تقي الدين احمد بن علي المقريزي
المحقق: محمد احمد عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الاعتصام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١١
البيت ويطهركم تطهيرا ) (١).
ومن حديث زكريا عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت (٢) شيبة قالت : قالت عائشة رضي الله عنها : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم غداة ، وعليه مرط مرحل (٣) من شعر أسود ، فجاء الحسن ، فأدخله معه ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (١).
ومن حديث حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة [ عليهاالسلام ] (٤) ستة أشهر كلما خرج إلى الصلاة فيقول : « الصلاة أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (٥).
ومن حديث زيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم
____________
(١) انظر تفسير الطبري : ٢٢ / ٥.
(٢) في « س » « ق » : « ابنة » والمثبت عن الطبري.
(٣) المرط المرحل : كساء من صوف ، أو من خز عليه تصاوير الرحال.
(٤) ساقطة من الطبري.
(٥) اخرجه الترمذي : انظر تحفة الاحوذي تفسير سورة الأحزاب الحديث ٣٢٥٩ / ٩ / ٦٧ ، ٦٨. هذا والفقرة من أول قوله : « ومن حديث زكريا » الى قوله : « تطهيرا » ساقطة من « س » والمثبت عن « ق ».
سلمة رضى الله عنها. قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم عندي ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، فجعلت لهم خزيرة (١) فأكلوا ، وناموا ، وغطى عليهم كساء أو قطيفة. ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » (٢).
ومن حديث يونس بن أبي اسحاق (٣) قال : أخبرني أبو داود ، عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنهما فقال : الصلاة [ الصلاة ] (٤) ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (٥).
ومن حديث أبي نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي عن أبي عمار قال :
____________
(١) الخزيرة ، والخزير : اللحم يؤخذ فيقطع قطعاً صغيرة ثم يطبخ ويذر عليه الدقيق ، ولا تكون الخزيرة إلا وفيها لحم ، فإذا لم يكن فيها لحم فهي العصيدة. انظر اللسان مادة : خزر.
(٢) تفسير الطبري : ٢٢ / ٦.
(٣) في « س » : ومن حديث ابن إسحاق.
(٤) ساقطة من « س » و « ق » والمثبت عن الطبري.
(٥) تفسير الطبري : ٢٢ / ٦.
إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا (١) عليا ، رضي الله عنه فشتموه ، فلما قاموا (٢) قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموه ؛ اني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين ، فألقى عليهم كساء له ، ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا ». قلت يا رسول الله : وأنا؟ [ ١٢٩ / ب ]. قال : « وأنت ». قال : فوالله إنها لمن أوثق عمل عندي (٣).
ومن حديث الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن عمرو (٤) قال : حدثني شداد أبو عمار قال : سمعت واثلة بن الأسقع يحدث قال : [ سألت ] (٥) عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه في منزله؟ فقالت فاطمة ، رضي الله عنها : قد ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش ، وأجلس فاطمة عن يمينه وعلياً عن يساره ، وحسناً ، وحسيناً ، ضروان الله عليهم ، بين
____________
(١) في « س » و « ق » : « وذكروا » والمثبت عن الطبري.
(٢) في « س » و « ق » : « فلما قام » والمثبت عن الطبري.
(٣) تفسير الطبري : ٢٢ / ٦.
(٤) في الطبري : ابو عمرو ..
(٥) ساقطة من « ق ».
يديه ، فلفع عليهم بثوبه ، وقال : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ، ويطهركم تطهيراً ). اللهم هؤلاء أهلي ، [ اللهم أهلي ] (١) أحق » قال واثلة : فقلت من ناحية البيت : وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال : « وأنت من أهلي ». قال واثلة : إنها لمن أرجى ما أرتجي (٢).
ومن حديث وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب [ عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ] (٣) عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، قالت : لما نزلت هذه الاية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا فجلل عليهم (٤) بكساء خيبري (٥) ، وقال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ». قالت أم سلمة : ألست منهم؟ قال : ( أنت إلى خير ) (٦).
____________
(١) سقط من « ق » والمثبت عن « س » والطبري.
(٢) مسند الإمام أحمد : ٤ / ١٠٧ وانظر مجمع الزوائد : ٩ / ١٦٧.
(٣) هذه الفقرة سقطت من « س » و « ق » والمثبت عن الطبري.
(٤) جلّل عليهم : غطاهم.
