خاتمة مستدرك الوسائل - المقدمة

خاتمة مستدرك الوسائل - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : رجال الحديث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٤

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته المطهّرين ، وصحبه الأوفياء المخلصين ، والرحمة على أرواح علمائنا الأبرار الذين نشروا علوم آل محمّد عليهم‌السلام الذين من تمسك بحبلهم اهتدى ، وتمسك بالعروة الوثقى ، وبلغ السعادة القصوى ، ونال الدرجات العلى ، ومن تخلّف عنهم هوى وغوى.

وبعد :

عمد الأوائل من رجال الشيعة الإماميّة إلى جمع كل ما روي من حديث المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحديث أهل البيت عليهم‌السلام ابتداء من صدر الإسلام وحتى أواسط القرن الثالث الهجري ، ولم تثن طلائعهم أزمة منع التدوين المعروفة التي عاشها الحديث الشريف عند غيرهم قرنا من الزمان ، ولم توقف همتهم تلك العواصف الكثيفة التي حاولت بمكرها ودهائها أن تحجب نور الشمس عن العالمين ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) بل ازدادوا إيمانا بأن الحظر المفروض على التدوين سيلبس هذا الدين لباسا لا يمت بصلة إلى الإسلام ، وربما يطمس معالمه

٥

بمرور الأيام فيضيع الحق أو يخفى ويلتبس على كثير من العامة ، كما حصل.

ونتيجة لهذا الإدراك تجمّع لديهم ـ في أقل من ثلاثة قرون ـ ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب حفظت بأسمائها وأسماء مؤلفيها. وقد اشتهرت من بينها مجموعة من الكتب عرفت باسم « الأصول الأربعمائة » وهي أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف من أصحاب الإمامين الباقر محمّد بن علي ( ت / ١١٤ ه‍ ) والصادق جعفر بن محمّد ( ت / ١٤٨ ه‍ ) عليهما‌السلام ، ومن أصحاب سائر الأئمّة عليهم‌السلام على رأي البعض.

وقد تميّزت هذه الأصول الأربعمائة عن سائر مؤلفات الشيعة في القرون الثلاثة الأولى من عمر الإسلام بمميزات كثيرة لعلّ من أهمها حصول الإجماع على اعتبارها حاكية لكلام المعصوم ، ما اشتمل على نصّ كلامه عليه‌السلام سماعا بلا واسطة في النقل والتدوين.

ولمّا كانت مؤلّفات الشيعة ليست كلّها بمثابة الأصول الأربعمائة في قوة الحجية ، لهذا قام اللاحقون من أقطاب علماء الشيعة ـ بعد انتهاء ذلك العصر الزاهر بحياة الأئمة عليهم‌السلام ـ بإعمال دورهم في التسابق إلى دراسة هذا التراث الضخم والنظر فيه وتدقيقه وتحقيقه بحسب ما لديهم من القرائن الكثيرة ، فاجتهدوا في الوصول إلى الحق ما استطاعوا إليه سبيلا ، وكان فيهم من هو في مرتبة عالية من مراتب النظر والتحقيق ، وعلى درجة راقية من التعمق والتدقيق.

وقد كان لعملهم هذا أثره الملموس ، إذ تركوا لغيرهم ، كتبا كثيرة ، مادتها : الأصول الأربعمائة ، وغيرها من الكتب الأخرى التي بلغت من الاعتبار عند هؤلاء الأعلام درجة من الوثوق بها ما يوجب الركون إليها واعتمادها.

٦

وقد اتّصفت كتب المرحلة اللاحقة بجودة التصنيف وتوزيع المطالب الحديثية على أبوابها الفقهيّة ، ومن أشهرها كتب المحمدين الثلاثة ـ قدس‌سرهم الشريف ـ : وهي :

١ ـ الكافي : لأبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي ، المعروف بثقة الإسلام ( ت / ٣٢٩ ه‍ ).

٢ ـ كتاب من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المشتهر بالصدوق ( ت / ٣٨٠ ه‍ ).

٣ ـ تهذيب الأحكام : لأبي جعفر محمّد ، بن الحسن الطوسي ، المشتهر بشيخ الطائفة ( ت / ٤٦٠ ه‍ ).

