تربية الطفل في الاسلام

السيد شهاب الدين الحسيني

تربية الطفل في الاسلام

المؤلف:

السيد شهاب الدين الحسيني


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-55-2
الصفحات: ١١٥

Description: image001

١

٢

Description: image002

٣

٤



مقدمة المركز

حاول علماء التربية قديماً وحديثاً أن يهتدوا إلىٰ منهجٍ تربويّ شامل يُعنىٰ بتحديد الأساليب والقيم والمعايير الكفيلة بدراسة ما يناسب مرحلة الطفولة والصبا. وقد بذلوا في هذا الصدد جهوداً كبيرة وشاقة ومتواصلة حتىٰ استطاعوا التوصل إلىٰ نظرات ومقترحات وتوصيات تُعدُّ ـ من وجهة علمية ـ قيّمة ونافعة ، إلاّ أنهم لم يتمكنوا ـ مع ذلك ـ من تحديد المنهج الدقيق الذي يمكن الاستناد إليه في معالجة المشاكل المعقدة ، التي تكتنف تلك المرحلة الحساسة من عمر الإنسان ، كما أخفقوا في حلِّ الصعوبات المتزايدة يوماً بعد آخر التي تواجه الآباء والاُمهات والمربين في هذا المجال.

ولعل من المؤسف حقاً أنّ تتوجه أنظار كثير من المسلمين ـ وخاصةً العاملين منهم في حقل التربية ـ إلىٰ مدارس الغرب التربوية ليتلقوا عنهم مناهجهم التربوية ، وأن يفوتهم أنّ في الشريعة الإسلامية العلاج الناجع لجميع ما استُعصي عليهم حلُّه ، وأنَّ في سيرة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي سيرة أهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام معيناً لا ينضب من الوصايا والإرشادات ، والتعاليم والتوجيهات التي لو استخدمت في الحقل التربوي ، ووظّفت في مجالاته المتعددة ، لكانت كفيلة بترسيخ أروع القيم والمثل العليا في نفس الطفل ، ولأقامتَه بناء سليماً معافىً ، ولجعلت منه شخصية سويّة قادرة علىٰ القيام بدورها ـ كما ينبغي ـ في بناء المجتمع.

٥

إنَّ المنهج الإسلامي الذي يمكن تحديد معالمه وقواعده بالاستناد إلىٰ القرآن الكريم والسُنّة النبوية المطهرة وما أُثر عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام يهدف إلىٰ تحقيق تربيةٍ متزنة للطفل تبدأ من قبل أن ينعقد جنيناً في رحم الأُم وتستمر معه إلىٰ أن يشبَّ عن الطوق ، مروراً بمرحلة الحمل ، والولادة والرضاعة ، والطفولة المبكرة.

والكتاب الذي بين يديك ـ أيُّها القارئ العزيز ـ استطاع أن يحدد ملامح المنهج التربوي الإسلامي الذي يُعنىٰ بكيفية إعداد الطفل نفسياً وعقلياً وسلوكياً ، مستنداً ـ في ذلك ـ إلىٰ آيات القرآن الكريم ، وإلىٰ المأثور عن الرسول الأعظم نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن أهل البيت الطاهرين عليهم‌السلام. مستفيداً أيضاً من الدراسات العلمية الحديثة في هذا الإطار.

ويسرّ مركزنا أن يقدّم هذه الدراسة الممتعة والنافعة إسهاماً منه في خدمة الآباء والاُمهات والمشتغلين في أُمور تربية الطفل ، وذلك بتيسير أوضح السبل وأكثرها دقة وأماناً في تنشئة الطفل نشأة قويمة صالحة ؛ لكي يؤدي دوره المنشود.