(٥) نسبة إلى خيبر.
(٦) تفسير الطبري : ٢٢ / ٧.
ومن حديث سعيد بن زربي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : جاءت فاطمة ، رضي الله عنها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق ، فوضعتها (١) بين يديه ، فقال : أين ابن عمك ، وابناك؟ فقالت : في البيت. فقال : ادعيهم فجاءت علياً فقالت : أجب النبي صلى الله عليه وسلم أنت وابناك. قالت أم سلمة : فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة ، فمده ، وبسطه ، فأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه [ تعالى ذكره ] (٢) [ ١٣٠ / ا ]. ثم قال : اللهم هؤلاء أهل البيت ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) (٣).
ومن حديث ابن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن هذه الاية نزلت في بيتها : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت : أنا يا رسول الله ألست من أهل
____________
(١) في الطبري : فوضعته.
(٢) زيادة ليست في الطبري.
(٣) تفسير الطبري : ٢٢ / ٧.
البيت؟ قال : إنك إلى خير ، أنت من أزواج النبي. قالت : وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة ، والحسن والحسين [ رضي الله عنهم ] (١).
ومن حديث هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن عبد الله بن وهب ابن زمعة قال : أخبرتني أم سلمة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، رضي الله عنهم ، ثم أدخلهم تحت ثوبه ، ثم جأر إلى الله تعالى وقال : « « هؤلاء أهل بيتي. فقالت أم سلمة : يا رسول الله أدخلني معهم ، قال : إنك من أهلي » (٢).
ومن حديث. محمد بن سليمان بن (٣) الأصبهاني ، عن يحيى بن عبيد المكي عن عطاء [ بن أبي رباح ] (٣) عن عمر بن أبي سلمة [ ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ] (٣) قال : نزلت هذه الاية على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في بيت أم سلمة : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، فدعا حسنا ، وحسينا ، وفاطمة فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليا فأجلسه خلفه ، فتجلل هو وهم بالكساء ، ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ». قالت أم
____________
(١) تفسير الطبري : ٢٢ / ٧.
(٢) انظر تفسير الطبري : ٢٢ / ٧ ، وتحفة الأحوذي : ٩ / ٦٦.
(٣) سقطت من « ق » و « س » والمثبت عن تحفة الاحوذي.
سلمة : أنا معهم؟ قال : أنت على مكانك ، وأنت على خير » (١).
ومن طريق السدي ، عن ديلم قال : قال : علي بن الحسين ، رحمه الله ، لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )؟ قال : ولأنتم هم!! قال : نعم (٢).
ومن حديث بكير بن أسماء (٣) قال : سمعت عامر بن سعد قال : قال سعد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليا ، وابنيه ، وفاطمة ، فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال : « رب هؤلاء أهلي وأهل بيتي » (٤).
ومن حديث [ ١٣٠ / ب ] عبد الله بن عبد القدوس عن [ الأعمش عن ] (٥) حكيم بن سعد قال : ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة رضي الله عنها فقالت : في بيتي نزلت : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). قالت أم سلمة :
____________
(١) انظر الطبري : ٢٢ / ٧ ، وتحفة الأحوذي كتاب التفسير : ٩ / ٦٦.
(٢) تفسير الطبري : ٢٢ / ٨.
(٣) في الطبري : بن مسمار.
(٤) تفسير الطبري : ٢٢ / ٨.
(٥) سقطت من « ق » والمثبت عن « س » والطبري.
جاء النبي إلى بيتي ، فقال : لا تأذني لأحد. فجاءت فاطمة ، رضي الله عنها ، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ، ثم جاء الحسن ، رضي الله عنه ، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فجللهم النبي بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل ب يتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فنزلت الاية حين اجتمعوا على البساط قالت [ أم سلمة ] (١) : فقلت : يا رسول الله ، وأنا؟ قالت : فوالله ما أنعم (٢) وقال : إنك إلى خير (٣).
وقال آخرون : بل عنى بذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر من طريق الأصبغ عن (٤) علقمة قال : كان عكرمة رضي الله عنه ينادي في السوق : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة (٥).
* * *
____________
(١) سقطت من الطبري.
(٢) أي : ما قال : نعم.
(٣) تفسير الطبري : ٢٢ / ٨.
(٤) في « ق » : الأصبغ بن علقمة ، والمثبت عن الطبري ، وقد سقطت كلمة « ابن علقمة » من « س ».
