خاتمة مستدرك الوسائل - المقدمة

خاتمة مستدرك الوسائل - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : رجال الحديث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٤

أخباره كلها مروية عن الإمام بلا واسطة ، وانه لا تقية في أخباره ، ولم يطل الكلام حول هذه الشبهة لعدم وجود ما يدل عليها ، وعدم وجود الموافق لصاحبها أصلا ، مع قيام الأدلة القطعية على خلافها.

٨ ـ أكد في مناقشاته بعدم تصريح الأخباريين ـ حتى من قال منهم بقطعية أخبار الكافي ـ بأن ما رواه ثقة الإسلام صحيح بالمصطلح الجديد ، أي : لا قائل منهم بأن رجال أسانيد الكافي كلهم من عدول الإمامية وفي جميع الطبقات.

وانه لم يدع أحد منهم ان ما في الكافي مقدم على ما يوجد في غيره في جميع الحالات حتى عند التعارض ، بل قد يقدم عليه غيره ، إذا اشتمل على مزايا توجب تقديمه.

٩ ـ العدّة المجهولة في الكافي ، لم يعتن بشأنها كثيرا ، مع ان بعضهم قد ردّها مطلقا ، لأنه ـ قدس‌سره ـ يرى رجال هذه العدد ـ المعلومة والمجهولة ـ من مشايخ الإجازة ، وقد كان رأيه في الفائدة الثالثة في مشايخ الإجازات بأنهم فوق مستوي التوثيق.

وأخيرا لا بدّ من الإشارة السريعة إلى ما حققه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذه الفائدة بشأن عدّة الكافي التي يروي ثقة الإسلام بتوسطها عن سهل ابن زياد ، وهل ان محمّد بن الحسن المذكور فيها هو الصفار الثقة الجليل كما صرح به جميع من سبق المصنف؟ أو هو شخص آخر.

لقد نفى النوري ـ قدس‌سره ـ أن يكون المراد هو الصفار وذلك لوجوه سبعة ، قد لا يخلو بعضها من مناقشة ، إلاّ ان الوجه الرابع منها هو من أقوى الوجوه السبعة على الإطلاق.

على ان المصنف لم يكتف بهذا ، بل ناقش الآراء التي شخّصت الصفار في رجال هذه العدّة.

٤١

الفائدة الخامسة

في شرح مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه

وهي أكبر الفوائد حجما ، إطلاقا

في هذه الفائدة دراسة رجالية قيّمة لحشد هائل من رواة الشيعة الإمامية من حملة حديث العترة عليهم‌السلام. إذ يجد القارئ الكريم فيها جهدا رجاليا رائعا ، وعبقرية فذة في تحقيق الأخبار الرجالية المتعارضة ، حيث أزاح مؤلفها النوري ـ قدس‌سره ـ الستار عن رجال كثيرين لفّهم الزمان بغشاء النسيان ، وأودعهم تأمل البعض في وثاقتهم في زاوية الإهمال ، حيث أسفر بحثه عن جلالتهم وتبديد الشك والريب عنهم.

أنها فائدة كاسمها ولكن ليس ككل الفوائد ، إذ اشتملت على موارد للظماء ومناهل عذبة ارتوى من فيضها قلم كل من تأخر عنه من أساطين الفن أجمع ، لما فيها من تراجم لإعلام مشيخة الفقيه ورواته بما ليس له نظير في كتاب رجالي قط.

ابتدأ المصنف في هذه الفائدة بنقل ما قيل عن مكانة الشيخ الصدوق وأهمية كتابه ـ من لا يحضره الفقيه ـ وما امتاز به هذا الكتاب عن غيره بمميزات أهلته لأن يحتل موقعا متقدما بين الكتب الموثوق بها جدا عند الشيعة الإمامية.

ثم بين بعد ذلك مسلك الشيخ الصدوق ـ رضي الله تعالى عنه ـ في هذا الكتاب ومنهجه في الأسانيد ، الذي اختلف عن منهج ثقة الإسلام الكليني ـ رحمه‌الله تعالى ـ.

حيث كان الكليني يذكر تمام سلسلة السند في كل حديث يرويه في

٤٢

جميع أبواب وكتب الكافي ـ أصولا ، وفروعا ، وروضة ـ بينما سلك الصدوق طريقة أخرى ، وهي اختصار الأسانيد فيما يرويه من الأحاديث وذلك بحذف أوائل السند والرواية مباشرة عن المعصوم عليه‌السلام بواسطة من رواه عنه من أصحابه ، وهكذا سار في أغلب أحاديث الفقه ، ثم وضح طريقه إلى من روى عنه من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام في آخر الكتاب ، وذلك بتفصيل طرقه إليهم عبر مشايخه ، وهو ما يعرف : بمشيخة الفقيه ـ التي خصصت لها هذه الفائدة ـ وهذه المشيخة هي المرجع في اتصال أسانيد الكتاب.

