زبدة التّفاسير - ج ٣

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٣

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-05-1
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٦

قلوب الرجال من كثير حيل الرجال ، ولأنهنّ يواجهن به الرجال ، والشيطان يوسوس به مسارقة ، ومنه قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) (١). وعن بعض العلماء : أنا أخاف من النساء أكثر من أن أخاف من الشيطان ، لأنّ الله تعالى يقول : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٢) ، وقال للنساء : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ).

(يُوسُفُ) حذف منه حرف النداء ، لقربه وتفطّنه للحديث (أَعْرِضْ عَنْ هذا) اكتمه ولا تحدّث به (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) يا راعيل (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) من القوم المتعمّدين الذنب. يقال : خطئ إذا أذنب متعمّدا. والتذكير للتغليب.

قيل : إنّ قطفيرا لم يكن غيورا ، سلبه الله الغيرة لطفا منه بيوسف ، حتّى كفى شرّه ، ولذلك قال ليوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) واقتصر على هذا القدر.

(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ

__________________

(١) الفلق : ٤.

(٢) النساء : ٧٦.

٣٦١

رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥))

ثمّ ذكر سبحانه شياع هذه القصّة ، فقال : (وَقالَ نِسْوَةٌ) هي اسم لجمع امرأة لا جمع ، من قبيل القوم والرهط للرجال. وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقيّ ، ولذلك جرّد فعله عن التاء. (فِي الْمَدِينَةِ) ظرف لـ «قال» ، أي : أشعن الحكاية في مصر. أو صفة لـ «نسوة» أي : نسوة كائنة في المدينة. وكنّ خمسا : زوجة الحاجب ، والساقي ، والخبّاز ، والسجّان ، وصاحب الدوابّ ، أي : رائضها (١).

(امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) تطلب مواقعة غلامها إيّاها. يقال : فتاي وفتاتي ، أي : غلامي وجاريتي. والعزيز بلسان العرب الملك. وأصل فتى فتي ، لقولهم : فتيان. والفتوّة شاذّة. (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) شقّ شغاف قلبها ـ وهو حجابه ـ حتّى وصل إلى فؤادها حبّا. ونصبه على التمييز ، لصرف الفعل عن يوسف ، ويعلم أنّ الحبّ شغفها ، إذ التمييز في الأصل فاعل. (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في ضلال عن الرشد ، وبعد عن الصواب.

(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ) باغتيابهنّ ، وهو قولهنّ : امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني. وإنّما سمّاه مكرا لأنّهنّ أخفينه ، كما يخفي الماكر مكره. أو قلن ذلك لتريهنّ يوسف. أو لأنّها استكتمتهنّ سرّها ، فأفشينه عليها. (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ)

__________________

(١) الرائض : الذي يعلّم الدوابّ السير ويذلّلها ويطوّعها.

٣٦٢

تدعوهنّ لاستضافتهنّ. قيل : دعت أربعين امرأة فيهنّ الخمس المذكورات.

(وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) ما يتّكئن عليه من الوسائد (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) حتّى يتّكئن والسكاكين بأيديهنّ ، ليقطعن به الأترج (١) وغيره من الفواكه ، كما هو العادة بين الناس.

وقيل : «متّكئا» يعني : طعاما أو مجلس طعام ، لأنّهم كانوا يتّكئون للطعام والشراب ترفا واستراحة ، كعادة المترفين ، ولذلك نهي أن يأكل الرجل متّكئا.

وقيل : المتّكأ طعام يحزّ حزّا ، كأنّ القاطع يتّكئ عليه بالسّكين.

(وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) عظّمنه ، وهبن حسنه الفائق ، وجماله الرائق. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت يوسف في السماء الثانية ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر».

وقيل : كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران ، كما يرى نور الشمس من الماء عليها. وقيل : ما كان أحد يستطيع وصف يوسف ، فيبهتن ويشغلن عن نفوسهنّ ، فتقع أيديهنّ على أيديهنّ ، لزوال اقتدارهنّ ، وذهاب عقولهنّ.

وقيل : أكبرن بمعنى : حضن ، من : أكبرت المرأة إذا حاضت ، لأنّها بالحيض تخرج من حدّ الصغر إلى حدّ الكبر. والهاء ضمير مصدر : أكبرن ، أو ليوسف على حذف اللام ، أي : حضن له من شدّة الشبق ، كما قيل : المرأة إذا اشتدّت غلمتها حاضت ، أي : كلّما رأين حسنه الفائق حضن لشدّة الشبق.

(وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) تنزيها له من صفات العجز ، وتعجّبا من قدرته على خلق مثله. وأصله : حاشا ، كما قرأه أبو عمرو في الدرج لا في الوقف ، فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا. وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء ، تقول : أساء القوم حاشا زيد ، فوضع موضع التنزيه. واللام للبيان ، كما في قولك : سقيا لك. فمعنى حاشا لله : براءة الله وتنزيهه

__________________

(١) الأترج : واحدته الاترجّة ، شجر من جنس الليمون.

٣٦٣

عن صفات العجز ، والتعجّب من قدرته على خلق مثله في فرط الحسن وغاية الجمال.

وقيل : «حاشا» فعل من الحشا الّذي هو الناحية ، وفاعله ضمير يوسف ، أي : صار في ناحية بعيدة لله تعالى ممّا يتوهّم فيه من عجزه عن خلق جميل مثله. وأمّا قوله : (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (١) فتعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله.

(ما هذا بَشَراً) لأنّ هذا الجمال غير معهود للبشر. وهو على لغة الحجاز في إعمال «ما» عمل «ليس» ، لمشاركتهما في نفي الحال. (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) فإنّ الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواصّ الملائكة. أو لأنّ جماله فوق جمال البشر ، ولا يفوقه فيه إلّا الملك ، لما هو مركوز في الطباع أنّه لا أحسن من الملك ، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان ، ولذلك يشبّه كلّ متناه في الحسن والقبح بهما.

(قالَتْ فَذلِكُنَ) أي : فهو ذلك العبد الكنعاني (الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) في الافتتان به قبل أن تتصوّرنه حقّ تصوّره ، ولو تصوّرتنّه بما عاينتنّ لعذرتنّني. أو فهذا هو الّذي لمتنّني فيه ، فوضع «ذلك» موضع «هذا» رفعا لمنزلة المشار إليه.

(وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) فامتنع أشدّ امتناع ، واجتهد في الاستزادة من العصمة طالبا لها. ونحوه : استمسك. أقرّت لهنّ حين عرفت أنّهنّ يعذرنها ، كي يعاونّها على إلانة عريكته. وهذا برهان قويّ على أنّ يوسف بريء ممّا أضاف إليه الحشويّة من همّ المعصية.

(وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) أي : ما آمر به ، فحذف الجارّ. أو أمري إيّاه ، بمعنى : موجب أمري ، فيكون الضمير ليوسف عليه‌السلام. (لَيُسْجَنَنَ) ليحبسنّ في

__________________

(١) يوسف : ٥١.

٣٦٤

السجن (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأذلّاء. وهو من : صغر بالكسر يصغر صغرا وصغارا. والصغير من : صغر بالضمّ صغرا.

فلمّا رأى يوسف إصرارها على ذلك وتهديدها له اختار السجن على المعصية (قالَ رَبِّ السِّجْنُ) قرأ يعقوب بفتح السين على المصدر (أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أي : أخفّ عليّ وأسهل من مواتاتها زنا ، نظرا إلى العاقبة ، وإن كان هذا ممّا تشتهيه النفس ، وذلك ممّا تكرهه. وإسناد الدعوة إليهنّ جميعا لأنّهن خوّفنه من مخالفتها ، وزيّنّ له مطاوعتها ، وقلن له : أطع مولاتك ، فإنّها مظلومة وأنت تظلمها. أو دعونه إلى أنفسهنّ ، لما روى أبو حمزة عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «أنّ النسوة لمّا خرجن من عنده أرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف ـ سرّا من صاحبته ـ تسأله الزيارة».

وقيل : إنّما ابتلي بالسجن لقوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) ، وإنّما كان الأولى به أن يسأل الله تعالى العافية ، ولذلك ردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من كان يسأل الصبر.

(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي) وإن لم تصرف عنّي (كَيْدَهُنَ) في تحبيب ذلك إليّ وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة. فزع منه إلى ألطاف الله وعصمته ، كعادة الأنبياء والصالحين فيما عزموا عليه ووطّنوا عليه أنفسهم ، (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أمل إلى جانبهنّ ، أو إلى أنفسهنّ ، بطبعي ومقتضى شهوتي. والصبوة الميل إلى الهوى. ومنه الصبا ، لأنّ النفوس تستطيبها وتميل إليها. (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه ، فإنّ الحكيم لا يفعل القبيح. أو من الّذين لا يعملون بما يعلمون ، فإنّهم والجهّال سواء.

(فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) فأجاب الله دعاءه الّذي تضمّنه قوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ) ، لأنّ فيه معنى طلب الصرف والدعاء باللطف (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) فثبّته بالعصمة حتّى وطّن نفسه على مشقّة السجن ، وآثرها على اللذّة المتضمّنة للعصيان (إِنَّهُ هُوَ

٣٦٥

السَّمِيعُ) لدعاء الملتجئين إليه (الْعَلِيمُ) بأحوالهم وما يصلحهم.

(ثُمَّ بَدا لَهُمْ) ثمّ ظهر للعزيز وأهله (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) الشواهد الدالّة على براءة يوسف ، كشهادة الصبيّ ، وقدّ القميص ، وقطع النساء أيديهنّ ، واستعصامه عنهنّ. وفاعل «بدا» مضمر ، وهو : رأي ، يفسّره قوله : (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) وذلك لأنّ راعيل خدعت زوجها ، وحملته على سجنه زمانا حتّى تبصر ما ترصّدت منه ، أو يحسب الناس أنّه المجرم ، فلبث في السجن سبع سنين.

(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢))

٣٦٦

ثمّ أخبر سبحانه عن حال يوسف في السجن ، فقال : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) أي : اتّفق أن أدخل مع يوسف السجن حينئذ آخران من عبيد الملك ، فإنّ «مع» يدلّ على معنى الصحبة ، فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له.

وهما شرابيّه وخبّازه ، للاتّهام بأنّهما يريدان أن يسمّاه. (قالَ أَحَدُهُما) يعني : الشرابي (إِنِّي أَرانِي) أي : في المنام. وهي حكاية حال ماضية. (أَعْصِرُ خَمْراً) أي : عنبا. وسمّاه بما يئول إليه ، كما يقال : فلان يطبخ الدبس والآجرّ ، وإنّما يطبخ العصير واللبن. (وَقالَ الْآخَرُ) أي : الخبّاز (إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) تنهش (١) منه.

عن الشعبي أنّهما تحالما له ليمتحناه ، فقال الشرابي : إنّي أراني في المنام في بستان فإذا أنا بأصل حبلة (٢) عليها ثلاثة عناقيد من عنب ، فقطفتها وعصرتها في كاس الملك ، وسقيته إيّاه. وقال الخبّاز : إنّي أراني في المنام فوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة ، فإذا سباع الطير تنهش منها.

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «النهش أول ما يأخذ الطير بمنقاره. منه».

(٢) في هامش النسخة الخطّية : «الحبلة ـ بالتحريك ـ القضيب من الكرم. وربما جاء بالتسكين. منه».

٣٦٧

ثمّ قالا ليوسف : (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) بتعبير ما نقصّ عليك وما يئول إليه أمره (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) من الّذين يحسنون تأويل الرؤيا. أو من العالمين ، يقال : أحسنه إذا علمه. وإنّما قالا ذلك لأنّهما رأياه في السجن يعظ الناس ويعبّر رؤياهم.

أو من المحسنين إلى أهل السجن ، فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه.

روي أنّه كان إذا مرض رجل منهم قام عليه ، وإذا ضاق أوسع له ، وإذا احتاج جمع له.

قيل : إنّ الفتيين قالا له : إنّا لنحبّك من حين رأيناك. فقال : أنشدكما بالله أن لا تحبّاني ، فو الله ما أحبّني أحد قطّ إلّا دخل عليّ من حبّه بلاء ، لقد أحبّتني عمّتي فدخل عليّ من حبّها بلاء ، ثمّ أحبّني أبي فقد دخل عليّ من حبّه بلاء ، ثمّ أحبّتني زوجة صاحبي فدخل علىّ بلاء ، فلا تحبّاني بارك الله فيكما.

ولمّا استعبراه ابتدأ بوصف نفسه بما هو فوق علم العلماء ، وهو الإخبار بالغيب ، ليتيقّنا صدق تعبيره ووقوع ما يعبّره عليهما ، وليدعوهما إلى التوحيد ، ويرشدهما إلى الطريق القويم ، قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه ، كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد. فلهذا (قالَ) أولا : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) بتأويل الطعام ، يعني : ماهيّته وكيفيّته ، فإنّه يشبه تفسير المشكل والإعراب عن معناه (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) أي : لا يأتيكما طعام من منزلكما إلّا أخبرتكما بصفة ذلك الطعام وكيفيّته قبل أن يأتيكما ذلك الطعام. وهذا مثل قول عيسى عليه‌السلام : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (١).