٤ ـ الاستبصار : لشيخ الطائفة أيضا.

وتمييزا لهذه الكتب عن غيرها أطلق عليها اسم « الأصول الأربعة » باعتبار أنها أضبط وأجمع كتب الحديث الشريف ، وامتازت عن غيرها باحتوائها الشامل على أحاديث الأحكام الشرعية الفرعية ، وإن كان الكافي منها مشتملا على كثير من أحاديث الأصول والمواعظ ، وكتاب من لا يحضره الفقيه منها يحتوي على مجموعة من المواعظ ، مع ما لمؤلفيها من مقام عال ، ومنزلة رفيعة ، وشأن جليل ، حيث انتهى كل منهم إلى رئاسة محدّثي المذهب الإمامي في عصره ، وهذا ما يسرّ لكتبهم هذه أن تحتلّ موقع الصدارة بين كتب الحديث الأخرى التي قد لا تقل عنها اعتبارا بالإضافة إلى وثاقة مؤلفيها وشهرتهم أيضا.

وهكذا بقيت كتب هذه المرحلة وعلى رأسها الكتب الأربعة مدار الدرس لقرون متعاقبة ، فكان ـ ولا تزال ـ معوّل الفقهاء ومرجع العلماء ، حتى دفعت الهمة إلى جمع شتات الأخبار المتفرقة في الكتب المعروفة الانتساب إلى أهلها ، المعتبرة في مادتها ، وضمّها إلى ما في هذه الكتب

٧

الأربعة ونظائرها ، وجعل الكل في كتاب واحد ، سهل الطريقة ، حسن التبويب ، جيد الترتيب ، ليلبّي حاجة الفقيه من حيث الاستدلال بالحديث على مسائل الفقه كافّة دون الرجوع إلى عشرات بل مئات الكتب الأخرى للغرض المذكور نفسه.

وممن يسر الله تعالى ـ وله الحمد ـ لهذه المهمة الشاقّة المضنية ـ التي لا يقتصر أمرها على الجمع والتدوين ، وإنما على التدقيق والتحقيق ـ رجل عالم مشهور ، وفقيه متضلع ، ومحدث ثقة أمين ، اجتمعت في شخصه خصال الورع ، والزهد ، والتقوى ، والعبادة ، مع نفاذ البصيرة ، وصفاء السريرة ، والولاء التام لآل خير الأنام عليهم الصلاة والسلام ذلك هو العبقريّ الشيخ الحرّ العامليّ ( ت / ١١٠٤ ه‍ ) ـ قدس‌سره الشريف ـ.

أدرك الشيخ الحر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أهمية هذا العمل الجبار وقيمته العلمية ، فاسترخص لأجله ما يقرب من عشرين عاما من عمره الشريف ، جمع خلالها الكثير من كتب الحديث عند الشيعة التي كانت تدور عليها رحى الاستدلال والاستنباط ، فجمعها ضمن منهج سليم ، استعرض خطواته في مقدمة كتابه الذي أعده لهذه الغاية ، ذلك الكتاب هو « تفصيل وسائل الشيعة » الذي تشرفت مؤسستنا بإعادة تحقيقه وطبعه وفق أحدث الأساليب العلمية ، فظهر بحلته الجديدة في ثلاثين مجلدا.

وما ان أتم الشيخ الحر كتابه هذا حتى تلقفته الحواضر العلمية الشيعية في كل مكان ، ورزق فضيلة الشهرة بين الفقهاء والعلماء ، وطلبة العلوم الشرعية ، إذ يسّر لهم الوقوف على خمسة وثلاثين ألفا وثمانمائة وثمانية وستين حديثا ، فلا غرو إذا أن يكون « وسائل الشيعة » جامعا مأمونا للكتب الحديثية الكثيرة ، التي طالما استنزفت من جهود رواد الحركة الفقهية الشيء الكثير ، وأن يكون من أكثر كتب الحديث فائدة عند الشيعة الإماميّة.

٨

ولا يخفى أن « وسائل الشيعة » وإن كان فريدا في بابه ، إلاّ أن مصنفه ـ قدس‌سره ـ لم يسجل كل ما وصل إلى عصره من حديث العترة الطاهرة عليهم‌السلام بل ترك الكثير من الأحاديث لأسباب سيأتي بيانها عند الحديث عن الفائدة الأولى من فوائد هذه الخاتمة.

