نهج البيان عن كشف معاني القرآن - المقدمة

نهج البيان عن كشف معاني القرآن - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

١

٢

٣
٤

الفهرس

مقدمّة التّحقيق....................................................... أ ـ ي

مقدّمة المؤلّف...................................................... ١ ـ ١٦

ذكر مقدّمة يحسن تقديمها......................................... ١٧ ـ ١٩

مقدّمة أُخري يحسن تقديمها........................................ ٢١ ـ ٢٤

فصل

في ذكر اشتقاق القرآن ومعناه...................................... ٢٥ ـ ٢٦

فصل

فيما يشتمل عليه القرآن العزيز............................................ ٢٧

فصل

في ذكر حقائق ما ذكرناه وأمثلته في الكتاب العزيز................... ٢٩ ـ ٥٣

تفسير أعود بالله من الشيطان الرّجيم................................ ٥٥ ـ ٥٦

تفسير بسم الله الرّحمن الرّحيم...................................... ٥٧ ـ ٦٣

تفسير فاتحة الكتاب............................................... ٦٥ ـ ٧٨

تفسير سورة البقرة.............................................. ٧٩ ـ ٣٦٤

(جملة في الناسخ والمنسوخ..................................... ١٨٧ ـ ١٩٣)

٥

٦

مقدّمة التحقيق

١ ـ كلمة العلّامة الطّهراني في التفسير والمفسّرين :

لا ريب في أنّ القرآن الشّريف المنزل إلى قلب سيّد المرسلين ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بلفظ عربيّ مبين ، هو هذا المجموع بعين ألفاظه المنزلة من غير تصرّف لأحد من البشر فيها ـ بالضّرورة من الدّين ـ الموضوع بين الدّفتين. وهو كتاب الإسلام والحبل الممدود من مقدّس شارعه إلى سائر الأنام. وهو أكبر الثّقلين المتخلّفين عن النّبيّ الأعظم للأمّة المرحومة ؛ فيه تبيان كلّ شيء ودستور سعادة الدّنيا والدّين ، لكافّة أفراد البشر إلى يوم الدين.

فيجب على جميع المسلمين التحفّظ به ، والتّلبي لنداء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ في الوصيّة به : «الله! الله! أيّها الناس! فيما استحفظكم من كتابه واستودعكم من حقوقه» (١). ويلزمهم التمسّك به ، بالعمل على طبق قوانينه.

ولتوقّف العمل كذلك على تعلّمه درسا وتدريسا ، وعلى التّفقّه فيه فهما لمعانيه وكشفا للمراد منه ، وعلى تلاوة آياته متدبّرا فيها ، صدرت الأوامر الأكيدة في الحثّ على جميع ذلك في الآيات والأحاديث الشّريفة في النّهج وغيره ، بقولهم : «تعلّموا القرآن ؛ فإنّه أحسن الحديث. وتفقّهوا فيه ؛ فإنّه ربيع القلوب. واستشفوا بنوره ؛ فإنّه شفاء الصدور. وأحسنوا تلاوته ؛ فإنّه أنفع القصص» (٢). إلى غير ذلك.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٨٦.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١١٠.

٧

وصرّح أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بأنّ العمل بهذا القرآن موقوف على تفسيره وكشف المراد منه في قضيّة التحكيم ، بقوله : «هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدّفّتين ؛ لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان. وإنّما ينطق عنه الرجال» (٣).

فالقرآن مرشد صامت ؛ وإنّما ينطق عنه لسان الناطقين. فهو حاكم محتاج إلى ترجمان. فلا بدّ أن يقوم الرجال العارفون بالمراد من هذه الخطوط ببيانه والكشف عنه. ويسمّى هذا الكشف والبيان تفسيرا. قال في القاموس : «الفسر : الإبانة وكشف المغطّى ؛ كالتفسير» (٤) وقال الطريحيّ : «التفسير في اللّغة : كشف معنى اللّفظ وإظهاره. مأخوذ من الفسر. وهو مقلوب السفر. يقال : أسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته» (٥).

فالتفسير هو بيان ظواهر آيات القرآن ، حسب قواعد اللّغة العربيّة. وهو الّذي رغّب فيه القرآن الشّريف ؛ حيث مدح الله أقواما على استخراجهم معاني القرآن ، فقال تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٦). وذمّ أقواما لم يتدبّروا القرآن ولم يتفكّروا في معانيه فقال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٧).

