم لأياهم (١)؟ قال : نعم.
وعن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا ـ فكأنهم فخروا ـ فقال ابن عباس ـ أو العباس ـ لنا الفضل عليكم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ، ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : أفلا تجيبوني؟ قالوا : ما نقول يا رسول الله؟ قال : ألا تقولون : أولم يخرجك قومك فآويناك؟ أولم يكذبوك فصدقناك؟ أولم يخذلوك فنصرناك؟ قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا ، وما في أيدينا لله ولرسوله. قال : فنزلت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ).
وعن أبي العالية ، عن سعيد بن جبير : ( إلا المودة في القربى ) قال : هي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي إسحاق : سألت عمرو بن شعيب ، عن قول الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ). قال : قربى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لا أسألكم أيها الناس
____________
(١) في الطبري : « وانكم لأنتم هم »؟
على ما جئتكم به أجرا إلا أن توددوا إلى الله ، وتتقربوا إليه بالعمل الصالح ، والطاعة.
ثم ذكر من طريق قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح ] (١) عن مجاهد ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قل لا أسألكم على ما جئتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن تودوا الله ، وتتقربوا إليه بطاعته.
وعن الحسن : ( إلا المودة في القربى ) قال : القربى إلى الله ، وفي رواية : إلا التقرب إلى الله تعالى ، والتودد إليه بالعمل الصالح ، وفي رواية : قل لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا المودة في القربى .. إلا أن توددوا إلى الله تعالى بما يقربكم إليه من عمل بطاعته.
وعن قتادة ، عن الحسن ، بنحوه. وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تصلوا قرابتكم.
ثم ذكر [ عن ] (٢) عبد الله بن القاسم في قوله : ( إلا المودة في القربى ). قال : أمرت أن تصل قرابتك.
قال الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال : معناه قل لا أسألكم عليه أجرا
____________
(١) الفقرة من أول قوله : « فاحفظوا قرابتي فيكم » إلى قوله : « عن ابن أبي نجيح » ساقطه من « ق » والمثبت عن « س ».
(٢) سقطت من « س ».
يا معشر قريش إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم ، ثم استدل لذلك.
* * *
وقال ابن عطية (١) : « اختلف الناس في معناه ـ يعني قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ـ فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وغيره : هي آية مكية نزلت في صدر الأسلام ، ومعناها : استكفاف (٢) شر الكفار ، ودفع أذاهم ، أي إني ما أسألكم على القرآن والدين ، والدعاء إلى الله تعالى إلا أن تودوني لقرابة هي بيني وبينكم ، فتكفوا عني أذاكم.
قال ابن عباس ، وابن إسحاق ، وقتادة : لم يكن في قريش بطن إلا ولرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيهم نسب أو صهر ، والاية على هذا هي استعطاف ما ، ودفع أذى ، وطلب سلامة منهم ، وذلك كله منسوخ بآية السيف. ويحتمل على هذا التأويل أن يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم ، أي لا أسألكم غرامة ولا شيئا إلا أن تودوني لقرابتي منكم ، وأن يكونوا أولى بي من غيركم.
وقال مجاهد : المعنى إلا أن تصلوا رحمي باتباعي.
وقال ابن عباس أيضا ما يقتضي أنها مدنية ، وسببها أن
____________
(١) انظر « المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز » ورقة : ٩٨ ، ٩٩.
(٢) أي طلب الكف.
قوماً من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين ، وطالوا (١) بالقول على قريش ، فنزلت الاية في ذلك على معنى : إلا أن تودوني فتراعوني في قرابتي ، وتحفظونني فيهم.
وقال بهذا المعنى في هذه الاية علي بن الحسين رضي الله عنهما [ ١٤٠ / ا ] واستشهد بهذه الآية حين سيق إلى الشام أسيرا ، وهو تأويل سعيد ابن جبير ، وعمرو بن شعيب ؛ وعلى هذا التأويل قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قيل يا رسول الله من قرابتك الذين أمرنا [ بمودتهم ] (٢) فقال : « علي وفاطمة وابناهما » (٣).
وقيل : هم ولد عبد المطلب ، قال ابن عطية : وقريش كلها عندي قربى ، وان كانت تتفاضل.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة ».
وقال ابن عباس أيضا ـ في كتاب الثعلبي : سبب نزول هذه الاية أن الأنصار جمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________
(١) في تفسير ابن عطية : « ومالوا ».
(٢) سقطت من « ق » والمثبت عن ابن عطية.
(٣) قال في « مجمع الزوائد » : « رواه الطبراني وفيه جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا » انظر : ٩ / ١٦٨.
[ مالاً ] (١) وساقته إليه ، فرده عليهم ، ونزلت الاية في ذلك.
وقال ابن عباس أيضا : معنى الاية : قربى الطاعة ، والتزلف إلى الله تعالى [ كأنه ] (٢) قال : إلا أن تودوني لأني أقربكم من الله ، وأريد هدايتكم ، وأدعوكم إليها.
وقال الحسن بن أبي الحسن (٣) : معناه إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى بالتقرب إليه.
وقال عبد الله بن القاسم في كتاب الطبري : [ معنى الاية ] (٤) إلا أن تتوددوا بعضكم إلى بعض ، وتصلوا قراباتكم ؛ فالاية على هذا [ أمر ] (٥) بصلة الأرحام.