ومن هنا برزت الحاجة من جديد إلى كتاب آخر يكمل الشوط الذي انتهى إليه صاحب « الوسائل » فيلم شتات الأخبار الأخرى ، ويجمع الأحاديث التي لم يسجلها الشيخ الحر ـ قدس‌سره الشريف ـ ويجعلها دررا منسقة ، طالما اشتاق العلماء أن يروها مجتمعة.

وقد قيض الله تعالى لهذا العمل الضخم رجلا عبقري التتبع ، بصيرا ، ناقدا ، واسع المعرفة ، مفرط النباهة ، حاد الذكاء ، هو فارس ميدان الحديث في عصره ، حيث انتهت إليه رئاسة الحديث وأهله ، لا عن تقليد وإنكار للجديد ، وإنما عن نظر وجد ، فأحيا من خلال ما شيده من معارف رسوما وأطلالا أوشكت الأيام أن تجعلها ركاما مسلوب الجمال ألا وهو :

خاتمة المحدّثين الشيخ ميرزا حسين النوري النجفي ، المتوفى بها سنة ١٣٢٠ ه‍.

لقد وقف المحدّث النوري على جملة وافرة من الأخبار التي لم يحوها كتاب الوسائل ، وذلك في بضع سنين من التصفح الطويل في كتب الشيعة الإمامية ، والتتبع الفريد لكل ما لم يورده الشيخ الحر ، ومن هنا كانت انطلاقه « مستدرك الوسائل » إكمالا لما استهدفه الأصل نفسه ، وجمعا لكلّ ما ربما يستفاد منه في باب الأحكام الشرعية ، ولوجوبه ، أو في نظر بعض.

قال الشيخ البحاثة الإمام آقا بزرگ الطهراني ( ت / ١٣٨٩ ه‍ ) وهو يصف عمل أستاذه النوري في مكتبته العظيمة المشتملة على ألوف من الكتب والآثار النادرة العزيزة الوجود ، أو الفريدة ، ما نصه :

٩

« فلا يخرج منها إلاّ للضرورة ، وفي الصباح يأتيه من كان يعينه على مقابلة ما يحتاج إلى تصحيحه ومقابلته مما صنفه أو استنسخه من كتب الحديث وغيرها. وكان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه ، أو قضى حاجته باستعجال ، لئلا يزاحم وروده إشغاله العلمية ومقابلته.

أما في الأيام الأخيرة ، وحينما كان مشغولا بتكميل ( المستدرك ) فقد قاطع الناس على الإطلاق ، حتى انه لو سئل عن شرح حديث ، أو ذكر خبر ، أو تفصيل قضية ، أو تاريخ شيء ، أو حال راو ، أو غير ذلك من مسائل الفقه والأصول ، لم يجب بالتفصيل بل يذكر للسائل مواضع الجواب ومصادره فيما إذا كان في الخارج ، وأما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من أحد الكتب ويعطيه للسائل ليتأمله ، كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة الشغل الأهم من القراءة والكتابة ».

وقد شهد بمكانة المستدرك وأهميته فحول العلماء ، وأقطاب الفقهاء ، وكبار المحققين ، وأعاظم المجتهدين في عصره ، كالشيخ الأعظم الميرزا محمّد تقي الشيرازي ( ت / ١٣٣٨ ه‍ ).

وشيخ الشريعة الأصفهاني ( ت / ١٣٣٩ ه‍ ).

والشيخ المحقق محمّد كاظم الخراساني ( ت / ١٣٢٩ ه‍ ) ـ صاحب الكفاية ـ الذي نقل عنه أنه كان يقول : ان الحجة للمجتهد في عصرنا هذا لا تتم قبل الرجوع إلى المستدرك.

وهذه شهادة تكشف عن أهمية المستدرك في نظر الفقهاء ، وتجعله كتابا متحدا مع الوسائل في أهدافه وغاياته ، أو كما يقول النوري ـ قدس‌سره ـ : صار الوسائل ومستدركة كتابين كأنهما نجمان مقترنان يهتدى بهما على مرور الدهور والأزمان ، أو بحران ملتقيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان.