ثم بين المصنف اهتمام العلماء بهذه المشيخة ، وشرحهم لها ، وعدّد جملة من تلك الشروح ، منبها إلى ما سيذكره في هذه الفائدة من تنبيهات هامة ، مصرحا بأنها بمثابة الشرح والإيضاح لما ذكره الشيخ الحر العاملي ـ قدس‌سره ـ في الفائدة الأولى من فوائد خاتمة وسائل الشيعة ، ولهذا نرى المصنف قد اعتمد ترتيب خاتمة الوسائل في ذكر طرق الصدوق ـ رضي الله تعالى عنه ـ فابتدأها ـ كما ابتدأ الشيخ الحر فائدته الأولى ـ بطريق الصدوق إلى أبان بن تغلب ، ومنتهيا بما كان من وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه محمّد بن الحنفية ، فكان عدد الطرق ثلاثمائة وخمسة وثمانين طريقا ، تشعبت منها وتفرعت طرق كثيرة جدا ، واشتملت هذه الطرق ـ بشعبها وفروعها ـ على الجم الغفير من رواة الشيعة. وربما لا نجد طريقا واحدا من بين هذه الطرق إلاّ وقد ضمّ من رجالات الشيعة من كان قطبا للرواية ومحورا لرواية الحديث الشريف في ذلك العصر البهي المستضيء بنور أهل البيت عليهم‌السلام.

فلا بدع إذا في أن نجد المصنف قد شغف بأولئك العظام حبا بعد أن تأكد من نزاهتهم وسلامتهم من كل شين ، وبعد أن برهن على صدقهم ودلّ على وثاقتهم ، وعرف ولاءهم لأئمتهم عليهم‌السلام ووفاءهم لهم ، والنصح

٤٣

لأمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووقف على ورعهم وتقواهم عن كثب ، حيث استفرغ الجهد في البحث عنهم بشكل منقطع النظير.

على أنّ هذا الكلام لا يعني أنّ رجال مشيخة الفقيه كلهم بهذه المثابة ، وهذا لا شك فيه أصلا عند أحد من علماء الشيعة من الأصوليين والأخباريين جميعا ، إذ وجد في طرق الصدوق بعض الرواة الضعفاء أو المجاهيل الذين لم تذكرهم كتب الرجال.

ومن هنا يأتي دور المصنف ـ قدس‌سره ـ في بيان ما يراه من أحوال هؤلاء بدراسة تفصيلية يكشف من خلالها إمكانية الاعتماد على روايتهم وقبولها.

كأن يكون أحدهم من مشايخ الإجازة ، وقد فصّل المصنف القول في مشايخ الإجازة وعلو مقامهم بحيث يراهم في غنى عن التوثيق لأنّهم فوق مستوي التوثيق.

أو لرواية الأجلّة المعروفين بصدقهم ووثاقتهم عنهم.

ومن أمارات التوثيق بالمعنى العام المعتمدة في هذا الحقل ، أن يكون المضعّف هو ممن ذكره الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره الشريف ـ في أصحاب الصادق عليه‌السلام لتصريح العلماء بما قام به ابن عقدة من تأليف كتاب في الرجال جمع فيه أربعة آلاف رجل كلهم من الثقات من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، ومن البداهة أنّ كتب الرجال الشيعية ـ بما فيها رجال الشيخ ـ لم يبلغ أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام فيها هذا العدد ، فيكون ذلك قرينة على التوثيق فيما يراه المصنف.

ومنها : تصحيح العلماء القدامى والمتأخرين ـ لا سيما العلاّمة الحلي ـ قدس‌سره الشريف ـ لطرق وقع فيها أمثال هؤلاء الذين ضعّفوا أو حكي تضعيفهم في كتب الرجال.

٤٤

ومنها : اعتماد المصنف على تصريح علماء الشيعة الأوائل بالأخذ بمرويات بعضهم ، لا سيما الشيخ المفيد ، والطوسي وأضرابهما.

ومنها : ترجيح الأخبار الرجالية التي تفيد التوثيق على غيرها لمسوغات كثيرة وأسباب علمية بسّط الكلام عنها في محله.

ومنها أيضا : رواية أصحاب الإجماع عن شخص تعدّ من أمارات الوثاقة له بالمعنى العام.

أو رواية من صرحت كتب الرجال بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، عنه.

وقد يجد المصنف ـ أحيانا ـ في تضعيفات بعض من عرف بالتعصب من أهل السنة لرجال الشيعة قرينة على التوثيق لا سيما وأنّ المعروف عن بعضهم تضعيف من اشتهر بولاية وانقطاعه لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وعدّه من الضعفاء لا لشيء البتة وإنّما لكونه داعية إلى الحق الذي يسمونه ( الرفض ) كما هو الحال في علم الشيعة جابر الجعفي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ومؤمن الطاق الذي أطلق عليه رجالهم : شيطان الطاق!!.