والاستنباط كذلك لا يختصّ بآية دون آية ، وقوم دون قوم ؛ حيث ذكرنا أنّ القرآن أنزل على قواعد لسان فصحاء العرب ومكالماتهم في أنديتهم وسائر محاوراتهم وأجرى فيه على طريقتهم من الاستعمالات الحقيقيّة والمجازيّة والكنائيّة وغيرها ؛ ممّا يعرف مداليلها الظّاهرة أهل اللسان الّذين لم يشوّه لغتهم ، بحسب طبعهم ، ويعرفها غيرهم بالتعلّم لقواعد لغتهم.

وأمّا حجّيّة جميع تلك الظواهر ، والحكم بكون كلّها مرادا واقعيّا لله تعالى ، فقد منعنا عنه القرآن ؛ حيث صرّح فيه بالتفرقة بين آياته. فقال الله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ

__________________

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٥.

(٤) القاموس المحيط ٢ / ١١٠.

(٥) مجمع البحرين ، مادة «فسر».

(٦) النساء (٤) / ٨٣.

(٧) محمد (٤٧) / ٢٤.

٨

أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٨).

جعل قسم المحكمات خاصّة أمّ الكتاب والحجّة الّتي يرجع إليها ويؤخذ بظواهرها. وحكم في قسم المتشابهات بالوقوف عن التأويل وإيكال علمه إليه تعالى وإلى من خصّه الله تعالى بإفاضة العلوم اللّدنيّة المعبّر عنهم بالراسخين في العلم.

والآراء في تعيين مصداقي المحكم والمتشابه مختلفة ؛ لكنّ الحقّ المختار لمحقّقي المفسّرين : إنّ الآيات المحكمات ما يصحّ الأخذ بظواهرها ويجوز الحكم بكونها مرادا واقعيّا ، حيث إنّه لا يترتّب على كون ما هو ظاهر الآية مرادا واقعيّا أمر باطل أو محال. والمتشابهات ما لا يمكن فيها ذلك ؛ إمّا لعدم ظاهر لها ـ مثل المقطّعات في فواتح السّور ـ أو للقطع بعدم كون ظواهرها مرادا واقعيّا للزوم الباطل وترتّب المحال.

وبالجملة التعرّض للتأويلات وبيان المراد الواقعيّ في المتشابهات ، لا يجوز لغير الراسخين في العلم الّذين هم عدل القرآن وحملته والمنزل في بيتهم الكتاب وقد خوطبوا به ، فلا بدّ أن نأخذها عنهم. لأنّه لا يعرفها غيرهم بصريح القرآن.

وامّا تفسير المحكمات ، فهو وظيفة الرجال العارفين بقواعد اللّغة العربيّة. نعم لا بدّ أن يكون استنباطهم للظّواهر في الآيات المحكمات مستندا إلى ما يفهم من نفس تلك القواعد ، لا أن يكون على حسب اقتضاء الآراء والأقيسة والاستحسانات أو الظنّ والتخمين والتخرّصات. فإنّه قد ورد النهي الشّديد عن التفسير بالرّأي المراد به أمثال ما ذكر من الاستنباطات وبيان المراد الواقعيّ في الآيات المتشابهات من عند أنفسهم ، لا أخذا عن أهله ؛ وإلّا فتفسير محكمات القرآن وبيان المراد والمفهوم منها ، حسب قواعد اللّغة ، من أفضل الأعمال وأشرقها ، لأشرفيّة موضوعها وغايتها ؛ كما أشرنا إلى ما صدر من التأكيد فيه عن المعصومين ـ عليهم السّلام ـ. وقد امتثل أوامرهم فضلاء الشّيعة من الصدر الأوّل حتّى اليوم.

__________________

(٨) آل عمران (٣) / ٧.

٩

وأثبت سيّد مشايخنا الحجّة أبو محمّد الحسن صدر الدين ـ قدّس سرّه ـ في «تأسيس الشّيعة الكرام لفنون الإسلام» أنّ فضلاء الشيعة قد أخذوا علوم القرآن عن إمامهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ الّذي هو باب علم النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ودوّنوها عنه. فهم السابقون المؤسّسون لعلم التفسير وعلم القراءة ، وعلم الناسخ والمنسوخ ، وعلم أحكام القرآن ، وعلم غريب القرآن ومقطوع القرآن وموصوله ومجازات القرآن وأسباع القرآن وفضائل القرآن. ولهم تصانيف في جميع هذه الأبواب. وهم مبتكرون فيها.