(٥) تفسير الطبري : ٢٢ / ٨.
وقال العلامة أبو محمد بن عطية (١) :
والرجس اسم يقع على الأثم وعلى العذاب ، وعلى النجاسات والنقائص ، فأذهب الله تعالى جميع ذلك عن أهل البيت [ ونصب أهل البيت ] (٢) على المدح ، أو على النداء للمضاف ، أو بإضمار : أعني.
واختلف الناس في أهل البيت من هم؟ فقال عكرمة ، ومقاتل ، وابن عباس رضي الله عنهم : هم زوجاته خاصة [ لا يدخل معهن رجل ] (٤) وذهبوا الى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نزلت هذه الاية في خمسة : فِيَّ ، وفي علي وفاطمة ، والحسن والحسين » (٥).
____________
(١) هو أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي المتوفي سنة ٤٥٦ هـ وقد نقل المقريزي هذا النص من كتابه : « المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز » ومنه عدة نسخ مصورة بمعهد المخطوطات العربية تحت رقم ٢٢٨ تفسير. انظر : الجزء الرابع / ورقة ٣ / ب ٤٠ / ١.
(٢) سقطت من « س » و « ق » والمثبت عن تفسير ابن عطية.
(٣) في « س » و « ق » : لا رجل معهن.
(٤) عبارة ابن عطية : « وذهبوا إلى أن أهل البيت أهل مساكن النبي ، والذي عليه الجمهور [ أن ] أهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين في هذا أحاديث نبوية قال أبو سعيد الخدري ... ».
(٥) تفسير الطبري : ٢٢ / ٥.
ومن حجة الجمهور قوله : « عنكم » ، و « يطهركم » بالميم ، ولو كان للنساء خاصة لكان : « عنكن ». قال ابن عطية : والذي يظهر [ لي ] (١) أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك ألبتة ، فأهل البيت : زوجاته ، وبنته [ وبنوها ] (٢) وزوجها ، وهذه [ ١٣١ / ا ] الاية تقتضي أن الزوجات من أهل البيت ، لأن الاية فيهن ، والمخاطبة لهن. أما [ أن ] (٣) أم سلمة ، رضي الله عنها ، قالت : نزلت هذه الاية في بيتي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فدخل معهم تحت كساء خيبري ، وقال : هؤلاء أهل بيتي ، وقرأ الاية ، وقال : اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة : فقلت وأنا يا رسول الله؟ فقال : أنت من أزواجي (٤) ، وأنت إلى خير.
وقال الثعلبي (٥) : قيل : هم بنو هاشم ـ فهذا على أن البيت يراد به بيت النسب ، فيكون العباس وأعمامه [ وبنو
____________
(١) سقطت من « س ».
(٢) في « ق » : « وبنوه » والمثبت عن « س ».
(٣) ساقطة من « ق ».
(٤) في تفسير ابن عطية : « أنت من أزواج النبي ».
(٥) الثعلبي : هو أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ـ أو الثعالي ـ النيسابوري. كان أوحد زمانه في علم التفسير توفي سنة ٤٢٧ هـ انظر وفيات الاعيان : ترجمة رقم ٣٠ / ٦١ / ٦٢.
أعمامه ] (١) منهم.
وروي نحوه عن زيد بن أرقم ، رضي الله عنه.
* * *
وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر بن ابراهيم القرطبي (٢) ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). قال الزجاج. قيل يراد به نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل يراد به نساؤه ، وأهله الذين هم أهل بيته ، وأهل [ البيت ] (٣) : نصب على المدح. قال : وإن شئت على البدل قال : ويجوز الرفع والخفض. وقال النحاس : إن خفض على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند أبي العباس محمد بن يزيد قال : لا يبدل من المخاطب ، ولا من المخاطب لأنهما لا يحتاجان إلى تبيين : ( ويطهركم تطهيرا ) مصدر فيه معنى التوكيد.
قوله : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة (٤) ) هذه الألفاظ تعطي أن أهل البيت نساؤه.
وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت من هم؟
____________
(١) سقط من « س ».
(٢) انظر تفسير القرطبي : ١٤ / ١٨٢.
(٣) سقطت من « ق » و « س » والمثبت عن القرطبي.
(٤) سورة الأحزاب ، آية : ٣٤.
فقال عطاء ، وعكرمة وابن عباس : هم زوجاته خاصة لا رجل معهن ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ ).