ولهذا يعدّ المصنف مدحهم ـ النادر ـ لرجال الشيعة كقدحهم لا نفع فيه ولا ضرر كما في شرحه للطريق رقم [٩٧].

إلى غير ذلك من الأمور الأخرى الكثيرة التي اعتمدها النوري ـ قدس‌سره ـ في مقام التوثيق والتي يطول المقام هنا بايضاحها والتعريف بها ، لذا نتركها روما للاختصار.

وقد يضطر المصنف إلى الإطالة في بيان وثاقة بعض هؤلاء الرواة ، لا سيما من حفلت ترجمته بكثرة الأقوال في كتب الرجال مع الاختلاف الحاصل بينهم في توثيقه واعتبار ما يرويه من الأحاديث ، كما هو الحال في أحمد بن هلال ، وسهل بن زياد وغيرهما.

ومن منهج المصنف في دراسته لرجال مشيخة كتاب من لا يحضره

٤٥

الفقيه أنه يهتم بتدوين اسم الراوي كاملا ، مع بيان نسبه ، وولائه ، ومذهبه إن كان ممن ينتسب إلى المذاهب الفاسدة كالواقفية أو الفطحية وغيرهما.

مع التأكيد على من اتفق معه في الاسم والمعاصرة ، وكيفية التمييز بينهما ، منبها على السهو أو الغلط الحاصل في ضبط الاسم أحيانا ، مع الإشارة إلى من روى عنهم أو رووا عنه ومن نبغ من أسرته في العلم والرواية ، ولم ينس أيضا ذكر مصنفاته ، وربما نبّه إلى طرق النجاشي وشيخ الطائفة ـ قدس‌سرهما ـ إليها ، كل ذلك مشفوعا بعدد جم من رواياته في كتب الحديث المشهورة ، وتسمية من روى عنه ، فان كان مقلا من الرواية نبّه عليه ، وإن كان مكثرا أطال في بيان مروياته وأكثر من الحديث في ترجمته وبيان حاله.

ولتمكن المصنف ـ رحمه‌الله ـ في فن الرجال ، نراه لا يكاد يدع من أقوال علماء الرجال قولا واحدا فيمن تناوله بالبحث إلاّ وناقشه ، حيث يستعرض في مقام خلاصة الرأي في الراوي جميع وجوه الذم فيه ، وقد يستخلص منها ـ في الغالب ـ بفطنة وذكاء وجوها تضاد الذم ، وقد يحملها على محامل أخرى جديرة بالعناية والاهتمام لما فيها من موافقة قول القادح للموثّق.

ومن جملة ما يلفت نظر القارئ الكريم في هذه الفائدة عناية مصنفها ـ قدس‌سره ـ بدراسة وتحقيق ما نسبه علماء الرجال من عامية ووقف ـ ونحوهما ـ إلى بعض الرواة.

أما نسبة الغلو إلى البعض الآخر ، فقد اهتم بها اهتماما ملحوظا وقد ردّها بحجج قوية مشفوعة بالتحقيق العلمي الرائع في مواضع متعددة من هذه الفائدة ، بما يمكن معه استخلاص رأيه النهائي في بيان الأسباب الداعية إلى اتهام بعض الرواة بمسألة الغلو ، بأنها نتيجة روايتهم لجملة من الأخبار الدالة على جلالة قدر الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام مع ان مروياتهم تلك

٤٦

ليس فيها من الغلو شيئا كما هو الحق في عدد من الرواة الذين نزّهت ساحتهم من هذه التهمة ، هذا فضلا عن إطلاق البعض لهذه النسبة على ما لا يستلزمها أصلا ، كل ذلك بسبب الاحتياط والتشدد والتنفير من الغلو ورواته.

كما اهتم المصنف في هذه الفائدة ببعض المباحث الدرائية في مصطلح الحديث التي فرضت عليه لاتصالها بمن ترجم إليه من الرواة.

منها : دراسة بعض ألفاظ الجرح والتعديل ودلالاتها.

ومنها : الاهتمام بدراسة بعض ألفاظ نقل الحديث ، لا سيما ما دلّ منها على جهالة حال المروي عنهم التي تلحق الحديث بصنف المراسيل.

ومنها : مسألة الاحتجاج بالحديث المرسل ، وآراء العلماء في ذلك ، حيث اهتم به كثيرا كما في ترجمة محمّد بن أبي عمير ـ رضي الله تعالى عنه ـ.

ومنها : دلالة بعض الألفاظ والعبارات على التوثيق الإجمالي أو المدح العام ، كتكنية الامام عليه‌السلام لأحد الأصحاب ، أو ترضيه وترحمه عليه ، وقد يتوسع في دلالة ترضي وترحم غير الامام عليه.

ومنها : تصنيف الحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف عند المتأخرين ، والإشارة السريعة إلى كل صنف من أصنافه ، إلى غير ذلك من الأمور المهمة المتفرقة المبثوثة في ثنايا تراجم رجال مشيخة الفقيه.