فأوّل من صنّف في التفسير هو ترجمان القرآن عبد الله بن العبّاس (المتوفّى سنة ٦٨) ؛ ثمّ تلميذه سعيد بن جبير (الشهيد ٩٥) ؛ وهكذا إلى اليوم. بل لم يكتف كثير منهم بتأليف تفسير واحد حتّى ضمّ إليه آخر ؛ بل كثير منهم عزّزه بثالث أو أكثر.

ولا بأس بذكر بعض هؤلاء المعزّزين بثالث أو أكثر مرتّبا على أسمائهم إجمالا ـ ونذكر تفاصيل تصانيفهم في محالها ـ : «أبان بن تغلب بن رباح ؛ أبو زيد أحمد بن سهل السجستاني في الأصل البلخيّ المولد ؛ الشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوّج ؛ الشيخ جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمّد بن المتوّج ؛ المولى محمّد تقي الهرويّ الحائريّ ؛ الحسن بن عليّ بن فضّال ؛ العلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي ؛ الحسين الراغب الإصفهاني ؛ السيّد حيدر الآملي صاحب المحيط الأعظم ؛ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي ؛ الحاجّ المولى صالح البرغاني ؛ الشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن العتائقي ؛ عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ ؛ السيّد عبد الله الشبّر ؛ الشريف المرتضى عليّ بن الحسين ؛ الإمام البيهقيّ عليّ بن أبي القاسم زيد ؛ السيّد علي محمد النقويّ ؛ الشيخ فخر الدين الطريحيّ ، الشيخ الطّبرسي فضل الله بن الحسن ، المولى محسن الفيض الكاشانيّ ، الشيخ الطوسيّ محمّد بن الحسن ؛ أبو النضر محمد بن السائب الكلبيّ ؛ الشيخ الصّدوق محمد بن عليّ بن بابويه ؛ الشيخ رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهر آشوب ؛ الشيخ البهائيّ محمد بن الحسين العاملي ؛ ابن الجحّام محمّد بن العبّاس ؛ الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ؛ الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن هارون البغداديّ الحلّيّ المعروف بابن الكيال (المتوفّى ٥٩٧) ؛ السيّد محمد هارون الزنجيّ فوري ؛ أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن زيد

١٠

ابن أدرك بن بهمن الرازيّ الخراسانيّ البلخي» (٩).

٢ ـ المفسّر :

يظهر من مطاوي تفسيره أنّه كان عالما فاضلا فقيها منتحلا لمذهب أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ وعاش في القرن السّابع. ولم يذكر اسمه في المقدّمة ؛ لكن ورد في مخطوطة رياض العلماء (الورقة ١٣٢ ـ ١٣٣) المحفوظة في مكتبة جامعة طهران برقم ٩٩٣ :

«الشّيباني قد يطلق على الشيخ الجليل محمّد بن الحسن الشيبانيّ من أصحابنا صاحب تفسير نهج البيان عن كشف معاني القرآن. وعندنا منه نسخة. وكان متأخّرا عن المفيد. فإنّه ينقل في تفسيره عن المفيد أيضا. وهو غير الشيباني الّذي ينقل عنه السيّد المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه. بل لعلّ السيّد المرتضى ينقل في آيات الناسخة والمنسوخة عنه. وقد كان في أواخر الدّولة العبّاسيّة. لأنّ المستنصر كان والدا للمستعصم العبّاسي».

وجاء في تفسير البرهان غير مرّة هكذا : «قال الشيباني في نهج البيان» أو «عن الشيباني في نهج البيان» (١٠).

٣ ـ الخزانة الإماميّة المستنصريّة :

جاء في مقدّمة التفسير هكذا : «وأهديته للخزانة ... الإماميّة المستنصريّة».

وبما أنّ المفسّر أهدى تفسيره لتلك الخزانة ، يجدر بنا أن نذكر نبذة حول المدرسة المستنصريّة وخزانتها الّتي أمر ببنائها الخليفة المستنصر وتولّى عمارتها محمّد بن العلقميّ الشّيعي.

__________________

(٩) الذريعة ٤ / ٢٣١ ـ ٢٣٤.

(١٠) جاء ذكر المفسّر وتفسيره في المصادر التالية أيضا : الذريعة ٢٤ / ٤١٤ وج ٢ / ٣١١ ورياض العلماء ٢ / ١٥٣ ومرآة الكتب ٤ / ١٥٨ وخاتمة المستدرك ٣ / ٥٢١ وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام / ص ٣٣٥ ودار السّلام ١ / ١٦ و ٤٥ و ٥٣.