١٠

خاتمة المستدرك

إذا كانت أحاديث المستدرك تعرب عن سعة اطلاع الشيخ النوري ـ قدس‌سره ـ في عالم الرواية ، وتكشف عن تتبعه النادر لكل شاردة وواردة من روايات أهل البيت عليهم‌السلام فإن خاتمة المستدرك هي المرآة العاكسة لنبوغه في علوم الحديث الشريف ، ولوحة فنية معبّرة بصدق عن شخصيته العلمية بكل أبعادها.

إذ نجد في فوائد هذه الخاتمة الاثنتي عشرة ، تعرضه إلى الكثير من المطالب الرجالية العالية ، والمباحث العويصة المرتبطة بعلم الحديث ، مع العناية الفائقة في دراسة التوثيقات الرجالية العامة ، واختلاف المشارب والمسارب فيها ، وكشف النقاب عن اختلاف المباني العلمية في هذا الاتجاه ، ومن ثم مناقشتها نقاشا طويلا هادئا متزنا ، بيد أنه قد يثور قلمه أحيانا ، ويغضب في مناقشة ما يراه تهافتا ، وعندها يترك العنان ليراعه ليدبج ملحمة من الأدلة ـ إن صح التعبير ـ على إبطال رأي من الآراء.

لقد ركز المصنف في فوائد هذه الخاتمة على مناقشة المباني العلمية في التوثيقات الرجالية العامة ، خصوصا تلك التي تخالف مبناه ، ولا تتفق مع وجهة نظره بوجه من الوجوه.

ولقد كان حريصا على تتبع الأقوال في كل مسألة يريد بحثها في هذا المضمار ، ومن ثم استعراض مهارة في الدفاع عن وجهة نظره وإبطال ما خالف مبناه ، وبسط ذلك على وفق منهج ثابت على الرغم من كثرة الآراء والأقوال التي حشدها في هذه الخاتمة. كل ذلك بهدف إنشاء هيكل جديد بالمعارف الحديثية.

وبغض النظر عن المباني التي شيدت صروحها في فوائد هذه

١١

الخاتمة ، نجد رعيلا من الفقهاء قد وقفوا إزاءها موقف الإعجاب ، لما فيها من تحقيق ينم عن قابلية فذة ونادرة ، ولهذا لم يكتم بعض الأصوليين إعجابه الشديد بهذه الفوائد ، فصرح على رؤوس الاشهاد بأنهم ـ في بحوثهم الرجاليّة ـ كلهم عيال على النوري ، مشيرا بذلك إلى ما في فوائد هذه الخاتمة من إبداع قل نظيره في فوائد كتب الحديث والرجال عند الشيعة الإمامية.

فالخاتمة إذا معرض فكري حافل بمختلف وجوه الآراء ، إلى جنب الكثير من المخالفات والمنافرات في عويصات المسائل الحديثية ، وهذا ما أملى على الشيخ النوري نوعا من الإسهاب في كشف غياهب تلكم المطالب عن موضوع ما رسم لها من فائدة في هذه الخاتمة.

والحق .. أنها روضة رائعة من رياض علم الحديث ، فيها من آيات الجمال ما يثير إعجاب الناظر ، ومن أفانين الورد وأريج الزهر ما ينعش المتنزه ، ولكن تلك الروضة الغناء لم تخل من أشواك ، وعلى الخبير المنقب أن يتحاشاها.

ومن آيات حسنها وجمالها انك واجد فيها مجموعة هائلة من رواة الحديث الشريف ، مع دراسة تفصيلية لبعض المجهولين منهم ، ممن لا دليل ـ في الظاهر ـ على كونه من المعروفين.