وبعد أن فرغ المصنف من شرح طرق الصدوق في هذه الفائدة ، شرع ـ رحمه‌الله ـ بتنظيم فهرس تفصيلي ـ مرتبا على الحروف ـ لأهم ما ورد من التراجم الرجالية التي بلغت زهاء مائتين وتسعة عشر ترجمة ، علما بأنّه قد ترك ذكر الكثير من الرواة الذين لم يتوسع بتراجمهم.

ثم بين بعد ذلك مشايخ الصدوق مرتبين على الحروف فبلغوا زهاء

٤٧

مائتين وأربعة مشايخ.

وأخيرا اختتم هذه الفائدة ببيان عدد أخبار « كتاب من لا يحضره الفقيه » وعدد مراسيله موزعة على الأبواب ، موضحا من أرسل الحديث من رواة « الفقيه » ورأيه في هذا الإرسال.

٤٨

الفائدة السادسة

في نبذ ممّا يتعلّق بكتاب التهذيب

في هذه الفائدة تصنيف تام ـ من حيث الصحة وعدمها ـ لكل طرق الشيخ الطوسي ( ت / ٤٦٠ ه‍ ) ـ قدس‌سره الشريف ـ في كتابه التهذيب.

ولما كانت مشيخة التهذيب ـ التي سيأتي الحديث عنها لاحقا ـ هي نفس مشيخة الإستبصار ، كان لا بدّ من التعرض لطرق الشيخ التي نص عليها في الاستبصار ، وحيث ان الفهرست قد اشتمل على ما يقرب من ألف طريق للشيخ إلى أرباب الأصول والمصنفات التي أخرج عنها في التهذيب كان لا بدّ من الرجوع إلى هذه الطرق بغية الوصول إلى معرفة ما لم يذكره منها في مشيخة التهذيب.

ومن هنا جاءت عناية الأعلام بدراسة جميع طرق الشيخ في هذه الكتب الثلاثة : « التهذيب ، والاستبصار ، والفهرست » وعدم الفصل بينها إذ من الممكن الحكم بصحة طريق ضعيف في واحد منها بلحاظ ما في الآخر ، لا سيما وان الشيخ ـ رضي الله تعالى عنه ـ قد أحال في مشيخة التهذيب ـ كما سيأتي ـ إلى طرقه في الفهرست.

ومن بين هؤلاء الأعلام الذين اهتموا بمثل هذه الدراسة هو المصنف ـ قدس‌سره ـ كما سيتضح من التعريف لهذه الفائدة.

ابتدأها المصنف ـ قدس‌سره ـ بالإشارة السريعة إلى موقع كتاب التهذيب بين كتب الحديث الأخرى عند فقهاء الشيعة الإمامية ، فهو أعظمها في الفقه منزلة ، وأكثرها منفعة ، إذ لا يمكن استغناء الفقيه عنه لما اشتمل عليه من الفقه والاستدلال ، والتنبيه على الأصول والرجال ، والتوفيق بين

٤٩

الأخبار ، والجمع بينها بشاهد النقل والاعتبار ، إلى غير ذلك من المميزات الأخرى لهذا الكتاب التي لم يحوها كتاب غيره في بابه.

وبعد الإشارة إلى أهمية التهذيب ومنزلته ، انتقل إلى بيان طريقة شيخ الطائفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ في رواية أحاديث العترة الطاهرة عليهم‌السلام مبينا عدم جريانها على نسق واحد في كتابيه : التهذيب والاستبصار.

فهو ـ رضي الله تعالى عنه ـ قد يعتمد طريقة ثقة الإسلام الكليني تارة بأن يذكر جميع رجال السند فيهما ابتداء من شيخه وانتهاء بالراوي عن المعصوم عليه‌السلام وهذا غالبا ما يكون في أوائل الكتابين ، وتارة يعتمد طريقة الصدوق في « من لا يحضره الفقيه » فيقتصر على ذكر بعض رجال السند ممن بعدوا عن عصره ، وذلك بحذف صدر السند لغرض الاختصار ، وهذا غالبا ما يكون في أواخر الكتابين ، ثم يستدرك ـ في نهاية المطاف ـ على ما حذفه من الإسناد بخاتمة يبين فيها طرقه إلى من روى عنه من المشايخ بصورة التعليق ، لكي يتم من خلال ذلك وصل سلسلة السند بينه وبين الراوي عن المعصوم عليه‌السلام إلاّ أنّ هذه المشيخة لم تكن مستوعبة لكل الطرق المعلقة ، ولم يكن الشيخ غافلا عن هذا وإنما ترك تفصيله إلى فهارس الشيوخ المصنفة لرواية الأصول والمصنفات التي نقل الشيخ منها ولم يذكر طرقه إلى أصحابها ، ومن بين هذه الفهارس التي أحال إليها كتابه المعروف بالفهرست.