١١

هذا الخليفة من الخلفاء العبّاسييّن ، دامت خلافته من سنة ٦٢٣ إلى ٦٤٠ ه‍. وبعده ولده المستعصم الّذي قتله المغول في سقوط بغداد سنة ٦٥٦ ه‍ ، فانقطعت به دولة العبّاسيّين.

لقد شرع الخليفة ببناء المدرسة المستنصرية ببغداد سنة ٦٢٥ ه‍. وأشرف محمّد بن العلقميّ وأخوه أحمد على بنائها وإخراجها بالشّكل الّذي انتهت إليه. وتمّ افتتاحها في اليوم الخامس من شهر رجب سنة ٦٣١ ه‍ (١١).

قال ابن الفوطي خازن مكتبة المستنصريّة من سنة ٦٧٩ حتّى أواخر سنة ٧٠٤ ه‍ :

«وكان ابن العلقمي قد ابتنى دارا لكتب افتتحها سنة ٦٤٤ ه‍. ونقل إليها الكتب في جميع العلوم» (١٢).

وقال أيضا : «إنّ الخليفة المستنصر نقل إلى هذه المدرسة يوم افتتاحها من الربعات الشريفة والكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينيّة والأدبيّة ، ما حمله مائة وستّون حمّالا وجعلت في خزانة الكتب ، سوى ما نقل إليها فيما بعد» (١٣).

قال السيوطي : «إنّ ما نقل إلى خزانة المستنصريّة مائة وستّون حملا من الكتب النفسية» (١٤).

قال ابن عنبة : «أودع خزانته في المستنصريّة ثمانين ألف مجلّد» (١٥).

ومن ثمّ اندفع العلماء إلى تثمين تلك الجهود وتقديرها ، فألّفوا للخزانة أو للخليفة أو للوزير ابن العلقميّ الكتب.

منهم العالم المعروف واللّغوي المشهور الصّغانيّ صاحب كتاب العباب في اللّغة ، وعزّ

__________________

(١١) أنظر للاطّلاع على التفاصيل : خزائن الكتب القديمة في العراق / ١٢١ ـ ١٢٢ ، مؤيّد الدين ابن العلقمي وأسرار سقوط الدولة العبّاسية / ٥٠ ـ ٦٨ ، تاريخ علماء المستنصريّة ١ / ٢٧ ـ ٤٣ وج ٢ / ٥٩ ـ ٦٦ و ١٠٩ و ٢٣٩ ـ ٣٠٥.

(١٢) الحوادث الجامعة / ٢١٠.

(١٣) الحوادث الجامعة / ٥٤.

(١٤) تاريخ الخلفاء / ٣٠٦.

(١٥) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ١٩٥.

١٢

الدين ابن أبي الحديد في مقدّمة شرح نهج البلاغة وفي كتابه الفلك الدائر على المثل السائر ، وصاحب هذا التفسير المسمّى بمحمّد بن الحسن الشّيباني (١٦).

٤ ـ دافعه إلى تأليف التفسير ومنهجيّته ومكانته الثقافيّة :

قال ـ رحمه الله ـ في مقدّمة التفسير : «قد كان يتردّد في خاطري ، زمان الشّباب والنّشاط والإشتغال ، جمع شيء من معاني كلام الله ـ تعالى ـ وأسباب نزوله وغريبه. وكان يصدفني عنه عوارض الوقت وقواطعه وقوادحه وموانعه. فاتّفق لحسن التّوفيق ذات يوم الاجتماع في جماعة من العلماء الفضلاء الأصدقاء الصّلحاء ذوي الفضل والأدب والنّباهة والتّحقيق والإخاء. فأجرينا الكلام بيننا في كتاب الله ـ تعالى ـ واحتوائه على كلّ أدب وعلم وتنبيه وعظة وفصاحة وحكم. فأطلعتهم على ما يتردّد في خاطري ويسنح في جناني وضمائري. فحثّوني عليه ، وأرهقوا عزمي ومسارعتي إليه. وقالوا في ضمن كلامهم : أنت تعلم ما في هذا من الذّكر الباقي الجميل والثّواب الوافي الجزيل ، مع ما روي في ذلك عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [من قوله] : من نشر علما ، كان له مثل أجره ومثل أجر العامل به إلى يوم القيامة.