وقيل : معناه : لا يأتيكما طعام ترزقانه في منامكما إلّا نبّأتكما بتأويله وبيان عاقبته في اليقظة قبل أن يأتيكما التأويل. والأوّل أشهر وأصحّ.

__________________

(١) آل عمران : ٤٩.

٣٦٨

(ذلِكُما) أي : ذلك التأويل. (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) بالإلهام والوحي ، وليس من قبيل التكهّن أو التنجيم.

(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) تعليل لما قبله ، أي : علّمني ذلك لأنّي تركت ملّة الّذين لا يؤمنون بالوحدانيّة وبيوم البعث والنشور.

أراد بهؤلاء القوم أهل مصر ، ومن كان الفتيان على دينهم.

(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنّه من أهل بيت النبوّة ، لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه.

ولذلك جوّز للخامل أن يصف نفسه حتّى يعرف فيقتبس منه وينتفع به في الدين ، ولم يكن ذلك من باب التزكية. وتكرير ضمير «هم» للدلالة على تأكيد كفرهم بالآخرة.

(ما كانَ لَنا) ما صحّ لنا معشر الأنبياء (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) أيّ شيء كان ، من ملك أو جنّيّ أو إنسيّ ، فضلا أن نشرك به صنما لا يسمع ولا يبصر.

(ذلِكَ) التوحيد (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) بالوحي (وَعَلَى النَّاسِ) وعلى سائر الناس ببعثنا لإرشادهم ، وتثبيتهم عليه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) المبعوثون نحن إليهم (لا يَشْكُرُونَ) هذا الفضل ، فيعرضون عنه ولا يتنبّهون.

وقيل : معناه : ذلك فضل الله علينا وعليهم بنصب الأدلّة وإنزال الآيات ، ولكنّ أكثرهم لا ينظرون إليها ، ولا يستدلّون بها ، فيلغونها ، كمن يكفر النعمة ولا يشكرها.

(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) أي : يا ساكنيه ، كقوله عزّ اسمه : (أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (١). أو يا صاحبيّ فيه ، فأضافهما إليه على الاتّساع ، كقوله : يا سارق الليلة أهل الدار. فكما أنّ الليل مسروق فيها غير مسروقة ، فكذلك السجن مصحوب فيه غير مصحوب ، وإنّما المصحوب غيره ، وهو يوسف عليه‌السلام. (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ)

__________________

(١) الحشر : ٢٠.

٣٦٩

أملّاك شتّى متعدّدة متباينة ، من حجر وخشب وغيرهما (خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ) المتوحّد بالألوهيّة (الْقَهَّارُ) الغالب الّذي لا يعادله ولا يقاومه غيره؟! والهمزة للإنكار. وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام.

(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر (إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) من حجّة غالبة ، أي : إلّا أشياء باعتبار أسامي أطلقتم عليها ، من غير حجّة تدلّ على تحقّق مسمّياتها فيها ، فكأنّكم لا تعبدون إلّا الأسماء المجرّدة. والمعنى : أنّكم سمّيتم ما لم يدلّ على استحقاقه الألوهيّة عقل ولا نقل آلهة ، ثمّ أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها.

(إِنِ الْحُكْمُ) في أمر العبادة (إِلَّا لِلَّهِ) لأنّه المستحقّ لها بالذات ، من حيث إنّه الواجب لذاته ، والموجد للكلّ ، والمالك لأمره (أَمَرَ) على لسان أنبيائه (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الحقّ الثّابت بالدلائل ، وأنتم لا تميّزون المعوجّ عن القويم.

وهذا من التدرّج في الدعوة وإلزام الحجّة ، لأنّه بيّن لهم أوّلا رجحان التوحيد على اتّخاذ الآلهة على طريق الخطابة ، ثمّ برهن على أنّ ما يسمّونها آلهة ويعبدونها لا تستحقّ الإلهيّة ، فإنّ استحقاق العبادة إمّا بالذات وإمّا بالغير ، وكلا القسمين منتف عنها ، ثمّ نصّ على ما هو الحقّ القويم والدين المستقيم الّذي لا يقتضي العقل غيره ، ولا يرتضي العلم دونه.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لعدولهم عن النظر والاستدلال ، فيخبطون في جهالاتهم.