ولما كان ميرزا محمد الأردبيلي ( ت / ١١٠٠ ه‍ ) ـ قدس‌سره ـ قد أعدّ رسالة درس فيها طرق الشيخ ـ رضي الله تعالى عنه ـ في كتبه الثلاثة ، وأطلق عليها اسم : « رسالة تصحيح الأسانيد » ثم اختصرها في الفائدة الرابعة من فوائد كتابه المعروف بـ « جامع الرواة » ، لذا اختار المصنف ـ قدس‌سره ـ هذه الرسالة من بين نظائرها المعدّة لهذا الغرض ، نظرا لما امتازت به عن

٥٠

غيرها من فوائد مهمة تعرب عن تضلع الميرزا الأردبيلي ـ رحمه‌الله تعالى ـ بهذا الحقل من البحث والدراسة ، فأورد مختصرها كاملا في هذه الفائدة ، مشيرا إلى منهج مؤلفه الأردبيلي ـ رحمه‌الله تعالى ـ بعد اطرائه على ما قام به من جهد عظيم في معرفة أحوال أحاديث التهذيبين وذلك برجوعه إلى مشيختهما مع الفهرست.

وقبل بيان جهد المصنف في هذه الفائدة ، وما طرحه من آراء فيها ، يحسن بنا أن نبين ـ باختصار ـ الهيكل العام لرسالة تصحيح الأسانيد ، فنقول :

اشتملت هذه الرسالة على نحوين من الدراسة ، وهما :

الأول : دراسة طرق الشيخ في المشيخة (١) والفهرست.

الثاني : البحث في الطرق المذكورة في كلّ من التهذيب والاستبصار.

أمّا الأول : فيتلخص نشاط الأردبيلي فيه بثلاثة أمور وهي :

١ ـ الحكم بالصحة على الطريق المتفق على صحته.

٢ ـ الحكم بالضعف على الطريق المتفق على ضعفه.

٣ ـ ترك الحكم على الطريق المختلف فيه عند عدم إمكان الترجيح ، مع ذكر اسم الراوي الذي بسببه صار الطريق مختلفا فيه.

وقد شمل هذا النحو جميع طرق الشيخ في المشيخة والفهرست إلاّ ما استسيغ تركه (٢) كما نبهنا عليه في محله.

__________________

(١) تقدم القول بأن مشيخة التهذيب والاستبصار واحدة ، وهو كذلك ، إلاّ أنّا وجدنا ـ في سير التحقيق ـ اختلافا يسيرا جدا بينهما وذلك بتشعب طريق واحد في أحدهما إلى طرق أكثر مما تشعب إليه ذلك الطريق في الآخر ، وهذا لا يضر بوحدة المشيختين ، كما نبهنا عليه في محله.

(٢) كأن يترك فرعا من الطريق لا أصلا ، أو يختار ـ أحيانا نادرة ـ أصح الطريقين إلى راو واحد ، ويدع الآخر.

٥١

أمّا الثاني : فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالطرق الضعيفة ، والمرسلة ، والمجهولة إلى المشايخ في المشيخة والفهرست ، وان كان محور البحث ليس فيها أصلا ، لاختصاصه بالمتابعة والاستقصاء التام لكافة ما ذكره الشيخ إلى هؤلاء المشايخ من طرق متصلة الاسناد ( صحيحة ، أو حسنة ، أو موثقة ) في أصل التهذيب والاستبصار ، لكي يقارن هذه بتلك ، وحينئذ يخرج الضعيف من حيّزه ، ويتصل المرسل ، ويعرف المجهول ، ولهذا لا يذكر ـ في الغالب ـ في رسالته طريقا صحيحا ، أو حسنا ، أو موثقا من أصل الكتابين لمن كان الطريق إليه صحيحا في المشيخة أو الفهرست. وهذا العمل الممتاز الذي خدم به الأردبيلي ـ قدس‌سره ـ أحاديث الكتابين لم يسبقه أحد إليه بهذا الشكل المستوعب فيما نعلم.

أمّا دور المصنف النوري ـ رحمه‌الله تعالى ـ في هذه الفائدة ، فقد اختصره هو بعبارة واحدة قبل شروعه بنقل ما في رسالة تصحيح الأسانيد ، فقال :

« وربما نبهت على فائدة في بعض الطرق أدرجتها بقولي : قلت ، وفي آخره : انتهى ».

ثم شرع بعد ذلك بنقل طرق الشيخ على نحو ما في مختصر رسالة تصحيح الأسانيد.

هذا ويمكن الوقوف على جهد المؤلف في هذه الفائدة ، حيث ضمنها بكثير من الفوائد المهمة التي حملته على قطع الرسالة بين حين وآخر كما نبه عليه ، وذلك بلحاظ تعليقاته المصدرة بقوله : ( قلت ) ، ولعل أهمها ما يأتي :

١ ـ التأكيد ـ أحيانا كثيرة ـ على وثاقة من حكم بسببه على الطريق بالضعف وذلك بالرجوع إلى كتب الرجال.

