العصمة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-260-1
الصفحات: ٤٤

ولو أردنا أنْ نذكر عبارات من بعض شرّاح هذا الحديث الصريحة في هذا المعنى لطال بنا المجلس أيضاً.

دلالة حديث الثقلين على عصمة الائمة عليهم‌السلام :

ومن الادلّة القاطعة الدالّة على عصمة أئمتنا بالمعنى الذي نذهب إليه ، وليس فيه أيّ مجال للبحث والنقاش : حديث الثقلين ، فإن رسول الله قرن العترة بالقرآن ـ وجعلهما معاً الوسيلة للهداية ، وأنهما لن يفترقا ـ بـ «لن» التأبيدية حتى يردا عليه الحوض ، قال : «فانظروا بما تخلفوني فيهما» ، فكما أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما نص القرآن نفسه ، كذلك أهل البيت لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم ، هؤلاء كلّهم ـ أي الائمة سلام الله عليهم ـ عين الله ويده ولسانه وإلى آخره كما في تلك الرواية التي قرأتها.

ولا بأس بأن أقرأ لكم عناوين ما جاء في كتاب الكافي :

باب : في فرض طاعة الائمة.

باب : في أن الائمة شهداء الله على خلقه.

باب : في أن الائمة هم الهداة.

باب : في أن الائمة ولاة أمر الله وخزنة علمه.

٤١

باب : في أن الائمة خلفاء الله عزوجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى.

باب : في أن الائمة نور الله عزوجل.

باب : في أن الائمة هم أركان الارض.

باب : في أن الائمة هم الراسخون في العلم.

باب : في أن الائمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.

باب : في أن الائمة محدّثون مفهّمون.

باب : في أن الائمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد عن الله وأمر منه لا يتجاوزون.

العصمة لا تستلزم الغلوّ :

ولا يتوهمنَّ أحدٌ أنّ في هذه الابواب غلوّاً بحق الائمة سلام الله عليهم ، وإني لارى ضرورة التأكيد على هذه النقطة ، قولنا بأن الائمة معصومون حتى من السهو والخطأ ، والنسيان ، هذا ليس غلوّاً في حقهم ، إنّهم سلام الله عليهم يبغضون الغالي ويكرهون الغلو ، إنه قد ورد عنهم سلام الله عليهم : «إحذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم ، فإن الغلاة شرّ خلق الله ، يصغّرون عظمة الله ،

٤٢

ويدّعون الربوبية لعباد الله ، وإن الغلاة لشرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا» (١).

ومعنى الغلوّ في الروايات وكلمات العلماء معروف ، ولا بأس أن أقرأ لكم هذه الكلمة ولو طال المجلس ، لانّي أرى ضرورة قراءة هذا النص.

يقول الشيخ المجلسي رحمه‌الله : إعلم أن الغلو في النبي والائمة عليهم‌السلام إنما يكون بالقول بأُلوهيّتهم ، أو بكونهم شركاء لله تعالى في العبودية والخلق والرزق ، وأن الله تعالى حلّ فيهم أو اتحد بهم ، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي وإلهام من الله تعالى ، أو بالقول في الائمة أنهم كانوا أنبياء ، والقول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع التكاليف ، والقول بكلّ هذا إلحاد وكفر وخروج عن الدين ، كما دلّت عليه الادلة العقلية والايات والاخبار السالفة وغيرها ، وقد عرفت أن الائمة تبرّؤوا منهم وحكموا بكفرهم ـ أي الغلاة ـ وأمروا بقتلهم.

قال رحمه‌الله : ولكن أفرط بعض المتكلّمين والمحدّثين في الغلو ، لقصورهم عن معرفة الائمة وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم

__________________

(١) كتاب الامالي للشيخ أبي جعفر الطوسي : ٦٥٠ رقم ١٢.

٤٣

وعجائب شؤونهم ، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم : من الغلو نفي السهو عنهم ، أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون وغير ذلك.

قال رحمه‌الله : فلابد للمؤمن المتدين أنْ لا يبادر بردّ ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم ومعالي أُمورهم ، إلاّ إذا ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالايات المحكمة أو بالاخبار المتواترة (١).

إذن ، لابد من التأمل دائماً في العقائد ، إنهم كما يكرهون التقصير في حقهم يكرهون أيضاً الغلو في حقهم ، إلاّ أنّه لابد من التريّث عند كلّ عقيدة ، فلا يرمى القائل بشيء من فضائل أهل البيت بالغلو ، وتلك منازل شاءها الله سبحانه وتعالى لهم.

وقد أطلت عليكم في هذه الليلة ، لكنّ البحث كان مهمّاً جداً ، كان متشعّب الاطراف ، فيه جهات عديدة ، كان من الضروري الالمام ببعض تلك الاطراف والجهات ، وأستميحكم عذراً ومعذرةً إليكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________

(١) بحار الانوار ٢٥ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

٤٤