ثمّ عبّر رؤياهما فقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) يعني : الشرابي (فَيَسْقِي رَبَّهُ) أي : سيّده (خَمْراً) كما كان يسقيه قبل ، ويعود إلى ما كان عليه (وَأَمَّا الْآخَرُ) يريد به الخبّاز (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ).

٣٧٠

روي أنّه قال يوسف في تعبير الساقي : أمّا العناقيد الثلاثة فإنّها ثلاثة أيّام تبقى في السجن ، ثمّ يخرجك الملك اليوم الرابع وتعود إلى ما كنت عليه. وقال للخبّاز : بئس ما رأيت ، أمّا السلال الثلاث فإنّها ثلاثة أيّام تبقى في السجن ، ثمّ يخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك. فقال عند ذلك : ما رأيت شيئا وكنت ألعب.

فقال يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي : قطع الأمر الّذي تستفتيان فيه ، وهو ما يئول إليه أمركما ، ولذلك وحّده ، فإنّهما وإن استفتيا في أمرين ، لكنّهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما.

(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَ) أي : علم بطريق الوحي (أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) كما في قوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (١) أي : علمت. وقيل : المراد بالظانّ الناجي الّذي هو الشرابي لا يوسف ، فـ «ظنّ» باق على معناه الحقيقي. (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) اذكر حالي عند الملك الّذي يربّيك بأنّي محبوس ظلما كي يخلّصني (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) فأنسى الشرابيّ أن يذكره لربّه. فأضاف إليه المصدر لملابسته له ، فإنّ الربّ لا يكون فاعلا ولا مفعولا. أو على تقدير : ذكر أخبار ربّه. قيل :

أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه في تلك الحال حين وكل أمره إلى غيره واستغاث بمخلوق. والأوّل أليق بمذهبنا. والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة ، لكنّها لا تليق بمنصب الأنبياء ، وتركه أولى.

(فَلَبِثَ) لأجل ذلك (فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، من البضع وهو القطع ، كأنّه يقطع من العشرة. وقيل : البضع ما بين الثلاث إلى الخمس. وقيل : إلى السبع. وقيل : لبث في السجن سبع سنين بعد أن كان خمسا.

والأصحّ أن مدّة مكثه في السجن سبع سنين ، فإنّه منقول عن عليّ بن الحسين وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، ومأثور عن ابن عبّاس.

__________________

(١) الحاقّة : ٢٠.

٣٧١

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «عجبت من أخي يوسف كيف استغاث بالمخلوق دون الخالق».

وروي أنّه عليه‌السلام قال : «لولا كلمته ما لبث».

يعني قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ).

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «جاء جبرئيل إلى يوسف فقال : يا يوسف من جعلك أحسن الناس؟ قال : ربّي. قال : فمن حبّبك إلى أبيك دون إخوتك؟ قال : ربّي. قال : فمن ساق إليك السيّارة؟ قال : ربّي. قال : فمن صرف عنك الحجارة؟ قال : ربّي. قال : فمن أنقذك من الجبّ؟ قال : ربّي. قال : فمن صرف عنك كيد النسوة؟ قال : ربّي. قال : فإنّ ربّك يقول : ما دعاك إلى أن تنزل حاجتك بمخلوق دوني؟! البث في السجن بما قلت بضع سنين».

وعنه عليه‌السلام في رواية اخرى قال : «فبكى يوسف عند ذلك حتّى بكى لبكائه الحيطان ، فتأذّى ببكائه أهل السجن ، فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما ، فكان في اليوم الّذي يسكت أسوء حالا».

وعلى تقدير صحّة هذه الروايات ، فإنّما عوتب يوسف عليه‌السلام في ترك عادته الجميلة في الصبر والتوكّل على الله سبحانه في كلّ أموره دون غيره ، وإنّما يكون قبيحا لو ترك التوكّل على الله سبحانه واقتصر على غيره. وفي هذا ترغيب في الاعتصام بالله تعالى ، والاستعانة به دون غيره عند نزول الشدائد ، وإن جاز أيضا أن يستعان بغيره.

روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «علّم جبرئيل عليه‌السلام يوسف في محبسه فقال : قل في دبر كلّ صلاة فريضة : اللهمّ اجعل لي فرجا ومخرجا ، وارزقني من حيث أحتسب ، ومن حيث لا أحتسب».

وروى شعيب العقرقوفي عنه عليه‌السلام قال : «لمّا انقضت المدّة وأذن له في دعاء الفرج وضع خدّه على الأرض ، ثمّ قال : اللهمّ إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي

٣٧٢

عندك ، فإنّي أتوجّه إليك بوجوه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ففرّج الله عنه. قال : فقلت له : جعلت فداك أندعوا نحن بهذا الدعاء؟

فقال : ادعوا بمثله : اللهمّ إن كانت ذنوبي قد أخلقت عندك وجهي ، فإنّي أتوجّه إليك بوجه نبيّك نبيّ الرحمة وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم‌السلام».

(وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩))

ثمّ أخبر سبحانه عن سبب نجاة يوسف وقت دنوّها ، فقال : (وَقالَ الْمَلِكُ)

٣٧٣

الريّان بن الوليد (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ) خرجن من نهر يابس ، وسبع بقرات مهازيل (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ) أي : ابتلعت المهازيل السمان (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) وأرى في منامي سبع سنبلات قد انعقد حبّها (وَأُخَرَ يابِساتٍ) وسبعا أخر يابسات قد أدركت ، فالتوت اليابسات على الخضر حتّى غلبت عليها. وإنّما استغنى عن بيان حالها ـ وهي سبع يابسات كالخضر ـ بما قصّ من حال البقرات. وأجرى السمان على المميّز دون المميّز وهو «سبع» ، لأنّ التمييز بها. ووصف السبع الثاني بالعجاف ، لتعذّر التمييز بها مجرّدا عن الموصوف ، فإنّ التمييز لبيان الجنس. وقياس عجاف عجف ، لأنّه جمع عجفاء ، وأفعل فعلاء لا يجمع على فعال ، لكنّه حمل على سمان ، لأنّه نقيضه ، ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض.

(يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) أشراف قومي. وقيل : هم السحرة والكهنة. (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) عبّروها (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) إن كنتم عالمين بعبارة (١) الرؤيا. وهي الانتقال من الصور الخياليّة إلى المعاني النفسانيّة الّتي هي مثالها ، من العبور ، وهو المجاوزة. و «عبرت الرؤيا عبارة» أثبت (٢) من : عبّرتها تعبيرا ، كما قال صاحب الكشّاف (٣) من أنّه لم ينقل من الأثبات (٤) التعبير والمعبّر ، بل العبارة والعابر ، لأنّه من العبور. وحقيقة «عبرت الرؤيا» ذكرت عاقبتها ، كما يقال : عبرت النهر إذا قطعته حتّى تبلغ آخر عرضه. واللام للبيان أو لتقوية العامل ، فإنّ الفعل لمّا أخّر عن مفعوله ضعف فقوّي باللام ، كاسم الفاعل إذا قيل : هو عابر للرؤيا ، لانحطاطه عن الفعل في القوّة. أو لتضمّن «تعبرون» معنى فعل يعدّى باللام ، كأنّه قيل : إن كنتم

__________________

(١) مصدر : عبر يعبر عبرا وعبارة.

(٢) في هامش النسخة الخطّية : «أي : أشدّ تثبّتا وحجّة. منه».

(٣) الكشّاف ٢ : ٤٧٤.

(٤) الأثبات : ثقات القوم ، جمع الثبت ، وهو الثقة.

٣٧٤

تجيبون لعبارة الرؤيا.

(قالُوا) هي (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أي : تخاليطها. جمع ضغث. وأصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم ، فاستعير للرؤيا الكاذبة. وإنّما جمعوا الأحلام للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان ، كقولهم : فلان يركب الخيل ، وإنّما يركب فردا منها. أو لتضمّن الحلم أشياء مختلفة. والإضافة بمعنى «من» أي : أضغاث من أحلام. (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصّة ، أي : ليس لها تأويل عندنا ، وإنّما التأويل للمنامات الصادقة. فهو كأنّه مقدّمة ثانية للعذر في جهلهم بتأويله.