٢ ـ محاولته في وصل بعض الطرق التي حكم عليها بالإرسال.

٥٢

٣ ـ الإشارة إلى حكم المشهور على بعض الطرق ، وحكمها عنده ، مع بيان السبب الداعي إلى الحكم بخلاف المشهور.

٤ ـ التنبيه على وثاقة أو حسن بعض الرواة في جامع الرواة مع تضعيف بعض الطرق بسببهم في رسالة تصحيح الأسانيد سهوا.

٥ ـ بيان رأيه في الطرق المرسلة ، إذا كان المرسل من أصحاب الإجماع.

٦ ـ مخالفة صاحب الرسالة في حكمه بالاتحاد بين راويين ، وبيان التعدد بوجوه كما هو الحال في محمّد بن جعفر الأسدي الذي حكم الأردبيلي باتحاده مع محمّد بن جعفر الرزاز.

٧ ـ التوسع ـ أحيانا ـ في بيان بعض الأمور المتعلقة بالرواة الذين حكم عليهم بالضعف أو الجهالة ، بما يؤكد من خلالها على حسن حالهم.

٨ ـ التنبيه على خلو مشيخة التهذيب من بعض الطرق التي نصت الرسالة على وجوده فيها ، وهذه الملاحظة مهمة جدا ، إذ صرح الأردبيلي ـ رحمه‌الله تعالى ـ بوجود بعض الطرق في المشيخة ولا أثر له فيها فعلا ، وقد تكرر ذلك منه بما يقرب من مائة مورد تقريبا ، ومن البعيد جدا أن تكون كل هذه التصريحات من سهو القلم.

هذا ، ولم نهتد ـ بعد طول البحث والتأمل ـ إلى السر في ذلك ، وربما قد نبحث الموضوع في مقال مستقل بشكل مفصل.

٩ ـ التصريح بأن الحكم بالضعف أو الجهالة على بعض طرق الشيخ إلى المصنفات والأصول في الفهرست لا يضر بعد وصول هذه الكتب سالمة إلى عصر المصنف ، وقيامه بشرح حالها بما يؤكد الاعتماد عليها كما مر في الفائدة الثالثة.

١٠ ـ الاهتمام ببيان ما في فهارس الشيوخ المصنفة لروايات الأصول

٥٣

والمصنفات ، حيث أحال إليها الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره ـ كما تقدم.

ومن هذه الفهارس التي رجع إليها المصنف لمعرفة تلكم الطرق هي :

مشيخة الصدوق ، ومشيخة أبي غالب الزراري المفصلة في رسالته المعروفة في آل أعين ، ومشيخة النجاشي في كتابه المعروف برجال النجاشي.

وقد أكثر المصنف الرجوع إلى هذه الكتب الثلاثة.

١١ ـ بيان سبب حكم الأردبيلي ـ رحمه‌الله تعالى ـ على بعض بعض الطرق بالضعف أو الإرسال أو الجهالة ، وإبداء الرأي في ذلك أحيانا.

١٢ ـ كثرة الإحالة من المصنف إلى ما تقدم في الفوائد السابقة من تراجم الرواة وشرح حال كتبهم ، إذ لا يمكن التعقيب بما ذكره فيها على من ضعف هنا في هذه الفائدة ، وبهذا فقد ربط أكثر الطرق الضعيفة أو المجهولة بما فصله في الفوائد السابقة عن رجال هذه الطرق.

هذا وبعد فراغه من تتبع طرق الشيخ والتعليق عليها نبّه على أربعة أمور ـ جعلها خاتمة لهذه الفائدة ـ وهي :

التنبيه الأول : الرد على تضعيف الأردبيلي ـ رحمه‌الله تعالى ـ لبعض الطرق ردا إجماليا ، إذ التعرض لكل حكم بالتفصيل يوجب الاطناب الممل.

التنبيه الثاني : البناء على إحراز وثاقة مشايخ الإجازة بحصول الظن من الامارات على ذلك ، مع التصريح بعدم قوله بأن مشيخة الإجازة تعدّ من أمارات التوثيق.

ثم نبه إلى ما تقدم من أمور في الفوائد السابقة والتي يمكن من خلالها الحكم بوثاقة مشايخ الإجازة ، مشيرا في هذه الفائدة لأهمها لكثرة الحاجة إليها.

التنبيه الثالث : رأيه فيما يخص أبواب الزيادات في كتاب التهذيب ،

٥٤

مع نقله لكلام المحدث الجزائري ومناقشته.

التنبيه الرابع : في بيان عدد الأحاديث والأبواب في كتاب التهذيب.