فسارعت إلى تلبيتهم ، وبادرت إلى إجابتهم ، وشرعت في جمعه على كثرة قواطع الزّمان ومنعه. هذا ، مع اعترافي معهم بالتّقصير ، وقصوري عن استيفاء معاني كلام اللّطيف الخبير.

[وكنت] إذ ذاك قد وقفت على كثير من أقوال المفسّرين ، من السّلف الصّالح والأنموذج الرّاجح ، فرأيتها مختلفة غير متّفقة ، ومتباينة غير مؤتلفة ، يتحيّر الواقف عليها والمتصفّح لها ؛ لكون كلّ منهم قد فسّر على رأيه ومذهبه ، ثمّ رفعه إلى صحابيّ أو تابعي.

فألغيت ذلك وحكيت من أقوالهم وتفاسيرهم ما يقلّ الخلاف فيه ، وتحصل الفائدة به للعالم الفقيه والقارئ النبيه. وذكرت في ضمن ذلك بعض ما ورد عن أهل البيت ـ عليهم

__________________

(١٦) أنظر للاطّلاع والاستقصاء : تاريخ علماء المستنصريّة لناجي معروف ٢ / ٦٠ ـ ٦٦.

١٣

السّلام ـ من الوفاق لهم. وأومأت إلى وجه الدّليل في بعض ما اختصّوا به وخولفوا عليه.

فذكرت جملة من النّاسخ والمنسوخ ، وجملة من العبادات الشّرعيّة والأحكام النبوية المذكورة في القرآن المجيد على مذهبهم ـ عليهم السّلام ـ. وذكرت جملة من أسباب النّزول وكلام أئمّة اللّغة المنقول ، مما لا يستغني العالم عنه ، ولا بدّ للفقيه والقارئ منه.

وأعرضت عن كثير مما يعلم معناه من ظاهره. ولم أتعرّض للنّحو والإعراب والتّصريف والاشتقاق والقراءات ، إلّا اليسير مما استحسنته واخترته. لأنّي رأيت الشّروع في ذلك يؤدّي إلى الإسهاب والإضجار ، وكان غرضي في هذا المختصر تجنّب الإطالة والإكثار. ولا تعرّضت لشيء من البواطن والأسرار ، إلّا بعض ما ورد عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والأئمّة الأطهار والصّحابة الأخيار».

ثمّ إنّه ـ رحمه الله تعالى ـ أثنى على ابن عبّاس وعبّر عنه في المقدّمة بـ «العالم الحبر» وقال : «وقوله حجّة في تفسير القرآن وكثير من العلم والفقه بإجماع». وإذا نقل عنه قولا قال عقيب اسمه : «رحمه الله» أو : «رضي الله عنه». وهذا المقدار من الإجلال والتبجيل ، يمكن أن يكون لأجل الدولة العبّاسيّة.

ونقل عن الكلبيّ كثيرا. وهذا يوجب الظنّ القويّ عثور المفسّر على تفسير الكلبي الّذي هو مفقود اليوم.

وأورد أقوالا في مطاوي كتابه من الشيخ المفيد والجبّائي والطّبريّ والزجاج وصاحب النظم وعبد الغنيّ والحلبي والقتيبي وابن الأنباري والفرّاء وأبو عبيدة و ...

واستفاد كثيرا من تفسير التبيان للشّيخ الطوسي وعبّر عنه بـ «شيخنا».

وأعرض عن تفسير كثير من الآيات وأشار إلى ذلك في المقدّمة بقوله : «وأعرضت عن كثير مما يعلم معناه من ظاهره».

وعلى أيّ حال : يعدّ هذا التفسير من تراث الشّيعة القيّم في القرن السّابع. وكفى بذلك فخرا وفضلا. ومن الجدير بالذكر أنّ هذا التفسير من مصادر التفسير القيّم. «البرهان في تفسير القرآن» للسيّد هاشم البحراني المتوفّى سنة ١١٠٧ ه‍.

١٤

٥ ـ مختصر نهج البيان :

قد لخص محمّد بن عليّ النقي الشّيبانيّ «نهج البيان» وسمّاه : «مختصر نهج البيان». توجد منه نسخ مخطوطة في المكتبات منها :

١ ـ نسخة محفوظة بكلّيّة الإلهيّات في طهران برقم ١٨٩ كتبت سنة ٩٩٤ ه‍.

٢ ـ نسخة محفوظة بالمكتبة المركزيّة في جامعة طهران برقم ٨١١٦ كتبت سنة ١١١٥ ه‍.