وما ان تحت الخطى مع المصنف في روضته حتى يكشف لك عن أحوالهم بقرائن قد لا تخطر على بال أهل هذا الفن ، وقد يريك أمورا لم ترد في كتاب رجالي قط تشهد على حسن حالهم فضلا عن وثاقتهم ، وما أكثر ما يوقفك على أشياء لها دخل كبير في معرفة أحوال الغابرين ، ولكن لم يلتفت إليها إلاّ القليل من النابغين في هذا الحقل المهم من الدراسة والتحقيق ، وعندها ينتزع منك الاعتراف ـ شئت أم أبيت ـ بأن في هذه الخاتمة إحياء

١٢

لرواة كثيرين لفّهم النسيان بغشائه السميك عبر الأزمان ، حتى لم يعد لهم ذلك الدور المهم في نقل الحديث وروايته ، والتفاني العظيم من أجل الحفاظ على رواية حديث أهل البيت عليهم‌السلام من التلف والاندثار.

ومن مهارته العجيبة أنك تراه يعمد أحيانا إلى الغوص في تفاصيل حياة المهجورين ، ثم لا يلبث أن يثبت لك أنهم من العلماء الأجلاء ، أما برواية صريحة صحيحة اقتنصها من كتاب بعد موضوعه عن هذا الفن فلم يلتفت إليه أربابه ، وإما باعتماده القرائن الكثيرة التي برهن عليها قبل إدخالها ميزان الجرح والتعديل.

انه دفاع عجيب لم يتصد إليه أحد قبله ولا بعده ، مع قوة الأسلوب ، وروعة البيان حتى يخيل إليك ان التدقيق والتحقيق في علم الرجال ما هو إلاّ من السحر الحلال.

ولم يقتصر بدفاعه هذا على أولئك الرواة ، بل اعتنى عناية فائقة بكثير من الكتب والأصول الدراسة ، وبيّن أنها كانت في الاعتبار والاشتهار كالشمس في رائعة النهار ، مع البرهان على انها عند أشهر العلماء المعوّل ، إذ لا غناء لهم عنها ولا متحول.

وهذا هو ما نص عليه المصنف ـ قدس‌سره ـ في الفائدة الأوّلى من فوائد هذه الخاتمة.

ولما كان الشيخ النوري لم يترك مقدمة لهذه الخاتمة يبين فيها منهجه ، ويكشف من خلالها عما في هذه الفوائد من الخرائد والفرائد ، اكتفاء منه بمقدمة المستدرك ، لذا ارتأينا أن نخص كل فائدة من فوائد هذه الخاتمة بشيء من التعريف بمحتواها العام ، مع التركيز على أهم ما يمكن أن يقال في هذا المقام ، ممهدين لذلك بما يوضح للقارئ الكريم جوانب الاتفاق والافتراق بين فوائد هذه الخاتمة وبين فوائد خاتمة الوسائل ، لما في ذلك من

١٣

أهمية بالغة في بيان حقيقة الاستدراك على فوائد خاتمة الوسائل. ومن ثم الرجوع إلى ما وعدنا به آنفا ، فنقول :

أفردت لكل من خاتمة المستدرك وخاتمة الوسائل اثنتا عشرة فائدة ، وقد امتازت فوائد الوسائل ـ تبعا لمنهج الشيخ الحر في الاختصار وتحاشي ضخامة الكتاب ـ إلى اختصار شديد بحيث لم تزد بتمامها على جزء واحد كما في الطبعة الأخيرة من الوسائل ، بينما امتازت فوائد المستدرك بسعتها لضخامة المطالب المبحوثة فيها ، هذا على الرغم من وجود التماثل البين بين عناوين فوائد الخاتمتين ، وان افترقت كل منهما بفوائد لم تعنون في الأخرى ، كما يتضح من الجدول التالي :