٥٥

الفائدة السابعة

في ذكر أصحاب الإجماع وعدّتهم

في هذه الفائدة بحث مبسوط عن المصطلح الرجالي المعروف عند الشيعة الإمامية بـ : ( أصحاب الإجماع ) تناول فيه المصنف الأمور التالية :

الأول : في نقل أصل العبارة : ( أصحاب الإجماع ) وبيان مصدرها ، وفيه بيان كونهم على ثلاث طبقات وهي :

الأولى : من أصحاب الإمام الباقر ( ت / ١١٤ ه‍ ) عليه‌السلام.

الثانية : من أصحاب الإمام الصادق ( ت / ١٤٨ ه‍ ) عليه‌السلام.

الثالثة : من أصحاب الإمام الكاظم ( ت / ١٨٣ ه‍ ) عليه‌السلام.

الثاني : في بيان عدد أصحاب الإجماع والاختلاف الحاصل بين العلماء في عددهم ، وقد نقل المصنف في المقام كلمات الكشي ، وابن داود ، والمجلسي ، والأسترآبادي ، والحائري ، والداماد ، والكني.

الثالث : تفصيل موقف علماء الشيعة من هذا الإجماع ، وقد ابتدأ بموقف الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره الشريف ـ مؤكدا على تلقي الشيخ لهذا الإجماع بالقبول ، وقد استدل على ذلك بوجوه نشير إليها اختصارا.

منها : ما ذكره السيد ابن طاوس من أن ما اختاره الشيخ الطوسي من رجال الكشي ـ الذي هو الأصل لهذه العبارة ـ يمثل مختاره ومرضية ومقبولة ، لأنّه اختصر الكثير منه ، فلا بدّ وأن يكون قد أثبت ما يراه صحيحا.

وقد يرد هذا الاستدلال بوجود روايات قدح في رجال الكشي بحق من وثقهم الشيخ في الرجال والفهرست ، ولو كانت مرضية ومقبولة من قبل الشيخ لما كان لتوثيق من وردت بحقه معنى غير التهافت ، وهذا ما لا يقوله أحد.

٥٦

ومنها : ما استفاده المصنف من كلام للشيخ الطوسي في عدّة الأصول لدعم تلقي الشيخ لهذا الإجماع بالقبول.

ومنها : ما يخص رأي الشيخ في عبد الله بن بكير ـ وهو من أصحاب الإجماع ـ ودعوى الإجماع على تصحيح ما يصح عنه.

ثم بين المصنف موقف ابن شهرآشوب ، والعلاّمة الحلي ، وابن داود ، والشهيدين الأول والثاني ، في كلام طويل محيلا إلى كلمات غيرهم من الأعلام كبهاء الدين العاملي ، والمحقق الداماد ، والمجلسيين ، وصاحب الذخيرة ، والكاظمي ، والطريحي ، وغيرهم من الأعلام.

الرابع : في بيان وجه حجية هذا الإجماع بعد وضوح عدم كون المراد منه هو الإجماع المصطلح الكاشف عن رأي الامام المعصوم عليه‌السلام بأحد الوجوه المذكورة في محله.

ثم بيّن المصنف ـ قدس‌سره ـ من ذهب من العلماء إلى أن هذا الإجماع دلّ ـ بالدلالة الالتزامية ـ على أن أصحاب الإجماع هم في أعلى درجات الوثاقة ، مؤكدا أن هذا القول إنما يتم فيما لو كان مفاد العبارة المنقولة عن الكشي ( وثاقتهم ) وأما على ما هو المشهور من كون المراد ( صحة أحاديثهم ) بالمعنى المصطلح عند القدماء فلا دلالة التزامية في المقام.

ولهذا اختار ـ قدس‌سره ـ في بيان وجه الحجية لهذا الإجماع هو إجماع الأصحاب على اقتران أحاديث ( أصحاب الإجماع ) بما يوجب الحكم بصحتها.

الخامس : حول تفسير عبارة : ( تصحيح ما يصح عنهم ) التي أطلقت في حق جماعة.

حاول المصنف استقصاء أقوال من سبقه من العلماء في مجال تفسيرها ، وحصرها بأربعة أقوال ، سنشير إليها في غاية الاختصار وهي :

٥٧

القول الأول : ويمثله المحقق الداماد ، وخلاصته : عدم الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم‌السلام من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه ، فالصحيح إذن هو الرواية لا المروي.

وقد ردّه المصنف ردا جميلا وذلك بتفسيره ( ما ) الموصولة في قولهم ( ما يصح عنهم ) بما يربطها بمتن الحديث لا سنده حتى تكون بمعنى صحة الرواية لا المروي.

القول الثاني : أنها لا تفيد أكثر من كون الجماعة ثقات ، وقد نسب هذا القول إلى القيل في كلام الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني.

وناقشه المصنف بأن العبارة تختلف عن قولهم ( ثقة ) مع وضوح التغاير والتباين بين مفاد قولهم والعبارة. ثم نقل كلمات كثير من الأعلام مرجحا ما قاله صاحب الفصول الغروية في المقام.