والله ولي التوفيق

مركز الرسالة

٦

المقدِّمة

الاسرة هي المؤسسة الاولىٰ والاساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعية ، ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في إدامتها علىٰ أساس الصلاح والخير والبناء الفعّال. والاسرة نقطة البدء التي تزاول انشاء وتنشئة العنصر الإنساني ، فهي نقطة البدء المؤثرة في كلِّ مراحل الحياة ايجاباً وسلباً ، ولهذا أبدىٰ الإسلام عناية خاصة بالاسرة منسجمة مع الدور المكلفة بأدائه ، فوضع القواعد الاساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، وتوزيع الاختصاصات ، وتحديد الواجبات المسؤولة عن أدائها ، وخصوصاً تربية الطفل تربية صالحة وتربية سليمة متوازنة في جميع جوانب الشخصية الفكرية والعاطفية والسلوكية. ودعىٰ الاسلام إلىٰ المحافظة علىٰ كيان الاسرة وإبعاد أعضائها من عناصر التهديم والتدمير ومن كلِّ ما يؤدي إلىٰ خلق البلبلة والاضطراب في العلاقات التي تؤدي إلىٰ ضياع الاطفال بتفتيت الكيان الذي يحميهم ويعدّهم للمستقبل الذي ينتظرهم. وجاءت تعليمات الإسلام وإرشاداته لتخلق المحيط الصالح لنمو الطفل جسدياً وفكرياً وعاطفياً وسلوكياً ، نموّاً سليماً يطيق من خلاله الطفل أو إنسان المستقبل مقاومة تقلبات الحياة والنهوض بأعبائها ، ولهذا ابتدأ المنهج الاسلامي مع الطفل منذ المراحل الاولىٰ للعلاقة الزوجية مروراً بالولادة والحضانة ومرحلة ما قبل البلوغ وانتهاءً بالاستقلالية الكاملة بعد الاعتماد

٧

علىٰ النفس.

ونوزع البحث هنا علىٰ فصول : نتناول في الفصل الأول : المنهج التربوي العام في العلاقات الأُسرية ، ثم نعرض في الفصل الثاني : ( مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل ) ، ونتناول في الفصل الثالث : ( مرحلة ما بعد الولادة مرحلة الرضاعة ) ، ثم نعرض في الفصل الرابع ما يتعلق بمرحلة الطفولة المبكرة ، وأخيراً نتناول في الفصل الخامس : المرحلة الاخيرة ( مرحلة الصبا والفتوة ) ، وسنقوم بالافادة من الآيات والروايات خاصة الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، مستفيدين من المعطيات العلمية الحديثة.

ومنه تعالىٰ نستمد العون والتسديد

٨



الفصل الأول

المنهج التربوي العام في العلاقات الأُسرية

العلاقات الأُسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الاسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها علىٰ نمو الطفل وتربيته ، وايصاله إلىٰ مرحلة التكامل والاستقلال.

والأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأُُسرة للطفل تمنحه القدرة علىٰ التكيّف الجدّي مع نفسه ومع اسرته ومع المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان الاسرة بحاجة إلىٰ منهج تربوي ينظم مسيرتها ، فيوزع الادوار والواجبات ويحدّد الاختصاصات للمحافظة علىٰ تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية.

وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي :

أولاً : الاتفاق علىٰ منهج مشترك

للمنهج المتبنّى في الحياة تأثير علىٰ السلوك ، فهو الذي يجعل الايمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع ويحوّل هذه الحركة إلىٰ عادة ثابتة ، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يُحدد لها من تعاليم

٩

وبرامج ، ووحدة المنهج تؤدي إلىٰ وحدة السلوك ، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك من حيثُ الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة ، فيجب علىٰ الوالدين الاتفاق علىٰ منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والادوار والواجبات في مختلف الجوانب ، والمنهج الاسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنيها في الاسرة المسلمة ، فهو منهج ربانّي موضوع من قبل الله تعالى المهيمن علىٰ الحياة بأسرها والمحيط بكل دقائق الامور وتعقيدات الحياة ، وهو منهج منسجم مع الفطرة الإنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق ، وهو موضع قبول من الإنسان المسلم والأُُسرة المسلمة ، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالىٰ ، وهذه الخاصية تدفع الاسرة إلىٰ الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها ، فلا مجال للنقاش في خطئه أو محدوديته أو عدم القدرة علىٰ تنفيذه ، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الأُسرية التي تساعد علىٰ تربية الطفل تربية صالحة وسليمة ، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الادوار ، فان تعاليم المنهج الاسلامي تتدخل لانهائه وتجاوزه.