وقال فرقة منهم الكلبي : هم علي وفاطمة والحسن ، والحسين خاصة ، وفي هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واحتجوا بقوله تعالى : ( ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) بالميم ، ولو كان للنساء خاصة لكان : « عنكن » و « يطهركن » ، إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الأهل ، يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك؟ أي إمرأتك ، ونساؤك فيقول : هم بخير. قال الله تعالى : ( أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته [ ١٣١ / ب ] عليكم أهل البيت ) (١).
[ والذي يظهر من الاية أنها عامة في جميع أهل البيت ] (٢) من الازواج وغيرهم ، وإنما قال : ( ويطهركم تطهيرا ) لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليا ، وحسنا ، وحسينا كانوا فيهم ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، فاقتضت الاية أن الزوجات من أهل البيت ؛ لأن
____________
(١) سورة هود ، آية : ٧٣.
(٢) هذه الفقرة سقطت من « س ».
الاية فيهن ، والمخاطبة لهن ، يدل عليه سياق الكلام ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
أما أن أم سلمة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الاية في بيتي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، وفاطمة وحسنا ، وحسينا ، فدخل معهم تحت (١) كساء خيبري ، وقال : هؤلاء أهل بيتي ، وقرأ الاية ، وقال : اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله؟ قال : أنت على مكانك ، وأنت على خير ». أخرجه الترمذي (٢) وغيره (٣) وقال : هذا حديث غريب ، وفي رواية : وقالت أم سلمة : أدخلت رأسي في الكساء وقلت : وأنا منهم [ يا رسول الله؟ ](٤) قال : نعم.
* * *
وقال الثعلبي : هم بنو هاشم .. فهذا يدل على أن البيت يراد به بيت النسب ، فيكون العباس ، وأعمامه وبنو أعمامه منهم.
وروى نحوه عن زيد بن أرقم.
وعلى قول الكلبي يكون قوله : ( واذكرن ) [ ابتداء مخاطبة الله تعالى ، أي مخاطبة أمر الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
____________
(١) في « س » و « ق » : « في » بدل : « تحت » والمثبت عن القرطبي.
(٢) انظر تحفة الأحوذي أبواب التفسير : ٩ / ٦٦ ، ٦٧.
(٣) انظر مسند الإمام أحمد : ٦ / ٢٩٢ ، ٢٩٦.
(٤) زائدة في القرطبي.
على جهة الموعظة ، وتعديد النعمة بذكر ] (١) ما يتلى في بيوتكن من آيات الله تعالى والحكمة. قال أهل العلم بالتأويل : آيات الله : القرآن ، والحكمة : السنة.
والصحيح أن قوله : ( واذكرن ) منسوق على ما قبله ، وقال : ( عنكم ) ، كقوله : ( أهل ) فالأهل مذكر ، فسماهن ـ وإن كن اناثا ـ باسم التذكير ، فلذلك صار ( عنكم ) ، ولا اعتبار بقول الكلبي وأشباهه فإنه توجد له أشياء من هذا التفسير ما [ لو ] كان في زمن لاسلف الصالح لمنعوه [ من ذلك ] وحجروا عليه ؛ فالايات كلها من قوله : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) إلى قوله : ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) (٢) منسوق بعضها على بعض ، فكيف صار في الوسط كلام منفصل لغيرهن؟ إنما هذا شيء جرى في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاية دعا عليا (٣) وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، رضي الله عنهم ، فعمد النبي صلآ الله عليه وسلم الى كساء فلفها عليهم ، ثم ألوى (٤) بيده إلى السماء فقال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي (٥) اللهم أذهب عنهم الرجس
____________
(١) سقطت هذه الفقرة من « ق » والمثبت عن « س » والقرطبي.
(٢) سورة الاحزاب ، الآيات من : ٢٨ إلى ٣٤.
(٣) في « س » و « ق » : دخل عليه علي. والمثبت عن القرطبي : ١٤ / ١٨٤.
(٤) ألوى بيده : أشار.
(٥) في « س » ، « ق » : اللهم هؤلاء أهلي ، والمثبت عن القرطبي.
وطهرهم تطهيرا » (١) فهذه دعوة رسول الله [ ١٣٢ / ا ] صلى الله عليه وسلم بعد نزول الاية أحب أن يدخلهم في الاية التي خوطب بها ( الأزواج ) (٢) ؛ فذهب الكلبي وطائفة (٣) أنها لهم خاصة ، وانما هي دعوة لهم خارجة عن (٤) التنزيل والله أعلم.