اسم الفائدة مختصرا

ترتيبها في خاتمة المستدرك

ترتيبها في خاتمة الوسائل

١

٢

٣

٤

٥

٦

٧

٨

٩

١٠

حول الكتب المعتمدة

صحة الكتب المعتمدة ووثاقة مؤلفيها

طرق المؤلف إلى مشايخه

فيما يتعلق بكتاب الكافي

طرق الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه

طرق الشيخ الطوسي في التهذيب

حول أصحاب الإجماع

أمارة عامة لوثاقة المجاهيل من أصحاب

الإمام الصادق عليه‌السلام

في إرجاع الأحاديث الحسنة إلى الصحيحة

الرواة الثقات والممدوحين

الأولى

الثانية

الثالثة

الرابعة

الخامسة

السادسة

السابعة

الثامنة

التاسعة

العاشرة

الرابعة

السادسة ، والتاسعة

الخامسة

الثالثة

الأولى

الثانية

السابعة

ـ

ـ

الثانية عشرة

١٤

١١

١٢

١٣

١٤

١٥

موقف الأخباريين من حجية القطع

في شرف علم الحديث الشريف

القرائن الدالة على ثبوت الخبر

في جواب الاعتراضات المحتملة

حول الأحاديث المضمرة

الحادية عشرة

الثانية عشرة

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

الثامنة

العاشرة

الحادية عشرة

ومن الجدير بالإشارة أن فوائد خاتمة الوسائل ( الثامنة ، والعاشرة ، والحادية عشرة ) قد بحثها صاحب المستدرك ضمنا وفي أكثر من فائدة ، لا سيما في الفائدتين الرابعة والخامسة.

وقد وجدنا الشيخ الحر ـ قدس‌سره ـ قد اقتصر في الفائدة الأولى على ترتيب طرق الصدوق فقط ، بينما بحثت هذه الطرق تفصيلا في خاتمة المستدرك في الفائدة الخامسة ، مع إعطاء دراسة تامة لكل رجل من رجال هذه الطرق ، بل وتعيين من روى عنه من الثقات المشهورين مع تعيين رواياتهم في الكتب الأربعة وغيرها من كتب الحديث عن الشيعة الإمامية ، ولم يستثن ـ من هذه الدراسة ـ أحد من الرواة إلاّ الثقات المشهورين شهرة واسعة جدا مع الإجماع على وثاقتهم.

ومثل هذا الفارق نجده أيضا فيما تخصص من فوائد الخاتمتين لمشيخة التهذيب والاستبصار ، حيث الاكتفاء بنقلها كما هي من غير ترتيب في خاتمة الوسائل تلافيا للتكرار الذي ينجم من الترتيب ، لاعتماد الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره ـ على شطر من طرقه في بيان طرقه الأخرى ، في حين أضيفت لدراسة هذه الطرق في خاتمة المستدرك جميع طرق الشيخ إلى كتب الشيعة في الفهرست ، مع بيان الحكم ـ بالصحة أو الضعف ـ على كل طريق ، ولا شك ان هذا الحكم على كل طريق من طرق الشيخ في

١٥

الفهرست بالصحة أو الضعف ، هو نتيجة لدراسة رجالية موسعة شملت جميع من ذكر في الفهرست ، ولم يشذ عن ذلك إلاّ من كان معاصرا للشيخ وله كتاب رواه عنه مباشرة ، إذ لا طريق.

إلى غير ذلك من المميزات التي انفردت بها إحداهما عن الأخرى ، إلاّ أن القاسم المشترك بينهما هو الاعتماد على المباني الاخبارية التي تختلف عن مباني الأصوليين إزاء بعض النتائج المقرّرة في هاتين الخاتمتين ، اختلافا يضيق في بعض الأحيان فيعود لفظيا لا تفاوت فيما يرتبه المبنيان عليه من آثار ، ولكنه قد يتسع أحيانا اخرى اتساعا بحيث لا يمكن الجمع بين آثارهما بحال.

إلاّ أن ما نجده في البحوث الرجالية والدرائية والكتب المعدة لهذا الغرض ـ بعد عصر الشيخ النوري ـ يؤكد على أن لثمرات « خاتمة المستدرك » أهمية لا يسع أرباب أي مبنى ـ في هذا الحقل ـ تركها أو الإعراض عنها بحال من الأحوال على الرغم من اعتماد المباني الخاصة فيها.

وقد اضطرنا هذا الاختلاف المبنوي ـ أحيانا ـ إلى الإشارة السريعة إلى أهمه خصوصا فيما يتعلق بالتوثيقات العامة المتركزة في الفوائد : « الرابعة ، والخامسة ، والسادسة » وأعرضنا عن بيان الاختلافات الأخرى ، التزاما بإظهار نص المؤلف بصورة واضحة خالية من التعقيد والتصحيف والتحريف كما هو منهجنا في التحقيق.