والمنهج الاسلامي وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والادوار والسلوك ، امّا القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلية ومصاديقها فانها تتغير بتغير الظروف والعصور ، فيجب علىٰ الوالدين الاتفاق علىٰ تفاصيل التطبيق ، وعلىٰ قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما ، سواءً في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الاطفال والاسلوب التربوي الذي يجب اتّباعه معهم ؛ لانّ الاختلاف في طرق التعامل وفي اسلوب

١٠

العلاقات يؤدي إلىٰ عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل ، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أُخرىٰ فيتّبع سلوكين في آنٍ واحد ، وهذا ما يؤدي إلىٰ اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي. ( فان الاطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الاب والام فيما يخص تربية اطفالهم يكونون اطفالاً معضلين أكثر ممن عداهم ) (١).

ثانياً : علاقات المودّة

من واجبات الوالدين إشاعة الودّ والاستقرار والطمأنينة في داخل الاسرة ، قال تعالىٰ : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً.. ) (٢).

فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين علاقة مودّة ورحمة وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للاعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، وهي رابطة تؤدي إلىٰ تماسك الاسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموّحد ، والمودّة والرحمة تؤدي إلىٰ الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوقات الطارئة علىٰ الاسرة ، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل ، يقول الدكتور سپوك : ( اطمئنان الطفل الشخصي والاساسي يحتاج دائماً إلىٰ تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلىٰ انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة ) (٣).

__________________

(١) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : ١١١ ـ دار العلم للملايين ١٩٨٥ ط ١١.

(٢) الروم ٣٠ : ٢١ ، يراجع الميزان.

(٣) مشاكل الآباء في تربية الابناء ، للدكتور سپوك : ٤٤ ـ المؤسسة العربية للدراسة والنشر ١٩٨٠ ط ٣.

١١

ويجب علىٰ الزوجين ادامة المودّة في علاقاتهما في جميع المراحل ، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها ، والمودّة فرض من الله تعالىٰ فتكون ادامتها استجابة له تعالىٰ وتقرباً إليه ، وقد أوصىٰ الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام بها فقال : « وامّا حقّ رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم ان الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله علىٰ صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وان كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية ، فانّ لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون اليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها وذلك عظيم.. » (١).

وقد رَكّز أهل البيت عليهم‌السلام علىٰ إدامة علاقات الحبّ والمودّة داخل الاسرة ، وجاءت توصياتهم موجهة إلىٰ كلٍّ من الرجل والمرأة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي » (٢).

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام: « رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته » (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اتخذّ زوجة فليكرمها » (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوصاني جبرئيل عليه‌السلام بالمرأة حتىٰ ظننت انه لا ينبغي

__________________

(١) تحف العقول ، للحرّاني : ١٨٨ ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف ١٣٨٠ ه‍ ط ٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق ٣ : ٢٨١ / ١٤ باب حق المرأة علىٰ الزوج.

(٣) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق ٣ : ٢٨١ ـ دار صعب ـ بيروت ١٤٠١ ه‍.

(٤) مستدرك الوسائل ، للنوري ٢ : ٥٥٠ ـ المكتبة الإسلامية طهران ١٣٨٣ ه‍.

١٢

طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة » (١).

فأقوال أهل البيت عليهم‌السلام وتوصياتهم في الإحسان إلىٰ المرأة وتكريمها ، عامل مساعد من عوامل إدامة المودة والرحمة والحب.