* * *
وقال العلامة نجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي (٥) في كتاب « الأشارات الألهية في المباحث الأصولية » (٦). قوله عز وجل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ).
____________
(١) انظر مسند الإمام احمد : ٦ / ٢٩٢.
(٢) سقطت من « س » و « ق » والمثبت عن « القرطبي ».
(٣) عبارة القرطبي : « فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة ، وهي دعوة .. ».
(٤) في القرطبي : « خارجه من ».
(٥) هو سليمان بن عبد القوي المعروف بابن أبي عباس الطوفي. ولد سنة ٦٥٧ هـ ، وأصله من طوف قرية ببغداد ، قدم الشام ، وأقام بمصر مدة ، وشارك في مختلف الفنون ، وله مصنفات فيها. توفي بمدينة الخليل سنة ٧١٦ هـ انظر « الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة » لابن حجر : ٢ / ٢٤٩ / ٢٥٢.
(٦) هذا الكتاب مخطوط وتوجد منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٦٨٧ تفسير. انظر ورقة رقم ١٦٠ ، ١٦١ ، كما توجد نسخة مصورة في معهد المخطوطات بالجامعة العربية تحت رقم ٨ تفسير.
احتج بها الشيعة على أن أهل البيت معصومون ، ثم على أن اجماعهم حجة ؛ أما أنهم معصومون (١) فلأنهم طهروا ، وأذهب الرجس عنهم ، وكل من كان كذلك فهو معصوم.
أما الأولى فلنص هذه الاية.
وأما الثانية فلأن الرجس اسم جامع لكل شر ، ونقص ، والخطأ ، وعدم العصمة بالجملة (٢) شر ونقص ، فيكون ذلك مندرجا تحت عموم الرجس الذاهب عنهم ، فتكون الأصابة في القول ، والفعل ، والأعتقاد ؛ والعصمة بالجملة ثابتة لهم ، وأيضا فلأن الله عز وجل طهرهم ، وأكد تطهيرهم بالمصدر حيث قال : ( ويطهركم تطهيرا ) أي ويطهركم من الرجس وغيره تطهيرا ، إذ هي تقتضي عموم تطهيرهم [ من كل ما ] (٣) ينبغي التطهير منه عرفا ، أو عقلا ، أو شرعا ، والخطأ وعدم العصمة داخل تحت ذلك ، فيكونون مطهرين منه ، ويلزم من ذلك عموم إصابتهم ، وعصمتهم.
ثم أكدوا دليل عصمتهم من الكتاب والسنة في علي رضي الله عنه [ وحده ] (٤) ، وفي فاطمة عليهاالسلام وحدها وفي جميعهم ؛ أما دليل العصمة في علي رضي الله عنه ، فلما ثبت أن
____________
(١) في « ق » : « إما لأنهم » والمثبت عن « س » و « الإشارات ».
(٢) في « ق » : « والجهالة ». والمثبت عن « س » و « الإشارات ».
(٣) في « ق » : « ما ينبغي » والمثبت عن « س ».
(٤) سقطت من « ق » ، والمثبت عن « س » و « الإشارات ».
النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قاضيا قال : يا رسول الله : كيف تبعثني قاضيا ولا علم لي بالقضاء؟ قال : [ إذهب ] (١) فإن الله سيهدي قلبك ، ويسدد لسانك ، ثم ضرب صدره وقال : اللهم اهد قلبه وسدد لسانه » (٢). قالوا : قد دعا له بهداية القلب وسداد اللسان ، وأخبره بأن سيكونان له ، ودعاؤه مستجاب ، وخبره حق وصدق ، ونحن لا نعني بالعصمة إلا هداية القلب للحق ، ونطق اللسان بالصدق ؛ فمن كان عنده للعصمة معنى غير هذا ، أو ما يلازمه فليذكره.
وأما دليل العصمة في فاطمة رضي الله عنها [ ١٣٢ / ب ] فقوله صلى الله عليه وسلم : « فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » (٣) والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم ، فبضعته ـ أي جزؤه ، والقطعة منه يجب أن تكون معصومة.
وأما دليل العصمة في جميعهم ـ أعني عليا ، وفاطمة ، وولديهما
____________
(١) ساقطة من « س ».