وبهذا المقدار من الحديث عن خاتمة المستدرك قد آن الأوان لأن تحظى فوائده بما وعدنا به من تعريف فنقول :

١٦

الفائدة الأولى

خصصت هذه الفائدة لبيان مصادر المستدرك ، وهي أقصر فائدة في فوائد هذه الخاتمة ، إذ لم يذكر المصنف فيها سوى مقدمة يسيرة تعرب عن جهده في صياغة ما أنشأه من معارف مهمة ذات صلة بالحديث الشريف ومن ثم تعداد الكتب التي اعتمدها في تسجيل ما استدركه على الشيخ الحر من الأحاديث.

ولقد كان الابتداء بها في هذه الخاتمة موفقا من حيث الترتيب الفني لهذه الفوائدة وتسلسلها على خلاف ما هو عليه في ترتيب فوائد خاتمة الوسائل إذ ابتدأت بنقل مشيخة الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه.

وعلى أية حال ، فإنّ تنظيم فوائد خاتمة المستدرك ابتداء بمصادره وانتهاء بترجمة مؤلفة قد أضفى على هذه الخاتمة نوعا من الجمال ، لانسجام العرض مع الترتيب.

ولما كان الشيخ الحر العاملي ـ قدس‌سره ـ قد أشار إلى كتب أهملها حين تدوين « الوسائل » لذا قد يكون « المستدرك » موحيا بالاعتماد على هذه الكتب ونظائرها.

ومن هنا يظهر اهتمام المصنف بهذه الفائدة وتقديمها على ما سواها ، لأنها الأساس الذي شيّد عليه صرح المستدرك.

وما كان الشيخ النوري مغامرا ليختار أرضا رخوة يقيم عليها مثل هذا البناء ، لينهار قبل تمامه ، كما سنوضحه في هذه السطور ، فنقول :

صرح الشيخ الحر العاملي ـ قدس‌سره ـ في الفائدة الرابعة من

١٧

خاتمة الوسائل بأسماء الكتب التي نقل منها أحاديث « الوسائل » فكانت على نحوين وهما :

الأول : كتب نقل منها مباشرة ، وهي اثنان وثمانون كتابا.

الثاني : كتب نقل منها بالواسطة ، وهي ستة وتسعون كتابا.

وبهذا يكون مجموع الكتب التي صرح الشيخ الحر باعتمادها في الوسائل ـ سواء بالواسطة أو غيرها ـ مائة وثمانية وسبعين كتابا.

وهذا العدد لا يمثل جميع ما وصل إلى عصر الشيخ الحر من كتب الشيعة قطعا.

وأيضا صرح الشيخ الحر في هامش له على بداية الفائدة المذكورة ( ٣٠ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ) بأنه قد ترك النقل من كتب اخرى غير معتمدة عنده لسببين وهما :

الأول : عدم العلم بثقة بعض مؤلفي هذه الكتب.

الثاني : ثبوت ضعف بعضهم عنده.

ثم عدد من هذه الكتب ثلاثة عشر كتابا.

والشيخ النوري ـ قدس‌سره ـ لم يعتمد على هذه الكتب الثلاثة عشر كلّها ، بل ترك سبعة منها لعدم اعتمادها عنده أيضا ، ولعل من ألّفها هم « البعض » الذي ثبت ضعفه عند الشيخ الحر ـ طاب ثراه ـ.

أما « البعض » الآخر من هذه الكتب التي لم يكن لدى الشيخ الحر علم بثقة مؤلفيها ، فلا يبعد ان تكون هي الستة المعتمدة في أحاديث المستدرك ، وهي :

١ ـ كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢ ـ كتاب الفقه الرضوي المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام.

٣ ـ كتاب غوالي اللآلئ لابن أبي جمهور الأحسائي.

١٨

٤ ـ كتاب الشهاب لابن سلامة القضاعي.

٥ ـ كتاب جامع الأخبار لمحمّد بن محمّد السبزواري.

٦ ـ كتاب الدرر والغرر للآمدي.