وعند ذلك تذكّر الساقي حديث يوسف ، فجثا بين يدي الملك وقال : أيّها الملك إنّي قصصت أنا وصاحب الطعام على رجل في السجن منامين ، فخبّرنا بتأويلهما ، وصدق في جميع ما وصف ، فإن أذنت مضيت إليه وأتيتك من قبله بتفسير هذه الرؤيا. وذلك قوله عزّ اسمه : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) من صاحبي السجن ، وهو الشرابي (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) وتذكّر يوسف عليه‌السلام بعد جماعة من الزمان مجتمعة ، أي : مدّة طويلة. والجملة اعتراض ، ومقول القول قوله : (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) فابعثوني إلى من عنده علمه ، أو إلى السجن.

فأرسل إلى يوسف فجاء ، فقال له : (يُوسُفُ) أي : يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) البليغ في الصدق. وإنّما وصفه بصيغة المبالغة ، لأنّه جرّب أحواله ، وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه. (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) أي : في رؤيا ذلك (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) أعود إلى الملك ومن عنده ، أو إلى أهل البلد ، إذ روي عن ابن عبّاس أنّ السجن لم يكن فيه (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) تأويلها ، أو فضلك ومكانك ، فيطلبوك

٣٧٥

ويخلّصوك من محنتك. وإنّما لم يجزم الكلام فيهما ، لأنّه لم يكن جازما بالرجوع ، فربما اخترم دونه ، ولا بعلمهم ، فربما لم يعلموا.

(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) أي : على عادتكم المستمرّة. وانتصابه على الحال ، بمعنى : دائبين. أو المصدر ، بإضمار فعله ، أي : تدأبون دأبا ، وتكون الجملة حالا. وقرأ حفص : دأبا بفتح الهمزة. وكلاهما مصدر : دأب في العمل إذا اعتاد فيه. وقيل : «تزرعون» خبر في معنى الأمر ، أخرجه في صورة الخبر مبالغة في تحقّق الفعل ، لقوله : (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) كيلا يأكله السوس. وهو ـ على أنّه خبر لا أمر ـ نصيحة خارجة عن العبارة. (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) في تلك السنين.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) أي : يأكل أهلهنّ ما ادّخرتم لأجلهنّ ، وذلك متعارف ، كما يقال : دّخرت الحبوب للسنين وإن كان في الحقيقة لأهلها. فأسند إليهنّ على المجاز تطبيقا بين المعبّر ـ وهو البقرات والسنبلات ـ والمعبّر به ، وهو السنين. (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) تحرزون وتخبؤن لبذور الزراعة.

ثمّ بشّرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثاني يجيء مباركا خصيبا ، كثير الخير ، غزير النعم ، فقال : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) يمطرون ، من الغيث. أو يغاثون من القحط ، من الغوث. (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) ما يعصر ، كالعنب والزيتون والسمسم ، لكثرة الثمار. وقيل : يحلبون الضروع. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي. وهذه بشارة بشّرهم بها بعد أن أوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة ، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة. وعلم ذلك كلّه بالوحي. ويحتمل أن علم ذلك بأن انتهاء الجدب

٣٧٦

بالخصب ، أو بأن السنّة الإلهيّة على أن يوسّع على عباده بعد ما ضيّق عليهم. والأوّل موافق لمذهبنا.

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١))

ولمّا رجع الرسول إلى الملك ، وقصّ عليه ما سمع من يوسف من التعبير ، اشتاق لقاءه (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) ليخرجه من السجن (قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) سيّدك (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) وإنّما تأنّى في الخروج ، وقدّم سؤال النسوة وفحص حالهنّ ، لتظهر براءة ساحته وطهارة ذيله ، ويعلم أنّه سجن ظلما ، فلا يقدر الحاسد أن يتوسّل به إلى تقبيح أمره. وفيه دليل على أنّه ينبغي أن يجتهد في نفي التهم ، ويتّقي مواقعها. وإنّما قال : (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) ولم يقل : فاسأله أن يفتّش عن حالهنّ أو عن شأنهنّ ، تهييجا له على البحث وتحقيق الحال. وإنّما لم يتعرّض لسيّدته مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب ، فإنّها سيّدته وزوجة خليفة الملك.

(إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) حين قلن لي : أطع مولاتك. وفيه تعظيم كيدهنّ ،

٣٧٧

والاستشهاد بعلم الله تعالى عليه ، وعلى أنّه بريء ممّا قذف به ، والوعيد لهنّ على كيدهنّ.

عن ابن عبّاس : لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حالة ، يقول : هذا الّذي راود امرأتي.