وذكر النقاش ، عن ابن عباس ، ومقاتل ، والكلبي ، والسدى أن الاية منسوخة بقوله تعالى في سورة سبأ : ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ) (٦).
والصواب أنها محكمة ، وعلى كل قول فالأستثناء منقطع و « إلا » بمعنى « لكن » ، والله أعلم.
* * *
____________
(١) ساقطة من ابن عطية.
(٢) في « ق » « لأنّه » والمثبت عن « س » وابن عطية.
(٣) في ابن عطية : ابن أبي الحسين ، وهو خطأ.
(٤) ساقطة من ابن عطية.
(٥) في « ق » : « البر بصلة الأرحام ».
(٦) سورة سبأ ، آية : ٤٧.
قال جامعه : [ ويظهر لي ] (١) أن الخطاب في الاية عام لجميع من آمن ، وذلك أن العرب بأسرها قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هو منهم ، فيتعين على من سواهم من العجم أن يوادوهم ، ويحبوهم ، وقد ورد في الأمر بحب العرب أحاديث ، وأن قريشا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن كلهم ؛ فإنهم كلهم أبناء اسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ؛ فعلى كل يماني من العرب أن يود قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو أبيه إبراهيم خليل الرحمن عليهالسلام.
* * *
وقد وردت أحاديث [ ١٤٠ / ب ] في تفضيل قريش ، وفي تقديمها على غيرها ، وأن بني هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسرته فيجب ويتعين على من عداهم من قريش محبتهم ومودتهم ، وأن عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، وذريتهما أقرب [ العرب ] (٢) من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتأكد مودتهم [ ويجب على بني هاشم ، بل وجميع قريش إكرامهم لما يجب من أكيد مودتهم ] (٣) ويتعين من فضائلهم ، وفوق كل ذي علم عليم.
____________
(١) ساقطة من « س ».
(٢) سقطت من « ق » والمثبت عن « س ».
(٣) سقطت من « ق » والمثبت عن « س ».
وقال الطوفي (١) : اختلف في القربى فقيل : هي قربى كل مكلف أوصى بمودتها ، فهي كالوصية بصلة الرحم ، وقيل : هي قربى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلف فيها فقيل : هي جميع بطون قريش كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه البخاري (٢) وغيره. وقيل : هي قرابته الأدنون ، وهم أهل بيته : علي ، وفاطمة ، وولداهما أوصى بمودتهم.
وعند هذا استطالت الشيعة ، وزعموا أن الصحابة ، رضي الله عنهم خالفوا هذا الأمر ، ونكثوا هذا العهد بأذاهم أهل البيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه سأل مودتهم ، ونزلها منزلة الأجر [ على ما [ لا ] (٣) يجوز الأجر ] (٤) عليه.
والى هذه الاية أشار الكميت بن زيد الأسدي (٥) ، وكان شيعيا حيث يقول :
وجدنا لكم في آل حم آية |
|
تأولها منا تقي ومعرب (٦) |
____________
(١) انظر : كتاب « الإشارات الإلهية » ورقة رقم : ١٨٠ كتاب التفسير.
(٢) انظر صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله « إلا المودة في القربى ٦ / ١٠٧ تحقيق النواوي ، وابو الفضل ، وخفاجي ط النهضة الحديثة.
(٣) ساقطة من « ق » و « س » والمثبت عن « الإشارات ».
(٤) ساقطة من « س ».
(٥) انظر ترجمته في كتاب « الأغاني » لأبي الفرج الأصبهاني : ١٥ / ٢٦٠ ٢٩٨ ط دار الفكر.
(٦) البيت من قصيدته التي يمدح بها آل البيت وأولها :
* طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب *
أي المجاهر ، ومن يحب التقية جميعا ، فتأولناها جميعا على أنكم المراد بها.
وأجاب الجمهور بمنع أن القربى فيها من ذكرتم ، ثم بمنع أن أحدا من الصحابة ، رضي الله عنهم ، آذاهم ، أو نكث العهد فيهم.
* * *
٦
حدثني الشيخ الفقيه الحنفي الصوفي جمال الدين أبو المحاسن محمد بن ابراهيم بن أحمد المرشدي المكي ، حرمه الله بالمحرم الشريف تجاه الكعبة المعظمة قال : أخبرني الأمام العلامة مفتي المسلمين زين الدين عبد الرحمن الخلال (١) البغدادي ، وقد جاور بمكة ، شرفها الله تعالى ، أن بعض أمراء تيمورلنك أخبره أنه لما مرض تيمورلنك مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا كثيرا ، واسود وجهه ، وتغير لونه ، ثم أفاق ، فذكروا له ذلك فقال : إن ملائكة العذاب أتته ، فجاء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : اذهبوا عنه ؛ فإنه كان يحب [ ١٤١ / ا ] ذريتي ويحسن إليهم [ فذهبوا ]. (٢)
وقد حدثني بهذا الخبر عن الخلال أيضا تلميذه الفاضل شرف الدين أحمد ابن إسماعيل بن عثمان الشهرزوري الكوراني الشافعي ، والشيخ جمال الدين المرشدي ، والشيخ زين الدين الخلال.
____________
(١) في « س » : « الجلال ».
(٢) سقطت من « س ».