(٢) انظر مسند أحمد : ١ / ١١١ ، ١٤٩.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ٥ / ٢٨ وباب مناقب فاطمة عليهاالسلام : ٥ / ٣٦ ، وكتاب النكاح باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف : ٧ / ٤٧. ومسلم كتاب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام ٧ / ١٤٠ ـ ١٤٣.
فلقوله صلى الله عليه وسلم : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا (١) حتى يردا علي الحوض » ، رواه الترمذي (٢).
ووجه دلالته أنه لازم بين أهل بيته ، والقرآن والمعصوم ، وما لازم المعصوم فهو معصوم. قالوا : واذا ثبت عصمة أهل البيت وجب أن يكون اجماعهم (٣) حجة لامتناع الخطأ ، والرجس عليهم بشهادة السمع المعصوم ، والا لزم وقوع الخطأ فيه ، وأنه محال.
واعترض الجمهور بأن قالوا : لا نسلم أن أهل البيت في الاية من ذكرتم ، بل هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم بدليل سياقها وانتظام ما استدللتم به معه ، فإن الله تعالى قال : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن إتقيتن ) (٤) الاية. ثم استطردها إلى أن قال : ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ، وأطعن الله ورسوله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات
____________
(١) في « الاشارات » يتفرقا.
(٢) انظر تحفة الأحوذي ، أبواب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الحديث : ٣٨٧٤ ، ٣٨٧٦ / ١٠ / ٢٨٧ / ٢٩٠.
(٣) في « ق » : « اجتماعهم » والمثبت عن « س » ، و « الاشارات ».
(٤) سورة الأحزاب : ٣٢.
الله والحكمة ) الاية. فخطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، مكتنفا لذكر أهل البيت قبله ، وبعده منتظم له ، فاقتضى أنهن المراد به ، وحينئذ لا يكون لكم في الاية متعلق أصلا ، ويسقط الأستدلال بها بالكلية .. سلمناه ؛ لكن لا نسلم أن المراد بالرجس ما ذكرتم ، بل المراد به رجس الكفر ، أو نحوه من المسميات الخاصة.
وأما ما أكدتم به عصمتهم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها ، مع أن دلالتها ضعيفة.
وأجاب الشيعة بأن قالوا : الدليل على أن أهل البيت في الاية [ هم ] (١) من ذكرنا : النص والأجماع ؛ أما النص فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بقي بعد نزول هذه الاية ستة أشهر يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة رضي الله عنها [ ١٣٣ / ا ] فينادي الصلاة يا أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). رواه الترمذي وغيره (٢) وهو تفسير منه لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها رضي الله عنها ، وهو نص ، وأنص منه حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أرسل خلف عليّ وفاطمة وولديهما ـ رضي الله عنهم ـ فجاؤا فأدخلهم
____________
(١) زائدة في « الاشارات ».
(٢) انظر « تحفة الأحوذي » تفسير سورة الأحزاب الحديث : ٣٢٥٩ : ٩ / ٦٧ / ٦٨ ، و « مسند أحمد » ٣ / ٢٥٩ ، ٢٨٥.
تحت الكساء ، ثم جعل يقول : « اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي ، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ـ وفي رواية حامتي (١) ـ اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة : فقلت يا رسول الله ، ألست من أهل بيتك؟ قال : أنت إلى خير ». رواه أحمد (٢) وهو نص في أهل البيت ، وظاهر في أن نساءه لسن منهم ، لقوله لأم سلمة : « أنت إلى خير » ، ولم يقل : بلى أنت منهم.
وأما الأجماع فلأن الأمة إتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا اطلق انما ينصرف إلى من ذكرناه دون النساء [ ولو ] (٣) لم يكن إلا شهرته فيهم كفى.
وإذا ثبت ما ذكرناه من النص والاجماع أن أهل البيت علي وزوجته وولده ، فما استدللتم به من سياق الاية ، ونظمه على خلافه لا يعارضه لأنه مجمل يحتمل الأمرين ، وقصاراه أنه ظاهر فيما ادعيتم ، لكن الظاهر لا يعارض النص والأجماع ، ثم ان الكلام العربي يدخله الاستطراد والاعتراض ، وهو تخلل الجملة الاجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب ، كقوله تعالى ( ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة
____________
(١) حامة الإنسان : خاصته.
(٢) مسند أحمد : ٦ / ٢٩٢ ، ٢٩٨ ، ٣٠٤.
(٣) ساقطة من « ق » والمثبت عن « س ».