القول الثالث : المراد هو صحة ما رووه حيث تصح الرواية إليهم ولا يلاحظ ما بعدهم إلى المعصوم عليه‌السلام وهذا هو ما نسب إلى المشهور كما في الرواشح ، وصرح به بهاء الدين العاملي ، والوحيد البهبهاني ، وحجة الإسلام الشفتي ، وهو مما كان قد بنى عليه العلماء الأعلام كالعلاّمة وابن داود والشهيد الثاني والمجلسيين وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.

القول الرابع : المراد هو توثيق الجماعة ومن بعدهم ، وهذا القول والقول الثاني هما من فروع القول الثالث وهو قول المشهور الذي اختاره المصنف واستدل عليه بوجوه كثيرة لا مجال في تفصيلها.

ثم عرّج بعد ذلك على توضيح معنى الصحيح عند القدماء مع بيان أمارات الصحة عندهم بما يستفاد منه الاطمئنان بدعوى انحصار مصطلح الصحيح في خبر الثقة ولو من غير الإمامي. وقد استدل بجملة من الأدلة على إثبات كون المناط في الصحة عندهم حالات نفس السند من غير

٥٨

ملاحظة اقترانه بأمر خارجي.

كما بحث المصنف في هذه الفائدة ما يفرق بين عمل القدماء بالحسن أو الضعيف مع الشهرة ، بما يدل على أن هذين الصنفين من الحديث غير داخلين في الصحيح عندهم ، وإنما سبب العمل بالضعيف أحيانا هو لانجباره بالشهرة رواية كانت أو فتوى ، إلاّ أنه اختار دخول الكثير من الأحاديث الحسان في قسم الصحاح عندهم على ما سيبينه في فوائد لاحقة.

ردّ المصنف في هذه الفائدة على من ذهب إلى نقد طريقة القدماء في حكمهم بالصحة على بعض الأحاديث بأسباب لا تقتضي بنظره ذلك.

كما ردّ أيضا على من تأمّل في كون الصحيح بالمعنى المصطلح الجديد فردا من الصحيح بالمعنى الأعم مع احتماله الفرق بينهما.

وقد بحث المصنف أيضا عن القرائن التي يصير بها خبر الواحد حجة ، وقسم تلك القرائن على قسمين :

القرائن الداخلية : ويعني بها الوثاقة بالمعنى الأعم ، أو العدالة بالمعنى الأعم ـ أي : عدالة كل راو على مذهبه ـ ويعبر عنها تارة بالوثاقة بالمعنى الأعم ، واخرى بالمعنى الأخص ، فيدخل فيها الايمان على اختلاف المذاهب ، وغيرها من التثبت والضبط.

والقرائن الخارجية : وهي مطابقة الخبر لأكثر ما في الأصول الثابتة ، أو كثرة رواة الخبر وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه في الفوائد السابقة.

ثم فرق بينهما على أساس اتصاف الراوي بالأولى ، ودخول خبره في صنف الحجة بما يمكن الحكم بصحة حديثه من جهتها مطلقا.

بخلاف الثانية التي لا يمكن الحكم بصحة حديث الراوي إلا بعد الوقوف على اقترانه بها ، لأنها أوصاف لنفس الخبر ولا يمكن تصحيحه دون اتصافه بها ، وقد جعل بحثه عن تلك القرائن تمهيدا للقول بأنه لو صحت

٥٩

أعمية صحيح القدماء فإنه لا يكون من جهة القرائن الخارجية وإنما من جهة القرائن الداخلية للخبر ، وذلك لوجهين :

أحدهما : حكم الأصحاب بصحة كل ما صح عن أصحاب الإجماع من غير تخصيص بشيء.

الآخر : إن جل الأحاديث تنتهي إلى أصحاب الإجماع ، وفي هذا الوجه مقارنة لطيفة بين ما وصل للشيعة من أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام وبين ما قاله أصحاب الأئمة عليهم‌السلام في عدد ما يحفظون من أحاديثهم. ثم نقل بعضا من كلمات الأوائل ـ قدس‌سرهم ـ بما يدعم به هذا الوجه ، حتى انتهى به البحث إلى اختيار دلالة ما ذكر عن أصحاب الإجماع على وثاقتهم ووثاقة من بعدهم إلى المعصوم عليه‌السلام مطابقة أو التزاما على مسلك المشهور ، ثم نبه على أمور ثلاثة :

الأول : في بيان المراد من الوثاقة المستفادة من الإجماع ، ودلالة الإجماع عليها.

الثاني : تأكيد كون أعاظم أصحاب الأئمة عليهم‌السلام لا يفتون ولا يقولون شيئا ما لم يسمعوه منهم عليهم‌السلام.

الثالث : في ذكر جماعة من الثقات ـ دون أصحاب الإجماع ـ وصف حديثهم بالصحة ، مع بيان دلالة قولهم : صحيح الحديث.

٦٠