وقد أوصىٰ أهل البيت عليهم‌السلام المرأة بما يؤدي إلىٰ ادامة المودة والرحمة والحب إنْ التزمت بها ، ومنها طاعة الزوج ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت » (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر اليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله » (٣). وشجّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزوجة علىٰ اتباع الاسلوب الحسن في إدامة المودة والرحمة ، بالتأثير علىٰ قلب الزوج وإثارة عواطفه ( جاء رجل إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : ما يهمّك ، ان كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك ، وان كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بشّرها بالجنة وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً ، ـ وفي رواية ـ ان لله عز وجل عمّالاً وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد » ) (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق ٣ : ٢٧٨ / ١ باب حق المرأة علىٰ الزوج.

(٢) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : ٢٠١ ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم ١٤١٠ ه‍ ط ٢.

(٣) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : ٢٠٠ ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم ١٤١٠ ه‍ ط ٢.

(٤) مكارم الاخلاق : ٢٠٠.

١٣

وقال الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : « جهاد المرأة حسن التبعّل » (١).

ومن العوامل المساعدة علىٰ ادامة المودّة والحب وكسب ودّ الزوج ، هي الانفتاح علىٰ الزوج واجابته إلىٰ ما يريد ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : « خير نسائكم التي اذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء وإذا لبست لبست معه درع الحياء » (٢).

فهي منفتحة مع زوجها مع تقدير مكانته ، وبعبارة أخرىٰ التوازن بين الاحترام وعدم التكلّف.

وحدّد الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام العوامل التي تعمّق المودة والرحمة والحب داخل الاسرة فقال : « لا غنىٰ بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها.

ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهي : صيانة نفسها عن كلِّ دنس حتىٰ يطمئن قلبه إلىٰ الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها ، واظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه » (٣).

وعلاقات المودة والرحمة والحب ضرورية في جميع مراحل الحياة ، وخصوصاً في مرحلة الحمل والرضاعة ، لان الزوجة بحاجة الىٰ الاطمئنان والاستقرار العاطفي ؛ وان ذلك له تأثير علىٰ الجنين وعلىٰ

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٨ / ٦ باب حق الزوج علىٰ المرأة.

(٢) الكافي ، للكليني ٥ : ٣٢٤ / ٢ باب خير النساء ، كتاب النكاح ـ دار التعارف بيروت ١٤٠١ ه‍ ط ٣.

(٣) تحف العقول : ٢٣٩.

١٤

الطفل في مرحلة الرضاع كما سيأتي.

ثالثاً : مراعاة الحقوق والواجبات

وضع المنهج الاسلامي حقوقاً وواجبات علىٰ كلِّ من الزوجين ، والمراعاة لها كفيل باشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الاسرة ، فالتقيد من قبل الزوجين بالحقوق والواجبات الموضوعة لهم يساهم في تعميق الاواصر وتمتين العلاقات الوديّة وينفي كلّ أنواع المشاحنات والتوترات المحتملة ، والتي تؤثر سلبياً علىٰ جو الاستقرار الذي يحيط بالاسرة والمؤثر بدوره علىٰ التوازن الانفعالي للطفل.

ومن أهم حقوق الزوج هو حق القيمومة ، قال الله تعالىٰ : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.. ) (١). فالواجب علىٰ الزوجة مراعاة هذا الحق لانّ الحياة الأُسرية لا تسير بلا قيمومة ، والقيمومة للرجل منسجمة مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلِّ من الزوجين ، وان تراعي هذهِ القيمومة في تعاملها مع الاطفال وتشعرهم بمقام والدهم.

وأهم الحقوق بعد حق القيمومة كما في جواب قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ سؤال امرأة عن حق الزوج علىٰ المرأة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدَّق من بيتها شيئاً إلاّ باذنه ولا تصوم تطوعاً إلاّ باذنه ، ولا تمنعه نفسها وان كانت علىٰ ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلاّ باذنه.. » (٢).