وقيل : أشفق يوسف من أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره متّهم بفاحشة ، فأحبّ أن يراه بعد أن يزول عن قلبه ما كان فيه.

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره ـ والله يغفر له ـ حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتّى أشترط أن يخرجوني من السجن. ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه ـ والله يغفر له ـ حين أتاه الرسول فقال : ارجع إلى ربّك ، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة ، وبادرتهم الباب ، وما ابتغيت العذر ، إنّه كان لحليما ذا أناة».

(قالَ ما خَطْبُكُنَ) قال الملك لهنّ : ما شأنكنّ. والخطب أمر يحقّ أن يخاطب فيه صاحبه. (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) تنزيه له تعالى وتعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) من ذنب. (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) ثبت واستقرّ ، من : حصحص البعير إذا ألقى مباركة ليناخ. أو ظهر ، من حصّ شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه. (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي). ولا مزيد على شهادتهنّ له بالبراءة والنزاهة ، واعترافهنّ على أنفسهنّ بأنّه لم يتعلّق بشيء ممّا قرفنه (١) به ، لأنّهنّ خصومه ، وإذا اعترف الخصم بأنّ صاحبه على الحقّ وهو على الباطل لم يبق لأحد مقال.

__________________

(١) قرف فلانا بكذا : عابه أو اتّهمه به.

٣٧٨

(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))

ثمّ قال يوسف لمّا عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهنّ : (ذلِكَ) أي : ذلك الّذي فعلت من التأنّي في السجن ، وعدم سرعة الإجابة إلى الخروج منه ، وردّ رسول الملك إليه في شأن النسوة (لِيَعْلَمَ) العزيز (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) بظهر الغيب. وهو حال من الفاعل أو المفعول ، أي : لم أخنه وأنا غائب عنه ، أو وهو غائب عنّي. أو ظرف ، أي : بمكان الغيب ، وهو الخفاء والاستتار وراء الأستار والأبواب المغلقة. (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) لا ينفذه ولا يسدّده. أو لا يهدي الخائنين بكيدهم ، فأوقع الفعل على الكيد مبالغة.

وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها ، وتوكيد لأمانته ، وأنّه لو كان خائنا لما هدى الله كيده ولا سدّده.

ثمّ أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه ، لئلّا يكون لها مزكّيا ، وبحالها في الأمانة معجبا ومفتخرا ، كما

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» ، وليبيّن أنّ ما فيه من الأمانة ليس به وحده ، وإنّما هو بتوفيق الله ولطفه وعصمته ، فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ولا أنزّهها (إِنَّ النَّفْسَ) أراد جنس النفس (لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) من حيث إنّها بالطبع مائلة إلى الشهوات ، فتهمّ بها ، وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كلّ الأوقات. وعن ابن كثير ونافع : بالسوّ ، على قلب الهمزة واوا ثمّ الإدغام. (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) إلّا وقت رحمة ربّي ، أو إلّا ما رحمه‌الله تعالى من النفوس ، فعصمه من تلك التهم.

٣٧٩

وقيل : الاستثناء منقطع ، أي : ولكن رحمة ربّي هي الّتي تصرف الإساءة.

وقيل : الآية حكاية قول راعيل ، والمستثنى نفس يوسف وأضرابه. والمعنى : ذلك الّذي قلت من براءة ساحة يوسف ، وإسناد المراودة إلى نفسي ، ليعلم يوسف أنّي لم أكذب عليه في حال الغيبة ، وصدقت فيما سئلت عنه ، وما أبرّئ نفسي من الخيانة ، فإنّي خنته حين قذفته وقلت : «ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلّا أن يسجن». ثمّ قالت اعتذارا ممّا كان منها : إنّ كلّ نفس لأمّارة بالسوء إلّا نفسا رحمها الله بالعصمة ، كنفس يوسف.

(إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر همم النفوس ، ويرحم من يشاء بالعصمة. وعلى القول الأخير : يغفر للمستغفر لذنبه ، المعترف على نفسه ، ويرحمه ما استرحمه ممّا ارتكبه. والقول الأوّل أشهر ، والثاني أجود.

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ) أجعله خالصا (لِنَفْسِي) وأرجع إليه في تدبير مملكتي (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) فلمّا أتوا به وكلّمه ، وشاهد منه الرشد وذكاء العقل وفطانة الفهم (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) ذو مكانة ومنزلة (أَمِينٌ)

٣٨٠