٣ ـ النسخة الثالثة من مخطوطات القرن الحادي عشر الهجريّ بمكتبة مدرسة الشهيد المطهّري برقم ٥٢٣٢.

٦ ـ ما نسب إلى المفسّر من التأليف :

الأمالي : ورد في الذريعة ٢ / ٣١١ : الأمالي للشّيباني. عدّه الكفعميّ المذكور أيضا من مآخذ البلد الأمين. أقول : أمالي أبي المفضّل محمّد بن عبد الله الشيباني يأتي. ولعلّ هذا للشّيخ محمّد بن الحسن الشيبانيّ مؤلف التفسير الموسوم بكشف البيان أو نهج البيان.

٧ ـ عملنا في التحقيق :

١ ـ بذلنا الجهد الممكن في الحصول على النسخ الّتي تعين على تحقيقه. وقد وقع لنا من ذلك ما يأتي :

* نسخة مخطوطة بالمكتبة المركزيّة بجامعة طهران برقم ٥٨ ، جاء في آخرها :

«وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق المشتملة على تفسير كتاب الله العزيز ، عصر نهار اليوم السّابع من شهر جمادى الثانية أحد شهور سنة ١١٠١».

وقد رمزنا لها بالحرف (أ).

* نسخة مخطوطة بكلّيّة الآداب بإصفهان برقم ١٦٩٩٧ ، جاء في آخرها :

«وكان الفراغ ـ ولله الحمد والمنّة ـ منه ظهريّة نهار الأربعاء رابع شهر المبارك رمضان من شهور السنة المائة والثمان بعد الألف من الهجرة ـ على مهاجرها أفضل الصلوات وشرائف التحيّات». وقد رمزنا لها بالحرف (ج).

١٥

* نسخة محفوظة بمكتبة آية الله المرعشي النجفي العامّة بقم المقدّسة برقم ٦٧٣٩ ، جاء في آخرها :

«وقع الفراغ من كتابته على يد أقلّ عباد الله وأحوجهم إلى منّه وغفرانه ... في اليوم الواحد والعشرين من شهر المحرّم الحرام من شهور السنة الأولى من المائة الثانية بعد الألف من الهجرة» قد رمزنا لها بالحرف (م).

* نسخة محفوظة بكلّيّة الحقوق بجامعة طهران برقم ٢١٨ ج ؛ غير أنّها ناقصة من آخرها ؛ إذ تنتهي عند بدء الكلام بسورة الفتح. قد رمزنا لها بالحرف (ب).

* نسخة محفوظة أخرى بكلّيّة الآداب بإصفهان. قد رمزنا لها بالحرف (د).

وجدير بالذكر أنّ نسخة مخطوطة أخرى من هذا التفسير توجد في مكتبة آية الله الحكيم العامّة في النجف ، كتبت سنة ١١٠٠ مذكورة في «نسخه هاي خطّي» ٥ / ٤٢٢.

٢ ـ بعد استنساخ الكتاب ومقابلته مع نسخه ، اتّبعنا طريقة التلفيق بين النسخ لإثبات نصّ صحيح للكتاب ، مشيرين في الهامش إلى الاختلافات اللّفظيّة الضروريّة.

٣ ـ أشرنا في نهاية كلّ حديث أو قول إلى مصادره الأصليّة. وإن لم نجده فيها أحيانا ، راجعنا المصادر المتأخّرة.

٤ ـ كتبنا في الهامش ما أسقطه المفسّر من الآيات القرآنيّة ؛ إذ هو ـ رحمه الله ـ لم يكن عازما لتفسير القرآن بتمامه.

٥ ـ إن كان ما أورده المفسّر من الأقوال موافقة للأحاديث الواردة عن أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ أخرجناها في الهامش ، تسديدا لتلك الأقوال.

وفي الختام أقدّم شكري الجزيل إلى الإخوة الأعزّاء الّذين وازروني في إنجاز هذا المشروع ؛ سيّما الأستاذ المحقّق الشّيخ علي أكبر التّلافي والأستاذ الأديب صباح الهنداوي والأخ الفاضل عبد الحسن الطالعيّ ، سائلا المولى الكريم أن يقبل منهم ومنّي هذا اليسير ويعمّ خيره للجميع. إنّه مجيب وبعباده رؤوف رحيم.

اللهمّ وأحي بوليّك القرآن

١٦

١٧

١٨

١٩

٢٠