__________________

(١) النساء ٤ : ٣٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٧ / ١ باب حق الزوج علىٰ المرأة.

١٥

ومن حقوق الزوج قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حق الرجل علىٰ المرأة انارة السراج واصلاح الطعام وان تستقبله عند باب بيتها فترحّب به وان تقدّم اليه الطشت والمنديل وان توضّئه وان لا تمنعه نفسها إلاّ من علّة » (١).

ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تؤدي المرأة حق الله عزّ وجل حتىٰ تؤدي حق زوجها » (٢).

ووضع المنهج الاسلامي حقوقاً للزوجة يجب علىٰ الزوج مراعاتها ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام جواباً علىٰ سؤال اسحاق بن عمار عن حق المرأة علىٰ زوجها فقال عليه‌السلام : « يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها » (٣).

وأجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة فقال : « حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ويكسوك مما يلبس ولا يلطم ولا يصيح في وجهك » (٤).

ومن حقها مداراة الزوج لها وحسن صحبته لها ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : « إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها علىٰ كلِّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك » (٥).

ومن حقّ الزوجة وباقي أفراد العائلة هو اشباع حاجاتهم المادية ، قال

__________________

(١) مكارم الاخلاق ٢١٥.

(٢) مكارم الاخلاق ٢١٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ٢ باب حق المرأة علىٰ الزوج.

(٤) مكارم الاخلاق ٢١٨.

(٥) مكارم الاخلاق ٢١٨.

١٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الكادّ علىٰ عياله كالمجاهد في سبيل الله » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ملعون ملعون من يضيع من يعول » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حقُّ المرأة علىٰ زوجها أن يسدَّ جوعتها وأنْ يستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً فاذا فعل ذلك فقد أدّىٰ والله حقها » (٣).

والالتزام بحقوق الزوج من قبل الزوجة وبحقوق الزوجة من قبل الزوج ضروري لاشاعة الاستقرار في اجواء الاسرة ، فيكون التفاعل ايجابياً ويدفع كلا الزوجين للعمل من أجل سعادة الاسرة وسعادة الاطفال ، واستقرار المرأة في مرحلة الحمل والرضاعة ومرحلة الطفولة المبكرة يؤثر في استقرار الطفل واطمئنانه ، والانطلاق في الحركة علىٰ ضوء ما مرسوم له من نصائح وارشادات وتوجيهات فينشأ مستقر الشخصية سوّي في افكاره وعواطفه وسلوكه.

رابعاً : تجنب إثارة المشاكل والخلافات

المشاكل والخلافات في داخل الاسرة تخلق أجواءً متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي في أغلب الاحيان إلىٰ انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الاسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الاسرة بما فيها الاطفال ، حيثُ تؤدي الخلافات والأوضاع المتشنجة بين الوالدين إلىٰ خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي

__________________

(١) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلّي : ٧٢ ـ مكتبة الوجداني قم.

(٢) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلّي : ٧٢ ـ مكتبة الوجداني قم.

(٣) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلّي : ٨١ ـ مكتبة الوجداني قم.

١٧

يعيشها ، بدءاً بالاشهر الاولىٰ من الحمل ، والسنين الاولىٰ من الولادة والمراحل اللاحقة بها.

والأجواء المتوترة تترك آثارها علىٰ شخصية الطفل المستقبلية ، و ( إنّ الاضطرابات السلوكية والامراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله ، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للابوين كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الامن النفسي ) (١).

ويقول العالم جيرارد فوجان : ( والام التي لا تجد التقدير الكافي كإنسانة وأم وزوجة في المنزل لا تستطيع ان تعطي الشعور بالامن ) (٢).