وهذه الكتب الستة لا تمثّل إلاّ جزءا يسيرا جدا من أحاديث المستدرك التي اقتنصها المصنف ـ بعد تصفح طويل في تراث الشيعة ـ من كتب كثيرة ، لم يصرح بها الشيخ الحر لا سلبا ولا إيجابا. وقد ذكر المصنف منها في هذه الفائدة اثنين وسبعين كتابا ، كانت سبعة منها هي من مصادر بحار الأنوار ، ولو أردنا تصنيف هذه الكتب لوجدناها مشتملة على بعض الأصول الأربعمائة ، ونوادر قدماء الأصحاب ، ورسائلهم ، ومسائلهم ، وصحائفهم ، وتفاسيرهم وغيرها مما لم يكن عند الشيخ الحر العاملي وقت تأليف الوسائل.

ومن الملفت للنظر هو أن بعض مؤلفي الكتب المذكورة في هذه الفائدة هم من مؤلفي الكتب المعتمدة في الوسائل ، كالصدوق الأول علي ابن الحسين بن بابويه القمي ( ت / ٣٢٩ ه‍ ) والشيخ الصدوق محمّد ابن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت / ٣٨١ ه‍ ) والشيخ المفيد ( ت / ٤١٣ ه‍ ) ، والطبرسي صاحب مجمع البيان ( ت / ٥٥٨ ه‍ ) ، والسيد ابن طاوس ( ت / ٦٦٤ ه‍ ) ، والشهيد الأول ( ت / ٧٨٦ ه‍ ) ، ـ قدس الله تعالى أرواحهم ـ.

وهذا يعني استقصاء المصنف لمؤلفات الأعلام الذين لا شك ولا شبهة في وثاقتهم ، ومن ثم فرز ما لم يعتمد الحرّ منها في الوسائل ، إما لعدم الوقوف عليها ، أو لعدم وصول نسخة صحيحة منها إلى الشيخ الحر وقت التأليف.

ومثاله اعتماد الشيخ الحر على عشرة كتب من كتب السيد ابن طاوس ( ت / ٦٦٤ ه‍ ) إلاّ أن الشيخ النوري استدرك عليه ما فاته من أحاديث في

١٩

« فلاح السائل » و « سعد السعود » حيث لم ينقل عنهما في الوسائل ، ولا يشك أحد بصحة انتساب هذين الكتابين لهذا الفقيه الجليل ، ومن هنا كانت أهمية هذه الفائدة إذ رسمت صورة واضحة لجهد المصنف في تتبع ما لم يورده الشيخ الحر من مؤلفات أعاظم الشيعة المعلومة النسبة إليهم.

وممّا يلحظ في هذه الفائدة أنها لم تسجّل جميع مصادر المستدرك ، وما ترك ذكره فيها أكثر مما ذكر ، لا عن غفلة من المصنف بل لنكتة مهمة وهي أن ما اعتمده النوري من الكتب ولم يشر إليه في هذه الفائدة إنما هو لاعتماده من قبل الشيخ الحر نفسه ، وهذه ميزة مهمة للمستدرك تكشف عن تتبع مصنفه لما في مصادر الوسائل من أحاديث تركها الشيخ الحر ، مع أنها تنطوي على أحكام فقهية بنظر النوري ، ومروية بالأسانيد التي احتج بها الشيخ الحر ، وهذه الكتب كثيرة نذكر منها :

كتاب المحاسن للبرقي ، كامل الزيارات لابن قولويه ، رجال الكشي ، قرب الاسناد للحميري ، تفسير علي بن إبراهيم القمي ، تفسير العياشي ، الكافي لثقة الإسلام الكليني ، وكتاب من لا يحضره الفقيه ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، والخصال ، وإكمال الدين ، وثواب الأعمال ، ومعاني الأخبار للشيخ الصدوق ، وأمالي الشيخ المفيد ، والاختصاص له أيضا ، وأمالي الطوسي ، وكتاب الغيبة ، ومصباح المتهجد له أيضا ، ونهج البلاغة جمع السيد الشريف الرضي ، وكنز الفوائد للكراجكي ، والاحتجاج للطبرسي ، وغيرها.

نعم ، ذكر النوري في هذه الفائدة أربعة من الكتب المشتركة الاعتماد عليها بينه وبين صاحب الوسائل وهي :

١ ـ صحيفة الإمام الرضا عليه‌السلام.

٢ ـ كتاب علاء بن رزين.

٢٠