فالشعور بالامن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سوياً متزناً ، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة ، والطفل في حالة مثل هذه يكون متردداً حيراناً لا يدري ماذا يفعل ، فهو لا يستطيع إيقاف النزاع والخصام وخصوصاً اذا كان مصحوباً بالشدة ، ولا يستطيع ان يقف مع أحد والديه دون الآخر ، اضافة إلىٰ محاولات كلّ من الوالدين بتقريب الطفل اليهما باثبات حقّه واتهام المقابل باثارة المشاكل والخلافات ، وكل ذلك يترك بصماته الداكنة علىٰ قلب الطفل وعقله وارادته.

يقول الدكتور سپوك : ( إنّ العيادات النفسية تشهد آلاف الحالات من

__________________

(١) أضواء علىٰ النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : ٣٠٢ ـ دار الثقافة بيروت ـ ١٤٠٧ ه‍ ط ١.

(٢) أضواء علىٰ النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : ٣٠٢ ـ دار الثقافة بيروت ـ ١٤٠٧ ه‍ ط ١.

١٨

الابناء الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد ، ان هؤلاء الابناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر ، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس ، فيخافون من اقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون ان معنىٰ تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الاهانات ) (١) . ويختلف نوع التشنجات والخلافات من أُسرة إلىٰ أخرىٰ ، ويختلف اسلوب التعبير عن التشنجات من اسرة إلىٰ أخرىٰ ، فقد يكون التعبير بالالفاظ الخشنة البذيئة والاهانات المستمرة ، وقد يكون بالضرب واستخدام العقاب البدني ، ويلتقط الاطفال الممارسات التي تحدث اثناء الخلافات فتنعكس علىٰ سلوكهم الآني والمستقبلي ، فنجد في كثير من العوائل أن الابن يهين الام أو يضربها ، أو يستخدم نفس الاسلوب مع زوجته حين الكبر.

ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنجات بين الزوجين ، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وانهائها ، فقد وضع الاسلام منهجاً متكاملاً إزاء الخلافات والتشنجات ، وقد مرّ في النقاط السابقة التأكيد علىٰ تعميق المودّة والرحمة داخل الاسرة ، ووضع برنامج للحقوق والواجبات بين الزوجين ، والأهم من ذلك وضع برنامجٍ في اسلوب اختيار الزوج أو الزوجة كما سيأتي. والمنهج الاسلامي يبتني علىٰ اسلوب الحث والتشجيع علىٰ الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث ، وعلىٰ اسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية أو التي تؤدّي إلىٰ الخلافات.

__________________

(١) مشاكل الآباء في تربية الابناء : ٤٥.

١٩

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون علىٰ أهليهم ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم » (١).

وشجّع الامام محمد الباقر عليه‌السلام علىٰ تحمّل الإساءة ، لان ردّ الاساءة بالاساءة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ، فقال عليه‌السلام : « من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة » (٢). وشجّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرجل علىٰ الصبر علىٰ سوء أخلاق الزوجة فقال : « من صبر علىٰ سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطىٰ أيوب علىٰ بلائه » (٣).

والصبر علىٰ الإساءة من الزوجة أمر غير متعارف عليه لولا انّه من توجيهات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيكون محبوباً ومرغوباً من قبل الزوج المتديّن وليس فيه أي إهانة لكرامته فيصبر عن رضا وقناعة.

والاقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعامله مع زوجاته يخفّف الكثير من التشنجات ، وكذلك الاقتداء بسيرة أهل البيت عليهم‌السلام ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : « كانت لأبي عليه‌السلام امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها » (٤). ونهىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن استخدام العنف مع الزوجة فقال : « أيُّ رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزّ وجل مالك خازن النيران فيلطمه علىٰ حرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنّم » (٥).

__________________

(١) مكارم الاخلاق ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٢) مكارم الاخلاق ٢١٦.

(٣) مكارم الاخلاق ٢١٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ٤ باب حق المرأة علىٰ الزوج.

(٥) مستدرك الوسائل ٢ : ٥٥٠.

٢٠